09-11-20, 10:27 PM | #811 | ||||
| البارت السادس و الثمانون فقدان سيطرة في المطعم و بعد مغادرة علي و عائلته , ساد صمت مريب المكان , لم يكن يسمع سوى صوت نحيب السكرتيرة الهلعة , التي جلست أرضا تنوح مرافقيها الغائبين عن الوعي , و لا تعرف ما سيكون مصيرها الآن , بعدما حضرت ذلك العرض المرعب قبل دقائق . أسيل أيضا لزمت مكانها تحت الطاولة , نفس البقعة التي غرسها فيها كريم لحمايتها , و كأنه ثبتها هناك بالغراء اللاصق , كانت تجول بنظرات تائهة , تحدق في الحطام الذي خلفه الرجلان , تسمع والدها يهمهم الى جانبها بصدمة , دون مقدرته على الوقوف و المغادرة هو الآخر , و قد راودها فجأة شعور باليتم , بعدما غادر كريم و تركها هناك , دون قول كلمة واحدة للشرح أو السؤال . لم تدم حالة التيه هذه كثيرا , فسرعان ما احتل المكان , من مجموعة من الرجال الأشداء , بوجوه غامضة و ملابس سوداء متماثلة , يماثلون حرس بهجت في قوتهم و جبروتهم , شعرت أسيل بداية بالخوف لرؤيتهم , خشية أن يكونوا أتوا للانتقام , ممن بقي هنا عما حصل لرئيسهم , معتقدة أنهم موالين للطرف الآخر , لكن شكها سرعان ما تبدد , حينما انحنى أحدهم ناحيتها , و سألها بصوت هامس , و أكثر لطفا مما اعتقدت " آنسة أسيل هل أنت بخير ؟ " جفلت أسيل من اقترابه منها , معتقدة أنه يريد ايذاءها , لكنها سرعان ما أصيبت بصدمة , و اتسعت عيناها ما ان قال اسمها بكل اهتمام " من أين يعرف اسمي ؟ " سألت نفسها بدهشة , و حدقت في وجه الرجل , الذي ينتظر اجابة على سؤاله , و الذي بدا مسالما جدا , بالنظر الى ضخامة جثته و بروز عضلاته . بلعت أسيل ريقها الذي جف , و فركت أصابعها المتوترة بارتجاف , لكن ردها اقتصر على هزة من رأسها بالايجاب , فكلماتها هربت منها تماما كما طار الرجل التمثال , و قد بدا الرضا على وجه الرجل الغريب برؤية تجاوبها . تلقى بعدها الرجل الذي سألها , مكالمة في جهازه المثبت على أذنه , لينشغل بها بعض اللحظات و قد بدا واضحا أنه بصدد تلقي تعليمات معينة , من طرف ما بمنتهى الجدية . تركته أسيل و عادت للتحديق بفضول , في الفريق القادم و ما يفعلونه حولها , حيث بدؤوا و بمنتهى الهدوء بنقل المصابين تباعا , الى أين لا فكرة لديها ؟ كما انشغل آخرون بتنظيف الفوضى , بمنتهى السرعة و الاتقان , و كأنهم متعودون على فعل ذلك , حتى بدت القاعة و كأنها لم يدخلها أحد من الأساس . في المدخل انفرد أحدهم بالندل , و شخص آخر بدا مسؤولا من المطعم , و قد كان يتحدث اليهم بمنتهى الصرامة , عن عدم البوح عن أي شيء مما حصل هنا , لأن النتائج لن تكون جيدة . أنهى الشاب الرابض الى جانبها تحت الطاولة , و الذي أبقى مسافة آمنة بينهما , حتى لا يزعجها مكالمته الهامة , و عاد للتحدث اليها بنفس الجدية , و لكن بطريقة أكثر لينا أدهشتها " السيد كريم طلب أن نؤمن خروجكما , حضرتك و السيد سالم من هنا " " اذا من كان يحدثه هو كريم ؟ " سألت أسيل نفسها , و شعرت أن قلبها أخطأ عدد دقاته , للحظات قبل أن يتسارع مجددا , و قد ترقرقت عيناها بالدموع تأثرا لاهتمامه , و هي التي اعتقدت أنه فر من هنا بعد الاشتباك , ليتركها لمصيرها مع والدها . احساس بالدفء العارم احتل روحها , و كل ما رغبت فيه الآن , أن ترى كريم و تتأكد أنه بخير , رغم أنه تجاهلها كأنها نكرة طوال الليلة , لكنه يتصرف باهتمام حينما يتطلب الموقف , طريقة جديدة جدا في التعامل لم تألفها يوما , لكنها في نفس الوقت , تريد أن تضربه تلكمه و تعضه , لأنها لا تزال حاقدة عليه , بسبب تمثيله عليها و عدم التصريح بهويته , و لا تريد ان تسامحه مهما حصل , خاصة أنه لم يطلب حتى أن يكلمها للاطمئنان عليها , و هي التي كانت ترغب بشدة بسماع صوته الرخيم , و اكتفى بارسال رسالة مع رجله . بتذكر الفرقة التي دخلت للتو , عقدت أسيل حاجبيها و قد زاد تشوشها " لم يبدو أن كريم يدير فرقة للانقاذ هنا ؟ و هل كل هؤلاء يعملون بأوامره ؟ " شعرت أسيل برهبة كبيرة , و بحرج أكبر من غبائها السابق . برؤية صمتها و شرودها , بادر الرجل المكلف بحمايتها , بعرض ما يريده منهما " اذا كنتما جاهزين آنستي , سيارتكما في الخارج لتقلكما " و جه كلامه لها و لسالم , الذي كان وجهه أكثر شحوبا من جسد ميت . و بالفعل بعدما تمالكا نفسيهما , غادر سالم و أسيل المطعم للعودة الى البيت , حيث كان السائق ينتظرهما , عند مدخل المطعم بطلب من ذلك الرجل , و رغم الكثير من التساؤلات التي راودتهما بعدما حصل , الا أنهما التزما الصمت طوال الطريق , و كل واحد منهما يسبح في ملكوته الخاص , لم تكن أسيل تصدق أنها حضرت موقفا مماثلا , فكم المفاجآت التي حصلت عليها الليلة , تكفيها لسنوات قادمة , و قد لا تتاح لها الفرصة لتعيشها مجددا . بمجرد أن توقفت السيارة أمام البيت , نزلت أسيل مغيبة الذهن , و تبعها والدها بركبتين واهنتين , و كالعادة كانت أم خالد من فتحت لهما الباب , و قد هالها حال زوجها " ما بك يا رجل , لم تبدو و كأنك رأيت شبحا ؟ " سألت بقلق و هي تضرب على صدرها بيدها , و سرعان ما انظم ولدها اليها , ليرى ما حصل مع والده . لم يجبها سالم بشيء و اكتفى بجر رجليه , ليلقي بجسده المنهك على الأريكة , أسند بعدها مرفقيه الى ركبتيه و غرس فيهما رأسه , و كأن مصيبة حلت عليه حدقت زوجته الى أسيل , و عاودت سؤالها بما أنه تجاهلها " ماذا دهاكما يا أسيل ؟ و لم عدتما الآن ؟ ثم ألم تكن خروجتكما ستستمر الى آخر الليل ؟ " اكتفت أسيل بأن قالت جملة مقتضبة " انتهىت أبكر مما اعتقدنا " و غادرت باتجاه غرفتها فورا , فلم تعد تقو على الوقوف أو الكلام . جلست أم خالد الى جانب زوجها لتفهم ما حصل , و قد تمكن منها فضولها , و بدأ هو بسرد كل التفاصيل بنبرة يائسة كان سالم يندب حظه السيء ، لأن قارب النجاة الوحيد ، الذي وافق على إنقاذه من الإفلاس قد غرق لتوه , علي الآن لن يساعده أبدا ، حتى لو ركع أمامه و توسله ، بما أن بهجت أتى عن طريقه , و الوغد قام بالتحرش بزوجته بكل وقاحة , ربما لو كان الأحمق ارتكب خطأ آخر , لترك له أملا ما في رأب الصدع , لكن هكذا و المشكلة متعلقة بشرف الرجل , عليه أن ينسى الأمر تماما , خصوصا مع رجل مثل علي . كان سالم على وشك الانهيار , فالوساطة التي اعتقد أنها هدية من السماء ، اتضح أنها لعنة حلت على رأسه , و حبل مشنقة سيقضي على بوادر الحياة , في عمله الذي يحتضر من الأساس . " فعلا خسيس عديم المروءة , كيف يتجرأ على زوجة رجل آخر ؟ " سألت المرأة و هي ترفع حاجبها استعدادا للتحليل , بعدما أعفى زوجها نفسه للاجابة عن سؤالها " ألا يمكن أن المرأة أغوته بالفعل ؟ " حدجها سالم بنظرة حارقة لاسكاتها , و قد ارتجفت أوصاله و كأن علي سيسمعها , و ينتقم منها هي الأخرى " لا أسمعك ترددين هذا الكلام السخيف , ليس شأننا مفهوم ؟ يكفي ما حصل لنا الى حد الآن , لا أريد مصائب أخرى " حذرها سالم بنبرة جادة جدا و مهددة , هو يعرف مدى انفلات لسانها , و ان دارت و تحدثت عن هذا الموضوع في مجالس النساء , و انتشرت النميمة بخصوصه , هو لا يضمن ألا يصل الأمر الى علي , حينها عليه التجهيز لجنائزهم دفعة واحدة . فيما الرجل يسرد ما حصل على مسامع زوجته و ولده , و يلقي اليهم بالتعليمات بضرورة ابقاء الأمر سريا , حشر خالد وجهه في أذن والدته , و همس لها بنبرة مرتعبة " هل صدقتم كلامي الآن , أنا متأكد أنه ذلك الجني العاشق , هو من قام بكل هذه الفوضى " تحفزت والدته و رمقته بنظرة مهددة , بعدما فهمت فيما يتحدث " اصمت " حاولت اسكاته لأن زوجها مستاء جدا , و قد يفرغ فيه شحنة غضبه , ان سمع الترهات التي يتفوه بها . لكن خالد كان مصرا على قول رأيه , و قد بدت نبرته مرتجفة بالفعل " ماذا ؟ ألا زلت لا تصدقين الأمر , أخبرتكم ألا تفكروا في تزويج أسيل , أو ارسالها الى رجل آخر , هو لن يسمح لكم أبدا , من حسن حظهم أنهم لم يقتلوا هناك " حدجته والدته بنظرة شزراء ثانية ليصمت , لكنها بدأت تتوجس خوفا , من أن يكون ما قاله ابنها صحيحا " سلام قولا من رب رحيم " في الأعلى جلست أسيل مقابل مرآتها , و بدأت بمسح مكياجها من على وجهها بشرود كبير , و هي تتذكر النظرة الوحيدة , التي رمقها بها كريم قبل مغادرته , و التي كانت نظرة اعتذار واضحة , لم تتبينها الا بعد خروجه , دون أن تفهم عما كان يعتذر بالضبط ؟ فما تريد أن تحاسبه عليه كثير جدا . لكن لم تكن تصرفات كريم فقط , ما فاجأ أسيل في هاته الليلة المجنونة , لكن تأثرها حينما كان على وشك التعرض للقتل , كان أكثر صدمة لها , هي كانت مرتعبة لمجرد تخيله يتأذى هناك , ليس مجرد خوف من الموقف , لكنه كان ألما لا يحتمل , لمجرد افتراض أنه كان سيموت أمامها . كانت أسيل تغوص في عالمها الخاص ، و رغم تشوشها بخصوص مشاعرها , التي اجتاحتها فجأة للاهتمام برجل , لطالما اعتبرته مجرد صديق يفوقها خبرة و عمرا , وجدت نفسها تفكر في أمر وا حد " من يكون كريم حقيقة ؟ و لم تصرف كأنه يهتم , حينما حل الخطر بالمكان ؟ " . . . بالوصول أمام المنزل , بعد العودة من مشوار المشفى , الذي أنهك علي نفسيا , زيادة على ما حصل في المطعم , نزل الزوجان و عاد كريم أدراجه الى شقته , اتجه علي مباشرة إلى غرفته تتبعه فاطمة , دون أن يقول شيئا دائما ، و هو يحاول جهده الاستمرار في تجاهل ملك , التي كانت تسأله بكل اهتمام طوال الطريق , عما ان كانت يده تؤلمه , فقد كان من الصعب جدا مخاصمتها , مع كل تلك الكلمات المواسية , و التي ترسلها ناحيته بنبرة عذبة يرفرف لها قلبه . نهر علي نفسه عدة مرات على قسوته , لأنه أشفق على حالها , خاصة أنها كانت تعاني أكثر منه , لكنه قرر التزام الصمت , مادام غاضبا فقد يكون أي حوار , حاليا بينهما في منتهى الشراسة , و ينتهي بتجريحهما لبعضهما كما يحدث معظم الوقت , و هو قرر أن يحافظ على مستوى العقلانية , الذي وصلا له مؤخرا في علاقتهما , اضافة الى أنه كلما رأى وجهها المتعب , كلما تذكر ما فعله بهجت , و رغب في العودة و ضربه الى أن يزهق روحه , دخل علي مباشرة الى حمامه لأخذ دش دافئ , يزيل تشنج عضلاته و يرخي مفاصله , طالبا من فاطمة أن تدعه و شأنه , فهو لا يضمن أن يعود راكضا الى الأسفل , ليحتضن تلك العنيدة التي تتبعه كقط ضال , بملامح مبتئسة يقبلها و يطيب خاطرها , و يخبرها أنه لم يكن ذنبها , فهو الأكثر دراية عن لومها لنفسها , أغمض علي عينيه و تنهد , و هو يقف تحت الماء الدافئ باسترخاء , مذكرا نفسه بأن ملك أيضا أخطأت في حقه , و سيحرص على معرفتها بذلك . . . أما ملك فقد وقفت تراقبه أسفل الدرج ، بملامح حزينة حتى اختفى عن الأنظار ، و قد شعرت بالاحباط لأنه لا يرد عليها , و لا ينظر حتى ناحيتها , و هي التي اعتقدت أنهما تصالحا , و أنه نسي ما حصل مع بهجت , بعدما حاولت محادثته في المشفى , حتى أنها شكرته و اعتذرت منه , لكنه كان أكثر عنادا و حقدا عليها مما ظنت , و لم تسمع الا أنفاسه الحارقة طوال الطريق , و لم تر الا معاملته الباردة , التي أزعجتها بطريقة غريبة . و لأول مرة منذ علم بما حصل معها , و بعد انفجارها المدوي في وجهه , و رجمه بكل تلك الاتهامات المشينة , تشعر ملك أنه يصدق بهجت فيما افتراه عليها , هي الآن و بعد تحليل الموقف , شبه متأكدة أنه لم يصدق أنه تحرش بها فعلا , و أنه لم يكن لها دور ما فيما حصل , و بالتالي فان ردة فعله تلك , كانت لحفظ ماء وجهه , حتى يبعد الشبهات عن شرفه , و ينتقم لكرامته أمام كل من كانوا متواجدين , هي تحفظ شخصية علي بقدر كاف , حتى تدرك أنه كان سيبدو بصورة منحطة , ان ترك بهجت يفلت بما فعله , و يتغاضى عنه بكل بساطة , لكن ذلك لا يعني أنه صدقها كما توهمت , أو أنه آمن ببراءتها كما صور للآخرين , هي تعرفه بهذا القدر لتدرك وساوسه المدمرة . كانت ملك متأكدة أنه يحتفظ , في رأسه المرتابة في كل شيء , ببعض الشكوك عما يكون قد حصل حقيقة هناك , و ربما أنه يعتقد أنها من قامت بحركة ما مشبوهة , شجعت بهجت على ما فعله معها , و حينما سينفرد بها لاحقا , سيكون هناك تصفية للحسابات و استجواب عسير , و لن يكون لديها ما تدافع به عن نفسها سوى أقوالها . و الا لم يرسل ناحيتها بتلك النظرات المعاتبة , و الحانقة و كأنها ارتكبت جريمة ؟ " سيكون صداما مميتا ؟ " تمتمت لنفسها باحباط شديد و لسبب غريب كان هذا اكثر ما يؤلمها في الموضوع , يحزن قلبها و يحز في نفسها , أكثر حتى مما قاله ذلك الرجل من كذبات عنها . استمر وقوف ملك لدقائق طويلة , و كأنها تنتظر نزوله مجددا ليكلمها , لكنه اختفى دون رجعة , دون أدنى اهتمام لشعورها , و ما كان منها الا أن حملت أغراضها , و قصدت غرفتها هي الأخرى بما أن الوقت تأخر , أقنعت ملك نفسها اعطاءه مساحة , من الحرية ليتنفس و يفكر بروية , و قد راودها احساس سيء جدا , أن علاقتهما على وشك التدهور مجددا , لكن تأثرها سيكون مختلفا جدا هذه المرة . بمجرد دخولها غرفتها لاحقتها فاطمة , التي توترت بعدما رأت الضمادة في يد علي ، و لم تجرؤ على سؤاله بسبب ملامحه المتجهمة , و فضلت أن تسأل ملك " ابنتي هل أنتم بخير ؟ هل حصل حادث معكم في الطريق ؟ " سألت بقلق كبير و هي تضم الهاتف بين يديها " لا تقلقي خالة ، المجنون أصاب يده عن طريق الخطأ ، ليس شيئا خطيرا " طمأنتها ملك التي بدت منهكة دون قول تفاصيل , و جلست على جانب فراشها لخلع حذائها , و قد تورمت قدماها بعد الركض خلفه في المشفى . تنهدت المرأة بغير اقتناع و أضافت " حسنا لا بأس ، اتصلت علياء قبل قليل ، و طلبت أن تكلميها حينما تعودين ، قالت أنها اتصلت على هاتف علي , أكثر من مرة لكنه لا يرد " و ناولتها هاتف المنزل لإجراء الاتصال " حسنا لا بأس سأكلمها الآن " استلقت ملك على سريرها ، دون حتى أن تغير ملابسها ، أغمضت عينيها و قد خارت قواها , و بدا صوتها خافتا و مكتئبا " ماذا هناك ملك ، لم تبدين محبطة هكذا ، هل أزعجك علي ؟ سأشد أذنه ذلك المغرور " سألتها علياء بتوجس , فقد ظلت قلقة بعدما وافق شقيقها مرغما , على اصطحاب ملك بكل تلك الأناقة معه , و زاد عدم رده على هاتفه هواجسها . ابتسمت ملك بهدوء ثم أجابت معترفة " لا هذه المرة أنا من أزعجته " " حسنا لن تكون المرة الأولى " علقت علياء بصراحة على الأمر ، فملك أكثر شخص يؤثر في شقيقها ، باعترافه هو شخصيا , و أضافت دون تضييع وقت " حسنا أخبريني ماذا حصل معكما ؟ " بعدها سردت عليها ملك ، كل ما حصل بالتفصيل منذ البداية ، و قد كانت تشعر بالسوء و الغثيان ، كلما تذكرت ما فعله ذلك السافل ، و يزيد امتعاضها حينما تتذكر أنها صدقت أكاذيبه , و اتهمت علي بالتواطؤ معه . " يا الهي ملك هل أنت بخير ؟ " جزعت علياء لسماع كل ذلك , خاصة أن نبرة ملك كانت على وشك البكاء " الحمد لله " كان كل ما قالته ملك لطمأنتها حاولت بعدها علياء مواساتها و رفع معنوياتها " حسنا اهدئي ملك ، جيد أنه أخذ جزاءه و انتهى ذلك على خير , لكن صراحة أنا ألومك بشدة , ما كان عليك أن تصدقي ما قاله ذلك الرجل , عن معرفة أخي بأفعاله القذرة , أعرف أن علي به بعض العيوب ، لكن الانحطاط و الدياثة ليست أحدها " قالت علياء بعتاب واضح ، و هي تخمن حالة شقيقها المزرية الآن ، بعد هذا الاتهام البشع من طرف ملك . تنهدت ملك بعمق , و قد شعرت بالسوء أكثر مما مضى ، وضعت يدها على وجهها , و كأنها تختبئ خلفها ثم أجابت " أنا أعلم الآن , لكن ما فعله ذلك الرجل أرعبني و شوش تفكيري " قالت بصوت مرتجف صادق , و قد علت نبرة حزن كلماتها . صمتت علياء قليلا و قد شعرت بانزعاجها , قبل أن تسأل مجددا , تريد معرفة تفاصيل أكثر " ملك هل قام ذلك الرجل بأكثر من الكلام ؟ " صمتت ملك لوقت طويل نسبيا ، تعض شفتها و تسترجع ما حصل , و كأنها تشعر بالاحراج من الاجابة ، لدرجة أقلقت علياء ، لكنها ردت أخيرا بصوت هامس " حسنا وضع يده على رجلي ، لكنني أوقفته عند حده ، حتى أنني رشقته بكأس العصير , و حينما هممت بالمغادرة من أمامه ، أمسك برسغي بشدة , و أرغمني على أخذ بطاقته , لكنه كان وقحا كفاية , ليقول تلفيقاته تلك عن أخيك و كأنها حقائق , و أنا الساذجة صدقته بكل بساطة " قالت و رفعت يدها أمام عينيها ، تعاين الرضة على رسغها ، و قد تركت أصابعه القذرة آثارا هناك ، مثيرة اشمئزازها و غثيانها لتتمتم لنفسها " جيد أن علي لم يرها ، و إلا كان قتله فعلا " أخذت ملك بعدها نفسا عميقا ثم استرسلت " المشكلة أن علي كاد يقتله ، لدرجة أنه آذى يده ، لولا أنني توسلته لما توقف حتى أسلم روحه , و هو الآن غاضب جدا مني و لا يكلمني ، و أعتقد أنه صدق ما قاله ذلك الرجل عني " قالت ملك متذمرة بقلة حيلة , فعلياء هي الأذن المصغية الوحيدة في منفاها هذا . تفاجأت علياء لتعليق ملك العفوي ، هي التي كان علي يشتكي أنها لا تطيقه ، تتذمر لأنه غاضب منها ، و لا يريد أن يكلمها ، لم تتوقع تطورا سريعا بهذا الشكل . " رب ضارة نافعة " علقت بينها و بين نفسها ، دون أن تدرك أن ملك قلقة بسبب الشعور بالذنب ، لأن ما حصل حصل بسببها , أو على الأقل هذا ما تقنع به نفسها . لم تلبث علياء أن أنهت المكالمة , بعدما شعرت أن ملك تريد أن ترتاح قليلا , لكن ليس قبل أن تحثها , على عدم التصادم مع علي الى أن يهدأ , و وعدتها أن تأتي في الصباح لبحث المشكلة بينهما , مما أشعر ملك ببعض الراحة , خاصة أن رنا ليست هنا , و هي التي كانت تهون عليها بعض همومها , لكنها استسلمت أخيرا و خلدت الى فراشها , رغم أن النوم جافاها لساعات , و كل ما كانت تفكر فيه " هل عاد علي لسوء ظنه بها ؟ " . . . في الطرف الآخر , عاد كريم الى شقته المهجورة , بعدما اطمأن على من تركهم في المطعم , و أن فريقه نفذ تعليماته بدقة , خاصة فيما يخص ارسال أسيل و والدها بأمان الى البيت , بعد مغادرته المستعجلة مع علي , شعر كريم بتأنيب الضمير , لأنه تركها هناك دون حماية , فمجرد احتمال ظهور معاونين لبهجت بامكانهم ايذاء أسيل , دون قدرته على التدخل و انقاذها , كاد يفقده ما بقي من عقله , بعد تلك الليلة العاصفة , و لم يشعر كريم بالارتياح , الا بعد اتصال رجاله و طمأنته عنها . اتكأ كريم على باب شقته من الداخل , دون قدرته على المواصلة و الدخول , أرخى رأسه الى الوراء , و أغمض عينيه بتعب كبير " و الآن ماذا ؟ " سأل نفسه بانهاك و هو لا يفهم دائما , لم لم يتحدث الى أسيل , و لو من باب التعرف أمام والدها ؟ كان بامكانه تبادل التحية معها على الأقل دون أية مشاكل , بدل لعب دور المتجاهل المتكبر , ربما ما كان سالم قد انتبه لمعرفتها به من الأساس , خاصة بعد كل الفوضى التي حصلت , لكنه كان جبانا لأول مرة في حياته , و تجنبها طوال الجلسة بطريقة مفضوحة , و هو متأكد أن الأمر جرحها و آلم قلبها , لكن بالتفكير في الأمر من منظور آخر , هو كان يهرب من نفسه قبل هروبه منها , عقله المتوحد لم يستسغ , تعلقه بأي شيء غير وحدته , شعر كريم بالانهاك , لأنه عالق في صراع بين قلبه و مشاعره من جهة , و عقله من جهة أخرى , و رغم أنه لطالما ترك القرار , للمنطق للتحكم في مسار حياته , الا أنه و لأول مرة يرغب في تخديره و اطلاق العنان لقلبه , لكن ما يكدر عيشه هو تساؤلاته " هل ستقبل العلقة بما يرغب به ؟ و هل سيراها مجددا في حياته ؟ " جر بعدها رجليه باتجاه حمامه , عل شلالا من الماء البارد يغسل دماغه المتحجرة , ليتنازل قليلا و يرضي قلبه المتجمد . . . . في الصباح الباكر ، رغم أن ملك كانت آخر من خلد الى النوم ، إلا أنها كانت أول من استيقظ ، فلم تستطع أن تنام جيداً ، بسبب كل ما حصل بالأمس , لكن رغم أنها كانت مبكرة ، إلا أن علي كان أكثر انزعاجا منها ، و غادر باكرا حتى قبل موعد الإفطار على غير عادته . لم تستغرب ملك الأمر ، حينما وجدت نفسها تتناول افطارها , لوحدها في غرفة الأكل , فهو كان غاضبا جدا بالأمس ، و أكيد لا يزال لا يريد رؤية وجهها , لكنها شعرت بخيبة أمل , و قد اعتقدت أن مزاجه سيتحسن بعد نومه , لكن واضح أنه لم يفعل , علياء التي كانت وعدتها في مكالمة الأمس ، أن تأتي في أقرب وقت لم تصل بعد ، أكيد هي مشغولة في أمور , أكثر أهمية من خصامها مع المجنون , لذلك حاولت هي الأخرى شغل نفسها بالعمل ، بدل التفكير في فوضى البارحة . . . في المكتب انشغل علي بالعمل ، يحاول حصر الخسائر المترتبة , عن الغاء الصفقة و العقد مع الشركة الإيطالية , اتصل بهم بمجرد دخوله الى شركته , لم يفتح لهم أي مجال للنقاش ، و اكتفى باعلامهم بأنه مستغن عن العلاقة التجارية بينهم . حاول مسؤول رفيع من الشركة التواصل معه ، لكنه كان مصرا على موقفه ، هم أساؤوا اختيار ممثلهم , و هو لن يقبل أن يمس في شرفه دون ردة فعل , صحيح أن خسائره ستكون كبيرة ، بسبب الشرط الجزائي الكبير , لكن هذا آخر ما قد يشغل باله . كان كريم يجلس بقربه لا يعلق على شيء ، رغم ملامحه الجدية و المتجهمة , الا أنه لم يذكر شيئا عن البارحة , هو يعرف أنه من المستحيل , فتح الموضوع مع صديقه الآن ، في ظل هذه التعقيدات لن يكون ملائما ذكر الأمر , لكنه سيجد وقتا مناسبا للتحدث اليه . كان كريم يشرد من وقت الى آخر مفكرا في أسيل ، و ما سيكون رأيها به بعد كل ما حصل ، لكنه سرعان ما يعود إلى الانغماس فيما يفعله . لم تنته الاجتماعات و المداولات , إلا في وقت متأخر من الليل , اصطحب كريم بعدها علي إلى بيته ، فحالته كانت مقلقة جدا , و لم يشأ تركه يعود وحده مع السائق . بعد أن انطلقا , تكلم كريم أخيرا و قد وجد فرصته " علي هل يمكن أن أقول شيئا ؟ " " اممم " أجاب علي و هو يدلك جبينه ، بسبب الصداع الذي لازمه منذ الصباح . تريث كريم قليلا قبل أن يستمر " السيدة ملك خلوقة بتربية جيدة " توقف علي عما يفعله ، ثم رفع رأسه و حدق باستغراب ناحية كريم ، الذي كان مستمرا في القيادة و كأنه لا يكلمه , هو عادة لا يتدخل في حياة أحد الشخصية ، لا يدافع عن أحد , و لا يقول رأيه في أمور لا تخصه و الآن يأتي ليعطيه تقريرا عن سلوك ملك , رغم حيرة علي إلا أنه فهم معنى كلامه ، فهو يقصد أن ما قاله ذلك الرجل ، بخصوص ملك بعيد عن الصحة ، و أنها مجرد تلفيقات و أكاذيب , حسنا هو يعرف أن لصديقه , نظرة ثاقبة في هذه الأمور , بسبب كم الناس الذين تعامل معهم في حياته , و تدريباته النفسية التي تخص عمله السابق , لكن أن يدافع عن ملك بهذه الجرأة ، و يقولها صراحة في وجهه , هذا ما يثير استغرابه و دهشته " يا الهي حتى أبو الهول تكلم و أصبح يدافع عن تلك العنيدة " استدار علي للتحديق الى خارج السيارة , لكنه لم يجبه الا بكلمة واحدة و بصوت هامس " أعلم " تفاجأ كريم للجواب الهاديء من علي ، و حدق إلى جانب وجهه متسائلا " إذا كان يعلم أن كل ما قاله بهجت مجرد افتراءات , لم هو غاضب إذا ؟ هل هناك سبب آخر ، غير ما قاله ذلك الرجل و فعله أثار استياءه ؟ " فكر كريم بينه و بين نفسه ، و لكنه لم يخض أكثر في التفاصيل . هو فقط أراد أن يقول كلمة مؤازرة في حق ملك ، لأنه يعرف جيدا أن هناك أمرا ما يجري بينهما ، تملك علي و غيرته في الصالون , تصرفاته و نظراته لها طوال السهرة , كانت استثنائية و مفضوحة , و كأنه يغرق في عينيها كلما حدقت ملك ناحيته , صديقه و يعرف كيف يفكر و يتصرف , و هو يعتقد بأن ملك امرأة مميزة ، سيكون من الظلم أن تتهم مجددا , و يساء الظن بها بعد كل ما حصل معها ، خاصة أنه يشعر ببعض الذنب ، لترك القاعة أثناء غياب علي , و منح الفرصة لبهجت للتطاول عليها . لكن بما أن علي يدرك حقيقة الموقف ، فلا داعي لاستمراره في ملاحقة الأمر . أما علي فقد ابتسم بطرف فمه ، و عاد للاتكاء على الكرسي مغمضا عينيه ، و هو يكلم نفسه معترفا " أعلم أنها كذلك , لم أشك للحظة أن ما قاله ذلك السافل مجرد افتراء , لأن ذلك الرجل اختار أغبى سببين , لتبرير فعلته و اتهام ملك , أولا هو قال أنها من ألقت بنفسها عليه و عرضت مرافقته , بربك أيها الكاذب " علي يعرف جيدا أن ملك , لم يسبق لها أن كانت مع رجل بطريقة حميمة , رغم أنها تصر على كونها مرتبطة , لكها ترتجف و تحمر وجنتاها ، إذا مر من جانبها على بعد مترين , إذا كان و هو يقول أنه زوجها بعقد رسمي ، لا تسمح له بالاقتراب منها أو لمسها , هل ستتودد الى ذلك السافل ؟ مجنونته العنيدة قبلت البقاء , لسنة كاملة محتجزة كخادمة ، و لم تقبل أن تكون زوجته لليلة واحدة , ألم يكن يجدر بها عرض الأمر عليه حتى تنال مرادها , بدل التمسح في ذلك الوغد ؟ يا الهي هي تبقى هنا منذ أشهر , و لم تتنازل لثانية واحدة , و لم تساوم على مقدار ذرة من كرامتها , فكيف يعقل أن تقترح على رجل ، التقته منذ ساعة اقتراحا منحطا كهذا ؟ ثم ذلك الرجل قال بأنها أخبرته ، أنها سئمت منه و من مرافقته , مما يؤكد أنه لا يعرف بأن بينهما لا يحصل شيء ، و إلا ما كان قال ما قاله . " أما السبب الثاني فهو الأكثر غباءا ، و هو طلبها للمال مقابل ذلك " المرأة التي باعت حليها منذ مدة لتسديد دين ، ذهبت للعمل نادلة في مطعم ، و لم تقبل أخذ درهم واحد من أحد ، تلجأ لرجل غريب تلتقيه أول مرة ، و الذي تصادف أنه شريكه لتطلب منه مالا ؟ ذلك الكاذب المنحط , هو كان سيصدق أكثر لو أخبره أن النار باردة . ربما فقط ربما لو كانت ملك , امرأة أخرى خبيثة بأفكار انتقامية ، ربما كان اعتقد أنها فعلت ذلك عمدا , لإهانته و الحط من قيمته أمام شركائه , لكنه يدرك جيدا أنها ليست أخلاقها ، و هي أرفع بكثير من الانحطاط الى هذا المستوى , و التلاعب به بطريقة قذرة , فقد كانت لديها عشرات الفرص للانتقام منه و اذلاله , بطرق أكثر ايلاما مما حصل ، لكنها لم تستغلها يوما . ضحك علي بخفوت , و هو يسترجع ما حصل في بيت والدته , حينما أشفقت ملك عليه , بعدما وضع في موقف محرج أمامها , و لم تتشف فيه كما كان من المفترض أن تفعل . أجل هو اكتشف مؤخرا فقط ، أنه يثق فيها إلى هذه الدرجة , المرأة التي اعتقد سابقا , أنها مجرد بائعة هوى دون أخلاق ، اكتشف مع الوقت أنها من أنبل الأشخاص الذين مروا بحياته , ملك لم تكن لتنهار هكذا , لو لم يحصل ما قالت , عيناها حينما كانت تبكي في الرواق ، كانتا صادقتين و لم تكن تمثل أبدا . مشكلة علي أن هذه الثقة غير متبادلة ، و هذا بالضبط ما يزعجه بشدة ، تمنى لو أنها لم تصدق هي أيضا ، ما قاله ذلك الرجل عن تواطئه ، تماما كما لم يصدق هو ما قاله عنها . ما يؤلم علي فعلا هو أنها تعتقد أنه منحط بلا أخلاق ، لدرجة مقايضتها مقابل صفقة ، و المساومة على شرفه بكل بساطة , هو يدرك سابقا أن رأي ملك فيه ليس جيدا منذ البداية ، و لكنه لم يعتقد أنه سيء إلى هذه الدرجة , كان علي يأمل أن تعرف , هذا الجانب الصادق منه على الأقل ، لكنها خيبت ظنه و عرفته بأسوء طريقة ، على مكانته في قلبها و مستواه في عينيها . بقي علي صامتا طوال الطريق يفكر في هذه الأمور , يخرج من تحليل ليدخل في آخر , مضاعفا حدة الألم في رأسه و قلبه , بمجرد دخوله البيت اتجه مباشرة الى غرفته ، بعد أن أشار إلى فاطمة , أنه لا يرغب بتناول العشاء , دخل كريم بعده يحمل كيس الدواء الذي اشتراه البارحة ، لكن علي تركه في السيارة , ليجد ملك تقف في الصالون مع فاطمة " خذي سيدتي , علي نسي دواءه في السيارة " ناولها اياه و هم بالمغادرة لكن ملك استوقفته " هل تناول شيئا منذ الصباح ؟ " سألته بقلق واضح , و هي تحتضن الكيس الذي سلمها اياه تعاطف كريم مع قلقها و أجابها بصراحة " لا , فقط بضعة فناجين قهوة " عبست ملك بطريقة واضحة لسماع الاجابة , و ظهر سخطها على تصرفه في ملامحها , لكنها بادرت بسؤال آخر قبل انصرافه " كريم هل يمكن أن أسألك شيئا , أعرف بأنك كتوم بشأن عملك , لكن هل يمكن أن تخبرني أمرا مهما ؟ " نظر اليها كريم قليلا ثم وافق بتردد " تفضلي سيدتي , سأساعدك إن كان بوسعي " " الصفقة التي ألغيت البارحة ، هل خسرت الشركة بسببها الكثير ؟ " سألت ملك باهتمام بالغ . تفاجأ كريم للسؤال و شعر بالاحراج , فهو عادة لا يعطي تفاصيل عمله لأحد , لكنه لأول مرة يرى اهتماما من ملك , بما يخص علي و عمله ، و شعر أن ما سيقوله , قد يساعد في تصفية الأجواء بينهما , خاصة أن صديقه يتصرف بحماقة و سيفسد الأمر . برؤية تردده تراجعت ملك " حسنا اعتذر عن تطفلي , اذا أردت لا تخبرني " لكن كريم سعل بخفة ثم أجابها " لا بأس سيدتي ، الصفقة بحد ذاتها بعشرين مليار دولار ، إضافة الى مبلغ كبير بسبب الغاء الشراكة ، دون أن ننسى خمسمائة مليون دولار ، قيمة الشرط الجزائي ، بما أننا من ألغينا العقود فسيكون علينا دفعها " شحب وجه ملك و جحظت عيناها " ماذا ؟ كل هذه الثروة فقط لأنه مزق تلك الأوراق ؟ " حك كريم رقبته بسبب ردة فعلها اللطيفة و أضاف " حسنا ليس هذا فقط ، الشركة الايطالية لديها وزنها في السوق العالمية ، نعتقد بأنهم سيلجؤون لعقد تكتلات اقتصادية , مع منافسينا لضرب مصالحنا , إضافة إلى سمعة الشركة ، التي قد تتأثر بسبب اخلالنا بالعقود " تنهدت ملك و أشاحت بنظرها ، و تمتمت بينها و بين نفسها باستياء " لا عجب أنه غاضب بشدة " لكن كريم الذي سمع كلامها ، قاطعها بنبرة حازمة " لا سيدتي ليس كذلك , أنا فقط أجبت على أسئلتك ، لكن السيد ليس غاضبا بسبب هذه الأمور ، هو رجل أعمال لطالما قبل الخسارة تماما كما الربح , الخلافات و المنافسة في مجال الأعمال أمر روتيني , و علي لم يتأثر يوما بما يحصل حوله " بدأت ملك تشعر بالاستغراب فعلا " لم هو غاضب إذا ؟ " سألت كريم بكل حيرة ، و أجاب كريم بعفوية و هو يهز كتفيه " لا أدري سيدتي ، اسأليه أنت قد يجيبك " ما قاله كريم شوش ذهن ملك أكثر و أخلط حساباتها " ما الأمر الأكثر سوءا من كل هذه الخسائر ، حتى يمتعض المتسلط من أجله ؟ " ودعت بعدها ملك كريم , و اتجهت الى المطبخ لفكرة في رأسها , هذا المجنون يتصرف كثور هائج ، لكنها لن تدعه و شأنه , حضرت ملك سندويشات جبنة و دجاج ، مع حساء خضار و كأس عصير وجبته المفضلة ، و حملت صينية الأكل مع الدواء إلى غرفته . كان علي قد انتهى لتوه من أخذ دش ، غير إلى منامته و يستعد للخلود إلى النوم , دقت ملك الباب و دخلت بعد لحظات , ليتفاجأ علي برؤيتها تقتحم غرفته , هز رأسه استسلاما لعادتها المتمردة , لكنه جلس بكل هدوء إلى جانب سريره ، يجفف شعره بمنشفة في يده ، محاولا تفادي الحديث معها , فهو لن ينجح في اخراجها من هنا مهما قال . لكن ملك لم تأت إلى هنا ليتم تجاهلها , لذلك سارعت و وضعت الصينية , على المنضدة إلى جانب السرير , ثم كلمته بنبرة لائمة و كأنها توبخه " لا بأس إن كنت لا تريد أن تكلمني أو تراني ، و لكن لا يمكنك التصرف كطفل مجنون ، و تعلن اضرابا عن الطعام و الكلام , عليك أن تأخذ دواءك ، و إلا التهبت جروح يدك و توقفت عن استعمالها , حينها ستصبح مجنونا و معاقا ، و لن ترغب فيك أية امرأة " علي "....." رمقها علي بنظرة انزعاج , و قد استطاعت أخيرا اخراجه من عزلته المزعومة , هدأت بعدها ملك نبرتها , دنت منه أكثر و خاطبته بلطف " كل شيئا قبل أخذ الدواء ، لأنه قوي على المعدة , تصبح على خير " ملك كانت قد تذكرت , حينما التقته في المطبخ منذ مدة ، يأكل تفاحة لأنه يريد أخذ دواء ، خشي أن يؤلمه على معدة فارغة , هي مهووسة لا تنسى تفصيلا ، حينما يتعلق الأمر بالمرض ، تتحول إلى شخص مختلف تماما ، حتى مع من تكرههم . " غريبة هذه المرأة " تمتم علي لنفسه و هو يحدق في أثرها , لكنه و بمجرد أن غادرت ملك , قام من مكانه و وقف الى جانب الصينية ، محدقا الى ما فيها و حدث نفسه مجددا " فقط لو تبقين هكذا طوال الوقت , أقبل أن أكون مريضا ما بقي من عمري " تفاجأ علي لتفكيره ، لكنه لن يخدع نفسه أكثر ، جرعة الحنان التي أبدتها ملك قبل قليل ، أغرقت قلبه دفئا , حتى لو كانت تفعل ذلك بسبب الشعور بالذنب ، إلا أنه راض بما حصل عليه . ربما لم يشعر علي يوما بالندم على شيء فعله , بقدر ندمه على سوء الفهم الذي بدأت به علاقتهما , فقط لو أنه التقاها في ظروف مختلفة ، ربما استطاع اختطاف قلبها و اهتمامها ، كما اختطفت هي قلبه و عقله . تنهد علي من أعماق قلبه ، قبل أن يمد يده و يبدأ في تناول ما أعدته له ، أخذ بعدها دواءه و خلد الى النوم كطفل مطيع . . . في الصباح الموالي ، لم ينتهج علي خطة الهروب كالبارحة ، لم يعد هناك جدوى منها ، فملك لا تدعه و شأنه في كل الأحوال , لكنه لا يزال يرتدي قناع الرجل الغاضب , جلس علي إلى طاولة الإفطار كعادته ، و لم يكن هناك غيره هو و ملك , بما أن رنا رافقت عمتها , لزيارة الجدة صفية و لم تعد بعد . صبت ملك كأس حليبها و قهوة علي , بعدها أخذ هو الملعقة بيده اليسرى ، التي نادرا ما يستخدمها ، بما أن اليمنى مصابة ، و بدأ في وضع ملعقة السكر الوحيدة في فنجانه , لكنه أسقط بعضه ليتناثر على الطاولة ، فعبس بشدة بسبب الفوضى التي أحدثها , و تأفف بصوت مسموع . برؤية ملامحه الممتعضة , مدت ملك يدها تريد المساعدة , و هي تعرف هوسه بالنظافة و التنظيم , لكنه أبعد يده فورا ، حتى لا تصادر الملعقة منه , و استمر في تحريك قهوته بوجوم . " دعني أساعدك " قالت ملك بلهجة حادة ، لكن علي تجاهلها مجددا , و استمر فيما يفعله حمل بعدها الفنجان الذي كان يرتجف في يده , لتكرر ملك طلبها بلطف أكبر " دعني أساعدك " لكنه لا يرد دائما و كأنها غير مرئية . بمجرد أن ارتشف علي , رشفة واحدة من قهوته الساخنة , حتى انفلت الفنجان من بين أصابعه , و انسكب ما فيه على صدره . صرخ هو بسبب الحرق ، و صرخت ملك بسبب الخوف , سارعت و أخذت الفنجان من يده ، و قامت تحاول تجفيف قميصه , بالمنديل الذي كانت تستخدمه , فيما كان هو يحاول ابعاده عن جلده دون جدوى ، فقد وصلت القهوة الساخنة إلى هناك بالفعل و أحدثت حرقا . قام علي من مكانه يحاول فتح أزرار قميصه ، و اتجه بسرعة ناحية غرفته , أما ملك فقد هرعت إلى المطبخ ، أحضرت كيس ثلج و لحقت به إلى هناك . في الغرفة كان علي قد خلع قميصه , و نظف مكان الحرق بالماء البارد ، كان الأثر يغطي نصف صدره الأيسر , و قد بدا ملتهبا جدا و مؤلما ، ثم وقف أمام المرآة ، يحاول البحث عن أماكن أخرى متضررة . في هذا الوقت دقت ملك الباب , ثم دخلت و خطت أمامه مباشرة ، وضعت كيس الثلج على الحرق , و أمسكت بيد علي لتضعها على الكيس , ثم قالت بنبرة آمرة و هي تحدق الى صدره " أبقه هكذا لعشر دقائق ، ثم سأضع لك مرهما " نظر إليها علي بوجه عابس و ملامحه تقول " هاي أنت ألا ترين رجلا نصف عار أمامك ؟ " لكن ملك تجاهلته فبالنسبة لها ، ما دامت أتت هنا لمعاينة مريض ، فهي لا تلاحظ أصلا إن كان رجلا أو امرأة أو حتى طفلا ، هي لا ترى إلا مكان الحرق ، و لا تفكر إلا في كيفية اسعافه . برؤية عدم استجابته ، رفعت ملك رأسها ناحيته , و نهرته بنبرة جادة و حازمة " قلت أمسك هذا هنا ، سأحضر مرهما و أعود " و ضغطت على يده التي وضعتها على كيس الثلج , الذي لم تنفع برودته في تهدئة قلب الرجل الثائر . لم يجد علي بعدها إلا الانصياع للأوامر ، و إلا هي ستبقى ملتصقة به طوال اليوم . قصدت ملك بعدها الحمام في الطابق الأرضي ، و أخرجت مرهم الحروق الذي اشتراه علي سابقا ، حينما احترقت يد رنا , و عادت إلى الغرفة مجددا , كان علي لا يزال يقف مكانه ، ممسكا بكيس الثلج على صدره كولد مطيع ، للمرة الثانية على التوالي , و قد مرت العشر دقائق بالفعل ، دخلت ملك مع المرهم في يدها و دنت منه " أرني مكان الحرق " طلبت بصوتها الرقيق , و أخذت من يده الكيس ، وضعته على طاولة مجاورة ، ثم اقتربت أكثر لترى بشكل أفضل " لا يبدو خطيرا ، ليس هناك تسلخات أو وذمات ، جيد أن القميص بقماش متين امتص معظم الحرارة , أعتقد أن بعض المرهم سيفي بالغرض " بمجرد أن أكملت ملك تشخيصها ، وضعت بعض المرهم على أطراف أصابعها ، و بدأت بدهن المكان المصاب بحذر , لكن مفعوله اللاذع جعل علي يجفل , خاصة أنه كان تائها في التحديق الى عينيها " آه " صرخ و حاول التراجع الى الخلف ، لكن ملك تداركت الأمر و قد أربكتها صرخته " آسفة آسفة ، سأضعه بلطف لا تتحرك " قالت بنبرة معتذرة اقتربت بعدها أكثر و بدأت بنسف هواء ، على المكان الذي كانت بصدد معالجته , حتى تخفف من مفعوله الحاد , كانت جبهتها ملتصقة تقريبا بذقن علي , و شعرها الذي تلمه على الجانب , لتبعده عن الطريق يداعب كتفه العارية , فيما كانت أنفاسها الدافئة , التي تبثها على صدره , بمثابة عاصفة حارقة تعبث بمشاعره , صحيح أن ملك كانت تقوم بالأمر بعفوية ، دون انتباه لوضعهما فقط من أجل الحرق ، لكن علي رجل لا يمكنه إلا أن يتأثر , بالمرأة التي تقف ملتصقة بصدره ، و أية امرأة ملك العنيدة ، التي تفقده صوابه كلما دنت منه ، هذا اكتشاف آخر اكتشفه مؤخرا . ما يزيد الأمر سوءا كان رائحة الياسمين المنعشة ، التي تنبعث من شعرها و بشرتها ، و تخترق أنفه وصولا إلى دماغه , لتوحي له بصور كثيرة مخلة بالأدب . فجأة بدأ قلبه بالخفقان بشدة ، ارتفعت درجة حرارته ، و بدأت تفاحة آدم خاصته بالصعود و النزول ، و هو يحاول عبثا بلع ريقه الذي جف , كان علي يكز على أسنانه و يضم قبضتيه ، محاولا السيطرة على نفسه ، و الهائها بالتفكير بأمور أخرى ، لكن عروق رقبته كانت تنبض بوضوح , و كان وجهه الذي أشاحه الى الجانب , يشتد احمرارا بسرعة كبيرة , لكنه لم يكن يقول شيئا . أمام صمته المفاجيء ، شعرت ملك أن أمرا ما غير صحيح ، لذلك سألت دون أن تشيح بنظرها عن صدره " ألم يعد يؤلم ؟ " " تو " هز علي رأسه بالنفي دون أن يتكلم , فهو لم يقدر تكوين جملة مفيدة . كان علي يدعو أن تسرع و تغادر , رغم أن نفسه الأمارة بالسوء تحثه على فعل الكثير , فيما هو يجاهد كبت نزواته , توقفت ملك فجأة و حدقت إلى المكان دون أن تتراجع " لكن أتعلم المرهم بمكونات زيتية ، سيلطخ قميصك إن لبسته عليه , ما رأيك أن أضع لك معجون أسنان بدلا عنه , سيجف بسرعة ؟ " سألت و هي تفكر بجدية لتغيير ما تفعله "...." لم يرد علي هذه المرة أيضا ، و اكتفى بالتحديق إلى هذه المرأة التي تنسى نفسها ، و هي تقف ملتصقة به ، و قد شعر فجأة بالرغبة الشديدة في تطويقها بيديه ، و تقبيلها من تلك الشفاه الزهرية ، التي يراها تتحرك و لم يعد يسمع ما تقوله . بغياب الرد دائما ، رفعت ملك رأسها لتسأله مجددا ، لكن لسانها انعقد و قد هالها منظر العرق , الذي يتصبب من وجهه المحتقن ، و كان من الصعب عدم ملاحظة الأمر " ما بك ؟ لم وجهك متورد هكذا ؟ " سألته بقلق بالغ بسماع سؤالها أفاق علي من غيبوبته أخيرا ، و قد وصل حده من التحمل و وجد كلماته " أخرجي من هنا " كان صوته أجشا و عميقا ، و هو يعطيها آخر فرصة للنجاة من بطشه , لكن ملك لم تلتقط الإشارة , و زادت في اصرارها الساذج " ماذا ؟ سألتك لم وجهك محتقن هكذا ؟ يا الهي هل تعاني من الحمى ؟ " توترت ملك سريعا و رفعت يدها لتحسس جبينه . هنا فقد علي كل ذرة تركيز و سيطرة ، أمسك برسغها بيد و أحاط خصرها بالأخرى ، لتصبح حبيسة أحضانه محققا حلمه الكبير , ثم جذبها بقوة ناحيته , محدقا بافتتان الى عينيها العسليتين ، اللتين اتسعتا عن آخرهما بسبب المفاجأة . بعد ثوان هادرة اقترب علي ببطء ناحيتها ، حتى صارت أنفاسهما مشتركة , و بدأ بالتحديق إلى وجه ملك ، متنقلا بين عينيها و شفتيها , رغم أن ملك لم تفهم ما الذي يجري ، إلا أنها كانت مرتبكة هي الأخرى ، توردت خدودها و أصبح قلبها يخفق دون هوادة , و توقفت عن الحركة منتظرة , ما الذي يريده المجنون منها . في رأيكم لم علي غاضب بهذا الشكل ؟ 😘💞💞 ........ | ||||
09-11-20, 10:54 PM | #812 | ||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 94 ( الأعضاء 32 والزوار 62) ملك علي, الاوهام, alies, فوزززز, Berro_87, الماسه مياسه, طربيزة, أم نسيم, ali.saad, ملك اسامة, amana 98, غير عن كل البشر, خلعه 111, nora74, راء!, زمردة الاسلام, sanaa soso, أميرةالدموع, maha_1966, the dream song, Rouviva, طلع القمر, ظبية البان$, Alaa_lole, k_meri, samam1, هانا مهدى, Just give me a reason, أمنيات بريئة, نور الدنيا, آلاء الليل, Nohaaaaa شكرا حبيباتي 💖💖🌹🌹🌹🌹🌹🌹 | ||||
09-11-20, 10:55 PM | #813 | |||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 96 ( الأعضاء 32 والزوار 64) الاوهام, Safeeee00, ali.saad, ملك علي, alies, فوزززز, Berro_87, الماسه مياسه, طربيزة, أم نسيم, ملك اسامة, amana 98, غير عن كل البشر, خلعه 111, nora74, راء!, زمردة الاسلام, sanaa soso, أميرةالدموع, maha_1966, the dream song, Rouviva, طلع القمر, ظبية البان$, Alaa_lole, samam1, هانا مهدى, Just give me a reason, أمنيات بريئة, نور الدنيا, آلاء الليل, Nohaaaaa | |||||
09-11-20, 11:00 PM | #816 | |||||
| اقتباس:
😅😅 يسلمك حبيبتي 💖 البوم هو دايب و منهار و فاقد للسيطرة 😉 شكرا للمتابعة 💞💞 | |||||
09-11-20, 11:02 PM | #817 | |||||
| اقتباس:
سلامة عيونك حبيبتي 💖💖 الفصل السابق كان على الوضع المخفي لذلك ظهر بحروف صغيرة و على خاطر عيونك مش راح نعاودها ☺️💖💖 | |||||
09-11-20, 11:27 PM | #820 | ||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 107 ( الأعضاء 40 والزوار 67) ملك علي, Sella ayman, الذيذ ميمو, Lazy4x, الق الزمرد, Just give me a reason, آلاء الليل, هبه سمير, شموسه3, سامنتا 7, فوزززز, amatoallah, وردة الطيب, maha_1966, zezo1423, samam1, Rouviva, أمنيات بريئة, خلعه 111, نوره خليل, هانا مهدى, بلانش, Safeeee00, ali.saad, Berro_87, الماسه مياسه, طربيزة, أم نسيم, ملك اسامة, amana 98, غير عن كل البشر, nora74, راء!, زمردة الاسلام, sanaa soso, أميرةالدموع, the dream song, طلع القمر, ظبية البان$, Alaa_lole 💖💖💖💖💖 | ||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملك-علي ، تملك ، كره-حب ، زواج ، طبيبة ، سوء فهم, الجزائر-دبي ، |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|