احتـلال _ د.نبيل فاروق

[MooNy87]

هب رئيس الكتلة الشمالية من الكرة الأرضية، من مقعده في ثورة، وهو يرمي تلك الصورة الهولوجرامية المجسمة، الممثلة أمامه، لرئيس الكتلة الجنوبية، بنظرة نارية، قبل أن يهتف في غضب، ارتجفت له حرف كلماته:
ـ أي قول هذا يا رئيس الجنوب؟! .. أتهددني باحتلال منطقة الوسط؟! .. أتحاول كسر اتفاقية الوفاق، التي وقعها أجدادنا منذ آلاف السنين، والتي تقتضي بترك منطقة الوسط محايدة؟
أجابه رئيس الكتلة الأرضية الجنوبية في برود، وهو يحمل على شفتيه ابتسامة شبه ساخرة:
ـ لست أهددك أو أنذرك يا رئيس الشمال .. إنني أبلغك فحسب، فقد احتل جنودنا الآليون منطقة الوسط بالفعل، منذ لحظات.
اتسعت عينا رئيس الكتلة الشمالية، وهو يهتف:
ـ احتلوها؟! .. كيف ؟! .. إن أقمارنا تراقب كل خطوة من خطواتكم، كما تراقبنا أقماركم، منذ عام سبعة آلاف وخمسين، فكيف؟
قاطعه رئيس الجنوب بنفس البرود:
ـ لقد ابتكر علماؤنا فيروسًا إليكترونيًا رائعًا، أصاب أقماركم الراصدة بارتباك ليزري، جعلها تعيد المشاهد التي رصدتها منذ عام كامل، وتهمل رصد الأحداث الجديدة.
ثم اتسعت ابتسامته، وحملت الكثير من الشماتة، وهو يضيف:
ـ ولقد انتهى الأمر يا عزيزي، وصارت منطقة الوسط ملكنا.
صرخ رئيس الشمال في ثورة:
ـ جنون .. هذا جنون حقيقي .. أنت تعلم أنك ترتكب أكبر أخطاء التاريخ بفعلتك هذه .. هل ترى هذا الزر الأصفر الصغير على مكتبي؟.. كلانا يعلم أنه يتصل مباشرة بقواعدنا الفضائية، وصورايخنا ذات الرءوس النووية الأيونية المهلكة، ومدافع الليزر الفتاكة، وبضغطة مني تصبح كتلكم أثرًا بعد عين.
ابتسم رئيس الجنوب في سخرية، وهو يقول:
ـ أنت تعلم مثلي أن هذا مجرد تهديد أجوف يا عزيزي رئيس الشمال، فأنا أيضًا أملك زرًا أصفر على مكتبي/ ولكن أقمارنا وأقماركم يرصد بعضها البعض طيلة الوقت، ولو ضغطت أنت على زرك الأصفر، فسينضغط زري الأصفر تلقائيًا، وتنطلق كل الصواريخ، وكل مدافع الليزر، فيباد العالم كله في لحظات .. كرتنا الأرضية كلها ستتحول إلى رماد .. ولن تقدم أبدًا على هذا الانتحار الجماعي .
شحب وجه رئيس الشمال، وتهاوى فوق مقعده الهوائي، ورئيس الجنوب يستطرد في شماتة، وصورته الهولوجرامية تتلاشى في بطء:
ـ لقد درسنا الأمر يا رجل، وأدركنا أنك لن تضغط الزر الأصفر أبدًا .. أبدًا ..
أبدًا ..
تلاشت صورة رئيس الجنوب تمامًا، فهتف رئيس الشمال في حنق ومرارة:
ـ اللعنة !!
وضغط زرًا أحمر اللون، فارتسمت في منتصف الحجرة صورة هولوجرافية لمنطقة الوسط، وقد احتلتها جنود الجنوب الآليون، فضغط رئيس الشمال الزر مرة أخرى، لتتلاشى الصورة، ونهض من مقعده الهوائي، وراح يذرع الحجرة في غضب، هاتفًا:
ـ فعلها رجال الجنوب الأوغاد .. احتلوا منقطة الوسط .. سبقونا بيوم واحد .. كنا سنحتلها نحن غدًا.
دلف إلى حجرته، في هذه اللحظة، معاونه الشاب، وقال في هدوء:
ـ ما الذي يغضبك هكذا يا سيدي؟
هتف رئيس الشمال:
ـ اقبل يا معاوني الأول .. لقد احتل رجال كتلة الجنوب منطقة الوسط .. لقد فعلوها قبل أن نفعلها نحن بيوم واحد .. كيف علموا خطتنا بالغة السرية؟ .. كيف عرفوا شفرة الإدخال إلى أقمارنا الراصدة ليدفعوا إليها فيروسهم الإلكتروني؟
أخرج المعاون الشاب من جيبه مسدسًا أيونيًا، صوبه على رئيسه وهو يقول:
ـ أنا أعلم كيف .
اتسعت عينا رئيس الشمال في ذهول، وتراجع كالمذهول، هاتفًا:
ـ أنت؟! .. أنت الخائن؟
ثم قفز نحو مكتبه، مستطردًا في غضب هائل:
ـ ولكنك لن تفلح .. لن يفلح أحد .. سأضغط الزر الأصفر .
قبل أن بلغ سبابته الزر، تألقت الحجرة بضوء أرجواني، انبعث من مسدس المعاون الشاب، وغمر جسد رئيس الشمال، والذي تألق في شدة، ثم استحال في غمضة عين إلى كومة من رماد، نثرها المعاون بقدمه، وهو يضغط زر اتصال آخر، برزت على إثره صورة هولوجرافية لرئيس كتلة الجنوب، الذي قال في برود:
ـ ماذا تريد؟
أجابه المعاون الشاب في ابتهاج:
ـ لقد نفذت المهمة يا سيدي.. قتلت الرئيس.
قال رئيس الجنوب بنفس البرود:
أحسنت .. ستحصل على أجرك كاملًا، بالعملات الدولية.
ارتبك المعاون، وهو يقول:
ـ أجرى؟! .. ولكن .. ولقد وعدتي يا سيدي .. ألم تعدني برئاسة منطقة الوسط، و ...
قاطعه رئيس الجنوب في برود صارم:
ـ لقد أديت مهمتك، وستحصل على أجرك فحسب.
وعلى الفور، تلاشت الصورة المجسمة من هواء الحجرة، فامتقع وجه المعاون الشاب، وتراجع مغمغمًا في ارتياع:
ـ أجري؟!
ثم انهار على مقعد رئيس الشمال الراحل، ودفن وجهه في راحتيه، مرددًا:
ـ لقد خسرت كل شيء، خسرت كل شيء .. لقد خدعني الجميع.
وفي غمرة يأسه، وشعوره بالمرارة والخيانة، وقع بصره على الزر الأصفر..
واتجه بكل تفكيره ورغبته في الانتقام إليه ..
واتخذ قراره الحاسم ..

________
(د. نبيل فاروق ـ كوكتيل 2000 ـ العدد رقم 3 ـ البديل)

[serenade]

سيدمر كل شئ لم يعد لديه ما يخسره

[SHELL]

كما العادة ابدع الدكتور فى الفئة الأدبية الخيال العلمى بجدارة