آخر 10 مشاركات
19- أهديتك عمري - آن ميثر (الكاتـب : عنووود - )           »          76 - أيام في العذاب - كارولين جينتز (الكاتـب : فرح - )           »          71 - طال انتظارى - آن ميثر - ع.ق ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          482 - خفقات مجنونة - ميشيل ريد ( عدد جديد ) (الكاتـب : Breathless - )           »          حَمَائِمُ ثائرة! * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Lamees othman - )           »          413 - حبيبتي كاذبة - لين غراهام (الكاتـب : فرح - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )           »          9 - الرحلة - آن ويل - ق .ع ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          غيث أيلول -ج5 سلسلة عائلة ريتشي(121)غربية - للكاتبة:أميرة الحب - الفصل الــ 44*مميزة* (الكاتـب : أميرة الحب - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل كانت رواية كشمس الشتاء جيدة بما يكفي ؟!
نعم 😍 3 100.00%
لا🙂 0 0%
المصوتون: 3. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree25Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-11-20, 09:35 PM   #21

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الحادي عشر

" ستؤذيك في طبع الزمان حقائقه ............ ويسبقك المكتوب يا من تسابقه "
محمود الحضرمي

همس في ارجاء العقل ينبهنا دومًا لشيءٍ غفلنا عنه .. نسيناه أو ربما تناسيناه في خضم أحداث أكثر أهمية وإثارة ..
فمثلًا ماهو ألم اصطدام قدمك بالطاولة مقارنة بتلقي طلقة نارية في القدم الأخرى ؟!
لا شيء بالطبع .. سيتوجه تركيز عقلك للألم الأكبر الذي تعايشه .. ستنتبه كل أعصابك الحسية بالألم الناتج عن الإصابة .. متناسية أي ألمٍ في باقي الجسد مهما كانت قوته ..
إنها نظرية التشتيت .. هل شاهد أحدكم المسلسل التلفزيوني الشهير house والذي يحكي قصة الطبيب الشهير "جريجوي هاوس" كان يعاني من ألم مزمن في قدمه .. ألم لا يمكن تحمله إن لم يتناول المسكنات المخدرة .. لجأ في إحدى المرات إلى كسر إصبع يده .. لتقليل الشعور بالألم المطلق في قدمه وقد نجح !..
ولكن سرعان مازال ألم الإصبع المكسور وعاد ألم قدمه يقتله من جديد ! ..
نظرية التشتيت .. جيدة لكن مؤقتة ..
تناهى إلى عقله عبدالله واتصاله الطارئ .. يخبره بتهديد جاك لسايتو إن لم ينتهي الأمر خلال أسبوع واحد لا أكثر .. ويخبره أيضًا بإصرار سايتو على معرفة ما يحدث .. والسبب الحقيقي وراء اختفاء سالم ... والأهم لِمَ الكذب من الأساس !.
الكثير والكثير من الأمور العالقة وليست أبدًا بالهينة .. يحاول فرض سيطرته على الأمور ولكنها ماتنفك تخرج عن السيطرة .. هو يتجاهل كل شيء ، يُظهر ثباته لعبدالله بأن لديه دومًا خطة أساسية وأخرى بديلة .. وف الحقيقة هو لا يملك سوى التجاهل إن كان يسميه خطة ، تنهد وقد غزى العجز أركان عقله ..
لا يمكنه تخطي الأمر .. لا يمكنه الاستمرار في التجاهل .. قد وضع مخططًا سابقًا للإيقاع بجاك وعليه قد ذهب إلى مقره وواجهه ,لكن المخطط لم يكن يتضمن مرض والدته أو مجيئه إلى مصر ..
اختفاؤه سيدفع جاك للتفكير وإن فكر سيبحث وإن بحث لربما يتوصل لما سعى جاسر ووالده لإخفائه ..
العائلة أهم نقطة ضعف يمكن استغلالها ضده.
شدد من ضغطه على كف أمه التي لاتزال نائمة بسلامٍ بعد جراحتها ، نقلوها إلى وحدة العناية المركزة وقد أصر على البقاء بجوارها رغم إلحاح ريم عليه بالذهاب إلى المنزل ليغتسل ويرتاح قليلًا .. ولكن لا راحة دون سماع صوت أمه ..
هبط يقبل كفها وهو يفكر ..لربما يسلم الماسات لجاك وينتهي من الأمر ...
ماذا إن كانت ماسات أثرية ترجع ملكيتها للملكة كليوباترا ؟! ..
حتى الدولة لم تلاحظ اختفاءها .. لم يتمكنوا حتى الآن من إدراك زيف ما يمتلكوها ..
لِمَ عليه هو المحاربة من أجل عودتها إذًا ؟!
غرز كفه الطليقة في شعره يحاول تهدئة نفسه .. وفي نفس اللحظة شعر بحركة طفيفة بين كفه الآخر ..
كانت تحاول تحريك أصابعها .. خفف من ضغط يده وهو يطالع هذه الحركة الضئيلة .. تراقص قلبه وكأنه يراقب خطوات رضيعه الأولى ..
قبل كفها وهو يهمس بحنو ..
-أمي !
أمي .. أنا هنا بجوارك .
باعدت بين جفنيها بصعوبة .. ولكن حفزها هذا الصوت الذي سمعته ..إنه هو أم أنها تتوهم من كثرة اشتياقها ..
فتحت عينها تبحث عن ملامحه...صورة مشوشة في البداية ولكن سرعان ما تحسنت ..
شهقت غير مُصدقة والدمع قد ترقرق في عينيها ..
اقترب منها يحتضنها .. يقبل جبينها وعينيها وحتى تلك الدموع التي سقطت منها .. وهي تهمس ..
-أهذا حقًا أنت يا جاسر ؟!
ابتعد وهو يومئ برأسه ..
-بشحمي ودمي يا أمي .
رفعت ذراعيها بوهنٍ تجذبه لأحضانها ، فاستجاب لها متنعِمًا بحنانها .. غارقًا في دفئها من جديد.
******
-هلَّا فتحتي الباب رجاءً يا ورد ؟! دعيني اطمئن عليك فقط
قالتها شهد بنفاذ صبر ..القلق ينهش قلبها..
منذ عادت من العمل ولم تستغرق بضع ساعات .. توجهت مباشرةً إلى غرفتها دون قول كلمة واحدة .. أغلقت الباب بعنف وارتفع صوت نحيبها من خلفه ..
حاولت شهد مرارًا إقناعها بفتح الباب ولكن دون جدوى ..
همست من جديد ..
-أرجوكِ ورد .. اسمحي لي فقط باحتضانك .. أعلم كم تحتاجين عناقي الآن .
ازداد نحيب ورد من الداخل ، مما آلم شهد بالخارج .
تنبأت بشيء فخرج السؤال سريعًا ..
-هل هو جاسر ؟!
شهقت ورد بألمٍ شديد .. فحملقت شهد ..
-هل عاد ؟! .. حدثك؟! .. ضايقك؟! .. أي شيء يا ورد ...
ازداد بكاء ورد في الداخل ..
كادت شهد أن تصرخ ولكنها زفرت بعنف عوضًا عن ذلك .. توجهت إلى هاتفها ، لا يوجد غيره عمر ..مديرها وصديق ذاك الأجدب ..
*******
ارتفع رنين هاتفه في الغرفة .. لم يكن نائمًا ولكنه تظاهر بالنوم ليخدع نفسه ليس إلا ، مد ذراعه من أسفل الغطاء ليطالع اسم المتصل .. شهد !
هو حتى لا يعرف أحدًا بهذا الاسم .. ولكن بما إنه مُسجل عنده فهنالك تعارف سابق ، ثوانٍ حتى تذكر من شهد .. اعتدل جالسًا على الفراش وهو يجيب ..
-مرحبًا !
بتوتر ملحوظ ..
-مرحبًا سيد عمر .. أنا شهد شقيقة ورد الكبرى ..
قاطعها عمر بطريقة مهذبة ..
-بالطبع أعرف من تكونين سيدتي .. هل أستطيع خدمتك بأي شيء ؟!
لم يستطع منع نفسه وأكمل ..
-هل حدث شيء لورد؟!
تنهدت ..
-منذ عادت فجأة من العمل وهي في غرفتها تنتحب وتبكي .. وتمنعني حتى من الدخول ، هل تعرف ما أصابها ؟!
كاد أن يجيب فأردفت ..
-هل هو جاسر ؟! .. هل عاد ؟!
زفر بغضب ..
-أجل لقد عاد .. والدته أجرت جراحة خطرة وعاد لأجلها ..
أكمل بألمٍ ..
-وجاءت ورد إلى المشفى لزيارتها .. والتقيا هناك ، واعتقد أنهما نالا حوارًا منطقيًا .
شهقت شهد وبدأت بالنحيب ..
-يا إلهي ..
حاول تهدئتها ..
-رجاءً اهدئي .. ستكون بخير صدقيني ..ورد قوية ..
همست شهد باكية ..
-لا ليست كذلك طالما هي بفردها فهي محطمة .. تحتاج إليّ ولكنها تمنعني حتى من الاقتراب .
وضع كفه على وجهه وأغمض عينه يتذكر بكائها وصراخها في سيارته .. كانت بالفعل محطمة كاد أن يتحدث ولكن باغتته شهد ..
-شكرًا جزيلًا سيد عمر ، لم أقصد إزعاجك ..
كاد أن يجيب... ولكن صرخت شهد بجزع..
-ما هذا ؟!
نهض فجأة وهو يسأل ..
-ماذا .. ماذا حدث ؟!
لم يلق جوابًا ولكن صوت صراخ شهد ، بكلمات غير مترابطة ..
-ورد ... ماذا حدث ؟! .. ورد أجيبي..
خرج راكضًا بثياب نومه .. محافظًا على الهاتف على أذنه .. يستشف أي شيء ، وصل إلى السيارة وانطلق بها بأقصى سرعة ..
سمع صوت أقدامٍ كثيرة ، إنهم الجيران بالتأكيد جاءوا ليستشفوا سبب صريخ شهد المستمر .. إحدى الجارات لاحظت الطفلة المنزوية في ركن المنزل تبكي ، فركضت باتجاهها تحتضنها ، تُبعد عن أنظارها مشهد أمها الباكية عند الباب ..
دخل الرجال وبدأوا في كسر الباب ليتمكنوا من الدخول .. ولكنه كان بابًا كصاحبته عنيد ..استغرقهم الكثير من الوقت ليتمكنوا من زحزحته قليلًا ..
فُتح الباب أخيرًا ، فتوقف الرجال لم يجرؤ أحدهم للدخول ...
لم يعد يسمع أي صوت ، هل انقطع الخط .. أبعد الهاتف عن أذنه يتطلع إلى شاشته .. مازال الاتصال قائم .. أعاده من جديد محاولًا سماع أي شيء ..
رفعت شهد رأسها ببطء تطالع شقيقتها ، دخلت من الباب تتحسس وجودها لم تكن بالغرفة .. إذًا هي في المرحاض ، كان يتبعها رجلين من جيرانها ، استدارت وطلبت منهم في رجاءٍ..
-اسمحا لي سأدخل بمفردي ..
تفهم الرجلين ذلك وأومأ أحدهما قائلًا
-سنبقى على مقربة .
وصل أسفل البناية التي تسكن بها .. هبط والهاتف على أذنه ومازال لا يسمع سوى الهمهمات ..
تقدمت بخوفٍ إلى المرحاض ..فتحت الباب ، وصل عمر إلى المصعد قفز بداخله ضاغطًا رقم الطابق ...
بمجرد أن فتحت الباب .. ارتفع صدى صرختها .
سمع الصوت من الهاتف وأيضًا أمامه فقد انفتح باب المصعد أمام باب شقة ورد ..
هبطت على أختها باكية .. تستنجد بكل من هم بالخارج ،
وقد كان خوفه حافزًا جعله أول الواصلين ، ليرى مشهدًا أفزعه كثيرًا ..
نائمة في أرضية المرحاض وقد قطعت معصمها .. سامحة لأنهارٍ من الدماء بتغطية الأرض ، حتى خصلات شعرها التي لم يسبق له رؤيتها كانت غارقة بلون الدماء .. في لحظات أدرك ما ترتديه من ملابس بيتيه مكشوفة .. أدرك الرجلين القادمين من خلفه .. فصرخ بهم توقفوا ..
أبعد شهد عنها ..
-اجلبي أي شيء لترتديه .. بسرعة.
نهضت مسلوبة وكأنها لا تعرف ماعليها فعله ..
بينما هو نزع التيشرت القطني الذي كان يرتديه .. وبعنفٍ قطعه وبدأ بلفه حول معصمها ليمنع شلال الدم ذاك ..
عادت شهد ومعها رداء الصلاة الخاص بورد .. بسرعة ألبسها إياه وغطى شعرها بطريقة عبثية .. ورفعها على ذراعيه ...
خرج راكضًا تحت أنظار الجيران القلقين والمتسائلين أيضًا ، تبعته شهد باكية .. تذكرت ابنتها فعادت لتجدها بين أحضان إحدى الجارات ، فتحت ذراعها منادية ، فركضت الصغيرة لأمها ، حملتها شهد وركضت تلحق بعمر ..
أخرجت تلك الجارة الجميع من المنزل وأغلقته داعية الله بأن تكون العاقبة خيرًا .
وضعها في السيارة من الخلف فالتقطتها شهد ، بينما قفز هو خلف المقود ..
رفع هاتفه يطلبه ,ومن غيره الطبيب الوحيد الذي يعرفه ..
-يحيى ..
بقلق شديد لنبرة الصوت هذه ..
-أجل
-أنت بالمشفى ؟!
بقلق أكثر ..
-أجل .. ماذا هناك؟!
نظر خلفه عليها وقد تغير لونها ..
-ورد ! .. ورد جرحت نفسها فقدت الكثير من الدماء ، ستحتاج إلى الكثير من الدماء ..
أومأ يحيى في هدوء ..
-ما هي فصيلة مها ؟!
- ab- , سأصل خلال دقائق ..
طمأنه يحيى ..
-سأكون في انتظارك .
ألقي بالهاتف أمامه وهو يطالعها بالمرآه ، كل ما يريده الآن أن تتحسن .. أن تصبح بخير ، وبعدها سيحطم عظامها وعظام جمجمتها العنيدة تلك .
وصل إلى المشفى ، هبط من السيارة ليجد يحيى بانتظاره ومعه بعض الممرضات بناقل المرضى .. استدار وفتح الباب الخلفي ، ورفعها بين ذراعيه من جديد ..وتوجه بها إلى الداخل .
اقترب منه يحيى ..
-ضعها هنا ..
نظر له بعناد ..
-سأدخلها أنا .. إلى أين ؟!
رفع يحيى حاجبه مستغربًا ..
-حسنًا اتبعني إلى الطوارئ .
وصل بها إلى هناك ، وقد كان كل شيء مجهز .. بمجرد أن وضعها على السرير ، التف حولها الممرضات يسحبون تحاليلًا طبية ويقيسون ضغطها وأشياء كثيرة ..
وضع يحيى كفه على كتفه ..
-لاتقلق ستكون بخير .. اذهب أنت إلى الخارج ..
لم يحرك عينه عنها وهو يجيب ...
-لن أتحرك قبل أن تفتح عينها .
ازداد اندهاش يحيى أكثر وأكثر ناهيك عن اندهاشه من البداية بمجرد أن رأي هيئة عمر .. جذع عارٍ ، قدمين حافيتين وسروال قطني مريح ...
اقترب من المريضة وحث التمريض على الإسراع .
*******
جلست بالخارج تحتضن صغيرتها والدموع تخرج واحدة تلو الأخرى ... تبكي شقيقتها وتبكي واحتياجها وتبكي صغيرتها وحتى نفسها .. تلوم ذاك الغائب تلوم رب هذه الأسرة ، تلوم عمله وابتعاده .. بل تلوم اختيارها من بين كل من تقدموا لخطبتها لم تتقبل سواه .. سوى ياسر القبطان البحري .. تقبلته ولكنها لم تتقبل يومًا ماهية عمله .. لم تتقبل غيابه معظم شهور العام ، لم يكن موجودًا حينما جاءت حنين .. لم يعاصر نموها .. لم يسمع أولى همهماتها ، أو يلتقطها عند أول سقطاتها .. لم يكن موجودًا أبدًا ..
وحتى اليوم وهي في أوج احتياجها له لم يكن موجودًا ..
مسحت كف الصغيرة دمعها ..وسألت بحروفها المختلطة ببعضها ..
-ماذا حدث لويد ؟!
قبلتها شهد على جبينها واحتضنتها بشدة وكأنها تمد نفسها بالقوة ..
-لا شيء صغيرتي .. خالتك مريضة قليلًا ليس إلا .
******
أصر يحيى على ذهابهما إلى المنزل ، وقد تطرق لتوعك نور حتى تقتنع .. لم تكن ستقتنع أبدًا لولا تأكيد والدها بأن آمال أصبحت بخير .. خرجت من غرفة نور بعد أن نامت أخيرًا لتعد لنفسها كوبًا من الشاي ..ابتسمت وهي تراجع نظرات الجميع بل نظرات عمر لورد ، إنه حقًا ولهان ..
وعبست وهي تتذكر نظرات نور لجاسر .. جاسر ليس الشخص المناسب لضعف نور .. بل لن يلاحظ حتى احتياجها له ، وأيضًا هي تحتاج لشخصٍ باقٍ دومًا لأجلها , وهو أكثر شخصٍ متخاذل قابلته في حياتها .
نفضت رأسها وهي تتذكر أمر ذاك الصغير بداخلها .. مدت كفها تتحس بطنها وهي تهمس ..
-أتدري لايهم أي شيء طالما أنت هنا يا صغيري .
******
بدأت باستعادة وعيها .. حركت عينها لتستشف مكانها أو أي شيء ، هل ماتت والآن ستُعاقب على فعلها المتهور ؟!
هل أنقذتها شهد ؟!
أدركت أنها بالمشفى لذلك فقد أنقذتها شهد على الأغلب .. مُقابلها تجلس ممرضة غلبها النعاس وهي على وضعيتها الغير مريحة ..
بدأت بالنحيب ندمًا على ما آلت له أمورها .. ندمًا على ماعرضت شقيقتها له ..
كان بجوارها كعادته دومًا ولكنها لم تره كعادتها دومًا ..
-لا تبكي ورد .. أنتِ بخير لا تقلقي ..
استدارت لصوته .. يجلس بالقرب منها عارٍ تتوزع على صدره المكشوف بضع قطرات الدماء ...
أرادت أن تسأل ..
-م.ما..كيف أتي...
وضع إصبعه على شفاهها ..
-أصمتي ، لا تتحدثي .. سأذهب لإحضار شقيقتك من الخارج ، فهي ستموت من القلق عليك .
سقطت دمعة منها ، فلم يستطع منع نفسه فمسحها ونهض متوجهًا للخارج .
دقائق ودخل يحيى ليطمئن على حالتها الصحية ومن خلفه شهد الباكية ..
ارتمت الشقيقتان في أحضان بعضهما البعض تبكيان كل ألمٍ تشاركتاه .
*****
جلس بالخارج بجوار الصغيرة حنين وقد ناوله يحيى شيئًا يرتديه ، كانت ملابس العمل خاصة يحيى ولكنها أفضل من لاشيء .
رفعت الصغيرة رأسها وببراءة سألته ؟!
-أنت تحب ويد ... أييس كذلك؟!
تنحنح وقد أحمر وجهه ..
-بالطبع فهي صديقتي .. أحبها كما تحبينها أنتِ .
خفضت رأسها وهي تهمس ..
-أنت أسوأ صديق قابلته في حياتي ..
أخفض رأسه لها ورفع حاجبه مستفهمًا ..
-ولِمَ ذلك ، لقد تقابلنا للتو ؟!
تأففت ..
-لأنك لا تهتم بصديقتك .. إنها تبكي كثييًا، لو أنك صديق جيد كنت ستمنعها من البكاء ، كنت ستضحكها عوضًا عن ذيك ..
عبس قليلًا ، ثم عاد للصغيرة برأسه وهو يسأل ..
-من رأيك كيف أضحكها ؟! .. كيف يمكنني إسعادها ؟!
أجابت بثقة ..
-بسيطة .. ويد والكثيي من البيايين ، وشيكوياه يي .
ابتسم لها ..
-حسنًا .. إن جلبت لكِ الشيكوياه .. سنصبح أصدقاء .. اتفقنا ؟!
مدت يده تصافحه ..
-اتفقنا .
**********
اطمئن على استقرار حالة ورد وطمأن شقيقتها وذاك الولهان عمر ، وتوجه ليطمئن على حال والدته ..
يتجنبه منذ ذاك الاحتكاك السلبي الذي حدث .
ريم محقة .. هو يريد التحدث معه ، يود حتى لو يتشاجرا أن يكسر كل واحدٍ منهم للآخر ضلوعه ،أي شيء عكس الصمت هذا .
وصل إلى الوحدة .. تناهى إلى أذنيه صوت ضحكات أمه الخافتة ، وأخيه الهادئة .
دخل مبتسمًا ، اقترب من والدته التي نادته بذراعها ، قبل كفها الممدودة ورأسها ..
همس ..
-مرحبًا بعودتك إليّ يا أمي .
بنظرات ترقص فرحًا ..
-بل مرحبًا بعودتكما لي ..

قراءة ممتعة 🌸
يتبع الفصل الثاني عشر
◀️◀️


نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-11-20, 09:40 PM   #22

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثاني عشر

" يحاصرني في المنام كلامي .... كلامي الذي لم أقله "
محمود درويش

جميع الرجال بِحار... هدوء وسلام خارجي والكثير الكثير من الأمواج المتلاطمة بالداخل ... الكثير من المفاجآت ، الأسرار .. الكثير أيضًا من الدرر واللآلئ ، ولكن لكل بحرٍ سماته ، محتوياته ..
فأي بحرٍ أنت ؟!
.. وأي أسرار تحملها في جوفك ؟!
وأنتِ أي بحر ستبحر سفينتك في مياهه ؟!..
هل ستواجهين إبحارًا سهلًا ويسيرًا في مياهٍ صافية تمكنك من رؤية كل ما بداخلها ؟!...
أم سيكون بحركِ هائجًا تتلاطم أمواجه ، ترشقك بالمياه دون انتظار ...
أصبحت ماهرة في عملها .. ليست المهارة التامة ولكن الكافية لتمكنها من فهم سير العمل وحاجته ، ولكن لم تصل لمهارة ياسين في تصيد المناقصات الرابحة وإن كان ربحها خفي لا يظهر سريعًا..
متربعة على عرشها في شركة أبيها التي بنى كل شبر بها من كده وتعبه لأجلها وحدها ، تراجع بعض أوراق الصفقات والمناقصات التي تمت هذا العام ولم يكن عائدها كما هو مأمول ..لم يعد مكتبها ملئ بالمستندات كسابق عهده منذ شهور .. أصبح منظمًا .. مرتبًا يليق بهنا العادلي ، ولكنه غاية في الكبر .. وهي بحجمها الضئيل تتوسطه ، كثيرًا ما أثار ياسين غيظها بمقارنة حجمها بمكتبها .. ولكن لايهم الحجم مادام ناتج الشغل المبذول أربع أضعافه ..
تحب تشجيع ياسين لها وحسها على التعامل مع جميع فئات الشركة ، وأصبح يزعجها مؤخرًا قلق جمال الدائم من تعاملها مع موظفيها .. يكرر دوما بأنها لا تشبههم وأنهم سيستغلون سذاجتها لمصالحهم الشخصية .. هي تثق في نفوسهم البسيطة ، ولكن لربما عاشرهم عمها أكثر فبنى عنهم هذه الفكرة .. ومع ذلك هي تحب أن تبني انطباعها الخاص عن الآخرين .. بعيدًا عن تأثير أي شخص عليها ..
فُتِح الباب فجأة ، وقد كان عمها جمال .. دخل مبتسمًا
-كيف حال صغيرتي اليوم ؟!
نهضت عن مقعدها وقبلته بحنو ..
-بخير .. ولكن لم تتناول إفطارك معي اليوم ؟!
جلس على المقعد وأجلسها أمامه
-اُضطررت للذهاب مبكرًا ..هنالك بعض الأمور العالقة بيننا وبين شركائنا في الخارج ، وقد أرسلوا مندوبهم فجأة لمناقشتها معي ..
رفعت حاجبها متسائلة ...
-أي خارج تقصد ؟!
أخرج من الحقيبة التي كانت بيده .. بعض الأوراق يعطيها لها وهو يجيب ...
-لندن يا عزيزتي .. والآن أحتاج توقيعك على هذه الأوراق بسرعة ..فلدي اجتماع بعد نصف ساعة ..
أمسكت بالأوراق بين يديها تتفحصها ، زامن هذا دقات متتالية وبعدها دخول الساعي ومعه كوب من مسحوق الشيكولاه ...
وضعت الأوراق على المكتب ونهضت تقفز كالصغار ، قهقه جمال سعيدًا لسعادتها ...
-أحضرته لكِ تعويضًا عن الإفطار يا صغيرتي ...
احتضنته والكوب في يدها ، فربت على رأسها بحنو ، ثم استدار ملتقطًا الأوراق ..
-هيا يا صغيرة وقعي .. عليّ الذهاب ولا أريد أن أتأخر ..
استدارت هي الأخرى ، مالت على الأوراق توقعها .. وهي تشرب مشروبها بنهم وسعادة ..
خرج جمال من المكتب ضاحكًا على طفوليتها رُغم اكتمال أنوثتها .. وهي تبتسم سعيدة بكون عمها دائمًا وأبدًا يسعى لإسعادها ...
أخرجت الهاتف ، تبعث برسالة لتتأكد من موعدها مع ريم اليوم والتي أجابتها فورًا بالتأكيد ..
ستعود لإنهاء عملها ريثما يحين موعد ذهابها ..
***********
مر أسبوعان على جراحتها ، تشعر وكأن حياة جديدة بدأتها بهذا القلب الجديد ، قلب منذ لحظاته الأولى سعيد .. لم يصبح ملتاعًا كسابقه بفراق الأحبة , لم يسكنه كالآخر الألم والحزن .. ربتت ببطءٍ وخفة على قلبها هامسة ..
-مرحبًا بك
دقات على الباب عرفت من جمودها صاحبها ، ومن غيره يضرب الباب ضربتان متتابعتان دون لحن فيهم أو أي شيء يثير النفس ، ومع ذلك أُثيرت نفسها وكانت سعيدة .
دخل إلى الغرفة بهيبته المعتادة ، تشعر وكأنه من زمن الكلاسيكيات .. أفلام الأبيض والأسود ، حين يكون الرداء الدائم هي الحُلة السوداء ، مع ربطة العنق تتدلى على قميص فاقع البياض .
اقترب منها وكانت جالسة على مقعد عند الشرفة لتنعم بشمس الشتاء الدافئة ، هبط على رأسها يقبلها ومن ثم كفيها الاثنين ..
-كيف الحال أمي ؟!
قالها وهو يجثو بركبتيه أمامها ..
ربتت على رأسه وابتسمت بحنوٍ بالغ ..
-ما دمت أمام عيني فأنا بألف خيرٍ يا صغيري .
قطب بين حاجبيه ..
-صغيرك! .. عمري اثنان وثلاثون عامًا وتناديني صغيري ؟!
ضربت خده مازحة ..
-وإن كان عمرك مئة عام ستظل صغيري ..
أمسك بكفها وقبلها ..
-هل تشعرين حقًا بتحسن يا غاليتي ؟!
أومأت في هدوء ...
ثم تغيرت ملامحها فأردفت ..
-أخبرتني ريم بأنك تمكث في أحد الفنادق .. هل يصح ذلك يا ولدي؟!
ابتلع ريقه وهو يسب ريم في رأسه .. " كم هي ثرثارة " ..
-سنعود سويًا للمنزل إن شاء الله ..
قطبت هي بين حاجبيها ، ولكمته بضعفٍ في صدره ..
-عد إلى منزلك .. جاسر ، إذا أردت إسعادي عد للمنزل وتحدث مع أخيك ، لا أريد أن أرى في عين كل ٍمنكما جليد في اتجاه الآخر ..
كاد أن يتحدث ولكنها وضعت اصبعها على شفاهه وأردفت ..
-أنا لا أريد أي تبرير لغيابك أو جفائك .. كل ما أردته هو عودتك وقد وحدث .. ولكن يحيى يستحق أن تراضيه على الأقل .
آلمته الكلمات .. لنفسه ، آلمه سرًا حاله كما آلمه دومًا ..
رفع رأسه لوالدته وأومأ مُذعنًا لرغبتها ..
-حسنًا إن كان هذا ماتريدين .. سأجهز حقيبتي وأعود للمنزل ..
أشرق وجهها بابتسامة ، وسألت ..
-ومتى ستتحدث مع أخيك ؟!
نهض واقفًا وأجاب باقتضاب ..
-قريبًا أحتاج لبعض الوقت فقط .
أومأت في تفهم ، استأذن منها ليذهب إلى الشركة ينهي بعض الاعمال مع عمر ..
فتح الباب خارجًا ليصطدم بها .. صاحبة البلور الأزرق ..
انفتحت عيناها لمفاجأتها به .. هي تأتي كل يوم في هذا الموعد .. ولم تصادفه قبلًا..
كانت تلتمس أخباره من ريم والتي كانت تخرجها من حين إلى حين ببخلٍ بالغ لطالما أزعجها ..
احمرت وجنتاها خجلًا ، لقد كانت تحدق به كل هذه المدة ..
اخفضت عينها في خجل وإحراجٍ شديدين ..
فقطع هو الصمت قائلًا ..
-مرحبًا ....
رفعت آمال صوتها من خلفه ..
-نور ...اسمها نور .
استدار ينظر لأمه وعلى وجهه استفهام ساخر ..
فأشارت له بعينها .. " سأخبرك لاحقًا "
عاد يطالع الواقفة أمامه ، وقد انزوت على نفسها لتفشل رأسها بكل جدارة من الوصول لكتفه حتى .. فأعاد الكلمة من جديد ولكن بجمود ..
-مرحبًا نور .. وعذرًا على الاصطدام بكِ .
فتحت فمها لتجيب ، ولكنه تحرك تاركًا إياها تائهةً في مكانها .. تراقب ظهره يبتعد عنها تدريجيًا إلى أن اختفى من الرواق .
نادتها آمال لتدخل لها ..
وصلت لها وكانت حركتها أخف .. يبدو أن جلسات علاجها الطبيعي تفي بالغرض .. سألتها آمال مبتسمة ..
-مع من جئتِ ؟!
أجابت بطفولية ..
-بالطبع ريم .. يحيى يكرهني .. وهذا أيضًا !
اندهشت آمال من كلامها ونفت بسرعة ..
-بالطبع لا يا عزيزتي .. يحيى فقط متحفز ولكنه حنون للغاية ، اعطه بعض الوقت .. وجاسر هو قاتم هكذا ولكن قلبه كبياض الثلج تمامًا ، كما أنه لم يتعرف عليك بعد .
رفعت كتفها وكأنه لا يوجد غير الاقتناع أمامها ..
********
وصل إلى الشركة ، صعد إلى مكتبه .. الذي فُتح أخيرًا بعد عودته ، نظر إلى الكنبة الوثيرة التي اتخذها فراشًا له في الأيام الماضية .. ابتسم مادحًا ذكائه بالكذب على ريم وإلا كانت ستخبر والدته ..
ألقى بجاكيته .. والتقطه حاسوبه المحمول وخرج من المكتب على عجالة ..
وصل إلى مكتب عمر ، ودخل كعادته بدون استئذان ..
وضع الحاسوب أمام صديقه الذي لم يتفاجأ أو يُعلق ..
-هيا .. ما رأيك ؟!
لم يجلس لينتظر الرد .. دليلًا على تحفزه للإجابة وتوتره العام .
بهدوء وسخرية دفينة ..
-ستعطي جاك ماسات مزورة ؟! ...
جاك رئيس أكبر العصابات الغربية .. والذي بنظرة واحدة منها يمكنه معرفة قياس ملابسك الداخلية .. ستعطيه ماسات مزورة ..
اقترب جاسر من عمر ..
-انظر .. تبدو وكأنها حقيقية تمامًا ، صدقني لن يلاحظ حتى ..
رفع عمر رأسه لصديقه وعلى وجهه تعبير ينم على الخيبة التي بدا فيها صاحبه ..
-لقد تمكنت من تمييز زيفها عبر صورة .. أنا عمر الذي لم يمسس مثلها من قبل ، ولن يتمكن جاك ، ناهيك عن الخبراء اللذين تحت يده .
ضرب المكتب بكفه ، وألقى بجسده إلى المقعد وهو يتأفف ..
-لم لا أستطيع التفكير في أي شيء ؟!.. أشعر بالعجز وأنا هنا
نهض عمر من مقعده وجلس قبالته ..
ربت على ركبة صديقه ..
-اهدأ قليلًا .. ما مررت به لم يكن هينًا أبدًا ، كما أننا أصبحنا أربعة نفكر سويًا ..
اعتدل في جلسته ..
-سايتو ..الحل في سايتو ، أريده أن يكون عميلًا مزدوجًا
رفع عمر حاجبه ..
-وماذا؟!
نهض جاسر عن المقعد .. وأردف ..
-سيذهب لجاك .. يتفق معه على الإيقاع بي .. سيخبره سايتو بأنه يود من كل قلبه قتلي ..
قاطعه عمر ..
-وما الدافع يا سيدي ؟!
ابتسم جاسر واثقًا ..
-النقود .. الشركة و الأهم إيمّا
أومأ عمر باقتناع ، ونهض هو الآخر ليحادث عبدالله يخبره بفكرة صديقه المجنونة .
*********
خرجت من الغرفة بعد أن نامت آمال ، تحركت باتجاه مكتب ريم ، أرادت أن تجلس معها قليلًا قبل أن تأتي سلمى وتأخذها ..
فتحت الباب بخفة وصرخت ..
-مفاجأأأأة .
فزعت هنا التي كانت جالسة على المقعد مع ريم .. بينما لم تستطع ريم منع ضحكاتها ..
ارتبكت نور لوجود هنا ، اعتقدت أن ريم بفردها لذلك فعلت ما فعلته ..
همست معتذرة ..
-آسفة ، لم أكن أعلم بوجود أحد معك ..
نهضت ريم وفسرت ..
-إنها هنا ، تقابلتما من قبل ..
أومأت نور وابتسمت هنا ونهضت تصافحها ..
استأذنت ريم من هنا وخرجت مع نور لتتحدثا..
-أمي بخير ..
أومأت نور ..
-أجل بخير ، نامت منذ قليل .. خرجت كي لا أزعجها .. سأنتظر سلمى ونذهب سويًا .
أمسكت ريم بكفها .. وأخذتها لمكتب يحيى
أجلستها على المقعد ..
-ابقي هنا إلى أن تأتي سلمى .. سأهاتفها لتأتي إلى هنا ..
نظرت نور حولها وبخوف قالت ..
-ولكن هذا مكتب يحيى ..
ابتسمت ريم ..
-لا تخافي يحيى في جولة كاملة بالمشفى ..
لن يعود قبل ساعتين .
أومأت نور بتفهم ..
وخرجت ريم عائدة لمريضتها .
**********
منذ خروجها من المستشفى وهي صامتة .. تتحدث من حين لآخر ولكن ليس فيما حدث ..
تتحدث فقط مع صغيرتها حنين ، لم تضغط عليها شهد .. لم تسألها أو تعاتبها ، اكتفت هي الأخرى بالصمت ليس فقط حزنًا على أختها ..
ولكن حزنًا على حالها ..
كانت جالسة أمام التلفاز .. لا تشاهد ولكنها تجلس أمامه فقط ..
ورد بغرفتها نائمة .. وحنين تلعب بألوانها أمامها ..
سمعت صوت مفتاح يصطدم بالباب ..
ظنت لوهلة انها تتخيل ..ولكن انفتاح الباب .. ليظهر من خلفه رجل في أواخر الثلاثين يرتدي حُلة بيضاء ..
ركضت باتجاهه حنين صارخة ..
-أبي ..
وضع حقيبته بجواره وهبط يلتقطها بحب واشتياق، وعيناه تتابعان تلك الواقفة بوجهٍ خالٍ من أي تعابير .
***********
وصلت إلى المنزل مع سلمى، التي وضعت حقيبتها قائلة ..
-سأذهب لإعداد الطعام ريثما يعود السيد يحيى .
أومأت نور وتوجهت لغرفتها ..
-وأنا سأستحم وسآتي لأساعدك .
توجهت كل واحدة لوجهتها ..
أخرجت نور ثيابًا ترتديها ..ودلفت إلى المرحاض ..
************
قاد سيارته عائدًا لمنزله بعد أن قطع وعدًا لوالدته .. تاركًا عمر كالعادة يدبر ما خطط له مع سايتو وعبدالله .
وصل إلى المنزل ، هبط من السيارة ..
وقف يطالع منزله وقد ملأه الحنين ..
دقائق وفتح الباب ودلف لغرفته ..
لم ينم جيدًا في الأيام السابقة ..يشغله التفكير في مشكلته ووالدته .
ألقى بحقيبة ملابسه على الأرض ..
توجه إلى الفراش والنعاس يداعب جفنيه ، ارتمى يحتضن الوسادة ..
داعب أنفه رائحة أخدرته ، تساءل عقله كيف التصقت بفراشه ولكن النعاس غلبه سريعًا ..
خرجت من المرحاض الملحق بجناحها .. وقفت أمام المرآة تجفف شعرها ..
سقطت عينها على الفراش لتلاحظ جسدًا يشغله ..
اقتربت بذعرٍ ، تكتشف هوية النائم ...
-إنه هو .. جاسر
تحولت عيناها من مذعورة إلى مندهشة .. متفحصة
اقتربت أكثر تتابع ملامح وجهه المرهق، يبدو كطفل عنيد ، أصبح وجهها مُقابلًا لوجهه ، تصطدم أنفاسه بوجهها ..
وهي غارقة بملامح وجهه النائمة ..
وفجأة فُتحت عيناه ،
صرخت من الصدمة ، فانتصب جالسًا على الفراش..
-ماذاااا ؟!
قالها مقتضبًا ...
فأجابت بصوت صارخ بضعف ..
-ماذا أنت .. ؟!
وضع كفه على وجهه وسأل بنفاذ صبر ..
-ماذا تفعلين هنا؟!
رفعت حاجبها .. وسألت بتحدٍ ..
-ما الذي تفعله أنت هنا ؟! ..
هذه غرفتي ..
نهض عن الفراش .. ووقف قبالتها ، لاحظ شعرها المبتل ، والقطرات تتساقط منه واحدة تلو الأخرى ..
تراجعت خطوتين تلقائيًا ..
لاحظ نحالة جسدها في ثيابها المنزلية ، اقترب الخطوتين اللتين ابتعدتهما وهمس ..
-آنستي نور ، أولًا هذه غرفتي ...
فتحت فمها لتخبره أنها كانت كذلك ، لكنه وضع يده على فمها .. مردفًا ..
-ثانيًا .. حتى لو كانت غرفتك ، فصدقيني آخر ما أريده الآن هو مناقشتك لم أنا لست نائم الآن؟!
أمسكها من ياقتها وأخرجها من الغرفة .. وعينها جاحظة من الصدمة ..
.. دفعها خارجًا.
أغلق الباب ، وارتمى من الجديد في الفراش ..
عادت الرائحة تتخلل أنفه من جديد .. ولكن هذه المرة يعلم من أين وصلت لفراشه هذه الرائحة .
*****
بأوصال متجمدة .. وقلب يكاد يتوقف من شدة الخفقان .. وأعين اتسعت حدقاتها لتسع الكون كله ، وقفت أمام الغرفة بعد أن أخرجها منها ككيس القمامة .. ببطء تحسست شفاهها تحاول استعادة ملمسإ
إصبعه عليها ، أغمضت عينها تتذكر كم كان وسيمًا وهو مغمض العينين .. وهو نائم ، كم كان طاغيًا في قربه .. هو من أولئك الأشخاص الذين نحبس أنفاسنا في حضرتهم ..
تنهدت تنهيدة طويلة جدًا ..وعلى وجهها ابتسامة حالمة ، من ثم تحولت إلى ضحكات ثم إلى قهقهة عالية حينما تذكرت كيف طردها من الغرفة ...
اقتربت سلمى منها عند الباب وعلى وجهها إمارات الدهشة والاستغراب ...
-لماذا تقفين هكذا ؟! .. ولم تضحكين كالمجانين ؟!
لملمت ضحكاتها وابتلعتها بصعوبة ..واقتربت من سلمى تهمس ..
-جاسر نائم بالداخل ..
جحظت عين سلمى وهي تتساءل ..
-هل دخلتِ عليه الغرفة ؟!
قطبت نور بين حاجبها ..
-لم أكن أعلم بأنه بالداخل .. كما أنها غرفتي الآن .
جذبتها سلمى بعيدًا عن الغرفة ..
-لا عليك .. اصعدي الآن وارتاحي في غرفة السيدة آمال ...
قاطعتها نور متذمرة ..
-ولكني أحتاج لثيابي ..
وقفت سلمى وعلى وجهها نفاذ الصبر يقفز ..
سأحضر لكي شيئًا من عندي الآن .. وتوقفي عن أفعال الصغار تلك ..
احمر وجه نور وهمست بحزن ..
-أنا أتصرف كالأطفال .. كنت سآتي لأساعدك في تحضير الطعام ..
نظرت لها سلمى وابتسمت ..
-انظري لنفسك ، تتصرفين ك "بو" .
قفزت نور في مكانها ..
-أحبك يا كرتي البعبع .. هيا اجلبي لي شيئًا أرتديه ريثما أستحم .. وسآتي لمساعدتك .

قراءة ممتعة 🌸♥️


نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-11-20, 10:23 PM   #23

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثالث عشر

" أجمل ما يمكن أن نعايشه .. هو حلم طال انتظاره يتحقق "

تكمن علتنا دومًا في ابتغاء الدراما ، نخشى القادم غير منتبهين لما نضيعه من حاضر يمكننا معايشته ويمكنه بكل سهولة إسعادنا..
-ألم تفتقديني يا شهد ؟!
استدارت له بوجه خالٍ من التعبير تأملته قليلًا وعادت من جديد تفرغ محتويات حقيبته دون إجابة ..
نهض عن الفراش واقترب منها حتى التصق بها من الخلف .. رفع كفيه وحاوط كتفها ، مال برأسه لأذنه يهمس من جديد ..
-ألم تشتاقي لزوجك حبيبك ؟! ..
قالها وغرس وجهه في عنقها يتشمم عبقها .. فشهقت باكية ..
ابتعد عنها لا يعرف .. لا يفهم ..
أدارها ليواجه عينيها الباكيتين .. اللائمتين ..
-ماذا يا شهد ؟! .. ما الذي حدث يا عمري ؟!
زاد بكاؤها وانتحابها ..وصرخت به ..
-ابتعد عني ياسر .. ابتعد .
حاولت الفكاك من يديه ولكنها لم تستطع ..
أمسكها بعنف ..
-أجيبيني ماذا حدث ؟! .. ماذا هناك ؟!
ازداد نحيبها ..
-ولم أخبرك .. لم تكن موجودًا حينما احتجتك ، ولن تكون عندما أحتاجك .. اتركني رجاءً ..
وحاولت من جديد سحب نفسها ، ولكنه هذه المرة جذبها بقوة لأحضانه ، لف ذراعيه بقوة عليها يحاوطها وكأنما يخبرها أنه لا فكاك منه مهما كان الأمر .
وهي وكأنها أرادت ذلك منه منذ البداية .. غرقت في أحضانه باكية .. لائمة .. مستنجدة ..وأي مرادفٍ تجدونه مناسبًا لها .
**************
هل جربتم الخذلان يومًا ؟! ..
مرار في كل شيء حتى فيما ترونه ، تقع عينك على شيء ما فتجده مرًا .. هل شعرت بالمرار من حاسة البصر مسبقًا .. والسمع أيضًا .. كل شيء مصدر للمرار .. وأي مرار ذاك ..
ولكن ليس الخذلان هو المهم ، المهم هم ما بعد الخذلان .. ماذا أيضًا ؟!
تلقينا الصدمة وانتهينا ، ماذا بعدها ؟!
ألم دائم بالطبع .. ولكن ليس هذا ما تشعر به ، هي لا تشعر بشيء سوى أنها فارغة مجوفة ، لاشيء تشعر به ..
وحدها حنين تشعرها بدفء الحياة .. في أحضانها تتذكر بأنها مازالت على قيد الحياة ..
نظرت للصغيرة النائمة بجوارها ..وبدأت تلعب في شعيراتها المنسابة وهي تفكر ..لا ينبعث خذلانها من جاسر أبدًا .. هي لم تتوقع منه غير ذلك .. فمن يتخلى مرة يترك مجددًا لأف مرة ..
هي من خذلت نفسها ، وضعت نفسها في موضع لم يكن لها .. كان عمر محقًا .
مسدت عنقها بيدها .. كيف ستعود إلى العمل الآن ؟!
بأي وجه ستواجهه ؟!
بعد فعلتها الغبية التي أقدمت عليها .. كيف ستواجه عينه ؟!
لا يتوقف عن إرسال رسائل للاطمئنان عليها ومن خجلها لا تجيب ..
أضاء هاتفها الذي حافظ على وضعه الصامت في الفترة الأخيرة ، وقبل أن تمسك به علمت أنها رسالة من عمر .. ومن غيره يهتم لأمرها ..
" عودي سريعًا .. أفسد الأمور بدونك "
أغلقتها وهي تفكر .. كم هو لطيف معها ، لقد كان دومًا لطيفًا ..
هو صديق جيد للغاية ..
كم هي محظوظة محبوبته!
***********
تمنى لو كانت الرسالة ..
" عودي اشتقت لكِ ..لصوتكِ .. لوجودكِ معي "
ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ،هو ساقط في ال friend zone وتبًا لها .. عليه أن يتعايش أو يحاول تحريك نفسه قليلًا من هذه المنطقة اللعينة ..هو يؤمن بأنه إن أردت شيئًا فاذهب واختطفه إن لزم الأمر .. حسنًا لقد تأخر الوقت قليلًا , ولكن الطريق أمامه مفتوح الآن .
ورده اتصال دوليُّ .. بالطبع من عبدالله ، حسب خطة جاسر فهو يجهز سايتو الآن للإندساس في عصابة جاك .. والأمر الذي لم يعترض عليه سايتو بتاتًا رغم علمه بخطورته .. محظوظ جاسر رغم كل شيء فهو محاط بأناسٍ يحبونه لدرجة تعريض أنفسهم للخطر لأجله .
فتح الهاتف ..
-هلا بأبو الشباب ..
أجابه عبدالله بجدية .. فهو أقتم من قاتمهم جاسر ..
-أهلًا عمر .. أردت إخبارك بآخر التطورات فقط ، أعتقد أن سايتو جاهزًا للأمر ، سيسافر غدًا لملاقاة جاك ..
تنهد عمر ..
-جيد ... ولكن أتدري ما أخشاه حقًا .. تلك الفتاة إيمّا ..
باقتضاب ..
-لا تقلق الأمر تحت سيطرتي ..
همهم عمر ثم قال ..
-هنالك أمر آخر .. لست مرتاحًا أبدًا .. كيف سيثق جاك بسايتو ؟! إنه أذكى بكثير من أن يصدق تلك الدوافع الواهية ..
ابتسامة سخرية ..
-صدقني سيصدق .. ولأتكد من ذلك سأرسل مع سايتو عربون محبة ..
رفع عمر حاجبه مستفهمًا ..
-وما هو ؟!
تنهد عبد الله ..
-واحدة من ماساته الغاليات .. أصلية لاتشوبها شائبة ..
-ما أدهاك يا عبدالله !
ابتسم عبدالله وقال ساخرًا ..
-لا تنسى كان جدي رئيسًا لرئيس جاك السابق .. الإجرام يسري بدمي .
ضحك عمر ..
-ولكنه غير نشطٍ الآن ..
أضاف عبدالله بنبرة جادة ..
-ومع ذلك فهو موجود .
وأغلق الهاتف .. تاركًا عمر لا يدري أيضحك أم يفزع ..وفي عقله تتراقص جملة " يخربيتك يا جاسر ويخربيت معارفك "
******
أحيانًا يكون الهروب هو الحل الأسلم .. لا تريد مواجهة شيء فقدت الأمل فيه منذ زمن ، لا تريد نزع الغطاء عن جرحٍ أغرقك نزفًا وألمًا ... ولكن في أعماقه يريد أن يسمع ، أن يلتمس عذرًا وإن كان واهيًا ، لن يطلب أبدًا تبريرًا .. لن يتوسل تفسيرًا ..
لأنه يعلم جيدًا أنه لن يجد أي شيء من ذاك الذي سيسأله .. لن يقدم له جاسر أي تبرير ، لن يحترم حاجته للفهم .. لن يتفهم سنوات أرقه فيها ألم الوحدة ..
مسد عنقه وأسند ظهره على مقعده ، وهو يفكر لا يمكنه تخيل ردًا إيجابي من شقيقه .. هو لم يعهد منه الإيجابية منذ سنوات ، وكأنما تم استبدال توأمه عندما سافر أول مرة لتسلم جثمان والده ..
لم يعد دافئًا حنونًا .. متحملًا كما كان ، بل أصبح جامدًا باردًا قااااتم لأبعد ما يمكن أن يكون ..
هما مختلفان منذ البداية ولكن كان اختلافهما سابقًا كان يولد تجاذب أخوي كبير .. أما الآن اختلافهما يولد تنافرًا كبيرًا .. تنافرًا يولد شرر كهربي يمكنه إحراق الجميع دون رحمة ..
لذا هو يفضل التنافر المسالم الذي لا يولد أي احتكاك سواء كان إيجابيًا وهذا من أبعد ما يمكن توقعه .. أو سلبيًا وهو ما يمكن توقعه ..
تحاول ريم حثه على الحديث مع جاسر ، لا ينكر أنه من داخله يذعن لها .. بل يذعن لرغبته أولًا .
نهض عن المقعد لملم حاجياته من على سطح المكتب وأخرج علبة السجائر من الدرج ، خرج من غرفة المكتب وأغلق الباب من خلفه و العلبة في كفه يتأملها .. هو بحاجة إلى واحدة الآن ولكن إن فعل واستسلم لرغبته بها الآن ستمسك والدته به بالجرم المشهود ..
دفن العلبة في جيبه وتوجه لغرفة والدته ، سيطمئن عليها أولًا ومن ثم يتناول إحدى سجائره في طريق عودته ..
دق الباب ، أدخل رأسه من الباب ليطالع آمال ..
وجدها تجلس مع سلوى تتهامسان ، فرفع حاجبه وقال بطريقة مسرحية ..
-تخطتان لسرقة أعضاء من ؟!
نظرت له آمال مُبتسمة ، بينما أجابت سلوى تجاريه في مزاحه ..
-أعضاؤك أنت بالتأكيد ..
دخل بكامل جسده إلى الغرفة ..ووضع ذراعيه متقاطعين على جسده وهو يصرخ ..
-إلا أعضاااائي أيها السفاحون ..
ضحكت آمال ورفعت يدها تحثه على التقدم وقد فعل ..
سحبت سلوى نفسها من بينهم .. تاركة مساحة عائلية للأم وابنها ..
-كيف الحال اليوم يا صغيرتي ؟
-صغيرتك ؟!
قالتها باستغراب ..
فأجاب مؤكدًا ..
-بالطبع صغيرتي .. وقلبي وحبيبتي أنت مدللتي الوحيدة !
رفعت حاجبها ...
-ماذا عن ريم ؟!
أجاب دون تفكير ..
-هي روحي يا أمي ؟!
استطردت بالأسئلة فقالت ..
-وجاسر ؟!
عبس وجهه قليلًا ثم أجاب باقتضاب ..
-أخي ..
كادت أن تُعقب فعاجلها ..
-هناك شيء أريد إخبارك به وواثق جدًا بأنه سيسعدك جدًا .
اتسع بؤبؤي عينها تحفزًا ..
وأومأت برأسها ..
اقترب منها واحتضن كفها بكفيه وهمس بهدوء ..
-ستصبحين جدة ..
اتسعت عينها أكثر غير مُصدقة بل غير مستوعبة .. إنه كرم الله البالغ الذي لا يمكن لأحد الوصول له .
-هل هذا حقيقي ؟!
أومأ مؤكدًا ..
امتلأات عينها بالدموع وبدأت تهمس ..
-الحمد لله ..
ارتمى يحيى في أحضان والدته يحتفل بشكلٍ آخر .. يستمد الحنان ليتأهب لوهبه لابنه أو ابنته .. هي تعلمه كيف يكون أبًا جيدًا ، توجهه ليصبح دومًا أفضل .. سندًا وملجأ لذويه ..
عاد أخاه إلى عقله ولكنه بسرعة ضحده ، سحب نفسه من أحضان والدته وربت على كتفها وهو يقول ..
-حاولي النوم قليلًا يا عزيزيتي ..
أومأت مُبتسمة ثم همست ..
-اتلو لي بعض آيات القرآن يا عزيزي .. افتقدت صوت تلاوتك ..
قبل جبينها ومد يده يمسك بالمصحف بجانب الفراش ..
رفعت آمال حاجبها وسألت ..
-ستقرأ ؟! .. أ نسيت ما كنت قد حفظته أم ماذا ؟!
تنحنح مُحرجًا ..
-أحتاج للمراجعة فقط ...
لم ينتظر تعقيبها .. وشرع يقرأ من آيات الذكر الحكيم إلى أن غفت والدته ..
سحب نفسه بهدوءٍ إلى الخارج .
وجد سلوى تجلس خارجًا ، نهضت تقابله ..
-نامت ؟!
أومأ إيجابًا .. ثم تنهد قائلًا..
-اعتني بها .. سآتي باكرًا قبل مروري بالمشفى .
ابتسمت سلوى وبهدوء قالت ..
-في أيدٍ أمينة لا تقلق .
أومأ بابتسامة هو الآخر ، وتحرك من أمامها .
************
خرج من الغرفة بثيابٍ جديدة .. ويبدو على مظهره أنه قد نال حمامًا ساخنًا ، لم تجرؤ على رفع عينيها لتطالعه ..فخفضت رأسها وبالطبع لاحظت ريم تلك الحركة التي وبالطبع ضمتها لخزينة المواقف التي لا تمر عليها مرور الكرام .
فابتسمت بأسًا ، واستدارت لجاسر تناديه ..
-إلى أين يا شيخ الشباب ؟!
عاد أدراجه لمصدر الصوت وأجاب باقتضابه المعتاد ..
-إلى الخارج يا كثيرة الكلام .
نهضت ريم وعقدت ذراعيها أمام صدرها ..
-كثيرة الكلام ! .. لم هذا اللقب يا تُرى ؟!
رفع حاجبه يتابع حركاتها وهي تكمل الاستنتاج ..
-أمممممممم .. بالطبع لأنني أخبرت ماما آمال أنك كنت تقيم في فندق ..
رفع كفه يصفق لها بطريقة مسرحية ..
-أحسنتِ ..
فأردفت ..
-ولكن لست كثيرة الكلام هكذا ، فأنا لم أخبرها بأنك كنت تنام في مكتبك .
رفع حاجبه مُندهشًا .. فأكملت تكشف سر معرفتها ..
-أخبرتني هنا خطيبة ياسين .
تنهد مُستاءً ..
-لذلك أكره الارتباط .
تحركت ريم أمامه ..
-هيا انضم لنا .. سيصل يحيى في أي لحظة ، لنتناول العشاء سويًا .
قطب بين حاجبيه ..
هو أراد مقابلة شقيقه بالفعل لذلك توجه إلى حيث تجلس الفتيات سويًا وانضم إليهن ينتظر يحيى .. فرصة للتحدث .
يالسخرية القدر .. يترك كل هذه المقاعد ويجلس على الطرف الآخر للأريكة التي تجلس عليها ، بمجرد أن جلس تنهدت والتقطت تنهيدتها ريم ..
مجرد وجوده معهم يوترها .. مابال تحدثه إليها ..
-آنسة نور !
جحظت عينها غير مصدقة ..
فكرر النداء من جديد ..
-آنسة نور !
رفعت عينها تطالعه وهمست ..
-نعم .
بجدية ..
-لم نتعارف من قبل بشكل رسمي .. بالطبع تعرفين من أكون أنا جاسر ، الشقيق الأكبر ليحيى .
همست ..
-وأنا نور .. بالطبع تعرف من أكون .. بعد أن سألت سلمى عن هويتي .. أتمنى لو أضيف لك أي معلومة ولكن كما تعلم أنا خالية الوفاض .
نظر إلى سلمى ولكنها سرعان ما خفضت عينها هربًا منه .. كاتمة ضحكتها التي كادت أن تهرب منها .
ولكن ريم تركت لضحكتها الباب مفتوحًا ..
-أصبحت نور جزءًا من العائلة الآن .
شعر جاسر ببعض الإحراج فأجاب دون تفكير ..
-يا فرحتي .. تستقبلون أيًا من كان في المنزل .
شهقت سلمى ، بينما جحظت عينا ريم بعدم استيعاب ..
جاء الرد من يحيى الذي سمع الجزء الأخير من الحوار وهو عند الباب ..
-نور فردًا في العائلة وقبل ذلك كانت مريضتي لأكثر من ثلاث شهور .. ومريضة لوالدتك لأكثر من ثلاث سنوات .. هي جزء منا .. مرتبط بنا على الأقل .. ليست نافرة هاربة .
علق جاسر ببرود ..
-لم كل هذا الهجوم ، لم أقصد أيًا من ذلك ..
التف ينظر إلى نور التي لم تخرج أي رد فعل ، كان احمرار وجهها كافيًا ...
-هل أغضبتك ؟!
أجابت بهمهمة ..
-لا عليك .. لم تقل شيئًا غير حقيقي .
نهضت عن الأريكة وتوجهت إلى الحديقة الخلفية ، لم تتوجه للغرفة فقد عاد صاحبها الحقيقي ، أرادت الابتعاد عن الجميع ..
فهي كما قال تمامًا شخصًا من الشارع يُشفقون عليه ، لم ولن تكون من العائلة أبدًا .
جلست على أول مقعدٍ قابلها .. تبكي بصمت وهذا ما كانت تفعله طوال الفترة الأخيرة .
اقترب يحيى من شقيقه وقال غاضبًا ..
-لم تعد حتى تراعي مشاعر أي شخصٍ مهما كانت ظروفه ..
نهضت ريم تهدئه ..
-لا حاجة لهذا الكلام يحيى .. جاسر لم يقصد سوءًا ..
تحدث جاسر باقتضاب ..
-اذهبي أنتِ لها يا ريم .. خذي سلمى معك ، فأنا بحاجة إلى التحدث مع أخي بمفردنا .
استجابت ريم ..فهي تتفهم كيف ستكون المواجهة مفيدة لهما ..
-ألن تسألني لم غبت هكذا؟!
قطب يحيى بين حاجبيه ..
-حتى وإن سألتك فلن تخبرني بالحقيقة .. بل لن تخبرني بشيء .
جلس جاسر وقال بثبات ..
-جرب حظك ..
احمرت أذن يحيى من الغضب وصرخ بأخيه ..
-نحن لا نلعب هنا ..
جاسر بنفس الجمود ..
-ومن قال أنني ألعب ..
نهض وواجه أخاه .. العين بالعين ..
-ولأكن صادقًا بالفعل لن أخبرك بالأمر واضحًا .. لا أستطيع ، وفعلًا كنت سأكذب ولكن إليك الأمر الحقيقي الأكيد ، ما فعلت مافعلته إلا خوفًا عليكم .. ماغبت كل هذه المدة إلا لسلامتكم ..
أنا لم أتغير يا أخي ولكن جبرتني الظروف .
رقت عين يحيى لصدق أخيه .. فهمس يترجاه ..
-شاركني هذه الظروف جاسر .. أما كنت أنا عضدك في الحياة ؟!
وضع جاسر كفه على كتف أخيه أجاب محاولًا إخفاء تأثره ..
-لا أستطيع .. لم لا تفهم هذا .. إنه لسلامتكم صدقني ..
نفض يحيى كف جاسر عنه .. وصرخ به ..
-لم لا تفهم أنت .. لا أستطيع مسامحتك ما دمت لا أعرف عذرك .. لا يهمني كل هذه الترهات ، كل ما أريد معرفته هو الأمر الجلل الذي منع شقيقي الأكبر وأبي وسندي في هذه الدنيا من أن يكون بجواري .
إن ظل واقفًا للحظة أخرى .. سينهار بكل شيء ، سينهار قلبًا وقالبًا ..
لذلك فالهروب هو أسلم حل ..
-إذًا لا تتفهم يحيى ..
قالها وانسحب من الحوار الخاسر أهدافه .
فصرخ يحيى بكل غضب العالم ..
-اذهب يا جاسر ولتعلم أني أكرهك ، لقد مات أخي يا .....
وهمس في نفسه ..
-يا أخي .
قفز جاسر في السيارة وضرب المقود بكل غضبه ثم انطلق مسرعًا ..
منذ خرجت ريم تجاورها وهي على صمتها .. توقفت عن البكاء عن الهمهمة .. توقفت عن التنفس حتى .
لم ترد ريم التطفل على قوقعتها ولكنها أرادت البقاء بجوارها ..
*******
نزع عنه ثيابه ، دلف إلى المرحاض .. فتح الماء وتركها تزيح عنه أعباء يومه الثقيل .. دقائق وخرج من أسفل الماء ..لف وسطه بالمنشفة ...
تاركًا قطرات المياه تتسابق على صدره العاري .
وقف أمام المرآة يجفف شعره .
فُتح باب الغرفة فجأة لتظهر من خلفه في انعكاس المرآة أمامه صارخة بجمالها كالعادة .. جامحة في حضورها كالخيل العربي الأصيل وهي التي لا تمت للخيول العربية بأي صلة .
للحظة استعاد رشده .. هي تقف في غرفته وهو بهذا الشكل الوضيع .. احمر وجهه غضبًا وحرجًا ..
-ماذا تفعلين هنا ؟!
دلفت بثقة هو نفسه لا يدري من أين أتت بها ..
-أين سايتو ؟!
كانت عيناهها تحدقان به بفجاجة .. تتابع قطرات الماء المنسابة على جسده إلى أسفل المنشفة .
زاد إحراجه لنظراتها المتفحصة ، فصرخ بها ..
-اخرجي من غرفتي إيمّا..
كادت أن تتحدث فأردف بعصبية أكبر ..
-الآن .. اخرجي الآن .
خرجت من الغرفة ..خوفًا من ذاك الثور الهائج ، كيف يمكن أن يتحول المرء هكذا ..
أغلق الباب من خلفها فوقفت تستند إليه وتعض شفاهها مُفكرة
إن كان سالم نصيب الأسد فعبدالله هذا نصيب التنين .
*********
دقات متتالية على الباب الزجاجي للمكتب ، فجاء صوته من الداخل سامحًا لها بالدخول ..
تنحنحت بخجلٍ وهدوء ..
-أردت رؤيتي ، عمي !
نهض جمال عن مقعده واستقبلها بكفيه ، لتُمسك بهما ..
-أجل صغيرتي..
جلس وأجلسها قُبالته ..
-هل أنتِ واثقة من قرارك ؟!
بللت شفاهها بطرف لسانها وتنحنحت ..
-تقصد عقد القران ..
أومأ إيجابيًا ..
فأردفت ...
-أجل عماه .. كما تعلم أنا أحب ياسين وهو أيضًا كذلك ..
ابتسم لها ونهض يقبل جبينها ..
-كبرتي يا هنا .. لا أصدق ذلك ..
ابتسمت في المـــُقابل بكل ود ..
ولكنه غير نبرته ..
-ولكن عزيزتي ، انتبهي جيدًا لنفسك ..
علامات حيرة جليَة على وجهها ..
-انتبه لنفسي مما ؟!
ضرب ذقنها بسبابته مبتسمًا من جديد ..
-من أي شيء ..
أومأت مُبتسمة هي الأخرى ولكن لا تعلم لما الابتسام ويحمل هذا الكلام في طياته قلقًا ..
صعدت إلى الدرج ، أخرجت هاتفها وراسلت حبيبها ..مُحاولة منها تبديد ذاك القلق الذي غرسه جمال برأسها ..
" غدًا ستُصبح زوجي .. أتصدق ؟! "
جاءها الرد سريعًا ..
" عقد قران مع إيقاف التنفيذ .. يا فرحتي "
كانت قد وصلت إلى غرفتها ، فرمت بجسدها على فراشها وهي تكتب ..
" لتعتد الأمر لأنه سيصبح دائمًا "
وبعدها أرسلت وجه صارم ..
دقائق وجاءها الرد ..
" والله ولا ثانية واحدة "
وصورة الشيطان الضاحك ..
احمر وجهها فألقت بالهاتف ضاحكة بخفوت ..
***
عاد من الخارج مُثقلًا بمواجهة جاءت بسلبيات أكثر من إيجابياتها ، ذهب مُباشرة للحديقة وللمفاجأة وجد كيانها منكبًا على بعضها البعض على الأريكة ، تلتف بشالٍ في نظره لن يفعل شيء في مجابهة البرد وخاصة في الثلث الأخير من الليل ..
اقترب بهدوء منها فبالطبع أيقن من هيئتها أنها غارقة في سُبات عميق ، توقف قبالتها وهبط على قدميه أمامها ، وبأعين زال الجليد منها راقبها .. مسكينة جدًا ، تنهد بألمٍ مُشفقٌ عليها في الحقيقة ..ثم مالبث أن تنهد ساخرًا ، يبدو أنه هنالك من سيقاسمه جائزة الأكثر همًا ..
هبت الريح الباردة ، فتململت في نومتها الغير مريحة أبدًا ، نزع جاكيته ودثرها به وبحركة مُباغتة لم يحسب لها حسابًا ..
حملها على ذراعيه برفقٍ ، فتحت عينيها بنعاس ، لمحته كمشهدٍ في حلم لم ترد الاستيقاظ منه أبدًا ، أمسكت بطرف قميصه في طفولية متملكة ، ابتلع ريقه في تأثر وتحرك ببطء دالفًا إلى الداخل ..
وصل إلى الفراش وبهدوءٍ مال يضعها في الفراش وكعادةٍ سابقة كانت كفها قابضة على طرف قميصه ، فتحه بحنو غير معهود ووضعه من جوارها ..
فهمست ..
-ماما ..
ابتسم بهدوء تاركًا إياها تنعم بنومٍ هادئ وبين أحضانها يسكن جاكيته ، أغلق الباب بهدوء ومفاجأة تغيرت ملامحه لقاسية متجمدة ..
قراءة ممتعة 🌸
يتبع الفصل الرابع عشر ◀️◀️◀️


نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-11-20, 10:27 PM   #24

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الرابع عشر

" تزورني الحقائق في المنام .. ومن خوفي أراها أضغاث أحلام "

لطالما كانت الأحلام تعوض نقصًا ما في واقعنا .. إما تحقق لنا ما نتمناه وتبني لنا ذاك العالم الذي نريده بشدة .. ننام لنحيا ، نحصل على تلك الوظيفة التي تمنيناها .. نقابل ذاك الشخص الذي اشتقنا له بشدة .. نتصالح مع ذاك الذي نأبى التحدث معه على أرض الواقع ..
نضحك ونقهقه في أكبر درجات حزننا ، هي بمثابة تعويض عن كل سوء ..هي أحلام بنكهة الأمنيات .
هي حقائق في عام اللاحقيقة ...
تنام الآن بعد يوم عملٍ طويل .. شغل العمل كل وقتها ، شكل شخصية جديدة تسربت إلى كيانها اللطيف الصغير .. لم تعد تقضي وقتًا مع ياسين كالسابق ..بالكاد تراه في أروقة الشركة ولكنه يتفهم ..
لقد لامها عدة مرات على إهمالها المخذي له ولكنه توقف بعدها .. هو يتفهم ،بالطبع يتفهم لأنه هو الآخر مشغول عنها بشكل كبير .. منذ عاد صديقه من الخارج وكثرت اجتماعات الثلاثية القديمة .. أخبرها أن هذا طبع جماعتهم منذ عقود .. ولكنها الآن تعاصرها فقط .
يهتم عمها بصحتها كثيرًا ..حريص على تناولها الوجبات الثلاثة يوميًا .. يرسل لها مشروبها المفضل من حين إلى آخر ..
أصبح الليل باردًا .. بل قارص البرودة ، دلفت داخل الأغطية وهي تصدر صوت ارتعاشاتٍ متتالية ، تذكرت كلمات ريم فاستدارت تنام على الجنب اليمين ... لم تعد تخشى الكوابيس ولكنها لا تريد بعضها .
نظرت أمامها لتجد الدمية التي أهداها لها ياسين تجلس أمامها .. رفعت رأسها وقالت بصوت مسموع ..
-تصبح على خير .. شلبي ، صدقني أريد احتضانك وأنا نائمة ولكني أبدًا لن أخرج من تحت الغطاء في هذا الطقس .
ومن جديد دفست رأسها تحت الغطاء ، أمسكت بهاتفها .. فتحت تطبيق الواتس آب .. وضغطت على المحادثة المثبتة في الأعلى باسم "حبيبي" ..
-اشتقت لك .. إن لم أستيقظ على morning text سأمطرها نكدًا يا عزيزي .
وصلته الرسالة ولكنه لم يقرأها .. انتظرت وانتظرت حتى سقط الهاتف من يدها وغطت في النوم ومازالت الرسالة غير مقروءة ..
**********
يأتي النهار مُضيئًا كل أرجاء الأرض فلا يوجد بها مكان مُظلم سوى بعضًا من روحنا .. لا تطالها أشعة الشمس ولن يُضيئها أي شعاع ، فالدفء قد هجرها منذ زمن فأصبحت جليدًا متجمدًا ..
وقف أمام المرآة يُطالع انعكاسه مُغلقًا آخر أزرار قميصه وفي عقله يرسم ألف حوارٍ وحوار بينه وبين يحيى هذا إن فُتح بينهم الكلام مجددًا ..
هو عاجزٌ أمام إصرار شقيقه على ثبر أغواره ومعرفة الحقيقة ، وفي نفس الوقت جبان من مواجهة يحيى للحقيقة ، ربما اختاره والده ليتحمل الأمر من بعده لعلمه بأنه الأقوى والأكثر تحملًا .. إلا وإن كان سيقع اختياره على يحيى .
في الحقيقة فهو يعلم أن يحيى أقوى منه ، فقد كان يحيى بالشجاعة الكافية لمجابهة والده وقول لا لإدارة أعمال العائلة واختيار المجال الذي يساند هواه ، بينما طأطأ جاسر الرأس ليكون الفتى الذي يريده والده .. وليته لم يكن .
تنهد مُرتديًا جاكيته ، أمسك بقنينة العطر خاصته ورش رشتين على ثيابه واستدار خارجًا من الغرفة.
هبط الدرج بهدوء كعادته فهو ليس من أولئك صانعي صوت في خطواتهم .. بل يتحرك بهدوء حتى إن قدمه تكاد لا تلامس سطح الأرض ، وصل عند الدرج فلمح شقيقه يُحكم القبض على يد زوجته يقربها منه وهي تتملص منه بصعوبة خشية أن يراهما أحدًا ...
ابتسم لتعبيرات وجه شقيقه اللامبالية ، وقف مكانه مُتلكئًا كي يترك لهما مجالًا فلا يخجلهما ، بالطبع يقصد ريم فيحيى صاحب وجه مكشوف .
ابعد عينه عنهما ليواجه من جديد أمواجها المتلاطمة تناظره بغضب ممزوج بالعاطفة ، ولكن ما إن تلاقت أعينهما حتى هربت هي سريعًا وأغلقت باب الغرفة تختبئ خلفه لاهثة كمن أُمسك بالجرم المشهود ..
جلست على المقعد بأنفاسٍ عير منتظمة ، تُحاول جاهدة تذكر إن كانت عادت للغرفة حين اشتد البرد أم أن حلمها كان حقيقة ..
طرقات على الباب بهدوء ، قالت متلعثمة ..
-لست جائعة لن آكل ..
فُتح الباب بغتةً فوجدته هو .. جاسر بنفسه ، زاد توترها وتكاثرت حيرتها ، هل جاء ليعتذر ؟!
أم ليؤكد لها أن حلمها ماهو إلا حقيقة ولكن صمته الذي طال جعلها أول المتحدثين ..
همست بتشتت ..
-ماذا تريد ؟!
قطب بين حاجبيه لا يدري حقيقة سبب زيارته تلك ، أراد تبرير ما فعله أمس والاعتذار عما تفوه به من قبل ولكنه تشتت فور مواجهته لها ، فرفع حاجبه وفعل الشيء الوحيد الذي أصبح يجيده أكثر من غيره ..
-أ نسيتِ أن هذه الغرفة ملكي ؟!
جمدت الصدمة جسدها كما فعلت بمشاعرها ، فأردف محاولًا تلطيف الأمر ..
-لقد جئت لأخذ بعض الكتب فقط ...
ودلف للداخل صوب المكتبة ، مد يده لأخذ كتابين دون حتى الانتباه لعنوانها حتى ، وخرج دون إضافة أية كلمة .
جلس في مقعده على طاولة الطعام وببذلة البرود خاصته توشح ، اختطف بضع لقيمات تحت أنظار يحيى الناقمة ، وسلمى الفضولية لسبب توجهه لغرفة نور وبالطبع نظرات ريم المتفحصة التي قالت بهدوء ..
-سلمى .. اذهبي وأحضري نور لتتناول الإفطار .
ذهبت سلمى وعادت سريعًا ..
-تقول أنها ليست جائعة ..
نظر يحيى بغضبٍ لجاسر وهمس بحنق ..
-ربما إن ذهب فقدان الشهية ستأتي ..
لكزته ريم ونهضت ..
-سأحضرها أنا ..
ارتشف جاسر من كوب الماء ونهض عن مقعده ..
-أخبريها بأني ذهبت .
قالها وتوجه خارجًا من المنزل ..
بينما نظرت ريم ليحيى لائمة ..
-مهما كان مقدار غضبك منه فلا يمكنك أبدًا قول مثل هذه الأشياء ، يحيى .. لا تنسى أن هذا منزله كما هو منزلك ..
نهض يحيى مُتأففًا ..
-لا مزاج لي لفلسفتك الآن .. ريم .
وخرج هو الآخر .
****
انقضى يوم العمل سريعًا ، ومعظم الوقت هو شارد ، لاحظ عمر الأمر كذلك ياسين ولكن لم يبادر أيًا منهما للسؤال وحافظا على المهنية بينهم خاصة وهنا تحضر اجتماعهم الخاص بالشراكة في المناقصة الأخيرة ، تحت مناقشات هنا وعمر طرفي العمل ومشاركات ياسين من حينٍ إلى حين ، نظرت هنا لعمر مُبتسمة ..
-والآن لم يتبقى إلا استلام المنتجات منكم وستقوم شركتنا بتوريدها للخارج ..
أومأ عمر..
-غدًا ستتحرك أولى الشحنات إن شاء الله ..
نظرت لياسين وسألت ..
-ونحن متى ستتحرك الشحنات من الميناء ؟!
شبك ياسين يديه ..
-نظرًا لأن الشراكة توسعت ، سنعقد اجتماعًا مع السيد جمال ليشرف على خروج السفن ..
أومأت في تفهم وبدأت في لملمة حاجياتها وبدبلوماسية ..
-سعدت جدًا للتعامل معك يا سيد جاسر ...
ثم تغيرت نبرتها مازحة ..
-رغم أنك لم تشاركنا كثيرًا ..
ابتسم جاسر مجاملًا ..
-عذرًا ، يشغلني الكثير من الأمور .
أومأت مُتفهمة ونهضت مستأذنة يتبعها ياسين الذي قال سريعًا قبل أن يخرج ..
-سنجتمع الليلة .. حسنًا .
أومأ له عمر فذهب لاحقًا بمحبوبته والآن رئيسته في العمل .

****
جلس عمر على المقعد أمامه ومال بخصره ..
-أخبرني .. ماذا هناك؟!
اسند ظهره للمقعد وأجاب ..
-لا جديد الخلاف مع يحيى ..
حك عمر جبهته ..
-إن كان لا جديد وأنها أمور يحيى العالقة .. لماذا إذًا أنت بهذا الاستياء الآن ؟!
تأفف جاسر بقلة صبر وغير الموضوع ..
-أرغب في مهاتفة سايتو قبل ذهابه لتنفيذ الخطة ..
أومأ عمر وهاتف سايتو ، ما إن أجاب عليه أعطى الهاتف لجاسر وخرج ما نحًا إياه الخصوصية التي يحتاجها .
وقف خارج الباب ، يُطالع مكتبها الفارغ ثم ابتسم بحزنٍ مُتسائلًا ..
-متى ستعودين .. ورد ؟!
في نفس اللحظة تقدمت سهام من المكتب ، سمعت همسه فاستدارت له ..
-أ تحتاج شيء سيد عمر ؟!
اشتد نظراته واحمرت وجنتاه ..
-لا شيء ، اهتمي بعملك أنتِ
وتحرك من أمامها وهي تطالعه بسخط كالعادة .
*****
في أحد المقاهي الصاخبة يلتف ثلاثتهم على طاولة .. يتشارك عمر وياسين لعب الطاولة .. وهو يجلس على مقعده يراقب لعبهما بعينيه ورغم ذلك لا يراهما .. تنحنح ياسين ..
-أشعر وكأننا عدنا لأيام لهونا الماضية ..
لم يحرك عينه عن الزهر المتحرك ، وهمس ..
-هوووس ، أفكر ...
تبادل عمر وياسين النظرات ثم قال ياسين رافعًا حاجبه باستغراب ..
-لم أحضرتنا إلى مقهًا شعبي إن أردت الهدوء ؟!
رفع عينه إلى ياسين وقال وهو يمسك برأسه ..
-هناك ضجيج برأسي سيقتلني إن لم أتجاهله .. ولن استطيع تجاهله إن مكثت في مكان هادئ .
ازداد صوت تطاحن الغيوم في السماء .. وسبقه ومضتين ، فعقب عمر بهدوء ..
-يشاركك الطقس ضجيجك ..
تأفف جاسر وهو ينظر لقطرات المطر التي تغازرت ..
-كم أكره الشتاء .
امتد البرد إلى جسد عمر ..
-اسمعا .. لم أعد أشعر بأطرافي .. سأذهب ..
نهض ونهض معه ياسين ..
-أنا لم أعد أشعر بكامل جسدي .. ثم استدار لجاسر
-ستبقى ؟!
نهض هو الآخر ..
-لا سأذهب ..
ثم أكمل في عقله ..
-سأستدفئ في فراش غاليتي ..

******

لم يلاحقنا الحزن دومًا ؟! يلاحقنا بلا هوادة وكأنه يخشى على قلوبنا من الفرح .. يلاحقنا وكأنه أقسم على البقاء ولسخرية القدر هو الوحيد الذي لم يحنث بقسمه ..
تركتها ريم بعد أن أصرت عليها وأقسمت بألا تنطق أية كلمة ، وانسحبت سلمى بعدها يأسها .. ذهبت في هدوء وعادت من جديد تحمل غطاءً ولفته حول نور تستدفئ به دون كلام أو إشارة حتى ..
كان البرق يضيء في السماء لينعكس على عينيها الغارقتين ، يشتد صوت الرعد فيهتز جسدها مرتعدًا كرد فعل غريزي ، ولكن عقلها ثابت ساكن وصامت ..
تحثها كرامتها على المغادرة .. أن تلملم شتات نفسها وما تبقى منها وترحل ، ولكن عقلها يخبرها أن لا ملجأ لها غير هنا ..
إن خرجت من هنا ، فأي الأهوال ستواجه ؟! ..
تجمعت الدموع في عينها وهي تصرخ ..
-أواجه أي شيء ولكن برأس مرفوع ..
ألقت الغطاء ع الأريكة المعلقة التي كانت تجلس عليها ونهضت تحت الأمطار .. وصلت لغرفتها أو غرفته لم يعد الأمر مهمًا .
لملمت حاجياتها في الحقيبة الصغيرة الوحيدة في الغرفة .. التقطت ورقة وقلم وكتبت اعتذار له لأخذها حقيبته دون استئذان .. ثم بهدوء تسللت لخارج المنزل ، لم يلاحظ خروجها حارس المنزل بسبب مكوثه في غرفته ليحتمي من البرد والأمطار ..
أصبحت بالخارج ، أناس قليلون في الشارع الطويل .. بدأ الخوف يتوغل لقلبها ... ولكن استولى الإصرار على عقلها ، هي لا تعلم وجهتها ولا تعلم إلى أين سيقودها هذا الطريق .. كل ما أرادته هو الابتعاد عن المنزل لئلا يلحقوا بها ، خطواتها كانت سريعة لكن تائهة مبعثرة وكأنها لا تعرف كيف تخطو ... تلتفت وراءها من حين إلى آخر
قلت الأقدام حولها إلى أن انعدمت .. اصبحت وحيدة في شارع مظلم ما بين عمود الإنارة والآخر .. ومضيء في نقاط الالتقاء ..
صوت الأمطار موسيقاها التصويرية وكأنه يسليها في طريقها الموحش ولكن اخترقه صوت نباح .. خلع قلبها من مكانه ،
شهقت لا إراديًا فانتبه لها قائد قطيع الكلاب الضالة ، فاستدار مزمجرًا ..
حاولت البقاء على ثباتها والحفاظ على سرعة خطواتها ولكن سرعته في قطع المسافة بينهم أوجلتها ، وبدأ بالنباح راكضًا باتجاهها ، شُلت ساقها فتوقفت عن الحركة تصرخ بأعلى صوتها ، أغلقت عينها تتخيل جسدها ممزق في أنيابهم اللزجة .. المقرفة .
طال الانتظار وبدل من أن يهجم الكلب عليها وصوت زمجرته يكاد يصم أذنها ، سمعت صوت اصطدامٍ ومن بعدها عويل هارب ..
فتحت عينها وقد أغلقتها خوفًا من كلب جائع ، لتواجه عينا ذئبٍ حانق ..
لم تدرك ما فعلته إلا بعد ما فعلته .. ارتمت بأحضانه باكية ، مُنتحبة ترتعش ليس بردًا ولكن خوفًا ، وهو جامد لم يتأثر .. ثابت في وقفته تملأه التساؤلات عما تفعله في هذا الوقت خارج المنزل ..
ومشحون بالغضب القلق أجل القلق ، ماذا إن لم يصل في الوقت المناسب ؟!
كانت ستصبح وجبة دسمة لهذه الكلاب الضالة ..
أبعدها عنه ، وبصوته الرخيم سأل ..
-ماذا تفعلين هنا ؟!
ما كاد ينهي سؤاله حتى لاحظ الحقيبة في يدها ..فأردف ..
-أو إلى أين ستذهبين في هذا الوقت ؟! هل عادت ذاكرتك ؟!
ازداد نحيبها فزاد من تقطيبة حاجبه وقال ضاغطًا على أسنانه ..
-توقفي عن البكاء ، أكره هذا ..
لم تستمع له فصرخ بها ..
-قلت توقفي نور !
ابتلعت بكاءها وحاولت تهدئة نفسها ، فارتعشت شفاهها أمام عينيه ...
نزع عنه جاكيته وألبسها إياه ودفعها أمامه إلى السيارة ..
-هيا .. ادخلي لقد ابتللنا بما يكفي .
تحركت أمامه ، فتح لها باب السيارة فجلست في هدوء .. تتخيل ما كانت ستؤول له حالتها لو لم يأت هو في الوقت المناسب ..
نفس الشخص الذي دفعها للرحيل تاركة كل الأمان الذي تعرفه في الحياة ، يعيدها من جديد .. دار حول السيارة واستقر بجوارها خلف المقعد .. وقد أغرقت قطرات المطر وجهه وشعره وكامل ثيابه ..
تأفف بشدة وهو يزيح بكفه المياه عن وجهه ..
-هل أنتِ سعيدة الآن ؟!
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت..
-لا تصرخ بوجهي هكذا ..
ضرب المقود واستدار بجسده لها ..
-بعد هذا الفعل المتهور الذي قمت به يحق لي ضربك حتى ..
رفع كفه في الهواء يهددها ، فرمشت عينها خوفًا ثم جحظتها بذهول ..
-لو فكرت في كلامك قبل أن تقوله .. لو انتبهت لمشاعري وأني إنسانة أتألم من كلماتك ..
اختنق صوتها بالبكاء فابتلعت غصتها وأردفت ..
-ماكنت أقدمت على هذا الفعل المتهور ..
قطب بين حاجبيه دون ردٍ يراقب زمردتيها الزرقاوين ، وهما تهتزان في حزن وألم ..
ولكنها أكملت ..
-ثم أني لم أطلب المساعدة منك ..
اتسعت فتحتي أنفه غضبًا ..سحب كمية كبيرة من الأكسجين ، تقريبًا كل الأكسجين في السيارة ...
انزوت في مقعدها بعيدًا عنه خائفة من أي ضربة يمكن أن تتلقاها ، فاستدار وشغل المحرك وانطلقا ، متمتمًا بصوت مسموع ..
-استغفر الله !
نامت على زجاج السيارة .. نفخت عليه فتكونت شبورة بسيطة ، كتبت اسمها عليها ، وهو ملك التجاهل .. ينظر أمامه ليس إلا .
دخل عبر بوابة المنزل .. أوقف السيارة وفتح الباب ولكن استرعاه بقائها على وضعها .. منزوية في آخر المقعد تستند برأسها على الزجاج ..
همسًا ..
-أتدري ؟!
عاد بجسده إلى المقعد إشارة منه أنه مستمع ..
-أنا خائفة طوال الوقت .. أشعر بالفزع من كوني مجهولة ..
صمتت تنتظر تعقيب فكان صوت أنفاسه هو المقابل ..
فأردفت بألمٍ وهوان ..
-أتدري كيف وجدوني ؟! .. جثة !
استدار يراقبها .. يراقب ارتعاشة جسدها فأغلق الباب ظنًا منه أنها ارتعاشة برد .. ولكنه مُخطئ بل كانت ارتعاشة ألمٍ استحوذ عليها ...
-جثة مهترئة .. يملأها الثقوب كالمصفاة ، ناهيك عن جروح أخرى منتشرة بكامل جسدي ..
شهقت باكية وهي تكمل ..
-لم يكتفي بذلك بل ألقاني في النهر ليضمن أني ميتة بكل تأكيد مجردني حقي في الإنسانية.
رفع حاجبه وأكله الفضول فسأل ..
-من ؟!
بظهر يدها مسحت دموعها وقالت ..
-أي من .. أقصد الفاعل فقط ..
أومأ وهمس مقتضبًا ..
-لقد بدى من كلامك أنك تعرفينه ..
هزت رأسها نفيًا ، واستأنفت كلامها ..
-حتى اهتمام الشرطة بي عندما وجدوني لم يكن إنسانيًا ..لولا تلك القلادة التي كنت أرتديها ، تقول ريم أنها باهظة الثمن لدرجة إنها تكفلت بعلاجي كل هذه السنوات....
قالت ريم أنها تبدو كإرث عائلي ..كنت سأراها قريبًا لعلها تساعدني على تذكر أي شيء ، لكنها لن تصبح مفيدة بعد الآن ..
تفاعل معها ، فرفع حاجبه مستغربًا ..
-لِمَ لم تعد مفيدة ؟!
صرخت بوجهه ..
-لأنني وببساطة لا أريد أن أتذكر ماضيّ... لقد قُتلت مسبقًا ولا أريد ذلك مجددًا ...
-حسنًا .. انتهيتي الآن ؟!..لأنني أريد من كل قلبي الفوز بحمام ساخن والتدفئة بالفراش ..
قالها بلامبالاة ..
همهمت بحزن ..
-أنت قاسٍ جدًا يا جاسر ..
فتحت السيارة وهبطت منها تسبقه .. فتحت باب المنزل ودخلت مسرعة تقطع درجات السلم ، لكنه لحق بها
أمسك بكفها ..
-توقفي .. إلى أين ؟!
أجابت دون أن تستدير ..
-سأنام في غرفة ماما آمال ، لتنام أنت بغرفتك ..
بصوت خافت ..
-إنها غرفتك أنتِ الآن .. كما أني أحتاج لأحضان أمي الآن حتى ولو كان عبر فراشها المهجور ..
استدارت ، وهبطت بضع الدرجات التي صعدتها فأردف هو ..
-اسمحي سأجلب ملابسي فقط من الداخل ..
أومأت موافقة ، فسبقها إلى الغرفة .. لملم حاجياته المتروكة بإهمال على الفراش ، بينما وقفت هي على الباب تنتظر انتهاءه ..
استدار خارجًا وحينما وصل محاذاتها همس بجانب أذنها ..
-آسف لما قلته وجرحك بهذا الشكل .. حقًا آسف .
وتحرك سريعًا مُبتعدًا عنها ..
ازداد خفقان قلبها واستدارت تراقب ابتعاده إلى أن اختفى .. ثم همست ..
-يبدو أنك لست بتلك القسوة التي تخيلتها يا سيد جاسر ..
تحركت للداخل وألم ساقها قد بلغ ذروته .. لقد أجهدتها اليوم ، أفسدت أسابيعًا من العلاج الفيزيائي ..
وصلت إلى الفراش تجر حقيبته الصغيرة .. أخرجت ثيابًا لترتديها بدلًا من المبتلة عليها .. وألقت بجسدها في حوض الماء الساخن الذي ملأته لتستدفئ وتريح عضلات ساقها ...
في الطابق العلوي في غرفة والدته ، كان بوضع مماثل لها بالأسفل ولساعات احتلت تفكيره .. سقط في بحر عينها .
هز رأسه بعنف ثم قال بصوت مسموع ..
-لا جاسر .. أنت فقط مُشفق عليها ، فقط مُشفق .


قراءة ممتعة 🌸


نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-11-20, 10:20 PM   #25

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الخامس عشر
" عودًا حميدًا "


العصابات !
عالم آخر .. دماء مختلفة وأفكار غريبة لا تشبهنا البتة .. قواعدهم لنا محظورات ، نظراتهم العادية رصاصات قاتلة لمن هم عاديين ..
هم رعب متحرك .. خوف منتشر ، تحيط بهم الشكوك والريبة ...
يحيط بهم سواد الكوابيس وألم الفقد ..ووجع الطعن .
إذا أردت أن تصبح عضوًا في عصابة ما .. فاخلع إنسانيتك عند بابهم ..
ودع الطبيعة ولتمتلئ بالسيكوباتية .
وفي الغرب .. العصابات في مستوى آخر ، لكل عصابة نظام حكمها ولكل عصابة حلفاء وبالطبع أعداء ..
والاحترام فقط لأقواهم وهو أقواهم .. كلمته مسموعة من الجميع .
رغم صغر سنه إلى أنه قوي ونافذ ..
منذ كان صغيرًا .. في شوارع روما في موطنه الأم إيطاليا .
والده روبرتو .. كان عضوًا عاديًا في إحدى العصابات ..يُرَوِج للمخدرات
حصة أسبوعية ملزم ببيعها وتسليم ثمنها لمن يرأسه ، ويأخذ في المقابل نسبة معينة .. ولكنه لم يكن تاجرًا فقط بل كان متعاطيًا أيضًا ..
فتناول حصته كاملة والنتيجة قُتل على مرآى من ابنه الوحيد البالغ من العمر أحد عشر عامًا .. ولكن بنيته كانت كفيلة بسن العشرين ..
استل جاك سلاح أبيه المقتول أمامه .. وقتل ست أشخاص من أفراد العصابة ..وكان سادسهم قائدهم ورئيسهم ..
يبدو أنه اكتشف في القتل هواية له ..
كان الأمر سهل كصيد العصافير ..
أصبح أسدًا فتيًا في غابتهم وقانون الغاب البقاء للأقوى ..
سمع به كبير العصابات في روما فأرسل له..
وقرر أن كلبًا يعوي جواره أفضل من آخر يعوي عليه ..
مابالك بشبلٍ مستأسد ..
روبرتو ..
اسمُ كان كفيل بخلع قلوب الحكومات الدولية ..
ما بالك بجاك روبرتو ؟!
الخليفة الأقوى .. الأشرس وقد انخلعت القلوب له بالفعل ..
كان هذا جزاء من يتحداه من العصابات الأخرى أو من الشرطة ..
كان ماهرًا في التشريح .. يستخرج أعضاء أعدائهم وهم أحياء ..
دليل مؤكد على القسوة..
ليس هذا فقط ..
تخيلوا!
كانت تُطهى له فيأكلها أمام تابعي القتيل دليلًا على تجرده من الإنسانية ..
له قواعد ..
لا نساء .. لا ثمالة .. لا أصدقاء .. لا أقارب
كيف لا أقارب ؟!
سهل جدًا ، بقتلهم جميعًا فهو لا يملك نقطة ضعف ..
وحتى غرائزه قتلها لأن الغرائز تُضعف الإنسان .. وهو لا يعرف للضعف معنًا ..
توقفت سيارة سايتو على باب عرينه ..
تنفس سايتو بعمق يدحض الخوف بداخله ، أخرج ماسة متوسطة الحجم من جيبه وأمسك بها يراقبها .. ثم همس لنفسه ..
-أتمنى أن تنجح خطتك يا عبدالله ..وإلا لن أرحمك إن قُتلت .
هبط من السيارة .. وتقدم إلى بوابة المنزل العتيق ..
هز رأسه لضرفتي الباب الواقفتان عند الباب ،، هم يعرفونه جيدًا
مر بجوارهما .. فسخرا منه
قال أحدهم بصوت يُسمعه ..
-جيد لقد وصل عشاء جاك .
ابتلع سايتو ريقه بخوف ، واستكمل مشواره مبتعدًا عنهم ..
وفي رأسه ألف سؤال .. أهمهم ..
-هل حقًا يستحق سالم المخاطرة بحياته ؟!
سخرية في عقله ..ليس سالم بل جاسر ، وإن يكن هو بالنسبة له سالم وسيبقى كذلك دومًا ..
هو يرد جميل والده الشيخ الكبير ليس إلا .. ولكن أليس ذلك أكثر بكثير من رد جميل ؟!..
لا ليس كذلك فلولا والد سالم لمات سايتو جوعًا منذ زمن ..
وصل لجاك الجالس في منتصف المنزل
يحتسي عصيرًا .. بالطبع يشرب الخمر ولكن في اجتماعاته .. كأس أو اثنين بالكثير فقد قلنا سابقًا لا ثمالة .
نظرات جاك قتلته ولكنه ادعى القوة ..
-هل جئت برأس سالم لأعفو عنك ؟!
اقترب سايتو منه وأضهر الماسة قائلًا ..
-لا أعتقد أن رأسه كانت ستسعدك أكثر من هذه..
اتسعت عين جاك والتقط الماسة في يده بسعادة بالغة وهمس ..
-إنها إحدى فتياتي ..
أكد سايتو ..
-إنها كذلك ..
أغلق راحة يده عليها واشتدت نظراته ..
-أين باقي أخواتها يا عزيزي ؟!..
جلس سايتو ووضع ساقًا فوق الأخرى ورسم ثقة لا بأس بها ..
-لقد استهنت بسالم يا جاك ..
لقد وزع الماسات في دولٍ مختلفة والجميلة .. قالها مشيرًا للتي في كف جاك ..
-كانت في منزله في الإمارات .
نهض جاك واقترب من سايتو .. ثم هبط برأسه وسال بصوت يشبه فحيح الأفاعي ..
-ماذا حدث لتنقلب على صديقك ؟!
نظر له سايتو .. وتنهد ساخرًا ..
-أي صديق ؟!
لم أكن يومًا صديقًا لسالم ..وأنت تعلم ذلك ، سالم أناني لا يستمع لأحد ، إخلاصي كان لوالده وقد توفيّ .
بنفس الصوت البشع ..
-ألم يزعجك قتلي للرجل الذي أحببته ؟!..
-بلى!
أردت أن ينصاع لك الشيخ منذ البداية ، فليس من العقل أبدًا معاداتك ..
ربت جاك بكفه على كتف سايتو ..
-فتًا ذكي .
استقام واقفًا ثم أردف ..
-إن اكتشفت أنك تخدعني .. أو أن هذا مخطط ما صدقني سأصنع من جسدك شاورما وأُطعمها لك .
***
لم نجد في أنفسنا دومًا نزعة للأمل ؟!
ببساطة لأننا نرغب في الجيد في الحياة .. نرغب في السعيد دومًا من القصة ، هذه طبيعتنا ، لسنا سوى طامعين في الأفضل ..
معظمنا إن لم يكن جميعنا يتحاشى التفكير السيء ، يتحاشى المشاكل ..يبحث باستمرار عن راحة البال ..
لا نعتمد إلا على الجانب الجيد من الحقيقة حتى ولو كانت كل المؤشرات في ذاك المظلم الآخر ..
لا يُصدق الكثير منا أن هنالك خيرٌ يكمن في الشر ، بالطبع هذه ميزة ، امتاز بها صفوة من الناس ..ولكن كثيرًا منا لا يمتلكها .
لا نتمهل لنرى الدرس المُستفاد .. بل نقفز بالأمور قفزًا لنجد أنفسنا قد تخطينا الأمر .. كيف ؟!
لا ندري فقط فعلناها وتخطيناه .
*****
تجلس ككل شروقٍ خلف زجاج النافذة تنتظر سطوع الشمس في السماء ، ها هي أشعتها تحارب تلك الغيوم لتظهر ..
وهي مُبتسمة كعادتها .. تتحرك شفاهها بأذكار الصباح ورأسها يهتز للخلف والأمام ..
طالعت الساعة المـُعلقة على الحائط ومنها إلى الحقيبة على جانب الفراش ..
جهزتها بنفسها ، لم توقظ سلوى.. تعلم مدى تعبها في العمل ناهيك عن إصرارها على الاعتناء بآمال ، ذهبت بعينها إلى النائمة على الآريكة المواجهة للفراش ، يصدر عنها شخير خفيف ينم على الإرهاق ..
وآه كم كانت تقضي نومها هكذا من تعب العمل وإجهاده !
وكم كان يوبخها كامل لإجهادها لنفسها في العمل بل لعملها في الأساس ، لم يكن يريدها أن تتعب نفسها ..
مالت برأسها على زجاج النافذة أمامها وهي تتذكر كيف تلاقا ..
في بداية حياتها العملية كانت ممرضة في قسم الطوارئ وفي مناوبتها الرابعة في القسم والمشفى بل وفي حياتها كلها .. متدربة جديدة كانت .
استأذنت زميلتها في العمل لإجراء مكالمة بما أنه قد كان يومًا هادئًا خالٍ من الحالات ..
جلست بمفردها على مكتب الاستقبال وطبيب الطوارئ في مكتبه الداخليّ ..
دقائق بعد استئذان زميلتها وتناهى إلى أذنيها صوت أقدام مسرعة قادمة ..
شابًا معتدل الجسد جاد الملامح بعينين زرقاوين ...ابتسمت آمال وهي تفكر كم يشبه جاسر أباه بخلاف لون العين... عادت لماضيها من جديد ..
رغم جدية ملامحه إلى أنها كانت مُرهقة ، يستند على صاحبه ..
قميصه ممزق وجرح يبدو غائر عند منطقة الكتف ..
انتبه الطبيب إلى الصوت فنهض يستقبلهم متسائلًا ..
-ماذا حدث ؟!
وقفت لا تدري ما الذي عليها فعله .. ولكنها تذكرت بسرعة وبدأت في تحضير أدوات الجراحة ..والشاب الملازم لرفيقه يُجيب ..
-نحن مهندسان .. كنا في موقع عمل وقد سقطت عليه الرافعة..
نظرًا لحداثتها في العمل كانت بطيئة إلى حدٍ ما ..
استدار الطبيب وتأفف ..
-أين الأدوات يا آنسة ؟! .. وأين رحمة ؟!
تهتهت في إجابتها ، وهي تجر طاولة مُجهزة بكل الأدوات ...
-خرجت لأمر طارئ ..
ارتدى الطبيب قفازاته المعقمة وظل واقفًا ..يطالعها ، وهي تجول بعينها تفكر ما الذي أصاب الطبيب ، لم يقف بهذا الشكل ؟!
لِم لَم يباشر عمله ؟!
تنحنح كامل
-أعتقد أنه ينتظر منك نزع القميص ..
شهقت معتذرة .. واقتربت منه تساعده في خلع قميصه بل وتمزيقه ، تحت أنظار الطبيب الحانق ..
كان جسدها يبعث حرارة تلفح وجهه .. وجهها الخَجِل الذي تورد لقربها منه..
دخلت رحمة إلى الغرفة في هذه اللحظة ، فناداها الطبيب لتساعده هي..
نظر لآمال مبررًا ..
-لا عليكِ آنسة آمال .. ستساعدني رحمة ..
انسحبت بهدوء وأخذت رحمة مكانها وعملت باحترافية ..
ولكن عيناه مازالتا تتابعانها ، يتربص لكل حركاتها .. إيماءاتها ..حتى ذاك الهواء الداخل والخارج عبر أنفها ..
لاحظته فازداد توترها فابتسم عابثًا ..
أنهى الطبيب عمله ، وتعمدت التظاهر بالانشغال عند خروجه ..فما زاده هذا إلا ابتسامًا ..
ليعود كل يوم في نفس الموعد .. ليطالبها بالاطمئنان على حالة جرحه ..
كان يعجبها الأمر ولكنها كانت تُخفي ذلك دومًا ..
ليختفي بعدها أسبوعين كاملين ..أكلها فيهما الفضول والتساؤل والقلق ..
لدرجة أن الجميع لاحظ شرودها معظم الوقت ..
لتفاجأ به من جديد ..معافى وبألف خير
يحمل باقة مُذهلة من الزهور ..
كان متوجسًا في البداية ولكن تلك النظرة الفَرحة .. الاطمئنان الهارب من عينها طمأنه .
ليبادر بخطوة كانت قاتلة في تأثيرها ..
-هلَّا تزوجتني ؟!
وقد كان ..
انتزعتها همهمات سلوى من أفكارها فابتسمت لها ..
-صباح الخير...
نهضت سلوى تنظر بعينيها في الغرفة ..
-لِمَ لم توقظيني !؟
نهضت آمال بهدوء من مقعدها ..
-لا عليكِ ، لقد كنتِ تَعبة لم أرد إزعاجك ..
اقتربت سلوى تُعاينها وقالت مستاءة .
-هذا عملي يا سيدتي .. وكوني قد غفوت بهذه الطريقة فهذا خطأ .
توقفت آمال تطالعها لائمة ..
-سلوى ! .. لا يوجد هكذا شيء بيننا ، أ فهمتِ ؟!
تقدمت سلوى ووقفت أمام آمال وأمسكت بكفها ..
-اسمحي لنا أن نرعاكِ نحن ..
ابتسمت آمال وهي تتحرك من جديد نحو الفراش ..
-تتحدثين كيحيى ..
*********
استيقظت ككل يومٍ بهمة ونشاط ، مارست بعض الحركات الرياضية ودلفت سريعًا إلى المرحاض لتستحم ، ها هو يومُ عملٍ جديد ...
خرجت ترتدي المنشفة وقفت أمام المرآه تجفف شعرها بالمجفف ، فارتفع صوت هاتفها برنته المميزة ..
انقضت على الهاتف وأجابت بدلع ..
-لن أتحدث معك .. أنا أخاصمك ..
جاءها الصوت مراوغًا أيضًا ..
-أموت ولا تخاصميني يا روحي ..
تدللت أكثر وجلست على طرف الفراش ونادت بميوعة ..
-ياااسين ..
أجاب هائمًا ..
-قلبه ..حسنًا !
لا تأتي للعمل اليوم ، لأني سأهاتف عمك وآتي لتناول الغذاء عندك لأتحدث معه في أمر الزفاف ..
نهضت من المفاجأة وصرخت ..
-أ حقًا ما تقول ؟..
عاد لنبرته العابثة ..
-ما عدت أطيق الانتظار يا هنائي..
احمرت وجنتاها خجلًا ، فهمست بهدوء ..
-حسنًا حبيبي ، سأنتظرك .

*******
أن يتعين عليك الثبات وأنت مشتت من الداخل ، أن يُفرض عليك القوة وأنت تريد من كل قلبك أن تستريح لتلتقط أنفاسك ، أن تحتاج إلى عناقٍ مُطمئن .. عناق دافئ يبث فيك الطاقة والأمل ولكنك أنت من يقدمه ..
أن تحتاج بشدة إلى أن يُربت على كتفك وأنت الوحيد المـــــــُساند ..
هذا حقًا مؤلم !
أنت تتفنن في إظهار أنك بخيرٍ دومًا وأنت لست كذلك ، أن تنتظر من شريكك أن يشعر بتشتتك فتلهيه أشياء أخرى لا يمكنك التذمر بشأنها ..
لا يمكنك حتى لومه على إهماله لك في خضم هذه المعركة التي يعيشها ..
بل وعليك تقديم العون .. وأن تكون خير سندٍ .
حركت أصابعها تداعب خصلات شعره وتهمس منادية ..
-يحيى !
ليجيب مهمهمًا بهدوء دون أن يرفع رأسه المستقرة على صدرها ..
-أممممممم
تنحنحت بهدوء ..
-الساعة الثامنة حبيبي ..
ألن نذهب إلى العمل ؟!
رفع رأسه يطالع عينها وهمس مُستاءً ..
-ألا يحق لي البقاء هكذا قليلًا بعد ..
مالت تُقبل جبينه ..
-بلى يحق لك يا عُمري .. ولكن العمل ..
اقتطع كلامها ..
-لن أذهب اليوم إلى العمل سنأخذه عطلة أنا وأنتِ ..
أمسكت وجهه ترفعه ليتقابلا ..
-أ نسيت أن ماما ستخرج اليوم ؟!
ابتلع ريقه وهمس ..
-بلى !
نهض وجلس على حافة الفراش يوليها ظهره ..
أخذ نفسًا عميقًا ..
-أُخبركِ سرًا ؟!
نهضت هي الأخرى واحتضنته من الخلف تدعمه وتستمد منه الدعم وهمست ..
-أخبرني ..
عاد برأسه لها وهمس ..
-أتمنى لو يمكنني الهرب ، أن اختطفك ونهرب بعيدًا .. بعيدًا عن الجميع ..
استدار برأسه ينظر لها وأردف ..
-أعتقد أن هذا حقي يا ريم .. أستحق بعض الوقت لي ولك ولصغيرنا ..
هبط بكفه يتحسس بطنها ..
نحن حتى لم نحتفل به ..
تجمعت الدموع بعينها
فاستدار بكامل جسده ..
-آسف يا ريم لأني أهملتك .. لم أكن زوجًا جيدًا في الآونة الأخيرة ، لم أراعيكِ وأنتِ منحتني كل ما أحتاج بحق ..
آسف وإن كان الأسف لا يوفيك أي شيء ..
مسحت دموعها وأومأت بهدوء محاولة الابتسام وهمست ..
-لا عليك حبيبي .. لا عليك ..
أمسك بوجهها ينثر عليه قبلاته وهو يهمس ..
-سأعوضك يا عمري .. سأعوضك أعدك ..
احتضنته واستكانت بين أحضانه ..
هي شخصية قوية ولكنها فوق كل شيء أنثى ما أن تحب رجلًا تريد أن تستكين في أحضانه ...
****
نهض مبكرًا على غير عادته بوجه متجمد كعادته ولكن مزاجه متعكر ، لا يعرف لما وكل الأحداث يجب أن تجعله أفضل ..
تعافت والدته وستعود اليوم إلى منزلها سالمة ..
سايتو اتخذ موضعه بجوار جاك والخطة تسير على مايرام وعبدالله بنفسه يُشرف عليها ..
وهو عاد لمنزله وعائلته ليس تمامًا وبشكل مؤقت ولكنه كافٍ ..
وكذلك عاد لمنصبه في شركتهم ..
تبدو الأمور جيدة ، إذًا لماذا عقله مشوش وملئ بالغضب ..
انتهى من تجهيز نفسه وخرج من غرفة والدته التي سكنها الآونة الأخيرة ولكن هذه المرة ، ترك لسلمى رسالة ورقية لتخبرهم أن يجهزوا له مُلحق البيت ليبيت فيه .
دلف إلى المطبخ وأعد لنفسه كوب قهوة فالجميع مازال نائمًا ، خرج إلى الحديقة الخلفية يراقب شروق الشمس التي أرسلت أشعتها بعض الدفء في الطقس لتحارب لسعة البرد هذه ..
هو لا يحب في الشتاء سوى شمسه ..
فهي مميزة ، دفئها مميز وطلتها متميزة .
ذهب بعينه وهو يرتشف القهوة إلى باب غرفته السابقة .. لقد صمم هذه الغرفة بنفسه لتصبح وكأنها منعزلة عن باقي المنزل ، لها باب خاص في الحديقة ليدخل ويخرج في أي وقت ..
لا يُخفي فضوله عن تلك القاطنة في غرفته ..ومن لا يتملكه الفضول لمعرفة ما وراءها ..
من فعل بها هذا وما الدافع ؟!
هل كانت تستحق ما أصابها ؟! أم كانت ضحية لمؤامرة ما ؟!
للأمر احتمالات كثيرة وهو يحب الألغاز وخاصة زرقاء العين ..
ضرب رأسه بكفه مُعنِفًا .
ارتشف باقي القهوة دُفعة واحدة وترك الفنجان على طاولة الحديقة وتوجه إلى سيارته قاصدًا الشركة ..
لا يدري أن زرقاء العين تراقبه منذ خرج للحديقة ، رأته يُحدق بالباب وكأنه يراها من خلفه وقد أخافها ذلك ..
ولكن بدى وكأنه يفكر في أمرٍ ما ..
ورأت شبح الابتسامة الذي ارتسم على شفاهه والذي وأده بسرعة ضاربًا رأسه وهاربًا ولكن لا تعلم مما يهرب ؟!
فتحت الباب وخرجت تفكر ..
هل كان يفكر بها مثلما تفعل هي ؟!
ولكن احتلت أفكارها الوردية سواد وهي تعود لواقعها الأليم ..
أ سيربط جاسر الشاب من العائلة المرموقة نفسه بنور المجهولة ؟!
بالطبع لا ، فكفاها إذًا أحلام يقظة ولتعد للواقع لأن جلَّ ما ستحصل عليه منه هو ذاك الذي يسمونه عطفًا..
وأكبر ما ستعايشه معه حلمًا لن يُصبح ابدًا حقيقة .
*****
لا تكاد الفرحة تسعها بعد أن أكد دكتور عادل خروجها اليوم ، جلست تنتظر قدوم يحيى أو جاسر ليصحبها إلى منزلها من جديد ، ترغب من كل قلبها أن تطمئن على الدار فهي تعلم أن لا أحد سيشغله أمرها ..
تريد الاطمئنان على حال ولديها وريم وحملها ونور ..
تريد متابعة دراسة سلمى وخاصة أثناء انشغال سلوى بها ..
الكثير من الأشياء تشغلها تريد العودة لأجلها ..
*****
هبطت من سيارة الأجرة وبداخلها ألف لا ..
لا تريد العودة الآن ، هي غير مستعدة .. ولكن وحدها رسائله تطمئنها ، تُشعرها بأن كل شيء سيصبح على ما يرام..
يكتب لها دومًا بأنها ستجتاز تلك الفترة ، يبث فيها أملًا لم تجده أبدًا في نفسها ..
لم تكن تعلم أنه يهتم لأمرها بهذه الدرجة ..
لم تكن تتخيل أن هنالك شخصًا يراها مميزة هكذا ..
نظرت إلى مبنى الشركة وهي تتخيل كيف ستكون ردة فعله ، لم تخبره بأنها عائدة أرادت مفاجأته ...
حركت ساقها إلى الشركة ودلفت تحت أنظار وابتسامات الجميع ..
حيتهم جميعًا بابتسامة رسمية .. أجادت رسمها لسنين ، تشكر ربها أن لا أحد من العاملين يعرف قصتها مع جاسر ..
استقلت المصعد ووصلت للطابق المرجو ، نظرة خاطفة على الممر المؤدي لمكتب جاسر ، ولكنها استدارت بسرعة موجهة أنظارها لوجهتها ..
وجدت سهام تجلس على مكتبها .. بديلتها ، نهضت سهام مُرحبة وكانت وكأنها تتنفس الصعداء ..
-و أخيرًا عدتي ..كان الله في عونك ..
ابتسمت ورد ..
-ماذا هناك ؟!
ابتلعت سهام ريقها وهي تجيب ..
-بالله أخبريني كيف تتعاملين مع هكذا شخص ؟! عصبي في كل ثانية من الدقيقة .. أدمنت المسكنات بسببه..
ليقطع كلامها صوت صريخه وهو يفتح باب المكتب ..
-سهاااااااام ..
ولكن يُسجن صوته لمرآها أمامه مُبتسمة ..
اتسعت عيناه وابتلع ريقه ..
وهمس باسمها وكأنه يتأكد ..
-ورد؟!
شعرت بالخجل قليلًا فهذه أول مواجهة بعد ما فعلته ولكن غطت الابتسامة وجهها بالكامل ..
اقترب منها وكأنه مشدوهًا ..
-ممم متى جئتِ؟! ... لَم لَم لَم تخبريني.
همست هي الأخرى ..
-أردت مفاجأتك ..
لتتسع ابتسامته أكثر ..
-وما أحلاها مفاجأة!
وعينا سهام ستسقط من الدهشة .. كيف تحول من ثورٍ هائج إلى حملٍ وديع هكذا؟! ..
وضعت يدها على خدها تملأها الدهشة .. وعمر يطلب من الورد الدخول لمكتبه ليتحدثا أولًا ..
ولكن عاد لها وهو يكز على أسنانه ..
-أوراق هذه المناقصة ليست كاملة .. إن لم تكتمل حين أخرج سأخنقك سهام .
وتركها تغرق في حيرتها ودخل صافعًا الباب من خلفه
...
في الداخل لم يستطع التوقف عن الابتسام كالأبله ..
أجلسها على المقعد وجلس قبالتها وهمس ..
-سعيدُ جدًا لرؤيتكِ ورد .
ابتسمت في المقابل ..
-وأنا أيضًا ..
عاد يستند بظهره إلى المقعد غير مُصدق بأنها تجلس أمامه الآن ..وقال بصوتٍ مرتفعٍ يشع سعادة ..
-عودةً حميدةً يا ورد
*****
أن تعيش كل حياتك غير مبالٍ .. لاتهتم بما يحدث حولك
ولا يشغلك ما يجري ، طالما أن هنالك من يهتم بالأمور ..
يعمل عوضًا عنك ، فتضع نقودك في مكينة تخرج لك كل ما تحتاجه ..
من يفكر بدلًا منك بكل شيء لتتدلل ..
لتبتاع كل ما تحتاج وماهو فوق الحاجة ..
الكثير من الثياب والعديد العديد من المجوهرات ، تمارس أي شيء يجعلها سعيدة ..
تذهب إلى الملاهي باستمرار للتنفيس عن نفسها وكأنما هناك ما تنفس عنه ..
تتعرف على أناس جُدد .. تدخل في علاقاتٍ متعددة ، حتى تزوجت أمها من ذاك الشيخ العربي ..
وبالطبع فرض سيطرته عليها وأمها .. وأصبح هناك حدود لكل شيء ، يومًا واحد للملاهي الليلية .. لا مزيد من العلاقات العابرة .
ولكن كان هناك ميزة واحدة كانت تجعلها تتحمل .. المال ..
أصبح مصروفها أضعاف مضاعفة ، عدة سنوات ومات كلًا من أمها وزوجها في حادث سيارة ..
بالطبع أصابها الحزن ولكن ليس الخوف ..كان سايتو موجودًا ..
مساعد زوج أمها ، تعلم مدى تأثيرها عليه .
منذ وقعت عيناه عليها وهو غارقُ بها .. ولكنها لا تريد شخصًا تُسيطر عليه ، هي تريد شخصًا يكبح جماحها ..
وقد ظهر سالم ابن الشيخ العنيد القاسي والبارد بشدة ..
غرقت في جاذبيته وضربها بتجاهله ..كانت تغويه بأنوثتها التي تسقط أمامها البلاد وهو ثابت يُسقطها هي ..فأصبح كتحدٍ لها ستحصل على سالم مهما كلفها الأمر .
ولكن اختفى سالم .. وأمر بالإبقاء عليها في منزله هنا شبه سجينة... أعمال وأعمال لا تفقه فيها شيء ليخبرها سايتو فيما بعد أن ذاك الشاب الغامض جاك الذي تقرب منها مُسبقًا هو العدو الأكبر لسالم .
وأيامًا قليلة واختفى سايتو هو الآخر ..
والآن هي وحيدة في هذا المنزل لا تجد حتى من تحدثه .. ويعاملها ذاك الرجل المثير .. عبدالله بكل برود ، يشبه سالم بل هو أشد وطأة على الأقل اعتاد سالم على مشاكستها ..
أما هذا لا ينظر لها حتى ،
وفي الحقيقة هي تخافه تخشى مواجهته بعد أن انتفخت أوداجه حينما اقتحمت عليه الغرفة ..
ولكنها سئمت هذا السجن ..
هي تريد أن تستعيد حريتها من جديد..
نهضت عن الفراش وتوجهت إلى دولابها ، دقائق أمامه وبعدها اختارت واحد من فساتينها ، و آه من فساتين إيمّا ..
ارتدته ووقفت أمام المرآة تضع زينة وجهها ..
ارتدت قلادة وصلت لذاك الشق الصارخ بين نهديها وبالطبع عطرها الصارخ المــــــُثير، نظرة أخيرة لنفسها عبر المرآة ..مُثيرة كالعادة ، صفعت مؤخرتها وتحركت إلى الخارج ..
هبطت الدرج بحرص هربًا من السيدة قاسية الوجه التي تقضي لها حاجاتها في المنزل وبالفعل خرجت بهدوء وهي تحمل حذائها بيدها حتى لا تحدث صوتًا ..
وصلت إلى الباب .. فتحته بهدوء وتسللت خارج المنزل ولحظها سيارة أجرة تمر ، أوقفتها وقفزت بداخلها وأملته اسم الملهى الوحيد الذي تعرفه بالمنطقة والذي أخذها سايتو له عدة مرات حينما اشتكت من الملل ...
***
ما أجمل العودة لأحضان بيتك المشتاق .. تجلس في فراشها تجاورها نور وتُعد لها سلمى وجبة خفيفة ..
استأذن يحيى للخروج إلى المشفى لأمر طارئ ..
وانسحبت ريم لتستريح بغرفتها فالحمل بدأ في إمراضها..
ألقت نور برأسها على كتف آمال ..
-مسرورة جدًا بعودتك ماما .. كان البيت شبه ميت دونك ..
ربتت آمال على وجنة نور ..
-لاعليكِ يا صغيرتي أنا هنا ..
قطع خلوتهما دخوله الجامح ..
-عودة حميدة يا أم جاسر ..
وهبط على رأسها يقبلها ..
عبست آمال قليلًا ..
-أين كنت منذ بداية اليوم ؟!
جلس على حافة الفراش جوارها ..
-العمل يا أمي .. لأعاون عمر قليلًا ..
تنهدت وهي تقرص خده ..
-حسنًا يا ابن كامل ..
تنحنح خجلًا ..
-أمي ..
فنهضت نور مستأذنه ..
-لا عليك .. سأذهب لأترككما معًا ..
تحركت ببطء خارجة .. تحت أنظاره المــُتفخصة .
لاحظت أمه نظراته فصفعته صفعة خفيفة على وجهه ..
-إلام تنظر ؟!
***


يتبع الفصل السادس عشر ◀️◀️


نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-11-20, 10:22 PM   #26

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السادس عشر

" ولا ثابتًا في هذه الدنيا إلا ثابت باي والجاذبية "

حمقاء أنتِ يا فتاة إن اعتقدتِ أن الحياة تستقيم لأحد .. أو أنها تسير على وتيرة واحدة ، دومًا هناك عثرات عقبااات ، والكثير من خيبات الأمل ، فنصيحة واقعية ؛ لا تستسلمي أبدًا لأحلامٍ وردية تحبس روحك وسط فراشاتٍ وقوس قزح يملأ السماء والحمامات البيض تطير في الأفق ، تذكري أن هنالك دومًا سوء ..
حتى أرض العزة ارتكز في أحد أركانها مقبرة الأفيال ، وكرًا للضباع ، لم تكن عزيزة كاملة ، ولم تكن كاملة بأهلها فقد لوثها " سكار " بروحه المـــُهترئة .. فاستعدي دومًا لما قد تؤول له الأمور ولا تكوني بسذاجة " موفاسا " أو سلبية "سيمبا " ، كوني كـــــ "نالا " تستمتعين بالجيد وتُحاربين السيء حين وصوله ..
احمرت أذنه خجلًا من ملاحظة أمه تحديقه بنور ، فهرب بناظريه بعيدًا عن عين أمه المـــُحدقة ، حك أنفه وتنحنح ..
-للفتاة .. طريقة مشيها غريبة ..
ضحكت آمال وكأن ما يقوله سينطلي عليها ، فسألت بتلهف ..
-تُعجبك ؟!
رفع حاجبه مُباغتًا بالسؤال .. لم يكن يتوقعه!
نهض من مكانه ، توقف أمام النافذة المــُنغلق زجاجها ليرى انعكاسا طفيفًا لنفسه ...
-لأكن صريحًا أنوثتها تجذب ذاك الذكر بداخلي ...
احمر وجه آمال ونهرته بشدة ...
-جاسر ! هل جننت ؟!
منذ متى و أنت تفكر بهذه الطريقة ؟!
ما الذي أصابك ؟!
اقترب يهدهدها قلقًا على حالتها ، لا يريدها أن تغضب وقد خرجت توًا من المشفى . ..
-اهدأي يا أمي ... كل ما في الأمر أنني أمازحك ، لما رأيت الاهتمام على وجهك .. لأني بالطبع لن ألتفت لمثلها ..
ابعدت يده عنها وهي تطالعه بحنق ..
-نور فتاة جيدة جاسر ...
قطع جملتها ..
-ولكنها مجهولة يا أمي .. لا عائلة .. لا أقارب ، ولا حتى أي شيء نستدل منه إن كانت بالفعل جيدة أم لا ..
وضعت كفها على قلبها ..
-قلبي يُخبرني بأنها فتاة جيدة .. تستحق أفضل من هذا .
أمسك بكفها يقبله ، وأردف بصوتٍ مسموع ..
-أقدر شعوركِ تجاهها حبيبتي ، ولكنها ليست في نظري سوى فتاة تعطف عليها أمي ..
ما كاد ينهي جملته حتى سمعا شهقة مكتومة ..
اتسعت عين آمال ذعرًا .. ونادت ..
-نور!
لتسمع صوت نحيبٍ مكلوم ..
صرخت بجاسر وهي تدفعه بكلتا يديها ..
-اذهب لها بسرعة ..
توجه للخارج وفي داخله يتمنى لو أنهم توهموا سماع صوتها ، ولكن كالعادة تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ..
وجدها تستند على جانب السلم تُحاول النزول بأقصى سرعةٍ لها ، ووجهها غارقُ بالدموع ..
اقترب منها مُناديًا .. ويده ممدودة لها لتستند عليها ..
-نور !
ضربت كفه الممدودة صارخة ..
-ابتعد عني ..
لم تكن تنوي الاستماع إليهم .. ولم قد ترغب في ذلك كانت ذاهبة لغرفتها أو حتى لمساعدة سلمى ، ولكن بطء حركتها اللعين وخاصة بعد تحاملها على ساقيها الفترة الفائتة ..
هو ما جعلها تسمع أولى كلماتهم عنها وقد غلبها الفضول لتبقى وليتها لم تبقى ليتها لم تسمع ..
ناداها مُجددًا ولكن هذه المرة برجاءٍ غريب ..
-نور! رجاءً .. توقفي
دفعت ساقها لتتحرك أسرع .. ولكن تلك الغمامة على عينها لم توفر لها رؤية جيدة ، فاستكانت قدمها على الهواء وفقدت توازنها ، ويرتمي جسدها على درجات السلم في تصادم عنيف ..يصنع على أثره سيمفونية مؤلمة ..
باغته سقوطها فلم يستطع الإمساك بها ..
توقف جسدها أسفل الدرج في مشهد تراجيدي صُور بالحركة البطيئة وصوت صرخات آمال يرتفع مُناديًا بهلعٍ ..
-نووووووووووووور !
******
أن تتناسى ماضيك ، أن تتمنى لو أن ذاكرتك تُمحى ..
أن تتمنى أن تكون شخصًا آخر ليس أنت ، أن يكون جاهك وسلطانك وتلك القوة التي تسري بدمائك مجرد وهم..
تتمنى أن تنسلخ من اسمك ونسبك لتصبح حتى مجهولًا ..
جده نبراس الماجدي ، طاغية كبيرة قد كان ..
لم يوقفه سوى ألم الفقد والحرمان ، مات أحد أبنائه وهرب الآخر ..
عبس عبدالله وهو يتذكر بكاء جده المرير ، وندمه القاتل ..
وعجزه عن تصحيح ما لايمكن تصحيحه أي القدر ..
رُغم كون جده السبب في يُتمه إلا أنه لم يستطع كره جده ، غصبًا وجد نفسه عُكازًا وابنًا ثالثًا ولكن باق ..
هو الباقي من نسل عائلته ولكن الأمر لا يشغله فلعل عمه الهارب يعود بدرزينة من الشباب الذي ينتهي اسمهم بلقب الماجدي ..
أكل العَجَز والشيب قلب جده وجسده فاتخذ من مسقط رأسه مسكنًا له بعيدًا عن الأعمال و المخططات ..
تاركًا كل شيء على عاتق أسده الشاب ليدير كل الأمور ..
ربطت علاقة قوية بين جده والسيد كامل نعمان والد جاسر ، أحبه جده جدًا والسبب أن السيد كامل يُشبه ابنه رحمة الله عليه ..
أحبه لدرجة منحه اسم ابنه وحياته ، مُعاهدًا نفسه أن يحميه وعائلته من أي سوء وإن كان ذاك السوء طوفانُ من الأهوال ..
تنهد عبدالله وهو يتذكر ذاك الوعد الذي أعطاه لجده بحماية جاسر وأخيه ..
ولكن ذاك العهد لا يتضمن فتياتٍ طائشاتٍ لا يعرفن حدودًا ولا أخلاقيات ..
هذه الإيمّا اختفت منذ أمس ، لا يعرف رجاله أين ذهبت ..
كيف تملصت منهم لا يعرف ..
صَبَّ جام غضبه على رجاله و أمرهم بالبحث عنها في كل أنحاء الإمارات كاملة وليس دبي فقط ..
هذه المــُشاغبة تختار هذا التوقيت هذا التوقيت ..
ضغط على أسنانه وقبض بكفه على المقود إلى أن ابيضت أصابعه ..
قفز إلى رأسه ذاك اليوم الذي أخبره فيه سايتو باصطحابه لإيمّا لأحد الملاهي الليلية ليكف إلحاحها ، وحين أبدى عبدالله تذمره ، هدأه بأنه قريب من المنزل ..
أدار المقود لآخره وعاد أدراجه إلى المنزل .. ولكن وهو يراقب الطريق يمينًا ويسارًا ..
توقف بالسيارة أمام أول واحدٍ صادفه دخل غاضبًا وسرعان ما خرج كذلك ، لم تكن بالداخل ..
صعد إلى سيارته وهو يلعنها ويلعن نفسه ويلعن جاسر أيضًا ..ومن جديد استأنف بحثه ..
..
تجلس على البار في ذاك الملهى الذي قصدته ..لا تشغل بالًا بأي شيء أو هذا ما يبدو فقط ، ربما هي تشرب لتتناسى شيئًا يُقلقها ، ترتدي زي اللهو والعبث لتغطي ذاك الشرخ في شخصيتها ...
ما إن دلفت إلى الملهى حتى أخذت قنينة كاملة من الويسكي تحتسيها راقصةً ..
ولأنوثتها الطاغية ارتمى تحت أقدامها العديد والعديد من أولئك الرجال الذين يسيل لعابهم لرؤية أقدامٍ عارية ...
انهالت عليها زجاجات الخمر الفاخرة والمتنوعة ، يرغب كل واحدٍ منهم بنَيلها في ليلة هانئة ..ولكنها كانت في عالمٍ آخر بعيدٍ عنهم ، تهز خصرها وجسدها لتتساقط منه المخاوف والسلبيات .. مرتشفة النبيذ ليساعدها على الطفو في عالمها هذا ..
والآن بعد أن تهالكت عضلاتها وخارت قواها جلست على البار ترتشف كأسًا صغيرًا تلو الآخر من نوع أقوى اسمه التاكيلا تخاطب الشاب الواقف خلفه ، وهو أيضًا لم تكن نواياه حسنة وكيف ذلك وهي كلها مغريات تجذب أيًا من كان ..
مال عليها ومد يده يتحسس وجهها ..
قطبت بين حاجبيها وأبعدت وجهها مزمجرة ....
-لا تلمسني ..
اعتلت الدهشة ملامح الشاب وقال باستنكار ..
-ماذا ؟!
نهضت عن كرسيها غاضبة وصرخت ..
-جميعكم حقراء ..
لفت صوتها انتباه عددًا من الحاضرين ، فأراد الشاب تهدئة الوضع ..
فمد يده بكوب ماءٍ مُهدئًا ..
-اهدئي رجاءً ..
ضربت الكوب بيدها وبصوت أعلى ..
-قلت .. ابتعد عني أيها المــُتحرش ..
كاد الشاب أن يُجيب ولكن كان عبدالله وقف حائلًا وعلى وجهه خزيُ ممزوج بغضب ..
-ماذا هناك؟!
صرخت بصوتٍ عالٍ يترنح مخمورًا ..
-هذا الشاب حاول التودد إليَّ ..
أجاب الشاب ليُبرئ نفسه ..
-أنظر لها .. لا يمكنها حتى الوقوف بثبات ، منذ أمس وهي تحاول إغوائي وحين استجبت تدعي العفاف ..
فار الدم في رأس عبدالله ، واستدار بكل الغضب في هذه الدنيا ، وصفعها وسط الجموع ..
صرخت ليس ألمــًا ولكن من المفاجأة ، بينما هو أخرج حفنة من المال وألقاها بوجه الشاب ، ونزع جاكيته يُلبسها إياه ...دافعًا إياها أمامه للخروج .
***********
كعادتهما على أنغام أم كلثوم يجلسان ..
يتسامران حينًا ويعم الصمت أحيانًا أخرى .. ابتسامة لعوب زينت وجه ياسين فلاحظها عمر ..
-ماذا ؟!
رفع ياسين وجهه وحاجبه كذلك ..
-ماذا ماذا ؟!
ركله عمر بقدمه ..
-لا تتحاذق ، تحدث زوجتك المستقبلية ؟!
أومأ ياسين مُبتسمًا ..
-أمي ستموت من فرحتها ..
تنهد عمر ساخرًا ..
-أمك وحدها ؟!
أسند رأسه للحائط خلفه ..
-لقد متُ منذ وقعت عيني عليها يا رجل ..
اقترب عمر بوجهه من ياسين ..وهمس بمسرحية ..
-لا تنسى نون النكد يا صديقي ..
دفعه ياسين بعيدًا عنه ..
-النكد الوحيد الذي أراه هو أنت .. ابتعد ، أتمنى لو يُصاب قلبك بحب نكدٍ مُتحرك يا عمر .. وصدقني حينها سأسقط أرضًا من شدة الضحك .
ضيق عمر عينه ونظر لياسين ، والتزم الصمت ..
وقد جذب انتباه ياسين ذاك الصمت الغريب ولكنه تجاهله ..
ارتفع صوت إشعار من هاتف عمر فمال يلتقطه ليرى وهو يخمن لربما قد رأت ذاك الفيديو الذي وضعه كحالة لها وحدها ..
" أهواك .. واتمنى لو انساك وانسى روحي وياك وإن ضاعت يبقى فداك لو تنسااني ، وانساااك وأتاريني بنسى جفاك واشتاق لعذابي معاك والقى دموعي فكراكارجع تاني .. في لقاك الدنيا تجيلي معاك ورضاها يبقى رضاك وساعتها يهون في هواك في هواك طول حرماني "
وبالفعل كانت هي رسالة من كلمة واحدة ..
"يالحظها "
بعث بعلامة استفهام تتبها أخرى تعجبية ..
فأجابت ..
" حبيبتك التي أخبرتني عنها ، أليست هذه لها ؟! "
تنهد وكتب مبتسمًا بألم ..
" أجل لها "
باغتته بسؤالها ..
" ألن تعرفني عليها ؟! "
بعث قلب مكسور ، فتساءلت ..
" ماذا هناك ؟! "
كتب بيأس ..
"هي لا تعرف بوجودي في الأساس يا ورد "
الكثير من الوجوه الحزينة ملأت شاشته ..
" إنها غبية .. صدقني هي الخاسرة ، ولكن كيف ذلك ؟!"
ابتسامة مُستهزئة على وجهه وهو يكتب ..
"تعتقد بأننا أصدقاء لا أكثر "
فاجأته بكلماتها ..
" مثلنا هكذا ؟! "
ضحك مُقهقهًا ..
" تمامًا "
صوت مصدوم من خلفه ..
-ورد!
أغلق عينه مُتمنيًا لو تنشق الأرض وتبتلعه ..
ولكن استمر اندهاش ياسين ..
-كنت أشك بأنه هنالك فتاة ما ولكن ليست ورد ..
ورد يا عمر ؟!
استدار غاضبًا ..
-وما بها ورد ياسين ؟!
جحظت عينا ياسين ورفع صوته هو الآخر ..
-حبيبة صاحبك ، أ هذا كافٍ ؟!
أمسك بياقة ياسين غاضبًا و ضغط على أسنانه مُجيبًا ..
-لم تعد كذلك ، انتهى جاسر من حبه لها مذ صعوده على متن الطائرة راحلًا..
نظرة إلى أعماق صاحبه وهمس بسؤالٍ يعرف أنه سيقتله ولكن لعله يستفيق ..
-وهل انتهت هي من حبه ؟!
ارتخت كف عمر عن ثياب ياسين ، وغارت عيناه وزادت أنفاسه ومع ذلك شعر بالاختناق الشديد ..
ضرب صدره بقوة وهو يجيب ..
-أ تظن أني أريد كل هذا العذاب لنفسي ؟! ولكن قلبي البائس يهيم بها ، أحبها غصبًا ، أحبها رغمًا عن عقلي وكرامتي ورجولتي ..
ربت ياسين على كتفه ووجهه عابس غير مُصدق ..
-منذ متى يا عمر ؟!
نظر له عمرو وكأنه يؤكد شكوكه ..
-منذ أول لحظة رأيتها فيها ..
شهق ياسين مصدومًا .. كيف لم يلاحظ ذلك قبلًا ؟!
بل كيف استطاع عمر التحمل كل هذه السنوات ؟!
كيف اتسع صدره لوجعٍ كهذا ؟!
أراد أن يواسيه ولو بكلمة ..
كاد أن يتحدث فأوقفه عمر ..
-لا تقل شيئًا رجاءً .. وكأن شيئًا لم يكن ..
ارتفع صوت رنين هاتف عمر وللمصادفة كان جاسر ..
تنحنح وأجاب ببشاشة كعادته وكأن شيئًا لم يكن فعلًا أمام أنظار ياسين الـمُتجمد مكانه ..
أنهى المكالمة وطالع ياسين ..
-جاسر قادم ، إن لم تستطع التصرف بطبيعية فاذهب قبل وصوله ..
أومأ ياسين مُتفهمًا ..
-سأبقى .
**********
رغم كرهه للطقس البارد إلا إنه فتح نوافذ السيارة لآخرها ، سامحًا لكل هواء الجو بالدخول ، بالطبع الطقس ليس ببرودة لندن ولكنه بارد في جميع الأحوال..
لم يستطع العودة معهم إلى المنزل ، يخشى مواجهتها ..
هي بالطبع لن تواجهه لن تصرخ بوجهه لن تعاتبه حتى على ما قاله .. ولكن عينها كانت خائبة الرجاء ..
تذكر حين خرجت من المشى تُمسكها ريم ، كانت هشة .. ضعيفة ، استفزته ليذهب ويصرخ بوجهها ألا تكوني هكذا ..
لا تُبدي لي احتياجًا أرجووكِ .
وصلت لسيارة يحيى وقبل أن تصعد على متنها طالعته بشيءٍ من الخذلان ، فلم يستطع إلا الهرب بعيدًا ..
تأفف وهو يتذكر كيف سقطت أمام ناظريه ولولا كرم الله لأصابها مكروه ما ..
وآخر ما يريده في حياته أن يؤذي أحد ، خاصةً وإن كانت الدنيا قد أشبعت هذا الأحد أذى ..
********
وصلت سيارة يحيى إلى المنزل .. فتوقف ولكن نظر في المرآة لنور ..
-نور!
رفعت عينها تطالعه في المرآة ..
فهمس شاعرًا بالخزي ..
-أنا آسف ..
وليته ما اعتذر ، انفجرت باكية فلم يستطع البقاء وخرج من السيارة مُستاءً يعلم أن ريم ستهدئها ..
كانت ريم تجاورها ، فجذبتها إلى أحضانها ..
-سيمر يا نور كما مر ما سبقه ..
أبعدت نفسها بعنفٍ ..
-أين ذاك الذي مر ، مازلت نفس المجهولة .. مازلت عاجزة عن إعانة نفسي .. مازلت عالة عليكم ، مازلت سأتحمل إهانات جاسر لأنه لا خيار لي .. لأنه لا بديل لكم ..
شهقت بألمٍ ..
-أنا أكرهني يا ريم .. أكره ضعفي وحاجتي ..أكره ظروفي ، و أكره ذاك الذي أذاني وجردني من هويتي ..
صمتت قليلًا ثم أكملت ..
-أكره عجزي عن ترككم وأكره جاسر .
ربتت ريم على فخذها ..
-أخرجي كل ما في جوفك يا نور .. سيساعدك هذا ..
ولكنها صمتت وطال صمته ، فاقتربت ريم تسألها ..
-تحدثي نور لا تصمتي ..
نظرت لريم ثم همست ..
-أرغب في النوم يا ريم .
*******
أسوأ مافي السعادة هي أنها لا تدوم .. هي ليست تشاؤمية هي فقط واقعية ..ابتسمت لصغيرتها حينما رفعت رسمتها لتُريها إياها بعد أن لونتها بمساعدة والدها ..
استدارت حنين لوالدها تحتضنه وهمست ..
-لا تذهب مجددًا يا أبي.. أحب كونك هنا ..
ربت على رأسها وقال ..
-إنه العمل حنيني .. أبتعد رُغمًا عني
نهضت شهد ومدت يدها لحنين ...
-هيا ياصغيرة لقد تأخر الوقت كثيرًا .. ستذهبين إلى النوم .
تركت حنين أحضان والدها متأففة ..
-حسنًا يا سيدة مُنبه ..
ضحك ياسر على تعقيب صغيرته ولكن شهد ظلت على جمودها ..
اصطحبت الصغيرة إلى غرفتها ونامت بجوارها تهدهدها إلى أن نامت ولكنها أبت تركها وظلت على حالتها ، سمعت صوت الباب يُفتح فادعت النوم ..
اقترب ياسر بهدوء يراقبها ثم همس بهدوء ..
-أعرف أنك مستيقظة ..
فتحت عينها بيأسٍ ..
فأشار لها أن تتبعه ، خرجت بهدوء خلفه ، حتى وصلا إلى غرفة نومهما ..
استدار وبوادر انفعال ظاهرة على وجهه ..
-إلى متى ستتجنبيني هكذا يا شهد ؟!
جلست على الفراش تطالعه بعين حزينة ، فأردف ..
-شارفت إجازتي على الانتهاء .. وأنتِ لا تتحدثين معي حتى .
لا تسمحين لي بالاقتراب منكِ ..
نهضت ثائرة ..
-هذا كل ما يشغلك .. تريد ممارسة حقوقك الزوجية لا أكثر ..
تنهد بألمٍ ..
-أنتِ قلتها بنفسك حقوقي وواجباتك ، ولكن بالطبع ليس هذا ما يشغلني .. ما يشغلني هو انزعاجك غير المبرر مني ..
جحظت عينها ..
-غير مبرر !
صرخ بوجهها ..
-أجل غير مبرر .. تعلمين طبيعة عملي منذ لقائنا الأول .. تعرفين جيدًا ، الآن تُلقين اللوم عليَّ لعجزي عن البقاء معكم ..
تُخاصميني ..لالتزامي بالعمل الذي يضمن لكي ولابنتنا ولي حياة كريمة.
بالله أخبريني ما الذي تتوقعينه مني ..
أن أترك عملي وأبقى معكِ ننتظر الإعانات من أبواي ..
اقترب يُمسك بكفها ..
-أتظنينه سهلًا عليَّ الابتعاد عنكِ وحنين .. أنا أموت في كل لحظة أكونها بعيدًا عنكما .. أخشى المرض وحدي ، أخشى أن أموت بعيدًا عنكِ ..
..
مسح دمعةً سقطت غصبًا على وجنته ، اتجهت نحوه ولكنه ابتعد خارجًا من الغرفة ..
جلس على الأريكة يُهدئ نفسه ولكن أبت دموعه أن تتوقف ..
وضعت كفها على كتفه.. واقتربت منه وهمست مُعتذرة ، فارتمى في أحضانها مُنتحبًا ..
*******
دخل إلى الغرفة بهدوء ، وجد ريم تتسطح على الفراش تعد لثلاث ثم تأخذ شهيقًا كبيرًا وتخرجه لآخره في زفيرٍ قوي ..
اقترب منها ..
-هل أنتِ بخير ؟!
أومأت إيجابيًا ..ثم همست ..
-أحاول التخلص من الشحنات السلبية التي حظيت بها اليوم ..
أمسك بكفها يقبله وقال عابثًا ..
-عندي طريقة أخرى للتخلص من الطاقة السلبية ، طريقة فعالة ومُجربة ..
ضحكت بقوة ..
-أنت غير معقول يحيى ..
اقترب منها وهمس ..
-وأنتِ غير قابلة للمقاومة .
واقترب يقبل شفاهها بنهم ، ثم ابتعد قليلًا وهمس ..
-كوني هادئة كي لا يسمع الصغير ..
عاد يقبل عنقها وهي تضحك بافتتان .
**********
ما أجمل العودة إلى الحياة من جديد ، العمل ، الأصدقاء والعودة لذاتها ولكن بدون ماضٍ أليم ...
ارتدت حجابها وطالعت ذاك الصندوق المشئوم خلال المرآة ، توجهت له بكل هدوء ولكن لا لن تفتحه لتستعيد ذكرياتٍ لا أهمية لها ..
أمسكت بالصندوق وتوجهت إلى صندوق القمامة وألقته مُبتسمة ..
خرجت لتتناول فطورها مع شقيقتها وزوجها ..
لاحظت ذاك الانسجام بين شهد وياسر ونظراتهم المــُتبادلة ..فتناولت الطعام سريعًا لتذهب إلى عملها ، لا تحب أن تكون عزولًا ..
-حسنًا .. انتهيت ، سأذهب الآن ..
قالتها ناهضة ، فرد ياسر ..
-حسنًا .. إلى اللقاء وردة .
بينما نهضت شهد تتبعها ، أمسكت بكفها ..
-انتبهي لنفسك ورد .. إن أزعجك أحدهم أخبري عمر ..
ضحكت ورد ..
-هل هو حارسي الآن ؟!
رفعت شهد كتفها ..
-على ما يبدو ..
رفعت ورد رأسها تطالع ياسر وهمست غامزة ..
-على ما يبدو أن الأمور بخير ..
احمرت وجنتا شهد فضربتها في كتفها و دفعتها للخروج ..
-هيا تأخرتِ سيطردكِ عمر ..
وأغلقت الباب من خلفها وعلى وجهها ابتسامة خَجِلة
*****
لم تستطع منع شفاهها من الابتسام الدائم طوال طريقهم إلى المشفى ، كان يطالعها فيضحك من حينٍ لآخر ..
كورت كفها وكادت أن تضربه إلا أنها لم تفعل ..
فقال مُستفزًا إياها ..
-أعجبتك الطريقة أليس كذلك؟!
ضحكت ..
-لا تفعل هذا .. رجاءً
رفع حاجبه ..
-ماذا ألم تُعجبكِ ؟!
رسمت الجدية على وجهها ..
-لا لم تُعجبني ..
ضحك مُقهقهًا ..
-كاااااذبة ، لم يكن هذا رأيك أمس ..
هنا ضربته بشدة ..فتأوه ضاحكًا ، ثم هدأ قليلًا ..
-هل لديك الكثير من العمل اليوم ..
أجابت بفتور ..
-لا جلستان .. إحداهما مُلغاة
تغيرت نبرتها وهي تسأل ..
-ألا تعلم أن اليوم عقد قران ياسين ؟!
أجاب بلامبالاة ..
-لا أعلم ، ياسين صديق أخي وليس صديقي أنا ..
وغمز مردفًا ..
-ولكن ما أعلمه أنكِ ستنهين عملك باكرًا وأنا كذلك .. فما رأيك إن تناولنا الغذاء خارجًا اليوم ..
أومأت موافقة ووجهها سعيد للغاية ، ثم قالت ..
-أخبر ماما آمال أولًا ..
أومأ
-طبعًا
وقفت السيارة أمام المشفى ، فقالت وهي تترجل من السيارة ..
-سأذهب اليوم للاطمئنان على الجنين ..
هبط هو الآخر ومد يده لها لتُمسكها ..
-حسنًا .. سآتي معكِ ..
أمسكت بكفه وابتسمت ..
-لا عليك حبيبي .. عليك المرور على حالاتك أولًا وأنا سأنتهي سريعًا ..
أومأ موافقًا , ودخلا سويًا كعادتهما إلى المشفى
*****
وسط أجواء الفرح والسعادة وتحت ابتسامتها السعيدة ، كمن حزن كبير أخفته بخبرة ..
وحيدة يوم عقد قرانها ..لا أصدقاء لا أهل لا شيء ..
أخت ياسين هي من كانت معها ، والدته هي من جلست جوارها تهدهدها وتزغرد لها بسعادة ..
ومن جانبها ، لم يكن معها إلا عمها إنه أمر مخزيّ ..
من الجيد أن عائلة ياسين يعرفون قصتها كاملة ..
ارتفع صوت المأذون ..
-بارك الله لهما وبارك عليهما وجمع بينهم في الخير ..
تعالت زغاريد رُقية والدة ياسين وشقيقته الصُغرى مودة ..
احتضن ياسين كلًا من عمر وجاسر ، شاهدي العقد ..بينما سلما على جمال بكل برود وأشدهم برودًا كان جاسر ..
نهض عمها فاحتضنها هامسًا ..
-مُبارك يا صغيرة ..
فهمست لا تدري بما ..
احتضنتها رُقية ومودة ثم اقترب منها ياسين بهدوء فحملها بين ذراعيه وقال بنبرة شريرة ..
-أخيرًا وقعتي في الفخ وأصبحتِ زوجتي
نيهاهاهاهاااااااا
ضحكت ولكنه علم أن هنالك خطبُ ما وراء هذه الضحكة ، سيعرف ولكن ليس الآن .
*******
-تُحبينه أليس كذلك ؟!
رفعت نور رأسها مُتفاجئة ..ثم سألت
-ماذا ؟!
تنهدت سلمى وأعادت سؤالها ..
-تحبينه .. جاسر أليس كذلك؟!
قطبت بين حاجبيها ، فأردفت سلمى ..
-لا تحاولي الإنكار .. عيناكِ تفضحانك يا نور ، أنا أعرف هذه النظرات جيدًا ..
راوغت نور ..
-ومن أين تعرفيها ؟!
أفلحت مراوغة نور ، فأجابت سلمى ؟!
-لطالما نظرت له بهذه الطريقة .. كانت عيني تلمع كلما لمحته ، تمامًا مثلك ، حتى عرفت حقيقته وأصاب أحب الناس إلي بعطبه ..
طغى اليأس على وجه نور وسألت بصوت مبحوح ..
-زميلٌ لكِ في الجامعة ؟!
نهضت سلمى واتجهت لخارج الغرفة ..
-شيء من هذا القبيل .. يا مسكينة .
زفرت نور بغضبٍ أصبحت مكشوفة أمام الجميع ، وكأنها ينقصها شيء لتجذب الأنظار لها ..
*******
لا تدري متى أو كيف ولكن غلبها النعاس ... هي من أصرت على الذهاب إلى السينما واختارت بنفسها الفيلم ..
ورغم إجهاده في العمل تحامل لخاطرها ، وكأن أمامه غير ذلك ..
من ذاك الذي يذهب للعمل بعد عقد قرانه بدلًا من الاحتفال ..
نامت بين ذراعيه كرضيع يتشبث بثياب أمه ..
شعرت بذاك الدفء الذي يرسل قشعيريرته في كامل الجسد ..
حُرمت هي من هذا الدفء ولكن هاهي تستشعره منه ...
نامت وكأن هذا العالم لا يشغل في تفكيرها قيد أنملة ..
نامت مُستندة عليه وتعرف جيدًا أنه خير السند ..
نامت وعلى شفاهها بسمة لم تنم من فرط السعادة ..
وأخيرًا أصبحت زوجته ..
وما لا تعرفه هي أنه غط في سباتٍ عميقٍ هو الآخر
******
آلام القلب لطالما كانت الأقوى والأشد .. وأثرها هو الأطول في المدى ، تبقى كثيرًا ولا يسهل نسيانها ، لا نستطيع التغاضي عنها ..
تحرق الدموع وجنتها بصمت مرير تتذكر ذاك الحلم الجميل وتقارنه بواقعها البائس الذي فُرض عليها ، بكت بحرقة تنادي في صوت مكتوم ..
-لِم تركتني ماما ؟!
******
جلس على الكنبة المعلقة في الحديقة تتدلى من كفه قلادة من الياقوت بلون أزرق قاتم وفي الحواف ماسات صغيرة بيضاء لايدري ما الذي يحدث له !
كيف لها أن تجتاح قدرًا كبيرًا كهذا من عقله في خضم الأهوال التي يعايشها خاطر بشكله أمام الدكتور عادل وريم وحتى يحيى وذهب إلى المشفى يسترد إرثها مقابل ما يعادله من نقود وبالطبع نظرات عادل الـمُندهشة من تصرفات هذه العائلة ..
وضع القلادة في علبتها حاملًا عبء ثقيل في قلبه جديد ، ولكن السؤال الأهم كيف سيقدم لها القلادة !
نهض متوجهًا إلى عمر سيمكث عنده هذه الفترة ، حتى تهدأ الأوضاع تاركًا مجالًا لها كي تتعافى من الجروح التي أصابها بها حديثه ..
وياليتها تعلم أنه قال ما قاله فقط ليُخفي حرجه من والدته .
*****

قراءة ممتعة 🌸


نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-11-20, 09:41 PM   #27

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السابع عشر

" تُبنى شخصياتنا بمقدار ما نمر به في حيواتنا "

لا يمكنك أن تتذمر مما يواجهك في الحياة ، أن تبدي اعتراضًا على شيءٍ أصابك ..
وحتى إن فعلت فلن تجد سوى نوعين لا ثالث لهم من الردود ..فإما " معلش " تواسيك ..
أو " من منا لا يملك مشكلات "
لذلك ابتلع غصتك أيها البائس ، وارتدي ابتسامتك المــُشرقة وتظاهر دومًا بأنك بأفضل حال ..
أو كن كبطلنا الغامض وارتدي برودة المشاعر ، تظاهر وكأن لاشيء يهمك ..
لا تعرف مشاعر ولا مراعاة .
في الحقيقة هو لايعرف هل هو يتظاهر بذلك ؟! أم أنه من شدة إتقانه للأمر أصبح كذلك فعلًا ؟!
......
فتح عينيه على صوت طرقات عمر يوقظه ليجهز وليذهبا للشركة سويًا ..
تثاءب بخمول ، ثم قال بصوتٍ ناعس ..
-اذهب أنت يا عمر ، لن آتي ..
فتح عمر باب الغرفة ودلف رافعًا حاجبه ..
-لن تذهب !
دفن رأسه تحت الوسادة وهو يؤكد ..
-أجل لن أذهب ، سأنام .. اخرج الآن.
رفع عمر الوسادة عن رأس جاسر ..
-لن تذهب إلى الشركة ! أنت واعٍ لما تقوله !
تأفف في مرقده و نظر غاضبًا لصاحبه ثم همس ضاغطًا على أسنانه ..
-إن لم تذهب وتتركني لأعود للنوم سأقتلع قلبك من صدرك وأصنع منه مصباحًا ..
دار عمر بمقلتيه في أنحاء الغرفة ، رفع حاجبيه .. ذم شفتيه وقال ..
-يبدو أنك لم تنم جيدًا ..
انتزع جاسر الوسادة من جديد ووضعها على رأسه ..
-أجل .. هلَّا خرجت الآن .
-لا !
قالها عمر وهو يتمدد بجوار صديقه ..
رفع جاسر رأسه ووجهه يحمل علامات دهشة واستغراب ..
-ماذا تفعل ؟!
اعتدل عمر في نومته وغطى جسده بالأغطية ، وأجاب متثائبًا ..
-سأنام مثلك ..
تنهيدة قوية ..
-والشركة؟!
أدار عمر وجهه لصديقه ..
-شركتك؟! ..
ستكون بخير ..
دفعه جاسر عن الفراش بغضب ..
-هيا اذهب وتوقف عن هذا ..
سقط عمر عن الفراش ونهض غاضبًا ..
-اسمعني جاسر .. لا أبالغ إن قلت أني مكثت في الشركة أسبوعًا كاملًا ذات مرة .. دون استحمام ، دون طعام ، دون نومٍ هنئ ، استرق ساعات على سطح المكتب لأستيقظ وكل جسدي يؤلمني .. وهذا فقط لكي لا أخذلك ..
تحاملت على نفسي كثيرًا وكثيرًا ، هذا فقط لأجعلك مُطمئنًا على مالك ومال أسرتك وفعلت ..
كنت أتصرف وكأني أنت رُغم يقيني بأنك لن تفعل نصف ما أفعله ، لكن ..
اعتدل جاسر على الفراش وهمس ..
-لكن! .. أكره كل ما بعد لكن ..
رفع عمر صوته وهو يستأنف كلامه ..
-ولكن .. ها أنت ذا ، فلتهتم قليلًا بأشيائك ، ولتتركني آخذ قسطًا من الراحة ..
نهض جاسر ووقف قبالة صديقه ..
-لم أكن أعلم بأني عبء ثقيل لهذه الدرجة ..
كور عمر قبضتيه بعنف وقال من بين أسنانه ..
-حقًا !
هذا ما توصلت له بعقليتك الفذة .. أيها الغبي المتحاذق و المغرور .
رفع جاسر حاجبه ..
-مغرور!
صرخ عمر ..
-أجل مغرور وكما قلت سابقًا غبي ومتحاذق .. لست حِملًا ، لست أي شيء سوى مُدَّعي قوة وغموض ..تتلبس شخصية لست إياها ..
هل صدقت بأنك سالم ؟!
لم يجب جاسر ، فاردف عمر ..
-عُد لرشدك قبل فوات الآوان .. أخبر أخاك بما يجري قبل أن تخسره تمامًا ، أبلغ الشرطة عن تورط والدك مع جاك ..فلتدعهم يتولوا أمر حمايتكم وعد أنت لتكون جاسر .. لتقود شركتك وتساند أخاك وتجاور والدتك ..
تنهد جاسر ، وأخذ شهيقًا كبيرًا ..
-هل انتهيت ؟!
تنهيدة سخرية ممزوجة بالدهشة ، ألف سؤالٍ وسؤال .. هل غيرته الغربة إلى هذا الحد ، بعد كل هذه السنوات لا يهتم حتى لكلام صديقه ..
وأي صديق ، ذاك الذي قرر اقتسام الحمل معه بطيب خاطر ..
نظر يائسًا لجاسر وهمس أخيرًا ..
-أتدري ؟!
أعتقد أنك تُحب ذلك ، تُحب كونك منبوذًا مكروهًا ..لأنك أضعف من أن تكون فردًا في هذه العائلة ...
تحرك باتجاه الباب خارجًا ولكنه توقف قبل أن تخطو قدمه خارج الغرفة وقال دون أن يستدير ..
-أتذكر جيدًا مدى كُرهك لوالدك بسبب تخليه عنكم ، أتذكر ذاك اليوم الذي جئتني غاضبًا فيه من أمك لإصرارها على ذهابك لتسلم جثمان والدك .. كنت أعلم وقتها أن غضبك ليس لإصرارها .
ابتلع جاسر ريقه وهو ينظر لصديقه بتوجس ..
-كنت غاضبًا لأنك كنت خائفًا من أن تصبح مثله ..
تنهيدة سخرية .. ثم أردف ..
-وها أنت ذا تمامًا كأكثر شخصٍ كرهته في حياتك .
قالها وخرج من الغرفة شاعرًا براحةٍ لأول مرة منذ خمس سنوات ، وصل لباب غرفته وصوت صفع الباب يصم أذنه من شدته ..
همس لنفسه ..
-أعلم كم هو مؤلم يا صديقي ولكن لعل هذا يُعيدك ..
*********
تعيش لأجل لاشيء .. لحظة بلحظة ، لا تخطيطات مستقبلية ولا دروس ومواعظ من أخطاء الأمس ..
خطأ الأمس تقع فيه اليوم مُجددًا ، وكأن لا عقل لنفكر به ..
صفعة على الوجه وضعتها أمام مرآه قاسية ، مرآة الواقع ..
إذًا وبصراحة فهي تظهرها عاهرة ، ولكن هل هذا جديد ؟!
عادت برأسها لسنوات عاشتها فكونت رقم عمرها ...
عادت بذاكرتها للصف السابع تحديدًا في مدرستها في الحي الودود الجميل كوينز ..
كانت مازالت بريئة بنظارة ترتديها لضعف نظرها وكأنها اختارت ذلك .. التنمر والتنمر والكثير من التنمر ، لدرجة جعلها مصدر للسخرية ..
ولأول مرة تُنعت بالعاهرة ..
لذلك حين أصبحت في المرحلة الثانوية قالت لنفسها ..
" يرونني عاهرة ، لأكن كذلك إًذًا "
وقد كانت والغريب ، أن من سخروا منها قديمًا تمنو لو تخاطبهم حتى .. وليس هذا فقط بل أصبحت ملكة حفل التخرج ..
أوصلها العُهر لقمة المدرسة ، لما لم يوصلها لقمة أحلامها ؟!
ولكنها لا تملك أية أحلام هي فارغة ومجوفة ..
لم تتقدم حتى للجامعة للتفرغ للمجون وليس إلا ، هي فاشلة بكل المقاييس .. تتساءل الآن ، لِمَ لَم تؤثر أنوثتها بــــ عبدالله ؟!
هل لم تعد كما كانت أم أنه حصين ضد أمثالها ؟!
أو شيء آخر .. ليس الجسد هو عامل الجذب الوحيد .
والآن سلاحها الأوحد بات قطعًا غير فعال.
جذب انتباهها صوت المفتاح بباب الغرفة ، اعتادت عليه ..
فهي تسمع نفس الصوت ثلاث مرات في اليوم ، تدخل مدبرة المنزل فتضع أمامها طاولة صغيرة مليئة بأنواع الطعام ، وتأخذ الأخرى القديمة دونما أي تغيير بها ...
تنهدت السيدة هذه المرأة وقالت وقد رق قلبها لهذه الممتنعة عن الطعام ..
-ستموتين يا ابنتي ..
بالطبع لم تفهمها إيمَّا لأنها لا تعرف اللغة العربية ولم تشغل بالها لتعرف ما الذي تقصده ..
اهتز كامل جسدها برعشة خوف حينما سمعت صوته مُتنحنحًا ..
-هلَّا تناولتِ طعامك يا آنستي ..
بالطبع كان انكماشها على نفسها واضحًا ، فتأفف عبدالله ..
-اسمعي ، لست ممن يضربون النساء ، ولكنك أخرجتني عن شعوري ..
مازالت صامتة ، مُنزوية على نفسها .. تطالعه بعين مُرتعبة ..
فأردف ..
-أعلم أن ثقافتك الانفتاح الغير محدود .. ولكنك في بلد عربي له ثقافة مغايرة ..
رفعت رأسها وقالت بصوت مرتعش ..
-لا أرى أي ثقافة مُغايرة .. تمتلئ بلدك العربية بالملاهي الليلية والتي تحوي عددًا ليس هينًا بالع...
ابتلعت باقي كلمتها خوفًا من شرر عينيه وقالت ..
-بالفتيات أمثالي ، صدقني لا أشعر بأي اختلاف ..
تمتم مُستغفرًا ..
-لن أجادلك ، ولكن هذا ليس صائب في ثقافتنا ولا ديننا ..
غير نبرة صوته ..
-الآن أريد منكِ أن تتناولي طعامك ... أنتِ أمانة في رقبتي .
قالها وتوجه خارجًا ، وللمفاجأة ترك باب الغرفة مفتوحًا على غير العادة ..
عاد مجددًا وهمس متنحنحًا ..
-إن أردتِ النزول إلى البهو أو الحديقة .. ارتدي ملابس مُحتشمة .
ذهب دون انتظار رد..
همست لنفسها ..
-لربما حان الوقت لأنضج ، لأفكر في مستقبلي ..
إلى متى سأصبح أمانة عند الجميع ؟!
**********
-أنا خائفة ..
خمس دقائق من السكون التام ، تُصفي أفكارها وتحاول إيجاد ذاك الشعور المُهيمن على عقلها ..
نظرت إلى ريم تنتظر منها تعقيبًا ، فرفعت ريم حاجبها ..
-خوف!
هذا غريب ..
اعتدلت هنا في جلستها وقالت ..
-لِمَ ..هل هذا خطأ ؟!
يُنبئ بشيء سيء ؟!
سارعت ريم ..
-أنتِ مُشتتة يا هنا ، لِمَ كل هذا التشتت والقلق ؟!
هل تشعرين بأنك تسرعتِ بقرار عقد القران ذاك ؟!
تنهيدة طويلة وقالت بقلة حيلة ..
-لم أكن كذلك .. كنت مسرورة ، مُتحمسة .
ولكن لا أدري لما توغل بعض القلق إلى قلبي ، كاسرًا بعض وجوه الفرحة بداخلي ..
نظرت لريم وسألت ..
-ألستِ طبيبتي ؟! هيا أخبريني ما هذا ؟!
ابتسمت ريم ..
-حسنًا ، أعتقد أن سبب قلقك هو شيء قد زُرع في لاوعيك ..
كلمة ، موقف ..
لربما فعل ياسين شيئًا ما فسره عقلك تفسيرًا سلبيًا ، فهيمنت الفكرة عليك ..
وأعتقد أنكِ مُتأثرة بسبب الوحدة التي عايشتيها يوم عقد القران ، وهذا ينقلنا لسؤالٍ مهم ..
لِمَ ليس لكِ أصدقاء يا هنا ؟!
ابتعلت هنا ريقها ..
-أخبرني عمي بأن نغم ابنته رحمها الله وحدها كانت صديقتي ..
قاطعتها ريم ..
-متى كان الحادث يا هنا ؟!
أجابت هنا ..
-أخبرتك قبلًا .. منذ أكثر من ثلاث سنوات ..
...
بدا على ريم التفكير العميق ثم سألت من جديد ..
-هل تملكين صورًا لابنة عمك ؟!
أخرجت هنا هاتفها وهي تقول ..
-صورة واحدة فقط وكنا صغارًا أيضًا ..
مدت ريم يدها وأمسكت بالهاتف .. راقبتها قليلًا ثم تنحنحت متسائلة ..
-هل بإمكاني أخذ نسخة منها ؟!
بلامبالاة ..
-لا مشكلة ، ولكن هل هناك شيء ما ؟!
صمتت ريم قليلًا ، ثم أجابت بدبلوماسية ..
-أعتقد أن حالة التشتت هذه ناتجة عن فقدانك لصديقتك الوحيدة ..
نظرة مُبهمة على وجه ريم ..
-أخبريني هنا ، كيف تعامل عمك مع موتابنته الوحيدة ؟!..
زمت هنا شفتيها ..
-لنقل أن عمي جمال شخص قوي ، تعامل مع الأمر بشكل قوي .. أو لا أدري لربما هو يغطي حزنه بقوة زائفة ..
رفعت ريم حاجبها ..
-لم أفهم !
تنهدت هنا ..
-هو لا يحب إخباري عن نغم ، أعتقد أنه يخشى أن يضعف أمامي .
بدى على ريم علامات تعاطف ..
-ما رأيك .. أن تجلبي عمك في الجلسة القادمة ، أخبريه بأن هذا سيساعد في علاجك ولربما نتمكن من إيجاد طرف الخيط الذي نُعيد به ذاكرتك .
أومأت هنا بتفهم ..
-حسنًا لا مشكلة .
ابتسمت ريم وهي تودع هنا ثم قال بجدية ..
-وكوني صداقات يا هنا ..
أومأت هنا وخرجت من المكتب مبتسمة ..
بينما امسكت ريم بالهاتف تُطالع تلك الصورة التي أخذتها .
*********
جلد الذات ، هو أسوأ ما يمكن أن يفعله الإنسان بنفسه ..
أن تستمر بمعاقبة نفسك على كل حادثة ، إن حزن أحدهم فأنت من تسبب بذلك ، إن أصاب أحدهم المرض فهو بسببك ..
لربما أنت المــُتسبب في حرائق الأمازون أو الأدهى أنت من ثقبت الأوزون ..
الحزن والقلق يأكلانها ، وخاصة بسبب مقاطعة نور للجميع .. لا تخرج من غرفتها بتاتًا ، لا تتحدث مع أحد حتى ريم ...
ولم تصعد لها ولا مرة من بعد ذاك الحادث .. تأتيها طبيبة العلاج الطبيعي كل يومٍ للقيام بالجلسات وتُخبرهم بأنها تستجيب وتتحسن ..
وكأن حادث السلم صنع لها إرادة جديدة .
طلبت من سلمى أخذها لغرفة نور ، تود الاطمئنان عليها ليس إلا ، بالإضافة لثقتها بأن نور ستتحدث معها لا شك ..
ساعدتها سلمى في الوصول ، دقت على الباب ..
أذنت نور للطارق بالدخول ..
دلفت آمال مُبتسمة لتجد نور تجلس على المقعد تقرأ في كتابٍ ما يبدو وأنه من مكتبة جاسر الخاصة ..
نهضت نور فور رؤيتها آمال وتحركت تُقابلها تتلقف كفها لتسند آمال ..
ضحكت آمال ..
-أرى أن حركتك أصبحت طبيعية تقريبًا
نظرت لها نور مُبتسمة ، ثم قالت ..
-أرى أنكِ تضربين بأوامر الطبيب عرض الحائط ..
جلست آمال على المقعد الآخر وقالت ضاحكة ..
-لن أبقى طول عمري في الفراش يا نور ..
جلست نور بجوارها وربتت على كتفها ، فتنحنحت آمال مُعاتبة ..
-ولكني خالفت أوامر الطبيب لأنك تأبين زيارتي ..
امتلأت عين نور بالدموع وهمست ..
-أشعر بالخزي و الخجل يا أمي .
شهقت آمال ..
-وهل فعلتي شيئًا لتخجلي منه يا صغيرتي ؟!
الشخص الوحيد الذي لابد له من الخجل هو أنا ..
اقتربت نور منها وهمست ..
-لا أنتِ ولا حتى جاسر أخطأتم .. هذا رأيه وأنا أحترمه صدقيني ، ولكن كنت أفضل لو لم أعرفه .. فهذا خطأي لأني كنت فضولية لأسمع .
ابتسمت آمال وقالت بامتنان ..
-أنتِ ناضجة جدًا نور ..
ثم عبست قليلًا وهي تسأل ..
-ولكن لِمَ تُقاطعين جميع من بالمنزل ؟!
نهضت نور ووضعت الكتاب الذي كانت تقرأه في مكانه وأجابت ..
-كلام جاسر أفاق فيَّ الواقع ، عليّ اكتشاف نفسي يا أمي .. عليَّ العمل وجني قوت يومي .. لن أبقى طوال عمري عالة عليكم ..
امتعض وجه آمال ..
-لستِ عالة يا نور ..
اقتربت نور وأمسكت بكفها ..
-صدقيني أعلم مدى حبك لي ولكن هذا سيساعدني وعليكِ دعمي في هذا .
أومأت آمال غصبًا ، ولا يمكنها غير ذلك ... ثم زحف إلى عقلها فكرة مجنونة ..
-عندي لكِ وظيفة جيدة ..
أشرق وجه نور فرحًا ..
-ماذا ؟!
أكملت آمال مُبتسمة ..
-ما رأيك في أن تُديري الدار بدلًا مني .. خاصة وأن حالتي الصحية تجعلني أهملها كثيرًا .. كما أن روح الشباب ستفيد كثيرًا ..
أومأت نور موافقة بالطبع ، من أين ستحصل على فرصة كهذه وهي لاتملك حتى مؤهلًا يحفظ ماء وجها .
***********
-لا أنكر أنها نفس العين ولكن هذا ليس منطقيًا ..
هنا أخبرتكِ أنه حادث سيارة ، ووجدوا نور مطعونة وبها جروح في كامل جسدها ...
اقتربت ريم من يحيى وهي تقول ..
-هل نسيت ذاك التجمع على المخ .. ناتج عن اصطدام قوي لربما هو حادث السيرة ..
وضع يحيى الهاتف أمامه وقال بمنطقية ..
-ولربما نتج عن سقوطها من ذاك الجرف إلى الماء ..
تأففت ريم بقلة حيلة ..
-انظر للفتاة .. تمتلك عينا نور ..
أمسك يحيى بكتفها ..
-هذا ليس كافٍ يا عمري .. ولنفكر بمنطقية ، إن كانت ابنة جمال العادلي لِمَ لَم يُبلغ الشرطة ؟
لِمَ لَم يبحث عنها ؟!
وشيء آخر .. إن كانت في الحادث من أخذها وفعل بها ما فعله ؟!
قالت بقلة حيلة ..
-لربما هو انتقام ، لا أدري يحيى ..
أنت مُحبط ، للحظة شعرت بأني قد تمكنت من حل قضية نور ..
قبل يحيى جبينها ..
-أتمنى ذلك بقدرك ولكن هذا ليس منطقيًا ..
*******
على غير عادته تأخر عن العمل ، تجلس هي وسهام سويًا يُنسقون الأعمال فيما بينهم ، فتعود سهام لمنصبها اليوم وتريد التأكد من تسليم كل شيء ..
لاحظت سهام شرودها بين الحين والآخر فقالت ..
-سيأتي لا تقلقي ، فقد جاء السيد جاسر منذ قليل ..
رفعت ورد حاجبها ..
-ماذا تقصدين ؟!
ضحكت سهام بصوت عالٍ وقالت ..
-لاشيء ..
جاءها صوت غاضب من بعيد ..
-صوت ضحكاتك يملأ الشركة يا آنسة سهام ..
نهضت سهام ووجهها محمر وخجل وورد بجوارها مُبتسمة ، فلم يستطع إلا الابتسام لها هو الآخر وقال بهدوء لها ..
-صباح الخير
رفعت سهام حاجبها من الدهشة ولكنه لم يلاحظ ذلك بالطبع فقد توجه إلى مكتبه ...
-أخبريني أنكِ لا تلاحظين هذا ..
رفعت ورد حاجبها وقالت وهي تجلس على المكتب مجددًا ..
-ألاحظ ماذا يا مجنونة؟!
عمر بمثابة أخٍ لي ، كما أنه مُرتبط بإحداهن وصدقيني يُحبها كثيرًا ...
لذلك أخرجي هذه الأفكار المنحرفة من عقلك ..
رفعت سهام كتفها بغير اقتناع ..
-لربما فقدت قدرتي ..
ضحكت ورد ولكزتها في كتفها ..
-هيا نعود لعملنا ..
غيرت نبرتها للجدية وقالت ..
-سأفتقدك يا سهام .. لِمَ لا تبقين معي ، لا أريد أن أعود وحيدة مُجددًا..
قالت سهام بطريقة مسرحية ..
-تعرفين كم أحبك وأحب قضاء الوقت معك ولكني أخاف ذلك الغول بالداخل .. قاتل البهجة بداخلي ..
ضحكت ورد بشدة ولكن قُطعت ضحكتها حينما رأته قادم ...
اقترب جاسر من مكتبها ..
-صباح الخير آنسة ورد..
ردت بمهنية ..
-صباح الخير يا سيد جاسر ..
اتجه لمكتب عمر وهو يقول ..
-أتى أليس كذلك ؟!
أومأت إيجابًا ، فدخل إلى المكتب ..
*****
رفع عمر رأسه ليُفاجأ بجاسر أمامه .
تنهد ساخرًا ، فباغته جاسر معتذرًا ..
-أنا آسف ..
رفع عمر حاجبيه غير مُصدق ، فأردف جاسر ..
-آسف لأنني أثقلت عليك ، لقد تماديت معك حقًا ..
نهض عمر مُحاولًا كبح غضبه ..
-لا أريد منك اعتذارًا ، أريدك أن تستفيق .. أن تظلم نفسك ومن حولك ..
أخبرني بالله إلى متى ستحمل ذاك السر في جوفك وتنغص حياتك وحياة أسرتك بسببه ..
تحدث الصدف بعشوائية ، وكأن القدر يلاعبنا لعبة هو الفائز فيها دومًا .. تأخذه قدماه إلى الشركة ليسأل عمر عن أخيه ، نظرًا لمكوثه عنده في الآونة الآخيرة ..
يخبر ورد بأنه سيدخل ليفاجئه فتسمح له هو المالك الثاني لهذه الشركة .. فليفعل ما يريد وتقف يده على المقبض ليسمع جملة عمر الأخيرة ..
عاد لورد يسألها ..
-من بالداخل ؟!
أجابت ..
-السيد جاسر دلف منذ قليل ..
أومأ متفهمًا ليعاود الوقوف في نفس المكان مجددًا ولكن بعد أن يطلب من ورد وسهام الانصراف .. وبالطبع يُنفذ الأمر دون أي تفكير ..
-ماذا تريد مني يا عمر ؟!
أتريدني أن أخبر أمي التي بالكاد نجت من عملية خطيرة بأنني مُلاحق من قبل أخطر العصابات دوليًا ؟!..
أم تريدني أن اخبر أخي بأنه قد يُقتل في أي لحظة إن كُشف أمري وعرف جاك ورجاله هويتي الحقيقية!؟ ..
لن أعاقبهم بكابوس أبي كما فعل معي أفهمت ؟!
اقترب عمر وقال برجاء ..
-هذا حقهم .. أن يعرفوا الحقيقة ، على الأقل أخبر يحيى .. ليلتمس لك العذر حتى ..
وضع عمر كفه على كتف جاسر ..
-لا تجعل الآوان يفت يا صديقي ..
أزاح جاسر كف عمر وقال ..
-لقد فات بالفعل .. أحاول بهذا الشكل السيطرة على الأمور ..
دون خوفٍ يمكنني التفكير بشكل أفضل ..
أضاف هامسًا ..
-نحن نُخطئ عندما نخاف ..
التفت إليه صديقه وضيق بين عينيه ..
-لا .. نحن نُخطئ عندما نُحب .. وقد أخطأت بالفعل جاسر .
*******




قراءة ممتعة 🌸


نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-11-20, 09:47 PM   #28

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثامن عشر

" لسنا سوى دُمًا يتلاعب بنا القدر كيفما يشاء"

المعرفة !
لا تعد دومًا كنزًا ، ربما يراها البعض نقمة .. فالجهل على الرغم من غموضه إلا أنه يمثل كما يُقال "شماعة" نعلق عليها عجزنا ..
فلو كنت أعلم لفعلت وفي الحقيقة ، لوكنت تعلم ما استطعت فعل شيء ..
لذلك لا تنبش أبدًا فيما هو محجوب عنك ، لربما الخير في ذلك ولكنك لا تعلم .
...
جلس خلف المقود ينظر أمامه بعمق ، وبصمت تام ..
صامت وكأنه لا يعلم كيفية الكلام ..
تشوش بالغ في ثنايا عقله يُشعره بشلل تام في كافة أطرافه ..
هو حتى لا يفهم لما يعجز عن التفكير ، منذ البداية ولا يشغل باله سوى معرفة السبب وراء ابتعاد أخيه وهجرانه لهم ..
والآن بعد أن عرف تقريبًا السبب لم لا يستطيع حتى التفكير بشيء ما ..
هل سيواجه أخاه ؟!
أم سيتصرف وكأن شيئًا لم يكن ؟!
ولكن هنالك سؤال آخر أكثر إلحاحًا ..
هل هذا السبب كافٍ ليسامح جاسر ؟!
أدار مُحرك السيارة والأفكار تنهش عقله ..
في الماضي كان غاضبًا من جاسر لكرهه الشديد لوالدهما ، لأنه وعلى الرغم من هجر كامل لهم وتأثر آمال بذلك لم يستطع يحيى كره والده ، كان غاضبًا أجل ..
كارهًا لا بالطبع فهو فوق كل شيء أبيه الذي رباه وجعله رجلًا ..
لطالما أراد أن يُرقق قلب جاسر تجاه أبيه ، كان يصنع أعذارًا لأبيه ويلتمسها ..
كان يُؤلف القصص مع والدته ليشعروا بالرضا تجاه غيابه ، حتى بعد أن وصله خبر الوفاة ، أبدع بصنع حجة لا مثيل لها ..
فقط كي لا يكره والده ..
لربما هذا السبب لغضبه الشديد تجاه جاسر ..
كيف يتحول من الضد إلى ضده بهذه الطريقة ؟!
أن يبقى طيلة هذه السنوات يكره والده لأنانيته في اختيار الابتعاد ..
أن يُحقر من كل سببٍ يختلقه يحيى كعذرٍ لوالده ، ثم وببساطة يُصبح نسخة أخرى منه ..
هو منافق كبير ، وأكثر ما يكرهه يحيى هو النفاق ..
ولكن الوقت ليس حسابًا لموقف جاسر تجاه والده .. هو الآن عليه الاختيار ما بين أن يواجه شقيقه ويتعاونا على حل هذه الورطة بالطبع بعد أن يتبين أبعادها بشكل أوضح ..
أو عليه فقط الاستمرار في دور الجاهل عما حوله ..
تنهد وصوت جاسر يقول .. " أخبر أخي بأنه قد يُقتل في أي لحظة "
حسنًا إن حدث ذلك لن تتحمل والدته و ريم أيضًا ..
رعشة سرت في جميع أنحاء جسده ، وذاك الرضيع الذي مازال سابحًا في المجهول ..
ازدادت ضربات قلبه ، شهيق وزفير متتاليين بسرعة غير كافية لصحة العمليتين ..
توقف بالسيارة في جانب الطريق ، هبط منها واقفًا عند كورنيش النيل يلتقط الهواء الذي خلت رئتاه منه ..
نظر إلى السماء وبداخله سواد لا يرى خلاله أي ضوء ..
وكانت تعكس روحه المشتتة بغيومها المتلبدة في الأنحاء .. مازالوا في وضح النهار ولا أثر لتلك التي يسمونها شمس الشتاء ..
بعض الرياح تأتي وتذهب تحمل في طياتها ذاك البرد الذي يُجمد الأطراف ..
نزع جاكيته ومن حوله الناس تلتف حول بعضها تستشعر الدفء ، ويلقون عليه تلك النظرة التي تقول بكل فجاجة .. " انظروا ماذا يفعل هذا المخبول " ..
ولكنه لم يكن يرى نظرات أحد..
ينظر للسماء وكأنه ينتظر منها أن تعرض له لمحة من مستقبله .. هل سيموت لأجل ذاك السبب الذي لا يعرفه ؟!
أم أن جاسر سيتولى الأمر ، ولكن كيف بالتضحية بنفسه مثلًا ..
تأفف بعجزٍ .. فبدأت تُمطر ..
أ تشاركه حزنه فبكت عوضًا عنه ؟!!
رفع كفيه يستقبل فيهما قطرات المطر .. يتذكر أنها سنة عن الحبيب المــُصطفى أن تجعل مياه الأمطار تمس جسدك ...
ازدادت شدة الأمطار ، فازدادت سرعة الناس من حوله تهرب .. كلُ يذهب إلى ملجأٍ يحميهم منها ..
ربت رجل كبير في السن على كتفه ..
-ارتد معطفك يا ولدي ، ولا تقف هكذا .. ستشتد الأمطار ، لقد قالوا ذلك في نشرة الأرصاد ..
أومأ شاكرًا الرجل ، استدار عائدًا لسيارته ليجد أحد أولئك الباعة الجائلين وقد تفرقت بضاعته على الرصيف المــُبتل ، ولا أحد من المارة الفارين يُعره اي اهتمام ..
إلا كبير السن نفسه ..ركض يحيى باتجاههم يلتقط البضاعة بسرعة ولأنه كان أصغرهم سنًا فقد كان أسرعهم ..
وضعوهم على عربته وغطوها جيدًا بشيءٍ يحميها من المطر .. صعد البائع على عربته المكشوفة مُرددًا مدى شكره وامتنانه لهما ..
خلع يحيى معطفه وألبسه للبائع ، فكان من الواضح للأعمى ارتعاشة جسده تحت ثيابه المــُهترئة ..
بعد اعتراضات من الرجل وبعدها سيلٍ من الدعوات ، رحل الرجل بما تبقى له من البضاعة قاصدًا منزله الذي لا يعلم حاله سوى الله .
ربت الرجل على كتف يحيى وقال بوجه بشوش ..
-كما قال الحبيب .. " الخيرُ فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة "
ابتسم يحيى هو الآخر وأمسك بذراع الرجل ..
-هيا لأوصلك إذًا ..
لم يكن يتوقع الرجل أن يحيى يمتلك سيارة ولكن لا ضرر ...
صعد معه وانطلقا في طريقهما ..
******
-ولكن لِمَ لا تتواصل معه عبد الله ؟!!
سأل جاسر بانفعال عبر برنامج السكاي بي
تأفف عبدالله ونظر بنفاذ صبر ..
-أخبرني متى ستعود إلى هنا ؟!
رفع جاسر حاجبه غير مُدرك لسبب السؤال ..بينما ابتسم عمر ساخرًا وهو منكب على مكتبه يراجع بعض الأوراق ..
أردف عبدالله ..
-منذ سفرك لمصر وأصبح عقلك ضئيلًا ..هل يؤثر تواجدك بالوطن سلبًا فيك ؟!
بالطبع لا أتواصل معه مُطلقًا .. لأنه من البديهي تحت الميكرسكوب الآن ، وقد اتفقت معه على قطع الاتصال حتى انتهاء هذه المدة ..على الأقل حتى يغفل جاك عنه قليلًا ..
عاد جاسر بظهره للخلف ، تنهيدة طويلة ..
-آسف ..
أومأ عبدالله مُتفهمًا ثم همس ..
-عندي حل لتشتتك ..
عاد جاسر بجذعه للأمام ، ورفع عمر رأسه عن الأوراق أمامه بتحفز ..
نطق عبدالله بجدية ..
-صارح أخاك بالحقيقة ..
ارتفع صوت ضحكات عمر إلى أن انقطعت أنفاسه واحمر وجهه ، بينما احتقن وجه جاسر غاضبًا وصرخ بكليهما ..
-لم تستمرون بقول هذا ؟! .. لن أخبر أحدًا بشيء
ورفع سبابته لعمر ولعبدالله عبر الشاشة وأردف ....
-لن يُفتح هذا الموضوع مُجددًا ..
كاد عمر أن يُجادل ولكن سبقه عبدالله بموضوعية ..
-ماذا عن هذه المصيبة التي بليتني بها ؟!
رفع عمر حاجبه كيف تقبل عبدالله رفض جاسر بهذه السرعة ألا يتبع في حياته سياسة " الزن " مُطلقًا ..هذا غريب ..
بينما نظر جاسر بامتنان لعبدالله لتقبله رغباته حتى وإن كان لا يتفق معه بها ، ثم ابتسم وجهه بعبثٍ وهو يسأل
-تقصد إيمَّا ؟!..
تأفف عبدالله ..
-ومن غيرها ؟!
بتسلية واضحة ..
-ماذا فعلت ؟!
بنفاذ صبر ..
-لاشيء ولكن آسف لا أريد مُجالسة الأطفال ..
في هذه الأثناء ، دقت ورد الباب ودلفت إلى الداخل ..
رفع عمر رأسه بتحفز ، ينتظر ذاك الاسم الذي ستخرجه .. لمن جاءت ، ابتسمت لجاسر مُحيية ، فحياها بالمثل ، استدارت لعمر ..
-أستاذ عمر هل يمكنني التحدث معك ؟!
رفع جاسر حاجبه ، فأثار الأمر غيظ عبدالله ..
-لا تتجاهلني يا هذا ..
عاد للشاشة مُجددًا ليقص له عبدالله ما فعلته إيّما .. بينما خرج عمر بصحبة ورد إلى الخارج ..
-اسمع يا صاحبي ، لا تعطي إيمّا اهتمامًا كبيرًا ، فهي تعشق كونها محط أنظار .. تصرف وكأنك لا تراها ، أخبرها بأني قد زودت حسابها بالمال وضع أحد الشباب لاصطحابها للخارج في أماكن مختلفة .. الأمر بسيط .
أومأ عبدالله ..
-حسنًا كما تريد .. سأذهب الآن .
أغلق حاسبه المحمول ونظر إلى الباب المغلق الذي اختفى خلفه عمر وورد ولكن سرعان ما انفتح ودلف عمر بوجه لا تعلم هل هو سعيد، غاضب أم مُتحير بين الإثنين ، لم يستطع جاسر كبح فضوله فسأل ..
-ماذا هناك ؟! ماذا أرادت ورد ؟!
وضع عمر يديه في جيب بنطاله وأجاب بهدوء ..
-أعتقد أن يحيى قد سمع حديثنا ..
نهض جاسر عن مقعده فزعًا ..
-ماذا تقول ؟!
أخبره عمر بما قالته ورد ، ارتفع ضغط الدماء في رأسه فخرج كالثور الهائج ..
صارخًا بصوتٍ عالٍ ..
-ورد!
جفلت لنبرة الغضب مع صوته العالي ونهضت عن مقعدها وكذلك سهام التي تجاورها ..
-كيف يأتي يحيى إلى هنا ويقف خارج المكتب ولا تخبرين أيًا منا ؟!
بالطبع لهجته الغاضبة والمؤنبة سببت شعورها بالاختناق ، ارتفعت درجة حرارة الهواء من حولها .. وتكونت غيمة من الدموع على مُقلتيها ..
فهمست تحاول تجميع الحروف ..
-دكتور يحيى مالك لــ..
قطع كلماتها بنفس الغضب ..
-أنتِ مساعدة مدير الشركة يا آنسة .. لا يجوز إدخال أحد مكتبه دون علمه .. ألا يمكنك القيــــــ...
-جاسر !
كفى ..
قالها عمر بهمس مُصِّر ، ولكن تنفست ورد .. واستعادة رباطة جاشها وقالت بثقة ..
-بلى يا سيد جاسر يمكنني القيام بعملي ..
وكما ينص عملي أن أتلقى تعليماتي من مديري المباشر وهو الأستاذ عمر .. وهو بنفسه أخبرني أن الاستثناءات قائمة لك ولأخيك الدكتور يحيى وبالطبع لوالدتكما ..
كانت تضغط على كل حرف وهي تتكلم ولم تكتفي فعلى ما يبدو أن حبوب الشجاعة التي ابتلعتها مازال تأثيرها جاريًا ، نظرت لعمر ..
-وأنت يا سيد عمر إن لم تستطع حماية موظفيك حين ينفذون تعليماتك فأخبرني لأقدم استقالتي ..
احتقن وجه عمر ونظر بغضبٍ شديد..
-ورد !
لملمت حاجياتها من على المكتب وتحركت من أمام الجميع ..
تحرك عمر ليلحق بها ، فناداه جاسر ليتركها ..
وقف لا يعرف هل يركض ليلحق بها ويصالحها أم يعود أدراجه ليفكر مع صاحبه ويعينه ..
دخل جاسر إلى المكتب ظنًا منه أن عمر سيلحق به ولكن ازدادت الدقائق ، وهو مازال واقفًا يفكر .. ما الذي يريده عمر بحق ؟!
وجد الإجابة قد ترجمت لحركة قدميه ليركض مُتبعًا ورد
*******
جينزًا واسعًا وقميصًا قطنيًا واسعًا عليه ، شعرها مربوطًا كذيل الحصان ، هبطت بنشاط بحثت عنه بعينها في الأرجاء .. لم تجده فخمنت وجوده في مكتبه ..
دقت على الباب بسمفونيتها المعتادة ، أذن لها بالدخول ..
بدى عليها التوتر وهي تستأذنه للخروج ، رفع حاجبه مُستغربًا نبرتها الجديدة الخالية من الميوعة والدلع ..
-إلى أين ؟!
سألها وهو يعيد أنظاره لحاسبه ..
تنحنحت مُجيبة..
-بحثت على خرائط جوجل على مكتبة قريبة ..
رفع عينيه ينظر لها مُندهشًا ..
-مكتبة!
أومأت مؤكدة ..
فأردف ..
-حسنًا .. فلتذهبي ولكن لتكوني هنا قبل السابعة .
بدأت في التحرك ، فأضاف ..
-شيء آخر .. سيذهب بارق معكِ .
أكمل بالسبب قبل سؤالها ..
-حرصًا على سلامتك ولأضمن عدم حدوث أمور لا أحبها ..
ضغط على الحروف الأخيرة وكأنه يذكرها بما فعلته سابقًا ، فأومأت بتفهم خجِل
وتحركت ذاهبة إلى وجهتها ونادى هو رجله بارق وأمره بمرافقتها والتأكد من عدم قيامها بشيء متهور ..
ركبت إلى السيارة بالخلف وبارق يقودها بوجه جامد ..
هل جميعهم هكذا ، نفس الملامح المتجمدة والبرودة في حضورهم ..ولكن ليس هذا ما يشغلها حاليًا ، هي تفكر بنفسها ولكن هذه المرة بطريقة إيجابية ، أضاءت في عقلها فكرة المحاماة ..ولكن عليها دراسة الأمر أولًا
بالطبع ستملأ الدهشة عقل كل من يعرفها ولكن ماذا في ذلك ..
من رأى ذاك الفيلم legally blonde ..
كانت البطلة أشبه بكثير لإيمّا ولكنها أصبحت إحدى أشهر وأكفأ المحاميين وكان ذلك فقط لتكون مع فتى أحلامها ..أما إيمّا ترغب بذلك لنفسها ، لتحقق شيئًا لنفسها .. لتفخر به فيما بعد..
إن كان مجونها وأسلوب حياتها سابقًا خطأ ، فقد حان الآن موعد تصويب ذلك الخطأ ...
******
جلست في مكتبها وفي يدها تحمل مجلد ملئ بالأوراق ، تتفحصه بعناية و هدوء ..
أحبطها رأي يحيى بأن الأمر بعيد جدًا وغير منطقي ، ولكن مازال هنالك شيئًا بداخلها يخبرها مرارًا بألا تستلم لليأس ..
ذهبت لأرشيف المشفى وطلبت ملف دخول نور ، وبالطبع حصلت عليه بسهولة هي الطبيبة النفسية للمريضة وكذلك هي ابنة صاحب المشفى و مديرها ، هي لا تحب الواسطة في العمل ولكن لا بأس بها في بعض الأمور ..
التقطت الشرطة صورًا لنور حينما وجدوها ، صورًا دقيقة للطعنات والجروح .. لعنقها وعليه آثار خنق وبالطبع صورة القلادة التي تكفلت بعلاجها طوال هذه الفترة ، بسرعة أمسكت بالصورة التي طبعتها من على الهاتف محافظة على جودتها ، ولكن لا شيء .. لم تكن الطفلة نغم ترتدي شيء ..
ارتمت على المقعد وإحساس بخيبة الأمل يتملكها ، ولكن أبدًا لن تسمح باليأس للوصول لها ..
لملمت كل الأوراق ووضعتها في المجلد وقررت الذهاب للمنزل بعدما تأكدت من عدم وجود أية حالات أو استدعاءات لها ، ليس فقط سلبية النتائج التي وصلت لها في تقصيها عن أمر نور هو ما يحزنها ولكن تهرب نور من الجلسات مؤخرًا هو السبب الأول ، يتكون بعقلها العديد والعديد من علامات الاستفهام ، اعتقدت ريم أن الجبال بينها وبين نور قد هدمت منذ زمن ولكن ها هي لا تسمح لها بالاقتراب ولكن ليس ريم الصديقة وإنما الطبيبة ..
تتجالسان كثيرًا ، تتضاحكان .. حتى أن نور ذهبت معها في آخر كشف لها عند طبيبتها للاطمئنان على جنينها ، ولكن التحدث في الماضي ، البحث عن الحقائق كله صفر كبير ..
هل ستشهر الراية البيضاء احترامًا لرغبة نور ، أم تفرض واجبها على هذه العلاقة التي بنتها مع نور ..
لطالما أهمل المصريون خاصة أخلاقيات المهنة ، فمثلًا لا يجوز أن تربطك علاقة شخصية بمريضٍ عندك هذا يقلل من حيادية آرائك الطبية وهاهي ريم غير فعالة تمامًا مع مريضتها ولكنها سعيدة للغاية بحصولها على صديقة جديدة .
هي سعيدة أيضًا بقدرة نور على بناء حياة جديدة ، تقرأ كثيرًا في كتبٍ عن إدارة الأعمال .. تستغل مكتبة جاسر خير استغلالٍ على ما يبدو ، تُجالس آمال كثيرًا تتناقشان في أمور الدار وللمذهل نور تمتلك منظورًا رائع للأمور .. وكأنها وُلدت لتقود إحدى هذه الشركات الرائدة مثلًا ..
ناهيك عن صداقتها المتينة بسلمى ..
أي طبيب كان ليسعد بهذا ، ولكن ريم لاا .. تشعر بأن نور تتعمد بناء حواجز كثيرة ، فمثلًا علاقتها بسلمى جيدة لأنهما لا تتناقشان فيما حدث لنور ، وحتى آمال أصبح اهتمامها مُنصبًا على تولي نور إدارة الدار ..
الأمر مُربك تمامًا .. هل قررت أن تتناسى ما حدث لها والبدء بحياة جديدة ؟!
هزت ريم رأسها وهي تنفي ذلك وتتذكر كم كانت نور تود معرفة الحقيقة ، ورغبتها في الحصول على مساعدة ريم في ذلك ..
ولكن ماذا تغير ؟!
هذا ما سيفجر عقل ريم كيف لإنسان التخلص من فضول معرفة الحقيقة بهذا الشكل ..
ضيقت ريم عينها قليلًا وهي تفكر .. ثوانٍ
وانتشرت الصدمة على ملامحها وهمست بذهول ..
-لا ينتهي الفضول إلا بالاكتشاف .
زادت من سرعة السيارة مُتجهة إلى المنزل ..
*****
طالت فترة الاختبار كثيرًا .. سئم سايتو كونه تحت المراقبة طوال الوقت ، أصبح جاك يعرف عدد مرات تغوطه حتى ، هذا مقرف أجل ..
ولكن سايتو كان ذكيًا يتصرف وكأنه غير مُدرك لذلك .. يذهب إلى الشركة كل يوم ، يحظى بالمرح بالطبع ، ولكن إلى متى سيستغرقه الأمر حتى يحظى بثقة جاك ويُشركه معه في أعماله ؟!
في الحقيقة هنالك ما يُخيف سايتو إلى متى سيتسم جاك بالصبر هو يريد ماساته ، ولكن من الواضح أن الأمر لا يتعلق بماساته فقط الآن ، هو يريد استعادة هيبته والتي هزها سالم ..
أغلق الدش موقفًا تدفق المياه على رأسه ، خرج من كابينة الاستحمام .. أمسك بالمنشفة يجفف جسده وبالطبع قد تسربت إلى عقله كعادتها في هذا الوقت ..
لم تزوره كل ليلة في هذا الوقت ؟!
بالطبع هي لا تفكر به .. ولم تفعل يومًا .
أحاط خصره بالمنشفة خارجًا من المرحاض .. ولكن ذاك الكيان القاطن على فراشه أفزعه ..
أحد رجال جاك المــُتضخمين ..
تخلص سايتو من آثار الصدمة ، ثم استند على الجدار وقال مازحًا يخفف من وتيرة الأمر ..
-أخبر جاك أن يرسل لي إحدى فتياته المثيرات في المرة القادمة .
نهض الرجل وأمسك بساعده يجره خلفه سايتو وقال بصوت خشن ..
-أخبره بنفسك يا هزيل ..
أحكم سايتو المنشفة حوله وأكمل بنفس نبرته المازحة ..
-لا عزيزي هل ستخرجني هكذا ، سأصاب بالأنفلونزا يا رجل ..
ولكن لن يستمع الرجل بالطبع .
*****
ارتشف فنجان قهوته الثاني ومازالت تجلس بصمت .. لا تتحدث لم ترتشف ولا رشفة من عصير الفراولة الذي طلبه لها لعلمه بمدى حبها له ..
تنحنح عدة مرات ولكنها لم تُعره أي اهتمام .. ومنذ متى وهي تعره اهتمامًا في الأساس ..
لحق بها بالكاد قبل أن تستقل سيارة أجرة وبصعوبة بلغة أقنعها بالجلوس والتحدث .. واعتذر مرارًا ولكن على ما يبدو أن اعتذاره غير كاف ، هو أخطأ بالفعل للسماح لجاسر بتعنيفها هكذا ولكن هو لا يريد جذب انتباه أي شخصٍ لمشاعره ، يكفيه ياسين حتى الآن ..
هو يتجنبه منذ تلك الليلة المشئومة ..
تحدثت هي أخيرًا ..
-أرغب بشدة في لكمك على وجهك ..
قال في عقله ..
" أرغب بشدة بضربك على عقلك لعلك تنتبهين "
ولكن لسانه نطق ..
-آسف .. ورد لن أسمح لذلك بالحدوث مجددًا أعدك .
تأففت بشدة ..
-لم أنت دائم الاعتذار هكذا ؟!
بإمكانك إخباري لم تصرف جاسر بهذه الوقاحة على الأقل ، أخبرني أن ما سمعه يحيى ما كان يتوجب عليه سماعه مثلًا ، دافع عن موقفك ..
شبك كفيه على الطاولة ومال للأمام ..
-هو كذلك بالفعل ، ولكن الأمر ليس بغلطتك ، أنا لست بذاك الشخص الذي يفرغ غضبه من شيءٍ على شخصٍ آخر ..
أردفت ..
-ولكن جاسر هكذا فهمت ..
يزداد الغضب في رأسه ..
" الأمر عندك دومًا متعلق بجاسر "
ولكنه قال ..
-أجل فاعذريه ..
أومأت مُتفهمة ، مالت بجذعها إلى الطاولة هي الأخرى ..
-حسنًا ، هنالك أمر آخر أريد مُحادثتك بشأنه ..
نظر لعينيها بعمق وعقله يصرخ ..
"يا وعدي "
-ماذا ؟!
قالها مُتنحنحًا مُرتبكًا لقربها ..
عضت على شفاهها متوترة .. وقلبه يتراقص ..
" لِمَ بالله تفعلين هذا ، هل تريديني أن أنقض على هذه الشفاه أمزقها "
ابتلع ريقه بصعوبة ..ليستمع لهمسها ..
-ليس لك ذنب فيما حدث لي ..
أشارت لمعصمها تقصد حادثة الانتحار ..
رفع حاجبه مُستغربًا ..
فأردفت ..
-لم ألاحظ الأمر في البداية ولكن سهام نورتني .. أنت تُبالغ في اهتمامك بي ، تُعاملني معاملة خاصة ، بالطبع أنا أدرك أن ذاك بسبب شعورك بالذنب ولكني أؤكد لك أن الأمر بعيدًا عنك تمامًا ..
خيبة أمل جلية على وجهه ، فشلت كعادتها في تفسيرها ، لتستمر بالتحدث ..
فوضعت يدها على كفه ..وياليتها لم تفعل ..ارتعشت قبضته بل ارتعشت روحه وكامل جسده ، دفء كفها ونعومته المفرطة ..
ما هذا هل هذه كف طفلة؟! ..
لم يستطع نطق كلمة واحدة ، يكفيه الثوران بداخله ..
فأردفت هي بكل غباء ..
-أنت رجل رائع عمر ، تلك حبيبتك محظوظة جدًا كونها حصلت على قلب رجل مثلك ، أؤكد لك يتملكني بعض الحقد تجاهها الآن ..
يصرخ عقله
" إنها أنتِ يا غبية "
وهي تكمل حديثها ..
-لذا والآن توقف عن تحميل نفسك عبئي ، ولنعد كسابق عهدنا ولكننا بالطبع أصدقاء ..ورجاءً توقف عن الاهتمام بي لهذه الدرجة ..
رفعت كفها وهي تُضيف ضاحكة ..
-أنا شبه مُحطمة الآن ، قد أقع في غرامك في أي لحظة ..
رفع حاجبه ..
نفس عميق وأخيرًا نطق بعد أن استعاد بعض توازنه فقد رفعت كفها عنه ..
-سعيد لصراحتك ورد .. وبالطبع كل ما يهمني هو راحتك ..
تأففت بنفاذ صبر ..
-يا رجل .. الأهم هنا هو راحتك أنت ، ابحث عنها ..
عقله يصرخ ..
" لم أبحث عنها وهي أمامي تجلس كالمغفلين "
-حسنًا يا .. صديقتي .
********
الخوف ينهشه .. في الحقيقة لطالما كان الخوف يفتك به رويدًا رويدًا ..
قناع اللامبالاة هذا يقع تحته روح يسكنها الخوف ،
من شدة تشتته وخوفه لم يدرك حتى غياب عمر ، مرت ساعات وساعات والعديد من الساعات وهو جالس ،هل سيبقى في الشركة أبد الدهر ، سيتعمد الآن تجاهل أخاه ..ولكن جَلَّ ما يحيره حقيقةً لِم لَمْ يواجهه يحيى ؟!
لماذا ذهب دون إظهار نفسه ؟!
هل يود استغلال جهل جاسر بمعرفة كونه يعرف ..
حسنًا وليكن ، سيستغل جاسر كون يحيى لا يعلم بأن جاسر يعلم بأنه قد عرف الحقيقة .
هز رأسه ضاحكًا .. تذكر تلك الحلقة في المسلسل الشهير friends
عندما علمت كل من فيبي ورايتشل بأمر علاقة مونيكا وتشاندلر السرية .. وبدأ كل فريق بتجهيز فخٍ للآخر ..
"They do not know that we know they know we know"
لم يستطع الإمساك بهذه الضحكة التي فلتت منه ، يالسخرية القدر هو الآن في أحلك لحظات عمره ومع ذلك وصل لعقله شيئًا يُضحكه ، لربما هذه رسالة ما .. وكأن الله يخبره بأنه مهما كانت الأبواب مُغلقة ، لعل أمر فتحها هيِّن فوق ذلك ..
نهض خارجًا ، وبالطبع كانت الشركة خاوية من عامليها إلاه وموظفي الأمن ..
أخرج هاتفه طلب اسمًا ما ..
وضع الهاتف على أذنه وبهدوء .
-علينا التحدث يا أخي .
******
-لا أفهم سبب رفضك ..
نهض جمال مُحاولًا تبرير موقفه ..
-هنا يا عزيزتي .. أنا الذي لا يفهم سبب إصرار طبيبتك على مُقابلتي ..
اقتربت هنا منه ..
-تعتقد أن التحدث معك سيساعدني على استعادة ذاكرتي ..
تعتقد أن للأمر علاقة بنغم ..
تجمدت ملامحه بشكل غريب ..
-الأمر ليس له علاقة بابنتي يا هنا .. هل فهمتي؟!
ظهر العجز على ملامح وجهها فهمست بقلة حيلة ..
-حسنًا ، لا عليك عماه ..
تزامن مع كلامها صوت جرس الباب ، فأردفت ..
-إنه ياسين ، سنخرج سويًا ..
قطب جمال بين حاجبيه ..
-لقد تأخر الوقت عزيزتي ..
دلفت مُدبرة المنزل تخبرها بوجود ياسين بالخارج ، نظرت لها وقالت ..
-أخبريه بأنني قادمة .
وعادت بنظرها لعمها ..
-هو زوجي ، عماه .. لا تقلق .
تأفف جمال ، وقال بنفاذ صبر ..
-لهذا لم أرد عقد القران الآن ..
رفعت حاجبها مُندهشة ..
-متى كنت ضد عقد القران يا عمي ؟!
بهدوء مُتقن ..
-منذ البداية ، أنا لا أحبذ الخروج المتكرر في هذه الأوقات يا هنا ..
بتشتت ..
-إن كنت مُعارض ، لِمَ لمْ تخبرني عن ذلك ؟!
كنت سأقوم بتأجيله ..
جلس على المقعد خلفه ..
-لم أرد جعلك تعتقدين بأنني أفرض عليكِ رأيي.
جثت على الأرض أمامه ..
-ولم قد أظن ذلك ؟! أنت عائلتي الوحيدة ، عمي وأبي وكل ما أملك ..
ابتسم جمال ولكن سرعان ما تجهم وجهه من جديد وهي تضيف ..
-أنت وياسين كل ما أملك .
ارتفع رنين هاتفها ، ياسين لا يحب الانتظار ..
ابتسم جمال ..
-حسنًا يا صغيرة ، لا عليكِ ، اذهبي واستمتعي بوقتك ..
مال يقبل جبينها وهو يضيف ..
-كل ما أريده في هذه الدنيا هو سعادتك ..
ابتسمت في المقابل ، ونهضت متوجهة للخارج ..
قابلها ياسين مُضيِّقًا عيناه ..
-تأخرتِ يا قصيرة ..
تأبطت ذراعيه وقالت بثقة ..
-لنقل أني علمت بأنك ستنتظر .
فتح لها باب السيارة لتجلس ، ثم هبط بمحاذاتها ..
همس مُبتسمًا..
-لطالما فعلت وسأفعل دومًا يا هنا .
أغلق الباب والتف يستقر خلف المقود ..
*****
تتسامر مع آمال .. تُحاول التغطية على ما يدور بعقلها ، تنظر لباب المنزل من حينٍ إلى حين ..
جاءت مُتحمسة للتحدث إلى نور ولكن لحظها السيء نور ذهبت اليوم مع سلمى إلى الجامعة ، ولِم قد تفعل ..وبالطبع فاليوم هو الثلاثاء ، تتأخر سلمى كل ثلاثاء ، وأيضًا يشغلها اختفاء يحيى طوال اليوم ، ولكن كل هذا تحت قناع هدوئها الدائم ..
صوت عند الباب .. إنه يحيى وللمفاجأة من خلفه جاسر ،
أقبل الشابين على أمهما الباسمة ..
هبط يحيى يقبل كفها ، ومن خلفه جاسر ولكنها كورت كفها ولكمته على صدره ..
-أسبوعان لتأتي لأمك ..
تأوه مازحًا ..
-كنت أطمئن عليك خلال أخي ..
أومأ يحيى مؤكدًا ..
فأردف ..
-لمْ أرد الظهور أمام نور خلال هذه الفترة بعد ما تسببت به لها .
عقبت ريم مُطمئنة ..
-لا عليك ، هي ليست غاضبة منك حتى .
رفع حاجبيه مُستغربًا ..
-حسنًا ..
جال بعينيه في أرجاء المنزل ..
فقالت آمال بنبرة مُعينة ..
-ليست هنا ، ذهبت إلى الجامعة بصحبة سلمى ..
رفع كتفه ..
-لم اسأل بالمناسبة ..
تنهدت آمال ..
-لا عليك .
تدخل يحيى ..
-ولكن تأخر الوقت .. هاتفيهم يا ريم .
أخرجت ريم الهاتف ولكن صوت ضحكات الفتاتين عند الباب أوقفها .
تفاجأت بوجوده ولم لا تفعل قد اختفى لأسبوعين .. منذ هرب بعيدًا عند خروجها من المشفى ، ابتسمت له كالبقية وجلست جوار ريم ..
-لقد كان يومًا رائعًا .
ابتسمت آمال ..
-يبدو أنكما استمتعتما .
أومأت الفتاتان إيجابًا ..
ثم نهضت سلمى ..
-سأذهب لإعداد العشاء ..
نهضت نور هي الأخرى ..
-سأساعدك ..
ذهبتا باتجاه المطبخ سويًا تحت أنظار آمال الباسمة ، وريم المتفحصة ..
تنحنح يحيى ..
-سأتحدث أنا وجاسر قليلًا ..
رفعت ريم حاجبها مُستغربة ، بينما ابتسمت آمال بسعادة ..
لاحظ يحيى الاندهاش على وجه ريم فهز رأسه وكأنه يخبرها سأخبرك لاحقًا ..
وذهب يلحق بأخيه إلى المكتب ..
استدارت لآمال التي قالت باسمة ..
-اللهم دمها نعمة ..
ربتت على كفها بابتسامة وهمست مُطمئنة ..
-ستدوم يا أمي إن شاء الله .
قالتها ونهضت هي الأخرى ..
-سأذهب لأرى إن احتاجت الفتاتين لشيء ما ..
تأملت آمال المنزل بحب ، تغمرها سعادة بالغة .. تنظر إلى كل ركن من أركان المنزل ، وقعت عينها على ذاك الإطار الذي يحتضن صورة زوجها الراحل ..
ولسان حالها يردد ..
-كيف لك ياكامل أن تترك كل هذا خلف ظهرك وتذهب !
سقطت دمعة هاربة ..
فتنهدت مُستغفرة .. تدعو له الله أن يرحمه
******
قراءة ممتعة 🌸


نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-12-20, 09:30 PM   #29

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل التاسع عشر

" يبقى الغامض غامض والمستور مستور إلى أن يأتي أهون الأسباب ليكشف ما حيينا لنخفيه "

تسكن الحقائق في المواجهات ، تنبعث في الأحرف المنطوقة خلال المحادثات ، كاذب من قال أن الكلام يريح ، ما بعد الاعتراف هو المريح ولكن خلاله تتألم وكأنك تمشي على الجمر عاري القدمين ، الأمر مروع في الحقيقة ويتطلب من القوة أشدها ، لا نهوِّل الأمر إن قلنا بأنه لا يواجه إلا من كان على قدرٍ كبيرٍ من الشجاعة ، ويمكننا القول بأنه شجاع بالطبع هو كذلك ، مواجهته لجاك وعصابته طوال هذه السنوات ، والتي أسفرت على العديد والعديد من محاولات قتله وسبحان من نجاه منها ..
كالأسد قد كان في مواجهة أهواله ، ولكن بضعف شديد يقف أمام شقيقه .. يراقب حركاته والتفاتاته ، منتظرًا تعليقًا أو تعقيبًا أي شيء ..
قصَّ عليه كل شيء باختصار ولكنه لم يذكر ذاك الجزء المتعلق بمحاولات جاك لقتله.. لم يرد استعطاف شقيقه بل أراد مواجهة عقلانية ، ولكن هدوء يحيى الزائد كاد أن يُطلق سراح وحشه الأثير بالداخل ..
ابتلع يحيى ريقه ، ونهض من على المقعد تحت نظرات جاسر المترقبة ، وقف في منتصف غرفة المكتب وعاد بنظره لجاسر الذي ضيق عينيه منتظرًا ..
سأل أخيرًا ..
-لِمَ لَمْ تخبرني يا أخي ؟!
تنهد جاسر ..
-أخبرتك .. لم أرد جعلك تعاني كما فعلت ، كما أن والدك أوكل بالأمر لي وحدي .. لم يرد هو إقحامك فيه من البداية .
مال يحيى بجسده لتوازي رأسه رأس أخيه ..
-وأخبرتني لأن ورد أخبرتك بأني قد استمعت لما كنت تحدث عمر فيه ..
أومأ جاسر ..
فأردف يحيى ..
-ألا ترى بأنك أخطأت في حقي ؟!
رفع جاسر حاجبه وهمس بنفاذ صبر ..
-كنت أحاول حمايتك ..
صرخ به يحيى ..
-مما ؟!..
كز جاسر على أسنانه ..
-من الحقيقة ، خفت أن تتورط في الأمر ..
قاطعه يحيى ..
-ها قد عرفت الحقيقة ولم يصبني شيء يا أخي ..
لم يصبني إلا خيبة الأمل ، أُدرك أن صاحبك يعرف كل شيء وأنا لحمك ودمك لا ..
تجور على حقي بالمعرفة مُدَّعيًا رغبتك في حمايتي ...
جحظت عينا جاسر من الكلام ..
ليستمر يحيى ..
-ما الجديد ، منذ صغرنا وأنت هكذا ، تتفنن في جعل نفسك الابن المثالي الذي يضحي بأي شيء من أجل عائلته ، حتى تخليك عن حلمك في أن تصبح رسامًا فقط لتجعل أبي سعيدًا ويتخذك ابنه المفضل ..
أنت لم تخبرني لأنك أردت أن تثبت لنفسك أنك كنت ومازلت الابن الأكبر المفضل لوالدينا ، أنت لم تخيرني حتى إن أردت مساعدتك أو رغبت في التنحي عن هذه الأشياء ، قررت نيابة عني ماهو الصالح لي .. وهذا ما لن أسامحك عليه أبدًا
نهض جاسر عن مقعده وعلى وجهه علامات من الاندهاش والذهول ..
وقف فأصبح مُقابلًا تمامًا لشقيقه ، تنهد ساخرًا ..
-أتدري كم عانيت في هذه الغربة ؟!
كم صارعت نفسي أ أخبركم أم لا ؟!
ولكن في كل مرة ينكسر فيها ظهري من ذاك الثقل عليه يصرخ صوت بداخلي أن أحمي أخي من هذا ، في كل مرة أقترب من الموت ، أشكر الله ألف مرة بأنك لست مكاني ..
قاطعه يحيى بصوت مُبهم ..
-تقترب من الموت !
خلع جاسر قميصه ، كاشفًا على ندبات في كامل جسده ، تباينت في شكلها ووقتها .. جسد مُهترئ رغم بنيته القوية ..
أردف جاسر بصوت مرتعش ..
-أتظنه سهلًا أن أستيقظ وحيدًا في ظلام المشفى وقد هربت هربًا من الموت ؟!
أبكي مُتخفيًا أنعي وحدتي ، وأدفن بكل ادعاءٍ للقوة اشتياقي لمنزلي ..
صوت أمي مناديًا إياي باسمي ، بوجودك قربي ..
هل تظنه هينًا ألا أراك عريسًا فَرحًا بحب عمرك ؟!
أنا إنسان أخي ، أشعر وأتألم وصدقني كثيرًا ما عنيت ..
وتراني بعد كل هذا أنانيًا ، حسنًا أنا أناني ولكن في الألم والمعاناة .
نظرات مصدومة ، متعاطفة وحانقة .. متألمة ومشتتة لأبعد حد ..
ولسان عاجز عن النطق بحرف واحد ، لم يستطع يحيى قول أي شيء ..
فقط تقدم باتجاه أخيه ، جذبه من ذراعه إلى أحضانه ..
ربت على كتف أخيه وهو يهمس ..
-أنا عضدك في الحياة أيها الغبي ، لم يكن عليك حمل كل هذا وحدك يا أخي ..
ابتلع جاسر ريقه وقال هامسًا ..
-أجل ..
*******
يعمل العقل البشري بطريقة ذات تعقيد منظم ، ورغم قدراته العالية وإمكانياته اللامحدودة هو سهل التأثر ، الكثير والكثير يتراقص في عقلها ، أفكار إن وضعتها في أوراقٍ لصنعت رواية ذات حبكة هائلة ..
تحاول جاهدًا الانخراط في الجو المرح السائد في المطبخ مع ضحكات سلمى وتعليقات نور عما رأته في الجامعة ..
لاحظت نور الحيرة على وجه ريم فسألتها ...
-هل أنتِ بخير ؟!
أومأت مُبتسمة ..
-بخير ..
نظرت بدقة وأردفت ..
-أفكر بشأن هنا العادلي ، يصعب عليَّ فهم هذه الحالة ..
حركت نور رأسها متفهمة ولكنها لم تعر الأمر اهتمامًا وهي تقول ..
-ستتمكنين من معالجة الأمر أنا أثق بكِ.. ستساعدينها كما ساعدتني ..
ابتسمت ريم وسألت بنبرة عميقة ..
-وهل فعلت ؟!
أومأت نور وقالت بثقة ..
-أكثر مما تتخيلين .
تدخلت سلمى مُستهجنة ..
-شكرًا على المساعدة ، إن كنتم تعتقدون أن حديثكم الجانبي بعيد عني مساعدة ..
ضحكت نور وهي تتقدم من الطاولة لتقطع الخضار الموضوع عليها ، وأضافت ..
-ريم لقد تعرفت على خطيب سلوى ..
أومأت ريم مبتسمة وهي تُعقب ناظرة لسلمى ..
- مازال يُدَّرِس لكِ سلمى ؟!
أومأت سلمى بامتعاض ..
-محاضرة في الأسبوع ..
رفعت ريم حاجبه ..
-ولِمَ الامتعاض على وجهك ؟!
تنحنحت سلمى ..
-لا أحب محاولاته ليكون الأخ الأكبر لي ، يتودد لي لينل رضا سلوى ..
تدخلت نور ضاحكة ..
-إنه مهذب .. أنتِ الشريرة يا سلمى .
بينما راقبت ريم الأمر صامتة ، تمد يد العون .. تشاركهن الضحكات من حينٍ إلى حين ..
********
تجبرك ظروف الحياة على ضغط نفسك حينًا وضغط من هم حولك أحيانًا أكثر ، ولكن ماهو الحل ؟!
جميعنا نرغب في معيشة أفضل .. مستوى تعليمي عالٍ للصغار واحتياجاتٍ مُلباه
ولكن ما ثمن هذا ؟!
عمل أكثر بجهودٍ أكبر .. ووقت أقل مع العائلة
أعلنت شهد الحداد بالمنزل ، ستنتهي إجازة ياسر بعد يومين ، يحاول إخراجها مما هي فيه ولكن هو أيضًا يملأه الحزن والبؤس يبغض عمله في كل مرة يخرج فيها من المنزل ، يحاول جاهدًا إلهاء نفسه ودفن حزنه بقضاء الوقت مع الصغيرة.. ولكن الحزن المرسوم على وجه زوجته يعيده دومًا لحالة الحزن ..
كان يساعد الصغيرة في تلوين رسمتها ، رفع رأسه يطالع شهد التي كانت شاردة وعلى وجهها علامات حزن واضحة ، همس في أذن الصغيرة ..
-هيا حنيني ، اذهبي لورد لتكمل معكِ الرسمة .. سأتحدث مع الماما قليلًا ..
نظرت الصغيرة لوالدها وقالت بهمس جاد وحروفها المتضاربة منتشرة ..
-أعيف سبب حزن أمي ..
رسم الجدية على وجهه وسأل ..
-ما هو السبب ؟!
مدت شفتيها وهي تجيب ..
-هذا لأنك ستيحل من جديد ..
رفع عينه ينظر لشهد من جديد وفي عينيه حزن مماثل ، بدى عليها الانغماس الشديد في أفكارها فلم تلاحظ حواره مع الصغيرة ، فعاد من جديد للصغيرة يسألها وهو مقطب بين حاجبيه..
-وأنتِ لِم لستِ حزينة ؟!
أمسكت بوجه والدها ..
-سأوفيّ الحزن بعد ذهابك ، أما الآن فسأستمتع بوجودك .
قبل جبينها هامسًا ..
-فتاة ذكية
نهضت بعد أن لملمت ألوانها وتوجهت إلى غرفة ورد لتبدأ في العبث معها ..
والغريب أم شهد لم تلاحظ حتى ، زحف ياسر ليصل لها .. قرب وجهه منها إلى أن وصل إليها ، فصرخ ليفزعها ..
-بوووو
صرخت فزعًا ، ثم لكمته في صدره وهي تنظر حولها لتدرك عدم وجود حنين ..
-هل جننت ياسر ؟!
أمسك بكفها وقبلها هامسًا ..
-جننت بكِ منذ زمن ..
ابتسمت بولهٍ ، ولكن عاد الحزن يسكن ملامحها فأخفضت وجهها هامسة ..
-أكره عملك ..
وضع إصبعه أسفل ذقنها يرفعه وقال ..
-وأنا أكرهه ، ولكن لا أحب قضاء هذين اليومين في التعبير عن مدى كرهي لعملي الذي يبعدني عنك ، بدلًا من ذلك سأغتنم كل لحظة معكِ فيهم ..
ابتسمت شهد ولكن بداخلها لا ترغب في هكذا حياة ..
-ما رأيك في إنشاء مشروع ما .. أي شيء من المدخرات ولا تضطر للابتعاد مجددًا ..
تنهد بعجزٍ ، وهل بيده شيء يفعله غير ذلك ..
-حسنًا يا عمري .. أعدك
امتلأت عيونها بالدموع فرِحة ..
*******
تأففت حنين أكثر من مرة بسبب انشغال ورد بهاتفها ، ولكن لم تعرها ورد أي اهتمام ، فنهضت الصغيرة وبدأت تحرك قدم ورد ، واخيرًا انتبهت..
-ماذا يا حنين ؟!
ألقت حنين ألوانها بانزعاج ..
-ألن يساعدني أحد في إنهاء هذه اليسمة ؟!
أبي يييد الحديث مع أمي .. وأنتِ تستميين في مياسلة عُميّ ذاك طوال الوقت ..
احمرت وجنتا ورد ، واحتضنت الصغير الحانقة ..
-يا عمري أنتِ .. آسفة لانشغالي عنك ..
مدت يدها تلملم الألوان المــُلقاة ..
-كيف حال الماما ، مازالت حزينة ؟!
مطت حنين شفتيها بحزن ..
-أجل يبدو عليها الحزن الشديد ، وأبي يحاول إخياجها من هذا الحزن .. أتمنى أن يستطيع قبل أن يسافي ، حتى لا تبكي ليلًا كتلك الفتية التي كنتِ مييضة فيها ..
شعرت ورد بتأنيب الضمير بسبب ما فعلته ، أجل مر الوقت ولكن كيف لها أن تُقدم على فعل شيء كهذا ؟!
لم تُفكر في شهد وما يمكن أن يصيبها ؟! لم تفكر بهذه الصغيرة .. كانت مغيبة وكأن في هذه الدنيا لا يوجد سوى جاسر ، ما أقبح خطأها ذاك..
قبلت حنين وهي تساعدها في تلوين الحديقة التي رسمتها ، ارتفع صوت هاتفها مُعلنًا عن وصول رسالة وبالطبع هي تعرف من أرسلها ، انتفض جسدها أرادت إمساك الهاتف وقراءة رسالته ولكن نظرات حنين الحانقة منعتها ، فعادت من جديد تستأنف ما تفعله ..
نظرت لها حنين وقالت ..
-لا بأس اذهبي وياسليه ..
ادعت ورد عدم الاهتمام ..
-سأنهي معكِ الرسمة أولًا ومن ثم سأحدثه ..
تنهدت حنين وعادت برأسها للوحتها الصغيرة ..
-حسنًا ..على كلٍ كدنا ننتهي ..
ثم نظرت من جديد إلى ورد ..
-في ماذا تتحدثان كل هذا الوقت ؟! هل على بكائه يوم كنا بالمشفى ؟!
جحظت عينا ورد وهي تسأل حنين بفضول ..
-بكائه ؟!
عادت حنين للوحتها وهي تقص ببراءة عادية ..
-أجل كان قلقًا عليك فبكى ، ولكن لا تقلقي لقد طمأنته بأنكِ ستكونين بخيي .
ابتسمت ورد ...
-أحسنتِ يا صغيرتي .
وعادت تلون هي الأخرى توازن بين كلمات سهام وحكاية حنين وأفعال عمر .. عقلها يجمع الخيوط ويربطها مع بعضها ، هل يمكن أن تكون هي الفتاة التي يقصدها ؟!
هل هي الغبية التي لا تدرك مدى حظها ؟!
******
جلس سايتو في منتصف الاجتماع الذي عقده جاك بشكل مفاجئ .. جلس عاريًا على وسطه المنشفة ليس إلا ، جالسًا بكل ثقة لا يشغله أي شيء ..
كان جاك يتحدث بالعربية مع رجل آخر ، تعرف سايتو على اللغة بسبب بعض الكلمات التي اعتاد سماعها من سالم ، وعلى ما يبدو كان الحديث هامًا ..
وأخيرًا استدار ناحية سايتو ..
-مرحبًا سايتو ..
بنفس برود جاك أجاب سايتو ..
-مرحبًا عزيزي جاك ، لم أعرف بأنك مشتاق لي لهذه الدرجة إلا أن طلبتني بهذه الهيئة..
دخن جاك سيجاره ونفخ الدخان أمامه وسأل ..
-هل تعرف شخصًا يُسمى جاسر نعمان ؟!
بالطبع ارتعشت كل خلية في جسده ولكن إن ظهر هذا لجاك لربما تكون هذه آخر ليلة في حياته ..
بنفس طريقته الكوميدية ..
-هل هو ذاك الرجل ؟!
رفع جاك حاجبه ..
-لا تتذاكى عليّ سايتو ..
برباطة جأشٍ ..
-لا أفهمك جاك .. ماذا تريد ؟!
أشار جاك بسبابته إلى الرجل الجالس معهم ..
-هذا جمال العادلي ، شريكي بمصر .. تخيل حينما عرضت عليه صورة سالم ، تعرف عليه ولكن باسم جاسر نعمان ووالده كامل نعمان ..
هل تصدق هذا ؟!
نهض سايتو عن مقعده ومثل دور المتفاجئ كما يجب ..
-ما الذي تقوله ؟!
هل جننت ؟!
أنا أعرف الشيخ منذ وطأت قدمه هذه الأرض ، كما أني ذهبت لبيت سالم في الإمارات وهناك تبقى إيمَّا ..بالطبع أنت تتلاعب بي جاك .
لحسن حظه صدقه جاك ..
-اجلس سايتو ، ستسقط منشفتك .. سأريك ما أراني إياه جمال وسترى بنفسك ..
جلس سايتو راسمًا الغضب والانزعاج ..
-سأذهب لإحضار إيمَّا ، لن أتركها هناك لحظة واحدة بعد ..
أمسك جاك بكأس النبيذ أمامه وهو يقول بتوعد ..
-تريث سايتو .. أعدك بأني سأمثل بجثة سالم أو جاسر أو أيًا من كان ، سأصيبه في قلبه .. سأبكيه دمًا على عائلته الذي تفنن لسنواتٍ ليخفيهم عني ..
نهض عن مقعده ، والكأس مازال بيده .. اقترب من سايتو وهمس بفحيح يشبه فحيح الأفعى ...
-سأجعل منه عبرة لمن يحاول التلاعب بجاك ..
تهشم الكأس بين كفه ، فتناثرت محتوياته ليسقط بعضها على جسد سايتو المرتعش .. ابتلع سايتو ريقه بصعوبة وهو يومئ ، تحرك جاك وخلفه جمال متوجهين سويًا للخارج ، ولكن استدار جاك وقال بصوت مرتفع لرجاله ..
-جهزوا غرفة تليق بالسيد سايتو فهو ضيفنا حتى حين ..
بالأحرى سقطت منشفة سايتو نتيجة لتصلب جسده من شدة الخوف ، حاول التماسك وفي داخلها يسب جاسر وعائلته ويوم ميلاده وكل شيء متصل به ..
بالطبع يقصد جاك بأن سايتو ضيفه حتى يجد وصفة جديدة يصنع منه حساء ..
اقترب رجلا جاك من سايتو ، بالطبع يريدان إيصاله لغرفته .. الأمر وكأنهما يصطحبانه لمنصة الشنق خاصته ، ويالشياكته! ..
لم يستطع منع حسه الفكاهي وهو يقول بجدية ..
-لو أخبرتموني بأني سأموت اليوم ، لكنت ارتديت الحلة التي أبقيها للمناسبات الخاصة ..
ضحك أحد الرجلين بسماجة ، ودفع سايتو أمامه قائلًا ..
-لا تقلق يا وسيم ، لن تموت الليلة ..
وضع سايتو كفه على قلبه وبحركة مسرحية تنهد قائلًا ..
-طمأنتني..
وصل للغرفة ، حسنًا ليست مظلمة مليئة بالفئران كما توقع .. إنها عادية ، استدار ممازحًا ..
-هل تضمن الإقامة وجبتي الإفطار والعشاء ؟!
تنهد أحدهم شزرًا وقال للأخر ..
-راقبه ريثما أجلب له الطعام ..
تحرك مبتعدًا بينما ظل الآخر واقفًا عند الباب يراقب سايتو الذي تقدم ناحية الفراش وألقى بنفسه عليه ، فدلف الرجل إلى الغرفة .. فتح الدولاب وأخرج منه ثيابًا ..
ألقاها على وجه سايتو ..
-هلَّ سترت جندِيَك الصغير ؟!
أمسك سايتو بالملابس ساترًا نفسه ..وأشار للرجل بأن يستدير ..
فاستدار الآخر ضاحكًا ..
-صدقًا أحببتك يا رجل .. سأحزن جدًا إن قتلك جاك .. أنت مسلٍ ..
أغلق سايتو سحاب البنطال وتنحنح قائلًا ..
-هذا مهين أولًا .. ثم إني سررت بمعرفتك ..
استدار الرجل ومد كفه ..
-أليخاندرو بالمناسبة .. نادني إن احتجت شيء ..
وصدقني ستحتاج لأن مدة إقامتك ستطول ..
قالها خارجًا ، دقائق ودلف الآخر حاملًا طاولة صغيرة عليها بعض أصناف الطعام ..
وضعها أمام سايتو وخرج دون أي كلمة ..
مدد سايتو جسده المهموم ويتراقص في عقله مليون طريقة يمكن أن يُقتل بها ، ولكن رغم كل هذا هنالك مصيبة كبيرة جدًا ..
عليه الوصول إلى جاسر أو عبدالله يخبرهم بأن جاك قد كشفهم ولكن كيف ؟!
*****
تنام كل ليلة على صوته في الهاتف .. يعوضها دائمًا عن كل يومٍ قضته بدونه ، يعوضها حتى عن غياب عمها هذه الآونة ..
سافر منذ يومين لإنهاء صفقة ما ، بالطبع لا تعرف أي شيء عن هذه الصفقة وما الجديد هي لا تعرف أي شيء عن الأعمال التي يديرها عمها ..
الأمر ليس نقص في الثقة أو شيء من هذا القبيل ..ولكن منذ تعلمت كيف تدير الشركة وهي ترغب في معرفة كل شاردة وواردة فيها ، ياسين بنفسه لا يقدم على فعل شيء إلا بعد عرضه عليها ، هي لا تقوى حتى على مصارحة عمها برغبتها تلك .. وأيضًا لا تستطيع مصارحة ياسين بذلك فهو سيستشيط غضبًا لائمًا إياها ..
لم يهاتفها ياسين اليوم لسهره مع صديقه عمر ..باتت تغار منه الآن ، يقضي معه وقتًا أكثر من ذاك الذي يقضيه معها ..
دلفت مدبرة المنزل تحمل مشروبها المفضل ..
-حضرت لكِ مشروبك يا آنسة هنا ..
ابتسمت هنا ..
-شكرًا لكِ عالية ..
استدارت السيدة لتخرج ، لكن اوقفتها هنا ..
-هل هنالك ما ستقومين به ؟!
ابتسمت السيدة لهنا وأجابت ..
-لقد أنهيتي كل أعمالي يا آنستي ..
اعتدلت هنا في الفراش وقالت بحماس ..
-ما رأيك أن نتسامر قليلًا ..
امتلأ وجه السيدة عالية بالود .. وابتسمت مقبلة تجلس جوار هنا ..
تنحنحت هنا ..
-حدثيني قليلًا عن نغم ابنة عمي ..
ظهرت علامات الجهل جلية على وجه عالية وقالت ..
-لكني لا أعرف أي شيء عن الآنسة نغم رحمها الله ..
رفعت هنا حاجبها ووضعت الكوب من يدها وهي تسأل بدهشة ..
-كيف هذا ؟!
أجابت عالية مبررة ..
-لقد تم توظيفي وأغلب العاملين هنا خلال وجودك بالمشفى ..
ازدادت علامات الدهشة على وجه هنا وهي تقول بصوت خافض ..
-جميعهم!
الأمر مُريب .. مُريب جدًا في الحقيقة ، هي تتفهم بالطبع نزعة عمها في الابتعاد عما يذكره بابنته نغم ولكن هذا مُبالغ فيه ..
نهضت عالية لما رأت التيه واضحًا على ملامح هنا ... استأذنت خارجة من الغرفة ..
أومأت لها هنا ولكن قبل أن تخطو خارج الغرفة نادتها قائلة ..
-لا تخبري عمي بمحادثتنا الصغيرة تلك
أومأت عالية إيجابًا وخرجت ..
جلست على الفراش تنهشها الأفكار .. لا تدري حتى لِمَ طلبت من عالية ألا تخبر عمها .. هل أصبحت تراودها الشكوك حوله ؟!
مالت تلتقط الكوب ترتشف منه مُفكرة ، تحاول حتى تحديد فيما تُفكر ..
أمسكت بهاتفها تراسله .. ومن غيره ..
" ألا يمكنك تفريغ بعض الوقت لي الآن؟! "
ولكن هيهات هاتفه حتى غير متصل بالإنترنت ..
تأففت من الضيق ونهضت تجلب مفكرتها تخط فيها بعض الخربشات ..
بما أنها الشيء الوحيد المتاح الآن ..
******
كعادتهما يجلسان في شقة عمر تحت أنغام الست ، يتبادلان أطراف الحديث من حين إلى حين .. يرتفع صوت عمر مع الست مغنيًا ويعود ليخفت من جديد ..
اختفت من كان يراسلها فجاة ، بعث أكثر من رسالة متتالية ولكنها لم تقرأ أي منها ، فجلس على حاسبه يراجع بعض الأوراق الخاصة بالشركة ..
انتبه بعدها لهدوء ياسين الغريب ، رفع عينه عن الحاسوب يراقبه ....
بدى منغمسًا فيما يفعله ، ممسك بكومة من الأوراق يتفحص كل واحدة تلو الأخرى ، رفع عمر حاجبه مُستغربًا .. يقسم أن آخر مرة كان ياسين جادًا فيها هكذا كانت يوم نتيجة الثانوية العامة حين كان خائفًا من المجموع ..
مد قدمه ينخز ياسين ..
-ماذا تفعل ؟!
أبعد ياسين قدمه دون كلام .. بعض الامتعاض على وجهه فقط
نادى عمر بجدية ..
-ياسين .. ماذا تفعل ؟!
ياسين ورأسه في الأوراق أمامه ..
-أراجع بعض الأمور ..
نهض عمر وجاوره ..
-أية أمور ؟!
من بين الأوراق ..
-هذا جمال غامض جدًا..
صمت قليلًا وهو يقلب الورقة ..
-رشوت إحدى مساعداته لتجلب لي بعض أوراق صفقاته ..
ارتسمت الجدية على وجه عمر هو الآخر ..
-وماذا ؟!
ألقى بالأوراق في نفاذ صبر وهو يجيب ..
-تخيل لا يوجد اسم لأي شركة أو مجموعة يتعامل معها بالخارج ، مُشار إليهم دومًا بالطرف الثاني ..
لملم عمر الأوراق وهو يقول ..
-ولكن هذا غير منطقي ..
وضع رأسه بين كفيه ..
-وكأنه يعلم بأني سأبحث خلفه .. إنه يراوغني ..
وضع عمر سبابته أسفل ذقنه وهو يفكر ..
-ولنفترض ذلك .. لِمَ سيخفي هذه التفاصيل من أوراق المناقصات ؟!
قال ياسين بنفاذ صبر ..
-أخبرتك هو يراوغني ..
أكمل عمر بملامح واثقة ..
-أو إنه لا يريدك أن تعرف حقيقة مناقصاته .. لأنها مثلًا مشبوهة ..
لطالما حذرنا السيد كامل رحمه الله من التعامل مع جمال ، أخبرنا أنه لديه نزعة إجرامية ..
نهض ياسين غاضبًا ..
-هل جننت عمر ؟!.. هذا عم زوجتي ، تعيش معه تحت سقفٍ واحد ..
نهض عمر هو الآخر وقال مُهدئًا ..
-كان هذا منذ زمن ، ولكني أعتقد أنه انصلح من بعد وفاة أخيه ومن بعده ابنته الوحيدة ..
استدار ياسين متأففًا ..
-لا أعتقد هذا ، هذا الرجل لم أحبه يومًا .. يتصرف بلزوجة شديدة مع هنا ، لطالما شعرت بأنه يخفي أمرًا ما ..
ضيق عمر عينه وأضاف ..
-إن أردت نبحث في الأمر ..
أومأ ياسين في حماس ..
-بالطبع سنفعل ، أخشى أن يورط هنا في شيء ما .
******
ككل يومٍ في الآونة الأخيرة تجلس في الحديقة ومجموعة كبيرة من الكتب تحاوطها ، وحاسبها المحمول أمامها .. والأغرب تضع النظارات الطبية ، لم يستطع منع نفسه من التوجه إليها ، جلس في المقعد بجوارها ، تنحنح ليجذب انتباهها ...
رفعت عينها مُبتسمة وحيته ..
-مرحبًا سيد عبدالله ..
حرك رأسه محييًا ..
ولكن غلبه فضوله فسأل ..
-ماذا تفعلين ؟! ..مرت فترة كبيرة ولم تذهبي لأي ملهى ، تترددين على محلات الكتب وأراكِ هكذا كل يوم تقريبًا ..
خلعت نظارتها وقالت بحماس ..
-سأتقدم للدراسة في الجامعة .. سأدرس القانون.
لم يستطع منع نفسه من الضحك .. فشعرت بالإحباط يتملكها ..
فتنحنح معتذرًا ..
-آسف ، ولكن ألا ترين أن الأمر صعب عليكِ ؟!
وضعت يدها في خصرها وهي تسأل ..
-ولِمَ سيكون كذلك .. لست غبية ، وسترى سأتقدم وسيتم قبولي وسأنجح وسأغيظك يا عبدالله ..
رفع حاجبيه ، نهض عن مقعده وقال مبتسمًا ..
-وهل أكره النجاح لكِ ، على الأقل ستتعقلين ولن يكون عليَّ مجالستك كالصغار بعد هذا ..
قالها وتحرك من أمامها ذاهبًا ..
فرفعت صوتها ليسمعها ..
-سأخبر سالم ليأخذني من هنا وأعفيك من ذلك يا سيد عبدالله .
ثم همست ..
-متعجرف .. مغرور وقليل الذوق أيضًا ..
******
يومُ جديد .. بنشاط أكبر وحماس أكبر ، ويوم مميز بالنسبة لها ..
اليوم ستخطو أولى خطواتها في العمل في الحياة الحقيقية .. ستضع أول حجرٍ في بناء شخصيتها الجديدة ، ستصطحبها آمال اليوم إلى الدار ..
بالطبع وضعت خطوات ستتبعها في إدارتها ، ترغب في جعل آمال فخورة بها ..
نظرت إلى المرآه وهي تمشط شعرها ، تتذكر حديث ريم بالأمس ، كانت تصر على الحديث عن حالة هنا وهذا ليس من شيمها أبدًا .. ترفض مشاركة أي شخصٍ أمور حالاتها ..
ابتلعت ريقها وتنهدت ، بالطبع تساورها الشكوك ..
ابتسمت نور مستهزئة ، لقد توقعت هذا ولكن أبكر من ذلك .. عليها التحدث مع ريم ، خرجت من الغرفة ولحظها كانت ريم تهبط من على السلم ..
قابلتها مُبتسمة ..
-صباح الخير نور ..
أخذت نفس عميق وقالت..
-صباح الخير .. أردت التحدث معك في شيء هام ..
أومأت ريم مُشجعة ..
-حسنًا ..
دلفتا إلى غرفة نور ... وقفت نور في منتصف الغرفة وقالت ..
-ريم أنا لا أعرف أي شيء بخصوص هذه هنا .. لا أعرف حتى إن كنت على علاقة بها ، و لأكن صريحة لا أرغب في معرفة من أنا يا ريم ..
جلست ريم في المقعد خلفها وهي حقًا تحترم عقل نور ، لربما لاحظت محاولة ريم لاجترارها للحديث عن هنا وقالت في هدوء ..
-أنتِ ذكية نور .. ذكية جدًا ..
ولكن أنتِ في مرحلة إنكار .. وهذا يُعيق عملية شفاؤك..
جلست نور أمامها وهمست بيأس ..
-ومن قال أني هكذا عليلة وأحتاج للشفاء ..
أمسكت بكف ريم وهي تضيف ..
-لم أعد أريد معرفة من أنا ..لأني آمنت بكوني نور ..
ربتت ريم على كفها وهمست هي الأخرى ..
-أعتذر لشكي بكِ أولًا ..
ولكن ماذا عن هويتك ؟!
بدون تفكير أجابت ..
-نحن نصنعها .. نحن نشكلها بأنفسنا ، وليست هي ما تشكلنا ..
أغمضت ريم عينها بعجز وهي تقول ..
-يا عزيزتي ! .. أشعر بمدى خوفك من الحقيقة ، وأقدر ، ليس هينًا أبدًا ما حدث لكِ ، ولكن عليكِ تخطي هذه النقطة .
نهضت نور ، أومأت إيجابًا ..
-سأحاول ، ولكن ريثما يحدث هذا .. أتركيني أبني شخصيّ الجديد .
*******
تجمعوا جميعًا حول مائدة الإفطار ، تترأسها آمال بابتسامة تُدفء الجميع .. والجميع حولها ينعم به في امتنان ، وتجلس هي بهالة من النشاط تُحيط بها ..
ترتدى حلة رسمية باللون الأسود وتحتها قميصًا أبيض ..
فمازحها يحيى ..
-ولكن نور ..
رفعت رأسه توليه اهتمامها ..
فأضاف ضاحكًا ..
-يرتدون في الدار الزي البني ..
ضيقت بين عينيها غاضبة بينما ضحكت سلمى وريم ..
فلكزته آمال ..
-لا تضايقها يحيى ..
تنحنح جاسر مُتسائلًا ..
-أي دار ؟!
نظرت له نور شذرًا .. بينما أجابته آمال ..
-ستدير نور الدار عوضًا عني ..
رفع حاجبه وضحك مُستنكرًا ، فرمقه كل الجالسين ..
فتنحنح مُعتذرًا ..
-مُبارك لكِ نور .. إن احتجت أية مساعدة أخبريني ..
نظرت له بغضبٍ وألم يعتريها .. وردت باقتطاب ..
-أتمنى ألا يحدث هذا ..
شهق يحيى ضاحكًا ..
-هذه صغيرتي ..
بينما نهض جاسر واستأذن للذهاب ..فضحكت نور ليحيى الذي غمزها ..
-في منتصف الجبهة ..
بينما عاتبته آمال ..
-هلَّا نضجت قليلًا؟! ..
أجاب وهو يرتشف قهوته ..
-سأحاول ..
****
صعد إلى سيارته وهو غاضب .. سينفجر من شدة الغضب ..
تخللت أصابعه خصلات شعره بعنف وهو يفكر ، لِمَ كل هذا الانزعاج ؟!
بالطبع ليس لكلمتها هو ليس بهذه التفاهة ، وهذا أقل ما يمكن أن تفعله نتيجة لما حدث ..
مايزعجه تجاهلها له ..
وماذا إن كانت تتجاهله ؟!
هو لا يهتم .. حتمًا لا يهتم..
هو بالطبع يشعر ببعض الذنب إيذاء ما حدث لها ...
أخرج أصابعه من شعره وهو يومئ إيجابًا لتفكيره ..
أخرج أصابعه من شعره وهو يشغل ماتور سيارته مُتحركًا ولكن صوت في عقله صرخ ..
"توقف عن الكذب ... أنت تهتم بشأنها .. تهتم جدًا
، وتشعر بالغضب لعدم احتياجها لك ..لتجنبها الحديث معك، وأكثر ما يثير حنقك حجبها لبلورها الأزرق عنك فأصبحت ظمآن لنظرتها "
تنهد بقلة حيلة ...
ها قد انقشع الستار البالي عن الحقيقة الكبرى والتي لطالما أراد دفنها ..
◀️◀️◀️
يتبع الفصل العشرون


نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-12-20, 09:32 PM   #30

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل العشرون

أشعرتم يومًا بالعجز ؟!
أطراف مكبلة بلا خيط ، يكفي الهواء حولها ليحول بينها وبين حريتها ..
أكثر الأمور إذلالًا للإنسان بشكل عام هو أن يشعر وكأنه مسلوب الإرادة ، إن تأملتم نكسات الشعوب على مر العصور ، تجدون اكثرها وطأة هو أن يُحتل قبل آخر .. يُجرد من حقوقه ويصبح خاضعًا قسرًا .. مُسلسل من عنقه يُجر كما يرغب الكيان الغاصب ، ليس هذا فقط بل الأشد .. أن تمتد اليد الملعونة الملوثة إلى داخل منزله فتدنسه ..تنتزعه من أحضان امرأته وتستحل جسدها مُتعة ولذة تحت أنظار العاجز المنكوب ، مسلوب الإرادة ، وحتى حينما فارت رجولته صارخة بالرفض في وجه المغتصب ، تلقى ضربة لا تقتله ولكن تقتل حركته ليشاهد بكل ذل دون قدرة على إبداء الاعتراض
هذا هو العجز !

كعادته بدخول مهيب إلى الشركة ملامح جادة ومِشية شبه عسكرية ولكن هناك اختلاف هذه المرة ، يشعر وكأنه يطفو ، خف وزنه عن سابق عهده .. انفرج جانب شفته راسمًا ابتسامة ، الإفصاح يريح حقًا ..
ولكن في حالته هذه ماهو إلا مسكنًا ذا مفعولٍ مؤقت ، دلف إلى المكتب ، جلس خلف مكتبه يتأفف ..
كان بحال أفضل بعد أن أفضى مافي جعبته لأخيه ، ولكن الآن يتملكه الضيق والضيق الشديد أيضًا ،يزعجه انزعاجه لإهمال نور له ..
أجل !
هو منزعج لأن الأمر يؤثر به لهذه الدرجة ، ولكن هو يكره ذلك .. أن يؤثر أمر عاطفيّ عليه ، لذلك سيلقي باللوم على غياب سايتو ..
وأيضًا أمور إيمّا وإزعاجها لعبدالله ، ستكون هذه حجة جيدة أيضًا ..
أخرج حاسبه من الحقيبة ووضعه أمامه على سطح المكتب ، ثم رفع سماعة الهاتف مُخاطبًا سهام سكرتيرته ...
-فنجان قهوة بأسرع وقت سهام ..
وبالطبع أغلق السماعة فهو لا يحتاج ردًا ..
بعث برسالة لعبدالله ولكن لأول مرة منذ تعرف عليه لم يكن متصلًا بالإنترنت ، لأي شخص هذا أمر عاديّ ولكن لجاسر نعمان هذه بوادر لحرب نووية مثلًا ، فهو خير من يعرف خصال آل الماجدي فقد اعتاد أن يكون أحدهم لسنوات ..
لأعمالهم المترامية هم دومًا متاحون ، تمتد شركاتهم لأنحاء العالم ، يملكون قصورًا في كل دولة يمكن أن تخطر ببالكم نامية أو متقدمة ... أي مكان .
حسنًا ازداد ضيقه مُصاحبًا بالقلق وهذه المرة ليس حُجة ...
....
لا تدري لِم تأنقت هذا اليوم ، هل هذا بسبب ما رسمه لها عقلها المرتاب بناءً على أقوال الصغيرة حنين ، أجل هو كذلك وإن يكن لِمَ لا تعطي قلبها فرصة بأن يذهب لشخصٍ يقدره ، غصبًا وضعت قدرًا كبيرًا من الأمل ..
وكيف لا تفعل ذلك إنه عمر ..كامل الأوصاف !
بالطبع كانت عيناها ممتلئتان بآخر لذلك لم تره بهذا الشكل من قبل ..
وصلت باكرًا عن موعدها ، مرت على سهام أولًا أعطتها قطعة دونات للفطور مما أثار الريبة في عقل سهام ، التي رفعت حاجبها متسائلة..
-هنالك شيء ما ..
قبلت ورد جبينها وهمست باسمة ..
-ربما ..
اقترب العم سلطان مُحييًا الفتاتين ودلف لمكتب جاسر ..
رفعت ورد حاجبها ..
-جاسر هنا ؟!
أومأت سهام مقتضبة ..
-جاء سيد نكد .. منذ قليل ، ثم همست واضعة كفها جانب فمها كإشارة لخطورة وسرية ماستقوله ..
-وصدقيني يبدو أن هنالك ما يزعجه ..
أومأت ورد تجاريها ، ثم نهضت بنفس ابتسامتها المشرقة ..
-حسنًا لا يهم ..
وأخذت العلبة التي أخرجت منها الدوناتس لسهام ، التي صرخت مستنكرة ..
-ماذا أليست لي ؟!
ضحكت ورد مُبتعدة ..
-بالطبع لا .. واحدة فقط لكِ
..
بخطوات مرحة دلفت إلى مكتبه ، وضعت علبة الدوناتس التي ابتاعتها خصيصًا له ، كونها مساعدته تعلم أنه لم يتناول وجبة الإفطار يومًا منذ بداية عمله في الشركة ، ينتقل إلى الغذاء مباشرة وياليته في موعده ..
نظرت في ساعة يدها سيصل خلال عشر دقائق ، رفعت الهاتف تطلب له شايًا بالحليب .. وضعت السماعة وتراقص في عقلها سؤال أَذهب مناخ الفرحة الذي كانت تقفز داخله ، ..
" ما الذي تفعلينه ورد ؟! " ..
جلست على مقعده ودارت به مُتنهدة ، مُشتتة ..
"إلى ماذا تحاولين الوصول ؟! "
وضعت كفها بين رأسها ، هل وصل بها الحال لشحذ الحب من آخر ؟!..
ترغرغت عينها بالدموع وملأ الشك فؤادها ، لِمَ هذه الثقة بحبه لها مثلًا ؟!
أ بسبب كلمات حنين ؟! أم لاهتمامه الشديد !
تنهدت ساخرة ..
-أ هذه هي ركائزك ورد!
سحبت نفس عميق تحاول تخفيف ذاك الثقل على صدرها ، ولكن تخللت أنفها رائحة تعرفت عليها منذ اللحظة الأولى ، فتهكمت ساخرة ..
-ما هذا البلاء ورد ؟! ... تتخيلين عطره بعد كلمات حنين الساذجة !
أدارت المقعد بجذعها لتخرج من المكتب قبل وصوله ..
أعين جاحظة خَجِلة ، لا تقوى حتى على النظر .. وأخرى لامعة مُندهشة غير مصدقة .
دقائق... دقائق ودقائق أخرى مرت وهو واقف في منتصف المكتب وهي جالسة على مقعده تصارع هل هو أمامها بالفعل أم أنه ضمن تخيلاتها !
ولكن دقات العم سلطان على الباب جعلها تدرك أخيرًا أن هذا حقيقي ليس في عقلها فقط ، دلف العم سلطان ووضع الكوب على سطح المكتب دون أي كلمة وكأنه استشعر أن هنالك شيء غريبًا يتطاير في الجو ..
خرج من المكتب وهما من خلفه كما هما ..
أخيرًا تحركت شفاهه ..
هامسًا ..
مترجيًا ..
وكله أمل يناديها ..
-ورد!
تنحنحت بإحراج ، وأخيرًا تحرك جسدها فنهضت من على المقعد ..
همست هي الأخرى ولكن بفزعٍ وخوف ..
-آسفة ..
وسريعًا توجهت نحو الباب لتهرب من هذا الموقف الذي وضعت نفسها فيه ، ولكنه كان أسرع منها فسبقها باتجاه الباب فأغلقه مانعًا إياها من الخروج ..
ابتلع ريقه ..
-ورد!
ازداد الخفقان في قلبها إلى الحد الذي يسمح له بتحطيم أضلعها ، والتوتر يخنقها خنقًا وكأنه سرق منها كل الأكسجين ، والعجيب رغم البرودة في الجو نمت حبات من العرق على جبينها ..
لم يضف هو كلمة أخرى ، ينتظر منها رفع عينها له ولكنها أبت ظلت رأسها منخفضة وعينها تطالع حذائه الرياضي ، وهو بطوله الفاره يطالع رأسها المتطأطئ ..
فأضاف بعد يأسٍ ..
-انظري لي ورد ..
كتمت أنفاسها وبدأت عينها ترمش بسرعة معتادة لها عند التوتر وببطء شديد رفعت رأسها تطالعه ..
وأخيرًا خرج صوتها مُتقطع ..
-نعم ..
وقف لا يدري ما يقوله ، صامتًا أمام عينها ..
ولكنه لم يجد سوى هذا السؤال ..
-لِمَ تهربين ؟!..
تنحنحت ..
-سأذهب لمباشرة عملي ليس إلا ..
رفع حاجبه وأشار برأسه للعلبة والمشروب الموضوعين على مكتبه ..
-وماذا هذا ؟! ..
زادت الارتعاشة في صوتها وهي تجيب ..
-دوناتس لتتناولها فأنت لا تتناول الفطور ..
شقت شفته ابتسامة ارتفع صداها في قلبه ..
-كيف عرفتِ أني أحب الدوناتس ؟!
بعفوية ..
-خمنت ..
هبط برأسه لتوازي عينه عينها وهو يسأل مؤنبًا ..
-ولم تخمني من التي تعذبني ؟!
لم تتوقعي بعد من الحمقاء التي أنهكت قلبي جفاءً ؟!
..
جف حلقها وارتعشت شفتها السفلى وهربت الحروف فلم تستطع نطق كلمة ..
فأضاف بصوت معاتب ..
-قولي شيئًا ياورد .. أي شيء يا حمقائي ..
يا منهكتي ، يا نون نكدي .
لم تعد ترى أمامها وعينه تحاصرها هكذا ، لا تعرف ماذا تقول .. الآن هي لا تتخيل بالطبع هذا حقيقي ، هو يحبها هي .. ولكن من شدة التوتر تتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعها ، يده على الباب تحيل بينها وبين فرصتها الوحيدة للهرب ..
لم يستطع منع كفه من التسلل لوجهها ، يستشعر سخونتها التي تلفحه من هذه المسافة بينهم ، يلتمس الاحمرار الشديد على خديها ..
تنهدت حالما وصلت أصابعه لوجهها وانتشرت الرعشة في كامل أطرافها وزادت في شفتها فعضت عليها تهدئها قليلًا .. وليتها لم تفعل ألا تعرف هذه الغبية ما تسببه هذه الحركة من انفجار لحمم شوقه الخامل منذ سنين بفعل الظروف والحدود والمبادئ إلى آخره ..
ولكن في موقفه هذا تبًا لأى شيء عداها ..
اقترب وعينه مُثبتة على غنيمته الغالية ، يبغى تذوقها أخيرًا ..وهي علمت من نظرته ما ينتويه ولكنها بكل قوة العالم لم تستطع حتى إبداء أي انفعال ، إنش بينه وبين شفاهها وها قد لامس حرارتها نعومتها ها قد شعر....
ولكن اندفاع الباب من خلفهم أبعده وأفزعها ، إنه جاسر حاول الدخول ولكنه ارتطم بمن خلفه .. ابتعد عمر وكأنه استفاق من غفوته بينما فتحت هي الباب لجاسر ليدخل وتهرب هي للخارج تلعن نفسها لاستسلامها , ولكن قلبها يخفق بسببه وله ..
رفع جاسر حاجبه ، نظر لعمر الذي جلس خلف مكتبه راسمًا وجهًا جامدًا يتصنع به الجدية ، ولكن على من .. إنه جاسر صديقه المقرب ..
جلس جاسر أمامه على المكتب أمسك بالعلبة الموضوعة فتحها ، ولكن امتعض وجهه وسرعان ما أغلقها مجددًا قائلًا ..
-لن اسأل عن الدوناتس لأني أعلم من جلبها ، لن اسأل لم أنت متوتر لهذه الدرجة ..وصدقني أعتقد أني أعلم السبب ..
ولكن سؤالي سيكون .. منذ متى...يا عمر؟!
تنهد عمر ، ماعاد التكتم مهمًا بعد الآن ، بعد الخطوة التي خطاها هو وورد باتجاه بعضهما البعض لم يعد مهمًا أبدًا ..
-منذ وقعت عيني عليها ..
جحظ جاسر عينه متفاجئًا ، لم يكن يتوقع إجابة كهذه ، كيف لم يلاحظ ؟!
صمت يستمع لسرد صاحبه .. يتعرف على غبائه..
....
جلست على مكتبها تحاول الانغماس في العمل لعلها تُهدئ من انتفاضة جسدها وقلبها ، ولكن أبت يدها الامساك بقلمها أو حتى الضغط على لوحة مفاتيح الحاسب ، وعقلها مشوش وأكثر ما يشغله هو كيف ستواجهه بعد ما كاد أن يحدث ..
لم تستطع البقاء ، نهضت من على المكتب ، لملمت حاجياتها ..
وتحركت بعيدًا عنه للهرب من رؤيته مجددًا ، ولكن توقفت قليلًا ثم عادت لمكتبها ، أخرجت ورقة وأمسكت بالقلم تجبر يدها على الكتابة ..
إنها استقالة ..
ستهرب .. ستهرب لا محالة ، كيف ستضع عينها بعينه بعد ذلك ..
وضعت الورقة على الملف الذي كانت مكلفة به وخرجت مهرولة تهرب من جدران سطوته التي غزتها بنهم ..
*******
أنهى مروره كالمعتاد بالمشفى ،توجه إلى الكافتيريا ليبتاع فنجانًا للقهوة ، التقطه وتوجه لمكتبه ، يشعر وكأنه انقسم لنصفين .. نصف سعيد لأن جاسر قد عاد له مجددًا والآخر مُثقل بالهم الذي اطلعه عليه أخيه ، يبحث في رأسه عن حل ٍ..
ربما غفل جاسر عن أمر ما نظرًا لكونه في خضم الأحداث ، وصل لمكتبه ...
فتح الباب ودلف إليه ..
وجدها بالداخل تنتظره مبتسمة كعادتها ..
-ستخبرني الآن فيما تحدثت أنت وجاسر ..
ابتسم رُغمًا عنه ..
-ستموتين من شدة الفضول ..
تظاهرت بالحزن ..
-لست فضولية ..
جلس خلف المكتب ووضع فنجان القهوة عليه ..
-حسنًا لن أخبركِ ..
ضربت الأرض بقدمها وهي تصرخ ..
-يحيى !
مال على المكتب ..
-عيونه ..
احمرت وجنتاها ، ولكن سرعان ما ضيقت بين عينها ..
-لا تراوغني ..
ابتسم مُستهزءًا ، أ يُثقل عاتقها هي الأخرى بما أُثقل هو به .. وهي أكثر شخصٍ ظُلم معه ، بالإضافة لحملها وتعبها ..
بالطبع لن يفعل .. ولكن كيف يُخرج نفسه من هذا المأزق ؟!
ستكشفه ريم فورًا إن حاول الكذب عليها ..
ولكن أرسل الله له عونًا ، ارتفع رنين هاتف ريم ..
فانشغل تركيزها بالمتصلة ، وقد تلاشى فضولها ..
تنهد بارتياح وتمتم بالحمد حينما وقفت وهي تجيب على الهاتف ..
-أهلًا هنا....
صمتت قليلًا تستمع لمحدثتها على الطرف الآخر وهو يرتشف من قهوته ..
-حسنًا لا عليك ، سأنتظرك ..
أغلقت الهاتف ونظرت مطولًا ليحيى ثم همست في حماس ..
-يبدو أني سأحظى بشيء رائع ..
ضيق بين عينيه وهو يسأل ..
-ماذا هناك ؟!
أخذت كوب القهوة من كفه وقالت ..
-هنا ترغب في التعجيل بجلستنا لهذا الأسبوع .. وصدقني هذا لا يحدث كثيرًا .
ثم رفعت الكوب ترتشف منه ، وضعته مجددًا على مكتبه وتحركت ناحية الباب ..
-أولًا سأعرف ما بينك وبين جاسر ..
ثم أضافت غامزة ..
-لقد حجزت لنا جناح في فندق .... لتتأهب الليلة .
فتح عينه ورفع حاجباه ، منذ متى وريم بهذه الجرأة ..
فتحت الباب وأضافت بهمسٍ مثير ..
-هرمونات الحمل يا عزيزي ..
ثم عضت شفتها بإغراء ..
وخرجت مُغلقة الباب من خلفها ..
تاركة إياه يبتسم غير مصدق ، ليضحك بعدها قائلًا ..
-ما أجمل هرمونات الحمل .
ولكن هذا ما أخبره به جاسر ينغص عليه حتى لحظات الرومانسية تلك ، الأمر أكبر من أن يُترك هكذا .. صعب جدًا ، في الماضي كان يبرر لوالده فعلاته ولكن الآن ليته يجد أي شيء ..
أسند رأسه للخلف على ظهر المقعد ، هو ملئ بالغضب من والده في هذه اللحظة ..وكأن غضب السنوات التي قد مضت تجمع في صدره الآن .. بات يعرف الآن سبب غضبه السابق من أخيه ، لم يكن جاسر السبب بل والده ..
اعتاد التبرير لوالده وكتم غيظه من أفعاله وتحويلها بالسلب على أخيه .. كان غاضب من جاسر لأنه لم يستطع الغضب من والده الميت ..
هذا ليس عدلًا حتى !
الأهم الآن أن يُصفي رأسه ويبحث عن أي حل .. أو شيء يمكن أن يساعد به جاسر لحماية العائلة ..
*******
بمجر أن تركه جاسر خرج مُسرعًا يتفقدها ، ولكنه وجد مكتبها خاويًا ، تنهد مُستاءً بالطبع ستهرب منه .. ولكن وقعت عينه على تلك الورقة المفرودة على المكتب ،التقطها ونصف ابتسامة يشق شفتيه وبمجرد أن قرأ بضع كلمات بها تلاشت ابتسامته ...
مزق الورقة هامسًا ..
-مجنونة أنتِ إن ظننتِ بأني سأتركك ..
أخرج هاتفه ، طلب رقمها وجلس على مقعد مكتبها يحركه يمينًا ويسارًا ينتظر سماع صوتها ولكن كما توقع لم تجبه ..
إذًا سيبعث لها برسالة نصية ..
كتبها وإرسال ..
رفعت الهاتف تقرأ رسالته ..
" استقالتك مرفوضة يا آنسة .. عودي لعملك الآن وإلا ستجازين "
فلتت منها ابتسامة غصبًا وهي تفكر بشكله وهو يكتب هذه الرسالة متدعيًا الغضب ...
أغلقت الهاتف ووضعته في حقيبتها ، طلبت من سائق التاكسي أن يتوقف . أنقدته ماله مبتسمة وهبطت من السيارة ، لن تذهب إلى البيت ستتمشى قليلًا لتفكر في خطوتها القادمة ...
بينما زادت اهتزازة ساقه والتي يفعلها كلما كان متوترًا ، وفي يديه الهاتف منتظرًا منها ردًا على رسالته ولكن لا شيء ..
لا لن يسمح بذلك خاصة بعد ما حدث ، لقد كانت بين يديه ، أقرب مما يمكن لقلبه ، لن يدعها تفلت أبدًا ، نهض عن المقعد وابتسامة انتصار ملأت وجهه ..
هداه عقله لأمرٍ سينفذه حتى لو كان آخر مايفعله ...
-ليكن إذًا يا ورد ..
قالها وهو متوجه للخارج لتنفيذ ما خطط له ..
*****
منذ بزوغ الشمس في السماء وهو يسارع الوقت للوصول إلى جده ، كان نائمًا حينما استيقظ على مكالمة طارئة من خاله سمير ..
مكالمة شقت ظهره .. شيَّبت قلبه وروحه ... لقد لفظ جده أنفاسه الأخيرة ، وأين كان هو ؟!
عكازه في الدنيا .. كان بعيدًا ، خذل جده بغيابه هذا ، لتفويته الوداع الأخير ..
بئسًا لمشاغل الحياة تلك .. بئسًا لشركاتهم ، مشاريعهم ولأي شيء يحيل وجوده بجوار من تبقى من عائلته في الوقت المناسب ..
الآن يشعر بكيفية اليتم .. عند مقتل والده حال جده بينه وبين ذلك الاحساس ، أما الآن من ذا الذي سيفعل ذلك !
ناهيك عن ذاك الثقل الذي أمسى على كتفه وحده ليحمله ، صحيح أنه بدأ في إدارة أعمال العائلة من بعد جده ولكن كان كل شيء في ظلاله .. اسم جده وحده قوة ..
سيرته هيبة في أي مجلس .. ولنكن صادقين قوة عبدالله وشخصيته بُنيت على أكتاف جده
ليس اسمه ما يدوي في المجالس والاجتماعات بل اسم نبراس الماجدي ..
حتى لقبه هو حفيد نبراس الماجدي..
امتلأت عينه بالدموع وكتم أنفاسه ..ثم تنهد هامسًا ..
-ها قد أُسدل الستار عليك .. نبراس !
.....
ارتدت ثيابها بحماس ككل يوم ، بعد أن مارست بعض تمريناتها الرياضية واغتسلت بالطبع ..
اليوم يوم المكتبة كما تسميه ، حددت مقابلة مع إحدى الجامعات ، أبدًا لن تتوقعوا أي جامعة إنها هارفارد !
أجل بالطبع هي نفسها غير مصدقة .. لربما تم قبولها عن طريق المصادفة ، مازالت لا تملك ثقة بنفسها ولذلك لم تخبر أي شخص بأمر الجامعة ...
في الحقيقة هذا ليس سببها الوحيد هي بالكاد تملك أحد ، حتى أصدقائها أُجبرت على مقاطعتهم والانعزال عنهم بسبب عداوة جاسر مع جاك ..
هي مُقيدة حبيسة بسبب شخصٍ لا يطمئن عليها ولو برسالة صغيرة تنهدت وهي تعقد شعرها للخلف ذيل حصان ، حملت حقيبة ظهرها الصغيرة وهبطت الدرج مسرعة ..
بمجرد أن وصلت للأسفل لاحظت أن طاولة الطعام غير مجهزة وهذا غريب في ظل عادات هذا المنزل ..
لكنها لم تشغل بالها ، فتحت الباب وخرجت لتبحث عن بارق والذي ذكرته أمس بخطتها لليوم .. لاحظت اختفاء معظم السيارات وهذا ليس بجديد حدث ذلك مُسبقًا يوم اختفاء سايتو ..لذلك فهذا غير مُبشر !
نادت بصوت مرتفع باسم برَّاق .. ولكن ظهر أمامها آخر مُتحدثًا بالإنجليزية ولكن ليس بطلاقة عبدالله أو برَّاق ..
يخبرها بأنه من سيصطحبها اليوم لأي مكان تريده ، لسفر برَّاق مع السيد عبدالله ..
صعدت إلى السيارة بدون اهتمام وسألت بعفوية ..
-أين سافر السيد عبدالله؟!
جلس الشاب خلف المقود وهو يجيب ..
-لقد توفي جد السيد عبد الله ..
شغل السيارة وكاد يتحرك ولكنها أوقفته مُستفهمة ..
-متى ذلك ؟! وأين جده هذا ؟!
أجابها بهدوء بالتفاصيل الذي يعرفها ..
ظلت ثابتة قليلًا تفكر ، ثم تنهدت أخيرًا ..
-انتظرني قليلًا ..
هبطت من السيارة ، ركضت لغرفتها وأخرجت فستانًا أسود يُمكن أن يكون جنائزيًا ..
هبطت بسرعة للسيارة وصعدت بالخلف طالبة من سائقها أن يأخذها للمكان الذي ذهب إليه عبدالله ..
بالطبع هو يحتاج لمن يواسيه ..لمن يكن بجانبه ، وستكن هي من بجانبه ..
******
تنهدت وهي تراجع الأوراق أمامها في الحديقة ، تجلس لساعات منذ عودتها من الدار ، تذهب بين الوقت والآخر تسأل آمال عن بعض التفاصيل التي تحتاجها لفهم بعض الأمور وتعود من جديد تدفن رأسها وسط الاوراق وتدون الملاحظات ..
هنالك الكثير من الأمور المبهمة في هذه الدار ، أموال غير وارد أين ذهب ..
تبرعات لم تسجل ، الأمر واضح ذاك الرجل الذي يدير الدار سارق بالطبع ، ولكن عليها أن تأتي بدليل ملموس وقاطع ..
توجهت للمطبخ تعد كوبًا من النسكافيه ، ليساعدها على التركيز ولكن هيهات بمجرد أن تركت الأوراق قفز بقوة إلى عقلها ..
كلماته الموجعة في حقها وحبه القاتل في قلبها ..
هي لا تحتمل هذا الألم بالطبع .. لا تدري في الأساس كيف أحبته ولكنه حدث في وقت هشاشتها .. أغرقها انبهارها بشخصيته في بداية تعرفها عليه ..
نفس الشخصية التي تكرهها الآن ..
تكرهها !
هذا كذب ، هي غاضبة منه جدًا ولكن مازالت تحبه .. فإن كانت لا تستطيع التحكم في قلبها ومنعه من حبه ، فستمنع مشاعرها من الظهور له ..
عقدت نيتها ألا تجعل حبها وسيلة ضعف لها .. بل بالعكس ستجعل منه وسيلة لتحسين شخصيتها لتجعل جاسر يموت ولا يصل لها .
وبالحديث عن جاسر ..سمعت صوت سيارته لا تسألوا كيف تميزها عن سيارة يحيى لأنها نفسها لا تعرف ..
نظرت ليصدق حدسها إنه هو بالفعل .. بمجرد أن هبط من السيارة استدارت بعيدًا عنه وهي ترتشف من كوبها وبالطبع في رأسها ألف سؤال ..
لِمَ عاد باكرًا أولها ..
تنهدت .. ستعلم بالطبع لآن آمال ستسأله وهي ستعرف من خلالها ، عادت بعينها تنظر ببطء خشية أن يمسك بها تراقبه ..
ولكنه كان قد وصل لباب المنزل ، يحمل بيده شيء ولكنه سرعان ما دلف به فلم تستطع تمييزه ..مطت شفتيها باستياء ثم قالت في نفسها ..
-لايهم ..
******
-اسمعيني جيدًا يا هنا .. هذا ليس مُطمئنًا بالمرة عمك يخفي شيئًا ما ..
ابتلعت ريقها بخوف ..
-أعرف ، لم أعد أشعر بالأمان في هذا المنزل ، أنا أرتعد من اليوم الذي سيعود فيه ..
أغمضت ريم عينها تفكر ..
-عليك ترك المنزل ..
ببكاء وضعف ..
-وإلى أين سأذهب يا ريم ؟!
أمسكت ريم كفها ..
-لمنزل ياسين بالطبع ، تبقين مع أمه وشقيقته .. لقد أخبرتني من قبل أنهما تحسنان معاملتك ..
تنهدت هنا بيأسٍ ..
-لا أحب أن أكون عبئًا على أحد ..
شدت ريم من قبضتها عليها ..
-أولًا ياسين زوجك .. ثانيًا كونك في منزله مع أناس تعرفيهم ونثق فيهم هو أمر جيد وإلا كان يمكنك البقاء في فندق مثلًا ..
ظهر التشتت على وجه هنا أكثر ، فسألتها ريم ..
-ماذا هناك أيضًا ؟! ..
ابتلعت هنا ريقها وأرجعت خصلة شعرها للوراء ..
-ياسين !
رفعت ريم حاجبها ..
-ماذا به ؟!
نهضت هنا من مقعده وهي تجيب ..
-أخشى أنه قد يصطدم بعمي ويتأذى .. وبالأخص وهو لا يحبه منذ البداية .
نهضت ريم هي الأخرى ووقفت أمامها ..
-للمرة الأخيرة ياسين زوجك .. دعيه يحميكي ، اسمحي له بأن يتولى القيادة قليلًا وكوني بجانبه وسانديه ..
في نفس اللحظة ارتفع رنين هاتفها بنغمته المميزة ، قالت وهي تمسك بالهاتف لتجعله صامتًا ..
-آسفة نسيت غلق الهاتف ، إنه ياسين من المفترض أننا سنخرج سويًا لشراء بعض حاجيات منزلنا ..
أمسكت ريم الهاتف من يدها بسرعة ..
-لا تغلقي الهاتف ، أجيبي عليه وأخبريه بأن يأتي ليصطحبك الآن ...اجلسا في مكان هادئ وأفرغي كل ما عندك ..
نظرت لريم والخوف يتراقص في قلبها .. والتشتت يُغرق عقلها ..ولكن عين ريم المــــــُطمئنة هدأت من روعها ..
وأخيرًا أجابت ، ولكن قبل أن تنطق بأي حرف ..
صرخ بها ياسين ..
-اجمعي كل حاجياتك من المنزل سآتي لآخذك حالًا ..
رفعت حاجبها مُستغربة ..
فسألت ..
-ماذا هناك ؟!
بغضب وخوفٍ ولهاثٍ شديد ..
-سأخبرك حينما أراكِ .
*********

قراءة ممتعة 🌸


نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:59 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.