شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   وأذاب الندى صقيع أوتاري *مميزة ومكتملة* (https://www.rewity.com/forum/t480453.html)

سعاد (أمواج أرجوانية) 13-02-21 11:46 PM

مساء الخير حبيباتي:girly[1]:
معادنا مع الفصل الثالث.. في انتظار آرائكم بعد القراءة
الفصل نازل على مشاركات إن شاء الله
***
الفصل الثالث
*وجه آخر*
***
الوجه الآخر للمرآة حقيقة أم خيال؟
والحِصن الشامخ فوق الأرض حجر أم رمال؟
السطح العاكس للمرآة صواب أم خطأ؟
لا تمنح ثقتك للحكم الأول بحثًا عن النبأ!
البُعد الآخر بالمرآة بريء أم مُدان؟
ما أقسى الغضب إن خَفَى أنيابه خلف راية طُغيان!
***
تطلع فريد إلى الرجل الجالس أمامه واضعًا ساقًا فوق الأخرى بعجرفة يُدخن التبغ باستمتاع ويرمقه بجمود أصبح سمة مميزة له في السنوات الأخيرة، بينما أخذ يُفكر بداخله في صعوبة مُهِمته الحالية..
كيف يُقنعه بأنه يهدم كل شيء بمُعاملته لابنته؟
كيف يُقنعه بأنها هذه المرة تبدو هي الثائرة كما لم تكن من قبل؟
لقد جاءت هنا منذ يومين مضى ولا تُبدي أية رغبة بالعودة؛
وبينما هو مُطالب بالرفع من شأنها وعتاب زوجها وتوبيخه وتحذيره، لا يبدو على ذلك الأخير القلق مِثقال ذرة...
_لقد عُدت صباحًا من الإسكندرية رأسًا إلى الشركة فريد بك، لا أعتقد أنك طلبت حضوري كي تُحدِّق بي فَحَسْب!
عبرت لمحة غضب عيني فريد قبل أن يهتف به بنزق شديد:
_لماذا تفعل هذا ثائر؟ لقد آمنت على ابنتي معك، لقد وثقت بك، لماذا تقسو عليها بهذا الـ..
رفع ثائر سبابته أمامه ليقاطعه ببرود وهو يهز رأسه رفضًا:
_إن كنت ستلقي علي نفس الكلمات التي تسمعني إياها كل مرة فأعتذر، ليس لديّ وقتًا لأهدره في أمر تافه كهذا.
استشاط الرجل غضبًا وهب واقفًا وهو يرمقه بغيظ هائل ثم صاح به:
_أتسمي زواجك بابنتي أمر تافه؟ أتسمي جرحها وانكسارها وألمها بسببك لسنوات أمر تافه؟!
ثم تابع مُحذِّرًا:
_اسمع ثائر! ربما يهابُك الجميع، لكنني لا أفعل، ولن أسمح لك بظلم ابنتي أكثر من ذلك.
شبَّك ثائر أصابعه أمام صدره ثم تحدث بهدوء قائلًا:
_وفِّر صراخك فريد بِك، وأخبرني! خلال السنوات التي مرت على زواجي من ابنتك كم مرة أتتك غاضبة؟ كم مرة خرجت من بيتها وجاءتك باكية شاكية؟
لم يجد فريد ردًَّا محافظًا على نظرته الساخطة، فتابع ثائر بنفس الهدوء المُغيظ مُتسائلًا:
_ هل تعتقد أنني سأقضي كل وقتي في مُصالحتها وتدليلها وإعادتها كل مرة إلى بيتها؟ أتعتقد بالفعل أنني مُتفرغًا لذلك الهراء؟
اتسعت عينا فريد عن آخرها وهو يهتف به بدهشة:
_لِمَ تتسبب في إغضابها إذن؟! حسب معلوماتي أنها لا تفعل ذلك إلا بسبب جفاءك وقسوتك معها، ومما أراه منك لا أعتقد أنها تتجنى عليك، فأنت حتى لا تُظهر احترامك لي بالرغم من اعتبارك ابني الذي لم أنجبه!
أنزل ثائر إحدى ساقيه من فوق الأخرى ووقف ليُغلِق زر سُترته الأنيقة ثم نظر إلى والد زوجته بلا اكتراث قائلًا:
_هذا ما أنا عليه فريد بِك، وأخبر ابنتك أنني لا أنوي تغيرًا! أخبرها أيضًا أن من مصلحتها ألا تثير غضبي، فأنا حتى الآن أتعامل معها بصبر لن يظل من صفاتي إلى الأبد، وفي حال وجدتما الأمر غير مناسبًا سأجدد اقتراحي..
صمت متعمدًا، وبتهكم أردف:
_إن أردتما إنهاء هذا الزواج أنا لا أمانع على الإطلاق، فستخرج ابنتك من القصر مُعززة مُكرمة كما ولجت إليه ولكما كل ما تريدان، لكن سأحتفظ أنا بابنتي.
ولما بان الرفض الصريح على وجه الرجل أضاف ثائر:
_وهذا الأمر لا علاقة له بشراكتنا، سيظل الوضع كما هو عليه.
ولم يهتم فريد برغبة صهره الواضحة بطمأنته، ولا بتلميحه المبطن بأنه يفهم سر تمسكه باستمرار هذه الزيجة التي لا يريدها أي من طرفيها، ومن بين أسنانه عَلَّق متحديًا، مُهددًا:
_عندئذٍ انس أمر ابنتك تمامًا، فأنت تعلم أن الحضانة من حق الأم، أليس كذلك؟! لن يحكم لك قاض بابنتك، ولا تعتقد أنك ستراها وقتما شئت، هذا في حال أردت تعريض سُمعة عائلتينا إلى الخوض بهكذا فضائح!
والإجابة كانت شبه ابتسامة ساخرة حلَّت للحظة على شفتي ثائر ثم اندثرت على الفور وهو يُتابع:
_ أرجو إعلام ابنتك أنني لن أنتظر أكثر من عشرة دقائق حتى تأتي معي، وإن تكررت فعلتها لن تدخل قصر آل الجوهري مرة ثانية!
ثم التفت مُتجهًا إلى باب غرفة المكتب خارجًا منها بمشيته المُتبخترة، وعند الباب توقف هاتفًا بصرامة:
_سأنتظر بالسيارة!
وعندما خرج حدَّق فريد في إثره بِحنق واضح مُتسائلًا أين ذلك الشاب الذي طالما احترمه ووضعه في منزلة الأب؟ هل جفاؤه مع ابنته امتد إليه هو؟ وماذا يفعل الآن؟ هل يُرسِلها معه أم يحفظ لها المُتبقي من كرامتها ويرفض؟!
...
وبعد عشرة دقائق أدار مُحرك سيارته مُستعدًا للانصراف لتفتح هي باب السيارة الجانبي قائلة بصوت مكتوم:
_مرحبًا ثائر!
وردُّه عليها لم يتعد الابتسامة الساخرة!
أشاحت بوجهها بعيدًا تداري دمعات قهر وألم وهي تُحاول استنتاج ما سيحدث عند انفراده بها!
**********
تابعته فيروز بعينيها بتدقيق وهو يُعطي تعليماته إلى أحد العاملين قبل أن يتجه إليها بابتسامة مُهذبة، جلس أمامها مُتهَرِّبًَا بالنظر إليها بطريقة ملحوظة فسألته برقة:
_ماذا بك تميم؟ لماذا أنت على هذه الحالة من التوتر؟
حمحم بارتباك وهو يجتذب ابتسامة أدركت تمامًا أنها مُفتعلة ثم غيَّر مجرى الحوار قائلًا:
_لا شيء فيروز، أنا بخير، كيف حال والدتك؟
ابتسمت ببشاشة ثم تظاهرت بالعبوس وهي ترد بضيق مفتعل:
_ترسل تحياتها إليك وتُخبرك بأنها غاضبة منك لأنك لم تعد تسأل عنها أو تزورها.
بان الأسف على وجهه قبل أن يمط شفتيه قائلًا:
_يا إلهي! لا أستطيع إغضابها بالطبع، سأمر عليها الليلة وسأصالحها، متى ستنهين عملك؟
ردَّت بسرعة بلهجة مُعتذرة:
_ربما سأتأخر، سألتقي ببعض صديقاتي بعد العمل.
أومأ برأسه بشرود وقد بدا أنه بالفعل لم يهتم بسماع ردَّها، بينما اختلس النظر إلى هاتفه الموضوع على المكتب الصغير أمامه، لم يفُتها شروده ولا قلقُه ولا توتُره الفاضح فتابعت متسائلة باهتمام:
_أخبرني تميم، ماذا بك؟
رفع رأسه إليها بِحدة مجيبًا بخشونة حاول بها مُداراة بعضًا من توتره:
_ماذا بي فيروز؟ أنا بخير تمامًا، مُنشغِل قليلًا في البحث عن محل آخر كي أفتتحه كما تعلمين.
ونظرتها إليه أخبرته بصمت بأنه كاذب؛
وبأنها تعلم بأنه كاذب؛
وبأنه رغم مرور سنوات عُمره الست وثلاثون لن يستطيع اصطناع اللامبالاة معها أكثر من ذلك؛
بينما في المقابل هي تصغُره بتسعة سنوات كاملين لكنها على قدر من الذكاء الأنثوي الذي يمنحها مزية كشف سبب حالته بسهولة؛
فهي تعلم بالطبع..
لكنها اختارت التظاهر بالجهل!
زفرت باستسلام ثم وقفت بابتسامتها الجميلة قائلة:
_كما تحب تميم، لكن تذكر دومًا أنني سأظل إلى جوارك، سأساعدك كيفما تريد، وإن شعرت أنك ترغب بالتحدث فأنا مُستعدة متى شئت.
وبابتسامة ضعيفة مبتورة شَكَرها وهي تتجه إلى الخارج..
ليمسك هاتفه بلهفة تحولت فورًا إلى خيبة أمل؛
وانطلقت الأسئلة داخل عقله..
لِمَ لا يحاول حب فيروز؟ فهي خطيبته بالفعل!
لِمَ يتجه قلبه الملعون إلى الأخرى بكل غباء؟
لِمَ ينتفض هذا القلب بمجرد رسم ملامحها داخل عقلُه؟
فيروز حنونة..
وهي أيضًا حنونة لكنها تَعَمَّدَت القسوة معه!
فيروز جميلة..
وهي أيضًا جميلة، بل لا أجمل منها مُطلقًا!
فيروز ذكية..
لكنها غبية تمسكت بقوة ظاهرية ووضعت نفسها في مأزق!
لماذا إذن لا يتخلص من تأثيرها ويهتم بفيروز مثلًا؟
هذا القلب الذي يتمتع بإهانته ألن يتعلم التخلص منها يومًا؟!
هذا العقل الغبي الذي يتغافل عن فِعلتها ألن يتعلم نسيانها مُطلقًا؟!
**********
خرجت مع أمها من غرفة الطبيبة والأخيرة لا تتوقف عن البكاء فسألتها سُهيلة بنزق:
_لماذا تبكين الآن يا أمي؟
ردَّت أمها من بين شهقاتها الباكية:
_من فرط سعادتي يا ابنتي، لقد كدت أموت ذعرًا وأنا أتخيل حملك بطفل من ذلك النذل، حمدًا لله، سأهاتف أبيك وأبشره!
هبطت سُهيلة الدرجات تتبع أمها وهي شاردة تمامًا..
بشارة من أجل عدم الإنجاب؟!
لقد فاق ذعرها ذعر أمها حتى ظهرت نتيجة اختبار الحمل بالسلب لتزفر بارتياح شاكرة ربها؛
فبالرغم من أنها لطالما تمنت حصولها على طفل فور زواجها..
تمنت طفلًا يمنحها سعادة تاقت للحصول عليها بشدة، تخيلت طِفلًا صغيرًا يحمل ملامحها هي وطِباع باهر..
بشاشتها وابتسامته؛
لون عينيها وحنان عينيه؛
صفاتها الشكلية وحمائيته ورجولته و....
فإنها تحمد الله الآن أنه لم يوجد مُطلقًا!
هي ليست قاسية؛
ليست جاحدة أو جامدة؛
لكنها أرادت طفلا من باهر المهتم الحنون؛
أما ذلك الكاذب المُخادع العنيف لم ترد طفله يومًا!
وقد احتاطت لذلك بكل الطرق
لكن..
الآن هي قد تأكدت أنها حوكِمت بالوحدة إلى الأبد؛
ألن يكون لها يومًا طفلا يؤنسها؟
لماذا تتسلل الحيرة الآن إليها؟
ولماذا تشعر فجأة بتعادل شعورها بين الراحة والخيبة بعد نتيجة اختبارها السلبية؟!
هل تتمنى حقًا لو أن الطبيبة أخبرتها أنها تحمل طِفلًا بأحشائها بدلًا من نقصًا حادًا في كرات دمائها الحمراء؟!
هل جُنَّت تمامًا؟!
أم أن تلك الضربة التي تلقتها على هيئة عقاب عادل لانتقامها بزواجها منه ستورثها اضطرابًا وضياعًا لا تتحمله الآن؟!
ستدفنها وحيدة بعُمق السقطة!
**********

سعاد (أمواج أرجوانية) 13-02-21 11:48 PM

تابع الفصل الثالث
***
دخل رمزي إلى غُرفته يركل كل ما تطاله قدماه بهياج واضح ليندفع أبوه من الباب تتبعه أمه صارخة باسمه بلهفة، التفت إلى والديه وصدره يرتفع وينخفض في تتابع سريع فهتف به أبوه متسائلًا بذهول:
_ماذا بك رمزي؟ ما الذي حدث؟
ليصيح بكل الغضب الذي كبته مُضطرًا منذ الصباح:
_لقد قام ذلك الحقير بخصم يومًا من راتبي، بالإضافة إلى إهانتي أمام زملائي.
اقترب أبوه منه وهو يسأله بقلق شديد من حالته:
_من.. من فعل ذلك بك بني؟ وما السبب؟
هنا انفجر رمزي بحقد اعتقد والداه أنه قد نبذه منذ سنوات؛
والآن يبدو خطأ ذلك الاعتقاد واضحًا..
هذا الغضب؛
هذا الهياج؛
هذه الكراهية؛
لم يرهم على وجه ابنهم الهاديء دائمًا إلا في أيام غابرة لطالما سأل الله أن تذهب بلا عودة..
_من سيكون أبي؟ ثائر بك الجوهري، الذي يأمر فيُطاع، الذي يسحق كل من يُزعِجه، الذي تعامل معي اليوم وكأنني حشرة.. حشرة غير مرئية يدعسها بقدمه دون أن يشعر بها.
وبكل القهر صرخ مُردفًا:
_كل هذا من أجل دردشة عابرة مع زملائي.
صمت يلهث بسرعة ثم اقترب من أبيه مُتسائلًا بحسرة:
_أخبرني أبي! أيحق له أن يتحكم بنا جميعًا بهذا الجبروت؟ أيحق له أن يفعل ما يريد ويأخذ ما يريد دونما اعتبار للآخرين؟
ارتفعت شهقات أمه الباكية وهي لا تفهم سبب ثورة ابنها غير المُبررة، لكنها أدركت أنه يعاني بِشدة، بينما سارع أبوه مقترحًا:
_اترك العمل رمزي، اتركه وستجد غيره، نستطيع تأجيل الزواج شهرًا آخر، يُسْر لن تمانع و....
ارتسم العناد الأعمى على وجه رمزي وهو يهز رأسه رفضًا هاتفًا بقوة:
_لا أبي! لن أترك العمل، سأظل أعمل بتلك الشركة إلى أن أقدم استقالتي برغبتي أنا وليس بسبب ظلمه هو، وزواجي بيُسْر سيتم في موعده، لن أدع ذلك الحقير يُفسِد لي حياتي.
ثم أردف بهمس حاقد:
_مرة أخرى!
**********
لحِقته إلى داخل قصر والديه بخزي واضح لتطالع طفلتها جالسة أرضًا بصحبة ألعابها يُشاركها زيدان تركيب بعض قطع المُكعبات باهتمام، وعندما انتبه إلى وصولهما وقف متجهًا إليهما بملامحه البشوشة مُرَحبًا:
_حمدًا لله على سلامتك رِهام، عساها أن تكون المرة الأخيرة.
والرد جاء من ثائر قبل أن تفتح هي فمها قائلًا ببروده المعهود مُختلِطًا بنبرة تحذيرية لم يُخطِئها أي منهما:
_إنها الأخيرة بالفعل زيدان.
طأطأت رأسها بِحَرَج فتابع هو بلهجة آمرة مُوجِهًا كلامه إلى أخيه بينما يتجه إلى الدرجات :
_ ستُسافِر إلى الإسكندرية بالغد لتتابع المُجمع السكني هناك.
رمق زيدان ظهره بدهشة ثم تساءل بلا فهم:
_أي مُجمع سكني؟
فاستدار ثائر إليه مبتسمًا بسُخرية ثم عاد إليه بخطوات متلكأة، واثقة وهو يقول:
_عفوًا! اعذرني لقد نسيت بالفعل، أنت لم تحضر ذلك الاجتماع الخاص به لذلك أنت لا تفقه عما أتحدث بالأصل، أليس كذلك؟!
أدرك زيدان ما يرمي إليه فعقد حاجبيه وهو يصيح به متسائلًا بحنق:
_هل تُعاقبني يا ثائر؟ هل تراني طفلًا؟
وكما صاح هو بالمثل بادله الآخر الصياح؛
ولم يتأثر أو يتردد وهو يشدد على كل كلمة يوجهها إليه:
_نعم أراك طفلًا، بل الطفل يتصرف بطريقة أفضل منك، الطفل لا يُهدر وقته وعمره فيما لا يفيد، وأنت بدلًا من الاهتمام بالعمل لنحافظ معًا عليه ممن ينتظر غفلة واحدة كي يستغل حالتك تقضي جل وقتك بالتسكع في ذلك المقهى اللعين و....
وعند هذا الحد لم يتحمل الاستماع، ولم يكن ليسمح له بالتدخل فيما يخصه فقاطعه هادِرًا:
_كفى ثائر! كفى! لا أسمح لك بالتدخل في حياتي وخصوصياتي، لا أسمح لك بإهانتي أكثر من ذلك، أنا لست عبدًا لك، لن تتحكم بي أنا أيضًا!
حدَّق ثائر به بتهكم وما لبث أن هتف بقسوة:
_عن أي تحكُّم تتحدث يا رجل؟! تلك الشركة لا تخُصني وحدي، أنت مُشارِك لي بها، ولا أجد سببًا واحدًا يجعلني أحمل كل العمل على عاتقي بينما أنت هارب إلى عالم آخر تمامًا.
والضغط فاق الاحتمال؛
والجفاء أصاب الأصغر بالقهر؛
بينما الأكبر يطيح بكل ما تطاله يداه ولسانه دونما اعتبار لأي شخصٍ كان.. أو أي جرحٍ كان!
ليرد زيدان من بين شفتيه غاضبًا مُتعمدًا استفزازه:
_أتعرف ماذا تحتاج حقًا يا ثائر؟ أنت تحتاج إلى ابن كي يرِث شرِكتك الغالية، لِذا حتى تُنجب ذلك الابن أعتذر منك إن كنت لا أُحبِّذ القيام بدوره.
واقترب منه زيدان مُحدِّقًا به بنفس القسوة مُشددًا بتحدي مُتابِعًا:
_أنا شقيقك يا ثائر، لستُ ابنك، وأنت لا تملُك حق تسيير حياتي، ولا أنتظر رأيك في كيفية إدارة شؤوني.
ليبتسم ثائر ابتسامته الصفراء وهو يومىء برأسه، مُخاطِبًا إياه بنفس التحدي:
_وبالرغم من ذلك ستُسافر إلى الإسكندرية زيدان، ربما أنت شقيقي بالفعل، لكنك لا تود إثارة أعصابي أكثر، ولن تُجازِف بوضعك في موقف حرِج أمام موظفي الشركة.
واتسعت ابتسامته المُقيتة أكثر وهو يُردِف بهدوء:
_تعلم أنني أفعلها، أليس كذلك؟!
حدِّق به زيدان بامتعاض وهو يومىء برأسه إيجابًا قائلًا بتهكم:
_أعلم أنك تفعل أي شيء من أجل تحقيق ما تسعى إليه ثائر، أعلم أنك لا ترى أبعد من نفسك وطموحاتك، أعلم أنك ليس لديك غالِ ولا نفيس، وأعلم أنك يومًا ما ستستيقظ لتكتشف أنك أهدرت عمرك بلا جدوى، وجعلت كل من حولك يكرهونك عَبَثًا، حينئذٍ سيكون الندم هو حليفك الوحيد!
ولو كان زيدان يتحدث إلى جدار صخري لظهر عليه بعض التأثر، لكنه متأكد أن شقيقه يتغلَّب على الصخور بأنواعها بقسوته وصلادته، لِذا لم ينتظر منه ردًا وهو يتجه إلى الخارج قبل أن يتفاقم شجارهما أكثر ويستيقظ والداه فلا يتدخلان لِفَضه ثم يستكملان لَومه فيما بعد، هاربًا للحصول على بعض الحنان الذي لا يجده إلا بذات المقهي.
...
_هل ستظلين واقفة بالأسفل سيدة رِهام؟
هتف بها بتهكُّم بعدما صعد بعض الدرجات، فنظرت له بنفس الامتعاض الذي رماه به شقيقه للتو ثم ردَّت بحقد لم يُوَجه يومًا إلا إليه:
_أنت فخور بالفعل بإبعاد الجميع عنك، أليس كذلك؟
رمقها مليًا، ثم هبط إليها ثانية متظاهرًا بالأسف، وعندما توقف أمامها سخر منها قائلًا:
_هل كشفتني؟ بالفعل أنا أسعى إلى ذلك، خاصة إن كانو بنفس دلالك.
نظرت له بألم ثم سألته:
_أليس لديك قلب ثائر؟ ألا تشفق على من حولك من تجبُرك؟
وكانت الإجابة من بين شِفتيه بتصميم واضح، ورفض صارخ:
_إن أنا أسلمت قيادتي لقلبي ستكون نهايتي كجرذ حقير لا يستحق سوى الشفقة والتحسُّر، هل أبدو لك من ذلك النوع؟
ظهر التوسُل في عينيها وهي تناشد جانبًا لا تتأكد من وجوده به حاليًا، لكنها..
لكنها رأته ذات يوم؛
تمتعت به ذات يوم؛
غرقت به ذات يوم؛
كان حقها المضمون ذات يوم!
_لقد.. لقد أحببتني ذات يوم بالفعل، أليس كذلك؟!
وبدا لها أن ذاك "اليوم" قد صار حُلمًا مستحيل المنال؛
بل حقًا عافته نفسها _بنفسها_ منذ سنوات!
_لقد كنت تلقي عليّ كلمات الحب دومًا يا ثائر.
عقد حاجبيه بدهشة مُفتعلة وهو يسألها مُستنكرًا:
_أتقترحين عليّ أن أعبر عن حب لكِ لا يوجد في الأصل رِهام؟!
وانحدرت دمعاتها المُتحسرة وهي تُعلِّق بخفوت:
_أتساءل فقط يا ثائر، أتساءل لو أنك تشعر برجفة في قلبك لا تستطيع التحكم بها، باشتياق ضاري لاإرادي إلى وصال روح أخرى، بما يشعر به شخص عادي من حنين وحاجة إلى آخر بعينه!
انقلبت ملامحه من السُخرية إلى الإرهاب بلحظة، ثم ما لبث أن زم شفتيه مُتظاهرًا بالتفكير وهو يهز رأسه قائلًا:
_ربما لديكِ وِجهة نظر تُحترم.
حدَّق بعينيها السوداوتين البريئتين بمنتهى البرود وهو يُتابع:
_ما رأيك إذن إن بحثت عن تلك المشاعر التي تتحدثين عنها؟
ثم أردف ببطء مُشددًا:
_لكن بالطبع ليس معِك أنتِ.
وبابتسامة مُتشفية توقف قليلًا ثم استكمل موضحًا:
_أقصد أن أبحث عن أخرى على النقيض تمامًا منكِ، لا تمتلك هذا الضعف الذي يثير اشمئزازي، ولا تنوح طوال الوقت فتصرع رأسي، ولا تدور حولي متوسلة رحمة لا أملكها تجاهها.
وبهمس كريه استطرد محدقًا بشعرها الأسود وبعينيها المثيلتين:
_ربما سأختارها أيضًا شقراء متغنجة، بعينين ملونتين ضاحكتين، حتى نبرة صوتها ستكون مُدللة!
ومال برأسه مُقترِبًا منها مُتسائلًا بسُخرية:
_تُرى هل يتحمل كِبرياؤك شيء مثل هذا؟ هل تتحمل كرامتك _التي أشك بوجودها_ حضور أخرى؟
وأردف بشماتة:
_تعلمين أنه من حقي.. من حقي الزواج بأخرى!
والكراهية صرخت بها عيناها فعاد الامتعاض إليه مُرددًا بخفوت لم يخل من الحزم:
_أرجو أن تعلمي أن هذه ستكون نهاية هذا الحوار المُعتادة إن تفوهتِ بهذا الهراء مرة أخرى، أنا لا أفكر بتلك التفاهة رِهام، لقد تُبت عن أمور الحب والقلوب ولم تَعُد باهتماماتي والفضل لكِ كما تعلمين، ولهذا أشكرك..
بتر عبارته يرمقها بامتعاض لم تر هي الحسرة التي تخللته، والتي كانت موجهة إلى نفسه:
_أشكرك لأنكِ جعلتني أشك وأرتاب بالجميع بلا استثناء، وهكذا لن يستطيع أحدهم النيل مني مُطلقًا!
ومنحها ابتسامة فائضة بالسخرية وهو يستطرد:
_لِذا إن كنتِ لازلت على رفضك للعرض الذي قدمته لكِ مرارًا فالأفضل أن تعتادي هذا الوضع كي لا تتعبي.
وحرب النظرات بينهما دارت ولم يقطعها إلا حضور سيلا وهي تتمسك بطرف سُترة أبيها قائلة:
_لقد اشتقتُ إليك أبي.
ودون أن ينظُر إليها سألها بجفاء:
_لماذا أحضرتِ ألعابك خارج غرفتك؟
وأردف بنبرة آمرة:
_هيا اجمعيهم فورًا!
وقبل أن تتحرك الطفلة صعد بسرعة إلى جناحه وابنته تتابعه بنظراتها العابسة؛
وزوجته تتابعه بنظراتها المُتوعدة!
**********
فتح مصطفى الباب ليندفع كمال إلى الداخل تتبعه يُسْر وملامح القلق ينضح بها وجهاهما ، ثم هتف شقيقه بسرعة متسائلًا:
_ماذا حدث مصطفى؟ ماذا به رمزي؟
زاد الألم على ملامح مُصطفى وهو يُجيبه:
_لا أعلم كمال، لقد عاد من الشركة غاضبًا وأخذ يصرخ ويحطم كل ما بطريقه.
تدخلت يُسْر بصوتها الهادىء مُتسائلة:
_أين هو الآن عمي؟
نظر إليها برجاء وهو يشير بإحدى يديه إلى أحد الاتجاهات:
_يجلس بغرفة الاستقبال، لقد اقنعته أُلفت بصعوبة ألا يجلس بمفرده، تحدثي معه يُسْر وحاولي تهدئته أرجوكِ.
أومأت يُسْر برأسها إيجابًا وهي تتجه إلى الغُرفة التي أشار إليها عمها.
وبالداخل:
دلفت لتجد أُلفت تجلس بجانب وحيدها تُربِّت عليه بينما يبدو على وجهه نظرة مُقلِقة؛
نظرة ذكَّرتها برمزي ابن عمها الذي رأته هائجًا لمرة واحدة من قبل.. من قبل سنوات!
منذ ستة سنوات:
"ماذا يحدث عمي؟"
هتفت يُسْر بهذا السؤال بخوف وهي تستمع إلى أصوات الشجار الصادرة من غرفة رمزي..
صياح متبادل؛
صراخ متبادل؛
وتحطيم!
وانهياره يصلها من خلف الباب المُغلق كاملًا.
_ماذا به رمزي يا عمي؟
ودمعات عمها كانت هي الإجابة الوحيدة تُشاركها ولولة زوجته المُرتعبة خلفها، وفجأة انفتح الباب ليرتدوا جميعًا إلى الخلف والصياح يصدر من هذا الذي يخرج أمامهم والغضب يعلو وجهه متوعدًا وهو يصيح بابن عمها المختفي بداخل غرفته:
_أقسم يا رمزي إن اضطرني الأمر سأسجنك بغرفتك ولن تخرج منها حتى تعود إلى رشدك!
وقرن قوله بالفعل وهو يجذب مقعدًا ثم يجلس أمام باب الغرفة في لفتة واضحة إلى عدم التحرك من مكانه!
وبينما استأنفت ألفت بكاءها، حدَّقت يُسْر به بذهول مُتسائلة:
_ماذا تفعل تميم؟ وماذا به رمزي؟ هل كنت تتشاجر معه؟! ولماذا توصد باب غرفته؟
هتف تميم بِغِل شديد مُجيبًا إياها وهو يطرق على باب الغرفة بغضب:
_الأستاذ الذي ظننته عاقلًا سيُجلب إلينا المصائب والفضائح بتهوره، لم يعد لديه ذرة تفكير واحدة.
وقبل أن تستفسر أكثر أتتهما طرقات عنيفة من خلف الباب مُقترنة بصياح رمزي:
_افتح الباب تميم، أنت لست وصيًا عليّ، افتحه قبل أن أكسره.
فصاح به تميم على الفور بصرامة:
_اكسره لأكسر رأسك يا مُدلل! اكسره وسأعيد تربيتك منذ البداية رمزي، ولتكن متأكدًا أنني لن أتزحزح من مكاني حتى تُدرك مقدار المصيبة التي كنت على وشك القيام بها، وإن لم تقبع عندك ساكنًا سأحضر الأحبال وأقيدك بالفراش حتى تستسلم!
ظلت يُسْر ذاهلة، صامتة تمامًا بينما اقترب مصطفى من تميم مُتوسلا:
_افتح له الباب تميم، هو لم يعد صغيرًا، افتحه وسأتحدث معه.
هتف تميم به بغيظ شديد وهو يرمقه بِلَوم واضح:
_بالفعل هو ليس صغيرًا يا مصطفى، لكنه مُراهقًا أبلهًا متهورًا، وأنت بتدليلك أفسدته وستُفسده أكثر، والليلة لو لم أكن أتبعه لكنا جميعًا نتنزه بالأقسام الآن بحثًا عن وحيدك الغالي.
اقتربت يُسْر من تميم تتوسله هي هذه المرة:
_تميم، أرجوك افتح له الباب وأنا سأتحدث معه.
نظر لها تميم شزرًا ثم زفر مستسلمًا ليقف ويفتح الباب لها صائحًا:
_لكن إن ظل على هذا الجنون سأنفذ تهديدي.
أغمضت يُسْر عينيها بيأس وهي تتجاوزه إلى الداخل بينما اتخذ تميم جانبًا وهو يسد مدخل الباب بذراعه، لتجد رمزي جالسًا على فراشه؛
مطرقًا رأسه أرضًا؛
حزينًا كما لم تره يومًا؛
تنساب الدمعات من عينيه تِباعًا؛
حتى رفع رأسه إليها بنظرة أخافتها والظلام يسبح بعينيه هاتفًا:
_اتركيني وحدي يُسْر، لا أريد أن أرى أحدًا.
_أنا أريد الاطمئنان عليك.. ماذا حدث رمزي؟
والسؤال المتوتر القلِق انطلق منها ليصرخ هو بها بأقصى غضبه:
_لا شأن لكِ بي! أخرجي ودعيني وحدي!
أجفلت وتراجعت بنفس البطء إلى الخلف،
فبالرغم من أن التراجع لم يكن مُطلقًا من شِيمها؛
إلا أنها أمام دموعه لم تقو على التفوه بحرف!
لم تستطع استيعاب أن ذلك الكيان الضعيف المقهور الغاضب هو لابن عمها رمزي؛
الهادىء دائمًا؛
الضاحك دائمًا؛
المُسالِم دائمًا!
لِذا وبكل هدوء التفتت وولت هاربة تاركة تميم يتابع درسًا تعنيفيًا من الدرجة الأولى!
لكن الهرب الآن لم يكن من ضمن مخططاتها..
فقد وقفت بمنتهى البرود تنتظر انتهاء غضبه..
ربما أرعبها هذا الغضب فيما مضى
لكنه الآن لا يثير بها سوى.. الامتعاض والشفقة!
وما إن رأتها زوجة عمها حتى انقلبت ملامحها من الألم على حال ابنها إلى غيظ لم يُدهِشها بينما هبَّت واقفة مُتجهة إليها:
_رمزي ليس بحالة تسمح له بمُقابلتك يُسْر، اذهبي الآن!
وقلة ذوق المرأة لم تكن أمرًا جديدًا بالنسبة لها، لِذا وبكل هدوء وإصرار ردَّت:
_لكنني أريد التحدث مع رمزي يا خالتي، لو سمحتِ!
_أنا أيضًا أريد التحدث معِك يُسْر!
والعبارة التي أطلقها رمزي الشارد تمامًا جعلت أمه تجُز على أسنانها بغيظ بينما لم تهتم يُسْر بها وهي تتجه إلى الأريكة الواسعة وتجلس عليها بمُقابلته تمامًا..
تحدق به ويبادلها التحديق؛
تنتظر حديثه كما ينتظر؛
لكنها_كما العادة_ كانت الأكثر شجاعة فافتتحت الحوار بهدوء مستفهمة:
_ما سبب هذه الثورة يا رمزي؟
ليرُد عليها بنفس الهدوء المُغاير تمامًا لما يشعر به تلك اللحظة:
_لقد خصم صاحب الشركة يومًا من راتبي.
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شِفتيها وهي تسأله رغم معرِفتها بنفي الإجابة:
_أتريد أن تخبرني أن حالتك هذه سببها خصم يوم فقط؟
لم ترفرف أهدابه كما لم تفعل هي فعقَّب مُدققًا النظر بها:
_سأبيع سيارتي كي أدبر مصاريف الأثاث.
هزت كتفيها بلامبالاة ثم قالت:
_لا أهتم بالأثاث رمزي، إن شئت نستطيع الزواج بأقل الأشياء.
والغيظ احتل عينيه وهو يهتف بها بصوت أكثر حِدة:
_أعلم أنكِ لا تهتمي يُسْر.
وكأنها وصلت إلى هدفها بإخراجه من الجمود المُناقض لحالته الحقيقية، فصمتت وتركته يُتابع بغيظ:
_أعلم أنكِ لا تهتمي بالأثاث، ولا بالزواج، ولا حتى بخطيبك!
كتفت ذراعيها وهي تسأله بنبرة هادئة تُخفي السُخرية، لكنها لم تخفي الثقة:
_وهل يهتم خطيبي؟!
ارتسمت الدهشة بعينيه وهو يُحدِّق بها فتابعت:
_أخبرني رمزي: هل تهتم أنت حقًا؟
والتوتر بدأ يكتنفه وهو يتهرَّب بعينيه منها فأردفت بصوت استفزه وفرة البرود به:
_أعلم أنني ألقي السؤال مُتأخرًا كثيرًا، لكن: لِمَ أنا بالتحديد رمزي؟ أنت لم تحبني يومًا _على عكس قولك الدائم لي وصمتي وتحملي لاعترافك الكاذب، والمُهين_ وأنا لم أفعل بالطبع وأنت تعلم هذا، دائمًا ما اعتبرتك شقيقي بالضبط كما تفعل أنت، لِذا سنتخطى هذا الجزء والادعاء لأنني أحسبك شجاعًا.
وعادت النظرات بينهما؛
كلا منهما كان يعلم أن هذه اللحظة قادمة؛
كلا منهما كان يُدرك أن الحوار الذي طال تأجيله حتمًا سيتم؛
وكلا منهما كان يتهرَّب من هذا اليوم!
لكنها هي.. على الأخص، ستقوم بكل ما عليها حتى وإن تَمثل في سقطة تسديد هي الأجدر بها!
ولا مهرب لهما الآن..
إنه وقت الحقيقة.. فقط!
وبمنتهى الصراحة_التي قد تصل إلى حد الوقاحة_ أجابها:
_لأنني أردت الزواج من فتاة أثق بأنها لن تخذلني مُطلقًا، ولن تتخلى عني إلى الأبد، أعلم تربيتها والأخلاق التي جُبِلَت عليها، وأنتِ ابنة عمي التي أدرك تمامًا مدى احترامها لذاتها ولأهلها، وأوقن أنها ستصونني وتحافظ على بيتي، سُهيلة الأكبر والأحق بالتفكير أعلم ذلك، لكنها دائمًا كانت من المُحرَّمات!
لتبتسم هي بهدوء أعاد إليه غضبه مرة واحدة..
هل كان يطمع يومًا إلى التأثير بها؟!
هل اعتقد أبدًا أنه يقدر على تلك المُعجزة؟!
إحالة هدوءها إلى غضب؛
لامبالاتها إلى اهتمام؛
برودها إلى دفء؛
الآن لن ينكر أكثر أنه_بكل استحقاق_ قد فَشَل!
فشل في الهرب عن طريقها.. من فشل آخر!
وكأنما أفكاره ارتسمت واضحة على وجهه فابتسمت هي بانتصار!
ثم وقفت بكل هدوئها قائلة:
_كل ما سأطلبه منك أن تتوقف عن ترديد كلمات حب كاذبة على مسامعي، لأنني في الواقع لا آبه بها، بل أشعر بالإهانة عندما تفعل إن كنت تفهم ما أعني.
شحب وجهه ثم تهرب بنظراته منها، لكنها تابعت بلا اكتراث:
_ لا تهتم بذلك الخصم رمزي، ولا تبِع سيارتك أيضًا، إن أردت الزواج في غضون أيام أنا ليس لديّ ما يمنعني.
وعندما أصبحت أمام الباب حدَّق هو بظهرها لتتوقف فجأة ثم تُردِف:
_لن أسألك عن سبب غضبك الحقيقي فهو لا يخصني، لكن إن سمحت لا تحاول إهانة ذكاءي ثانية!
وعندما خرجت يرتسم التصميم على ملامحها قابلها عمها فانتحى بها جانبًا مُتسائلًا:
_ماذا حدث يُسْر؟
ابتسمت يُسْر برقة وهي تُجيبه:
_ اطمئن عمي، هو بخير.
ازدرد مصطفى لعابه ثم سألها متوجسًا:
_وبالنسبة للزفاف، هل.. هل ستقومان بتأجيله؟
حدَّقت يُسْر في عمها بتدقيق...؛
لطالما كان كالأب بالنسبة إليها..
حنونًا رائعًا مهتمًا..
عندما لم يُرزق سوى برمزي اعتبرها هي وسُهيلة بناته ودللهما طوال الوقت..
لكن الأمر يجب أن يكن أخذ وعطاء بالتبادل، أليس كذلك؟!
سألها بتوسُل أثار ألمها:
_أنتِ لن تتخلي عن رمزي، أليس كذلك؟!
زمت شفتيها وهي تكبح حُزنها ثم هزَّت رأسها نفيًا قائلة:
_لا تقلق عمي، الزفاف سيتم قبل موعده إن أردتم، ولقد أبلغت رمزي بذلك، سأذهب إلى المحل الآن وليبقى أبي معكم، أستأذنك.
وبدون أي إضافة انطلقت إلى الباب ليشعر هو بالندم الذي سُرعان ما نبذه وهو يفكر في شيء واحد:
"رمزي يجب أن يتزوج من يُسْر، وبأسرع وقت!"
**********

سعاد (أمواج أرجوانية) 13-02-21 11:49 PM

تابع الفصل الثالث
***
"كنت أعلم أنني سأجدك هنا."
رَفَع زيدان رأسه فجأة ليُطالِعها بشبه ابتسامة هي كل ما استطاع الحصول عليه الآن، ثم سألها بلا اكتراث:
_هل تأتين إلى هنا أيضًا؟
تطلعت رَغَد حولها بفضول ثم عادت بنظراتها إليه قائلة:
_لا! إنها المرة الأولى، باسل هو من أعطاني العنوان بعدما علِم بالشجار بينك وبين ثائر وأخبرني أنك ستهرب فورًا إلى هنا.
لم يرد عليها وهو يُشيح برأسه إلى المنظر الطبيعي بالخارج فزفرت هي بضيق ثم سألته برقة:
_إلى متى زيدان؟ إلى متى ستبقى على حالتك هذه؟
نطق عابسًا مُحذرًا:
_إن كنتِ ستقومين بتوبيخي مثل باسل من أجل ثائر توقفي أرجوكِ، لأنني هذه اللحظة أتحمل نفسي بصعوبة.
هزت رأسها نفيًا وهي تبتسم بحنانها قائلة:
_لا زيدان، أنا لست هنا من أجل التحدث بشأن ثائر، هو شقيقك وربما يومًا ما تكتشف خطأ حُكمك عليه وحدك.
سكتت للحظات فنظر إليها بترقب لتتابع هي بنفس هدوئها المُحبب:
_لكنني أريد أن أتحدث بشأنك أنت، أنا غير راضية عن هذا الضياع الذي تستسلم له مُرَحِّبًَا، أريد أن أرى زيدان الجوهري الذي تعرفت عليه للمرة الأولى عندما تزوج ثائر برِهام، أريد منك أن تخلع عنك ثوب الهم والتيه وتعود مرِحًا مُقبِلًا على الحياة كما كنت، من أجل نفسك أولًا زيدان.
ابتسم بسُخرية وهو يعود بأنظاره إلى الخارج مرة أخرى مُرددًا بخفوت:
_ذلك الـــ "زيدان" قد رحل منذ سنوات يا رَغَد، رحل ولن يعود، رحل ولا ينتظر سوى النهاية التي ستمنحه بعض الراحة.
ازدردت لُعابها بألم وهي تُطالعه بحسرة..
مهما حاول التظاهر بأنه لا يحمل همًَّا تعلم هي أنه يهتم..؛
مهما حاول التظاهر بأنه تخطى أزمته تراه هي لايزال غارقًا بها..؛
مهما حاول ارتداء ثوب النسيان تنبثق نيران عذابه من عينيه حارقة..؛
لطالما حاولت مساعدته هي وباسل كي يستعيد نفسه من ذلك اليوم المشئوم ولم تستطع..
بكل عَزْمها وعَزْم صديقه لم تستطع..
حتى شقيقه بكل نفوذه وقوته ومحاولاته الحثيثة لم يستطع؛
فزيدان قد هرِب من الجميع ساقطًا بِهوة سحيقة تحمل ذكرى مُظلِمة ولا ينوي منها عودة إلى الأبد.
_هل أخبركِ البِك أنه قام بنفيي إلى الإسكندرية عقابًا لي على عدم حضوري ذلك الاجتماع؟
وتهرَّبت من تلميحه بذكاء وهي تهتف بِمرح مُفتعل:
_ليت كل النفي يكون إلى هناك! ما رأيك أن أطلب من ثائر استبدالك بي؟ هو لا يرفض لي طلبًا.
نظر لها بغيظ هاتفًا:
_يا حمقاء أتعتقدين أنني سأتجول على الشاطىء؟ بالطبع ثائر سيعمل بكل جهده كي يتأكد أنني سأقضي ساعات مُرهِقة لِيُرضي ساديته.
ضحكت برقة شديدة ثم علَّقت باعتراض:
_لا أعلم لماذا تحاول تصويره بذلك التوحُش، فهو لا يتعامل معي إلا بتهذيب واحترام ويعتمد عليّ في الكثير من الأمور، ربما أنت من تستفزه بالأصل فيصُب جام غضبه عليك.
أنهت كلماتها ثم أخرجت لها لسانه في حركة طفولية فابتسم رغمًا عنه وهو يُغيظها بدوره:
_لا أعتقد أن هذا رأي رِهام، فأختك أصبحت تترك القصر مرتين شهريًا هَرَبًا من نفس الوَحش الذي تدافعين عنه أنتِ بكل استماتة.
شردت رَغَد بحزن في حال شقيقتها التي أصبح زواجها على صفيح ساخن، ثم عَلَّقت بقلق:
_لا أعلم زيدان نهاية وضعهما، لقد تفاقم الأمر تمامًا بطريقة مُنذِرة وهي لا تُخبرني حقيقة ما يحدث بينهما.
نظرت إليه بتساؤل لم تطلقه، فهز رأسه نفيًا وهو يقول بسخرية:
_لا تحاوِلي رَغَد، أنا آخر انسان يمكن أن يذيع ثائر بأسراره إليه، هذا إن افترضنا أن هناك ما قد يشغل باله خارج دائرة عمله اللامتناهية.
وسكت للحظات ثم أردف بألم:
_ما يُحزنني حقًا هو سيلا، لا أحد يهتم بها على الإطلاق سوى أمي وأبي، لكن الطفلة تحتاج إلى والديها معًا، ويبدو أن كلا منهما لديه ما يُشغله حتى نسيا وجودها في الأساس.
ارتسم الحرج على وجه رَغَد وهي تقول:
_صدقني زيدان، رِهام ليست بهذا الإهمال، لكن.. ربما مشكلاتها مع ثائر ما جعلتها تبتعد عن سيلا رغمًا عنها، لكنني أثق أنهما إذا استعادا أيام صفائهما وسعادتهما سيستطيعان سويًا اجتياز هذه المرحلة المقيتة بسرعة.
مط شفتيه بضيق ثم قال على الفور:
_حتى إن كانت رهام لا تطيق زوجها، ما ذنب طفلتها التي أشك أنها تشعر بوجودها حولها؟!
ازداد الحرج على ملامحها لينتابه الندم سريعًا، فحمحم مبتسمًا وحدَّق بها مليًا ثم قال بلا تفكير:
_أتعلمين أنكِ أكثر حنانًا على سيلا من أمها؟!
نظرت له بدهشة فتابع تلقائيًا:
_ويومًا ما ستكونين أمًا رائعة!
عمَّ الصمت بينهما ووجنتاها تتوردان، وما لبث أن انتبه هو إلى ذلك فأراد تغيير مجرى الحديث مُتسائلًا بغيظ:
_وأين هو ذلك الذي وشى بِسِر مكاني المفضل، لِمَ لم يأتِ كي يشمت بي؟
زفرت براحة ثم ابتسمت قائلة بمرح:
_ يبدو أن عودة أخيك من السفر اليوم قد أنهكته أكثر مما أنهكتك، لقد أشعل ثائر الشركة طوال اليوم، فأعطاني باسل العنوان وأمرني ألا أهاتفه مرة أخرى لأنه سينام لِساعات.
همَّ بالتعليق حينما اتسعت عيناه بدهشة فجأة وهو يُحدِّق بفتاة تقف بالقرب من الطاولة المُجاوِرة، نظرت رَغَد أيضًا إليها ثم عادت ببصرها إليه مُتسائلة:
_ماذا بِك زيدان؟
وقبل أن يرد لاحظت الفتاة نظراته إليها فاتجهت إليه مُحدِّقة به بتركيز ثم هتفت:
_مُهندس زيدان أليس كذلك؟!
ازدرد لُعابه وهو ينظر إليها فابتسمت له بهدوء، ثم أومأت برأسها إلى رَغَد بتحية صامتة وعادت إليه بعينيها مرة أخرى قائلة:
_لا أعلم هل تتذكرني أم لا أنا...
قاطعها بخفوت مُبتسمًا بتوتر:
_أنتِ صديقة شيرين، آنسة...
وعندما عقد حاجبيه دهشة مُحاولًا التذكر ساعدته هي بابتسامتها البشوشة ونبرتها المُهذبة:
_فيروز!
**********
"سأتحدث معه زيدان لا تنفث عن غضبك منه بي أنا!"
أنهى باسل المكالمة مع ذلك الناقم ثم خرج من غرفة مكتبه متجها إلى المكتب الرئيسي، طرق الباب بهدوء ثم دفعه إلى الداخل وأغلقه.
توقف يرمقه في مقعده الفخم يُعطي كامل تركيزه إلى الحاسب النقال أمامه فحمحم كي يلفت انتباهه، لكن الآخر لم يحرك عينيه عن شاشة حاسبه وهو يسأله بهدوء:
_ماذا هناك باسل؟
تقدَّم باسل ليجلس على المقعد المواجه لمكتبه ثم زفر بحنق متسائلًا:
_لماذا فعلت ذلك؟ كان من المفترض أن أسافر أنا لأتابع المجمع السكني، لِمَ أرسلت زيدان بدلًا مني؟
وبلا أي انفعال رد ثائر دون أن يحيد بعينيه عن شاشة الحاسب:
_أعتقد أن توزيع تلك المهام بالشركة من اختصاصاتي أنا، أم هل تراك نسيت؟
حدَّق باسل به بعينين متسعتين مُغتاظتين ثم عدل من وضع نظاراته بتلقائية، وقال باعتراض:
_أعلم ذلك جيدًا ثائر، لكنك بطريقتك هذه تزيد من عُمق الهُوة بينكما، لقد حدثني عمي محمد أيضا وأخبرني أنك تشاجرت مع بالأمس حتى تجبره على السفر!
نظر له ثائر أخيرًا بملامحه الجامدة، وعينيه العسليتين، وفمه المزموم دلالة التفكير، ثم ما لبث أن تساءل بسخرية مُبطنة:
_هل تتحدث معي الآن كونك باسل صديقه أم زميله بالعمل؟
وعندما همَّ باسل بالرد أردف ثائر بنظرة تحذيرية:
_لأنه يجب عليك الفصل بين العلاقتين تماما إن كنت تهتم به حقا.
جزَّ باسل على أسنانه كابتًا حنقه، ثم قال بهدوء:
_يا ثائر استمع إليّ! زيدان لن يتغير بهذه الطريقة، قسوتك لن تعيده كما كان، مُعاملتك الصارمة له لن تُغير من الوضع شيئًا.
وما كان منه إلا أن مط شفتيه ببرود مُعقِّبًا:
_لقد جربتم أنتم كل الطرق الهادئة اللطيفة الودودة أليس كذلك؟! وأنا أرى أنها لم تنجح معه على ما يبدو، إذن لا يوجد سوى الأمر، فلن أظل ساكنا بمكاني حتى يقوم زيدان بإضاعة نفسه ثم إضاعة الشركة التي أفنى والدنا عمره بها بسبب تشوش عقله وتيهه الذي طال كثيرا، وواجبك يا باسل أن تتوقف عن الدفاع عن صاحبك برغم علمك بأنه على بُعد خطوة واحدة من الجنون.
هتف باسل مُسرِعًا:
_أنا لا أدافع عنه، أنا أتحدث بشأنك أنت، لا يعجبني حالك، أنت تدفع الجميع بعيدا عنك بمنتهى البرود واللامبالاة، تتمتع برؤية النفور بأعين المحيطين بك، تُزيد في جفائك بكل فخر، لكن ذلك التصنع لم يقنعني أنا يومًا.
ابتسم ثائر نصف ابتسامة وهو يهز كتفيه بلامبالاة مُعَلِّقَا:
_هي مشكلتك إذن باسل، ولا تعنيني أنا بشيء!
شدد باسل النظر إليه بتحدي لم يهتم له الآخر، وبعد لحظات صامته أشار إليه ثائر بإحدى كفيه بعجرفة:
_والآن إن لم يكن هناك ما يهم بالفعل تستطيع الانصراف.
عضَّ باسل على شفته بغيظ مكتوم ثم انتفض واقفًا والحنق يرتسم على وجهه وهو يُعمِل عقله في هذا الوضع الخانق..
لقد أصبح ثائر خارجا عن السيطرة؛
لقد صار مكروهًا ويبدو أنه يستمتع بذلك؛
وهو قد احتار حقا..
زيدان على حق؛
ثائر أيضا على حق؛
والاثنان مخطئان!
والاثنان يثيران غيظه وحنقه..
ألا يتركهما لصراعهما الذي لا ينتهي ويفر من هذا المكان؟!
زفر بغيظ وهو يتجه إلى الباب منصرفا فأوقفته عبارة ثائر الحازمة:
_أخبِر السكرتيرة أن مهندس آلات التصوير سيحضر الآن، فلتدخله على الفور، ولا تسمح لأي شخص بمقاطعتنا!
جزَّ على أسنانه مرة أخرى وهو يخرج صافعا الباب بقوة بينما لم يبد على الآخر الاهتمام أيضًا!
**********
ملابس متناثرة بكل مكان؛
أغراض مبعثرة بعشوائية؛
جاثية على ركبتيها أرضا تبكي وهي تعبث بيديها في أحد الصناديق؛
ثم ما لبِثت أن ألقته بيأس متأوهة بقهر وحسرة وألم، استندت رِهام بظهرها إلى الخزانة الضخمة ثم خبأت وجهها بين كفيها وهي تجهش ببكاء مرير..
لقد اشتاقت؛
بشدة اشتاقت؛
هذا الشوق يكاد يقتلها؛
قلبها يتحطم؛
كيانها يصرخ بها مطالبا بالخلاص؛
الخلاص من هذا المكان الذي قُيدت به منذ سنوات؛
جحيم مستعر والاسم زوجها؛
عذاب متصل في هيئة والد طفلة لم ترغب بها يومًا!
والآن لا تجد الشيء الوحيد الذي يمنحها الصبر أثناء نوبات انتكاسها..
أين ذهبت؟
لقد كانت هنا!
لقد كانت تطالعها بالأمس فقط..
لقد كانت تطيب جروحها بها بالأمس فقط..
هل حُرمت منها أيضا؟
من الشيء الوحيد الملموس والمتبقي من سعادتها المهدورة؟
وفُتِح الباب فجأة لينطلق الجسد الضئيل إليها هاتفًا:
_أمي أريد أن....
وبدون أن ترفع وجهها صاحت بها:
_اخرجي من هنا واذهبي إلى جدتك!
رمقتها الطفلة الصغيرة بخوف وهي تتمنى قُربًا لم تشعر به يومًا مثل كل أقرانها؛
فالأم الجميلة غرقت في بحور أحزانها وتناست أن لديها طفلة صغيرة تحتاج لأحضانها؛
والأب الصارم على الدوام تراه صدفة كل عدة أيام فلا يمنحها حتى ابتسامة زائفة؛
الجد والجدة والعم والخالة هم ما كانوا دائمًا عوَضَا لها؛
لكن..
هل يُعَوَض المرء عن والديه بأي شخص مهما بلغ حنانه واهتمامه؟!
تقهقرت سيلا إلى الخلف بخيبة أمل ثم انطلقت إلى جدتها باكية.
أما الأم...
فقد عادت إلى بحثها بلهفة وذعر وهي تطرد خاطر فقدانها إياها بعيدًا؛
لكن كل الدلائل تشير إلى العكس!
وبعد نوبة انهيار دامت لدقائق رَفَعَت رأسها فجأة والعزم يرتسم على ملامحها..
لن تنتظر تدخلا لن يتم من أبيها؛
لن تنتظر رحمة من كائن فقدها على يديها منذ سنوات؛
لن تنتظر راحة لن تحصل عليها بهذا المكان؛
يجب عليها الجري خلف مُرادِها بنفسها!
وها هي فعلا النهاية..
ونهاية عذابها ستكتبها بيديها وحدها..
ولن تسمح لأحدهم بدعسها مرة أخرى!
**********
بمجرد أن أتمت يُسْر لف وشاحها اقتحمت أختها الغرفة هاتفة بتحذير:
_أنت لن تفعلي ذلك، صحيح؟!
نظرت لها بدهشة وهي تسألها:
_أفعل ماذا؟
رمقتها سُهيلة وهي تؤكد بلهجة معترضة:
_لن تتزوجي برمزي يا يُسْر.
ارتخت ملامح يُسْر وهي تعود إلى تحديقها بالمرآة قائلة:
_ولِمَ لا أتزوجه؟! هو خطيبي بالفعل ألا تعلمين ذلك؟!
زفرت سُهيلة بضيق ثم صاحت بها:
_أنتِ لا تحبينه يُسْر، أنتِ لا تشعرين تجاهه سوى بالأخوة، كيف ستصبحين زوجته؟
التفتت لها يُسْر قائلة بتهكم شابته حسرة صريحة:
_لقد جربتِ أنتِ الحب ذات مرة، هل تسبب في إسعادك يا سُهيلة؟
والألم الذي ارتسم على وجه شقيقتها جعلها تلعن غبائها؛
وبرودها..
فاقتربت منها وأخذت تُربِّت على شعرها ثم قبَّلت جبهتها قائلة بنبرة مُعتذرة:
_آسفة سُهيلة، أعذريني لم أقصد إزعاجك.
ابتعدت سُهيلة إلى الخلف مُبتسِمة بحنان فتابعت يُسْر بيأس وهي تجلس على حافة الفراش:
_كلما اقترب موعد الزفاف يشتد النزاع بداخلي، التمزق يعذبني سُهيلة، وأعلم أنني في النهاية سأكون زوجة رمزي، وبالرغم من ترديدي هذا على عقلي طوال الوقت، إلا أنني لا أستطيع استساغة الأمر مُطلقا!
اجتاحت الشفقة عيني سُهيلة وهي تنظر لأختها
الأصغر سِنًا والأكبر عقلًا!
لم ترها يومًا على هذه الحالة من الألم واليأس والرفض..
لم يُجبرها أحد على أي شيء أبدًا
لكنهم الآن يفعلون؛
وتُظهر هي_للمرة الأولى_ استسلامها!
اتجهت إليها وجلست إلى جوارها ثم تساءلت بهدوء:
_ألم تشعري يوما تجاهه بأية مشاعر؟
شردت يُسْر بنظرة غريبة فأوضحت سُهيلة:
_أعني، هل الأمر دوما كان أخوة فقط؟
وبعد لحظات صمت ثم زفيرًا مُتعَبًا تحدثت يُسْر بنفس الشرود:
_يومًا ما سُهيلة، يومًا ما حاولت إقناع نفسي بقوة بأنني مُعجبة به، حاولت إرغام نفسي على حبه، لكن لم يطل الأمر حتى اكتشفت أنني كنت سأخطيء بحق نفسي، وأنني لن أفعل على الإطلاق مهما طال بي الزمن معه.
ثم ابتسمت بسُخرية مُتابعة:
_بالرغم من غرابة الأمر فإنني أحمد ربي أنني لم أعتنق أفكارك الحالمة!
ومحت ابتسامتها وهي تزفر مرة أخرى بتعب قائلة:
_لو كنت مثلك سُهيلة لربما هربت من كل شيء قبل أن أصبح زوجة لرجل لا أحبه.
وأردفت بخفوت:
_رجل حتى لا أكرهه!
أمسكت سُهيلة بكتفيها وهي تهتف بها بحزم:
_لايزال هناك وقت يُسْر، بإمكانك التراجع، لا شيء يجبرك على تلك الحياة التعيسة، حتى القبول لا يوجد بينكما، لماذا تفعلين بنفسك ذلك؟! ما الذي يُجبِرك؟!
ارتسمت الحسرة بعيني يُسْر وهي ترد هامسة:
_الواجب يُجبرني سُهيلة، الواجب أهم من القبول!
هبَّت سُهيلة واقفة وهي تصيح بها بحنق:
_عن أي واجب تتحدثين يا يُسْر؟، أنتِ لستِ مدينة بشيء لأي شخص، رمزي يتصرف بأنانية، وعمي أيضًا يتصرف بأنانية، لا يُعقل أن تقضي حياتك كلها مع رجل لا تتقبلينه كزوج تسديدًا لِدَين لستِ مُلزمة به أصلا!
انتفضت يُسْر صارخة للمرة الأولى بحياتها وهي تكتم دمعاتها بقوة:
_مُلزمة سُهيلة، أنا مُلزمة كليا، لا أستطيع تخييب أمل عمي بعد ما فعله معنا منذ سنوات، لولاه لكنا حُرِمنا من أبينا، لكنه لم يتردد لحظة واحدة، والآن تتوقعين مني أن أتقاعس عن المطلب الوحيد الذي يتمنى أن أنفذه له؟
هزَّت سُهيلة رأسها رفضًا وهي ترمُق أختها برِفق قائلة:
_ليس من حقه يا يُسْر أن يبتزك عاطفيا لذلك السبب، لقد ساعد شقيقه، شقيقه يا يُسْر قبل أن يكون أبينا، لِذا لا علاقة لكِ بالأمر، ليس من العدل أن تدفعي أنتِ الثمن!
تهرَّبت يُسْر من عيني شقيقتها هامسة باستسلام مُستجد عليها:
_سأتعايش سُهيلة، سأتعايش كما تفعل الكثيرات غيري!
وابتعدت للخلف لتنصرف إلى المحل وهي تؤكد على نفسها صحة قرارها.
**********
"أتعتقدين يا يُسْر أن الرجل بإمكانه أن يظل مخلصًا لحبيبته مهما حدث ومهما طال الزمن؟"
ألقت فيروز السؤال بِشرود وهي تستعيد صدفة الأمس، والتي تكمن غرابتها بمكان حدوثها..
فكأن الزمن قد عاد إلى الخلف أربعة أعوام كاملة..
نفس المقهى؛
نفس الطاولة؛
مع لمسة ضائعة!
نظرت لها يُسْر بتوتر وهَمَّت بالتحدث لإزاحة هذا الثقل عن كاهليها، لكن فيروز تابعت بحماس:
_بالأمس قابلت زيدان الجوهري، هل تتصورين أنني قابلته في نفس المكان الذي قابل به خطيبته للمرة الأولى؟!
زفرت يُسْر باستسلام ثم سألتها بِلا اكتراث وهي تُجرِّب أحد الأقلام قبل أن تُعطيه للطالبة التي تنتظر شراءه فأخذته وانصرفت:
_ومن هو زيدان الجوهري ذلك؟
حدَّقت فيروز بها بدهشة ثم هتفت بها باستهجان:
_هل أثَّر عملك بالقسم الأدبي بالجريدة على معلوماتك العامة يا فتاة؟!
وعندما ظل عدم الفهم مُسيطرًا على ملامح يُسْر تابعت فيروز بغيظ:
_ زيدان الجوهري الذي يمتلك أسهمًا في شركة الجوهري للمقاولات.
نظرت لها يُسْر بانتباه ثم هتفت بعض لحظات:
_إنها الشركة التي يعمل بها رمزي!
أومأت فيروز برأسها إيجابًا ثم عقَّبَت:
_نعم هي، لكن زيدان كان خاطبا لشيرين صديقتي، أتتذكرينها؟
رَفَعَت يُسْر رأسها والإشفاق يعلو ملامحها مُستوضِحة:
_أتعنين تلك الفتاة التي توفيت منذ سنوات في حادث سيارة؟!
**********
خرج رمزي من عمله والعبوس على وجهه منذ الأمس لا يبرح ملامحه..
يُحاول أن يتغاضى عن ألمه وغضبه بالتفكير في شيء آخر..
شيء أكثر سعادة، وأكثر إشراقا؛
شيء مثل زفافه المرتقب!
الألم يصرخ بقلبه فيتجاهله؛
الذنب يقرع بعقله فيصم أذنيه عنه؛
والسؤال يدور حوله في هيئة شبح شارد!
"كيف ستكون حياتك مع يُسْر؟"
وسؤال آخر في هيئة شبح شارد آخر!
"ألا تستحي زواجك منها بسيف الحياء؟!"
وسؤال أهم في هيئة شبح أهم، لم يشرد عنه يومًا وتتشكل ملامحه ببراءة مناقضة لكينونته!
عينانان سوداوتان؛
شعر أسود بخصلات ناعمة؛
ابتسامة رقيقة حالمة؛
لينتفض الشبح متسائلا:
"كيف ستعيش مع واحدة وقلبك لايزال مِلكًا لأخرى؟!"
"وكيف ستكون حياتك وأنت لا تتوقف عن استعادة ذكريات غرامك مع الأخرى؟!"
أغمض عينيه يكبح صراخا يدوي بقلبه وعقله معه، ثم فتحهما ليتسمَّر مكانه والطرق ينهال على عقله؛
فأمامه..
على بُعد خطوات من مقر عمله..؛
تقف برقتها المعهودة وأنوثتها المميزة..؛
الأولى والأخيرة؛
الوحيدة وبقلبه الدائمة؛
هي نفسها.. الأخرى!
لينساب صوتها داخل أذنيه كزقزقة عصافير الصباح مُرَحِّبَة:
_مرحبًا رمزي!
وبكل الشوق العارم بقلبه؛
وبكل الحب الذي أتم سنوات؛
وبكل الحنين الذي تغذى على روحه؛
رد بتولُّه:
_مرحبًا رِهام!
*****نهاية الفصل الثالث*****

سعاد (أمواج أرجوانية) 13-02-21 11:51 PM

في انتظار تعليقاتكم وآرائكم حبيباتي:girly[1]::girly[1]:

هدى سلطان 14-02-21 02:05 AM

شوقتنا للقادم يا غالية

rahasff 14-02-21 07:08 AM

مبدعه وروايتك مره جميله استمري💛💛

ملك جاسم 14-02-21 08:33 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

Abeer el 15-02-21 12:28 AM

سلمت يداكي علي الفصل 👍
منذ بداية قرائتي للرواية وانا احاول وضع تصور ثابت لكل شخصية ولكن يأتي الفصل التالي فتتقلب افكاري مرة اخري الي النقيض 🤔ففي البداية كرهت شخصية يُسر الخائنة لصديقتها ولخطيبها وتعاطفت مع رمزي ولكن هذا الفصل اوضح لي جانب آخر من الشخصيتين ((_مُلزمة سُهيلة، أنا مُلزمة كليا، لا أستطيع تخييب أمل عمي بعد ما فعله معنا منذ سنوات، لولاه لكنا حُرِمنا من أبينا، لكنه لم يتردد لحظة واحدة، والآن تتوقعين مني أن أتقاعس عن المطلب الوحيد الذي يتمنى أن أنفذه له؟ ))
يُسر المضحية لأجل عائلتها ورمزي الاناني!!!!!😮
ثائر ورِهام 🙂كنت اعتقد بإن ثائر مجرد زوج جلف بارد المشاعر و انه يهين زوجته ويبخل عليها بمشاعره ولكنننن مرة اخري اصُدم من سير الاحداث علي غير المتوقع واتضح ان شخصية ثائر الباردة ما هي الا نتاج تصرفات رهام السابقة معه التي جعلته يصبح بهذا الشكل---> ""أنا لا أفكر بتلك التفاهة رِهام، لقد تُبت عن أمور الحب والقلوب ولم تَعُد باهتماماتي والفضل لكِ كما تعلمين، ولهذا أشكرك..
بتر عبارته يرمقها بامتعاض لم تر هي الحسرة التي تخللته، والتي كانت موجهة إلى نفسه:
_أشكرك لأنكِ جعلتني أشك وأرتاب بالجميع بلا استثناء، وهكذا لن يستطيع أحدهم النيل مني مُطلقًا!!!! يا تري ما الذي حدث في الماضي لكي يحدث مثل هذا التحول للشخصيتين وما علاقة رمزي برهام؟؟؟؟🤔
الصغيرة سيلا الوحيدة من تعاني بسبب هذا الزواج الفاشل واهمال الاب والام لها حقا لا يستحقا وجودها في حياتهم😢
تميم بالنسبة لي غامض لا افهم سبب علاقته بيسر ولم يرتبط بفيروز وهو لا يحبها وهل هو قريب لعائلة يسر لدرجة ان يكون حاضرا لايقاف رمزي من التهور؟؟؟
سهيلة وباهر هل قرارها بالزواج منه كان مجرد اعجاب وانبهار به وبالسفر وقرار متسرع منها بدون تفكير ام كان هروب من حب أخر وما هي قصة أن سهيلة من المحرمات كما قال رمزي؟؟😲
رغد وزيدان وباسل وفيروز هم من تقبلتهم من البداية ولكن يا تُري هل سيستمر اعجابي بهم ام سيجد جديد وانقلب عليهم ايضا😅

سعاد (أمواج أرجوانية) 15-02-21 02:42 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هدى سلطان (المشاركة 15355033)
شوقتنا للقادم يا غالية

يا رب يكون عند حسن ظنك حبيبتي ❤️❤️

سعاد (أمواج أرجوانية) 15-02-21 02:43 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة rahasff (المشاركة 15355318)
مبدعه وروايتك مره جميله استمري💛💛

تسلميلي حبيبتي ❤️
يا رب تعجبك للآخر 😍😍😍

سعاد (أمواج أرجوانية) 15-02-21 02:49 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة abeer el (المشاركة 15356993)
سلمت يداكي علي الفصل 👍
منذ بداية قرائتي للرواية وانا احاول وضع تصور ثابت لكل شخصية ولكن يأتي الفصل التالي فتتقلب افكاري مرة اخري الي النقيض 🤔ففي البداية كرهت شخصية يُسر الخائنة لصديقتها ولخطيبها وتعاطفت مع رمزي ولكن هذا الفصل اوضح لي جانب آخر من الشخصيتين ((_مُلزمة سُهيلة، أنا مُلزمة كليا، لا أستطيع تخييب أمل عمي بعد ما فعله معنا منذ سنوات، لولاه لكنا حُرِمنا من أبينا، لكنه لم يتردد لحظة واحدة، والآن تتوقعين مني أن أتقاعس عن المطلب الوحيد الذي يتمنى أن أنفذه له؟ ))
يُسر المضحية لأجل عائلتها ورمزي الاناني!!!!!😮
ثائر ورِهام 🙂كنت اعتقد بإن ثائر مجرد زوج جلف بارد المشاعر و انه يهين زوجته ويبخل عليها بمشاعره ولكنننن مرة اخري اصُدم من سير الاحداث علي غير المتوقع واتضح ان شخصية ثائر الباردة ما هي الا نتاج تصرفات رهام السابقة معه التي جعلته يصبح بهذا الشكل---> ""أنا لا أفكر بتلك التفاهة رِهام، لقد تُبت عن أمور الحب والقلوب ولم تَعُد باهتماماتي والفضل لكِ كما تعلمين، ولهذا أشكرك..
بتر عبارته يرمقها بامتعاض لم تر هي الحسرة التي تخللته، والتي كانت موجهة إلى نفسه:
_أشكرك لأنكِ جعلتني أشك وأرتاب بالجميع بلا استثناء، وهكذا لن يستطيع أحدهم النيل مني مُطلقًا!!!! يا تري ما الذي حدث في الماضي لكي يحدث مثل هذا التحول للشخصيتين وما علاقة رمزي برهام؟؟؟؟🤔
الصغيرة سيلا الوحيدة من تعاني بسبب هذا الزواج الفاشل واهمال الاب والام لها حقا لا يستحقا وجودها في حياتهم😢
تميم بالنسبة لي غامض لا افهم سبب علاقته بيسر ولم يرتبط بفيروز وهو لا يحبها وهل هو قريب لعائلة يسر لدرجة ان يكون حاضرا لايقاف رمزي من التهور؟؟؟
سهيلة وباهر هل قرارها بالزواج منه كان مجرد اعجاب وانبهار به وبالسفر وقرار متسرع منها بدون تفكير ام كان هروب من حب أخر وما هي قصة أن سهيلة من المحرمات كما قال رمزي؟؟😲
رغد وزيدان وباسل وفيروز هم من تقبلتهم من البداية ولكن يا تُري هل سيستمر اعجابي بهم ام سيجد جديد وانقلب عليهم ايضا😅

سعيدة جدا بتعليقك حقيقي❤️❤️❤️
ومبسوطة إن الأمور بدأت تتضح أكتر
الفصل الجاي بإذن الله هانكتشف قصة رهام وثائر ورمزي
وهانعرف حقيقة وضع تميم وفيروز
وكمان جزء مهم من قصة سهيلة هايبان
تسلم إيدك حبيبتي على المتابعة والتعليق😍😍
أتمنى الفصل الجاي يعجبك وهانتظر رأيك بإذن الله ❤️❤️❤️

سعاد (أمواج أرجوانية) 15-02-21 05:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملك جاسم (المشاركة 15356289)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

سعاد (أمواج أرجوانية) 15-02-21 09:34 PM

اقتباس من الفصل الرابع :elk:
***
_لقد عرضت عليكِ الخلاص كثيرًا فرفضتِ، أتُحبين أن أُعيد ذلك العرض ثانية؟
رَفَع أحد حاجبيه وهو يُشدد على كل كلمة ببطءه المثير للأعصاب:
_حسنًا رِهام هانم! أنا على استعداد أن أطلقك في الحال وسأعطيكِ كافة حقوقك وأكثر، سأعطيكِ كل ما تطلبينه، بشرط أن تتنازلي عن حضانة ابنتي.
زفرت وهي تضحك بسُخرِية قائلة:
_ما هذا الحنان الأبوي ثائر؟! لا يليق بك على الإطلاق!
ويبدو أنها تمادت قليلًا حيث انمحت ملامحه الهادئة لتحُل الأخرى
المُرعبة.. المُرهِبة؛
والتي أثبتت لها يومًا مدى استحقاقه لاسمه؛
فإن كان يعتمِر قُبَّعة البرود.. تعلم هي أنها تخفي تحتها غضبًا حارِقًا..
وإن كان يرفع لوحة "لا أبالي" .. تعلم هي أن الثورة بداخله.. جارِفة!
***

في انتظار آرائكم:29-1-rewity:

غدا يوم اخر 18-02-21 01:00 AM

الان رهام تحب ثائر بس فجائة عرفنا انها تحب واحد ثاني وكانت تبي تتزوجة

سعاد (أمواج أرجوانية) 18-02-21 09:50 PM

اقتباس جديد من الفصل الرابع:eh_s(7):
_عسى أن تظل مجروحة مثلما فعلت بي لسنوات، عسى أن تسبح في بحور المرارة التي أغرقتني بها، عسى أن يصرخ قلبها مثلما بح صوت قلبي نداءًا لها.
زفرت يُسْر بألم وهي ترمُقه بتمعن، ثم طأطأت رأسها أرضًا بحيرة؛
إن كان لها أن تحكم بينهما ستنتابها الحيرة..
لِهذا هي لا تقتنع بأمور الحب مُطلقًا؛
لِهذا هي مُرتاحة بتعقلها؛
لِهذا هي ستتقرب من رمزي!
لا تريد مثل ذلك العذاب الذي يتغذى على سُهيلة..
لا تريد مثل هذه الحسرة التي تنبع من تميم!
تريد حياة هادئة يسيرة لا تشوبها المشاكل..
لا منحنيات ولا منحدرات!
إن كان عليها الاختيار بين الأنهار والبحار؛
بالطبع ستسقط في نهر هادىء..
وستهرب كل الهرب من البحار.. الثائرة!

Abeer el 19-02-21 12:43 AM

"عسى أن تظل مجروحة مثلما فعلت بي لسنوات، عسى أن تسبح في بحور المرارة التي أغرقتني بها، عسى أن يصرخ قلبها مثلما بح صوت قلبي نداءًا لها."
تميم وسهيلة😲😲

إن كان عليها الاختيار بين الأنهار والبحار؛
بالطبع ستسقط في نهر هادىء..
وستهرب كل الهرب من البحار.. الثائرة!
!! دائما ما تجذبني علامة التعجب التي تأتي بنهاية جملة للتفكير اكثر في معناها هل يا تُري ستسقط يسر في البحار الثثثثثائرة😉🤔

سعاد (أمواج أرجوانية) 20-02-21 12:42 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غدا يوم اخر (المشاركة 15363384)
الان رهام تحب ثائر بس فجائة عرفنا انها تحب واحد ثاني وكانت تبي تتزوجة

للأسف دي حقيقة😒😒

سعاد (أمواج أرجوانية) 20-02-21 12:43 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة abeer el (المشاركة 15365188)
"عسى أن تظل مجروحة مثلما فعلت بي لسنوات، عسى أن تسبح في بحور المرارة التي أغرقتني بها، عسى أن يصرخ قلبها مثلما بح صوت قلبي نداءًا لها."
تميم وسهيلة😲😲

إن كان عليها الاختيار بين الأنهار والبحار؛
بالطبع ستسقط في نهر هادىء..
وستهرب كل الهرب من البحار.. الثائرة!
!! دائما ما تجذبني علامة التعجب التي تأتي بنهاية جملة للتفكير اكثر في معناها هل يا تُري ستسقط يسر في البحار الثثثثثائرة😉🤔

يسر هاتسقط جدا🙊😂😂

سعاد (أمواج أرجوانية) 20-02-21 03:33 PM

مساء الخير حبيباتي
ماتنسوش معادنا الليلة الساعة 11 إن شاء الله مع الفصل الرابع
وبعده علطول هانشر الفصل الخامس هدية:girly[1]:
وده اقتباس صغير:

...لقد حاولت، حاولت كثيرًا ولكنني لم أستطع، كنت أردد على نفسي وعليكِ أنني أحبك طوال الوقت كي أشعر بذلك بالفعل، لكنني لم أستطع.
وبالرغم من أن هذه المعلومة ليست جديدة عليها مُطلَقًا إلا أنها شعرت بإحباط..
هي خير من يعلم أنه لم يُحِبها يومًا؛
خير من يعلم أنه أثناء ترديده اعترافًا بالحب عليها ربما لم يكن يقصِدها.. هي!

في انتظار آرائكن وتفاعلكن بإذن الله:31-1-rewity:

سعاد (أمواج أرجوانية) 20-02-21 11:40 PM

مساء الخير حبيباتي
معادنا مع الفصل الرابع دلوقتي، والفصل الخامس هاينزل هدية بعده علطول إن شاء الله
في انتظار تفاعلكم وآرائكم
كل فصل هاينزل على 4 مشاركات
:eh_s(7)::eh_s(7):

سعاد (أمواج أرجوانية) 20-02-21 11:41 PM

الفصل الرابع
*ما وراء الحَكَايا..!*
كان ياما كان.. في سالف الأوان
فازت رغبة طمع .. والمَيْل للرئاسة
والروح لآخر تهفو.. فَوقَعَت بالتعاسة
وها هي البريئة.. تُساق إلى النخاسة
والشهم حان دوره.. وتَصدى للحراسة
خانعة أو وفية.. للاستضعاف ضحية
كالركن الثابت صارت.. تتعذب بالكِياسة
وفتاة بالحقد ضَلَّت.. ولِوهم كاذب وَلَّت
ومحاولة تلو أخرى.. فَتظفُر الانتكاسة
ولأجل القربى تدفع.. وبكل قوة تقنع
تتغاضى عن خيانة.. ولا تنقُصها الفِراسة
***

عيناه في عينيها تغرق..
وقلبه كما قلبها يرقص طربًا؛
نفسه تهفو إليها بلهفة..
ونفسها تشتاق إليه بتحسُّر؛
اقتربت منه برقتها المعهودة وعينيها السوداوتين اللامعتين قائلة باشتياق:
_كيف حالك رمزي؟
لم يستطع الحصول على رد مُناسِب سوى النَهل من ملامحها التي اشتاق إليها..
بالرغم من عدم مُفارقتها إياه؛
فصورتها لا تبرح حافِظته، لا يستطيع نومًا إلا بعد الشبع من ملامحها.
_ألن ترد عليّ حتى؟
أغمض عينيه يبغي ارتواءًا من صوتها الذي حُرِم منه منذ ستة سنوات..
حتى عندما رآها داخل مصعد الشركة منذ بضعة أيام تهرَّب مُسرِعًا قبل أن تتهرَّب هي منه!
_أعلم أنك غاضب مني.
"مُتزوِجة!"
فتح عينيه يؤكد لها صحة تخمينها، والغضب ينضح من ملامحه..
_آسفة رمزي.
"لديها طفلة!"
_أتعذَّب رمزي.
"زوجة ذلك القميء الذي يعمل هو تحت إمرته"!
_ماذا تريدين مني رِهام؟
والصيحة التي أطلقها جعلتها ترتد إلى الخلف على الفور وبلحظة اجتاحه الندم..
إلا هي!
إلا رِهام!
لا يستطيع إخافتها؛
لا يستطيع رؤية حُزنها..
حتى بعدما غدَرَت به وبحبهما منذ أعوام كي تتزوج ذلك الثري الذي يُكافِئها ماديًا واجتماعيًا؛
بِعكسُه هو..
كان لايزال حديث التخرُّج يلهث هنا وهُناك من أجل وظيفة براتب لا يكاد يكفي شيئًا..
وهي أعطته وعودها!
"سأتحمَّل يا رمزي."
"سأصبر حتى تصير مُستعدًا."
"سأنتظر حتى نجتمع سويًا."
"لن أكون يومًا لغيرك رمزي."
"لن يتملك قلبي سواك."
وفي يوم واحد ارتدت حلقة لا تحمل اسمه فَنَكَثَت عهودها جمعاء!
لم تتحمل ولم تصبر ولم تنتظر؛
أصبحت لثائر الجوهري قلبًا وقالبًا ليكون زوجها بدلًا منه!
يومها اجتاحته ثورة عارمة للمرة الأولى فكاد أن يقتحم فيلا أهلها، لولا أن تميم كان يتبعه فأنقذه من تهور كاد يودي بمستقبله، حتى أنه أوصد عليه باب غرفته وبات ليلته أمامها كي يتأكد من أنه لن يعيد الكَرَّة!
_أنا نادمة رمزي، أنا نادمة على هجرانك، أنا تعيسة ولا أستطيع تحمل الابتعاد عنك أكثر.
وتعالت دقات قلبه وهو يرى صدق اعترافها داخل عينيها، لكنه سخر منها معلقًا:
_زوجة ثائر بِك الجوهري تعيسة؟! يا للغرابة! هل فشلت أمواله ومكانته في إسعادِك؟ رِهام هانم!
غمغمت بِقهر دامعة العينين:
_أكرهه رمزي، أكرهه ولم أحبه يومًا واحدًا، لم أحب سواك مُطلقًا!
اتسعت عيناة في صدمة واضحة ثم سألها بذهول:
_هل تهذين يا رِهام؟ هل .....
قاطعته بسرعة تتوسله بعينيها قائلة:
_سأتطلق منه رمزي، سأتطلق منه وسنتزوج!
فغر فاهه دهشة وانتفض قلبه يرقص طربًا، حبيبته تُخبِره أنها ستُصبِح حرة وتتزوجه!
ازدرد لُعابه مُعقِّبًا بتساؤل:
_وابنتك؟!
وبلا لحظة تردد واحدة أجابت مُسرِعة:
_ سآخذها منه في البداية كي أعذبه، لكنني بالأصل لا أريدها! لا أريد أي شيء يُذكِّرني به وبالجحيم الذي أعيش به منذ سنوات.
انعقد حاجباه بدهشة وهو يسألها بخفوت:
_في البداية؟! أتعنين أنكِ ستتركينها له؟
هزت كتفيها وهي تهتف بنزق:
_هي ابنته أيضًا، والدته تهتم بها وتحبها وتحافظ عليها أكثر من أي شخص، لا أريد سواك رمزي، أنا أكره نفسي بسبب ابتعادنا، أكره حياتي التي خلت منك، أريد نسيان كل ما حدث دونك، هذا الفراق يقتلني رمزي.
حدَّق بها بصدمة وهو يتساءل بلا تصديق هل ستترك كل شيء خلفها من أجله تلك المرة؟
المستوى الرفيع، السُلطة، الأموال الوفيرة؛
والطفلة الوحيدة!
وبوادر تمرد جمحت تهوره الذي يندفع تجاهها خلف قلبه اللاهث من أجلها وحدها، ليرسم بُرودًا زائفًا بعينيه وهو يُعلِّق بقسوة:
_أنتِ لا تعلمين أنني سأتزوج بعد أقل من شهرين رِهام؟
والملامح البريئة ذهبت؛
والنظرة الحالمة وَلَّت؛
والتحدي ظهر مُشوبًا بالثِقة.. وأنانية مُتخابِثة!
لتقترب منه قائلة دون مراعاة لوقوفهما بمكان عام وعلى بُعد مسافة قليلة من مقر عمل.. زوجها!
_أنتَ لا تستطيع حب غيري رمزي، قلبك هذا يخصني وحدي.
والتحدي لم يكن ينقصه أيضًا وهو يُردد بتشديد لا ينفي حبها:
_وبالرغم من ذلك سأتزوج من أخرى رِهام، سأتزوج من أخرى أثق بها وأعلم أنها لن تتركني يومًا، وأعلم أنها أقوى من كل المغريات، والانبهارات!
والنظرات التحمت لثوان عاد بها الإثنان سويًا إلى ذكريات بعيدة..
حيث بدأت القصة كلها.. بنظرة!
في الجامعة كان هو الوسيم اللبق الذكي؛
وكانت هي الجميلة المُذهِلة ابنة الثري؛
حُلم كل شاب كانت..
لكنها لم تحلم إلا به هو!
وتقرَّبت منه بحجة واهية..
مُحاضرات مفقودة وذاكرة دراسية ضعيفة..
فعرض عليها بشهامة مُساعدة نالت استحسانها؛
والمُساعدة أصبحت دائمة؛
في الجامعة، في الهاتف، وفي مطعم هادىء بعيدًا عن زملائهما!
لتعترف هي بحُب ظنه مُستحيل..
ثم أَطلَقت العهود!
كانت أيام سعيدة برغم ضعف حالته المادية..
لكنها لم تسعد يومًا سِوى معه!
حتى أُزيحت الغشاوة و بدأت تزِن الأمور بطريقة أكثر عقلانية.. وأقل عاطفة!
ثم شرعت بالابتعاد فجاءها أبوها بالبشرى:
"ثائر الجوهري يريد الزواج مِنك!"
وكانت الصدمة!
واستحال انبهارها إلى سقطة!
ثائر الجوهري!!
خليفة أبيه بالشركة، وابن صديق والدها!
الثري، الوسيم، القوي؛
اختارها هي؟!
لتُنحِّي رمزي جانِبًا قليلًا وتقبل بالتعرف على ثائر..
وتوغَّلَت بالسقطة!
وراقها الأمر!
فزادت في الابتعاد وهو لا يدري بِم أخطأ، حتى قابلته يومًا بالعبارة الشهيرة:
"أبي أجبرني أن أتزوج ابن شَريكه وأنا لا أستطيع الرفض، اعذرني رمزي وسامحني!"
وغرقت بالسقطة!
وعلِم وقتها أنها كاذبة!
فرِهام كانت تتفاخر دومًا بأنها مُدللة أبيها، وطالما أخبرته أنه لا يُجبرها على أي شيء بعكس شقيقتها!
وصور عُرسهما التي انتشرت على شبكة "الإنترنت" تفضح فرحتها.. أثبتت له كذِبَها!
أيام حزينة، وصدمة لا يصدقها؛
والداه يراقبانه بحسرة وعجز وهو يُعاني حِرمانه منها بينما تنهل هي من سعادتها مع ابن الأثرياء؛
وبعد عام علِم أنها أنجبت!
وبعد ثلاثة أعوام جاءته فرصة عمل بالشركة عبر البريد الإلكتروني، ليكتشف بعد أسبوع أنها تخُص غريمه، فيضطر إلى مُراقبته بِحِقد يوميًا وهو يعلم أنه سيعود لتستقبله حبيبته هو!
وعاد من ذكرياته لِيُطالِع دمعاتها المُترَجِية..
وبامتعاض أصرَّ على التمسُك به حدَّق بها قائلًا:
_لا تأتِ إلى هنا مرة أخرى، أنتِ لا تريدين المُخاطرة برؤية زوجك لنا معًا، وأنا أيضًا لا أريد المجازفة بوظيفتي، فكما تعلمين أحتاج لراتبي كي أتزوج.
وببرود برع حقًا في التظاهر به تجاوزها وانصرف، فانسابت دمعاتها قهرًا وحسرة وندمًا، وقلبه هو لا يتوقف عن الارتجاف.
**********
"افتحي الباب سُهيلة!"
صاحت بها عبلة وهي تعد الطعام بالمطبخ، فارتدت سُهيلة إسدالها وقامت بِلَف حجابها حول رأسها بعشوائية أثناء انطلاقها إلى الباب الذي لم يتوقف جرسه عن الرنين...
فتحت الباب لتتسمر مكانها ويشحب وجهها، بينما لم يبد على الزائر أي تأثر وهو يرمقها بهدوء لم يستطع منع الغضب به.
نفس الامتعاض، نفس الحِقد؛
نفس السُخرية المُقيتة؛
وكان هو يرمُقها بدوره، ليُطالع..
نفس الغرور، نفس البرود؛
ويُقسم أنه يكاد يرى حِدَّة لسانها!
ازدردت لُعابها والتوتر يتمكن منها، يدها لاتزال على المقبض ولم تتفوه بحرف، وهو يقف بمنتهى "التهذيب" مُنتظرًا!
"من بالباب يا سُهيلة؟"
هتفت أمها بالعبارة وهي تخرج من المطبخ لِترى ابنتها مُتخشبة أمام الباب، تطلعت من خلفها بفضول ثم ارتخت ملامحها فجأة هاتفة بترحيب:
_تميم!
لكنها عادت بنظرات متوجسة إلى ابنتها وهي تشعر بالقلق ينتشر في الهواء المُحيط بِهما لتدعو سِرًا أن يمر اليوم على خير..
وانمحى هدوؤه المُبالَغ به وذهب الاشمئزاز بعيدًا وهو يبتسم بسماحته المعهودة قائلًا:
_مرحبًا أم سُهيلة!
واسمها الذي انطلق من بين شفتيه أخرجها من جمودها ليثير بلحظة غضبها..
رَحَبت به عبلة بابتسامة بشوشة وهي تدعوه إلى الدخول قائلة:
_تفضل تميم، كمال نائم سأوقِظه.
أسرع تميم قائلًا :
_لا، لا توقظيه، لقد أصلحت الحاسب الآلي، سأقوم بتركيبه وسأنصرف.
هزَّت عبلة رأسها برفض وبان التصميم على ملامحها وهي تُشدد:
_لا يا تميم، ستتناول طعام الغداء معنا.
ثم أشارت إلى ابنتها قبل أن يكرر رفضه قائلة:
_هيا سُهيلة ساعديه حتى تصل يُسْر.
بان الرفض عليها لكنها تمسكت ببعض التهذيب مُشيرة بكفها إلى إحدى الغرف ضاغطة على حروف كلماتها الساخرة:
_تفضل "عمي" تميم!
انمحت سماحته على الفور لينظر إليها بحنق مُختلِط بالحقد وهو يتقدمها حاملًا الحاسب الآلي فتتبعه هي صاغرة.. مغتاظة.. متجاهلة دقات قلبها المتوترة!
**********
بخطوات مُتثَاقِلة صَعَدت رِهام إلى جناحها بعدما تجاهلت توبيخ حماتها المُعتاد بشأن إهمالها لابنتها.. لابنة سجانها!
سجانها الذي استبدلت به حبيبها فلم تذُق طعم العِشق بعده مُطلقًا..
حبيبها الذي يكسر قلبها الآن وهو يُخبرها أنه سيكون لِغيرها؛
ستتجرع كئوس الألم التي تجرعها هو؛
ستُمزق نياط قلبها الغيرة مثلما فَعَلَت به هو؛
ستتخيله مع أخرى ستصير من حقه بعدما حرمته من حقه بها!
ألا يأتيها الموت الآن ليُريحها من عذابها؟
ألا تنتهي حياتها فينتهي معها بؤسها؟
وعلى ذِكر العذاب والبؤس انطلق السؤال من أحد أركان غرفة الاستقبال الفخمة بالجناح ما إن فتحت الباب وولجت:
_أين كنتِ زوجتي؟
أجفلت وسلسلة مفاتيحها تسقط من يدها بارتباك لحِق بنظراتها فاختلط بالدهشة وهي تسأله:
_ثائر؟! لِمَ عُدت بهذا الوقت؟
ونظرته الجامدة المُدققة زادت في توترها وهو يُنزِل إحدى ساقيه من فوق الأخرى ويستقيم ببطء مُتجهًا إليها..
وقف أمامها فتهرَّبت بعينيها منه وهي تشعر أنها أمامه مفضوحة!
تشعر أنه يرى ما وراء خوفها؛
ما وراء حكايتها!
_هل عليّ أن أُبرر لكِ عودتي إلى بيتي في الوقت الذي أرغب؟ أو عليّ أن أُبرر سبب حضوري دون إخبارك؟
وازدردت لُعابها وهي تنظر له أخيرًا بتردد فتابع بخفوت يُخيفها أكثر من ثورته:
_أم هل عليكِ أن تُخبريني أين كنتِ دون عِلمي وسبب صرفِك السائق؟
وبصوتها الهادىء الذي أصبح في تلك اللحظة مُرتعِبًا أجابته بتردد:
_لقد.. لقد شعرت بالملل ورغبت بالتمشية وحدي قليلًا.
حدَّق بعينيه العسليتين في عينيها بنظرة ميتة مُعقِّبًا:
_فقط؟
أومأت برأسها إيجابًا بسرعة مُرددة:
_فقط!
تراجع إلى الخلف ينظر إليها ببرود وهو يضع يديه في جيوب بنطاله مُتسائلًا:
_وما سبب شعورك بالملل رِهام؟ هل وسائل الترفيه هنا غير كافية؟
هزَّت رأسها نفيًا ثم بحثت عن عُذر واهِ قائلة:
_لا.. لكن..
فقاطعها بهدوء هاتفًا:
_لقد عرضت عليكِ مِرارًا أن تعملي بالشركة، أبوكِ له نصيبًا بها على أية حال، أم أن هناك ما يمنعك من العمل معي بنفس المكان؟
ومالت شفتاه في شبه ابتسامة ساخرة مُردِفًا:
_يا زوجتي!
أشاحت بوجهها بعيدًا ثم قالت ببرود:
_أنا.. أنا لا أحب فكرة العمل بالشركة.
ارتفعت ضحكة نادرة منه ثم سألها بسُخرية:
_وما هي الأفكار التي تحبينها رِهام؟ هل تحبين الاهتمام بابنتك مثلًا؟ هل تحبين السؤال عن يومها؟ هل تحبين معرفة تطورها دراسيًا ونفسيًا؟
هنا انفجرت أخيرًا وهي تنظر له بِغِل بدى مُتناقضًا مع ملامح وجهها التي تعطي انطباعًا بالبراءة..
لكنه وحده من يعلم أنها.. مُزيفة!
وحده يعلم أن هناك رِهام آخرى تخفي الكثير والكثير مما لا يتخيله أحد!
_وهل تعرف أنت؟! لا تحاول اتهامي بالإهمال ثائر، لأنك في ذلك الجزء أكثر مني مهارة.
مط شِفتيه ببرود وهو لا يُنكر_متعمدًا_ اتهامًا وجهته إليه ثم تحدث بهدوء:
_أنا أسافر معظم الوقت، وعندما أعود أغرق بين أعمالي، ولا أجد وقتًا لالتقاط أنفاسي.
ثم اقترب منها ثانيًا مُتسائلًا بخفوت:
_ أخبريني أنتِ ماذا تفعلين طوال اليوم سوى التحسُّر على الماضي الرائع المفقود والشكوى من الزوج الظالم الذي بُليتِ به؟
ابتسمت بسُخرية مُتسائلة وهي تُحدِّق بعينيه:
_وهل تجدني مُخطئة؟
منحها اشمئزاز ًا لطالما رافق نظرته إليها في السنوات الثلاث الأخيرة، ثم قال:
_لقد عرضت عليكِ الخلاص كثيرًا فرفضتِ، أتُحبين أن أُعيد ذلك العرض ثانية؟
رَفَع أحد حاجبيه وهو يُشدد على كل كلمة ببطءه المثير للأعصاب:
_حسنًا رِهام هانم! أنا على استعداد أن أطلقك في الحال وسأعطيكِ كافة حقوقك وأكثر، سأعطيكِ كل ما تطلبينه، بشرط أن تتنازلي عن حضانة ابنتي.
زفرت وهي تضحك بسُخرِية قائلة:
_ما هذا الحنان الأبوي ثائر؟! لا يليق بك على الإطلاق!
ويبدو أنها تمادت قليلًا حيث انمحت ملامحه الهادئة لتحُل الأخرى
المُرعبة.. المُرهِبة؛
والتي أثبتت لها يومًا مدى استحقاقه لاسمه؛
فإن كان يعتمِر قُبَّعة البرود.. تعلم هي أنها تخفي تحتها غضبًا حارِقًا..
وإن كان يرفع لوحة "لا أبالي" .. تعلم هي أن الثورة بداخله.. جارِفة!
_التزمي بالتهذيب رِهام ولا تتجاوزي حدودك معي، أم أنكِ اشتقتِ إلى وجهي الآخر؟!
فشلت في إخفاء قلقها من انقلاب ملامحه جيدًا، وبخوف واضح ألقت عليه كلماتها التي درستها كثيرًا:
_أنت تعلم أن أبي لن يوافق على الطلاق، والحل بيدك وحدك.
ابتسامة بسيطة تخللت عينيه وهو يدرك فحوى القادم كما خطوط كفه، لكنه تظاهر بالاهتمام قائلًا باقتضاب:
_اطربيني!
_باستطاعتك إقناع زيدان بأن يبيع بعضًا من أسهمه لأبي، فشقيقك لا يهتم بالشركة على أي حال، إن زادت نسبة أبي بالشركة وتأكد أنك لن تستطيع إقصاءه يومًا حينها لن يهتم بطلاقنا، وتستطيع حينها الاحتفاظ بابنتك كما تشاء.
أنهت كلماتها وانتظرت؛
وزم هو شفتيه متظاهرًا بالتفكير؛
انتعش الأمل بداخلها حتى نطق بجمود:
_ألا ترين أنكِ تتبجحين بعض الشيء حينما تطلبين مني أن أخدع أخي حتى يرضى أبوكِ؟
توترت ملامحها بينما تابع هو بلهجة بان بها الازدراء واضحًا:
_ألا ترين أنكِ تخرفين كثيرًا عندما تعتقدين أنني سأقبل بأن يفقد زيدان حقًا من حقوقه لأنكما تستغلان ظروفه النفسية السيئة بعد وفاة خطيبته؟
وارتسمت الابتسامة على شفتيه وهو يقول بخفوت، وبلهجة مُنذرة مشددة:
_عار عليّ رهام! عار عليّ إن سمحت لكِ أنتِ أو والدك بأن تطالان سهمًا واحدًا يملكه أخي دون رضاه!
تراجعت إلى الخلف بذعر ما لبثت أن نحته جانِبًا وهي تُقرر الاقتداء به هو..
لن تظل ساكنة؛
ستثور عليه وعلى والدها وعلى حياتها،
وبكل الغِل هتفت به:
_إذن سأتطلق منك ثائر، وابنتك سآخذها معي!
وبِوعيد تابعت:
_ليس لأنني أريدها بل أنا حتى لا أتحمل النظر إلى ملامحك بوجهها، لكن كي أحرق قلبك عليها، سأستمتع بغضبك وعجزك عن أن تُجبرني على إعطائك إياها، حتى زياراتك الليلية التي تقوم بها في الخفاء معتذرًا لها ستفقدها، سأنتقم منك بها ثائر.
خفقات قلبه تباطأت؛
شعور الخزي عاد أقوى؛
هذا السر على الأخص لا يحب انكشافه؛
هذا الضعف تجاه طفلته الذي تستغله هي منذ ثلاث سنوات لا يجب عليه أن يسمح لها باستغلالها إياه أكثر!
وبدون أن يُرفرِف أحدهما بأهدابه، وبدون أن يظهر عليه التأثر أو الهزيمة التي تمنتها، تابَعت بابتسامة متشفية:
_ لِذا أنت مُضطر لتحمُل زواجك مني حتى أُبدل أنا رأيي، ولا أعدك أن ذلك سيحدُث قريبًا.
لِماذا تستفزه؟! هي لا تريده!
هي تريد حبيبها.. حبيبها الذي ردَّها خائبة!
لهذا يجب عليها أن تتعلم من خطئها السابق..
لقد تركت رمزي وهرعت إلى ثائر منذ سنوات مُتوقعة الجنة ونعيمها؛
لتجد الجحيم المُستعِر مُرحِبًا بها..
ولن تكرر نفس الخطأ ثانية!
يجب عليها التأكد من وجود مرفأ آمن تقفز إليه أولًا بدلًا من أن تجد نفسها فجأة غارِقة..
ولهذا لا يجب عليها التخلي عن ثائر حتى تضمن عودة رمزي!
لكن خِصمها لم يكن هينًا وهي خير من يُدرك ذلك..
قابلتها عيناه الساخرتان وهو يُخاطِبها بخفوت أثار التوتر بجسدها:
_لا ترهقي نفسك! فقد بدلتُ أنا رأيي ولم أعد أريد تطليقك، مُبارك! لقد علِقت معي إلى الأبد!
وانصرف إلى الخارج لتظل هي مُحدِّقة بالباب مذعورة!
**********

سعاد (أمواج أرجوانية) 20-02-21 11:44 PM

تابع الفصل الرابع:
***
أخذت فيروز تراقبها وهي تنفض الأتربة من فوق مجموعة كتب، فتحت فمها لتتحدث لكنها ما لبثت أن تراجعت لتقضم لأظافرها بتوتر.
انتهت يُسْر والتفتت لصديقتها لتجدها شاردة، عابسة الملامح، والضيق يبدو عليها جليًا، وعلى الفور عاجلتها باستغراب مُتسائلة:
_ماذا بِكِ فيروز؟
نظرت إليها بنفس العبوس ثم ما لبثت أن ردَّت بكلمة وكأنها الإجابة الوحيدة المفهومة:
_تميم!
عقدت يُسْر حاجبيها بقلق وهي تسألتها بتوجس:
_ماذا به تميم؟
تهرَّبت بعينيها من صديقتها الوحيدة لا تجد ردًَّا، ثم ما لبثت أن تهدلت كتفاها وهي تعود بأنظارها إليها..
لِمَ الحيرة؟ ولِمَ التشتت؟
تستطيع أن تُخبرها!
إنها يُسْر!
صديقتها الوحيدة..
والتي لم تر أوفى منها بحياتها؛
لقد ساعدتها؛
لقد أنقذتها؛
بدون تدخلها منذ عام لكانت الآن في مكان آخر تعيش مُستقبلًا مُظلِمًا..
هي تدين لها بذلك على الأقل!
_تميم لا يحبني.
ولم تبد الدهشة على وجه يُسْر، لكن شفقة واضحة اعتلت ملامحها، لتتابع فيروز:
_تميم لايزال كما هو!
وارتسم الحزن على وجه يُسْر بلحظة وهي تُطالِع صديقتها؛
أو ربما صديقتها من تُحدِّق بها بتدقيق!
الاثنتان يتراشقان النظرات المُتحفزة؛
والاثنتان يتراشقان نظرات بالذنب حائرة!
وكأنما لم تقتنع بحوار أعينهما الصامت فبادرت فيروز :
_وأنا .....
بترت عبارتها عندما ارتفع رنين هاتف يُسْر فجأة فحمدت الأخيرة ربها، التقطته بتوتر شاركتها إياه فيروز وهي تُطلق عبارة بصوت مُرتجِف:
_لا تقولي أنه تميم، دائمًا ما يتصل عندما أذكر اسمه!
ونظرات يُسْر الحانقة أكدت لها صدق توقعها وهي تتطلع إلى اسمه، رَفَعَت نظرها إلى صديقتها ثم عادت إلى هاتفها مرة أخرى، وباستغراب أجابت:
_مرحبًا تميم!
ليأتيها صوته بمرح علِمت أنه مُبالَغ به لِسبب مجهول:
_أين أنتِ يا فتاة؟ لقد أحضرت الحاسب الآلي، وقد أضفت بعض التحسينات التي ستشكرينني حتمًا من أجلها.
هل يُمكن لوجهها أن يصبح أكثر شُحوبًا؟
اكتنف عينا فيروز قلق مماثل وهي تقترب منها، لكن يُسْر وجدت صوتها أخيرًا وهي تسأله:
_أين أنت الآن تميم؟
وجاء ردُّه هادئًا مُناقِضًا لِصخبه السابق مُجيبًا:
_أنا ببيتكم يُسْر!
وانحدرت يدها بالهاتف بينما انطلق نداؤه باسمها، في حين أنها همست بـ:
_يا إلهي!
أخذت فيروز تُمسِّد على ذراع يُسْر ببطء مُتسائلة:
_ماذا حدث يُسْر؟ ماذا قال لكِ تميم؟
نظرت لها يُسْر بحنق ثم قالت بارتباك:
_تميم بالبيت!
توقفت فيروز عن تمسيد ذراعها وهي تسألها بِحَذَر:
_وسُهيلة؟!
لتومىء يُسْر برأسها إيجابًا:
_بالبيت!
لتهمس فيروز بخفوت تلك المرة قائلة:
_يا إلهي!
ثم انتفضت وهي تدفعها هاتفة:
_هيا يُسْر تحركي قبل أن تحدث كارثة أو يقتل أحدهما الآخر!
تحركت يُسْر بالفعل لِتنطلق مُختطفة هاتفها بسرعة إلى الخارج، بينما ظلت فيروز مكانها تدق بأناملها على إحدى الخزائن بتتابع، متمتمة باستمتاع:
"يا للخسارة! لَكَم وددت أن أشاهدهما معًا!"
**********
جالسًا على صخرة ضخمة تتلاطم الأمواج بالقرب منها، بينما لا يهتم حقًا بالرذاذ المُتطاير بوجهه..
مُبتسِمًا
شاردًا في ذكريات بعيدة كانت الأجمل!
وجهها الضاحك وملامحها الجميلة..
خجلها ورقتها وحبها له الذي عبَّرت عنه دوما؛ً
مرحها وصخبها ودلالها وأحيانًا.. جنونها!
كانت مُشرِقة..
كانت مصدر ابتسامته..
ثم رحلت!
وانقلبت ملامحه للألم الذي لا يفارقه...
رحلت حبيبته منذ عامين ونصف فبقى هو في ذلك التاريخ عالقًا؛
لا يتخطى ولا ينسى؛
لا يقوى على التخلي عن ذكرياتها؛
لكن ذلك الحادث اللعين هو ما أجبره على التخلي عنها شخصيًا!
لماذا لم يرحل معها؟ لماذا لم يرحل هو وبقيت هي؟
كان وجودها أكثر أهمية حتى لأمها..
أما هو ماذا يفعل بحياته؟
ماذا يريد من مستقبله؟
لاشيء.. حقًا لا شيء!
ولن يسمح لأي شخص أن ينتزعه من رفقتها بخياله!
وأغمض عينيه مُشددًا على تعذيب نفسه والصور تتلاحق على عقله دون ذرة شفقة..
كانت تضحك وتُمازِحه؛
تخبره عن رغبتها بطلاء غرفة الأطفال باللون البرتقالي الذي يكرهه؛
لم يعد هناك طلاء، لم يعد هناك أطفال!
لو تعود إليه سيقوم بتلوين حياتها كلها بذلك اللون إن أرادت..
فقط لو تعود!
وصوت زمور السيارة الذي انطلق في ذهنه أكد له أنها لن تعود!
وصوت صرخته هو بـ"احترسي شيرين!" أكد له أنها لن تعُود؛
وصوت صرختها الأخيرة أكد له أنها لن تعوُد؛
وصورة دمائها التي سالت أسفل جسدها تسخر منه _بينما هو يزحف أرضًا إليها_ وتُجزم له أن حبيبته رحلت إلى الأبد ولن يراها مرة ثانية!
كل أحلامه تشوهت؛
كل آماله تلطخت بالدماء؛
والآن يلومونه على حُزنه عليها؟!
سُحقًا لهم ولبرودهم!
لن يسلبوه حق رَثائها مهما طال به الأمد!
واضطر لمسح وجهه وهو يشعر باهتزاز هاتفه داخل جيب سُترته؛
بالطبع من سواهما يسأل عنه؟
ليس له إلا باسل ورَغَد..
وصديقه الذي هاتفه سبعة مرات اليوم يبدو مُصِّرًا!
_نعم باسل؟ لم يتغير شيئًا منذ هاتفتني آخر مرة، ماذا تريد الآن؟
ليأتيه السؤال كإجابة مرِحة:
_ألم تشتاق إليّ يا ولد؟
تظاهر زيدان بالحنق وهو يهتف به مانعًا ابتسامته:
_لقد سمعت صوتك اليوم أكثر مما استمعت لأنفاسي!
رد باسل على الفور بحنق مماثل:
_إنه خطأي إذن إن أردت الاطمئنان عليك، أخبرني أين أنت!
ثم استدرك بانتباه:
_انتظر! أنا أسمع صوت الأمواج، ألازلت بالإسكندرية؟
ولم يُعطِه فرصة للرد وهو يُتابع بضيق:
_لِمَ لم تعد حتى الآن زيدان؟ هل أعجبك الوضع عندك؟
ومرة ثالثة أكمل باستمتاع غريب:
_احترس من عرائس البحر يا ولد! إنهن يسحرن الرجال المساكين بأصواتهن ثم يقمن بالانقضاض عليهم وافتراسهم، فلا تدع المظاهر تخدعك!
مط زيدان شِفتيه بملل مُنتظرًا انتهاء وصلة صديقه، فجاءه الصوت الأنثوي بعيدًا بعض الشيء، نزِقًا:
_أعطني إياه باسل أريد أن أستعلِم منه عن شيئ هام!
أرهف زيدان سمعه ثم سأله تلقائيًا:
_هل هي رَغَد؟ وتُسدي إليّ أنا النصائح؟ انفع نفسك أولًا وكُف عن التظاهر بالحماقة!
ليضحك باسل ضحكة ساخرة متواصلة، ثم قال :
_على الأقل أنا أتظاهر!
لم يفهم زيدان مقصده بينما تابع بِجدية:
_اسمع! هناك مطعم سأرسل لك عنوانه، إنه بطريق عودتك على أي حال، أخبر صاحبه أنني من أرسلتك فهو يعرفني تمام المعرفة، ولتبتاع لي بعضًا من الفطائر المخبوزة بالسمن البلدي، وإن عدت بوقت متأخر مُر على شقتي أولًا واتركهم ولا توقظني لأن شقيقك عديم الرحمة انصرف مبكرًا ولا ينقصه سوى أن يخلع أعمدة الشركة لأحملها أنا فوق رأسي!
وصوتها هذه المرة أصبح أوضح وأكثر إلحاحًا:
_هيا باسل كُف عن الشكوى واعطني الهاتف قبل أن أنسى ثم استكملا مزاحكما فيما بعد!
نظر لها بحنق وهو يعطيها الهاتف متمتمًا بغيظ أثناء ابتعاده:
_كيف يتخلص الإنسان الظريف مثلي من هكذا عائلة كئيبة تعشق البؤس وتوقر المآسي؟!
وبعد لحظة قالت بصوتها الهادىء:
_مرحبًا زيدان! هل أنهيت الإشراف؟
صوتها الحنون، مختلطًا بصوت الأمواج أمامه انتزعاه من غيابات ماضيه..
وتلقائيًا ابتسم وهو يُجيبها بعملية:
_نعم رَغَد، وأعتقد أنهم سيستطيعوا إنهاء العمل قبل الموعد المحدد.
فعقَّبت هي مُسرعة بلا اهتمام حقيقي بإجابته:
_جيد إذن، أرجو أن تعود بسرعة لأنني على الأغلب لن أحضر إلى الشركة غدًا، لِذا يجب عليك حلول مكاني، الملف الخاص بمناقصة المشفى لدى باسل الآن وأريدك أن تتطلع عليه بدلًا مني.
عقد حاجبيه بقلق وهو يسألها:
_لِمَ؟ ما الذي حدث؟ هل كل شيء على ما يرام؟
فَرَدَّت هي عليه بحزن واضح:
_أمي مريضة قليلًا وسأبقى بجوارها، لا تتأخر زيدان، إلى اللقاء!
وقف زيدان بقلق وهو يُلملِم مفاتيحه وحقيبة كتفه الصغيرة مُتسائلًا:
_ماذا بها والدتك رَغَد؟
وصلته زفرتها المتوترة وهي تُجيبه:
_لا أعلم زيدان، هاتفني أبي منذ قليل مُخبِرًا إياي أنها فقدت وعيها، يبدو أن ضغطها انخفض كثيرًا، حتى أن رِهام ذهبت الآن إليها، لِذا أنا مُضطرة أن أتغيب عن العمل حتى أطمئن عليها.
رد زيدان بسرعة:
_بالطبع رَغَد، لا تفكري بالعمل، أخبريني هل تحتاجون إلى شيء ما؟
_شكرا زيدان، باسل أرسل طبيبًا ماهرًا بالفعل، اهتم بنفسك، واحرص أثناء العودة، ولا تقد بسرعة! إلى اللقاء.
نصائح.. نصائح؛
منذ ذلك الحادث وهي دومًا تسدي له عشرات النصائح بسبب القيادة؛
أنهت المُكالمة على الفور فاجتاحه الضيق؛
السيدة ليلى تهُمه شخصيًا ويحبها كثيرًا؛
هي صديقة والدته قبل أن تُصبح قريبة أخيه؛
وهي كابنتها تتميز بحنان فطري وكانت من أكثر الناس الذين اهتموا به في محنته؛
لِذا فأول ما يفعله فور وصوله هو الاطمئنان على صحتها..
والآن سيضطر للمبيت هنا اليوم، فربما انتابته عُقدة ما من القيادة ليلًا!
وقام لينصرف بخطوات ثقيلة، وساقين مرتجفتين أحدهما.. عرجاء!
**********
"أريد رؤيتك رمزي!"
حدَّق في الرسالة النصية المختصرة التي استقبلها على هاتفه من رقم مجهول، لكنه لقلبه معلوم جدًا..
يعلم أنها هي؛
قلبه يخبره أنها هي؛
لماذا عادت في هذا التوقيت بالذات؟
لماذا عادت وهو مُقبل أخيرًا على تجاوزها؟
ابتسم بسخرية وزفر باستسلام...
هل يخدع نفسه؟! ومتى حاول تجاوزها؟!
هو كان سيتزوج من يُسْر فقط، لكن قلبه كان ولايزال مع رِهام، وإلى الأبد سيظل لها وحدها!
ألقى الهاتف بعيدا وهو يجذب شعره بحنق فيعود صوت الرنين مرة أخرى..
لكن مهلا!
ليست رسالة أخرى تلك المرة.. إنها تهاتفه!
وبترقب وقلب يرتجف شوقا التقط هاتفه ثم رد عليها بهدوء ظاهري:
_ماذا تريدين مني رِهام؟
وشهقاتها الباكية كانت الإجابة، فأصابته بالهلع وهو يهتف بها:
_ماذا بك حبيبتي؟
ربما زلة لسان كانت؛
لكنها لقلبه لم تكن مطلقا زلة!
فهي بالفعل حبيبته..
رغمًا عن أنفها ورغما عن أنف زوجها ورغما عن الجميع.. هي حبيبته!
والآخر هو من اعتدى على حقه مُعتبرًا إياها إحدى صفقاته...
_أريد أن أراك رمزي، أموت كي أراك!
وتردده قد بدأ يخبو شيئا فشيئا، ولم ينقصها الذكاء كي تدرك ضعفه تجاهها..
ثم أردفت بخفوت:
_أريد رؤيتك!
وصمتت بقصد ثم أضافت هامسة بتعمُد:
_أريد رؤيتك حبيبي!
ليهرب التردد فورًا وينطلق لسانه متسائلا:
_أين؟ ومتى؟
فأتته اجابتها السريعة بلهفة:
_غدًا في الساعة الثامنة صباحًا، في المقهى الذي اعتدنا الجلوس به.
وباشتياق أردفت:
_عندما كنا دوما سويا!
وكل حرف تفوهت به لم يخرج عبثا؛
كل كلمة كانت محسوبة ؛
وأصابت هدفها تماما!
**********

سعاد (أمواج أرجوانية) 20-02-21 11:45 PM

تابع الفصل الرابع:
***
التف الخمسة حول مائدة الطعام في صمت مُريب، مُقلِق، مُحرِج بعض الشيء!
لم يكن أحدهم يتحدث مع الآخر؛
لم يكن أحدهم ينظر إلى الآخر؛
إلا يُسْر وتميم!
فنظراتها إليه كانت لائمة، حانقة؛
ونظراته إليها كانت لامبالية، مستمتعة؛
جزَّت على أسنانها بغضب فتظاهر بعدم الملاحظة..
وبنبرة مُتسلية هتف:
_سلمت يداكِ أم سُهيلة!
ليجذب إلى نفسه نظرات أخرى حانقة
بُنية رائعة..
و..جميلة!
جميلة لطالما أرقت نومه وأهدته أحلام يقظة تعدت فترة مُراهقته؛
لكنها أيضًا.. قاسية!
قاسية جَرَحت قلبه ودَعَست كرامته ولم تُعطه حتى التفاتة واحدة!
قاسية تعمدت كسره بكل برود بعد أن ظن أنه ضد الضعف بجميع أنواعه، ومُحصنًا!
قاسية لم يعرف الحب قلبه إلا بسببها وإلى يومنا هذا لايزال يصرخ باسمها مُناجِيًا!
"بالهناء والشفاء تميم."
ردَّت بها عبلة بابتسامتها الطيبة فأهداها ابتسامة مُهذبة..
والصوت الذي لم يحب بقدره ولم يُجرح من سواه صدح في أذنيه كهديل الحمام ونقيق ضفادع المُستنقعات معًا:
_كيف حال فيروز "عمي" تميم؟
المستفزة الباردة؛
عديمة القلب والشعور؛
ألا يُهدى مُعجزة ما يستطيع عن طريقها تسديد لكمة إلى وجهها علَّها تتوقف عن إثارة أعصابه؟!
ابتسم باستفزاز غلب خاصتها وهو يرُد ببطء مُشددًا:
_بخير "ابنتي" سُهيلة، تُرسِل إليكِ تحياتها!
_من فضلِك أمي أعطني بعض الماء!
هتفت بها يُسْر بارتباك فأعطتها أمها طلبها بتوجُّس، أخذت منها الكوب وناولته إلى تميم فنظر لها باستفهام ثم قال:
_أنا لم أطلب..
قاطعته ببسمة متوترة:
_اشرب تميم، اشرب حتى لا ينسد حلقك!
والتمتمة المُؤَمِّنَة على لسان سُهيلة جعلته يختطف الكوب من يدي يُسْر بعنف حتى أراق بعضًا منه على المائدة..
_ربما سنرهققك قريبًا تميم عندما نبدأ بنقل أغراض يُسْر إلى شقتها.
نطق بها كمال كي يُبدد بعض التوتر السائد فَرَد تميم بهدوء:
_أنت تعلم كمال أنني أفتديكم بروحي، أخبرني متى تُريدني وسأكون حاضرًا.
ثم أضاف بنفس الهدوء:
_على الرغم من عدم اقتناعي بالأمر على الإطلاق.
تمتم كمال من بين شِفتيه قائلًا:
_تميم أرجوك لا...
فقاطعه تميم بصرامة:
_استمع إليّ كمال، سأقولها للمرة الأخيرة، رمزي لا يُناسِب يُسْر على الإطلاق، ومصطفى يتصرف بأنانية، وأنت لا يجب عليك سداد دَينَك تجاهه بتلك الطريقة، هذا على اعتبار أنه دَين وليس واجبًا.
جزَّ كمال على أسنانه بغيظ قائلًا:
_لكن يُسْر تريد الزواج برمزي يا تميم، هو ابن أخي ونضمن أخلاقه ونعرف أنه سيحافظ عليها.
ثم نَقَل أنظاره إلى ابنته التي توقفت عن الطعام تمامًا متسائلًا بتوتر:
_أليس كذلك حبيبتي؟!
ولما لم يكن باستطاعتها اصطناع الفرحة صمتت، فاستعاد تميم دفة الحوار وهو يعود بنظراته إلى سُهيلة، ساخرًا:
_غريب أمرك كمال! تحاول غض النظر عن حقها بالتفكير دون ضغوط، في حين أنك منحت من لا يستحق حق الاختيار من قبل هنا!
وبسخرية أكبر أردف:
_وماذا كانت النتائج؟!
هبَّت سُهيلة واقفة وهي تدفع مِقعدها إلى الخلف صائحة:
_أنا لا أسمح لك بالتلميح إلى شيء يخصني! هل تفهم؟!
وابتسامته الساخرة كانت تُثير أعصابها أكثر؛
وكان هذا يُبهِجه أكثر؛
ويجرحه أيضًا أكثر؛
أن تكون كل هذه الكراهية بعينيها هي بالذات مُوجهة له هو على الأخص..
لا مانِع إذن في استفزازها أكثر!
مط شفتيه بعِتاب مُفتعل قائلًا:
_ألا تتعلمين كيفية التحاور المُهذّب مع "عمِّك" يا ابنتي سُهيلة؟!
خبَّأت يُسْر رأسها بين كفيها باستسلام وانتظار للنيران التي ستندلع ، بينما مالت سُهيلة باتجاهه قائلة من بين أسنانها:
_أنت لست عمي، وكونك ابن عم والدي لا يمنحك الحق بتجاوز حدودك معي! لِذا فلا تعتقد أنك ستزعجني وسأتقبل صامتة!
ليميل هو على المائدة بابتسامة مُتسعة بسخرية_ استطاعت رؤية الألم بها واضحًا_ مُقلِّدًا إياها:
_عجبًا! منذ أربعة سنوات وبنفس هذا المكان أخبرتِني أنكِ تعتبرينني عَمِّك كمصطفى تمامًا!
والحقد عاد صارخًا بعيني كليهما حينما صَدَحت الذكرى بعقول الجميع..
طأطأ كمال رأسه بحرج وببعض الذنب؛
أشاحت عبلة وجهها بندم؛
فجذبت يُسْر شقيقتها تُجلِسها رغمًا عنها
ليرتفع صوت رنين جرس الباب فتنطلق إليه لتفتحه، واقتحمت فيروز المكان صائحة:
_لقد أغلقت المحل وجئت كي أشاهد الـشجار منذ البدء، أخبريني هل...
قاطعتها وهي تشُدها إلى الداخل مُتوسلة:
_فيروز! أنقذينا لقد بدأ الشجار بالفعل!
**********
"انتظر ثائر! أريد التحدث معك."
ما إن هَمَّ ثائر بالخروج ثانية حتى التفت إلى أبيه الذي تُسيطر الصرامة على ملامحه مختلطة ببعض الضيق فاتجه إليه مُتسائلًا:
_ماذا هناك أبي؟
سأله أبوه بهدوء اختلط بانزعاج واضِح:
_أين زيدان؟
هز ثائر كتفيه ببرود قائلًا:
_زيدان بالإسكندرية، يتابع العمل بالمجمع السكني.
توكأ أبوه على عصاه بكفيه وهو يُلقي أسئلته عليه واحدًا تِلو الآخر دون منحه فرصة للإجابة:
_ولماذا لم يعُد؟ ولماذا سافر في الأصل؟ أليس باسل من يتولى تلك الأمور في العادة في حالة عدم تفرغك؟
عقد ثائر حاجبيه ببوادر غضب ثم تساءل معترضًا:
_ما الأمر أبي؟ هل اشتكى من السفر؟ أنا لتوي عُدت وأحتاج إلى وجود باسل، هل أرسل رَغَد بمفردها؟
وقبل أن يرد أبوه تابع بنبرة حاسمة:
_إن سمحت أبي، توقف عن الخوف عليه قليلًا فأنا لن أعذبه، كل ما أريده أن يفيق من هذه الكبوة قبل أن يفقد عقله ويستسلم لاكتئاب لن يشفى منه فيستغل فريد الأمر أكثر.
وبغضب نادر ما سمح له بالظهور هتف:
_الرحمة قليلًا! لا أستطيع المحاربة على جميع الجبهات وحدي!
تدخَّلت أمه التي يبدو على وجهها حُزن غير طبيعي:
_اترك زيدان بحاله ثائر، هو يعاني بما يكفي، الآن لدينا مُشكلة أهم؟
زفر ثائر بحنق وهو يسألها بنفاد صبر:
_أي مُشكلة أمي؟
حدَّقت أمه في وجهه وهي تُحاصره بعينيها قبل أسئلتها:
_أين هي رهام يا ثائر؟ ألم تكن لدى أهلها منذ بضعة أيام؟ ألن تتوقفا عن الشجار؟!
لم يجبها فتابعت بتردد واضح:
_ما رأيك أن.. أن تذهبا سويًا إلى مستشار للمشاكل الزوجية؟!
نظر لها بصمت فتابعت بحماس:
_أو ما رأيك إن تركتما سيلا معي أسبوعًا وأعددت لها مفاجأة بالسفر إلى أي مكان كما كنت تفعل قبلًا؟ عسى أن تستعيدا حبكما وسعادتكما و...
قاطعها ثائر ببرود لم يخل من السخرية وهو يرد:
_اطمئني أمي! لم نتشاجر، أمها مريضة هذه المرة وهي ستبقى معها بضعة أيام حتى تشفى، رَغَد أيضًا ستتغيب عن العمل لنفس السبب.
زفرت باستسلام ثم قالت برجاء واضح:
_ما رأيك باقتراحي إذن؟ بعدما نطمئن على صحة ليلى بالطبع!
اهتزت نظرته لثوان لكنه ما لبث أن صلب ملامحه قائلًا باقتضاب:
_أنا لست متفرغًا!
ارتسم الضيق على وجه أمه لِتعقب بكلمة واحدة:
_وسيلا؟
ضيَّق عينيه باستغراب مُستفهِمًا في صمت، عندئذٍ تحدثت ابتسام بحنق:
_لماذا لم تأخذها معها؟ لقد تركتها بالأسبوع الماضي ولم تُهاتفها مرة واحدة أثناء غيابها، والآن ستقضي أسبوعًا آخر لا تدري شيئًا عن طفلتها؟
ربَّت ثائر على كتف أمه قائلًا بهدوء:
_البركة فيكِ أمي، مهما حاولت هي الاهتمام بها لن تفعل مثلك.
ثم أردف ببسمة ساخرة:
_هذا إن حاوَلَت!
ليجتاح الألم عيني وصوت أمه وهي ترد بحسرة واضحة:
_أنا جدتها يا ثائر ولستُ أمها، سيلا تحتاج أم، تحتاج أمها وهي مشغولة بمشاكلها معك وأنت أيضًا لا تعتني بها أو تحاول تعويضها.
تراجع ثائر إلى الدرجات كي يتخلص من ذلك النقاش هاتفًا بجفاء:
_يا إلهي! أمي سينفجر عقلي بسبب العمل، أرجوكِ وفري هذا الحديث لوقت آخر.
لتُصيح به بدورِها:
_أي وقت ثائر؟ وهل يراك أحدنا؟
لكنه لم يكن ليبدأ ذلك النِقاش أيضًا..
عن انشغاله الدائم؛
عن عمله المُفرِط؛
عن انعزاله الذي يجد فيه راحته!
"لقد أرسلوا خطابًا من مدرسة سيلا اليوم."
والعبارة انطلقت بصوت أبيه الذي ظل صامتًا مراقبًا كل انفعالات ولده التي فشل في إخفائها، فالتفت إليه ثائر مُنتظرًا إيضاحًا، ليتابع بعتاب شديد:
_طفلتك تقضي أكثر الوقت باكية، لا تنتبه، دومًا شاردة، ومستواها أقل من أقرانها.
وبالرغم من اهتزاز نظرته؛
وبالرغم من محاولته التمسك بجمود لا يهدده سوى سيلا؛
وبالرغم من أن التأثر بعينيه بدا واضحًا؛
فإن والده أردف بهدوء دون أن يحاول إطالة النقاش معه:
_فكر فيما ستفعله من أجل سيلا يا ثائر، فكر في ابنتك قبل أن يتملكك الندم!
**********
يتظاهر بالانشغال في نسخ بعض البرامج على الحاسب الآلي مُتهربًا من عينيها، لكن غضبها كان مُنطلِقًا في كل مكان حوله، لتصيح به فجأة بعد أن تركتهما فيروز لتثرثر مع سُهيلة بغرفتها:
_لماذا لم تُخبرني بأنك آتِ إلى هنا؟
نظر لها بدهشة مفتعلة ثم رد:
_ أستطردينني من بيتك يا يُسْر؟ بالطبع كنت سآتي، كيف كنت سأحضره إذن؟
وأشار إلى الجهاز ببراءة ظاهرية فجزَّت على أسنانها بغيظ وهي تقول بتحذير:
_لا تتلاعب معي تميم، أنت تفهم ما أعني!
ضرب كفًا بالآخر وهو يردَّ باستنكار:
_وماذا فعلت أنا؟ بدلًا من أن تُلقي باللوم عليّ انظري إلى شقيقتك مُنفلتة اللسان، أرأيتِ كيف تتحدث معي دون اعتبار لمقامي؟
ثم أشاح بوجهه حانقًا، متمتمًا:
_البومة، عديمة التهذيب، أين غاب كمال وهي تتلقى التربية؟ لا أدري!
رَفَعَت عينيها إلى الأعلى هاتفة:
_يا إلهي! ألن نتخلص من هذه الحكاية تميم؟ ألن تتجاوز الماضي مثلما فَعَلَت هي و...
وعندما نظرت إليه لتستأنف شجارها معه انعقد لسانها داخل حلقها وهي تتطلع إليه..
إلى تميم.. ابن عم والدها؛
إلى تميم.. الصديق؛
إلى تميم.. الذي تعتبره بوصلة أمانها؛
الوحيد الذي تهرول إليه ما إن تنتابها أية حيرة؛
الوحيد الذي تثق به وبحكمته وبحكمه في أي مشكلة..وكل مشكلة؛
إلا إن تعلَّقت بنقطة ضعفه الوحيدة.. "سُهيلة!"
ما إن يُذكر اسمها حتى يذهب تعقله وحِكمته وقوته أدراج الرياح ليظهر تميم المُتهور؛
العاشق؛
الضائع في دوامة تُديرها شقيقتها الكبرى
والغبية!
التي نبذت رجلًا مثله فصبر وانتظر علَّها تعود إليه؛
لكنها تمادت وتمادت حتى جرحته بقسوة؛
ثم فاجأتهم بآخر حذرها منه الجميع لكنها تحدت وعاندت ثأرًا لكرامتها وانتقامًا لِتجاوز لم يكن هو مُذنبًا به وحده؛
ليفاجىء هو الجميع أيضًا بخطبته لصديقتها؛
وتلك حكاية أخرى متيقنة هي من وجود خفايا وراءها!
_ما هو وضع فيروز بحياتك تميم؟
والسؤال الذي خرج بنبرة لائمة جعله يعقد حاجبيه دهشة، لتتابع هي برجاء خفي:
_سُهيلة مجروحة تميم، لقد.. لقد جرحها طليقها بطريقة لا يتحملها أحد، أرجوك لا تُزِد من صعوبة الأمر عليها!
قالتها بخفوت عله يتوقف عن الحرب التي تعلم هي أنها بدأت للتو ولا أحد يستطيع التكهن بكيفية انتهائها، لكنه هدر بعنف بالغ:
_عسى أن تظل مجروحة مثلما فعلت بي لسنوات، عسى أن تسبح في بحور المرارة التي أغرقتني بها، عسى أن يصرخ قلبها مثلما بح صوت قلبي نداءًا لها.
زفرت يُسْر بألم وهي ترمُقه بتمعن، ثم طأطأت رأسها أرضًا بحيرة؛
إن كان لها أن تحكم بينهما ستنتابها الحيرة..
لِهذا هي لا تقتنع بأمور الحب مُطلقًا؛
لِهذا هي مُرتاحة بتعقلها؛
لِهذا هي ستتقرب من رمزي!
لا تريد مثل ذلك العذاب الذي يتغذى على سُهيلة..
لا تريد مثل هذه الحسرة التي تنبع من تميم!
تريد حياة هادئة يسيرة لا تشوبها المشاكل..
لا منحنيات ولا منحدرات!
إن كان عليها الاختيار بين الأنهار والبحار؛
بالطبع ستسقط في نهر هادىء..
وستهرب كل الهرب من البحار.. الثائرة!
وخرجت فجأة من شرودها على نظرة تميم التي اقترنت بسؤاله الغاضب:
_أخبريني ماذا فعل بها ذلك الحقير النذل؟ ما إن رأيته حتى أدركت أنه يصطنع اللطافة وتمنيت أن أهشم أنفه بيدي!
**********

سعاد (أمواج أرجوانية) 20-02-21 11:47 PM

تابع الفصل الرابع:
***
"أتعنين أنكِ استيقظتِ فجأة صباحًا لتكتشفي أنكِ أصبحتِ تُحبين رمزي؟"
هتفت بها فيروز في وجه صديقتها وهي تلحق بها مُهرولة فردَّت يُسْر بنفاذ صبر:
_أقسم أنني لم أنطق بكلمة الحب هذه على الإطلاق، أنا قلت أنني سأمنحه فرصة، فرصة يا فيروز وسأحاول تجاوز أي مشاعر أخوة بداخلي تجاهه.
صاحت بها فيروز ساخرة وهي تجذب ذراعها من أمام إحدى السيارات المُسرِعة:
_هل تظنين الأمر بتلك البساطة؟! الآن ستذهبين إليه قائلة:" مرحبًا رمزي، أنا قد قررت نقلك من مُستوى الأخ إلى مُستوى الزوج المُحتَمل، من فضلك ابذل قصارى جُهدك كي لا أقم بإقالتك!"
مَطت يُسْر شفتيها وهي ترمقها بغيظ وردَّت:
_هل انتهيتِ خفيفة الظِل؟ بالطبع لن أفعل ذلك، سنجد طريقة نُسوي بها الأمر بدون أن يجرح أحدنا الآخر، سنتعايش باحترام وسيحافظ كل منا على كرامته.
وصمتت للحظات وهي تُكتف ذراعيها وتُحدِّق بها باستخفاف قبل أن تتابع:
_ ثم أخبريني! منذ متى وأنتِ ضليعة في أمور الحب والغرام وتتحدثين عنها بهذه الثقة؟
اتسعت عينا فيروز بتوجس ثم تهرَّبت من النظر إليها، فاقتربت منها يُسْر قائلة بتحدي:
_بما أنني لا تنتابني تلك المشاعر مُطلقًا فأنا أستطيع إدراك من هم مِثلي.
توردت وجنتا فيروز بحَرَج فتابعت يُسْر بابتسامة مُستفزة:
_لِذا _وبكل ثِقة يا صديقتي_ أخبرك أنكِ أيضًا لم تُجربي تلك المشاعر التي تلقين الشعارات حولها طوال الوقت مُطلقًا!
أسرعت فيروز قائلة بنبرة مُعتذِرة:
_هل تميم من أخبرك؟ لقد شددت عليه أن تعلمي مني أنا كي لا تغضبي!
رمقتها يُسْر بتهكم ثم قالت:
_ تميم لم يُخبرني بشيء، هو الآن مثل من سقط حجر ضخم على رأسه فلم يقتله، لكنه أصابه بنوع من أنواع التأخر العقلي فلا يرى أمامه سوى تلك المُستفزة.
صمتت للحظات زاد بها حرج فيروز فتابعت:
_لكنني لستُ بعمياء فيروز، أنا أدرك تمامًا أن تميم لم يحب سوى سُهيلة، وأدرك أيضًا أنكِ مثلي، لم يدق الحب بابك مُطلَقًا، انتظرت كثيرًا أن تصارحيني من تلقاء نفسك لكنكِ لم تفعلي.
طأطأت فيروز رأسها أرضًا مُرددة بخفوت:
_شعرت بالحرج منكِ يُسْر، الموضوع مُعقد قليلًا، أنتِ صديقتي وهو بمكانة شقيقك، ولقد أراد إنقاذي من عمي فاقترح عليّ هذه الخطبة!
اتسعت عينا يُسْر بدهشة مُتسائلة:
_إنقاذك!! لقد.. لقد اعتقدت أن الأمر بينكما مثلما بيني وبين ورمزي!
لم تستطع فيروز التحكم في نظرتها المُندهِشة وهي تتطلع إلى يُسْر التي هتفت بغيظ شديد:
_لقد أشفقتُ عليكِ فيروز وكنت أموت حرجًا وشعورًا بالذنب تجاهك طوال هذا العام لأنني أعلم أنه لن يشعر تجاهك بأي شيء يومًا وأنتِ لا تستحقين ذلك، حتى أنني خبرته عن عودة سُهَيلة كي يتخذ قرارًا حاسمًا بشأن كل هذا التعقيد، فالانفصال سيكون أقل إضرارًا بكِ حينها.
ابتسمت فيروز باستغراب وهي تقول باستنكار:
_وهل ترينني بلهاء يا يُسْر؟ تميم بالنسبة إليّ ليس أكثر من تعويضًا لمكانة الأب الذي فقدت، أنا وهو كنا صريحان تمامًا منذ بداية الأمر!
ازدادت دهشة يُسْر فأردفت فيروز بابتسامة ممتنة:
_عندما جاء عمي مُصممًا على تزويجي من ابنه في العام الماضي بحجة خوفه على سُمعته بين أهل بلدته واستنجدت بكِ فاصطحبتِ أنتِ تميم عرض عليّ أن يخطبني منه حتى يدعني وشأني ثم ننفصل فيما بعد، حتى أنه شدد عليّ بعدم إذاعة أمر خطبتي كي لا تتعرقل أية مشاريع ارتباط خاصة بي مُستقبلًا.
ارتفع حاجبا يُسْر لتتابع فيروز بنظرة حالمة ميزت عينيها الزرقاوتين:
_كما أنني أعلم أنه لن يفكر في أية امرأة سوى شقيقتك الحمقاء، لكم أتمنى مثل قصتهما!
ظهرت الحيرة على نظرة يُسْر ممتزجة بالغيظ، لتسألها على الفور:
_إذن لِم حلقة الخطبة ؟
هزَّت فيروز كتفيها وهي ترد باستخفاف:
_أنا لا أرتدي أية حلقات!
هتفت يُسْر من بين أسنانها بغيظ:
_أعلم ذلك، قصدت تلك التي يرتديها هو.
مطت فيروز شِفتيها بأسف وهي تُحدِّق بها مُرددة:
_يُسْر! تلك الحلقة يرتديها تميم منذ عشرة سنوات بالأصل، ومحفور عليها اسم سُهيلة !
**********
ألغى رمزي الاتصال للمرة الثالثة بنزق لم يمنعه من التساؤل بداخله:
"لِمَ تتصل به يُسْر بذلك الإصرار؟ هي لم تفعلها مُطلقًا!"
ثم وصلت رسالتها التي جعلته يُحدِّق في الهاتف بدهشة:
"كيف حالك رمزي؟ آسفة إن ألححت باتصالاتي، لكنني وددت أن أخبرك أن هناك مَعرَضًا للأثاث بأسعار مُخفضة، إن كنت مُتفرِغًا اليوم بعد العمل بإمكاننا الذهاب إليه كي نلحق بالموعد، إلى اللقاء!"
أعاد قراءة الكلمات مرات ومرات وهو يشعر بحيرة غريبة..
يُسْر لم تبدو يومًا بهذا الحِرص على مُستقبلهما معًا؛
ما الذي بدَّلها الآن إذن؟
ولِمَ الآن؟!
الآن وهو يتجرَّع ذكرياته مع حبيبته في ذلك المكان بالتحديد فيُعذبه الاشتياق!
وأثناء شروده لم يُلاحظ تلك التي وصلت للتو ووقفت تُحدِّق به بشوق فاضح، إلا أنها جلست أمامه قائلة برقة:
_اشتقت إليك رمزي، اشتقت إلى هذا المكان، اشتقت إلى رفقتك، وحنانك وحبك و..
ليقاطعها بجفاء ظاهري:
_ماذا تريدينن مني رِهام؟
ابتلعت كلامها ثم رمقته بألم وهي تُحدق بيمناه، وبِحسرة تساءلت:
_هل تحبها؟
أشاح بوجهه بعيدًا عابسًا ثم أجابها:
_إنه أمر خاص، فأنا لم أسألك هل تحبين زوجك أم لا!
سارعت مُعقبة ببلهجة مُتوسلة:
_لكنني أخبرتك أنني أكرهه.
لم يجد ردًا وهو يستشعر الفرحة بداخله..
لم تحب زوجها؛
لم تمنح قلبها إلى غيره؛
ربما هذا يكفي؛
ويكفيها العذاب الذي تصرخ به عيناها..
وبنفس هذا العذاب سألت:
_رمزي، هل ستساعدني؟
نظر إليها مُنتظرًا توضيحًا فأعطته إياه بنفس التوسل:
_هل ستساعدني كي أتخلص من ذلك الوحش؟ إكرامًا لذكرياتنا سويا!
الذكريات.. نقطة ضعفه هذه الذكريات؛
لم تتركه يومًا، لم تمنحه الفرصة للسعادة، ولا حتى التجاوز!
ازدرد لُعابه مُستجيبًا بضعف، مُستفهمًا باهتمام صادق:
_كيف تريدين مني أن أساعدك؟
صاحت مُسرِعة والأمل يُشرق بعينيها على استحياء:
_أنا أريد الطلاق!
وبالرغم من طيور السعادة التي غردت بقلبه إثر الكلمة الأخيرة، إلا أنه عَقَّب ساخرًا:
_وثائر الجوهري يحبك ومتمسك بك؟
كان يتوقع ردًا مُتألِمًا لإدراكه أنه يضغط على جراحها، لكن ولِدهشته ضحكت عاليا حتى اجتذبت نظرات البعض فنظر إليها مُستنكرًا، توقفت عن الضحك بالتدريج ثم قالت:
_عُذرا، العبارة نفسها بدت شاذة، ربما كان يفعل يومًا...
بترت عبارتها وشردت بعيدًا عن مرمى نظراته قبل أن تتابع بصوت خفيض:
_لكنه كان يحبني حقًا منذ سنوات، كان يفعل كل ما يستطيع كي يُسعدني، كان.. كان يتحمل كل غضبي واعتراضي ونقمتي على حياتي معه، و...
ولما انتبهت إلى أنها تفوهت بأكثر مما يجب عادت بنظراتها إلى عينيه الغاضبتين، لتحمحم بحرج وتتابع بلهجة وفيرة بالحقد:
_لكن الآن ثائر والحب لا يجتمعان مطلقا يا رمزي، هذا الشخص لا يحب سوى عمله فقط، أما تلك المشاعر التي يتمتع بها البشر أمثالنا أصبح لا يفقه هو بها شيئا.
ارتخت ملامحه المتشنجة وهو يطالع القهر بعينيها، يبدو أن حبيبته عانت بالفعل كثيرًا مع ذلك الرجل الذي لا يكره بقدره..
_هل.. هل يستخدم العنف معك؟
نظرت له بدهشة فتابع بحقد مماثل مستعيدًا ملامح رئيسه الباردة:
_هل يضربك يا رهام؟ هل يستخدم وسائل العنف معك؟! أعلم كم هو شخص قاسِ ظالم و...
بتر عبارته عندما هزت هي رأسها نفيًا قبل أن تجيبه:
_لا! لم يفعلها إلا مرة واحدة يا رمزي.
اتسعت عيناه بغضب شديد فتابعت هي بفخر كان الشيطان ليصفق إعجابًا به:
_منذ ثلاثة سنوات رأيتك يا رمزي، رأيتك بأحد المراكز التجارية مع بعض أصدقائك، وعلى الفور أخبرته أنني لا أحبه ولن أفعل إلى الأبد!
رغمًا عنه ابتسم فاستطردت هي:
_لم يفعل أي شيء سوى أنه اصطحبني إلى القصر في صمت، وذهب إلى غرفة طفلته ليبقى إلى جوارها حتى تنام كعادته كل ليلة، لكنني انهرت، هاتفت صديقتي وأخبرتها أنني رأيتك و...
أغمضت عينيها لتلهث مستعيدة بذهنها ذلك اليوم الذي غير مجرى حياتها حتى هذه اللحظة، فاستحثها هو:
_وماذا حدث رهام؟
فتحت عينيها وحدقت به مشددة على كلماتها بقوة:
_أخبرتها أنني لم أحبه يومًا واحدًا، وأنني لازلت أحبك أنت وسأفعل إلى الأبد، أخبرتها أنني لا أتحمل حتى طفلته، وبأنني أكرهه ولا أطيق تحمل حياتي معه، و.. والعديد من الأمور الخاصة لن أستطيع أن أخبرك عنها.
ولما طأطأت رأسها أرضًا بحرج واضح لم يفهم هو مقصدها، لكنها أردفت بهدوء:
_وعندما أنهيت المكالمة اكتشفت أنه استمع إلى كل كلمة تفوهت بها!
انعقد لسانه وهو يتخيل رد فعله حينئذٍ، لتضيف هي بألم:
_ومنذ ذلك اليوم وكلانا في حرب ضد الآخر، أنا أريد الطلاق وهو يريد ابنته، وأبي لا يوافق إلا إذا زاد نفوذه بالشركة!
حدَّق بها بدهشة ثم عَلَّق بتحفز:
_لكنكِ قلتِ أنكِ ستتركينها له بالفعل!
وبنفس الألم شردت قائلة:
_بالطبع سأفعل، لكنني لا آمن غدره، ولن آمن غدر أبي أيضًا!
هز رأسه مرتين ثم هتف بضياع:
_لا أفهم!
توترت عيناها وهي تتهرب من نظراته ثم شبَّكت أصابعها وقالت:
_أريد أن.. أريد أن أحوز شيئا يمنعه من أذيتي، ولا لديه أغلى من عمله، إن استطعت مساومته على شيء مُتعلِّق به مُقابل الطلاق ستكون المشكلة قد حُلَّت.
فغر فاهه دهشة ثم سألها باستنكار:
_لماذا كل ذلك التعقيد رِهام؟ طالما لا توجد لديه مشكلة في تطليقك وأنتِ لا تريدين ابنته اتركيها له وارحلي، لن يستطيع أبوكِ فعل شيئًا!
هتفت برفض صارخ والغِل مُقترِنًا بالخوف يقفز من عينيها ليُشفِق هو على حالتها فورًا:
_أخبرتك أنني سأتركها يومًا، لكنني أريد أن أجرحه وأعذبه كما فعل، وإن تركتها له الآن سوف يُحاربني أبي نفسه، وثائر سوف ينتقم مني، أنت لا تعرفه رمزي، يستطيع فعل الكثير، يستطيع التسبب بمشاكل لأبي وتهديد شراكتهما، لِذا يجب أن أهدده أنا أولا.
ظلت تنظر إليه بتوسل وخوف من خُذلانه لها..
لكنه لم يفعل وسألها باستخفاف:
_وكيف ستفعلين ذلك؟ ما الذي بإمكانه التأثير به؟
أزاحت إحدى خصلاتها السوداء خلف أذنها وهي تتحدث بِرَهبة:
_هناك.. هناك مناقصة هامة يسعى إلى الفوز بها بكل قوته منذ أشهر، علمت بتفاصيلها بالأسبوع الماضي أثناء حديث أبي مع رَغَد، إن.. إن أنا استطعت تعطيلها ومساومته على بيع جزء من أسهمه بالشركة لأبي ستحل جميع مشاكلي، حينئذ لن يعارض أبي الطلاق وسأتخلص من هذا الزواج.
وعندما لم يجد تعقيبًا مناسبًا أردفت بِرِقة:
_وسأصبح حرة!
وبالرغم من دقات قلبه التي تعالت مع تخيُّل تحقيق عبارتها، سألها بدهشة:
_ستسرقينه رِهام؟
أسرعت هاتفة باستدراك:
_ليست سرقة رمزي، أنا أضمن أماني بها، ثائر يتمتع بإذلالي وإهانتي منذ سنوات، لقد رأيت كل أنواع الألم معه، أنت لا تفهم شيئا!
ودمعت عيناها وتهرَّبت بهما منه مُتابعة:
_أليس من حقي أن أرتاح بعد كل ذلك؟ ألا يكفيني أن الرجل الوحيد الذي لم أُسلِّم قلبي لسواه يرفضني وسيكون لغيري؟
حدَّق بها بعتاب قائلًا بخفوت:
_أنتِ من تخليتِ أولًا رِهام، لا تُلقي اللوم عليّ الآن!
صاحت به بقهر:
_أجبرني أبي رمزي، أجبرني على الزواج منه من أجل شراكتهما، ولم أهنأ معه يومًا واحدًا!
ثم أردفت من بين دمعاتها:
_أنت تعمل في شركته وترى أي إنسان قاسِ هو، وأُحب أن أُخبرك أن ثائر الزوج أقسى من ثائر رب العمل بِعِدة مراحل، وأنا وحدي من دفعت الثمن!
سَحَبت محرمة ورقية ثم أخذت تمسح دمعاتها، نظر إليها بألم مُقترِن بعشق لم ينضب يومًا..
لماذا يُعاني كلاهما بذلك الظلم؟
لماذا يجب عليهما الفِراق على الرغم من عِشق كلا منهما للآخر؟
رَفَعَت رأسها تستجديه بسؤالِها:
_أخبرني رمزي! هل لاتزال محتفظا بصورتي بحافظتك؟ هل لاتزال تنظر إليها بين الفينة والأخرى؟
فأجابها بصوت مُتلهِف وبدون تردد:
_لم يمر يوم إلا وانا أتشبع من ملامحك بها، ليزداد اشتياقي إليكِ كل لحظة، ويكبر حبك داخل قلبي كل لحظة، وألعن من أخذك مني كل لحظة!
عادت دمعاتها أقوى وهي تقول بحسرة واضحة:
_حظك أفضل من حظي رمزي، فأنا قد فقدت الصورة الوحيدة التي تجمعنا سويًا، فقدتها ففقدت كل قدرة لي بالعيش بعيدًا عنك!
ثم مالت بالقُرب منه مُترجِية:
_ساعدني رمزي، أنت الوحيد الذي بإمكانه مساعدتي، رَغَد لن تتفهم موقفي، أرجوك ساعدني كي أتخلص من عذابي وأعدك سأرحل ولن تراني ثانية، سأسافر بعيدا ولن أقوم بإزعاجك، وأتمنى لك السعادة مع خطيبتك.
أيتركها؟
أيتخلى عن حبيبته؟!
مال أيضًا مُقتربًا منها والحزم يصرخ بملامحه مُتسائلًا:
_ما هي تفاصيل تلك المناقصة وكيف علمتِ بها، وكيف سنساومه بها؟
"سنُساومه؟!"
هل قال "سنساومه؟!"
أيعني هذا أنه سيعود إليها؟
أشرق الفرح على وجهها والكلمات تنبثق منها بسرعة:
_لقد سمِعت أبي يتحدث بشأنها مع رَغَد، إنها تخص مشفى خاص ضخم سيبدأ إنشاؤه بالشهر المقبل، الملف الآن يقوم بدراسته باسل وسيظل في مكتبه حتى يرسله إلى ثائر بآخر الأسبوع، إن استطعنا الحصول عليه ومحو النسخة الإلكترونية على حاسب باسل الآلي قبل أن يخرج من مكتبه ستحررني رمزي، ستحررني من شقائي.
عقد حاجبيه بدهشة فاستطردت موضحة:
_لو هددت ثائر بأنني سأقوم بتسريب أمر اختفاء معلومات مناقصة بهذه الأهمية سيخشى الفضيحة التي ستضر بِسُمعة الشركة كلها، وحينها حتى أبي سيشجعني طالما سيضطر ثائر إلى بيع بعض الأسهم له!
ظهر التفكير الجاد على ملامح رمزي لدقيقة كاملة التزمت هي الصمت خلالها، ثم سألها بحيرة:
_وكيف سأستطيع الولوج إلى حاسب أستاذ باسل؟ بالتأكيد هو يحميه بكلمة سر.
التقطت هاتفها من حقيبتها بسرعة قائلة بحماس:
_أنا أعرفها، فهي مع رَغَد لأنها تستخدمه أحيانًا ولقد نقلتها عن هاتفها، هي دومًا تحتفظ بكل الأرقام وكلمات السر الهامة على هاتفها حتى لا تنساها.
وبينما بدأت بالفعل في إرسال الرقم إليه كان هو يسألها بقلق:
_لكن.. في هذه الحال ربما يتهمونها هي، سنتسبب لها بالضرر وهي دومًا كانت لطيفة ومهذبة معي، هي من أرسلت إليّ فرصة العمل بالأصل وهي من قامت بتعييني.
زفرت بسأم ثم قالت بحنق:
_أنا من أخبرتها أنك أحد أقرباء صديقتي وأنا من أصررت عليها كي ترسل لك فرصة العمل يا رمزي، ولا تقلق! ثائر وباسل يثقان بها أكثر من أي شخص آخر.
ولما بدا عدم الاقتناع على وجهه استدركت برقة:
_كما.. كما أننا بمجرد حصولي على الملف سأذهب أنا إليه وأجبره على بيع الأسهم لأبي، أنا قمت بتحضير العقود ولا يتبقى سوى توقيعه هو وشقيقه.
وتردد دام لثانيتين ثم أجهزت عليه عندما مدت يدها لتمس كفه الموضوعة على الطاولة بينهما قائلة بخفوت:
_سأتحرر رمزي، أنت وحدك من ستحررني! أرجوك لا تتخلى عني!
والحرية من أجلها ستكون بالتبعية من أجله هو!
لن يغرق في هوة الفِراق ثانية؛
إن كانت تسببت في عذابه من قبل فقد تعذبت هي أيضًا؛
والآن ليحصلا على بعض السعادة أخيرًا!
أومأ برأسه وهو يُثبت التفاصيل بذهنه ثم قال بتصميم:
_سأساعدك رِهام، لن تتابعي حياتك مع ذلك الرجل، لن تتابعي حياتك إلا معي أنا!
والنظرات المقترنة بالابتسامات العاشقة رفرفت، ودقات القلبين باللقاء القريب تراقصت؛
والوعود من كليهما قد عادت ثانية، مع تصميم بالتنفيذ هذه المرة!
ولم يدرِ كلاهما بتلك التي تقف على بُعد مسافة منهما مُحدِّقة بهما بصدمة والغضب يحتل ملامحها!
**********
وفي غرفة المكتب الفخمة؛
وخلف سُحُب دخان سجائره الكثيفة التي لا يستغنى عنها؛
جالسًا هو بكل سكونه..
الواجهة جليدية باردة؛
وفي العُمق نيران غضب تهدد بوشوك انفجار البركان؛
مُحدِّقًا بصورة قديمة بعض الشيء وجدها باليوم السابق..
" أنا لا أحبك، لم أفعل يومًا، ولن أفعل إلى الأبد!"
...
والجرح الذي ظن أنه سيجبره على أن يندمل أثبت له خطأ ظنه؛
فها هو اللهيب يرتفع إلى عنان روحه؛
وها هي كرامته تتلظى صارخة؛
وها هي رجولته يتم كسرها مرة أخرى!
لأكثر من عامين كان بنفس المكان مع ذلك الرجل المجهول دون أن يعرفه؛
مرات ومرات صادفه ليلاحظ مدى الحقد الذي يتطلع به إليه دون أن يفهم السبب؛
وبالأمس فقط أدرك السبب!
يغار منه على زوجته!
زوجته التي لاتزال على أطلاله باكية؛
أطلال دفنت تحتها وفاءها، وإخلاصها، وحيث دفن هو أيضًا احترامه لذاته!
أكان يسخر منه؟!
عندما كان ذلك الموظف يراه كان يسخر لأنه يعلم أن زوجته لا تستطيع تقبله؟!
عندما يراه كان يشمت به لأنه يعلم أنه لايزال يسكن قلبها وفكرها حتى اليوم؟!
عندما يراه كان يعلم أنه يعيش بينهما منذ ست سنوات كالشوكة بالخاصرة؟!
ماذا يؤخرهما إذن؟
لِمَ لا يتخذا تلك الخطوة..
الخطوة التي ستنهي هذا العَبَث؛
الخطوة التي ستجعله ينظر إلى نفسه باحترام ورِضا؛
والخطوة التي ستنهي ذعرًا دائمًا متمثلًا في صورة يوم لا يرى خلاله طفلته!
لكنه يشعر أن الأوان قد حان؛
يشعر بقرب فوزه بالاحتفاظ بطفلته إلى الأبد؛
يشعر بأن تلك الطامعة لن تستطيع الانتظار أكثر..
وبهدوء التقط هاتفه، ليقوم بطلب سائق العائلة، وبكلمات هادئة أمره:
_هذا الموظف الذي أخبرتك باسمه، أريدك أن تراقب كل تحركاته يا سليمان، أريد أن أعرف إلى أين يذهب، وأين يعيش،.. ومن يقابل!
وعندما أنهى المكالمة عاد مجددًا إلى غنيمته الفوتوجرافية؛
بها شابة جميلة وسعيدة للغاية؛
بها شاب وسيم وبشوش للغاية؛
صورة قديمة بعض الشيء تجمع بين زوجته...؛
و.. ذلك الموظف الذي يعمل تحت إمرته!
*****نهاية الفصل الرابع*****

سعاد (أمواج أرجوانية) 20-02-21 11:56 PM

الفصل الخامس
*أول الغيث.. قطرة!*
***
قطرة.. فقطرة.. فقطرة
يتساقط الندى فوق جمود قلبي
يتشقق، يتكسر، ويذوب
دفء.. فحرارة.. وشرارة!
وها أنا يا ألوان لوحتي؛
وها أنتِ يا لهيب ثورتي؛
ربما قد أوليت ظهري خوفًا
وربما قد وليت من عشقك هربًا
لكن مآلي إليكِ وملاذِك أنا
فيا ثلجي ويا ناري..
لا تحلمي بحرماني من شعلة ندى أذاب صقيع أوتاري!
***










دخلت رِهام إلى غرفتها بقصر والدها مبتسمة بانتشاء، السعادة تنضح بملامحها، والأمل يشرق بروحها أخيرًا؛
لا تُصدق الصور التي أخذت ترتسم بمُخيلتها..
ستتحرر من ثائر؛
وستعود إلى حبيبها الوحيد!
نهائيًا هذه المرة ولا تكرار لسقطة دفعت ثمنها سنوات مع آخر..
لا فِراق ولا ابتعاد؛
هو وهي فقط!
حتى أنها ستنجب أطفالًا كثيرين يشبهونه هو؛
أطفال يشاركونهما سعادة فُقِدَت لسنوات..
لكنها على الفور تسمَّرت مكانها وهي تتطلع إلى وجه أختها الغاضب في نُدرة أثارت دهشتها..
والمُشمئز أيضًا؛
والمصدوم بِشدة؛
هبطت من غيمة أحلامها الوردية ببطء، واقتربت منها والقلق حلَّ محل سعادتها مُتسائلة:
_ماذا بكِ رَغَد؟ هل أمي بخير؟
تأملتها رَغَد مليًا في صمت لِثوانِ، ثم هتفت بها بحنق مُفرِط:
_أتتسائلين عن أمك رِهام؟ هل تشعرين تجاهها بالقلق؟ هل تشعرين بأي اهتمام أو خوف من أجلها؟!
تمعَّنت بها بدهشة بعد أن انتشلتها أختها من فقاعة أفكارها السعيدة، وقالت باستنكار:
_بالطبع أنا قلِقة عليها، لماذا تتحدثين بهذه الطريقة؟
وقفت أمامها تتفحصها باهتمام؛
ولو يطالعهما آخر لأدرك أنهما بالفعل شقيقتان..
نفس الملامح البريئة التي تجبر أي كان على الوقوع في غرامها؛
نفس الشعر الأسود، ونفس العينان السوداوتان..
لكن..؛
إحداهما تفيض بحنان تلقائي غزير، بينما الأخرى تتشبث بأنانية لاذعة!
كتفت رَغَد ذراعيها وهي تسألها:
_ولماذا تركتها وخرجتي إذن؟ لماذا لم تظلي إلى جوارها؟
تهرَّبت رِهام بعينيها منها ثم ردَّت بتوتر وهي تدفع إحدى خصلات شعرها إلى الخلف:
_أنا.. أنا أعلم أنكِ لم تذهبي إلى العمل اليوم من أجلها، وقد كان لديّ أمرًا هامًا يجب أن....
قاطعتها بصرامة هاتفة:
_وما هو ذلك الأمر رِهام؟
نظرت لها رِهام باستغراب، ولم تلبث إلا أن تساءلت بحنق:
_لماذا تسألين كل هذه الأسئلة؟ ولماذا تنظرين إليّ بهذا الشكل؟ ولِمَ هذه الحدة بِلهجتك؟!
نفضت رَغَد ذراعيها صائحة بها بصوت مبحوح غضبًا:
_ربما لأنني أكاد أُجن، ذاهلة، أشعر تجاه أختي الكبرى بالامتعاض!
اتسعت عينا رِهام بذهول ثم هتفت بها باستنكار:
_رَغَد! كيف تتحدثين .....
لتصرخ رَغَد فجأة مُقاطِعة إياها:
_أنتِ خائِنة!
فغرت رِهام فاها وشحب وجهها، ارتفع صدرها وهبط وتلبَّسها توتر فاضح، تراجعت إلى الخلف بضعة خطوات، وبصوت خافت قالت:
_هل جُننتِ؟! ما الذي...
قاطعتها رَغَد وهي تقترب منها بصيحة أقوى:
_أنتِ خائنة رِهام! رميتِ ابنتك وخنتِ زوجك مع ذلك الحقير! أليس هو نفس الحقير الذي توسلتني منذ أكثر من عامين أن أُرسل له فرصة التحاق بالعمل بالشركة لأنه أحد أقرباء صديقتك؟ أليس هو نفسه من قابلته أنا بنفسي وأدخلته إلى الشركة بنفسي كي تقومي أنتِ بخيانة زوجك معه؟!
وبينما خرجت الكلمات الأخيرة صارخة بالفعل، هزَّت رِهام رأسها نفيًا بسرعة وهي ترد بنبرة مُدافِعة:
_لم أخنه رَغَد! أنا كنت أتحدث معه فقط!
عقدت رَغَد حاجبيها وهي تنظر لها بامتعاض مُتسائلة:
_ما هو مفهوم الخيانة بالنسبة إليكِ رِهام؟ ألا تعلمين أن لقاءك به وحدكما دون علم ثائر يُعد خيانة؟ أنا رأيتك بنفسي تمسكين بيده، تمسكين بيد رجل آخر!!
أسرعت رِهام تهتف:
_أنا سأتطلق من ثائر، لم أحبه يومًا، وهو أيضًا صار يكرهني منذ سنوات، وسأتزوج برمزي، رمزي هو الوحيد الذي أحببته، هو الوحيد الذي دقَّ له قلبي.
حدَّقت رَغَد بشقيقتها بذهول وهي تنظر لها وكأنها مجنونة، للحظات ظلت كلتاهما صامتتين، بينما الأولى تحاول استيعاب ما قالته أختها للتو، ثم فجأة أضاء الفَهم ملامِحها فسألتها بتوجس:
_هل تقصدين أن رمزي ذلك هو نفسه زميلك بالجامعة سابقًا؟
أومأت رهام برأسها إيجابًا بسُرعة قائلة بحماس:
_نعم، هو نفسه، لِذا إن فكرتِ بطريقة صحيحة ستكتشفين أنني خُنت رمزي مع ثائر وليس العكس!
ارتدت رَغَد إلى الخلف لتهتف بها:
_هل أنتِ مجنونة؟ هل فقدتِ عقلِك تمامًا؟ كيف تعقدين مقارنة مثل هذه؟ أفيقي رِهام! ثائر هو زوجك ووالد طفلتك، ثائر هو من يستحق إخلاصك، والآن تتصرفين بنذالة مع ذلك القذر، ألا يعلم أنكِ متزوجة؟
وأضافت ذاهلة تهز رأسها مرارًا محاوِلة ربط الخيوط ببعضها:
_أتعنين أنني عندما كنت أنصحك بإصلاح علاقتك مع زوجك كنتِ أنتِ تتحدثين عن الآخر؟!!
وتابعت بفهم:
_أتعنين أنكِ حينما كنتِ تخبريني عن الوحيد الذي أحببته ظننته أنا زوجك بينما كنتِ أنتِ تتحدثين عن الآخر؟!!
وقبل أن ترد رِهام أردفت رَغَد بدهشة:
_مهلًا! هو أيضًا خاطبًا لأخرى وزواجه سيتم قريبًا!
هزَّت رِهام رأسها نافية بسرعة قائلة بتصميم:
_لن يفعل، سينهي خطبته منها وسنتزوج، هو من حقي أنا بالأصل!
مسحت رَغَد وجهها المُحترِق بحرارة الغضب بكفيها، ثم تمتمت بلا تصديق:
_يا إلهي! هل أنتما بشر؟! ألا تخافان الله؟! ألا تتقانه؟! كيف تتعايشان مع خِسَتِكما وخيانتكما بهذه البساطة؟!
لتصيح بها رِهام فجأة:
_لا تلوميني رَغَد! أنا لستُ مثلك، لا أستطيع تحمل مراقبة من أحب في صمت لسنوات كما تفعلين!
وعلى الفور رَفَعت رَغَد سبابتها في وجه شقيقتها هادِرة بقوة:
_إياكِ رِهام! إياكِ أن تقارني حُبي البرىء بأنانيتك وطمعك!
ثم دارت حول نفسها بِحيرة لتعود ترمقها بدهشة، وأردفت بألم مُشوَّب بازدراء:
_لم يُجبِرك أحد على ترك ذلك الشخص، لم يُجبرك أحد على الزواج من ثائر، لم يُجبرك أحد على إهمال طفلتك، ولم يدفعك أي منا إلى الخيانة!
طأطأت رِهام رأسها أرضًا بِحَرج وقلة حيلة فتابعت رَغَد بمنتهى القسوة:
_لقد رأيتك بنفسي تنظرين له بغرام لم أركِ تُطالعين زوجك به يومًا، وحتى الآن لا أتخيل أن شقيقتي على هذه الصورة من الدناءة، يا لخيبة أملي فيكِ رِهام! يا لحسرتي عليكِ!
أنهت عبارتها والتقطت وشاحها لترتديه على عجالة، فتشبثت رِهام بذراعها مُتوسلة:
_أرجوكِ رَغَد تفهمي موقفي، الأمر ليس بإرادتي، أنا...
دفعتها رَغَد عنها بعنف هاتفة:
_أي موقف رِهام؟! أنتِ مُتزوجة، ولديكِ طفلة أيضًا، أنتِ خائنة ولا صيغة أخرى لهذا الأمر، لِذا توقفي أنتِ عن خلق مُبررات لا وجود لها وأفيقي لزوجك وابنتك وحياتك قبل أن تندمي.
واتجهت إلى الباب ثم التفتت إليها صائحة بوعيد:
_وذلك القذر سأذهب إليه الآن وأُمرِّغ وجهه بالتراب بنفسي!
وصفعت الباب خلفها فحدَّقت بها رِهام بقلق ثم ما لبثت أن التقطت هاتفة لترسل له رسالة نصية:
"رمزي، لقد رأتنا رَغَد وهددتني بأذيتك، احذر!"
فجاءها رده بعد قليل برسالة أخرى:
"لا تقلقي حبيبتي، لقد اتفقت مع أحدهم على العبث بآلات التصوير وبعد دقائق سيخرج أستاذ باسل إلى الاجتماع وسأحصل على الملف ولن أذهب إلى الشركة ثانية!"
**********
نفضت سُهيلة يديها من الأتربة بعدما أنهت ترتيب كُتب التدريبات الجديدة التي تسلمتها من الموزع للتو، ثم أخذت تتطلع إلى عملها بفخر بالرغم من بساطته، لكنها تُسلي وقتها هنا بدلًا من الجلوس بالمنزل واجترار الذكريات الأليمة.
زفرت وهي تبتسم مُتخيلة لو أن والدها قام بافتتاح محلًا لبيع للكعك عِوَضًا عن هذا المحل! لكانت مارست هوايتها المفضلة منذ الصغر ولكان الأمر أكثر إمتاعًا!
"أين هي يُسْر؟"
وصوته المفاجىء أثار التحفز بكامل جسدها لتغمض عينيها بتأثر محته سريعًا قبل أن تلتفت إليه على الفور راسِمة أشد ملامح القسوة على ملامحها الجميلة!
تطلعت إليه بهيئتة البسيطة التي لم تخل من الأناقة وهو يقف مُستنِدًا على باب المحل، واضِعًا يديه في جيبي بِنطاله، طال صمتها حتى تحدث هو ببرود:
_سألتِك أين هي يُسْر، أم أن العطب تخطى أحاسيسك إلى حواسك أيضًا؟!
"وها قد بدأ!"
تظاهرت بعدم الاكتراث وقالت له بخفوت مُنذر :
_إن تحدثت معي بهذه الطريقة ثانية سأصرخ وأجمع الناس و...
لكنه قاطعها وهو يعتدل بوقفته لِيتقدم إلى داخل المحل ملتحفًا بابتسامة صفراء لم تُؤثر بوسامته الخشنة:
_وماذا؟ هيا سُهيلة قومي باستفزازي وامنحيني سببًا كي أشفي غليلي بك!
أغمضت عينيها باحثة عن صبر ثم زفرت بغيظ وهي تفتحهما لتسأله بملل:
_ماذا تريد تميم؟!
اتسعت ابتسامته التي شابتها السُخرية وهو يهتف بها:
_تميم هكذا دون ألقاب؟!! أين احترامك لعمك يا فتاة؟ أنا أكبرك بسبع سنوات، ربما عندما أبلغ الأربعين يجب عليكِ مناداتي بــ"جِدي"!
عضت على شِفتها بغيظ وهي ترفع عينيها إلى الأعلى بنفاد صبر، ثم عادت لتنظر إليه ببرود متسائلة:
_هل جئت إلى هنا خصيصًا كي تتشاجر معي؟
فرفع هو أحد حاجبيه باستهجان مُعقِّبًا:
_وهل أنتِ على هذه الدرجة من الأهمية لديّ؟
وقبل أن ترد تقدم خطوتين قائلًا بسُخرية تمقُتها بِشدة:
_هل تعتقدين أنني أفكر بك؟ هل تعتقدين أنكِ تحتلين صحوتي وأحلامي؟ هل تعتقدين أنني أحترق من أجل ابتعادك أو قربك؟
حدَّقت به بجمود ودقات قلبها تتسارع رغمًا عنها، فتابع هو ضاحكًا بسخرية، وبصوت عالِ:
_هل تتخيلين أن اسمك الذي يُردده قلبي قبل لساني لايزال يؤثر بي؟ وهل تتخيلين أنني أموت شوقًا إليكِ كل يوم منذ عشرة سنوات وحتى هذه اللحظة؟!
ودَفَع الغضب السُخرية بعيدًا وهو يتطلع إليها بملامح قاتِمة أثارت خوفًا غريبًا بجسدِها وهو يُضيف والألم يقتر من كل حرف يتفوه به:
_هل تتصورين أن كونِك رفضتني مِرارًا وتِكرارًا أزعجني؟ هل تتصورين أن كونِك ذهبتِ لغيري بكل وقاحة وتبجح لتُصبحي زوجته هو بدلًا مني يقتلني؟
ثم هتف بكل قهر وغِل وعُنف:
_وهل تعتقدين أن معرفتي بأن ذلك القذر آذاكِ لشهور مُتتابعة ببلد آخر وأنا هنا لا أعلم عنكِ أي شيء يحرقني حيًا الآن؟!!
وألمه لَمَسَها أخيرًا؛
لَمَسَها بعد سنوات؛
بعدما جربت الذل والهوان على يدي من أسلمت له ثقتها، بمجرد أن نبَذت_بكل تصميم_ قلبًا توسل وِصالها؛
ليتابع صاحب القلب:
_إن كنتِ تعتقدين أنني لازلت على ذلك الصبر، وذلك التفهم، وذلك الترفق من أجلك وحدك فأنتِ مخطئة!
طالت نظراتهما والعِتاب يصرخ بعينيه بينما صاحت عيناها برفض مُصطنع، حتى قطع هو حبل اتصالهما قائلًا _بمنتهى الكذب_ هازًَّا رأسه:
_لا ! لن ألهث خلفك بعد الآن!
وللحظة مُحِيَت نظرات الرفض بمُقلَتيها لتظهر بهما بعضًا من..الخيبة!
إلا أنه أردف بقوة:
_بل ستصيرين زوجتي وإن اضطررت لكتم أنفاسِك في سبيل ذلك!
وعلى الفور عاد الحِقد إليها قائلة:
_أنت مخبول يا تميم! أتعرف هذا؟
ليهُز هو كتفيه مُتحدثًا ببساطة:
_أنا مخبول بسببك أعترف، لِذا يجب عليّ أن أتزوجك، علَّني أعتادك وأمَلِّك وأكرهك فأتخلص من تأثيرك غير المُبرر عليّ.
اتسعت عيناها في دهشة مُغتاظة ليبادلها النظر ببرود مانِعًا نفسه بقوة إرادة عن الهتاف بِلَومها، بِعتابها.. وبِحُبها!
"أنت هنا يا تميم؟!"
والسؤال انطلق من يُسْر التي وصلت إلى المحل للتو، نَقَلت نظراتها بينهما بتوجس تحاول استنتاج في أي مرحلة وصلت بالضبط، ثم تمتمت:
_لا حول ولا قوة إلا بالله، كيف حالكما؟
وكانا في عالم آخر تمامًا فَلم يكلف أحدهما عناء الرد عليها فتابعت بلامبالاة وهي تنظر إليه:
_حسنًا! هل تحدثت مع رمزي اليوم؟
وبدون إزاحة النظر عن سُهيلة أجابها بهدوء:
_لا لم أتحدث معه، لماذا؟ هل أزعجك المُدلل؟
وقبل أن تُجيب عن سؤاله سحبت سُهيلة حقيبتها بِعُنف بالغ وهي تهتف:
_أنا سأنصرف!
وبمجرد أن تجاوزته هتف بالمثل بسُخريته المعهودة:
_احترسي أن يفتك بكِ أحد الكلاب المسعورة إذن!
لتحدق هي به على الفور وهَمَّت بالرد..
لكن..
نظرة الشوق بعينيه ألجمتها؛
نظرة العتاب بعينيه أخرستها؛
يدوران معًا بفلك الذكريات بذات اللحظة؛
لكن..
باللحظة التالية يرتطمان على أرض الواقع.. ليستقرا معًا في سقطة انتقام اندفعت هي إليها لكنهما دفعا ثمنها سويًا!
ازدردت لعابها وصَلَّبَت ملامحها مستدعية سخرية مماثلة لتقول أثناء انطلاقها إلى الخارج بكلمات حرصت على أن يسمعها جيدًا:
_الآن بالتحديد أرى أن الكلاب المسعورة أكثر لُطفًا من بعض البشر، طويلي القامة، فاقدي الرُشد أيضًا!
وبعدما اطمأن أنها عبرت طريق السيارات بسلام جزَّ على أسنانه بغضب متمتمًا بغيظ:
_سأكتم أنفاسها حقًا هذه البومة! سأفعل يومًا! فليمد الله بعمري حتى أحقق هذا الحُلم!
وعندما التفت إلى الخلف ليواجه يُسْر وجدها تُعقب مبتسمة باستمتاع:
_أتعلم أن أحدكما سيقتل الآخر ذات يوم ثم يقضي حياته بالسجن؟!
زم تميم شفتيه ثم هتف بكل غيظه وحنقه:
_عسى أن تقتلني هي فأرتاح منها ومن حبها إلى الأبد، لِتذق بعض القهر بين القاسيات أمثالها!
اتسعت عيناها بدهشة ثم تمتمت بإشفاق:
_وتسألني فيروز كيف لا أريد الحب، إن كان هذا هو فعلًا فليحفظني الله منه!
ثم أردفت بنبرة ماكرة:
_بمناسبة فيروز، لقد أخبرتني بالأمس بحقيقة وضعكما.
نظر إليها متسائلًا ثم عَلَّق باستهجان:
_وهل فوجئتِ؟
هزت كتفيها قائلة بهدوء:
_قليلًا، لم أكن أتخيل أن الأمر بأكمله ظاهري.
استند هو بجذعه على إحدى الخزائن واضِعًا رأسه بين كفيه قائلًا بيأس:
_لقد اضطررت إلى عرض هذه الخطبة عليها حتى يتركها ذلك الظالم عمها، لم أكن أستبعد أن يختطفها إلى بلده ليزوجها أحد ابنيه بالإرغام، أنتِ لا تدركين ما هو قادر على فعله.
ثم زفر قبل أن يتابع بحسرة:
_أنا ملعون يُسْر، شقيقتك أصابت قلبي بلعنتها فلا أستطيع التفكير بِسِواها، ولا أستطيع ظُلم غيرها معي.
ابتسمت مُعَلِّقَة بحنان:
_أنت نبيل كما عهدتك دائمًا تميم.
نظر إليها قائلًا بابتسامة عاتِبة:
_وأنتِ تتشبثين بالشجاعة كما عهدتك يُسْر.
لم ترد فاعتدل يواجهها مُرددًا بتشديد:
_لكن للأسف هذه المرة ستظلمين نفسك معه، رمزي شخصيته لا تناسبك إطلاقًا وقد أخبرتك قبلًا، اعطني الضوء الأخضر فأفتعل مشاجرة مع والدك ووالده معًا كما فعلت في بداية الخطبة، علهم يدركون جميعًا مقدار الظلم الواقع عليكِ.
هتفت يُسْر به بحزم قبل أن يكرر تحذيراته التي لا يتوقف عنها منذ عامين:
_أرجوك تميم لا أريد التحدث في هذا الأمر، لقد اتخذت قراري بالفعل.
ثم أردفت بابتسامة:
_وبما أنك تسببت في هرب سُهيلة من المحل أنت الآن مُضطر إلى الحلول مكاني، يجب عليّ الذهاب إلى الجريدة لأنهم يُريدون المناقشة معي حول دور أكبر، ادع لي.
ابتسم لها مُشجِعًا وقال بِفخر:
_ستصيرين مديرة القسم الأدبي يومًا، هيا اذهبي!
ابتسمت له بامتنان ثم رَفَعت كفها في تحية هاتفة:
_إلى اللقاء!
وأردفت بشقاوة:
_يا "عمي"!
لتنمحي ابتسامته ثم يرمقها بغيظ مُتمتِمًا:
_مستفزة مثل شقيقتك!
**********

سعاد (أمواج أرجوانية) 20-02-21 11:58 PM

تابع الفصل الخامس:
***
يقف أمام هذا المبنى العملاق مُستندًا على مُقدمة سيارته شاحب الوجه، يُحاول السيطرة على دقات قلبه المتلاحقة..
لم يشعُر بحياته بالرعب مثلما شَعَر منذ قليل ؛
لقد أقدم على فِعلة لم يتخيل مُطلقًا أنه قد يقوم بها..
لقد محا معلومات هامة تخص الشركة ثم.. سَرَق!
لقد أصبح سارقا!
هو.. رمزي المحاسب المُحترم بإحدى أشهر شرِكات المُقاولات بالبلد، وعائلة ذات سُمعة طيبة صار لِصًا!
بسبب رِهام؛
لا.. من أجل رِهام؛
ومن أجله هو!
من أجل أن يجتمع بحبيبته..
والأحرى من أجل أن يُخلصها من ذلك الحقير!
لقد تركها الجميع تعاني مع إنسان مثله ولم يستمع لِصراخها أحد..؛
ألا تستحق منه إنقاذًا؟!
ألا يستحق ذلك الظالم عِقابًا؟!
تلك الصفقة لن تضر به كثيرًا على أية حال..
وطالما لم يُدافع عنها أحد سيوُقع هو عقابه على ذلك الطاغية بنفسه..
هو لم يسْرق طمعًا أو جشعًا أو رغبة بأذى..
هو فقط أراد حماية إنسانة ضعيفة!
أليس هذا مُبررًا كافيًا؟
يجب عليه أن يتوقف عن الشعور بالذنب إذن!
إنها ليست زلة؛
مجرد دفاع عن نفس ضعيفة استنجدت به ولا يستطيع خذلانها؛
وبأقصى قوته دفع توبيخات ضميره جانباَ؛
وبِضعف أكد له أنها ليست أبدًا.. زلة!
**********
خرجت من مبنى الجريدة شاردة تمامًا في طلب رئيس التحرير منها، لقد بدأت بالعمل إلكترونيًا لصالِح تلك الجريدة منذ عامين، والآن يُريدها أن تعمل بصفة رسمية مُلتزِمة بالحضور يوميًا إلى المقر. الأمر لم يلاقي صداه بداخلها، لا تريد التقيد، لا تحب التقيد، تشعر براحة شديدة حينما تؤدي هوايتها أثناء مساعدتها لوالدها بالمحل، زَفَرت بتعب وهي تُقرر التفكير ملِيًا في هذا العرض.
وفجأة وجدته أمامها فحدَّقت به بذهول وهي تنطلق إليه هاتفة:
"رمزي؟! ماذا تفعل هنا؟"
ليُجيبها بهدوء أثار قلقها خاصة وهو يتهرَّب من النظر إلى عينيها على عكس عادته:
_أريد التحدث معِك يُسْر.
...
كتفت ذراعيها ترمُقه بهدوء غير راغِبة في زيادة توتره الواضح..
فبالرغم من أنها اعتقدت أنه استجاب لعرضها بالذهاب إلى معرض الأثاث الذي أرسلت إليه صوره، فإنهما يجلسان في ذلك المقهى القريب من مبنى الجريدة منذ ما يقرب من ربع الساعة وهو لايزال صامتًا، همَّ بالكلام بضعة مرات ثم تراجع.. لِتُساعده إذن!
_ماذا بك رمزي؟ لِمَ أنت متوتر بهذا الشكل؟
ألقت سؤالها فلاحظت أن ارتباكه يزداد لتتابع بابتسامة مُفتعِلة بها حماسًا زائفًا:
_أخبرني هل رأيت الصور التي أرسلتها إليك؟ أعتقد أن الأثاث جيد والـ....
قاطعها هاتفًا بعبارته مرة واحدة مُتخلِصًا من ثِقَلِها:
_يُسْر، أعتقد أننا يجب علينا التراجُع!
ضيقت عينيها باستغراب ثم هزَّت رأسها بلا فهم وهي تسأله:
_لا أفهم! تراجع عن أي شيء؟
شبَّك أصابعه ببعضهما باضطراب ثم أدار عينيه إلى كل شيء حولهما عداها قائلًا:
_عن.. عن زواجنا!
تسمَّرت نظراتها عليه مُنتظِرة توضيحًا، نفيًا، ضحكة مرِحة تكشف تسلِية، لكنها لم تجد..
لم تجد إلا توترًا وارتباكًا، ووجهه قد صار شاحِبًا؛
مالت إلى الأمام قليلًا تُحدِّق به بتدقيق قائلة:
_هل تمزح معي رمزي؟ لأن هذا الأمر لا يتحمل المزاح كما أظن.
أخيرًا نظر إليها والندم يعلو ملامحه ثم زفر بضيق مُرددًا:
_أنا آسف يُسْر، لقد حاولت، حاولت كثيرًا ولكنني لم أستطع، كنت أردد على نفسي وعليكِ أنني أحبك طوال الوقت كي أشعر بذلك بالفعل، لكنني لم أستطع.
وبالرغم من أن هذه المعلومة ليست جديدة عليها مُطلَقًا إلا أنها شعرت بإحباط..
هي خير من يعلم أنه لم يُحِبها يومًا؛
خير من يعلم أنه أثناء ترديده اعترافًا بالحب عليها ربما لم يكن يقصِدها.. هي!
ازدردت لُعابها متجاهلة شعورًا بالحرج لازمها كلما أدركت أنها لم تكن إلا وسيلة هرب، ويبدو أنها لم تنجح حتى في ذلك الدور، لِتعلق بخفوت:
_لم أصل إلى قلبك رمزي، أليس كذلك؟!
وتابعت:
_لازلت تحبها هي حتى الآن، أليس كذلك؟!
أكل الندم نظرات عينيه وهما تصرُخان باعتذار واضح:
_آسف يُسْر، أرجوكِ سامحيني.
أشاحت بنظراتها بعيدًا عنه وشيئ ما بداخلها يُرغِمها على السؤال..
السؤال الذي كتمت فضولها حوله بداخلها لِسِت سنوات؛
لكن الآن يجب عليها إشباع هذا الفضول، هو يدين لها بهذا على الأقل!
_هل.. هل سبب هذه الصحوة المتأخرة حبيبتك السابقة؟
وحينما نظر إليها بِحِدة مصدومًا عاجلته:
_أعلم رمزي، أعلم أنك كنت تحب أخرى بجنون، أعلم أنها سبب ثورتك التي لم أنسها يومًا.
والعجز احتل عينيه وهو يُكرر أسفه قائلًا بخفوت:
_الأمر ليس بإرادتي يُسْر.
صمتت للحظات والشفقة بداخلها تجاهه تعلو لتطغى على شعورها بالحرج، ثم سألته بتردد:
_هي صاحبة الصورة بحافِظتك، أليس كذلك؟
والدهشة عادت إليه مرة أخرى فتابعت مُسرِعة خشية أن تذهب به ظنونه إلى أبعد الأمور:
_لا تندهش رمزي! لقد نسيت حافظتك مفتوحة على الطاولة ببيتنا يومًا فرأيتها صدفة.
زَفَر بيأس وهو يُدرِك أن حالته صعبة بالفِعل؛
وأنه ربما كان أنانيًا مع يُسْر؛
وأنه استغل حمائيتها تجاه أفراد أسرتها وشعورها بالمسئولية؛
ليسألها بحُزن:
_هل جربتِ الحب يومًا يُسْر؟ هل.. هل شعرتِ تجاهي بأي مشاعر؟
هزَّت رأسها نفيًا ببطء وهي تُجيبه بصراحتها الدائمة:
_لا رمزي، لقد حاولت كثيرًا صِدقًا، لكنني لم أشعر تجاهك سوى بالأخوة، ولم أشعر تجاه أي آخر بالحب.
ولم يندهش بالطبع، لكنه عَقَّب بشرود:
_يُسْر، إن جربتِ الحب يومًا ستدركين شعوري، ستُدركين أن تصرفاتنا تخرج عن إرادتنا تمامًا عندما يتعلق به!
ابتسمت هي بهدوء وقالت بجدية:
_لا أريد تجربة شيء مثل ذلك رمزي، لا أريد ذلك الضعف، لا أريد إلا حياة هادئة.
عمَّ الصمت بينهما للحظات بعد عبارتها يحاولان تنظيم أفكارهما..
هو يحاول ترتيب خطواته القادمة مع رِهام ومع أبيه.
وهي تُردد على عقلها أنها لم تعُد خطيبة رمزي!
وبتلقائية مدَّت يدها تجاه بنصرها الأيمن فأوقفها بإشارة من كفه هاتفًا:
_لا يُسْر! توقفي!
وعندما نظرت إليه بتوجس تابع برجاء:
_أعرف أنكِ لستِ مُضطرة لتنفيذ طلبي لكن.. لكنني أعلم أنكِ لن ترديني خائبًا.
وعندما ارتسمت نظرة قلق بعينيها استكمل:
_أنا لم أستطع خداعك أكثر من ذلك ولكنني لا أريد لأحد أن يعلم الآن حتى أستطيع ترتيب أموري، كي لا يغضب أبي مني، لقد.. لقد كان ينتظر زواجنا باشتياق.
أومأت برأسها إيجابًا وهي تتراجع عن التخلص من حلقتها قائلة:
_ كما تشاء رمزي، وأنا لن أطلب منك سوى أن تبرىء ذمتي أمام عمي.
ثم وقفت قبل أن يرد مُبتسِمة بحنان قائلة بصدق:
_أتمنى لك أن تجد راحة البال من هذا العذاب، وأتمنى ألا تهدر عمرك في التعلُّق بامرأة متزوجة، إلى اللقاء!
**********

سعاد (أمواج أرجوانية) 20-02-21 11:59 PM

تابع الفصل الخامس:
***
ألقى زيدان حقيبته الصغيرة بجانب باب القصر الداخلي وهو يُسرع إلى أبيه هاتفًا بقلق:
_ما بها سيلا يا أبي؟ أخبرتني أمي أنها مريضة.
نظر له أبوه بحزن ثم أشار إليه بالجلوس ففعل مُتسائلًا مرة أخرى:
_ماذا بها سيلا؟
زفر أبوه بقلة حيلة مُرددًا بحسرة:
_لا أعلم زيدان، الطفلة لا تكاد تتوقف عن المرض، طوال الوقت نائمة أو مُنفرِدة بنفسها، والطبيب أخبرنا اليوم أنه ربما السبب نفسيًا وليس عُضويًا.
هبَّ زيدان واقفًا وهو يصيح بغضب:
_وأين والداها أبي من كل ما يحدث؟ لماذا يُنجبانها إذن طالما سيتركانها بالبيت بلا اهتمام؟
رد أبوه بحنق واضح:
_ثائر لا يعود من الشركة سوى بمنتصف الليل لأنك أنت ترفض مشاركته العبء وتتعامل بشركتك كأنك موظفًا بها ولست صاحبها، أما رِهام فهي لدى أهلها بسبب مرض أمها.
لكن زيدان هتف بغيظ لم يخل من الاعتراض الواضح وهو يتجاهل لوم والده المبطن بِعناد:
_ألا يستطيع ثائر العودة مبكرًا قليلًا كي يرى ابنته؟! ألا تستطيع رِهام اصطحاب ابنتها معها؟! أي والدين هما؟!
لم يرد أبوه عليه يائسًا من تخطي مشاعر ضيقه من شقيقه، ليتابع زيدان بلهجة مُتوعِدة:
_أتعلم أبي، لن يفيق أحدهما إلا إذا حدث شيئ سيئ لسيلا، أوتعلم أيضًا؟! لو الأمر بيدي لأخذتها منهما ولم أسمح لأحدهما بالتطلع إلى وجهها!
بدى الشرود على وجه محمد وهو يُتمتم بخفوت:
_لا تُطلِق أحكامك جُزافًا زيدان، لا أحد يرى ما خلف السُطور!
فيهتف زيدان بإصرار:
_لا مُبرر أبي لجحود طفلتهما بهذه القسوة، لا انشغال ثائر يشفع له ولا كراهية رِهام لزوجها تشفع لها، الطفلة تحتاج أم وأب، وكلاهما لا يفكران بها.
حدَّق والده به لوهلة في صمت، ثم تمتم بحزن:
_ستبقى إلى الأبد تفكر بالأمور من وجهة نظرك وحدك، ستبقى إلى الأبد منغلقًا، متأكدًا من صحة آرائك، غاضًَّا بصرك عما يحدث أمامك.. مُتعمِدًا!
وأردف بنفس النبرة:
_لا تلُم الآخرين على عدم مشاركتك مشاعرك بالطريقة التي تريدها طالما أنت لم تحاول مشاركتهم معاناتهم بأبسط الطرق!
ذنب..؛
الآن يشعر بالذنب؛
لماذا؟ لا يعلم؟
لكنه نفض رأسه مستجلبًا يقينًا دائمًا أنه لم يظلم، ولم يُخطىء، ولم يُهمِل!
وبِعَرجه البسيط صعد إلى الأعلى طاردًا كل هذه الأفكار غير المرغوب بها، ثم التقط هاتفه عابثًا به قليلًا حتى جاءه صوتها الـ.. باكي، فهتف بذعر:
_ماذا بكِ رَغَد؟ هل والدتك بخير؟
حاولت التحكم في ارتجافة صوتها لِترد بنبرة ضعيفة:
_نعم زيدان أصبحت حالتها أفضل.
جلس على فراشه ثم سألها بِقلَق:
_لِمَ تبكين إذن؟
مَسَحت دمعاتها ثم ردَّت بصوت مُتحشرِج قليلًا:
_لا شيء، أخبرني هل تحدث معك باسل؟
ظهر على وجهه علامات التفكير ثم الاستغراب قائلًا:
_لا لم يحدثني اليوم إطلاقًا، وهذا أمر غريب حقًا!
بعدها استدرك بحَذر:
_لماذا؟ هل أزعجك؟
أسرعت هي بصوت مكتوم مُوَضِحة:
_لا لا، لكن.. لقد حدثت كارثة بالشركة.
عاد القلق إليه أقوى وهو يسألها:
_أي كارثة رَغَد؟
اجتذبت شهيقًا عميقًا ثم تحدثت قائلة بحيرة:
_تلك المناقصة المُتعلِّقة بالمشفى الجديد، لقد اختفى الملف الخاص بها وانمحت تفاصيلها من حاسب باسل، وإن لم نجده حتى موعد الاجتماع ستضيع منا تمامًا!
عقد حاجبيه بدهشة وهو لا يستوعب معنى عبارتها مُستفهِمًا:
_ماذا تعنين أن الملف اختفى؟ ربما وضعه باسل بمكان ما ونسى، ألم يُراجعوا آلات التصوير؟
استطاع سماع الحيرة أشد بصوتها وهي تُجيبه:
_أنت تعلم أن باسل دقيق جدًا بهكذا أمور، وقد راجعوا الآلات بالطبع ليكتشفوا أنه تم تعطيلها عن قصد بوقت السرقة! وباسل أخبرني بذلك عندما كان يُحدثني للتو، و...
استوقفها بضيق هاتفًا:
_لحظة! أتبكين بسبب ذلك؟ هل عنفِّك باسل؟ هل جُن؟!!
أسرعت بنفي تحول إلى حزن شديد لَمَسه في نبرتها الرقيقة.. الضائعة:
_لا بالطبع.. لكن.. أنا مُرهَقة جدًا زيدان، أشعر بتعب وضياع وصدمة، المصائب تتلاحق على رأسي وأشعر أنها لن تنتهي.
ثم أردفت بحزن أكبر:
_كما أنني كنت أحدث سيدة ابتسام وأخبرتني بحالة سيلا.
وتابعت بصوت دامع مُتحسِّرة:
_زيدان أكاد أموت قهرًا على حالتها، لماذا يحدث كل ذلك؟ لماذا كل هذا العذاب لها بلا ذنب؟ إنها طفلة!
التزم التعقُّل وهو يحاول تخفيف الأمر الذي يثير غضبه هو شخصيًا قائلًا بحِكمة:
_رَغَد! اهدئي قليلًا، يبدو أن المشاكل أثرت بكِ بِشدة، بالنسبة لسيلا أنا سأتحدث مع ثائر بشأنها وأنتِ أيضًا يجب عليكِ تنبيه رِهام لما يحدث لِطفلتها.
لم يستطع بالطبع رؤية ابتسامتها الساخِرة التي اختلطت بالحسرة وهو يُردِف:
_وبالنسبة لذلك الملف لا أعتقد أن ثائر وباسل سيكتفيان بالمشاهدة والتسليم.
ثم تابع مازحًا كي يُغير مزاجها:
_أنا الآن أشعر بالشفقة على اللص عندما يتم كشفه، سيجعله ثائر يكره اليوم الذي وُلِد به.
وعندما لم تستجب لِمزاحه استكمل بهدوءه المُحبب:
_لا تجزعي رَغَد، إن شاء الله ستُحل جميع الأمور!
همهمت بشرود فاكتنفه شعور عارم بالضيق؛
فبالإضافة إلى انزعاجه بسبب السرقة، وحالة ابنة شقيقه، أدرك أنه لا يحتمل بكاءها.. بكاء رَغَد!
جميلة، مرحة، دائمة الابتسامة؛
حنونة، مُهتمة، مرهفة الحِس؛
ولا يحق لها الحزن!
وعندما انتبه إلى مسار أفكاره الغريب واحتلته رغبة في إطالة المكالمة اكتشف أنها قد أنهتها منذ آخر عبارة ألقتها بالفعل!
**********
"أريدك أن تتأكد من أخلاقها جيدًا، ويجب أن تمتلك خبرة سابقة بالتعامل مع الأطفال، ولتُشدد على أنها ستصطحب سيلا إلى تدريبات السباحة بالنادي كل أسبوع، أعطها عنوان الشركة وأخبرني بالموعد لأقابلها بنفسي!"
أنهى ثائر مكالمته مع سُليمان سائق العائلة وهو يشعر بقلق شديد جراء إقدامه على هكذا خطوة قام بتاخيرها كثيرًا كي لا يثير انتباه أفراد عائلته..
لكنه اليوم لم يعد بحاجة للانتظار؛
فها هي الأمور تسير حيث أراد أخيرًا؛
وها هي الخائنة قد منحته حضانة ابنته على طبق من فضة!
لقد قَامَرَت على حبه لابنته لسنوات وابتزته بها؛
حان دوره الآن ليراهن على مدى حبها لذلك اللص!
أطلق زفيرًا طويلًا؛
مرتاحًا كما لم يكن منذ سنوات؛
وأعاد تشغيل المقطع..!
هذا المقطع الذي يراه الآن ككأس من الذهب على صبره؛
يراه كجائزة لا أحق بها سواه!
عندما وجد الصورة أدرك أن ذلك الموظف ما هو إلا حبيب زوجته الغائب الحاضر قام على الفور باتخاذ خطوة احتياطية سابقة؛
توفيق من ربه أن سارع بنصب الشباك له!
كان يتوقع أنه سيستمع إلى سباب لا ينتهي عنه بين ذلك الموظف وبين زملائه فيمنحه سببًا لأن يطرده من الشركة دون أن يراه الجميع بصورة رب العمل المفتري!
لكنه كان على موعد مع مفاجأة أقوى؛
وهدية هي الأثمن على الإطلاق!
ضاعت مناقصة المشفى.. لكنه فاز بطفلته؛
وطفلته لا يعادلها الشركة بما فيها!
أغلق هاتفه بسرعة مع اندفاع باسل المستشيط غضبًا منذ الصباح، والذي صرخ بجنون:
_أكاد أن أُجن ثائر، الملف وضعته بنفسي على مكتبي وفجأة اختفى، وآلة التصوير اختارت ذلك الوقت بالذات لتتعطل!
ثم أخذ يدور بلا هدف أمام مكتب ثائر الذي يجلس بهدوء في مقعده يُشعل قداحته كي يُدخن إحدى سجائره في صمت خانق واستمتاع فائق، ثم التفت إليه صائحًا بحنق:
_ألم يكن المهندس هنا للصيانة منذ أيام يا ثائر؟ ما هذا الإهمال؟!
وتابع هادرًا:
_من يمتلك من الجرأة على أن يلج إلى مكتبي ويسرق هذا الملف بالذات ثم يمحو البيانات المتعلقة به عن آخرها؟!
وأردف هائجًا:
_من يعلم بكلمة السر الخاصة بي في الأصل؟!
وببروده المُثير للأعصاب ظل ثائر صامتًا بعض الوقت ساحبًا شهيقًا معبئًا بالتبغ..
بِروية؛
ببطء؛
وعلى مهل؛
وعندما أوشك باسل على طرق رأسه بالحائط غيظًا وكمدًا، ردَّ ثائر أخيرًا وكأن الأمر لا يعنيه على الإطلاق:
_اهدأ باسل، إنها ليست المناقصة الأخيرة بالعالم ، لا تنزعج!
مال باسل على مكتبه هاتفًا بغيظ وعيناه من خلف عدستي نظاراته مُحمرتين غضبًا:
_أقسم ثائر إن تعرضت لجلطة ستكون بسبب برودك ولامبالاتك أنت وشقيقك الذي لا يلقي بالًا لهذا المكان، لدينا لص بالشركة وضاعت منا مناقصة بهذه الأهمية وزيدان بك عاد إلى القصر بدلًا من أن يشاركنا هذه المصيبة بينما أنت لا تُبدي أي اهتمام!
نفخ ثائر دخان سيجارته في وجهه بتمهل قائلًا:
_ماذا تريد مني أن أفعل باسل؟ زيدان قاد السيارة لساعات ويجب أن يرتاح قليلًا، كما أنك تصرخ وتصيح منذ ساعات، هل استطعت العثور على الملف؟!
استقام باسل وهو ينظر له بذهول جاذبًا شعره بقهر صائحًا:
_يا إلهي! كيف أتحملك؟! كيف أتحمل هذا الصقيع المُحيط بِك؟
ثم أردف بتوعُّد :
_أتعلم؟! ربما أنا سأقدم استقالتي وأسافر إلى والديّ مُحتفظًا بالبقية الباقية من عقلي!
وما إن أنهى باسل عبارته حتى اندفع إلى الخارج صافعًا الباب بعنف بالغ كاد أن يتسبب في سقوط إحدى اللوحات المُعلَّقة على الجدار!
وبالطبع لم يهتم ثائر الذي شرد للحظات ثم التقط هاتفه من فوق سطح المكتب وعبث بشاشته قليلًا قبل أن يضعه على إحدى أذنيه، وعندما أجاب الطرف الآخر رد ثائر بكل هدوء:
_كيف حالك أستاذ رمزي؟ لِمَ لم تأتِ إلى العمل اليوم؟
والاستغراب بنبرة رمزي كان واضِحًا وهو يسأله:
_من يتحدث معي؟
ابتسم ثائر بسُخرية مُستفهِمًا باستنكار مُفتَعَل:
_هل نسيتني؟! ألم أخصم منك يومًا لهذا الشهر؟! ألا تتعرف صوت رب عملك يا رجل؟!
وبلحظة مَحَى ابتسامته وهو يُتابع بنبرة مُتعجرِفة اتسمت بنذير مُرعِب:
_أنا ثائر الجوهري أستاذ رمزي، وأنت قد أخذت شيئًا يخصني دون إذني.
ثم أردف بسُخرية:
_ وأنا الآن_حقًَّا_ منزعج!
والطرف الآخر تباطأت دقات قلبه بالرعب المُتوقع..
هل علِم؟
هل علِم بعلاقته المُرتَقَبة مع زوجته؟
هل رآهما سويًا؟
هل أخبرته شقيقتها؟
وعندما عثر على صوته سأله بنبرة مذعورة:
_مـ..ماذا تقصد؟
وثائر كان يُدرِك تمامًا فن التلاعُب بالألفاظ والإيحاءات، وكان يتسلَّى الآن بالتخبط الذي يفضح صوت رمزي..
لِذا فقد تابع ببرود:
_ذلك الملف الذي تجاسرت وقمت بسرقته بعد أن محوت نسخته الإلكترونية من حاسب أستاذ باسل، أنت تعلم بمدى أهميته لنا هذه الأيام بالذات أليس كذلك؟! بالتأكيد تعلم، فراتِبك تتسلمه من نفس الشركة التي تسرِق منها وتفشي أسرارها!
لم يعلم إذن بشأن رِهام!
لكنه علِم بشأن الملف..
والثقة في صوته تبدو واضحة!
ليختار رمزي اصطناع عدم الفَهم وهو يُعقِّب:
_أنا لا أفهم عن أي ملف تتـ...
قاطعه ثائر بلهجة من أوشك على نفاد صبره بالفعل:
_أحقًا ستفعل هذا؟! ستُهدر وقتك ووقتي في هُراء؟ لنختصر الحديث إذن!
والبرود ولَّى بعيدًا وهو يتحدث بقوة أثارت هلع رمزي بينما تابع:
_أنت تلاعبت واثِقًا بذكائك وقمت بسرقة الملف من مكتب باسل اعتمادًا على تعطل آلات التصوير"بالصدفة" في نفس الوقت.
والابتسامة الساخرة لم تكن لتخفى عليه وثائر يستكمل بنفس اللهجة المُريبة:
_لكنني كنتُ أكثر ذكاءًا منك واحتطت بآلات تصوير سرية بالشركة كلها منذ يومين و لا يعلم بشأنها سواي.
ثم أردف بمغزى واضح:
_فقد علمتني التجارب ألا أثق بأحد مُطلقًا مهما بانت البراءة على ملامحه، ألا تشاركني رأيي؟!
صاح به رمزي والرعب يبدو جليًا بصوته:
_هل تُهددني؟
وببطء أجابه ثائر قائلًا:
_التهديد للضعفاء رمزي، وأنا لستُ بضعيف، وكي أبرهن لك على صدقي تستطيع الآن أن تذهب إلى والدك وترى رد فِعله بعدما اكتشف أن ابنه لِص!
هتف به رمزي بصوت مُتحشرِج:
_أنت لن تفعل ذلك!
والضحكة الطويلة هذه المرة جعلت وجه رمزي يشحب وجسده يرتجف في وجل، ثم وصل إليه صوت ثائر صارِخًا بالحقد رغم خفوت نبرته:
_بالطبع لن أفعل!
واتسعت الابتسامة مُردِفًا بتمهُّل:
_فقد سبَق وفَعَلت!
**********

سعاد (أمواج أرجوانية) 21-02-21 12:00 AM

تابع الفصل الخامس:
***
"هيا سيلا، سنلعب تلك اللُعبة الآن كما نفعل دائمًا، وفي الغد سأصطحبك في نزهة حيثما تريدين."
نطقت بها رَغَد برجاء أمام الجهاز اللوحي وهي تنظر إلى صورة ابنة شقيقتها على الجهة الأخرى حيث اعتادت أن تهاتفها عن طريق المكالمات المرئية، لكن الطفلة لم يبد عليها الاهتمام المُتوقع مثل كل مرة فتابعت رَغَد:
_حبيبتي، هيا ابتسمي من أجلي.
هزَّت الطفلة كتِفيها رفضًا قائلة:
_لا أريد رَغَد، لا أريد الخروج، أفضل النوم.
ردَّت رَغَد بصبر مشوب بالحنان:
_لا يصح أن تظلي نائمة طوال الوقت، من سيستمتع بكل ألعابك إذن؟
أشاحت الطفلة بنظراتها عن عيني خالتها وهي تُصمم بحزن:
_لا أريد تلك الألعاب أيضًا.
زفرت رَغَد بإشفاق وهي تسألها:
_أخبريني سيلا ماذا تريدين وسأحضره إليكِ في التو.
أجابت الطفلة بشرود بدا غريبًا على سنها الصغير:
_أريد أبي!
أغمضت رَغَد عينيها ألمًا ثم فتحتهما تُخاطِبها بحُنُو:
_أنتِ تعلمين أنه منشغل بعمله حبيبتي، وأنتِ يجب عليكِ النوم مُبكرًا حتى تظلَّي فتاة جميلة.
ثم أردفت بمزاح:
_مثلي!
لكن الطفلة لم تستجب وهي تهز كتفيها رفضًا مرة ثانية قائلة:
_لكنني لا أريد أن أظل فتاة جميلة، أريد أبي فقط!
ابتسمت لها رَغَد برقة تخفي حُزنًا مرددة بوعد لا تثق به:
_قريبًا حبيبتي ستجدين أبيكِ وأمكِ معك.
نظرت إليها سيلا أخيرًا عاقدة حاجبيها برفض واضح، هاتفة بحنق:
_لا أريد أمي! أبي فقط من أريده، بالتأكيد أنا قمت بشيء خاطيء لهذا لم يأتِ بالليلة السابقة ليقبلني ويحكي لي قصة أثناء نومي كما يفعل دومًا، أريده أن يحضر مُبكرًا لأعتذر له.
لم تأبه رَغَد ببقية العبارة وهي تحاول استيعاب الجزء الأول منها، وظهر الذهول على وجهها وهي تُعقِّب متسائلة:
_كيف لا تريدين أمك سيلا، إنها....
قاطعتها سيلا بحزم جعلها أشبه بأبيها بالفعل، شَكلًا وطِباعًا:
_هي لا تحبني، وأنا أيضًا لم أعد أحبها.
لكن رَغَد سارعت إلى الهتاف بها بصرامة :
_لا تتفوهي بهذا الكلام مرة أخرى سيلا، لا توجد أم لا تحب ابنتها.
لكن الطفلة دمعت عيناها على الفور قبل أن تصيح بها:
_هي من قالت لي ذلك، قالت أنها لا تحب أبي ولا تحبني لأنني أشبهه، ونحن أيضًا لا نحبها ولا نريدها معنا.
وقبل أن تتخلص رَغَد من ذهولها أنهت الطفلة المكالمة لتشعر الأولى بالصدمة، ثم ما لبثت أن انتفضت مُتجهة إلى الأعلى للبحث عن شقيقتها مُجردة مشاعر الأمومة، لِتجدها جالِسة أرضًا تبكي بِشدة، ورغمًا عنها دفعتها مشاعر الأخوة تجاهها وهي تسألها بِجَزع:
_ماذا حدث رِهام؟ لِمَ تبكين؟
رَفَعت رِهام عينيها المُتورمتين إلى أختها قائلة:
_لقد علِم! لقد علِم كل شيء وسيؤذيه!
جلست رَغَد بجوارها وهي ترمُقها بدهشة مُتسائلة:
_من علِم بِمَ؟ لا أفهم! عن أي أذى تتحدثين؟
انتحبت رِهام قليلًا ثم تحدثت من بين شهقاتها المكتومة:
_ثائر علِم أن رمزي من سَرَق الملف، والآن سيُودِعه السِجن، لن نُصبِح معًا ثانية، أنا السبب، لقد دمَّرت مُستقبله مثلما دمَّرت حُبنا من قبل!
فغرت رَغَد فاها بذهول ثم نفضت رأسها وكأنها تطرد هذه الفكرة التي أضاءت بعقلها مُتسائلة:
_رِهام! عن أي ملف تتحدثين؟
ولم يبد على رِهام أنها تُدرِك فداحة ما حدث فَرَدَّت مُوضِحة بشرود:
_ذلك الملف الخاص بالمشفى!
ازدردت رَغَد لُعابها والفكرة تعود جريًا إليها مُستفهِمة بأنفاس سريعة:
_وكيف تعلمين أنتِ بأمره؟
تعالت شهقات رِهام الباكية فتابعت رَغَد بنبرة بان التوسُل بها:
_رِهام هل لذلك القذر علاقة بسرقة الملف؟
خبأت رِهام وجهها بين كفيها وهي تغرق في بكاء مرير فتراجعت رَغَد إلى الخلف ثم وقفت ببطء مُرددة بذهول:
_يا إلهي! خائن ولِص!
اندفعت رِهام واقفة وهي تهتف بحنق:
_لا تقولي عنه ذلك، أنا من دفعته لأن يقُم بهذا الأمر، هو لم يكن يعلم بشأنه من الأساس!
عقدت رَغَد حاجبيها بتساؤل ترفض إجابته قبل أن تصلها:
_وكيف علِم إذن؟
اجتاح التردد صوت رِهام وهي تُجيبها ببطء:
_أنا من أخبرته، لقد.. لقد سمعتك تتحدثين بخصوصه مع أبي، ففكرت أنني يمكنني استغلال ذلك الأمر كي أحصل على طلاقي بعد أن أساومه على بيع بعض الأسهم لأبي.
والصمت الذي ساد اقترن بصدمة واضحة كنور الشمس..
وملامح رَغَد المُتخشبة أنبأت بقُرب تعرُضها لفقدان وعي من الهول الذي تتعرض له الآن على يد شقيقتها؛
وبكل صدمتها وخيبتها رددت:
_سرقة، وخيانة، ومساومة، وطفلة لا تلقين لها بالًا، ماذا تخفين أيضًا خلف مظهرك المُستكين رِهام؟
أشاحت رِهام بوجهها بنزق هاتفة:
_رَغَد أرجوكِ لا تبدئي بـــ...
لتقاطعها رَغَد بصرخة مُعذَّبة:
_أرجوكِ أنتِ أخبرينني أنني أعيش كابوسًا، أخبريني أن أختي ليست لصة خائنة لزوجها ولأهلها ولابنتها، أخبريني أنكِ لم تصلي إلى تلك المرحلة المُتردية رِهام!
هنا عادت رِهام تنظر لاختها بألم قائلة من بين شهقات بكائها:
_أحبه رَغَد، أحبه ولا أقوى على الابتعاد أكثر.
فعلَّقت رَغَد بسؤال خشيت من إجابته:
_وسيلا!
والرد كان حاضرًا دون تردد بسيط:
_سيأخذها أبوها، لكن سأضمن حياتي مع رمزي أولًا بعيدًا عنه.
تراجعت رَغَد خطوات إلى الخلف والازدراء تتشبع به ملامحها مع صوتها هامسة بلا تصديق:
_كانت مُحقة إذن! المسكينة كانت مُحقة عندما قالت أنكِ لا تُحبينها.
وعِوضًا عن الندم المُتوقع في هذه الحالة، تحدثت رِهام بندم من نوع آخر مُتحسِّرة:
_كان من المفترض أن أكون أمًا لأولاد رمزي، لو كانت ابنته لأحببتها، لو كانت تحمل ملامحه لأحببتها!
صاحت بها رَغَد باحتقار شديد:
_لم تكوني لتفعلي رِهام، لأنكِ أنانية لا تُحبين سوى نفسك.
ولم تكلف رِهام نفسها عناء الرد وهي تعود إلى شرودها فتابعت رَغَد بوعيد قوي:
_كما تشائين، لكنني لن أبقى ساكنة، وذلك القذر سيتلقى عقابه، وأنا سأفضحه بين كل زملائه.
انتفضت رِهام إليها مُتوسلة:
_أرجوكِ رَغَد لا تفعلي، أرجوكِ يكفي أن ثائر قد علِم ويُهدده.
والحِقد صرخ بصوتها وهي تهتف:
_عسى أن يسحقه ثائر يا رِهام، عسى أن يريحنا من أمثاله وأمثالِك معدومي الضمير!
**********
كانت تسير على مهل بعدما تركته وانصرفت تحاول تحليل مشاعرها التي تلقت ارتباكًا قويًا؛
فقد قضت أيامها الفائتة تُهيىء نفسها لتقبُل رمزي كزوج بالرغم من تناقض شخصيتيهما الواضح، وقد أجبرت عقلها على تولي زمام الأمور كعادته مُقتنِعة أن رمزي مُناسِبًا لها بجميع النواحي مُتجاهِلة نصائح أمها وتميم وسهيلة وفيروز لها بالتراجع عن ذلك الأمر.
وللسخرية أن يتراجع رمزي بنفسه عن الزواج بعد أن كان مُتمسكًا بها بكل إصرار متجاهلًا عدم اهتمامها به!
لقد علِمت منذ سنوات بحبه الجارف لإحداهُن، علِمت أنه يتجهز كي يتزوجها بمُجرد تحسُن أوضاعه المادية، ثم علِمت أنهما انفصلا وأنها تزوجت بآخر!
وما أثار دهشتها هو رؤيتها لصورة تلك الفتاة بحافظته ذات يوم بعد مرور خمسة سنوات على انفصالهما بينما كانت هي تحاول التقرب منه بحثًا عن ذلك الحب الذي تصرخ به عينا تميم كلما استمع لاسم سُهيلة، أو تردده فيروز في دعواتها متمنية العثور عليه، لتُصدم بأن رمزي لايزال مُخلِصًا لتلك الأخرى بالرغم من أنه كان في ذلك الوقت.. خطيبها هي!
وقتها انطلقت إلى ملاذها الآمن، إلى تميم تسأله مشورته لينصحها بلا تردد أن تتركه وتولّي هَرَبًا من علاقة لن تُجلِب عليها إلا وَبال الألم وانعدام الثقة.
عندئذٍ نحَّت كل نواياها بتجربة تلك المشاعر جانبًا وأخذت تُحلل الأمر بعقلها، ذلك الذي لم يخذلها يومًا، لتقرر على الفور أنها لن تخسر شيئًا فرمزي هو ابن عمها وسيصونها وبالتأكيد ذلك الحب هو لا يستطيع التخلص منه وبالتأكيد هو لا يستمتع بتعذيب نفسه كما يفعل تميم!
لِذا لا يجب عليها أن تتحلَّى بأنانية، وكما لم يتردد عمها قديمًا في مُساعدتهم لن تفعل هي الآن!
لكن ما يُثير دهشتها وأحيانًا ازدراءها هو الضعف الذي يتمكن من البعض عندما يستسلمون لتلك المشاعر التي يلهثون خلفها، ما الذي يدفع بهم إلى ذلك الطريق مُضبب الملامح؟!
يبدو أن الطريقة التي اعتمدتها في الابتعاد عن تلك المشاعر الضعيفة هي الصحيحة بآخر الأمر؛
فها هو تميم يتعذب؛
وها هي سهيلة تتعذب؛
ورمزي أيضًا يتعذب..
ربما ينعتونها بالجامدة أو معدومة المشاعر، لكنها تحتمي خلف قلاع عقلها من أي هجمات لن يكون القلب كفئًا لصدها!
فحمدًا لله أنها لم تقع في الحب يومًا، ولن تفعل إلى الأبد!
**********
نظرت ألفت إلى زوجها شاحب الوجه منذ دقائق وهو يُحدِّق في هاتفه بذهول، وكلما حاولت التحدث أوقفها بإشارة صارمة من كفه المُرتجِفة، قلبها يُنبئها أن هناك كارثة ما قد وقعت، ويُنبئها أيضًا أنها تتعلق بوحيدها، فلا شيء يملك هذا التأثير على مصطفى سوى رمزي!
وصوت المفتاح بالباب هو ما جعله يرفع عينيه المُحتقنتين بالدماء عن هاتفه، لتجد ابنها يدخل ناقلًا نظراته بينهما بتوجس مُلقِيًا تحيته بصوت خافت.. متوتر!
وبدلًا من رد التحية هبَّ مُصطفى فجأة واقفًا واتجه إليه وبكل قوته .. صفعه!
والصفعة ارتد لها جسد رمزي إلى الخلف بينما صرخت أُلفت بصدمة:
_مصطفى! ماذا تفعل؟!
ثم حشرت جسدها بينهما عندما أدركت بنية زوجها لتكرار الأمر وهو ينظر إلى رمزي بصدمة وعينين دامعتين!
_ماذا حدث مصطفى؟ ماذا بك؟
وكان رده أن أشهر هاتفه أمامهما وعيناه مُتسمرتان على وحيدهما قائلًا بخفوت:
_اسألي ابنك، سيخبرك وسيخبرني بخيبتنا به.
صمت لوهلة ثم تابع بألم:
_سيخبرنا بضياع عمرنا هباءًا في تربية لم يعمل بها.
وارتسمت الحسرة بعينيه وهو يُردِف:
_سيخبرنا أن ابننا الوحيد قد نشأ في صورة الشاب المُحترم رفيع الأخلاق المُهذب، بينما هو في الواقع يخفي بداخله لِصًا حقيرًا يعتدي على المكان الذي يحصل على رزقه عن طريقه!
تراجعت أُلفت للخلف وهي تنقل نظراتها بينهما بعدم فَهم مُتسائلة:
_ماذا تقصد مصطفى؟
واتجهت بأبصارها إلى ابنها الذي أخفض رأسه خِزيًا لتسأله:
_ماذا يعني أبوك رمزي؟
سحب مصطفى كفها ووضع هاتفه به ثم قام بتشغيل المقطع المرئي الذي وصله من رقم مجهول والذي يوضح أن ابنه يقوم بسرقة أحد الملفات والرُعب واضح عليه بينما يتلفت حوله كل لحظة خشية أن يراه أحد، والمقطع مُرفَق برسالة تراقص التهديد بها مُغيظًا:
"الأستاذ رمزي المُحاسِب بشركتي قد قام بسرِقة أحد الملفات الهامة إليّ بعد أن قام بمحو تفاصيلها، لِذا سأضطر إلى تقديم هذا المقطع إلى الشُرطة أستاذ مُصطفى!"
لطمت أُلفت خدها بصدمة بعدما أنهت مشاهدة المقطع وقرأت الرسالة لتلتفت إلى ابنها صارخة:
_لِص يا رمزي؟! أأصبحت لِصًا؟!
دافع رمزي عن نفسه بنبرة ضعيفة:
_أنا.. أنا لم أهدف إلى سرقة أموال و....
قاطعه أبوه صارخًا بذهول:
_وهل السرقة أموال فقط؟! لقد سلبت حقًا من حقوق أصحاب الشركة التي تعمل بها!
ليصيح رمزي بدوره والغِل بعينيه مُهَيمِنًا:
_هو من سلبني حقي أولًا!
زوجين من العيون يحدقان به؛
أنفاس لاهثة مُتلاحقة من ثلاثتهم؛
والصمت ساد موقفهم حتى قطعه رمزي بنبرة يقفز الحقد مُقترنًا بالكراهية منها:
_هو من سلبني حبيبتي منذ سنوات، كانت حقي أنا، كانت ستصير زوجتي أنا وأم أولادي أنا، لكنه سرقها مني عُنوة ليعذبها ويؤلمها ويكدر حياتها، لو بيدي لم أكن لأتوقف عند تعطيل أعماله، لو بيدي لقتلته عقابًا له على كل ما فعله بي وبها!
حاول مصطفى فهم ما يرمي إليه ابنه، لكنه كان تائهًا في نظرات لم يرها على وجهه إلا منذ...
هز رأسه ليطرد الفكرة المجنونة، ليسأله بعد لحظات بخفوت ذاهل:
_عم تتحدث؟ أي حبيبة تلك؟
دمعت عينا رمزي والقهر مُرتسِمًا بعينيه قبل صوته:
_رِهام يا أبي! رِهام هي زوجته التعيسة التي تعيش مع ذلك الظالم منذ سنوات، وأنا الآن سآخذ حقي وحقها منه!
وأمه أيضًا تذكرتها على الفور، فتلك الأيام لم تكن له سيرة إلا البكاء على رحيلها!
لتضرب صدرها وهي تهتف بابنها:
_يا ويلتي! أنت تتحدث عن تلك الفتاة التي تركتك منذ سنوات وتزوجت؟ تلك الفتاة التي ألقتك خلفها دون ندم وانطلقت إلى من هو أكثر منك ثراءًا؟
لكن أبوه أزاحها جانبًا وهو يتقدم من ابنه مُتسائلًا بصوت مُتحشرج والصدمة تصدح به:
_أنت على علاقة بامرأة متزوجة؟ أنت على علاقة بزوجة رئيسك؟!
هزَّ رمزي رأسه نفيًا للتهمة ورفضًا للحقيقة قائلًا:
_لست على علاقة بها، هي ستتطلق منه وسنتزوج!
تسارع تنفس مُصطفى وهو يُعقِّب بكلمة واحدة:
_ويُسْر؟!
أشاح رمزي بعينيه بعيدًا وهو يُردد بِحَرَج:
_لا نحب بعضنا، وقد أخبرتها برغبتي بالانفصال وانتهى الأمر بيننا!
والصفعة الثانية حان وقتها لا مُحالة، وأتبعها مصطفى بدفعات متلاحقة إلى الخارج وهو يصرخ به:
_لا أريد أن أرى وجهك ثانية، لا أريد النظر إلى مصيبتي وخيبتي، اخرج يا حقير ولا تعُد إلى هنا ثانية! لن أتحمَّل وجود لِص خائن معي ببيتي!
وتقهقر رمزي إلى الخلف والألم ينخر بعظامه لكن حِقده كان غالِبًا!
بينما وقف مصطفى مكانه للحظات يشعر بتشوش رؤيته، والاختناق يسيطر على صدره، ثم دارت عيناه في محجريهما وهو يضع يده فوق قلبه مُطالِبًا بأنفاسًا بدت في هذه اللحظة.. بعيدة المنال!
**********
"لا أعلم فيروز، لستُ حزينة بهذا المعنى، أنا فقط أشعر بغضب، أشعر وكأنه قام باستغلالي فترة طويلة، وبالرغم من ذلك أشعر براحة غريبة حتى أنني لا أصدق حتى الآن أنني لن أتزوجه!"
قالتها يُسْر بالهاتف بحيرة واضحة فقامت صديقتها بإطلاق زغرودة طويلة، ثم هتفت والسعادة تصدح بصوتها:
_لا يهُم ذلك يا يُسْر، لم تكونا متناسبين بالأصل، مُبارك يا فتاة لقد تخلصتِ من زيجة غير مُناسِبة على الإطلاق.
ابتسمت يُسْر براحة وهي تعي أنها على حق ثم أنهت المُكالمة معها والتفتت إلى هذا الجارور الذي يأبى أن ينفتح، إنها إحدى مكائد تميم تعلم ذلك، يعتقد أنه هكذا يُغيظ سُهيلة ويُكدر مزاجها.
مالها هي وتلك الأفعال الطفولية بينهما؟!
إلى متى ستظل في منتصف ساحة حربهما بينما يتراشقان الأسهم فوق رأسها؟!
وبأقصى قوتها جذبت الجارور إلى الخارج فانفتح، لكن ذلك المُسمار الحديدي البارز خدش أحد أصابعها، عضَّت على شِفتها بألم ثم اتجهت إلى الغرفة الخلفية الصغيرة لتغسل الدماء عنه، عادت مرة أخرى وانحنت باحثة في إحدى الخزائن عن علبة المحارم الورقية بينما رَفَعت إصبعها إلى الأعلى حيث انسابت قطرات دماؤه كي لا يُلطخ الدفاتر.
وأثناء انهماكها في البحث اقتحمت حاسة شمها رائحة عطر رجولي شرقي قوي.. عقدت حاجبيها بدهشة وانتبهت من خلف زجاج الخزانة إلى ساقين طويلتين! استقامت على الفور لِتُحدِّق في الرجل الواقف أمامها...
بِزَّة باهِظة الثمن؛
حذاء فَخم بطريقة مُبالَغ بها؛
لِحية خفيفة؛
وعينين عسليتين بارِدتين!
والجمود المُقترن بالغرور يصدح من كل خلاياه..
وقبل أن تنطق بكلِمة امتدت إحدى يديه إليها..بِمحرمة ورقية!
أخذتها مُبتسِمة بِشُكر خافت، وبينما تمسح قطرات الدماء سألته بتهذيب:
_أهلًا! بِم أخدمك؟
انحدرت عيناه إلى بنصرها الدامي والذي تلتف حوله مَحرَمته فوق حلَقَة ذهبية..
وبكل هدوء أجاب سؤالها بسؤال:
_هل أنتِ خطيبة رمزي؟
ردَّت بتلقائية استدركتها سريعًا:
_لا.. بل نعم، من تكون حضرتك؟
وبمنتهى الفخر؛
وبنبرة قوية؛
مُحمَّلة بلهجة ساخرة؛
_أنا ثائر الجوهري، رب عمله!
*****نهاية الفصل الخامس*****

سعاد (أمواج أرجوانية) 21-02-21 12:03 AM

في انتظار تعليقاتكم حبيباتي:29-1-rewity::29-1-rewity:

أميرةالدموع 21-02-21 01:38 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عادة انا قارئة صامتة ولكن من وقع الأحداث ارفع لك القبعة سرعة توالي الاحداث تضعنا على طريق الأحداث التالية
من تقدم لآخر عزيزتي

Abeer el 21-02-21 04:14 AM

المزيد من الاحداث التي توضح لنا الصورة بالتدريج وفي نفس الوقت تجعلنا في تحمس للاحداث القادمة 👍👏
"أعطني إياه باسل أريد أن أستعلِم منه عن شيئ هام!
أرهف زيدان سمعه ثم سأله تلقائيًا:
_هل هي رَغَد؟ وتُسدي إليّ أنا النصائح؟ انفع نفسك أولًا وكُف عن التظاهر بالحماقة!
ليضحك باسل ضحكة ساخرة متواصلة، ثم قال :
_على الأقل أنا أتظاهر!"

"فبالإضافة إلى انزعاجه بسبب السرقة، وحالة ابنة شقيقه، أدرك أنه لا يحتمل بكاءها.. بكاء رَغَد!
جميلة، مرحة، دائمة الابتسامة؛
حنونة، مُهتمة، مرهفة الحِس؛
ولا يحق لها الحزن!"

امممم يبدو بإن زيدان يعاني من بطء الفهم وسيتعبنا قليلا لأستيعاب مشاعره تجاه الحنونة رغد🤔😅 ولكن لم اغير رأيي عنهم بالاضافة لباسل وفيروز بانهم شخصيات ممتعة
رِهام ورمزي علاقة مريضة ممتلئة بالحقد ع الآخرين😑 اكره الشخصية منعدمة الكرامة كرمزي الذي عاد بكل سهولة لفتاة تركته من قبل لأجل المال والمكانة الاجتماعية 😠

سهيلة وتميم العاشق المتيم يا تُري ما الذي جعلها تترك الحب القوي وتندفع بتهور للزواج من شخص آخر🤔

"وقتها انطلقت إلى ملاذها الآمن، إلى تميم تسأله مشورته لينصحها بلا تردد..."
علي الرغم من ان علاقة تميم ويُسر علاقة صداقة ربما بدأت بسبب حبه لشقيقتها وفراقها له وهو شخص تثق بمشورته ودعمه لها لكن انا لا أؤمن بمثل هذه الصداقات القريبة بين رجل وامرأة بحيث ترجع له في اوقات حيرتها لتجد لديه الحل وتعتبره ملاذها الآمن بكل بساطة !!!!

سعاد (أمواج أرجوانية) 21-02-21 08:56 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أميرةالدموع (المشاركة 15369123)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عادة انا قارئة صامتة ولكن من وقع الأحداث ارفع لك القبعة سرعة توالي الاحداث تضعنا على طريق الأحداث التالية
من تقدم لآخر عزيزتي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ❤️
حقيقي فرحتيني جدا جدا بتعليقك ومبسوطة انك وصلتيهولي😍😍
يا رب الأحداث تعجبك للآخر 💞💞💞

سعاد (أمواج أرجوانية) 21-02-21 09:07 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة abeer el (المشاركة 15369324)
المزيد من الاحداث التي توضح لنا الصورة بالتدريج وفي نفس الوقت تجعلنا في تحمس للاحداث القادمة 👍👏
"أعطني إياه باسل أريد أن أستعلِم منه عن شيئ هام!
أرهف زيدان سمعه ثم سأله تلقائيًا:
_هل هي رَغَد؟ وتُسدي إليّ أنا النصائح؟ انفع نفسك أولًا وكُف عن التظاهر بالحماقة!
ليضحك باسل ضحكة ساخرة متواصلة، ثم قال :
_على الأقل أنا أتظاهر!"

"فبالإضافة إلى انزعاجه بسبب السرقة، وحالة ابنة شقيقه، أدرك أنه لا يحتمل بكاءها.. بكاء رَغَد!
جميلة، مرحة، دائمة الابتسامة؛
حنونة، مُهتمة، مرهفة الحِس؛
ولا يحق لها الحزن!"

امممم يبدو بإن زيدان يعاني من بطء الفهم وسيتعبنا قليلا لأستيعاب مشاعره تجاه الحنونة رغد🤔😅 ولكن لم اغير رأيي عنهم بالاضافة لباسل وفيروز بانهم شخصيات ممتعة
رِهام ورمزي علاقة مريضة ممتلئة بالحقد ع الآخرين😑 اكره الشخصية منعدمة الكرامة كرمزي الذي عاد بكل سهولة لفتاة تركته من قبل لأجل المال والمكانة الاجتماعية 😠

سهيلة وتميم العاشق المتيم يا تُري ما الذي جعلها تترك الحب القوي وتندفع بتهور للزواج من شخص آخر🤔

"وقتها انطلقت إلى ملاذها الآمن، إلى تميم تسأله مشورته لينصحها بلا تردد..."
علي الرغم من ان علاقة تميم ويُسر علاقة صداقة ربما بدأت بسبب حبه لشقيقتها وفراقها له وهو شخص تثق بمشورته ودعمه لها لكن انا لا أؤمن بمثل هذه الصداقات القريبة بين رجل وامرأة بحيث ترجع له في اوقات حيرتها لتجد لديه الحل وتعتبره ملاذها الآمن بكل بساطة !!!!

زيدان وباسل ورغد وفيروز مش هاتغيري رأيك فيهم إن شاء الله ❤️❤️
وفعلا زيدان عنده بطء شديد في الفهم😂😂😂

رمزي ورهام حقيقتهم هاتبان فعلا
هم الاتنين أنانيين ومش بيفكروا غير في نفسهم

سهيلة وتميم ماضيهم وسبب فراقهم هايبان كمان فصلين بإذن الله

تميم بقى وعلاقته بيسر هي أقرب للأخوة
لاحظي إن موقف الأهل من خطوبة يسر ورمزي منقسم تماما، مصطفى وكمال مشجعين الزواج لكن زوجاتهم لأ
تميم هنا على الحياد بالظبط، علاقة قرابته بيسر هي هي علاقته برمزي، يسر مالقتش غيره تلجأله في حيرتها بارتباطها برمزي، في الفصل التالت كان في مشهد تميم حبسه في الاوضة علشان مايخرجش يعمل مشاكل مع عائلة ثائر لما اتجوز رهام، وهو على إطلاع كامل بالقصة دي، فيسر ماكانتش هاتلاقي حد ينصحها بموضوعية غيره.. ومع تطور الأحداث هايبان ان هو فعلا الفرد اللي كلهم بيثقوا فيه وبياخدوا بمشورته.. طبعا في أي حاجة غير اللي بتتعلق بسهيلة😂😂

أما يسر فهي مش الشخصية الضعيفة المحتارة، هايبان قدام انها بتتصرف بدماغها هي❤️

Wafaa elmasry 22-02-21 08:16 AM

الرواية جميلة فعلا و الأسلوب مميز و مشوق و الأحداث سريعة ليس بها ملل بل تأخذك لعالم آخر
أتمنى لك التوفيق دائما

سعاد (أمواج أرجوانية) 26-02-21 12:12 AM

مساء الخير حبيباتي:eh_s(7):
اقتباس من الفصل الساددس
لطالما تميز بالتخطيط في كل أمور حياته؛
لطالما اعتنق التفكير والتدبير البطىء مَذهبًا حتى بأبسط الأمور؛
لم يقم بأي أمر ما يومًا عبثًا؛
لم يُقدِم على أي صفقة بلا دراسة مُتَمَعنة؛
والآن ما الذي يـ.....!
_آنسة يُسْر!
التفتت بكل لهفة تستقبل التسامُح الذي توسلته إياه دون كلمات منطوقة، عادت إلى الموضع الذي كانت تقف به منذ ثوان فعاد أيضًا ببطء ليقف أمامها بينما قالت بكل تهذيب رغم غيظها المكبوت:
_نعم ثائر بك؟
حدَّق في عينيها لثوانِ في صمت يراجع خلالها قراره المتهور..
وما أشد غرابة هذه الهُوَّة!
وكأنه يتعرض الآن لشيء خارج إدراكه، خارج إرادته، وخارج.. حساباته!
هي ليست جذابة فحسب، بل هي.. ساحرة!
يكاد يسمع ذلك الصوت؛
تَشَقُق..!
بداخله الآن شيء يتشقق؛
ينقسم إلى نصفين؛
يَتَكسر..؛
تنبلج من أسفله حمم؛
يذوب..؛
تمتزج دقاته معًا؛
يــثور.. ويدور.. ويندلع؛
وســينصهر!
هناك قشرة تنصهر، وهو _على غير عادته_ يستسلم للخطر!
وازدرد لُعابًا حارقًا ليسألها بكلمات هادئة مناقضه لكل ما يعتمل بصدره الذي استيقظ بعد سبات طال كثيرًا:
_هل أنتِ على استعداد للقيام بأي شيء أطلبه منك؟
***
في انتظار تفاعلكم.. بإذن الله يوم السبت معادنا مع الفصل السادس ومعاه الفصل السابع هدية:eh_s(7)::eh_s(7):

سعاد (أمواج أرجوانية) 26-02-21 01:04 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة wafaa elmasry (المشاركة 15371667)
الرواية جميلة فعلا و الأسلوب مميز و مشوق و الأحداث سريعة ليس بها ملل بل تأخذك لعالم آخر
أتمنى لك التوفيق دائما

حبيبتي تسلميلي يا رب ❤️❤️
مبسوطة انها عجبتك ❤️
يا رب تعجبك للآخر 😍😍😍

سعاد (أمواج أرجوانية) 27-02-21 11:44 PM

مساء الخير حبيباتي
هايتم نشر الفصل السادس يليه الفصل السابع هدية إن شاء الله:29-1-rewity:
وهاكون في انتظار آرائكم

سعاد (أمواج أرجوانية) 27-02-21 11:49 PM

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

سعاد (أمواج أرجوانية) 27-02-21 11:53 PM

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

سعاد (أمواج أرجوانية) 27-02-21 11:56 PM

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي


يتبع على هذا الرابط

https://www.rewity.com/forum/t480453-9.html


الساعة الآن 04:27 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.