آخر 10 مشاركات
مذكرات مقاتلة شرسة -[فصحى ] الكاتبة //إيمان حسن-مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          حب في عتمة الأكــــــاذيب " مميزة و مكتملة " (الكاتـب : Jάωђάrά49 - )           »          رواية كنتِ أنتِ.. وأنتِ لما تكوني أنتِ ما هو عادي *مكتملة* (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )           »          موريس لبلان ، آرسين لوبين .. أسنان النمر (الكاتـب : فرح - )           »          رحلة امل *مميزة*,*مكتملة* (الكاتـب : maroska - )           »          الهاجس الخفى (4) للكاتبة: Charlotte Lamb *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          28 - الثأر - آن هامبسون - ع.ق (الكاتـب : وردة دمشق - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          الأقصر بلدنا ( متجدّد ) (الكاتـب : العبادي - )           »          همسات حروف من ينبوع القلب الرقراق..(سجال أدبي)... (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي اجمل قصة في الرواية؟ (اختار اكثر من قصة)
وليد-شيرين-معاذ 128 28.64%
مؤيد-رتيل 111 24.83%
مصعب-نورين 292 65.32%
مالك-سمية 123 27.52%
مازن-ياسمين 55 12.30%
قصي-سهر 54 12.08%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 447. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree7315Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-06-21, 06:40 PM   #1751

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


الفصل العاشر

وقفت رتيل في المطبخ تقوم بإعداد ذاك النوع من الحلويات الذي طلب مؤيد منها صنعه..
هذه الأيام لا يفعل شيء إلا الجلوس وطلب ما لذّ وطاب من الأطعمة التي يشتهيها.. وكأنه امرأة حامل تتوحم..
نجوم تساعدها بقدر ما تستطيع.. هي الوحيدة المتبقية من العاملات اللاتي تم صرفهن!
لا بد أن مالك لم يطردها لأنها الوحيدة التي تعامل يزيد بشكل جيد..
وقفت رتيل أمام الموقد تمسك بيدها ملعقة خشبية تحرك بها ما في القدر.. وباليد الأخر تمسك كتاب فهد تذاكر له..
وعندما شعرت بترنح من التعب والإعياء جلست متأوهة بعذاب على مقعد بجانب فهد الذي كان يكتب الكلمات التي تلقنه إياهم..
صححت له ما كتبه وأثناء ذلك انتبهت لعبوسه الملازم له منذ أن عاد من المدرسة..
فسألته باهتمام وقلق
((هل أنتَ منزعج من شيء يا حبيبي؟))
نكس فهد وجهه يقول بتبرم طفولي غاضب
((اليوم عرفت بأن عمي مالك قام بإعطاء يزيد ألبوم صور لهما الاثنين سويا.. ولا أذكر أنه قام بأخذ صورة لي معه))
تدلى فك رتيل ذاهلا لما سمعته..
هل جن شقيق زوجها ليصل به الاهتمام بيزيد إلى هذا الحد؟
هل طبيعي ما يقومه به!
إنه لا يكف عن إدهاشها يوما بعد يوم!
لكنها تداركت الأمر وقالت لابنها مواسية
((حبيبي فهد لا تقلق.. أنا معي هاتف وسألتقط كل يوم لك صورة وسأصنع ألبوما أجمل من ألبوم يزيد ومالك..))
رفض فهد كليا وهو يقول بمنطقه الذكوري الذي تسرب إليه من حديث والده
((لا أريد فأنتِ امرأة.. لن أستطيع أن أُري أصدقائي في المدرسة هذا الألبوم))
لم تعقب على كلامه بل ابتسمت له بحنو الأمومة وعادت تقول مقترحة
((إذن ما رأيك أن التقط صور لك مع أصدقائك أو أخيك باسم؟))
لمعت عينيه بالدموع الخفيفة وهو يقول بإصرار
((أيضًا لا أريد.. أريد رجلا كبيرا أن يلتقط معي الصور..))
لوهلة شعرت بالحيرة والتخبط لكنها هدرت له
((رجل كبير؟ إذن لماذا لا تخبر والدك؟))
هز فهد رأسه برفض مجددا ثم قال
((لا أريد.. سيرفض.. أنا اعرفه.. أخبري عمي مصعب أو معاذ أن يهتما بي كما يفعل عمي مالك مع يزيد))
تنهدت رتيل بتعب ثم قالت له توعده وهي تطبطب فوق شعره
((حسنا سأفعل))
قاطعهما في هذه الأثناء دخول نورين وهي تقول بصوتها العذب
((مرحبا رتيل.. كيف حالك؟))
رفعت رتيل عينين مُخيفتين نحوها ثم قالت بجفاء
((إذا لم تكوني تريدين المساعدة فلا تدخلي المطبخ هنا يا نورين))
ادعت نورين التفكير للحظات وهي تزم شفتيها ثم ابتسمت بتسلية لرتيل وقالت بمرح
((بودي حقا مساعدتك.. لكن قلبي الحقود يأبى ذلك وعقلي لا ينفك عن جعلي أتذكر تلك الأيام العصيبة الأولى التي عشتها هنا عندما كنت تجبريني على العمل هنا كخادمة وفوق طاقتي يوميا))
ضيقت رتيل عينيها وكاد الشرر يتطاير منهما وهي تقول بغل مهددة
((نورين سأعد للثلاثة إذا لم تغادري من هنا.. فلا تلوميني على ما سأفعله الآن بك))
كتفت نورين ذراعيها ثم قالت متحدية بصلابة
((لن أغادر.. ماذا ستفعلين؟))
ضيقت رتيل عينيها أكثر وما أن استقامت واقفة حتى انتفضت نورين من مكانها شاهقة بذعر وهي تفر هاربة من المطبخ..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-06-21, 06:42 PM   #1752

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

أغلقت رتيل باب جناحها ثم وضعت طبق الحلوى الذي أعدته لمؤيد فوق المنضدة بقوة..
ثم وقفت متخصرة أمام التلفاز الذي كان يتابعه زوجها باهتمام هادرة
((تفضل طبق الحلوى الذي طلبته))
غمغم مؤيد لها بانزعاج وهو يلوح لها بيديه جانبا كي تبتعد
((جيد.. ضعيه هنا واغربي عن وجهي أنتِ تعيقين مشاهدتي للتلفاز))
استدارت تغلق التلفاز من الزر المخصص له ببساطة ثم عادت تنظر لزوجها متجهمة بينما تكتف ذراعيها..
فزعق بها باستنكار وهو يعتدل جالسا على السرير
((لماذا أغلقتِ التلفاز؟))
ازدادت ملامحها تجهما وهي تتحدث بجدية
((اقضي القليل من الوقت مع فهد وباسم.. أنا لا أستطيع أن أغنيهم عنك وحدي.. بدلا من التنزه مع بنات أخوتك.. اخرج مع ولديك))
استبد الغضب به مما تتحدث به فقال لها محذرا وهو يلوح أمامها بسبابته
((إياك يا رتيل التدخل بعلاقتي مع أي من بنات إخوتي.. هدى أو دارين))
دمدمت له باقتضاب مغتاظ
((إذا كنت لا تريد مني التدخل فاقضي بعض الوقت مع ولديك وأخرجهم معك للتنزه كما تفعل))
برر مؤيد وجهة نظره باقتضاب
((أحب تدليل الفتيات أما الأولاد فيجب التعامل معهم بحزم بعيدا عن اللين))
حادت بعينيها عن عينيه متخاذلة إلا أنها أصرت أن تفرغ ما بجعبتها فعادت تنظر له هاتفة بانفعال
((لا أقول دللهم ولكن اقضي معهم بعض الوقت))
ضيق مؤيد عينيه متسائلا باستهجان
((بماذا سأقضي معهما الوقت؟))
((قم بالأمور التي يحبها كل واحد على طريقته الخاصة.. وخاصة فهد.. لأنه كطفل يحز في نفسه عندما يرى عمه يهتم بابن البستانية بدلا منه.. ووالده يهمله))
ازدادت عيناه ضيقًا لكن النظرة فيهما تحولت إلى شيء آخر أكثر خطورة.. ثم تمهل قبل أن يهدر ببطء
((إذن كل هذه المشاكل هي جراء غيرتك من معاملة مالك مع ابن البستانية!))
زمّت شفتيها ثم قالت حانقة
((نعم.. لأن كل الأطفال حتى ابن البستانية يجدون من يهتمون بهم إلا أولادك..))
هدأت ملامح مؤيد واستكانت قليلا لدرجة السكون المزعج والغير معبر عن شيء وهو يمعن النظر في وجهها حتى أن ذراعيها تراختا إلى جانبيها وهي تعقد حاجبيها بحيرة قبل أن يهدر أمامها بنبرةٍ خفيضة مبهمة
((هل تعرفين لماذا يهتم مالك بابن البستانية؟ لأنه وببساطة مفضوح بحبه لأمه منذ صغره فيعوض استحالة إمكانيه زواجه منها بالاهتمام بابنها.. لذلك اتركيه جانبا ولا تقارني بين اهتمامه بابن البستانية وابنيك))
ترقق حاجبي رتيل ثم سألته بشك
((ولم مستحيل أن يتزوج بها؟))
تنهد مؤيد تنهيدة طويلة فاقد الصبر ليجيبها بشيء من البديهيات
((لأنه ببساطة لا أمي ولا أبي سيوافقان أن يتزوجها! كيف يقبلا من مدللهم مالك الراكز أن يتزوج من امرأة تكبره بسنوات ومطلقة مرتين ولديها ابن!))
أطبقت رتيل شفتيها بتفكير ثم قالت تنبهه
((لا تحكم من الآن فأنتَ لا تعرف ما سيحدث مستقبلا!))
عاد يستلقي على ظهره وهو يخبرها بنبرة لا تحتمل التشكيك
((لن يقدر أن يتزوجها ولو أراد.. اسمعي مني أنا..))
ثم عاد يلوح لها بيده الممسكة بجهاز التحكم بالتلفاز عن بعد بنبرة حانقة
((الآن ابتعدي جانبا وعودي لعملك فكما قلت لك لن أوظف أحد هنا فقد انتهى دلالك الذي بدأ منذ زواجك بي))
عاد الغل والحقد يرتسم على وجهها من كلامه وابتعدت عن التلفاز تسمح له بتشغيله وهي تغادر الغرفة وقد نست موضوع ابنها تماما!


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-06-21, 06:43 PM   #1753

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

كانت الحاجة زاهية جالسة تلاعب حفيدتها الصغيرة هدى بعرائسها تستمتع بهذه اللحظات معها قبل أن تقول الصغيرة ما يستدعي استغرابها
((جدتي هل أخبرك سرا عن أمي؟))
رفعت زاهية حاجبيها تحثها على المتابعة لتكمل
((كلامها غير صحيح بشأن حديثي مع أبي.. هي لم تعطيني الهاتف في الصباح وأنا لم أتكلم مع أبي كما قالت))
تلك الخطوط الجانبية التي ارتسمت عند عيني زاهية ازدادت عبوسا لترد
((ولكن والدك قال بأنه يتحدث معك بشكل يومي.. فهل الاثنين يتلاعبان ويكذبان عليّ؟))
نظرت هدى لجدتها بوجه رقيق ملامحه شفافة قلقة وهي تتساءل ببراءة
((هل أخطأت بما قلته؟ هل يُعد هذا إفشاء للأسرار؟))
هزت زاهية رأسها نافية وقد أثارت حفيدتها فيها عطفا ثم أخبرتها بحنو
((لا تقلقي يا حلوة.. اذهبي الآن لوالدتك لتستعدي للنوم))
أطاعتها هدى وهي تحمل عرائسها ثم تهرول للخارج..
في حين عادت زاهية تجلس بالقرب من النافذة ثم اتكأت للخلف متصلبة الأوصال تناظر الخارج عبر الزجاج تفكر بحال أولادها..
في هذه الأيام أكثر من يشغلها أصغرهم مازن..
بدأت تشك في صحة كلامه عندما يؤكد عليها بأنه يتفقد حال هدى دائما على الهاتف..
هل تحرمه ياسمين من التواصل مع ابنته؟
ولكن لماذا؟ هل هذه طريقتها لتضغط عليه حتى يعود للبلاد؟
راقت هذه الفكرة لزاهية وشعرت بأن كنتها أخيرا بدأت تتصرف كما تريد..
خرجت زاهية من تصلبها قليلا وهي تفرد قدميها المطويتان عند دلوف زوجها غرفة النوم يغمغم بالسلام بعد أن أنهى صلاة المغرب جماعة في مسجد القرية..
ثم يسألها بنبرة عادية متأملا ملامحها الشاردة
((ما هي أخر الأخبار؟))
سألته مباشرة دون سابق تفكير
((هل انتهت إجراءاتك لمحاولة استقدام ياسمين عند زوجها؟ فأنا كلما راجعت مازن بالأمر يخبرني أن أسألك أنتَ))
أشاح يعقوب بعينيه جانبا وقال عقب أن تنهد مما سيتحدث عنه
((هذا ما كنت أريد التحدث معك بشأنه.. فياسمين لن تسافر عند زوجها))
سألته زاهية بتوجس وعينيها تمران على ملامح وجهه
((لماذا؟ هل معنى هذا الكلام بأنه هو من سيعود أخيرا لهنا؟ فهو في فصله الدراسي الأخير))
حافظ يعقوب على صمته قبل أن يجيبها أخيرا
((لا لن يعود مازن لهنا حتى بعد تخرجه.. فهو يريد أن يستقر هناك ويبدأ عمله الخاص.. لذا لن يتغير شيء في حياة ياسمين أو مازن))
هدرت زاهية بغضب
((أي مشروع عمل هذا الذي جاء به؟ لقد ترك جامعته هنا في سنته الأخيرة.. وذهب ليدرس نفس تخصصه في إحدى جامعات الغرب ولم نعقب بشيء.. والآن يريد أن يستقر هناك ويفتح مشروعا خاصا به؟ لماذا لا يقوم بمشروعه هنا))
غمغم لها يعقوب قاطب الحاجبين
((اهدئي يا زاهية))
زفرت باختناق ثم غمغمت له بحزن مكتوم
((أنا فقط لا افهم حاجته للاغتراب.. والأنكى أنك تدعمه يا يعقوب في ترك زوجته ومنزله والبقاء في الغربة!))
سقط كفه على حجرها وتمتم لها بائسا بمرارة
((وماذا تريدين أن افعل إذن؟))
أغمضت زاهية عينيها بإشارة رفض وعتاب ثم قالت توجهه
((قل لابنك بأنه لا يجوز للرجل أن يتغرب عن زوجته أكثر من أربعة أشهر إلا بإذنها فكيف هو المغترب لست سنوات! أنا لا أجبره على العودة هنا لكن على الأقل فليستقدمها عنده هو وابنته.. لماذا يرفض استقدامهما؟ ماذا يخبأ هناك؟))
أغمضت عينيها متنهدة للحظات ثم سألت تبغي الحقيقة
((أعطني يا يعقوب سببا واحدا يمنع مازن من استقدام زوجته وابنته عنده؟ في الظروف الطبيعية ما يمنع الرجال من استقدام نسائهم للخارج ليشاركنهم مرارة الغربة هي عدم تحمل النفقات الإضافية.. لكن في حالة ابنك ما هي حجته؟))
نظر يعقوب إليها بقلة حيلة ودمدم فاتحا راحة يديه
((لا أدري بماذا أجيبك!))
وضعت زاهية يدها فوق كتفه تسأله بإجهاد
((أحيانا أشك أن السبب الكامن وراء انعزالها هو وقوعها تحت ضغوطٍ إضافية من ابتعاد زوجها عنها.. وجعلها فريسة لمسؤوليات لا قبل لها بها))
ثم عادت تنظر من خلال النافذة بصدر متألم وتواصل همسا حائرا
((لكن على كل حال سأبحث في أمره وأتمنى أن يكون ما أظنه ليس صحيحا!))
تغضن جبين يعقوب وهو يسألها
((إلى ماذا تلمحين؟))
سألته بوضوح مباشرة وحدقتيها تهتزان
((هل هو متزوج هناك يا يعقوب؟))
لفه الارتباك عند سؤالها هذا لكن آثر أن تصدق هذا الأمر حتى تتوقف عن البحث والسؤال عن مازن فقال بثبات مفتعل
((وإذا كان متزوج.. أليس رجلا ولا يستطيع العيش دون أن يعف نفسه؟ ما المشكلة في ذلك؟))
‏التفتت إليه بحدة تقول بانفعال مكتوم
((بل مشكلة كبيرة وفيه ظلم لزوجته.. لأن من حقها أن تتمتع بمعاشرة زوجها كما يتمتع هو بمعاشرة غيرها))
غمغم يعقوب بضيق
((زوجته راضية بغيابه ومتنازلة عن حقها في المبيت خلال هذه الفترة الطويلة.. ثم هو تركها في مكان آمن لا يخاف عليها فيه.. فلا حرج عليه))
ارتجفت شفتاها لا تجد ردًا أمامه في البداية قبل أن تغمغم
((حتى لو كانت زوجته راضية فعليه أن يعدل بين الزوجتين.. والتسوية بينهما في النفقة والكسوة والمبيت.. ولكن كيف سيحقق العدل بين زوجتيه وإحداهما تقيم معه بشكل دائم.. والأخرى يراها أياما معدودة خلال سنوات!))
عاد يعقوب يلتفت بهيئته الوقورة لها قائلا
((لا داعي للنقاش في أمر لسنا متأكدين منه أساسا))
هزت رأسها له وهي تعود لتشرد في النافذة..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-06-21, 06:44 PM   #1754

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

أطلق مصعب تأوهاته في أحلامه بينما يهلوس بكلمات غير مفهومة..
منذ لقائه الأخير مع وليد وشقيقه معاذ وقد انقلب حاله رأسًا على عقب..
وكلمات وليد القاتلة تطارده في أبشع كوابيسه التي يلوم فيها نفسه بأنه كان السبب في موت يحيى لأنه من أرسلن لفض تلك المشاجرة بدلا منه.. وماضيه مع طليقته رشا وابنة عمه عند زواجه منها..
رغم أن وليد يعرف تماما حقيقية كل شيء..
حتى حقيقته مع رشا يعرفها هو دونا عن الباقي..
هو ومعاذ وحدهما من يعرفا حقيقة أن رشا كانت تعاني من بطش والدها ويأست من أن يوقف أخيها يحيى أو أحد أعمامها والدها عند حده..
وأنها لجأت له لكونه صديقا مقربا من يحيى قبل أن يكون ابن عمها وطلبت منه أن يتزوجها بعُرف النهوة لأن والدها مُصِر على تزويجها من صديقه كبير السن بعد أن أصبح شريكه في تجارته وسيعقد قرانه عليها قريبا رغما عنها..
فما كان منه إلا أن يستجيب لتوسلاتها وإلحاحها وفرض النهوة عليها أمام كل وجهاء وأهل القرية بشكل مفاجئ..
بالطبع اعترض عمه أمام الجميع بحجة أن ابنته مخطوبة لصديقه وتحبه..
لكن ولأن عُرف النهوة الجائر كان أقوى منه لم تلاقِ أيًا من اعتراضاته صدى عند أحد..
ورغم أن رشا تعرضت للكثير من التعنيف الجسدي والمعنوي من والدها بعد أن لامس موافقتها عليه إلا أن الزواج بينهما تم..
لم يبالِ مصعب أبدًا ولم يهتم بسمعته أمام الناس وهو يظهر أمامهم بواجهة ابن العم الظالم الذي يفرق ابنة عمه عن خطيبها الحبيب ويتزوجها رغما عنها بإحدى تقاليد مجتمعهم البالية.. وهو المعروف عنه أخلاقه الحسنة وسمعته الطيبة..
وبدأ فصل جديد من حياته مع رشا مثقل بالبرود والجفاء..
فمهما حاول أن يبني معها جسور تواصل بينهما ويزرع الود أو القبول في حياتهما يجد صدا منها!
أخيرا.. لم يتوقع أن ترد له معروفه بعد أشهر من زواجهما بأن تطلب الطلاق في يوم وفاة والدها.. تحديدا بعد ثالث يوم من عزاه!
لكنه مع ذلك استجاب لطلبها مع وعد صادق لها بأنه لن يبوح لأحد بسر هذا الزواج حتى لو ترتب عليه أن يعيش ويكمل حياته دون أن يكشف لأحد منهم أو يصحح ظنونهم الخاطئة نحوه حفاظا على سمعتها..
لكن من جهتها لم تبذل أي جهد للحفاظ على هذه السمعة عندما سافرت خلسة للخارج عند والدتها بمجرد أن انتهت عدتها دون علمه أو حتى علم أخيها يحيى..
كان جسد مصعب يهتز أثناء نومه كأنه يصارع شيء ما حتى أن حالته هالت نورين وهي تراه يتنفس بصعوبة والعرق يتفصد من جبينه..
اقتربت أكتر منه أثناء نومه لترى صدره يعلو ويهبط وهو يهذي بكلمات غير مفهومة..
لكنها عن ابن عمه.. وأيضا.. ابنة عمه..
ورغم حنقها اللاإرادي إلا أنها جلست جواره برفق على حافة السرير ثم مدت يدها لتلامس شعره وهي تحاول إيقاظه على مهل
((مصعب.. مصعب استيقظ))
لم يستجب لها فبدأت تهزه بشكل اقوى وتناديه ليفتح عينيه أخيرا بتثاقل وهي تسمع تنهيدته الحارة
((هل مات حقا؟))
عقدت حاجبيها لا تفهم سؤاله لكنها توقعت أن يكون له علاقة بيحيى ابن عمه..
كما أدركت أن مصعب لم يستيقظ تماما بل لا زال يهذي فهزته بخفة وصوتها يصطبغ بلهفة واضحة
((مصعب هل أنتَ بخير؟ لقد كنت تحلم..))
تطلع لها واجما ثم شتت نظره لغرفة النوم من حوله بينما يستوي شبه جالس..
وعى على نفسه أين هو لتقول له متجهمة
((بدوت وكأنك تعايش كابوس في نومك))
أرخى رأسه للخلف عابس الملامح مغمض العينين يتمتم
((نعم.. ربما))
وضعت عدة من الوسائد وراءه ليرتاح أكثر سارعت تسكب له كأس ماء وهي تسأله بينما يُسمع وقع قطرات الأمطار من الخارج
((ماذا كنت ترى في نومك؟))
تجرع من كأس الماء بهدوء فشعر بتحسن والماء يُصب بجوفه ليطفئ ظمأه ثم رد
((لا أدري.. نسيت.. لكنه حتما كان شيئا مزعجا))
مدت يدها لتحتضن كفه بينما تنظر لوجهه المرهق وتتساءل هامسة
((لا أدري ما بالك مؤخرا.. نومك بات خفيفا بعد أن كنت تقضي معظم يومك فيه))
لم يضع عينيه بعينيها بل أغلقهما بشدة وهو يتنفس بعمق ثم هدر قائلا
((نعم مؤخرا بدأ الأرق يلازمني ويجعلني استيقظ كثيرًا خلال نومي))
تجمعت الدموع في عينيها وهي تشدد من احتضان يده قائلة
((أخبرني ما هو السبب؟))
لم يرد بل زمّ شفتيه وهو يلوم وليد في داخله!
فليس هناك أبرع من ابن عمه في إطلاق سم الكلام اللاذع.. وبعثرة كيانه كرجل وهز عرش السلام النفسي الذي ناله بشق الأنفس..
أشاح مصعب بعينيه بعيدا عن وجهها العابس هادرا
((فيما بعد نورين.. فيما بعد))
ابتسمت بشحوب تقول بصوتٍ مرير ونظرات شاردة
((لماذا كُتبت عليّ التعاسة والبؤس وألا تدوم السعادة بيننا!))
رفعت يدها نحو وجنتها تمسح تلك الدمعة التي سقطت بلا وعي منها فأمسك مصعب يدها بغتة وشد عليها وهو يقول متجهما بقلق
((ماذا تقصدين بوصلة الكآبة هذه!))
دمدمت له مباشرة
((أنتَ السبب فيها))
تجلت الدهشة على وجهه وهو يردد
((أنا! ماذا فعلت لك؟))
رأى جرحا في عينيها يمزق القلب بينما تحاول انتزاع يدها منه وهي ترد باقتضاب متعمد
((لم يدم تغيرك السحري معي إلا وقتا قصيرا متمثلا في ليلة واحدة))
قطب مصعب حاجبيه يسألها
((ماذا تقصدين؟))
ابتلعت غصة مسننة بحلقها ثم همست تطرح جل مخاوف أفكارها المتخبطة بين جنبات قلبها
((بعد أن ظننت بأنك تغيرت معي فجأة.. عدت كالسابق بل أسوء.. ما الذي حدث معك! حتى الأرق في الليل لا يتوقف عن مبارحتك! وكأنك ندمت على عرضك أن يكون الزواج طبيعي!))
تمتم لها بصوتٍ مجهد
((الأمر ليس هكذا..))
تشنجت قليلا وهي تقول بثبات رغم اضطراب صوتها
((مصعب هل يمكن أن نتحدث بشيء سبق وتجاهلناه سابقا؟))
تساءل هامسا
((ما هو؟))
صمتت فجأة ثم رمشت بعينيها سائلة بتردد
((أنا أظن بأنك لا تصدق بأني كنت عذراء في تلك الليلة.. وبأنك سكت عن الأمر لأنك أردت من النزاع بين القريتين أن يهدأ بأي ثمن لهذا كنت تنفر مني.. ولهذا أنتَ الآن نادم على كل ما حصل بيننا..))
تنهيدة حارة صدرت منه وهو يضع أنامله على شفتيها يقطع استرسالها بالكلام وقد فهم مقصدها من صوتها المختنق ثم تمتم
((أنتِ مخطئة))
دمعة حائرة تعلقت بجفنيها وهي تهمس بتهدج
((لا تنظر لي هكذا.. فرغم أن تفهمك أراحني جدًّا آنذاك إلا أنه في بعض الأحيان تناوبني الشكوك أنك قلت لي هذا الكلام بغير اقتناع وتخفي شكك عني))
تجمدت نظراته بينما تشتد لمعة نظراتها فقال بصلابة
((أنا لا اشك لأن الأمر فعلا طبيعي.. تغير حالي مؤخرا بسبب أمور غير متعلقة بك كليا.. بل مشاكل مع ابن عمي))
وهي تظن أيضًا بأنه طبيعي.. فرغم كمية الرعب والخوف الذي كانت تعيشه آنذاك إلا أن تعامل مصعب معها في تلك الليلة هو السبب..
فقد كان لطيفا معها.. متمهلا.. ورفيقا..
ولم يقم ببدء أي شيء إلا عندما شعر بأنها مرتاحة ومسترخية..
سادت لحظات من الصمت.. وكان المطر لا يزال يهطل بغزارة وصوت وقعاته يصل عندها..
تساقطت عبرة.. أو عبرتين من عينيها.. فيما همت بمسحهما على الفور وهي تقول بصوتٍ متحشرج
((لماذا تتصرف معي ببرود إذن؟))
تنهد مصعب قبل أن يقول مفسرا
((إن الذي تفسرينه بالبرود يا نورين يعني بأني مرتاح معك..))
امتقعت ملامحها شاعرة ببرود في جسدها فشدها لتجلس بجانبه وهو يردد باختصار
((إذن هل يمكن أن ننهي هذا الموضوع تماما ولا تجلبيها في كل مرة تشعرين بضيقي الذي قد يكون سببه أمرا ليس متعلقا بك))
تقوست شفتاها للأسفل إلا أنها هزت راسها قائلة
((نعم))
مزق قلبه رؤيتها بهذا الشكل ضائعة.. تائهة.. وجهها شاحب وبريق عينيها خافت..
فشدد من ذراعه التي تحيط كتفها وهو يقول لها بصوتٍ رخيم
((ظننت أن كونك متعلمة وفتاة ذات طموح عالي ستعرفين ذلك دون الحاجة لذكر الموضوع بين الوقت والأخر.. لا أرى أي داع لكل هذا القلق والتوتر من قبلك))
رفعت رأسها له ولم تقاوم جاذبية الانبهار فيه وهي تناظره ثم ابتسمت له من أعماق قلبها
بادلها الابتسامة ثم قال لها بنبرة خاصة
((تخلصي من مخاوفك.. لا يجب علينا أن نقف إزاء ذاك الموضوع طويلا.. ولا يصح أن يظل ذهنك مشغولا فيه لهذه الدرجة رغم حساسية الموضوع))
عم الصمت بينهما لدقائق قبل أن تستدير هي نحوه وتحيطه بيديها هامسة
((أريد عناقك.. أشعر بحاجة ماسة إلى دفئك))
دفن وجهه في عنقها ومرر يده فوق ظهرها متقبلا إياها باحتواء ورغبة دون أي ذرة رفض وهو يقول
((تعالي.. واسترخي يا نور))
تمتمت له بحنق
((لا تدعوني بنور لو سمحت))
ضحك بخفوت ثم قال مناكفا بتهكم
((لماذا؟ نورا.. نوران.. نورين.. كله من مشتقات الاسم نور..))
تحركت نورين من رقدتها على السرير معتدلة بجذعها تنوي الابتعاد وهي تقول بحنق
((سأذهب من هنا))
مال هو الأخر بجذعه يتشبث برسغها ويعود ليجتذبها عنده قائلا بمرح
((أنا أمزح معك أيتها العفريتة))
استلقي فوق السرير ضاحكا معها..
وهي رغم تجهمها إلا أنها عندما سمعت ضحكته اهتز قلبها بين أضلعها واحمر خداها لتشعر بتخبط متفجر في صدرها بينما يأتيها صوته ببحته الخاصة ليسخر منها
((منذ متى وأنتِ لا تتحملين المزاح يا نورين!))
تخبطت نبضاتها في اهتياج لذيذ.. وكل حواسها ابتهجت استجابة لاسمها على شفتيه ثم قالت وهي تبتسم رغما عنها
((ألم تلاحظ بأنك لم تشتري لي كتاب أخر سبق وقرأته حتى نتناقش فيه يا مصعب؟))
ضحكت بخفوت وهي ترى الحنق يبدأ بالتجلي على ملامحه بينما يقول
((اذكري لي موضوع الكتاب مرة وأخرى وسأحطم خلية النحل التي رأيتها حقا على رأسك))
قالت له بدلال متفاخرة
((لن أهون عليك.. أنا أعرف..))
قال لها بعاطفة مغيرا الموضوع وهو يداعب خصلات شعرها الأشقر
((أريدك يا نورين من الآن وصاعدا أن تعرفي بأني عندما لا أوليك اهتماما فهذا لا يعني بالضرورة أنني أُهملك.. قد أكون حزينًا أو مشغولا ولا أريدك أن تغرقي معي.. قد أكون غارقا في عالم أخر لا تعرفين عنهُ شيئًا.. فالتمسي لي عذرًا))
أومأت له موافقة وابتسمت له ابتسامة يشوبها الحزن لأنه لا يُعلمها شيئا عن مكنونات قلبه..
ثم دفنت نفسها أكثر فيه..
إنها تعشقه.. وتعشق نظرته وحنوه.. بشكل جعل قلبها يقرع في صدرها..
تسربت طيب رائحة عطرها النفاذ له وهي قابعة بين أحضانه فلم يجد نفسه إلا أنه يريد أن ينال شيئا مما تهفو إليه روحه الليلة!
أبعدها قليلا عنه يرفع أنامل يده ليلامس بها وجنتها بنعومةٍ ولمعان عينيه يشع في تعبير عميق..
ثم مال بفاه نحو شفتيها يقبلها بنعومة لينطلق منها همسا متأوها باسمه..
رفعت يديها لتحيط عنقه وتقربه منها أكثر لتنعم بدفء لم تعرف له مثيل في حياتها من قبل.. وتجتاحها مشاعر رقيقة لم تذق في حلاوتها يوما..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-06-21, 06:44 PM   #1755

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

بعد ساعات..
وعندما يأس مصعب من أن يجد النوم له طريقا استوى واقفا من مكانه.. أزاح الستائر عن الجدران الزجاجية العازلة عن الشرفة ليستمتع بمنظر المطر..
ثم أطرق رأسه يفكر بكلام نورين الذي قالته قبل قليل وضيق عينيه يجتذب الذكرى التي مر بها قبل سنوات..
عندما كان قد مضى على زواج سمية من كامل فقط أيام..
وكان أخيه الأصغر مالك لا زال غارقا في دوامة من البؤس والكآبة بوجه ذابل منطفأ وكأنه فقد عزيز له..
جلس هو في غرفة مالك بجانبه ليحاول بيأس التخفيف عنه وإخراجه من البؤس وهو متأكد بأنه سينسى بل سيضحك على نفسه عندما يكبر ويتذكر حبه لها..
استلقى كل من الاثنين على الأريكة يتابعان برنامج ما على التلفاز بدون تركيز حقيقي..
صدح رنين هاتف مالك أثناء ذلك لكنه تجاهله كما يتجاهل معظم الاتصالات الواردة له منذ أيام..
انتبه مصعب بأن الرقم المتصل بهاتف مالك هو رقم غريب وغير مسجل فلكز كتف شقيقه بخشونة آمرا
((رد على هاتفك أيها الكئيب))
تطلع مالك بوجوم له وتمتم ببلادة
((إنه رقم غريب وأنا لا أرد على الأرقام الغريبة))
((لماذا؟))
((أخشى ألا تكون أرقاما غريبة))
لكزه مصعب مجددا بخشونة أكبر وهو يقول مختصرا
((فقط رد أيها المتحاذق الكئيب))
تناول مالك هاتفه وخرجت تنهيدة مغلفة بطبقة غليظةٍ من البؤس منه قبل أن يجيب
((مرحبا.. من معي))
وصله صوت أنثوي مرتعش خافت يعرف صاحبته جيدا
((مرحبا.. مالك))
انتفض مالك على الفور جالسا وهو يمسك الهاتف بشكل جيد..
في حين اتسعت عينا مصعب وهو يقرب أذنه من الهاتف يسترق السمع لها بينما يقول مالك بلا تصديق
((من معي؟ سمية هل هذه أنتِ؟))
وصله همسها منتحبا بصوتٍ مختنق
((نعم مالك هذه أنا.. سمية))
شعر مالك بقلبه يرتجف داخل أضلعه من نبرة صوتها الغير مبشرة.. ثم تسائل باستغراب
((سمية هل اشتريت هاتفا؟))
طالع مالك شقيقه المتجهم بدهشة شديدة بينما يصله ردها
((لا إنه هاتف زوجي كامل.. وانا أحفظ رقمك))
كان لا زال كل ما في مالك يرتجف خوفا مما قد يكون حدث معها..
ما الذي يستدعيها أن تتصل به بعد أيام فقط من زواجها بكامل؟
فأخذ نفسًا عميقًا ثم قال متسائلا بصوتٍ جاهد في خروجه ثابتا وهو يتمالك أعصابه
((أوه حقا؟ ما به صوتك؟ هل أنتِ بخير؟))
تمكنت من النطق بكلماتٍ متداعيةٍ منهارة وكأنها تتكسر
((مالك أنا سأقتل نفسي الليلة.. علي أن أموت قبل أن أشهد اللحظة التي سأكون فيها سبب إخفاض هامة وكرامة والديّ))
شحب وجهه وهو يستمع إليها واتسعت عيناه بصدمة يحدد الخوف إطارهما ثم سألها بصوتٍ خفيض خشن ذاهلًا
((ماذا تقولين! سمية هل جننت؟ أين أنتِ الآن؟))
في نهاية حديثه انفلتت أعصابه فخرج صوته منفعلا بلهفة قلقة عليها..
ردت عليه بصوتٍ خافت مغلف بالخزي
((كامل يتهمني بعفتي.. وأيضا..))
أظلمت عيناه وقد انحنى حاجباه قليلًا وكأنما لكمه أحدهم فلم يستطع النطق في البداية كما مصعب الذي جحظت عيناه مما يسمعه..
ثم قال مالك بانفعال
((مستحيل.. لو رأيتك بأم عيني فلن أصدق))
أخذت سمية تهذي بكلمات مشتتة متلاحقة
((بل صدق.. ويتهمني معك.. إنه يحبسني في المنزل بانتظار اللحظة التي سيفضحني بها عند والدي.. قال بأنه سيفعل ذلك في الغد.. وسيسترد كل قرش دفعه لقاء بضاعة معطوبة))
تمتم مالك بنبرة صلبة
((الم-ن-ح-ط. ال-د-ن-ي-ء))
همست له بصوتٍ متعثر بيأس
((توقف عن شتمه.. اشتمني أنا.. هو الضحية وأنا الفاجرة..))
ضرب بيده على الحائط منفعلًا وهو يهتف بشراسة
((اخرســــــــي لا تقولي ذاك عن نفسك.. سمية التي أعرفها أشرف من الشرف نفسه))
بكت أكثر وانتحبت بإصرار وهي تتابع هذيانها
((قطعة القماش لا يمكن أن تكذب.. موتي هو خلاصي فأنا لن أتحمل أن ينفذ ما يهدد به في الغد))
كانت كلمتها بصوتها المرتعش تطوف برأسه وتخترق قلبه كالطعنات وهو يشعر بالألم والأذى اللذان أصاباها بما يفوق احتمالها.. فغمغم لها بصوتٍ يكسوه الرجاء
((سمية توقفي.. اهدئي أرجوك ِ..))
هتفت به بانهيار
((لن اهدأ.. عليّ أن أموت.. لكن أنا أجبن من أن افعلها.. لكن عليّ ذلك قبل أن أرى أبي يدفن وجهه في الوحل بسببي يا مالك))
كلامها البائس ونبرتها الواهية أقلقت مصعب أيضًا عليها والذي كان لا يزال يحاول استيعاب ما يسمعه..
فهمس على الفور في أذن مالك
((أخبرها أن تنتظر.. ستأتي سناء.. لتساعدها))
سمعته يأخذ نفسًا وكأنه يحاول أن يجلي حلقه ثم أخبرها بصرامة
((سمية أرجوكِ اهدئي الآن.. سأذهب لأخبر سناء.. سناء زوجة أخي معاذ.. وهي ستأتي لمساعدتك..))
زاد انتحابها وهي تخبره برجاء ممزوج بالخوف
((لا تخبرها أن تأتي.. لا أريدها أن تعلم))
انتصب مالك واقفا على الفور وقال لها وهو يهرول للخارج
((إياكِ أن تتحركي من مكانك.. ستأتيك سناء حالا يا سمية))
غمغمت له من بين بكائها برجاء مُلّح
((لا تجعلها تأتي.. لن أتحمل بؤس وهوان أكثر من ذلك))
همس لها والبريق الحزين في خضرة عينيه يشاركها أنّاتها قبل أن يغلق الخط
((أعدكِ أن كل شيء سيكون بخير.. ثقي بي))
.
.
فتح كامل باب منزله يضيق عينيه ثم سأل بحذر وهو ينظر لوجوه الثلاثة الواقفين أمام بيته
((ماذا تفعلون هنا يا سيد مصعب؟ هل حصل شيء))
تطلعت زوجة معاذ لوجه كامل ولاحظت بأن وجهه هو الأخر شاحب نحيف والظلال القاتمة تظلل ما تحت عينيه المرهقتين الذابلتين..
تنهدت قبل أن تقول بصلابة وثبات
((أنا هنا لأزور سمية.. فأنا لم أراها منذ زواجكما قبل أيام.. هل يمكن أن أدخل عندها والاطمئنان عليها لو سمحت؟))
عقد كامل حاجبيه وقد شك بمعرفتها ما حدث رغم جهله الطريقة! فهو لم يسمح لسمية بالحديث مع أحد أو الخروج ريثما يفكر كيف سيكون تصرفه وردة فعله!
حتى عائلته وعائلتها لم يسمح لهم بالقدوم..
رد كامل بصوتٍ أجوف مبحوح على سناء أخيرا وهو يتطلع بوجوم على الشابين خلفها
((ولكن ماذا يفعل السيد مصعب ومالك هنا؟))
اجابته بهدوء
((لقد طلبت منهما أن يحضرا وينتظراني في الخارج معك.. فليس من المعقول أن آتي لهنا وحيدة))
.
.
كانت سناء قد ذهبت مع سمية لتقصد معها عيادة طبيبة معروفة بعد أن طلبت سيارة أجرة لهما..
في حين مصعب عرض على كامل أن يوصله للمشفى وجاء مالك معهما رغما عن اعتراضات أخيه العديدة!
وهناك قبل أن تدخل سمية غرفة الطبيبة رفع مالك وجهه يتأمل مظهرها كيف تسير بجانب سناء بخطواتٍ ثقيلة مجهدة..
تطلع لهيئة وجهها وقد بدا وكأن آلاف الأعوام قد أضيفت إلى عمرها الأصلي وتركت آثارها فوق تضاريسه..
كتفاها متهدلين بعزمٍ مشتت كتلك النظرة في عينيها الحزينتين المكلومتين..
لم يسبق له أن رآها في كل حياته أكثر بؤسًا وهشاشة من تلك اللحظة!
استغرق الأمر دقائق قبل أن تخرج الطبيبة التي كانت تكشف عليها وتنادي زوجها وسناء للداخل..
ومرت دقائق أخرى أطول قبل أن تخرج الطبيبة ثم تتجاوزهما دون أن تلقي نظرة عليها أو تطمئنهما بكلمة..
ولم قد تفعل تتحدث بخصوصيتها مع شابين لا تعرف أساسا سبب وجودهما في عيادة نسائية..
ثم خرجت زوجة أخيهما فاندفع مالك نحوها قائلا بلهفة قلقة
((ماذا حدث؟ ماذا قالت الطبيبة؟))
ابتسمت سناء ببهوت وهي تطمئنه وكأن له علاقة بها
((لا تقلق يا مالك لقد قالت بأنها لاتزال عذراء وأنَّ مثل هذا النوع من العذرية لا تتمزق بسهولة.. وقد تستمر إلى الولادة الأولى))
شد مصعب على أسنانه وهو يقول مغتاظا
((كما توقعت من ذاك المتخلف الذي تزوجته..))
تطلع مالك لهما بشر وهو يقول بعزم
((الآن أريد وحالا أن تدون تلك الطبيبة تقريرا تعطيني إياه حتى نقاضي ذلك الحقير الذي طعن في عرض زوجته في نفس ليلة الزفاف وحبسها لأيام يخفيها عن الجميع ليتسنى له تعذيبها.. لقد أذلها وأهانها وعليّ أن انتقم لها منه وأقتص لظلمها))
ثم تسربت شحنات الانفعال له وهو يستطرد قائلا بينما يهم لدخول تلك الغرفة
((ماذا لا زال يفعل في الداخل؟ سأذهب لألقنه درسا لن ينساه))
سارع مصعب يمسكه من مرفقه بقوة يعيده هامسا بشراسة
((على رسلك أيها الأحمق إلى أين أنتَ ذاهب؟))
توقف مالك مكانه واستطاع أن يتطلع من فتحة الباب على من في الداخل..
كانت سمية جالسة على أريكة ومرتمية على صدر زوجها كامل.. مغمضة العينين..
تبكي كطفلة صغيرة متأذية بينما هو يضمها إليه بذراعه ويريح ذقنه فوق رأسها هامسًا بكلمات يهدهدها ويعتذر لها راجيا مغفرتها..
وهي كأنها تتشبث به رغم جرحها منه.. تختبأ في صدره من ظلمه وشكه..
تشكوه إليه..
تلومه وتلفظ روحها بين يديه...
تمتم مالك بتخبط ودهشةٍ أفلتت عقال غيرته ونظره لا يزال مصوبا نحوهما
((انظر له كيف يعانقها يا مصعب.. وكأنه لم يكن هو من قام طوال الأيام السابقة بمعاملتها بلا أي إنسانية أو رحمة فضلا عن قذفها بعرضها.. وفي نفس ليلة زفافهما))
هز مصعب مرفقه الذي يمسكه وتمتم له يعيده لواقعه
((وما شأننا يا مالك! لا يحق لك أن تفعل أي شيء إذا لم تشتكي هي.. أنتَ تتحدث عن امرأة متزوجة وتتدخل بينها وبين زوجها.. يُقطع رقاب الرجال في أمور كهذه يا مالك.. توقف عن جنون المراهقة هذا.. كيف ستتصرف لو عرف والديّ اللذين يتشدقان دائما بهدوئك ونضج سنك بالنسبة لعمرك بما تفعله!))
كان قلب مالك يتفتت بالألم لهذا المشهد بل فارت مشاعره بجموح لتنهش صدره..
وشعر مصعب به فأطبق بيده بقوة مشددا على مرفقه بينما قالت سناء التي اقتربت منهما له
((أعرف أن ما قام به غير إنساني لكن الرجل بدا لي في حالة يرثى لها.. وجهه عندما كان يتحدث مع الطبيبة كان مثقلا بالألم والذنب والندم.. لا بد أن همساتها الباكية الآن تنساب مذبوحة في أذنيه))
تطلع مالك لها يقول بوجه معذب
((هل تمازحيني؟ لا يمكن أن تعود له بعد كل ما فعله بها من امتهان وازدراء! ألم ترِ مظهرها قبل قليل فقد بدت كمن لم تأكل أو تشرب شيئا منذ حينها!))
عقدت سناء حاجبيه تقول بجدية
((لا بد أنها هي الأخرى واقعة في صراع مرير بينها وبين نفسها في أن تسامحه وتكمل حياتها معه أو تتركه فلا تزد الأمور تعقيدا يا مالك..))
غمغم مالك بنبرة مستهجنة
((يتوسلها؟ بعد ماذا؟ بعد أن غرس سكينه في روحها وطعن في شرفها وحبها وثقتها.. بعد ماذا يتوسلها؟))
ثم عاد يطالعهما داخل الغرفة ليرجعه مصعب بصرامة وهو يهز مرفقه بقوة
((مالك لا يجوز أن تنظر له وتتعدى على خصوصيتهما.. إنه زوجها.. لا شرع ولا عادات تبرر ما تفعله الآن))
وافقته سناء وهي تحثه بجدية
((مالك إياك أن تتدخل فيما لا يعنيك ولا يحق لك.. ولننسى نحن الثلاثة ما حدث الآن))
زم مالك شفتيه وهو يشعر بصحة ما يقولانه رغم الغضب المستعر الذي يجتاحه في هذه اللحظة ورغبته العارمة لقتل كامل وهو يجد ما فعله بسمية غير مبرر..
بدأت أنفاسه ترتفع وهو يعافر ليتركها في حالها للأبد ويبتعد عنها..
نفض مالك مرفقه من يد مصعب بقوة واستدار يهرول مسرعا مغادرا..
وفي خارج المشفى وقف يرفع رأسه للسماء من فوقه ثم أغمض عينيه يستقبل حرقة الشمس بإرادة جادة في أن تحرق كل ما فيه بما فيها من مشاعر وعاطفة ليست في محلها..
عليه أن يعي ويدرك بأنها قد عقدت قرانها وتزوجت من رجل آخر ولم يعد يحل له أن يفكر بها حتى في خيالاته ونومه!
ومنذ آنذاك حاول مالك قدر الإمكان ألا يفكر فيها أبدًا وكان يسمع أحيانا من زوجة أخيه سناء بأن سمية تعيش سعيدة مع زوجها كامل وعلى خير ما يرام.. وأنه بالفعل يعوضها بصدق لينسيها قسوته وظلمه السابق لها..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-06-21, 06:45 PM   #1756

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في شركة القاني..كان قصي جالس على مقعده أمام الحاسوب يستقبل المكالمات من العملاء كما يتطلب عمله منه كموظف هنا..
استقبل مكالمة أخرى يبدأ بالقول
((مساء الخير يا سيدي.. معك قصي من..))
((موقعكم لا يعمل))
((لا تقلق يا سيدي.. هل يمكن أن تزودني برقم..))
((ألا تفهم؟ أخبرك بأن موقعكم لا يعمل بجهازي))
لم تنحسر ابتسامة قصي البشوشة وكأن العميل أمامه وهو يكمل الحديث بلطفه المعتاد والمفروض عليه
((حسنًا هل يمكن أن تعطيني رقم..))
قاطعه العميل صارخا بعصبية
((الآن.. الآن أريد منه أن يعمل.. شغّله من عندك حالا))
أغمض قصي عينيه يحاول ألا تنفلت أعصابه..
فهو كموظف خدمة العملاء عليه أن يتمتع بمهارات اتصال مع العملاء وعليه أن يكون دائما قادرا على المساعدة حتى لو واجهه عميل غير سوى أو حدثه بعصبية..
حتى لو تطاول عليه العميل عليه أن يحافظ على هدوءه وصبره وأن يصل لمستوى راقي ومتحضر لإرضاء العميل..
تحدث قصي أخيرا
((في البداية أود أن أسألك يا سيدي.. ماذا يحدث عندما تحاول الدخول للموقع؟))
أجابه العميل ببساطة
((لا شيء.. فقط لا يعمل))
((نعم أنا أفهمك ولكن ما هو الخطأ..))
قاطعه العميل بفظاظة
((أخبرتك بأنه لا يعمل ألا تفهم؟))
بشق الأنفس تمالك قصي نفسه وهو يقول بلطف
((هل يمكن يا سيدي أن تحاول كتابة اسم الموقع الإلكتروني على متصفح الإنترنت وتخبرني ما يظهر عندك؟))
((يظهر لي مستطيل طويل فارغ.. هل اكتبه فيه؟))
((نعم يا سيدي))
((كتبته وظهر لي الموقع))
كان قصي يمارس أقصى أنواع التحمل والصبر وهو يقول بصوتٍ مغتاظ
((هذا يعني بأن الموقع يعمل يا سيدي))
((هل تكذبني؟ أنا أخبرك بأنه لا يعمل))
((اكتب أي شيء واضغط على محرك البحث وستجد بأنه قد بدأ يعمل يا سيدي يمكن أن تضغط عند أول شيء يظهر لك يا سيدي؟))
((نعم نعم.. ها هو الموقع بدأ يعمل..))
وقبل أن يسمح لقصي بالرد عليه كان يقفل الخط في وجهه..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-06-21, 06:46 PM   #1757

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

بمجرد أن انتهت نوبة قصي في عمله حتى أزال سماعته من فوق رأسه.. وسجل خروج من الموقع ينهي عمله البغيض وهو يشعر ككل يوم بألم في جميع مفاصله من إثر الجلوس لساعات طويلة على الكرسي وببحة في صوته لعدم مضي دقيقة عليه دون التحدث..
أمسك بتكاسل حقيبة ظهره يجرها بيده لا يمتلك القوة ليرتديها بينما يغادر الموقع..
وقبل أن يخرج من القسم حتى عقد حاجبيه عندما ناداه قائد فريقه معتز
((قصي.. تعال هنا للحظة.. أنا بحاجة لتوقيعك))
اتسعت عينا قصي بصدمة..
توقيع؟
التوقيع يحتاجه قائد الفريق فقط بحالة تم إعطائه تنبيه أو إنذار!
استدار قصي وخطا بغضب نحو معتز يغمغم بانفعال
((لماذا تريد أن تعطيني تنبيها يا معتز؟ ماذا فعلت؟ لم افعل شيء وبالتالي لن أوقع على شيء! وإذا ما فكرت أن توقع عني سأشتكي عليك وأنا لا امزح))
طالع معتز تهديد قصي باستهانة قبل أن يقول متهكما
((هون على نفسك فلن أوقع عنك.. بل ستوقع أنتَ ورغما عنك على التنبيه الذي تستحقه.. وبما أنه قد مضى ثلاث أشهر على احدى تنبهاتك وقد تلاشى من سجلك فلن تطرد بسبب هذا التنبيه.. لا تقلق))
قال قصي معترضا من بين أسنانه المطبقة
((ولماذا ستعطيني تنبيه من الأصل؟ أنا ملتزم هذه الفترة أكثر من أي فترة مضت طوال فترة عملي وأتحامل على نفسي حتى لا انتهك أي قواعد هنا))
تطلع معتز له بتشفي يتلذذ بقهره كما كان يعذبه بعدم التزامه في السابق ثم قال ببساطة
((باختصار سبب تنبهيك هذه المرة هو تقييم العملاء المنخفض لك في نهاية المكالمات))
اهتزت أنفاس قصي وذهوله يبلغ قمته فغمغم
((ماذا! تقييم منخفض؟ وما ذنبي أنا بتقييمهم؟ ألا يكفي أنهم يروني كموظف هنا فرصة لتصفية الحسابات مع الموقع الإلكتروني.. بل يتعاملون معي بعصبية وتعالٍ وعجرفة ويحملوني مسؤولية أخطاء باقي الموظفين!))
رسم معتز تلك الابتسامة المستفزة المتشمتة بينما يشده نحو الحاسوب
((أتفهم استيائك لكن هذه هي سياسة شركة القاني.. الآن اكتب كلمة مرورك السرية هنا ووقع على تنبهيك))
سكنت تعابير قصي ثم أرخى أهدابه وهو يشعر بأنه فعلا لا مناص له من أخذه للتنبيه ولن يفيده الاعتراض أكثر..
تنهد قصي بحرقة خرجت من جوفه محملة بقهر سنتين من العمل في شركة القاني بينما يمارس على نفسه حدوده القصوى من ضبط النفس للالتزام في العمل هنا وبذل اقصى جهده وهو الذي لم يسبق وأن عمل في حياته!
ثم بكل آلية وعملية قام بإجراءات توقيعه على التنبيه على الحاسوب..
أخيرا انتصب واقفا وطالع معتز المتشمت به بعينين بليدتين يبصق الكلمات المرصوصة داخله
((تبا لها من سياسة.. وتبا لشركة القاني.. وتبا لهؤلاء العملاء الأغبياء الذين يظنون أن الاستبيان الذي يحصلون عليه بعد أي مكالمة لهم هو تقييم للموقع الإلكتروني لا تقييم لمدى رضاهم عن الموظف الذي رد على كل الأسئلة!))
وعلى الفور استدار يضع حقيبته على كتفه بعنف ليجد معتز يهتف به بصوتٍ عالي
((لا تنسى أن تأتي غدا على الموعد حتى لا تأخذ تنبيها آخر يا قصي))
إلا أن قصي الذي كان يطحن ضروسه من شدة الغيظ قرر أنه وبكل استهتار لن يحضر غدا..
ولا بعده..
ولا الذي بعده..
سيُعطي لنفسه من تلقاء نفسه إجازة أسبوع ليسافر مع سهر إلى تلك الإجازة التي كان سيفوتها بسبب قراره الأحمق في الالتزام بالعمل هنا..
فما دام العمل بجد والتزام يعطي نفس نتيجة غيابه وتسربه فلا داعي لبذل جهد لا طائل منه!


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-06-21, 06:47 PM   #1758

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

نزل مالك خطوات الدرج الذي ينتصف الصالة يستعد للخروج مع أصدقائه للعب كرة القدم..
خرج من باب القصر ومر على حديقة منزله حيث يجلس والديه في العادة ليلقي السلام عليهما قبل مغادرته..
سار نحوهم ولحظات حتى تسرب التوجس لملامحه وهو يلاحظ بأن هناك امرأة تجلس مع والديه ومؤيد..
اقترب أكثر منهم ليتبين له أن تلك المرأة ما هي إلا.. سمية..
اتسعت عيناه وتسمر مكانه يكاد لا يصدق بأنها هي فعلا وسرعان ما عاد الوعي له ليخطو بسرعة نحوهم..
توقف أمامهم بريبة ثم قال من بين أنفاسه اللاهثة قليلا ينبههم على وجوده
((السلام عليكم..))
انتبه كل من الحاجة زاهية والحاج يعقوب على ابنهم ونكست سمية التي جفلت على صوته وجهها أرضا..
دعاه مؤيد ليجلس معهم وهو يشير لكرسي فارغ بينهم
((وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. تعال وانضم لنا في جلستنا يا مالك ريثما تعد أم فهد الشاي))
بدا على زاهية الضيق لوجوده وكأنها لم تتمنى أن يعرف حتى بشأن هذا اللقاء..
قال مالك بحذر وهو يسحب كرسيا ويجلس عليه
((بماذا تتحدثون مع سمية؟))
غزا الارتباك وجه سمية لتتشابك تلقائيا أصابع يدها بتوتر في حين قال يعقوب بوقار وهدوء
((لا شيء مهم.. كان أحد الأشخاص قد سبق وطلب يد سمية مني لأن لا أحد من أقاربها هنا.. فأخبرت سمية وطلبت مني أن أمهلها وقتا للتفكير والآن طلبتها أمك لتسمع ردها وما يجول في خاطرها بما أن الرجل يلح على تلقي الرد منها اليوم قبل الغد..))
تخشب مالك في جلسته لتتجمد ملامحه كسطحٍ رخامي باهت..
هل حقا ما يسمعه!
والديه الاثنين يحاولان السعي في تزويجها ويسردان عليه الأمر بكل بساطة!
والأنكى بأن الهانم لم ترفض بل طلبت وقتا للتفكير والسؤال عن العريس المحظوظ الذي تقدم منها!
تمالك نفسه وهو يزدرد ريقه ثم طالع سمية التي كانت رأسها تزداد انخفاضا وكأنها مثقلة بالذنب..
وكأنه تم الإمساك بها متلبسة بخيانته!
ثم قال أخيرا بصوتٍ يبطنه الألم وهو يشمخ بذقنه
((والسيدة هنا ما هو ردها؟))
عقدت زاهية حاجبيها بتوجس ثم قالت بجفاء
((إنها موافقة..))
رفعت سمية وجهها الشاحب تفغر شفتيها تهم بالاعتراض فأكملت بصرامة
((لكن هناك بعض المخاوف الذي تداهمها لذلك نتحدث هنا معها حتى نبددها لها))
بدأت أصابع مؤيد تطرق على يد الكرسي بترقب وتسلية لردة فعل أخيه!
إنه ليس جاهلا ليكون الوحيد هنا في عائلته الذي لا يعرف بحب مالك لها!
ولكن ما هو متأكد منه بأن والديه اللذان يصران على تجاهل هذه الحقيقة وعدم الاعتراف بها لن يسمحا له حتى بالتفكير في أن يتقدم لها!
تجرأت سمية تقول بصوتها الواهن
((أنا لا زلت أفكر فأنا لا اعرف ذلك الرجل الذي طلبني بشكل شخصي.. لهذا أظن بأن عليّ التريث قليلا.. بل لا أدري إذا ما كان عليّ المضي كما لا اعرف إذا كان رجل مناسب أو لا..))
نظرت زاهية لها على الفور تقول بامتعاض
((ولماذا ليس عليك المضي قدما فيه؟ ألا ترين وضعك؟ هل يعجبك الحال بأن تظلي هكذا؟ أنتِ تعيشين في مجتمع ذكوري فاسد الفطرة لا يؤمن بصلاح المرأة إلا وهي تحت جناح ذكر.. لذلك برأيي عليك أن تقبلي به حتى لو كان الرجل لا يعجبك.. فمهما كان فيه من صفات لا تروق لك عليك أن تتجاوزيها وتقبلي به فهو المتاح لك))
تعجب يعقوب من حال زوجته..
غضب ملامحها ونبرتها الصلبة المشحونة لم تكن في محلها..
في حين أخذ مالك يتطلع إليها بتدقيق مبالغ فيه أشعر سمية بعدم الارتياح وهي ترد بارتباك جلل
((لا اقصد بأني أمانع الزواج كفكرة.. ولكن أنا حاليا لا أريد التركيز إلا في تربية ابني..))
ضاقت عينا زاهية وهي تقول منفعلة
((وهو لم يطلب منك التخلي عن يزيد للزواج منه!))
تطلع يعقوب بسمية يسألها بصراحة وتروي
((هل تفكرين في الزواج يوما ما يا سمية؟))
أجابت زاهية عنه بانفعال فشلت في خمده
((ولم قد لا تفكر؟ أليس من حقها كإنسانة أن تتزوج وتستقر حتى لو سبق لها الزواج قبلا؟))
أطرقت سمية بنظراتها بضيق وكل ما حولها يطبق عليها حصارا خانقا لروحها..
فقال الحاج يعقوب بوقار ورزانة
((أنا من جهتي يا ابنتي أرى بأنه إذا جاءك ابن الحلال الذي تشعرين بأنه قد يرعاكِ ويرعى ابنك فلا تترددي أبدًا.. لذلك أعطي نفسك فرصة للتعرف على الرجل الذي طلب يدك))
ضاقت عضلات جسد مالك بل شعر حتى بعضلات صدره تنقبض من شدة الانفعال وكفيه يتكوران بشدة..
إذا كانت صاحبة الشأن موافقة ولا ينقصها إلا السؤال والبحث عن الخاطب فكيف يعطي له أي حق ليوقف هذه المهزلة!
فتحت سمية شفتيها تقول بصوتٍ خفيض وهي تشمخ ذقنها بكبرياء
((أنا وابني بحمدالله بألف خير بوجود زوج أو عدمه))
لم يستطع هنا مالك منع نفسه أن يقول بصلابة وقسوة الخضرة في عينيه تتعلقان بنظرها الهارب منه
((أبي ليس من المنطق أن تشجعاها على الزواج ولديها طفل صغير بحاجة لرعايتها! كما ليس أيضًا من المعقول لو تزوجت أن يظل يزيد معها))
نظر يعقوب لابنه وابتسم ببطء ثم عقب
((لماذا؟ ما المانع من زواجها حتى لو كان عندها طفل؟ طليقها الأول ووالد ابنها سبق وتزوجا وكل واحد منهما صنع له عائلة أخرى.. فلماذا لا تفعل هي نفس الشيء؟ أم لأنها امرأة فحقها مهضوم))
عقد مالك حاجبيه يقول بثبات وشموخ رغم القهر الذي يتشعشع بروحه
((ومن حرمها من حقها في الزواج مرة أخرى؟ ولكن الابن في حالة زواج المرأة لوالده.. صحيح يا سمية؟))
آخر جملة خرجت منه وهو يرفع إحدى حاجبيه بنبرة ذات مغزى أمام وجهها المتجهم الذاهل لحديثه..
وبين كبرياء رجولته وعشقه لها كانت هناك صرخة ألم يخفيها بعينيه المتحجرة بترفع..
تعسر مؤيد في فهم كلام أخيه المبهم والمريب..
كتف مالك ذراعيه ثم قال مؤكدا على كلامه السابق وهو يحاول أن يتحلى بهدوء يجيب على النظرات المستفهمة من حوله
((إنه شيء بديهي.. أي امرأة تتزوج تخسر حضانة ابنها لوالده.. والآن إذا قبلت أن تتزوج حتى لو ترتب الأمر عليها أن تخسر حضانة ابنها الوحيد فهي معدومة الأمومة))
رآها تنكمش على نفسها فلم يدرك أن كلامه أخافها..
فالغيرة والقهر في داخله وهو يسمعها تتحدث مع عائلته عن أمر ذاك الخاطب كان أشد وطأة عليه ولا يحتمل!
قال والده معترضًا على كلامه
((لا يحق لك يا مالك أن تتهم أي امرأة تفضل الزواج مرة أخرى بانعدام الأمومة.. إذا كان أحل الزواج لأي امرأة بعد الطلاق لأن فطرتها واحتياجاتها تستدعي ذلك فمن أنتَ لتقول هذا الكلام القاسي عنها؟))
كانت الحيرة تسكن وجه زاهية وهي لا تستطيع فهم ابنها..
رغم أن كلامه الحالي يشير بأنه لا يفكر أبدًا في الزواج منها على عكس مخاوفها السابقة..
إلا أنها غمغمت تدعم كلام زوجها وتستعد لقول أي شيء يشجع سمية على الزواج حتى ترتاح تماما مخاوفها
((حتى لو أعطت سمية حضانة ابنها لوالده فهذا لا ينقص من أمومتها شيء.. بالتأكيد لو كان بيدها الزواج والاحتفاظ بحضانة ابنها لما توانت عن فعل ذلك))
كان كل ما في سمية يرتجف ويثور في نفس الوقت وهي تسمع مالك يقول صراحة عن نزع ابنها من أحضانها في حالة ما فكرت في الزواج ثانية.. بل فعليا للمرة الثالثة!
فقالت بخفوت أمام عينيه الغاضبتين وقوة لا تستحضرها إلا في مواجهته هو
((أنا لن أتزوج أبدًا.. وابني من المستحيل أن أتخلى عنه أو أسمح له أن يبتعد عني))
لم يختلج شيء في تقاسيم وجه مالك بل كان باردا كقطعةٍ من جبلٍ جليدي وهو على حاله..
شعرت زاهية بالغيظ لأن سمية تراجعت حتى بدون أن تفكر أو تعرف مواصفات من تقدم لها..
وكانت تريد التحدث إلا أن صوت رتيل التي جلبت صينية فوقها إبريق الشاي قطع حديثهم..
فخطت رتيل نحوهم أكثر ووضعت الصينية فوق الطاولة بقوة وإهمال شاعرة بالحنق وهي ترى نفسها من تقوم بالتخديم هنا.. حتى أن البستانية جالسة معهم تتجاذب الحديث في موضوع ما وهي من تقدم الشاي لها..
استدارت رتيل بهدوء ليصل لها صوت زوجها المستفز
((رتيل أحضري كأسًا أخرى لمالك ليحتسي الشاي معنا))
تجمدت رتيل مكانها وأغمضت عينيها تتميز من الغيظ خاصة ووالدة مؤيد تضيف على كلام ابنها
((رتيل واجلبي دلّة القهوة أيضًا لو سمحتي))
فتحت رتيل عينيها تقول بفتور
((أنا متعبة.. اعتذر لك.. اطلبي من غيري جلبها وجلب كأس لمالك))
تدلى فك زاهية وعرفت رتيل أن ردها صدمهم جميعا دون أن تراهم!
لكنها لم تكن لتتراجع عما قالته ولم تندم!
فحتى والدة مؤيد لا ترحمها بطلباتها..
وتطلب منها أن تعمل فوق طاقتها دون أن تهتم بكونها لا تنال أي قسط من الراحة!
بل وأحيانا تتذمر وتتأفف إذا ما تأخرت بالاستجابة لطلباتها رغما عنها دون تقدير بأنها زوجة الابن الوحيدة التي تخدم في هذا القصر منذ أن طُرد العاملين فيه!
لكن ماذا استفادت من كونها الكنة المطيعة الوحيدة هنا غير الإجهاد النفسي والجسدي؟
عليها أن تعيد حساباتها من جديد وتتغير معهم جميعا..
استدارت رتيل نحوهم بوجه صلب تقول بصرامة
((أنا متعبة وبحاجة أن أعود الآن للراحة.. إلى اللقاء.. ومن يرد شيئا فليذهب ليجلبه بنفسه))
همس مؤيد المصدوم يقول بلا تصديق
((انظري لنفسك كيف تقولين بأنك لن تفعلي أي شيء أمام أمي بفجاجة ووقاحة))
حذرته والدته تحاول تخفيف حدة الموقف
((انتظر يا مؤيد هي لا تقصد ذلك..))
قاطعتها رتيل قائلة بثبات وتصميم
((بل أقصد كل حرف مما قلته.. فأنا من الصباح للمساء كل ما افعله هو خدمتكم جميعا.. أنا متأكدة من أني حتى لو كنت أتجرع المرض أو الموت لم يكن زوجي ليكلف خاطره ويفعل معي ربع هذه الأشياء التي افعلها الآن.. لذلك لن أتجرد من إنسانيتي من اجل عيناه وسأذهب لأريح نفسي..))
اجتاحت جسد مؤيد فورة غضب لجرأة زوجته الوقحة فانتصب واقفا من مكانه بقوة حتى أن الكرسي الذي كان جالسا عليه اهتز ووقع خلفه..
ثم هتف بصوتٍ خطير وهو يحدجها بنظراته المهددة
((هل تتمردين يا رتيل؟))
أخذ الخوف كل مأخذ منها إلا أنها نجحت بإخفاء شيء من هذا الخوف وهي تردد على نفسها بأنه لن يستطيع أن يفعل شيئا أكثر من إغراقها في جحيم عتابه وجلده وتوبيخه..
فقالت أخيرا بصوتٍ مضطرب
((هذا ما عندي يا مؤيد.. لقد تعبت.. لا دخل لي إلا بتنظيف جناحي والمطبخ.. لا تطلب منى أن افعل أكثر من ذلك.. لن أنهك نفسي أكثر من ذلك.. أنا بشر من لحم ودم.. وقد أمرنا الله بأن لا يكلف الفرد نفسه فوق طاقتها))
ساد صمت قاتم بينهما للحظات اشتعلت فيه حرب تراشق الأعين..
الوعد من جهته.. والتحدي من جهتها..
أما الحاج يعقوب الذي شهد الموقف هذا ذاهلا ظل ثابتا رغم حنقه بمهارة عمره قبل أن يتدخل أخيرا قائلا
((ولماذا هي من تقوم بأعمال البيت؟ أين هي نعمة ومنال وغيرهن؟))
ردت رتيل عليه على الفور بتحفز
((ابنك الآخر مالك قام بطردهم جميعا يا عمي.. ومؤيد يرفض أن يحضر غيرهم ويريد مني وحيدة أن أقوم بكل شيء هنا))
تدخل مؤيد يقول بخشونة
((لست وحيدة فنجوم تساعدك.. لكن سأطردها قريبا لتتعلمي كيف تحترمين نفسك في المرة المقبلة))
كلماته كانت نصالًا حادة يصوبها إلى صدرها مستنزفًا نفسها المرهقة وآملًا في القضاء على الجزء المتبقي من كبريائها!
فهتفت بقوة في وجهه والقهر يتجلى على ملامحها
((لماذا تحب أن تهينني وتقلل من شأني أمام الجميع! لماذا تحب أن تحطمني؟ ولا تتواني عن تحقيري أمام أحد!))
ازدادت ملامح الصدمة على مؤيد لما يسمعه منها فعاد ذاك الخوف يدب في قلبها لكنها حثت نفسها على عدم التراجع..
وإلا ستمضي ما تبقى من عمرها هنا على هذا المنوال..
وستبقى هنا للخدمة والعمل والبذل والعطاء الذي لا تجد مقابلا لهم إلا الجحود والنكران والانتقاد والعتاب القاسي..
والويل لها من مؤيد وكل الويل لها لو فكرت أن تعترض ولو مجرد تفكير!
فاستطردت معقبة لحماها تثير استعطافه بما مرت به وهي تشكوه مؤيد غير عابئة به
((أنا متعبة يا عمي من التنظيف.. لقد رفض العودة لعمله في المدينة حتى يراقبني ويتربص بي طوال فترة وجوده هنا.. أشعر بأن عملي لهذا اليوم تسبب لي بالديسك.. أشعر الآن بأوجاع الظهر واحتكاك في عظام ركبتي وتشنجات في عضلات الرقبة واليدين))
تقارب حاجبا مؤيد بغضب أشد يستعر في داخله..
وهم يقترب منها حتى أنها تراجعت خطوات للخلف..
لولا أن الحاج يعقوب وقف على الفور ففعل باقي الجالسين مثله وهو يهتف بابنه بصرامة
((مؤيد توقف مكانك واحترم وجودي))
تطلع مؤيد لوالده يقول مستنكرا وهو يشير لزوجته
((ألا تراها كيف تتحدث معي بهذا الشكل؟ لو كان متواجدا أحد غريب هنا للامني أنا على قلة أدب واحترام زوجتي تجاهي))
كان الغضب بداخل يعقوب يصل أقصاه لكنه قبضه وهو يلتفت لمالك يتساءل بهدوء قاتم
((وأنت الآخر من سمح لك أن تطرد أحد هنا؟))
ازدرد مالك ريقه إلا أنه أجاب بصلابة
((لأنهم لا يحترمونني أبدًا.. كما أن وجودهم وعدمه واحد فقد حولوا المطبخ لمجلس نميمة بدلا من العمل))
تغضن جبين يعقوب لمالك وتطلع بتلقائية لسمية التي كانت غارقة في توتر رهيب..
ثم تطلع لزوجته يخبرها بصرامة
((من الآن يا أم معاذ تطلبين من جميع من كان يعمل هنا العودة لعملهم.. وادفعي لهم أجر الأيام التي لم يعملوا فيها.. وسنتحدث فيما بعد بشأن عدم إعلامك لي بمثل هذا الأمر.. لقد خيبت ظني بك! كيف جعلتِ رتيل تقوم بكل شيء وحيدة هنا؟))
ترققت ملامح رتيل لدفاع حماها عنها في حين تدخل مالك يقول بشيء من الحدة الغير مقصودة
((أبي لقد سبق وتخلينا عن خدماتهن فلماذا تريد عودتهم!))
غمغم الحاج يعقوب بصوتٍ رخيم
((استهدي بالله يا مالك))
ثم أتبع قوله بما لا يقبل النقاش
((من كانوا يعملون هنا سيعودن وإياك أن تكرر إصدار أوامر كهذا هنا))
قست عينا مالك كشظيتين من الجليد الأخضر المؤذي.. أما وجهه فسكن دون أي تعبير..
طال الصمت بينهما إلى أن قال أخيرا
((ماذا يعني هذا يا أبي؟ أليس لي اعتبار هنا كابن للحاج يعقوب الكانز؟))
رفع يعقوب حاجبيه يقول بحكمة
((بالطبع أنتَ ابني ولك كل الاعتبار هنا.. ولكن بحدود المعقول))
أطبقت شفتا مالك في خطٍ قاسٍ وكأن ما تناهى لمسامعه لم يكن الجواب الذي ينتظر سماعه منه.. حتى سقط قناع البرود عن وجهه وحل محله تعبير الدهشة والاستنكار وهو يقول بانفعال طفيف
((أي معقول هذا وأنت تنسف الأوامر التي صدرت مني))
قال يعقوب بصرامة وحدة دون أن يتخلى عن وقاره
((اخفض صوتك يا مالك فأنت تتحدث مع والدك.. فقط عندما أموت يمكنك أنت وأخوتك أن تتحكموا بمسألة التوظيف هنا.. لكن ما دمت على قيد الحياة فأنا من أقرر))
تمهل مالك قبل أن ينظر إلى عينيه قائلا بصوت يشوبه الذنب
((فليبعد الله عنك أي شر وليحفظك لنا.. ولكن أنا سبق وقلت للجميع بأننا سنستغني عن خدماتهم هنا.. فإذا كنت مصرا على رأيك يا أبتي فأنا من سأغادر المكان))
وكان مالك يهم أن يستدير مغادرًا إلا أن والده هتف باسمه بحزم يمنعه.. فتسمر مكانه بثبات..
اقترب الحاج يعقوب منه أكثر يقول بغضبٍ مفاجئ
((لا تصغر نفسك أمام من يعمل عندك.. فأنت كبير يا مالك))
أشاح مالك بوجهه وهو يزفر بمشاعرٍ محتدمة ثم قال في النهاية ببرودٍ دون أن يرف له جفن
((قلت ما عندي يا أبي.. إذا أصررت على عودة من قمت أنا بصرفهم فسأجد مكانا آخر لأنتقل له))
ما حدث وآخر كلام مالك جعل قلب سمية ينسحق ببطء مؤلم ودوى صاخب..
وكم تمنت أن تتشبث به وتمنعه من هذا العناد الأحمق دون أن تعرف السبب!
ربما لأنها لن تتحمل أن يكون بعيدا عن يزيد؟
كان مالك قد بدأ يسير مبتعدا عندما هتف والده باسمه مجددا
((مالك.. انتظر))
اقترب يعقوب منه ثم وقف أمامه دون أن تلين ملامحه أو تتجلى أي من مشاعر تفهم لما فعله..
بل ظل وجهه جامدا كقناع قاسي وهو يقول له بصوتٍ رزين
((لا تستقوى بنفسك على الضعيف ولا تكن سببا في قطع رزق أحد فيتعلق رزقك فيما تحب))
نكس مالك بوجهه الجامد أرضا يتدبر بكلام والده فيما التفت الحاج يعقوب لابنه الأخر يقول آمرا إياه بخشونة
((تعال الآن للمجلس لنتحدث بشأنك أنتَ يا مؤيد.. هيا اتبعني))
رمش مؤيد بعينيه وارتبكت ملامحه للحظة إلا أنه عزم أمره وتبع والده وما إن تجاوز رتيل حتى رماها بنظرة أخيرة محملة بالتهديد والوعيد..
.
.





أغلق مؤيد باب المجلس خلفه وجلس قريبا من والده على كرسيه الأثير في زاوية الغرفة العطرة ببخورها الدائم..
نكس وجهه قليلا بتخبط وقبل أن يبدأ والده في الحديث قال بتسرع متهور
((أعرف يا والدي بأنك الآن ستلومني على عصيان زوجتي وتمردها علينا في الخارج والكلمات التي خرجت منها.. وأنا هنا لا أقول لك بأني لست مخطئ.. على العكس أنا المُلام فلو كنت رجلا صارما معها وشديدا لما تجرأت على قول ما قالته.. الخطأ عليّ فأنا من دللتها حتى صارت تريد أن تكون امرأة مهملة ومقصرة في حق عائلتها وغير مقدرة للنعم من حولها.. لكن صدقني ودون الحاجة للحديث معي الآن في هذا الموضوع سأحاسبها على ما قالته ولن تكرره مجددا))
استنكرت ملامح يعقوب كل ما يقوله ابنه بصمت وما إن انتهى حتى أخذ نفسا عميقا يحث نفسه على الصبر في الحديث ثم قال له بروية
((أنا جلبتك هنا للتعقيب على ما تفعله أنتَ لا زوجتك أيها الذكي))
قال مؤيد معترضا
((هل تقصد يا أبي بأنك تريد توبيخي لأني لم أسمح لأمي أن تحضر عاملات بدلا من اللاتي طردن؟ ولكن يا أبي من البداية لماذا جلبناهم وعندنا نساء في القصر؟ لماذا نتزوج إذا كان واجبا علينا أن نحضر خدم للقصر ولإعداد وجبات طعام المزارعين؟ أبي في الماضي هل جلبت لأمي ولو خادمة واحدة تساعدها؟ هل سبق واعترضت أمي؟ نساء هذا الزمان مدللات أما أمي فكانت تقوم بتربيتنا والاعتناء بشؤون البيت في الداخل.. أما في الخارج فكانت تحطب وتساعدك في المزرعة بلا كلل أو ملل.. حتى في فترات حملها))
نظر يعقوب بذهول غاضب لولده ليهدر
((لست عادلا يا مؤيد بمقارنتك العشوائية هذه.. فهذا الذي نعيش فيه هو قصر لا منزل صغير كالذي امتلكته مع أمك في الماضي))
ثم بسط يديه المجعدتين أمامه يستطرد بتصميم أكبر
((في الماضي يا مؤيد وفي شبابي كنت أقضي الليل والنهار أعمل في الزراعة وأحرث أراضي والدي واسحب الماء من الآبار وأخصب الثمار.. في كل الظروف.. في البرد.. وتحت أشعة الشمس الحارقة.. دون الاهتمام بالمرض أو الإجهاد.. لذا لم أفكر بجلب خدم لوالدتك وكانت هي من تقوم برعايتكم الخمسة ورعاية المنزل ولم تكن هي لتجرؤ على توظيف من يساعدها لشح المعيشة آنذاك وقلة المال))
كانت الدهشة مرتسمة على ملامح مؤيد رغم أن كلام والده هذا لم يكن أول مرة يسمعه منه!
هم بالتحديث لكن والده أكمل بملامح مكفهرة
((وإذا كنت تقارن زوجتك بأمك.. فقارن نفسك بي.. هل حياتك مشابهة لحياتي أنا عندما كنت بسنك؟ انظر لنفسك كيف تعمل في مكان مرفه.. فرغم أنك تعيش بعيدا عن هنا إلا أنك تملك شقة مرفهة واسعة في المدينة.. وعملك في تجارتك عمل مكتبي.. تظل خلفه جالسا براحة واسترخاء وأمامك على الطاولة كوب قهوة ترتشف منه بجانبك بينما تتصفح دفتر الحسابات.. هل من المنطقي أن تقضي أنتَ الرجل ذو الجسد الصلب يومك براحة وترف وتطلب من زوجتك أن تقوم لوحدها بعمل عدة نساء من عمل منزلي شاق ومضني في هذا القصر؟))
تفشى الضيق في وجه مؤيد لمنطقية كلام أبيه ونكس وجهه أرضا بينما يكرر والده عليه
((أجب يا مؤيد))
تمتم بوهن وضعف حجة
((بالطبع لا يا أبي.. ولكن..))
((لو كنت تعمل يا مؤيد ممرض كمصعب أو معلم كمالك حيث يقف كل واحد منهما في عمله طوال النهار على قدمه.. لما لمتك بشدة.. لكن أنتَ بالذات لا يحق لك الاعتراض فبعد تخرجك مباشرة أعطيتك رأس مال لتبدأ في مشروعك ووفرت لك أكثر من خبير في مجالك يعاونك في العمل.. وعندما انكسرت في احدى المواسم كنت وجدتني أدعمك ماليا حتى استطعت في النهاية أن تثبت نفسك في السوق! صحيح يا مؤيد؟))
ازداد المقت المتجلي على وجهه لما قاله أبيه الذي أتبع سؤاله
((ثم أنا من أدفع أجر كل موظف يعمل في المزارع والقصر يا مؤيد.. هل سبق وطلبت منك أو أحد إخوتك أي مساعدة في دفع الأجور؟))
اتسعت عينا مؤيد وهو يرفع رأسه ويدافع عن نفسه
((حاشا أن يكون هذا قصدي يا أبي.. ولكن أنتَ لا تفهمني فالموضوع ليس أجور العاملين وليست مشكلتي في عمال القصر مشكلة مالية أو اقتصادية بل..))
قاطعه والده ببطء وروية
((أنا أفهمك يا مؤيد ولكن على كل حال حتى لو قامت زوجتك بالأعمال المنزلية فهي تقوم بها تكرما منها وليست لأنها خادمتك التي أحضرتها لها والدتك))
مسح مؤيد وجهه بكفه زافرًا بعمق قاتم ليقول أبيه
((لا أنكر أنه على سيدات هذا المنزل الاهتمام بشؤون المنزل.. ولكن كما للبيت عليها حق.. فأولادك ونفسها عليها حق أيضًا فهي بحاجة إلى جسد معافى لا تهرمه أعمال البيت والمطبخ))
استوي الحاج يعقوب من مكانه فتبعه مؤيد..
ثم فتح الباب ليجد رتيل تستند برأسها على إطار باب مقابل له قبل أن تجفل على خروجهما..
تواصلت عيناه في عيني رتيل الواقفة بترقب قلق فطمأنها بابتسامة مراعية وغمغم بقرب أذن مؤيد الذي تبعه
((الآن اذهب لزوجتك واعتذر منها بوردة وأخبرها بأن كل شيء سيعود لسابق عهده.. هيا يا مؤيد))
اشمأزت ملامح مؤيد إلا أنه قال طائعا على مضض
((سأفعل أبي لكن لاحقا))
ثم أشاح بوجهه يسير بسرعة نحو الخارج وكاد أن يصطدم بمصعب الذي كان يدخل المكان..
وقبل أن يزعق به جاءه سؤال مصعب
((مؤيد هل أنتَ من أخذت دراجتي النارية؟))
رفع مؤيد إحدى حاجبيه باستعلاء ورد
((وما حاجتي لدراجتك وانا أمتلك أفضل وأحدث منها بمراحل))
ظل مصعب متغضن الجبين وهو يردد بحيرة
((ومالك أيضًا قال بأنه لم يأخذها.. من يا ترى اقتحم أرضنا وأخذها.. إنها مفقودة!))
برقت عينا مؤيد بتوجس قبل أن يقول بريبة وشراسة
((تعال معي لنتأكد من المصف والأرض مجددا.. فمن هذا الذي تجرأ على الدخول لأراضينا وسرقتها!))
ثم لمعت عيناه بشراسة وهو يقول من بين أسنانه
((لقد بات الجميع يستهين بنا.. ولا ألومهم فنحن من سمحنا لأحد أبناء الهنادل التعدي على أراضينا والغدر بابن عمنا يحيى الذي لم نثأر له بل وقبلنا بالصلح دون أخذ دم محل دمه))
امتعض مصعب من ذكر مؤيد الموضوع بهذا الشكل المبتذل!
أخيه ومن أتفه سبب يعيد ذكر سيرة الثأر والدم!
تجاهله وهو يعود للأرض يحاول أن يبحث ويسأل عن دراجته مرة أخرى ومؤيد خلفه ينادي عليه..
أما المنزوية هناك فقد انسحب الدم من وجهها لما سمعته من كلام عن دراجة مصعب!
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-06-21, 06:49 PM   #1759

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

وعلى الفور كانت رتيل تطلب رقم غنوة وما إن جاءها الرد حتى سألتها بترقب واضطراب
((هل أنتِ من سرقتي دراجة مصعب يا غنوة؟))
كانت غنوة تثائب قبل أن تسألها مدعية الجهل
((من هو مصعب؟))
هدرت فيها بغيظ ونفاذ صبر
((مصعب شقيق زوجي يا غنوة.. فسبق وسألتني عن مكانها ولمحتي لي بأنك ستأخذينها.. كيف فعلتيها وقمت بسرقتها!))
تنهدت غنوة قبل أن تجيبها ببرود وتقر بالحقيقة
((دفعت لرجل أعرفه حتى يقوم بسرقتها بعد أن أخبرته بالضبط متى وأين يجدها.. كانت مرمية في بيت إسمنت بسيط دون حماية أو مراقبة وسط المزرعة الكبيرة.. لذا لا تقلقي ليس هناك أي كاميرات مراقبة أو ما شابه ذلك))
كادت رتيل أن تولول لما سمعته وهي تمسد جبينها بأصابعها بخوف من القادم قبل أن تقول باضطراب وتخوف
((يا إلهي لم يكن عليّ إعلامك عن مكانها هكذا أنا مشاركة في السرقة معك.. ماذا أفعل يا إلهي!))
بسطت غنوة عليها الأمر وهي تهدئها
((لا تبالغي يا رتيل))
همست رتيل لها بقهر وخوف
((لقد جعلتي مني سارقة يا غنوة.. هل يعجبك هذا؟))
قالت غنوة باعتراض
((لست سارقة فالدراجة النارية ملك شقيق زوجك أي ملك زوجك أي ملكك أنتِ.. لا تحزني يا حبيبتي))
أطرقت رتيل رأسها تمسح جبينها بصدر مختنق متأوهة بعمق ثم تمتمت بقلة حيلة
((أنتِ تجعليني أكره نفسي هكذا بما فعلتيه))
ردت غنوة بأسلوب مستفز يميل الى سخرية مبطنة
((اعتبريها استعارة لا سرقة يا حبيبتي.. سنستمتع بها أنا وأنتِ لبعض الوقت وسأعلمك ركوبها عندما تزوريني بشقتي ثم سنعيدها له))
ازدردت رتيل ريقها وهي تتمتم بشيء من مخاوفها
((أنا متأكدة بأنه أمر بوضع حراسة مشددة عند ذلك المكان.. لن تستطيعي إرجاع الدراجة لاحقا.. ولا اعرف مكان آخر آمن يمكن أن نعيد الدراجة دون أن يتم إمساك أحد فينا متلبسا))
قالت غنوة بلامبالاة وبرود
((إذن فلن نعيدها..))
ضربت رتيل راحة كفها فوق ساقها وقالت
((ولكن هكذا صار ما فعلتيه يُسمى "سرقة" لا استعارة))
تلاعبت غنوة بها وهي تزين لها فعلتها
((أوه رتيل أنتِ فعلا تعقدين الأمور.. أنا الآن أقوم بتجربتها.. انتظري فقط أن تحضري عندي وسأعلمك ركوبها وقيادتها كما كنت تحلمين وتتحدثين لي عنها))
تنهدت رتيل مستسلمة لها بعجز
((تبا لك يا غنوة.. لن أسامحك على ما فعلتيه.. وأيضا..))
بترت رتيل كلماتها واتسعت عيناها بفزع ما إن شعرت بخطوات قادمة نحوها فسارعت تغلق الهاتف وتخفيه تحت الوسادة..
عادت تجلس مكانها تخفي ارتعاش جسدها اللاإرادي لتتظاهر أمام مؤيد الذي فتح الباب متجهما بأنها لم تكن تتحدث على الهاتف..
أغلق مؤيد الباب خلفه وأخذ الأمر منها ثوانٍ وهي تحدق في وجهه الذي يزداد تجهما حتى اتسعت عيناها بسرعة وهي تتذكر ما أنستها محادثة غنوة أنها فعلته..
لقد صرخت عليه وأحرجته قبل قليل أمام والده وباقي عائلته ولا بدّ أنه جاء الآن للانتقام منها فقد توعدها بشده..
أخذ الرعب منها كل مأخذ ثم تداركت نفسها وهي تقفز من مكانها تبتعد عنه مهرولة لتنجو بحياتها..
استطاع مؤيد اللحاق بها وإيقافها مكانها حينما أمسك بيده شعرها الأسود المنسدل..
أغمضت عينيها بخوف وسمحت له أن يجتذبها نحوه من شعرها برفق ثم يوقفها أمامه..
تنحنح مؤيد بخشونة قبل أن يرفع الوردة التي يمكسها بيده الحرة ويرميها بخشونة في منتصف وجهها..
والده الحاج يعقوب قال له أن يجلب وردة لها كاعتذار.. وحسب..
ثم تسربت خصلاتها الناعمة من بين أنامل يده الأخرى وهو يحررهم مبتعدا بغيظ عنها لأن أمره ورغبته اليوم لم ينفذا كما هو معتاد..
فتحت رتيل عينيها اللتين كانت تشد عليهما تدريجيا ببطء بمجرد أن أحست به يبتعد عنها..
ثم رفرفت بأهدابها مستغربة وهي تنخفض لتلتقط الوردة التي رماها بها..
ترققت ملامحها بتعجب وشعرت بها بادرة لطيفة منه رغم أنه بدا متعمدا في اختيار أذبل وأقبح وردة من حوض الأزهار في حديقة القصر!


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-06-21, 06:51 PM   #1760

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي






في شركة القاني..
وفي القسم والدور الذي تعمل فيه شيرين.. كانت منهمكة أمام حاسوبها في العمل..
لقد ذهبت سهر مع خطيبها ووالديها وسافروا للاستجمام ورغم إلحاح سهر عليها أن تأتي معهم إلا أنها رفضت بإصرار..
فعدا عن أن الضغط المنصب على قسمهم في هذه الأيام لا يتحمل تغيب أحد..
إلا أنه أيضًا لم يكن من المعقول أن تسافر معهم وتكون دخيلة عليها هي وخطيبها..
ألا يكفي أنهم غادروا وبقيت هي في منزلهم تتصرف فيه وكأن البيت بيتها!
تنهدت شيرين في بؤس وهي تردد على نفسها المتعبة والمنهكة بأنها ستكافئها بسفر في الأيام المقبلة إذا أتيح لها أخذ إجازة من العمل!
سيكون السفر إلى إحدى الأماكن التي تتحملها ميزانيتها فرغم شغورها هنا في شركة القاني في منصب مرموق إلا أن راتبها لن يتحمل تكاليف أي تذكرة إلى الأماكن الذي تزورها سهر!
ابتسمت شيرين وهي تتمنى حقا من صميم قلبها أن تحظى سهر بوقت ممتع فهي تستحق ذلك فدوما كانت المبادرة للمساعدة والمعطاءة بلا حدود..
عادت شيرين للواقع وهي تنظر باتجاه الباب حيث يطرق معتز الذي يشغر منصب "قائد فريق"..
دلف معتز للداخل بوجه محتقن بالغضب فعرفت شيرين على الفور سر غضبه..
فمعتز لا يأتي إلى مكتبها إلا إذا كانت لديه شكوى ضد أحد الموظفين في فريقه..
وهذا الموظف لن يكون أحدا غير ذاك المدعو بـ "قصي سامح"..
فقطبت حاجبيها بتوجس ثم تساءلت عابسة
((ماذا فعل قصي سامح هذه المرة يا معتز؟))
أخذ معتز نفسا عميقا مرتجفا من شدة حنقه وغيظه تجاه قصي ثم قال من بين أسنانه المطبقة بغيظ
((لم يحضر في موعد نوبته في العمل هذا اليوم.. وعندما اتصلت به أطلب منه أن يستعجل فهناك ضغط كامن على الجميع ولن يتحمل فريقي غياب أي أحد.. أرسل صورة له أمام البحر يخبرني أنه لن يستطيع القدوم فقد أعطى لنفسه إجازة قد تمتد لأسبوعين.. هل تصدقين ذلك يا شيرين؟))
رفرفت برموشها غير قادرة على استيعاب ما تفوه به معتز!
من المستحيل أن يمتلك موظف في هذه الكرة الأرضية هذا الكم الهائل من الاستهتار ليقوم بمثل هذا الأمر!
حتى لو قرر أن يستقيل من الشركة فهو ملزم بإعطائهم شهر إنذار قبل أن يقدم الاستقالة!
كانت لا تزال شيرين تستوعب أنه حقا سافر وقرر أن يأخذ إجازة بلا إذن أو حتى بدون أن يعلمهم سابقا بينما يتابع معتز وهو يكاد يتميز غيظا وقهرا
((عندما طلبت منه أن يعود حالا من سفره قال مستهزئا بأنه سافر إلى جزر الواق واق لذا حتى لو عاد فلن يستطيع اليوم! لم يراعِ الوقت الحرج الذي نعيشه هنا.. ولم يراعي بأن غيابه سيعني ضغط أكبر على باقي زملائه.. أناني جدًّا))
تمتمت شيرين بإصرار وقد انفلتت أخيرا أعصابها
((هل تعرف شيئا يا معتز؟ بدأت أشعر بأنه يتحدانا.. إنه يتعمد أن يستفزنا لأنه متأكد بأننا مراعين أكثر من أن نستطيع طرده! لذا ولأول مرة في تاريخ حياتي المهنية سأكون سببا في فصل موظف وسأرسل الآن رسالة الكرتونية للقسم المعني بمخالفاته وتغيبه الغير مبرر حتى يتم أمر فصله))
كانت شيرين قد بدأت في الكتابة على جهاز الحاسوب شكوى بحقه بينما يشجعها معتز قائلا بامتعاض
((لستِ السبب في فصله بل هو السبب في فصل نفسه بلامبالاته وعدم مسؤوليته وإهماله وعدم إحساسه بالغير))
كانت شيرين حقا منهمكة في كتابة كل مخالفات قصي وهي تنوي فعلا طرده بلا رحمة أو هوادة..
دائما في تعاملها مع الموظفين في شركة القاني تراعي الله فيهم وتتذكر أن كل واحد منهم يعمل تحت إمرتها خلفه عائلة يطعمها أو مريض متكفل بعلاجه أو أنه سند لأطفال صغار يرجونه بعد الله..
فلم تفكر يوما لو حتى مجرد تفكير أن ترفع شكوى ضد موظف مهما كانت فداحة خطأه..
حتى لا تزيد حياتهم قسوة فكل واحد يحظى بما فيه الكفاية بنصيبه من الحزن والفقد والإنهاك ولا ينقصه المزيد..
فهي سبق وعاشت هذه المآسي ولا يوجد أقبح من أن يعود أحد لبيته بجلباب الحزن والانكسار!
لو كان عند قصي ظرف قاهر وأخبرها لتفهمت وساعدته مهما ترتب الأمر عليها من متاعب!
لكن لا..
هو حقا مهمل بشكل فظيع ويستحق الفصل!


*****
*****




جلس مصعب على مقعده خلف المقود..
وما إن مال ليفتح باب السيارة لنورين التي كانت تسير نحوه حتى ضيق عينيه بانتباه إلى وجود ظرف أبيض موضوع على المقعد بجانبه..
رفع عينيه لزجاج النافذة لينتبه بأنه عندما ركن سيارته آخر مرة في مصف سيارات العائلة لم يغلق النافذة كلها فظل هناك مجالا لأحدهم أن يمرر من خلالها هذا الظرف..
بتوجس مد يده يمسك الظرف ويفتحه وسرعان ما ارتفع حاجبيه بريبة وهو يخرج النقود ويلامسها قبل أن يقرأ الرسالة الموضوعة..
في هذه الأثناء دقت نورين بيدها فوق الزجاج بحنق لمصعب الذي لم يفتح لها باب السيارة بعد!
جفل مصعب على صوت طرقاتها ثم سارع يفتح المقبض من الداخل لها لتستقل جالسة بجانبه وهي تقول باستغراب
((ما هذا الظرف؟))
تمتم مجيبا وهو يعدُّ النقود
((ظرف فيه مبلغ تقريبي لثمن دراجتي النارية مع اعتذار لسرقتها مني وعدم إظهار أي نية لإرجاعها مستقبلا))
تشدقت بتهكم ممزوج بالاستغراب
((السارق يعرف الحلال والحرام.. مذهل))
قال مصعب شارد العينين بتفكير وهو يلوح بالظرف الأبيض
((السارق اللطيف الذي قام بطباعة هذه الرسالة ووضع المال في الظرف لا بد أنه يعيش بالقصر كونه يمتلك صلاحية الدخول إلى مصف سيارات العائلة))
سألته ذاهلة من استنتاجه
((هل تقصد أن السارق من القصر؟))
صحح لها بتلقائية
((لا أقول السارق.. بل الذي وضع الظرف هنا هو من القصر.. ولكن سبب وضعه الظرف هنا.. فلا أعرفه))
هز كتفيه في نهاية حديثه لتسأله نورين بتوجس
((ماذا ستفعل بهذا المال؟))
مط شفتيه ثم قال ببساطة
((سأشتري به دراجة أخرى بدل تلك التي سُرقت.. لا داعي لأن يعرف أحد بشأن هذا الظرف.. فأنا سأتجاوز عن السرقة دون أن أخوض في التفاصيل))
قطبت حاجبيها لا تجد مشتبها به يمكن أن تشك به في هذا القصر..
قبل أن تنتبه لابتسامة مصعب الجذابة وهو يخبرها بحماس
((هل ترافقيني الآن لتختاري الدراجة معي؟ سأشتريها الآن))
لمعت عينيها ببريق اللهفة وهي تقول بسرور
((حقا سنشتريها الآن؟ ولكن أنا لا افهم بالدراجات))
أخبرها وهو يشغل محرك السيارة
((ساعديني فقط في اختيار مظهرها الخارجي.. وبعدها سنجرب ركوبها سويا في مزرعة البركة البعيدة حيث لن يرانا أحد))




*****



بعد مرور ستة أشهر..
ارتدت شيرين سترتها تستعد للخروج من البيت مساء لتقوم برياضة المشي التي تدأب على ممارستها في أيام إجازتها..
همّـت بالاقتراب من الباب للخروج عندما صدح رنين الجرس.. فطالعت العين السحرية واتسعت عيناها وهي تجد الطارق ما هو إلا.. وليد..
وضعت يدها على فمها شاهقة وقلبها يطرق بقوة..
ابتعدت عن الباب خطوة شاعرة بالحصار وما هي إلا دقيقة وسمعت طرقاته على الباب مجددا..
ورغم ترددها إلا أنها لم تملك إلا أن تفتح الباب على الفور فهي قد تحتمل أي شيء إلا أن يثير جلبة أو فضيحة في منزل سهر..
عليها مواجهته رغم عجزها وقلة حيلتها أمامه الآن..
حررت القفل وفتحت الباب وللوهلة الأولى سرت رجفة في جسدها وهي تنظر لوجه وليد الواثق وهو يبادرها
((علينا الحديث يا شيرين في موضوع مهم))
صوب عيناه على وجهها يتشرب ملامحها بنهم..
فهو لم يراها منذ ما يزيد عن ستة أشهر وقد اكتفى بتعيين رجل يراقبها ليتأكد من أنها حقا لا تلاقي أي رجل أخر..
ولم تعد لمعاذ بعد أن طلقها -على حسب ظنه-..
كان وجهها شاحب ومرهق أما عينيها الخضراوين الكحيلتين فقد بدتا زائغتين ومنهكتين..
والحال لم يكن مختلفا عنده..
قطعت شيرين لحظة الصمت هذه وهي تبسط كفها للخارج قائلة
((دعنا نتحدث في المطعم المقابل))
قال بهيبة وهو يبتعد ليفسح لها المجال للخروج
((هيا اخرجي وسأتبعك))






محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي



اتمنى لا تحرموني ابدا من تعليقاتكم الجميلة والطويلة اعضاء او زوار





Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
قلبك منفاي، في قلبك منفاي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:15 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.