آخر 10 مشاركات
31- المسافرة الى الحرية - ماغ وسغات - روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          للأبلاغ عن الروابط والصفحات المعطلة (الكاتـب : اسفة - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          الخلاص - سارة كريفن - ع.ق ( دار الكنوز ) (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          وبياض ثوبك يشهدُ (1) سلسلة في الميزان * مميزة ومكتمله * (الكاتـب : um soso - )           »          156 - الهروب من ليلة الزفاف - روايات ألحان (الكاتـب : MooNy87 - )           »          تحميل روايات جديده 2012 txt على جوالك موسوعه متكامله من الروايات (الكاتـب : MRAMY - )           »          شـقّ الـغَـمـام (الكاتـب : مدامع حزينة - )           »          أم العيال (1) سلسلة نداء صحوة *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : mooonat - )           »          7 - النبع الجاف - نبيل فاروق (الكاتـب : حنا - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي اجمل قصة في الرواية؟ (اختار اكثر من قصة)
وليد-شيرين-معاذ 128 28.64%
مؤيد-رتيل 111 24.83%
مصعب-نورين 292 65.32%
مالك-سمية 123 27.52%
مازن-ياسمين 55 12.30%
قصي-سهر 54 12.08%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 447. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree7315Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-06-21, 06:52 PM   #2181

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثاني عشر

في ساعات الليل الأولى..
كان وليد لا زال في مكتبه مع زميله في العمل ينهيان بعض أعمالهم والأوراق المتراكمة والمتكدسة عليهما..
أخذ وليد راحة من عمله ووقف أمام نافذة المكتب الواسعة ينفث دخان سيجارته محاولًا بها التخلص من المشاعر السوداء المشحونة في داخله..
عادة التدخين التي بدأها بعد انفصاله أول مرة عن شيرين ثم أقلع عنها بشق الأنفس ها قد عاد لها..
ورغم اعتقاده التام بأن شيرين ستوافق على طلب زواجه من أجل والد صديقتها إلا أن أيامه التي يقضيها من فرط الترقب في انتظار ردها ثقيلة.. مرهقة.. موجعة..
كم هو مثير للتهكم أنها ترفض الآن وبكل بجاحة العودة له!
ألا يكفي بأنه لا زال يريدها بعد أن خانته للمرة الثانية.. حتى لو كانت تلك الخيانتين مشروعة لأنها لم تكن مرتبطة به!
تبا لقلبه الأحمق الذي جعله يلاحقها طوال الفترة الماضية..
لكن على كل حال عليه أن يتحلى بالهدوء وبعد أن يتزوجها سيكون له كلام آخر معها.. سيجعلها تدفع الثمن غاليا وسينتقم منها على كل لحظة شوق حارق وعذاب عاشها بسببها..
هذه هي الطريقة الوحيدة لإخماد الحرائق المضرمة في داخله..
لصالح شيرين أن توافق بالحسنى لأنها لو لم تفعل فهو لن يتوانَ عن اتباع أخس الطرق وأكثرها نذالة لتفعل وتعود تحت جناحه..
بدأ كل ما في وليد يغلي بالغضب وهو يرى بأنه تم التعليم عليه من قبل ابن عمه..
المنحط لم يجد غير شيرين ليتزوج منها هي دونا عن باقي النساء؟
بعد أن قاربت سيجارة وليد التي لا يعرف رقمها على الانتهاء عاد يمج منها لمرة أخيرة يملأ صدره بدخانها الرمادي الكريه قبل أن يتيقظ من زحامه عند سؤال زميله الفضولي
((متى ستتزوج يا وليد؟))
ألقى وليد سيجارته على بلاط ارض المكتب الفاره بعنفٍ ثم سحقها بقدمه بقوة وهو يجيب
((قريبا جدًّا..))
غمغم له بتساؤل
((لكنك لا تبدو سعيدا))
عاد وليد ينظر أمامه للخارج عبر الزجاج بعينين غائرتين محدقًا في الليل القاتم الممتد أمامه
((أنا أكره فكرة أني لا زلت أريدها.. أكره فكرة أني أحبها.. أكرهها جدًّا..))
قال زميله الممعن في النظر له بصوتٍ رخيم
((إذن لا تتزوجها..))
عم صمت قاتم في المكتب حتى ظن زميله بأنه لن يجيبه.. ثم جاء صوته وكأنه شارد التفكير
((لا أستطيع.. لا قلبي ولا روحي ولا عقلي قد يستكينوا قبل أن تعود ملكي.. في الواقع هي لطالما كانت ملكي لكن أريدها أن تعود لذمتي))
نكس نظره أرضا مردفا ببحة
((لكن أحيانا أتساءل لماذا لا أستطيع أن أنساها رغم أنني تركتها لسبب لا يغتفر في قاموسي))
أجابه زميله بالمنطق
((هذا طبيعي.. لأن تفكيرك متمحور حولها وأيضا لأنك في عقلك الباطن لم تكن تريد لأمر كهذا أن يحدث))
أومأ وليد له وهو يعود ليجلس خلف مكتبه بينما يقول زميله مغيرا السيرة
((الكثير من أصدقائنا وزملائنا يسألونني عنك.. إلى متى ستبقى هذه العزلة الذي أدخلت نفسك بها منذ أشهر؟))
دمدم وليد وهو يتطلع على ملف مفتوح
((أنا أحاول التعافي بعدم رؤية أحد إلا عملائي.. لذلك لا أعرف متى سأوافق على مقابلة أحد))
.
.
بعد مدة تمطى زميله وتثائب بإرهاق فأخبره بأنه سيعود لبيته الآن موصيا عليه ألا يطيل وقت بقائه هنا هو الآخر..
فرك وليد ما بين عينيه بإرهاقٍ بالغ وهو يجد نفسه غير قادر على التركيز على أي شيء ولا يسعه قذف شيرين خارج أفكاره..
شيء ما جعله دون وعي يمسك هاتفه ويبدأ بطلب رقم ما..
جاء صوت أنثوي لم يسمعه منذ أشهر طويلة فتساءل بجمود
((كيف هو حالك يا جُمان؟))
لم ترد عليه في البداية.. لكنها أجابت سؤاله بسؤال أخر
((هل هناك شيء؟))
سألها بنفس النبرة السابقة
((هل أنتِ في بيت والدك الآن؟))
بدا عليها الحيرة وهي لا تعرف إلى ماذا يريد الوصول لكنها أجابت
((نعم أنا كذلك.. عدت من عملي قبل ساعات بالتأكيد.. هل هناك شيء مهم؟))
عندما كررت السؤال تنهد وهو يدور في كرسيه ثم أجاب
((أبدًا.. فقط أردت الاطمئنان على حالك.. كيف هو والدك؟))
ردت باختصار وبرود
((لقد تحسن قليلا))
شرد نظر وليد وهو يسألها
((هل تكرهينني لما تسببت به من فوضى وسوء في حياتك؟))
صمتت قليلًا وهو لم يدفعها للكلام حتى تسللت الكلمات أخيرًا من بين شفتيها لتلتهم الصمت البائس بينهما
((وليد.. سبق وأخبرتك بأنك لن تجدني مؤذيًة لك أو معادية مهما فعلت أنتَ ونسيت ما بيننا مِن فضل.. لقد غادرتك بلطف ولن تجد أي ردة فعل مختلفة تبدر مني تجاهك مستقبلا))
تساءل وليد بصوتٍ مختلف
((ألا يمكن أن نكون أصدقاء يا جُمان؟))
اجابته جُمان بتلقائية
((مستحيل))
عقد حاجبيه متسائلا بخشونة
((لماذا؟))
قالت له بهدوء
((لأني أقتنع بأن الصداقة قد تصبع حبا.. أما العكس فلا.. بل هو مجرد تخدير وألم))
قال لها متهكما بلا مرح
((أنتِ متزمتة وضيقة الأفق))
صححت له ما قاله
((بل لا أحب أن أخل بمبادئي.. كما قبولي أن أكون صديقة لك بعد الطلاق دون أن يربطنا شيء يشعرني بأني امرأة سهلة المنال يمكنها التواجد في حياتك وأن تتوفر متى ما أردت))
تكدرت ملامح وجهه إلا أنه قال لها
((حسنا كما تشائين))
أغلقت جُمان الخط من جهتها ولم تكن ستغير ما قالته أو تسحبه فجأة..
هي تستحق أفضل من هذا..
وكلما استهلكت مشاعر أكثر معه وتأخر الانسحاب من حياته كلما تأذت بشكل أقوى وعلى مدى طويل..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-21, 06:57 PM   #2182

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

انزعجت ملامح سهر النائمة في غرفتها عند صدوح رنين هاتفها..
فتحت جفنيها المتثاقلين بصعوبة لتمد يدها نحو الهاتف الموضوع فوق المنضدة بجانبها ثم فتحت الخط على هذا المتصل الملح..
ردت بصوتٍ أجش ناعس وما إن أدركت تدريجيا هوية المتصل حتى فتحت عينيها على اتساعهما وهي تقول ببهجة
((قصي.. مرحبا حبيبي))
ابتسم قصي من الجهة الأخرى وهو يسمع اسمه يُعزف برقة بين شرايين قلبه فهمس لها
((أهلا يا باربي.. هل أيقظتك من النوم؟))
تراجعت قليلا إلى الوراء تسند رأسها إلى ظهر السرير ثم قالت بابتسامة مشعة ولا تزال آثار بحة النوم عالقة بصوتها
((أنتَ بالذات يمكنك الاتصال بي متى شئت))
همس لها بصدق عاطفته
((كم أنا محظوظ بامتلاكي إياكِ))
بعفوية نظرت سهر للساعة الظاهرة على هاتفها ثم تساءلت بعجب بغتة
((لكن هل هناك شيء مهم؟ إنها الثالثة صباحا..))
همهم لها باستمتاع قبل أن يقول لها بصوتٍ مبحوح
((لقد كنت أتصفح الإنترنت.. وأحببت فقط أن ألقي على مسامعك قصيدة أعجبتني وجدتها الآن))
بدأ يلقيها على مسامعها بينما داعبت ابتسامة جميلة ثغرها..
إنها حقا واقعة في حب رجل غير تقليدي..
بعدما أنهى إلقاءها سألها باهتمام
((هل أعجبتك يا باربي؟ وأنا أقراها شعرت بك مختبئة بين سطورها))
ضحكت بخفوت فأطلق قصي تنهيدة حارة قبل أن يقول بشقاوة
((لو تعرفين كم أتمالك نفسي بصعوبة وألجم نفسي حتى يأتي يوم زفافنا في الوقت الذي ستصيرين فيه ملكي بالمعنى الحرفي))
بدت منهكة فجأة وهي تقول له كأنها تتوسله
((إذن عجل فيه حالا.. لقد مرت سنتين ونصف على خطبتنا وعقد قراننا))
صمت للحظات قبل أن يقول لها بصوتٍ بدا منهكا
((سأفعل صدقيني.. أبذل أقصى جهودي لأتعجل الموضوع))
التفتت سهر تناظر ظهر شيرين النائمة والمتمددة جانبا فوق سرير قابع بجانبها ثم هدرت له
((دعني أذهب لغرفة أخرى للتحدث معك حتى لا تستيقظ شيرين على صوت هسيسنا.. المسكينة تنهض يوميا للعمل صباحا في وقت مبكر ولا تستحق منا أن نتسبب في إراقة نومها))
عند ذكر سيرة شيرين امتقع وجهه فجأة وتبدل وهو يغمض عينيه ويجز على أسنانه يكاد يتميز غيظا منها..
لو تعرف سهر كيف يتحمل صديقتها ومرؤوسته البغيضة في العمل فقط لأجلها!
ثم جعل صوته ودودا وهو يقول مؤيدا
((معك حق يا باربي لا تزعجيها..))
غادرت سهر غرفة نومها وهي تمشي على أطراف أصابعها بحذر شديد في حين فتحت شيرين التي كانت قد استيقظت على صوت رنين هاتفها منذ الوهلة الأولى عينيها..
ابتسمت على علاقة سهر بخطيبها اللطيفة..
وعادت للفكرة التي بدأت تشغلها مؤخرا..
هل عليها أن تتخلى عن حلمها في الزواج من رجل مناسب وتتزوج فقط من وليد إذا ما اتضح أن كلامه بشأن التبرع بجزء من كبده صحيح ولا يتلاعب بها كعادته؟
ألا تستحق سهر منها التضحية هي ووالدها؟
هي الوحيدة التي لم تتركَها وحيدة..
حفِظت سِرها.. شَدت ظهرها.. وهمُهاُ أمرها.. وكانت وقت الضعفَ قوتها..
تنهدت شيرين بعمق وقد اتخذت قرارها..
بالتأكيد هي تستحق..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-21, 06:58 PM   #2183

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في الغرفة الأخرى..
خرجت سهر منها وهي تغلق الخط على قصي بعدما أنهوا الحديث بينما تشعر بكل شيء من حولها ينبض بالحب..
متى ستتزوج من قصي وتجتمع معه في منزل واحد دافئ تكمل حياتها بحب للأبد!
كانت سهر غارقة في عالمها الوردي تماما عندما جفلت شاهقة بلا صوت على أمها تقف بوجهٍ متهجمٍ في نهاية البهو وتتمتم لها بصوتٍ خطير
((هل كنت تتحدثين مع الخطيب المتهرب يا سهر؟))
أخذت سهر نفسا مخطوف بينما تضع راحة كفها فوق صدرها تهدئ من روعها بعدما أخافتها أمها ثم تذمرت
((أمي لقد أفزعتني.. منذ متى وأنتِ هنا؟))
كتفت تمارا ذراعيها ورفعت إحدى حاجبيها تقول بينما تكز على أسنانها
((ألم أخبرك بأن عليك التوقف عن التحدث مع قصي.. لقد عقدتكما قرانكما قبل سنتين ونصف وإلى الآن لم يؤمن تكاليف حفل الزفاف الذي أريد صنعه لك ولم يؤمن الفيلا التي احلم بجعلك تعيشين فيها.. وإياكِ أن تختلقِ حجة تعسر أحواله المالية فهو غني ويملك المال وبين الفترة والأخرى يجلب لك هدايا باهظة..))
قالت سهر بارتباك وموقف واهن وهي تدرك صحة ما تقوله أمها
((أمي توقفي.. توقفي عما تقولينه..))
زعقت أمها بها دون اهتمام بمن قد يسمعها من الخدم أو شيرين أو والدها
((لن أتوقف.. فقصي أيتها الحمقاء لا يريد الزواج منك.. لهذا يؤجل تعريفنا على عائلته لوقت آخر بحجة أنهم يعيشون في الخارج.. ودون أي أمل بتحديد موعد الزفاف))
أطرقت سهر بعينيها أرضا ولا وجه أو جرأة لديها أن تدافع عنه الآن بينما تكمل أمها بغضب
((إنه صاحب وعود كاذبة وتسويف مستمر.. إنه يتلاعب بنا.. وحينما ينهي وطره منك سيهجرك بلا أي إحساس.. لذا على الانفصال أن يكون من جهتنا.. لقد اكتفيت منه سأجعله يفسخ هذه الخطبة ولا يضيع وقتك أكثر من هذا))
همت تمارا أن تستدير على عقبيها فقالت سهر برجاء
((أمي أنا لن أنفصل عن قصي أبدًا.. وسأخبره في الغد بأني لا أريد منه أي شيء.. لا أريد حفل زفاف ضخم ولا أريد منزلا فارها.. أريده هو فقط وأن نتزوج بأسرع وقت ممكن))
جحظت عينا تمارا وهي تتمتم بسخط
((هل أنتِ مجنونة يا سهر؟ أنا لن أقبل أن أزوجك بدون حفل زفاف ضخم ومنزل فاره، سأجبرك أن تتركيه وتتزوجي من غيره إذا لم يوفر ذلك))
قالت سهر بتصميم
((سأكون مجنونة فقط لو تركته.. إنه يجعلني أشعر وكأني خلقت فقط يوم دخوله لعالمي.. له ذلك التأثير الهادئ على روحي ووحده من أشعر معه بالسكينة.. لا يمكن أن أتزوج غيره))
قالت تمارا وهي تستوعب أن ابنتها غارقة بانجراف بحب وعاطفة ذلك المخادع المسوف للوعود
((أنتِ مجنونة))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-21, 06:58 PM   #2184

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


جناح مصعب ونورين..
تحركت جفون نورين الشبه مستلقية فوق سريرها بتثاقل مستكينة الملامح..
فاستقامت نجلاء من مكانها وهي تمسك باقة الورد التي جلبتها معها منذ البداية.. ثم مدتها باتجاه مصعب هادرة بشيء من التردد
((هذه الأزهار من أجل زوجتك يا مصعب))
تناول مصعب منها الباقة قائلا بلباقة وتهذيب
((شكرا لك يا نجلاء.. أنا أقدر منك هذه اللفتة))
ازدردت لعابها بصعوبة ثم غمغمت بخفوت
((حسنا سأذهب الآن.. إلى اللقاء))
استدارت نجلاء على عقبيها نحو الباب فوصلها هدير نورين البغيض على قلبها
((إلى اللقاء يا نجلاء.. أحكمي إغلاق الباب جيدا ورائك))
أغمضت نجلاء عينيها وهي تكز على أسنانها بغيظ لكنها أحكمت مسك أعصابها وهي تغادر وتغلق الباب خلفها بهدوء..
تطلع مصعب متهجم الملامح لزوجته يعاتبها
((لم يكن عليك قولها لها بهذه الطريقة الفظة.. ألا يكفي أنها جاءت من المدينة في عز وقت امتحاناتها الجامعية لتطمأن عليكِ؟))
رفعت نورين له عيناها الباهتتان وثبتت نظراتها صوب وجهه.. ثم ملأت ثغرها بضحكةٍ هازئة بينما تنطق
((يمكنك الركض خلفها والاعتذار عن تصرفي إذا أردت.. لم تبتعد كثيرا))
كتم معصب ضحكته.. وحنقه على جفائها مع نجلاء يتبخر من داخله.. فقال بتلاعب
((لماذا تنظرين لي بهذه الطريقة؟ هل تغارين؟))
في الحقيقة هي وطوال الأشهر الماضية تعاملت مع زيارات نجلاء لهنا المتكررة بشكل طبيعي ولم تمنحها الفرصة لتستمتع بغيرتها وتتباهي عليها بأن مصعب سبق وكان يريد الزواج منها..
بل كانت تحاول إظهار كم هي سعيدة في حياتها معه مهما كانت ظروف زواجها منه في البداية وكيف أن مصعب سيصبح أبا لطفلها..
فلم تزعج مصعب بشأن دواخلها وقلقها من نجلاء.. بل كانت تكتفي أن تحاول أن تشعره بأنها مصدر راحة له..
لكن الآن تخشى من أن تتسرب بارقة أمل لنجلاء بحدوث شرخ في علاقتها مع مصعب لمجرد فقدانها الجنين..
فكانت معاملتها قبل قليل معها ورغما عنها باردة وجافة بشكل واضح..
أبعدت نورين غمامة هذه الأفكار المزعجة ثم مدت يدها لتمسك رسغ مصعب وتشده لها ليستجيب ويجلس على السرير بجانبها بينما يسمعها تهمس له بكبرياء أنثوي
((نعم بالطبع سأغار على الرجل الذي أحبه))
رفع مصعب أنامله يمشط خصلات شعرها الشقراء المبعثرة وهو يخبرها بصوتٍ رخيم
((وأنا أيضًا أحبك يا نورين))
كان قد سبق وأخبرها عدة مرات سابقا بأنه يحبها كرد على كلمات حبها..
لكنها لم تشعر في أي مرة بالحب فعلا ينبض بين كلماته..
والى الآن لا تعطي الأمر الكثير من الاهتمام..
مدت نورين يدها تمسك كفه وتقربه لثغرها وما إن قبلت أول مفاصل أصابعه حتى سحب يده على الفور ومال نحو جبينها يلثمها..
ابتسمت بحب له وهي ترفع نظرها لعينيه وتسأله
((هل مللت من الحزن والبؤس الذي لازمني مؤخرا؟))
جذب مصعب رأسها ليرتاح على صدره وراح يمسد خصلاتها بلطفِ العالم أجمع بينما يتمتم بنبرته الدافئة
((قطعا لا.. أنا حزين مثلك بالضبط للجنين الذي خسرناه... لكن متأكد بأنه لا يضاهي حزنك فأنتِ من حملتيه في أحشائك لستة أشهر وأنتِ من تواجهين حزن أشد في توديع شيء كنت تعرفين أنك جزء منك وينمو في داخلك))
أغمضت نورين عينيها تتمتع بلمساته الحنونة والدفء المنبعث منه قبل أن تفتحهما وتقول
((لا يوجد أي سبب طبي يمنعني مباشرة بعد توقف نزف الإسقاط أن..))
سارع يقاطعها بحزم
((نورين الأفضل أن نتريث أكثر قبل أن تحملي مجددا.. أنتِ بحاجة للاستعداد والاستقرار أولا))
رفعت رأسها له تقول
((ولكني قلت لأمك بأني سأفعل..))
قاطعها مجددا يربت على قلبها بحديثه الرزين
((أعرف أن عائلتي تضغط عليك وتزيد ما تشعرين به من ضغط نفسي وحزن ولوم.. لكن علينا الانتظار لأشهر قبل ذلك.. حتى تفرغي مشاعرك وتستعيدي عافيتك النفسية قبل بدء محاولة الحمل مرة ثانية))
أومأت موافقة بلا مجادلات فأعاد جذب رأسها الى صدره عنوة واعتصرها بين ضلوعه..
تبسمت بهدوءٍ عميق وكم احتاجت هذا الشعور..
الأمان والدفء المنبعث من جسده الهائل ينسيها أي حزن يحوم حولها..
قالت بعد دقائق وفي عينيها لمعة شقاوة
((حسنا.. لكن متى ستحضر لي كتاب لأقرأه؟))
أخذ نفسا عميقا ليقول بامتعاض مزيف وهو يفكها من قيده
((لا تجلبي لي سيرة الكتب وإلا فعلا سأحطم خلية النحل المفضلة لي على رأسك.. أنا بالفعل أعطيتك كل الكتب التي سبق وقرأتها.. لم يبقَ شيء الآن.. إلا إذا أردت أن أجلب لك كتبي ومقرراتي الجامعية لتطلعي عليها))
كتمت ضحكاتها المستمتعة وهي تقترح عليه ببساطة
((إذن اشتري لي كتابا جديدا لم يسبق وأن قرأه أحدنا ودعنا نقرأه سويا ونتناقش حوله من وقت لآخر))
همهم بتفكير قبل أن يقول
((حسنا ألم أقل بأني سأذهب بك للتسوق نهاية الأسبوع؟ هناك اشتري كتبا بقدر ما تريدينه))
قالت له متذمرة
((ولكن هكذا عليك أن تقرأه معي في نفس الوقت لأن الهدف من مطالعتي للكتب هو خلق حديث معك ومناقشتك))
غمغم لها بنبرة مغتاظة
((أما أنا لم أنتهي من دراستي المدرسية والجامعية حتى يأتي من يلزمني بقراءة شيء رغما عني))
استوى واقفا من على السرير وأعطاها ظهره حتى لا ترى ابتسامته التي داعبت زاوية فمه..
يحبها عندما تكون مزعجة بكلامها الطفولي الشقي..
على الأقل تنسي نفسها وتنسيه ما فقدوه مؤخرا..
رسمت نورين الحنق وهي تراه يبتعد عنها فهتفت متذمرة
((ما بك؟ لماذا ابتعدت؟))
أجابها متهكما وهو يفتح خزانة ملابسه ويخرج شيء مريح ليلبسه
((كنت لا أحبذ القراءة في السابق ولكن بت أكرهها مؤخرا بسببك))
غمغمت له باعتراض
((لا تبالغ..))
أنهى ارتداء ملابسه ثم قال لها مبتسما
((على كل حال قومي واستعدي لننزل للأسفل ونشارك عائلتي طعام الغداء الكل مجتمع بما فيهم أخي معاذ))
تبدلت ملامحها لأخرى ممتقعة مترددة وهي تمتم بتوتر لم تقدر على إخفائه
((لا.. لا لست جائعة ثم أنا اشعر بالتعب ولا أريد أن أبارح مكاني))
قال مصعب مستنكرا ريبتها
((لقد لاحظت بأنك لا تنزلين للأسفل ولا تجلسين على مائدة الطعام عندما يكون مؤيد متواجدا.. لماذا تهابين وجوده من حولك؟))
بدأت تتلاعب بأناملها كحركة ملازمة لها عند ارتباكها وهي ترد بخفوت
((لا أحب أن أكون متواجدة في نفس المكان معه))
ضيق عينيه بتوجس واقترب منها متسائلا وهو يمعن النظر لها
((لماذا؟ هل قال أو فعل أي شيء لك؟))
رفعت وجهها له تنفي بلهفة ثم سارعت تصارحه
((لا.. لكن أخافه.. إنه عصبي جدًّا.. ولا أحب أن أكون معه بنفس المكان))
عقد حاجبيه وتصلبت ملامحه وهو يقول بينما يمد يده لها ويجذبها لتقوم من مكانها
((نورين أنا مصر بأن عليك النزول معي.. ماذا لو قرر مؤيد أن يستقر هنا ويترك شقته في المدينة؟ هل ستبقين محبوسة طوال الوقت في غرفتك؟))
استجابت له على مضض ورغبة منطفئة بينما يحثها
((اغسلي وجهك وبدلي ملابسك وهيا لننزل سويا))
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-21, 06:59 PM   #2185

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في غرفة المعيشة..
حيث يجلس جميع أفراد سكان هذا المكان حول مائدة الطعام.. يأكلون ويتجاذبون أطراف الحديث بينما صوت ضحكاتهم وهمهماتهم يرتفع..
سحب مصعب كرسي لنورين التي كانت منكسة الوجه بارتباك وهمس لها يحثها
((هيا تعالي اجلسي هنا))
استجابت له وسحب له الآخر كرسيا ليجلس عليه حول هذه المائدة العامرة بأطباقها الشهية..
رفع مؤيد نظره نحو نورين يطالعها بشرر..
منذ زواجها من أخيه قبل سنة لم يراها حتى أكثر من أربع أو خمس مرات.. حتى أنه ينسى شكلها أحيانا..
لكن لا زالت نار الثأر الذي لم يؤخذ لموت ابن عمه يحيى لم تخمد في داخله..
كل عشيرته ستبقى موصومة بالعار لتنازلها عن هذا الثأر..
والرضا بصلح الدية عن طريق زواج الدية هذا!
والأنكى أن أخاه الأحمق يعامل عروس الثأر أفضل معاملة كما لو كان تزوجها في زواج عادي وطبيعي..
ازداد الشرار المنطلق من عيني مؤيد وهو يرى مصعب يضع الأرز وقطعة من الدجاج في طبقها ويناولها ملعقة فيشع وجهها بهيام ابتسامتها المسحورة به..
كانت رتيل تتلاعب بالملعقة فوق طبقها منذ نزل نورين ومصعب وانضما لهم..
لم تستطع ألا تنتبه على نظرات زوجها تجاه نورين..
وبالتالي لم تقدر أن تمنع تلك الغصة المسننة بحنجرتها أو إيقاف تلك الغيرة المتشعبة حول قلبها التي انعكست على صفحة وجهها الذي بهت..
تعرف بأن نورين بالفعل متزوجة من أخيه بل وكانت حامل بطفله.. وتعرف بأن نظرات مؤيد لها لا تضمن إلا الاشمئزاز والكره فهو لا يراها إلا الطريقة الأخيرة المتبقية لأخذ ثأرهم..
لكن يظل الأمر صعبا أن تراه ينظر لغيرها..
أبعدت طبقها الذي لم تأكل شيئا منه إلا القليل ثم قامت بالاعتدال واقفة تقول بصلابة مصطنعة تجاهد ألا تظهر استعار نار قلبها وهي تغادر
((سأذهب لأحضر قدر الحساء من المطبخ وقد أتأخر قليلا))
غمغم معاذ لابنته عند ابتعاد رتيل آمرًا
((دارين اذهبي وساعدي زوجة عمك))
زمّت دارين شفتيها ثم قالت باقتضاب
((يمكنها أن تطلب مساعدة منال أو نجوم في المطبخ..))
رشقها معاذ بنظرات صارمة يكرر عليها
((دارين اذهبي وساعديها فكل من في المطبخ ربما يكونوا الآن في وقت راحتهم))
نفخت دارين أوداجها وقامت من مكانها بعنف مغمغمه بامتعاض
((سأذهب..))
بمجرد أن غادرت دارين غمغم الحاج يعقوب وكأنه يتحدث بشيء عابر
((بالمناسبة.. سمعت من وليد بأنه سيتزوج قريبا))
توقفت الحاجة زاهية عن مضغ ما بفمها وهي تنظر لزوجها سائلة بدهشة
((حقا؟ ومن هي سعيدة الحظ التي سيتزوجها؟))
دمدم لها يعقوب بخفوت يعكس عدم رضاه
((لم يعطني أي تفاصيل غير أنها نفس الفتاة التي كان مخطوبا لها قبل جُمان.. تلك التي تدعى شيرين))
صمتت قليلا تفكر بما سمعته قبل أن تتحدث بعجب
((عجيب أمر ابن أخيك.. كان يحب شيرين لكنه تركها فجأة في يوم زفافهم وتزوج من جُمان.. وكان يظهر أمامنا طوال العشر سنوات الماضية عشقه لجمان التي لا يبدلها بنساء الدنيا رغم أنها لم تنجب منه.. حتى أنه رفض أن يتزوج ممن ستكون عروس الثأر من أجل جُمان وفجأة طلقها بهدوء.. والآن يريد أن يتزوج من شيرين! لو كان والداه على قيد الحياة لم يكونا ليسمحا بحدوث كل هذا))
ولم ينتبه أحد للذي أظلمت ملامحه فجأة حتى صارت عيناه أكثر عمقًا.. وألمًا..
بداخله حرب مشتعلة بغير حساب..
لا يكذب أنه في لحظة من اللحظات قرر الزواج من شيرين..
لا يعرف سببا محددا إلا أنها كانت أول امرأة يشعر تجاهها براحة وانجذاب بعد أكثر من ثمانية سنوات عزوبة ووحدة..
لكن لم يحمل أكثر من مشاعر الود ولم يرَ فيها أكثر من امرأة مناسبة ليكمل حياته وينشأ عائلة معها..
لكن ما كانت هي تخطط لفعله أصاب رجولته بمقتل!
فهي لم تراه أكثر من وسيلة لتغيظ وليد وتجعله يندم على كل ما اقترفه بحقها!
نعم.. هو معاذ.. الرائد.. الصلب.. يهابه من حوله ويعمل له ألف حساب.. تقلل امرأة منه وتستهين به وتستخدمه لتغيظ به ابن عمه!
استقام معاذ واقفا بعنف غير آبه لنظرات الجميع التي صوبت باستهجان له وهو يغادر المكان بدون ولا كلمة..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-21, 07:00 PM   #2186

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

دلفت دارين للمطبخ لتجد زوجة عمها تميل متكئة على الرخام ونظرها شارد..
فسألتها وهي تخرجها مما هي مستغرقة بالتفكير به
((لماذا لا تحبين زوجة عمي مصعب؟))
توشحت عينا رتيل بدموع تنخزها فحاولت حبسها ومداراتها عنها ثم أجابتها بصوتٍ حاد وملامح قاسية
((لست بحاجة لسبب لأحبها.. أنا أكرهها هكذا بدون سبب..))
قالت دارين بتهكم لا يناسب الوضع
((الكره بدون سبب هو مرض نفسي..))
بدت عينا رتيل زائغتين ونبرة صوتها خاوية وهي تقول
((أنتِ تكرهينني بدون سبب ولم أقل يوما شيء أو أعارض ذلك..))
تبدلت ملامح وجه دارين فجأة لأخرى مقتضبة وهي تقول معترضة
((لا أكرهك بلا سبب.. بل هناك سبب وكبير..))
امتعضت ملامح رتيل وتساءلت باهتمام حقيقي
((وما هو هذا السبب؟))
أغمضت دارين عينيها بضيق بالغ..
لا تفهم كيف تستطيع زوجة عمها أن تكون دائما واثقة جدًّا من نفسها ولا تقلق من فكرة افتضاح أمرها وسرها..
لقد سمعتها أكثر من مرة على الهاتف مع صديقتها تلك التي تُدعى غنوة دون أن تنتبه..
في كل مرة كانت تدعي أنها ذاهبة لبيت والدتها مستغلة ثقة زوجها الشديدة بها كانت في الحقيقة تذهب إلى بيت صديقتها غنوة القابع في إحدى مناطق المدينة وتنام عندها..
نعم إنها تخون ثقة عمها مؤيد باستهانة..
وما يدفعها هي كدارين حتى الآن أن تكتم هذا السر هو أملها أن تتوقف عما تفعله وتعود لصوابها وتتوب.. لكن لا فائدة..
فتحت دارين عينها وكل ما فيها يحثها ألا تكشف حقيقة ما تعرفه..
ليس الآن على الأقل..
اكتفت أن تقول بحنق واضح
((أنتِ تغضبين عمي مؤيد.. أنا أحبه جدًّا بل هو أكثر عم أحبه من بين جميع أعمامي وأكثر من أبي.. ولهذا لا أحبك.. أنتِ تزعجينه وتكرهينه ولا تبحثين عن راحته))
تدلى فك رتيل لما تسمعه ثم قالت متهكمة باستهزاء
((أنا من أغضبه ولا أريحه! هل أنتِ واعية يا دارين لما تقولينه؟))
عقدت رتيل حاجبيها وهي تعيد التفكير بما قالته دارين لتعاود سؤالها بشك واستغراب
((لحظة هل حقا تحبين مؤيد أكثر من أبيك؟ هل هذا قول فتاة صالحة؟))
أشاحت دارين بنظرها جانبا وازدردت ريقها قبل أن تقول بلا ندم
((أنا لا أحب المجاملة.. عمي مؤيد يطمأن عليّ أكثر مما يفعل هو ودائما ما يخرجني أنا وهدى ويشتري لنا مثلجات وحلوى لذيذة عند عودته إلى هنا.. أما أبي فلا يتذكر وجودي))
ثم تجلت ملامح الألم على وجهها وتحشرج صوتها وهي تستطرد
((اشعر بأنه أحيانا يعتبرني السبب في وفاة أمي التي فقدناها بعد سنوات من إنجابي بسبب المضاعفات التي حصلت لها أثناء حملها بي))
أحست رتيل بألم وقد كانت هي فعليا من ربتها منذ أن قدمت لهذا البيت وشهدت على معاناتها بعد فقدها لأمها..
فسارعت تصحح ما تظنه الصغيرة وهي تقول لها برزانة
((لا إياكِ أن تقولي هذا الكلام ولا تدعي الأفكار الخبيثة تحوم حولك.. أعرف مشقة كبرك في الحياة دون والدتك.. لكن هذا هو قدرها.. لو كانت على قيد الحياة أنا متأكدة بأنك ستكونين بارة بها وتفعلين ما بوسعك لإسعادها والاهتمام بها.. لكن بما أنها بالفعل انتقلت لرحمة الله فلا أمامك الآن إلا الدعاء لها))
نكست دارين نظرها أرضا فظلت رتيل تنظر إليها طويلا قبل أن تمد كفها لتربت على كتفها وكأنها تؤازرها قبل أن تعود من حيث جاءت وقد نسيت إحضار قدر الحساء..
في حين بقيت دارين تخفض نظرها أرضا برأسها أفكارها السوداوية عن والدتها المتوفاة تدور بعقلها دون هوادة قبل أن تطلق من شفتيها زفرة مثقلة حارة من الهموم الكبيرة على سنها الصغير..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-21, 07:00 PM   #2187

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي



في حديقة القصر الخلابة حيث تحيطها أشجار الليمون والبرتقال والزيتون كان يجلس الحاج يعقوب والحاجة زاهية مع ابنيّ مؤيد..
بعد أن عاد مالك من الخارج صدح صوته عاليا وهو يقترب بوجه بشوش من والديه الجالسين في أحضان الحديقة
((أمساكم الله بالخير))
التفتت الحاجة زاهية نصف استدارة لترتسم ابتسامة وهي تقول بحنو الأمومة
((هل جئت يا مالك! كيف حالك؟))
اقترب مالك من والدته يرفع يدها ويلثمها هادرا
((أنا بخير.. كنت في الخارج وجئت مباشرة لكما))
ثم مال على والده يلثم جبينه بينما يدمدم الآخر له
((عافاك الله يا مالك))
مد مالك يده يبعثر شعر فهد مداعبا إياه قبل أن يسحب كرسي ويجلس برفقته هادرا
((أبي لا داعي غدا لزيارتك الأسبوعية لمزرعتنا البعيدة.. ذهبت بنفسي منذ الصباح واستفقدت كل شيء..))
تطلع يعقوب عاقد الحاجبين يعاتب ابنه برقة
((ولكن أنا أحب أن اذهب هناك وأتأكد من كل شيء بنفسي وأسمع من أفواه المزارعين..))
قال مالك باهتمام صادق يقاطعه
((أبي لقد كنت متعبا في الأمس ولا زلت بحاجة للراحة.. لذا لن يضرك ألا تذهب هذه المرة فقط..))
عاد والده يقول معترضا
((ولكن لا أريد أن أتعبك في يوم إجازتك.. كان عليك الراحة اليوم والاستمتاع بوقتك بدلا من الاستيقاظ باكرا وتفقد أحوال المزرعة!))
عبس مالك في وجه أبيه وهو يقول
((أي تعب يا أبي! أمضيت عطلتي في الأمس خارجا ألعب كرة القدم.. فلماذا لا أدخر اليوم للاهتمام بشيء من أمورك!))
قال يعقوب لولده بفخر
((بارك الله فيك يا بني.. أنتَ وإخوتك ذخيرتي بعد الله في هذه الحياة))
اتسعت ابتسامة زاهية رغما عنها بتأثر للحديث الذي تسمعه..
وكم شعرت بالراحة والبهجة أن الأمور عادت أفضل من السابق بين مالك ووالده بعد المشادة الأخيرة التي حصلت بسبب إصرار مالك على استبدال الخدم..
لقد ربت وأنشأت كل أولادها الخمسة تربية صافية وبعيدة عن الحقد والكره وفعل السوء للناس..
وكم هي سعيدة أن الحب والحنان ممزوج في خصالهم الطيبة..
لقد تعبت عليهم لتغرس فيهم ما يجعلهم يكونون سندا لها ولزوجها وولائهم لبعضهم..
فتمتمت لمالك بعاطفة أمومية متدفقة كالشلالات الهادرة
((حفظك يا مالك أنتَ وإخوتك لنا أنا وأباك))
رد مالك على أمه وهو يربت فوق يدها بحنو
((وحفظكما الله لنا يا أمي))
استوت زاهية من مكانها تميل لتلثم خده ثم تقول بمزاج حلو
((سأذهب الآن لآمر أن يصنع لكما قهوة))
بمجرد أن غادرت زاهية تساءل يعقوب بعفوية يفتح حديثا عشوائيا مع ابنه
((هل كنت تلعب كعادتك مع أصدقائك كرة القدم؟))
اضطربت ملامح مالك وأجابه بشيء من الارتباك
((الحقيقة لا.. كنت مع يزيد..))
رفع فهد حاجبيه يقول بعفوية
((ولكنه قال لي بأنه سيذهب للتنزه مع أمه!))
أغمض مالك عينيه لأن الصغير فضح أمره.. عاد يفتحهما ويقول بنبرة مبهمة خافتة كأنه يتوارى عن الأمر
((نعم صحيح))
تطلع يعقوب بدهشة لابنه الذي كان يشيح بنظره عنه وسرعان ما صارت الدهشة ذهولا وانفعال وهو يتساءل
((ما هو الصحيح يا مالك؟ لا تقل لي بأنك ذهبت مع يزيد وسمية سويا للتنزه ولعب كرة القدم!))
ابتسم مالك بابتسامة متشنجة وهو ينظر باتجاه والده مغمغما
((دعني أشرح لك يا أبي))
رد يعقوب بانفعال أفلت منه
((ماذا ستشرح لي؟ كيف ترافق امرأة لا تحل لك؟ هل اعتبرت طفلها الصغير هو محرم لها؟))
بهتت ابتسامة مالك وعاد يقول بلطف
((أبي اهدأ قليلا))
وبخه يعقوب بغضب مكتوم
((ماذا لو رآكما أحد هناك وتعرف عليك وتساءل عن هوية المرأة التي تمشي مع ابن الحاج يعقوب؟))
حاول مالك أن يهدئ من غضب والده وهو يقول
((أبي كنا نلعب ونسير في ملعب المدينة.. ولن يتعرف علينا هناك أحد))
وكان مفعول كلامه هو العكس فقد اشتعل غضبه أكثر وهو يقول بينما يلوح بيده خارجا عن وقاره
((والله ألن يراك أينما تكون ومع من تكون! ما هو مبررك للتنزه مع امرأة لا تربطك أي صلة بها أو معرفة! مالك هذه ليست المرة الأولى.. لا زلت أذكر تلك المصيبة التي حدثت بسببك عندما ذهبت معها لإحدى المطاعم.. أنا تجاوزت عن الأمر فقط لأن زوجة أخيك مصعب كانت معكما هي والصغير ولكن ليست كل مرة ستسلم الجرة..))
صمت مالك وهو يشعر بالتشتت..
من جهة لا يستطيع الآن البوح لوالده برغبته في الزواج من سمية قبل أن يقدر على إقناع سمية نفسها به..
لأنه ببساطة لن يقدر على الدخول بصراعين في آن واحد..
والديه وإقناعهما من جهة.. وجعل سمية تؤمن بحبه لها من جهة أخرى..
صمت مالك الذي زاد أمام والده جعله ينفجر به هاتفا
((تحدث يا مالك.. أين ذهب لسانك يا ولد!))
قال مالك لوالده وهو يهز كتفيه مبررا
((أبي هي كانت ستخرج للتنزه مع يزيد في كل الأحوال وطلبت سيارة أجرة لهما فعرضت عليها أن أرافقهما وأجلس في المقعد الأمامي بجانب السائق.. فكيف يكون تواجدي معها جريمة إذا كان من المألوف استقلالها هي ويزيد سيارة أجرة مع رجل غريب))
فغر يعقوب شفتيه بعجب ثم تساءل بصوتٍ خطير
((وهل اكتفيت في إيصالها للمتنزه أم أنك أيضًا رافقتها للخارج وجلست معها ولعبت كرة القدم مع ابنها!))
ازدرد مالك ريقه وعاد يشيح بوجهه بعيدا فعرف يعقوب الإجابة وأغمض عينيه بخيبة أمل ليسارع مالك التبرير قبل أن ينفجر به صارخا مرة أخرى
((أبي أقسم لك بأني ظللت ألعب مع يزيد كرة القدم.. ولم نجتمع سويا في الحديقة إلا وقت الطعام لنتجاذب أطراف حديث بسيط ونأكل بعض المرطبات والشطائر التي أعدتها.. كنا في مكان عام لا مغلق وكان الناس من حولنا.. عدت للقرية أنا ويزيد وحدنا وهي كانت بحاجة للتسوق فعادت بعدنا وحيدة))
هز يعقوب رأسه يدمدم بيأس وإحباط
((لا حول ولا قوة إلا بالله.. تتحدث ببساطة وكأنك لم تخطأ بشيء))
تغضن جبين مالك بالضيق وقال وهو يضع راحة يده فوق كتف والده
((حسنا يا أبي لربما كلامك صحيح.. لم يكن عليّ التساهل بأمر كهذا..))
قاطعه والده وهو ينفض يده من كتفه هاتفا بانفعال
((ربما؟ بل مؤكد كان عليك احترام تعاليم ديننا وعاداتنا وتقاليدنا.. منذ متى كان من المستهل أن تتكلم وتخرج وتتنزه مع امرأة لا يربطك بها شيء؟ خيبت ظني بك يا مالك.. لم تكن هكذا في السابق.. لا أصدق بأنك الشاب الرزين الهادئ من يفعل هذا! لو كان توأمك مازن والله لكان الأمر أقل وطئا وصدمة عليّ!))
تمتم مالك برجاء ووهن
((أبي.. أرجوك.. لا تبالغ))
بدأ غليان الدم يزداد في عروق الحاج لأن مالك لا يعترف بتجاوزه الحدود.. فرفع سبابته يلوح بها أمامه قائلا بغضب ساحق
((مالك من الآن وصاعدا لا أريد منك أن تتحدث مع يزيد أبدًا.. لأنه من الواضح بأنك لا ترى هذا الصغير إلا وسيلة لك لتقترب من أمه.. وهي الأخرى مدانة بسماحها لك تجاوز الحدود معها.. مالك أنا أتحدث معك بصراحة ووضوح شديدين.. إياك أن تنساق لعلاقة محرمة))
اتسعت عينا مالك بدهشة مستعرة وقال مستنكرا برفض بالغ
((أبي! أي علاقة محرمة.. هذه الكلمة كبيرة جدًّا فكيف تقولها وأنت تتحدث عني وعن سمية))
لم يقل يعقوب شيء بل ظل الصمت بظلاله قاتمًا من حولهم إلا أنفاس صدره الذي يعلو ويهبط في انفعال ويكاد يجن من أفعال ولده المعهود له بالرزانة إلا فيما يتعلق الأمر بتلك البستانية!
وحتى فهد انكمش على نفسه بتأنيب الضمير وهو يشعر بأنه السبب في هذه المشادة!
كسر يعقوب الصمت أخيرا وقال بتشديد
((مالك أنا أريدك حذرا ويقظا من تصرفاتك.. فأي علاقة محرمة تكون بين رجل وامرأة تبدأ بنظرة فابتسامة فإعجاب ومن ثم تبادل أرقام الهاتف وتبدأ العلاقة الشيطانية المزيفة تحت غطاء الحب وكلمات الغرام.. إياك أن تغتر وتظن نفسك قادرا على المحافظة على نفسك وتمتنع عن أي خطيئة كبيرة ظانا أن ما تفعله من مقدمات لها هي أمور عادية))
ثم استطرد كلامه وهو يمنح ابنه نظرة تهديد صريحة
((مالك لا تجبرني أن أسحب منها عملها هنا ومسكنها وأجبرها على الرحيل لمكان آخر وأقطع برزقها بسببك))
شعر مالك بثقل الهم فوق صدره مع هذا التهديد..
ألا يكفي أنه يخوض معركته في إقناع سمية!
قال أخيرا لوالده وصوته يخرج خافتا ضائقا معاتبا
((أبي ما هذا الذي تتحدث به! لا أصدق أنه يصدر منك أنتَ الحاج يعقوب الكانز.. أبي لقد علمتني درسا قاسيا بأن لا أتسبب بخسارة إنسان عمله أو مصدر رزقه والآن تهددني بفعل هذا لامرأة وحيدة يتيمة لا أحد لديها سوى الله ثم نحن))
زجره يعقوب مصححا بانفعال
((أنتَ من ستتسبب بالمتاعب لها لو لم تبتعد عنها وعن ابنها))
صمت مالك مجبرًا كارهًا لأنه لا يستطيع حقا التحدث بشأن رغبته في الزواج منها بعد..
وقال عوضا عن ذلك باقتضاب يتلاعب بالكلمات
((أبي دعك منها مبدئيا.. ولكن ما دخل يزيد! أنا معتاد على وجوده في كل تفاصيل يومي.. في البداية كنت أشفق عليه لأنه وحيد ولا أحد يهتم به وألاعبه وأهتم به من باب العطف.. لكن الآن تغير الأمر وأصبح بالنسبة لي كابن من صلبي))
كز يعقوب على أسنانه مجيبا بنبرة مغتاظة وقد انفلتت أعصابه عندما سمع جملة "ابن من صلبي"
((اسكت يا مالك.. أقفل فمك وتوقف عن التحدث بهذه الترهات.. أي أب هذا.. بينك وبين الصغير ربما عشرين سنة فكيف تعتبره كابن لك أيها الأبله؟))
زمّ مالك شفتيه ثم قال وهو يهز كتفيه
((أنا أكبره بعشرين سنة ونصف.. إذا كان مازن نفسه تزوج في هذا العمر وكان في الواحدة والعشرين عندما رزق بابنته هدى))
أغمض يعقوب عينيه وكأنه تذكر فعلا أن هذا هو فرق العمر بين مازن وابنته هدى أيضًا!
ثم فتحهما يأخذ نفسًا طويلا أطبق على صدره ليقول آمرا باختناق وكأنه ما عاد يستطيع التحمل
((مالك اغرب عن وجهي حالا))
عقد مالك حاجبيه مطأطأ الرأس معاناة يحملها وحده والألم يتوارى بوضعه ثم قال بصوتٍ منطفأ
((حسنا.. فقط انتظر حتى أرتشف القهوة التي ستجلبها أمي..))
صرخ يعقوب به كابحا رغبته في كسر رأسه
((لا أريد أن تتسمم أكلا أو شربا هنا.. هيا اغرب من أمامي فأنا في هذه اللحظة لا أطيق حتى رؤية وجهك))
أومأ مالك رأسه في صمت وفضل فعلا أن يغادر علّ غضب والده منه يهدأ فاعتدل واقفا من مكانه يغادر ليسارع فهد اللحاق به والتشبث بساقه هادرا
((عمي أنا آسف لأني سبب توبيخك من جدي لذكري سيرة يزيد))
نظر مالك للأسفل ثم انخفض يحمل ابن أخيه هادرا وهو يرسم ابتسامة مطمئنة
((لا يا حبيبي أنتَ لست كذلك.. تعال للخارج معي لأشتري لك المثلجات))
تهللت أسارير فهد وهو يقول له بحماس
((حقا؟ أريد نفس المثلجات التي تشتريها ليزيد عندما تأخذه لنزهة سريعة معك من خلف ظهورنا))
شعر مالك بشي من الذنب أنه لا يولي فهد ولو نصف اهتمامه بيزيد فقال له بوجه بشوش
((بل سأذهب بك لمكان يبيع مثلجات ألذ منه))
هتف فهد وهو يصفق بكلتا يديه
((مرحى لنذهب حالا))
نظر مالك للخلف يسأل والده بشيء من التردد
((أبي سأذهب للخارج هل تريد مني شيء؟))
زعق به والده دون أن يلتفت له
((فقط اغرب عن وجهي))
استجاب مالك وهو ينسحب من الحديقة بهدوء للخارج بينما لا يزال يحمل فهد..
أما الحاج يعقوب فأغمض عينيه وهو يريح جسده على ظهر الكرسي الذي يجلس عليه..
وعقله يذهب لذلك اليوم عندما أخبرته زوجته زاهية بأن مالك قد حزم ملابسه في حقيبة ويريد الخروج من القصر لبيت أحد أصدقائه ريثما يجد مكانا آخر يستأجره..
فذهب هو غاضبا له ليوبخه ويزجره على تفكيره الطفولي الغير مألوف منه لمجرد أنه يرفض طرد الموظفين الذي يعملون في قصره منذ ما يزيد عن عقد!
وعندما لم يجده بغرفته أخبره فهد الصغير بأنه رآه يسير نحو المطبخ مع حقيبته التي حزمها..
وقتها استغرب ذهابه لهناك خاصة وأنه لم يكن أحد يعمل في المطبخ في الوقت الحالي..
لكنه على كل حال اتجه هناك وتفاجأ من وجود تلك البستانية تتحدث معه هناك بعد أن دخلت للمطبخ من الباب الخارجي..
فوقف مكانه متخشبا عند عتبة المطبخ يسمع حوارهما الذي كانت سمية فيه تقنعه ألا يغادر القصر ويبقى هناك..
وهو كان ينصت بهدوء لها بملامح منغلقة..
وما إن ألحت في توسلها وذكرت سيرة ابنها يزيد وبأنه سيحتاج رؤيته يوميا وسيفتقده إذا ما سكن بعيدا حتى لانت ملامحه..
لم تحتج تلك البستانية أكثر من جملتين أو ثلاث تطلب فيهم أن يسامح من قام بطردهم حتى أومأ لها بجمود مؤكدا عليها بأنه سيتراجع عن المغادرة فقط لأنها طلبت ذلك!
فهللت بفرح وهي تغادر المطبخ من الباب الخارجي وهي تخبره بأنها ستسرع لتبشر يزيد الحزين على رحيله..
عاد يعقوب للواقع والسخط يشع أكثر على وجهه..
كيف يمكن لابنه هذا الخضوع بهذه البساطة لبستانية تعمل عنده في حين أنه عاند وأصرّ على قراره رغم اتباعه معه أسلوب اللين والمنطق!
لكن ورغم كل شيء مالك حاول جاهدا أن يصالحه ويمحي آثار المشادة الأخيرة التي حصلت بينهما حتى عادت علاقتهما أفضل من السابق..
أومأ يعقوب برأسه وهو يقر بأنه يعرف بأن ابنه منجذب لها ومن صغره..
لكن لم يتوقع بأن الأمر بدأ يتخذ منحنى جدي معه تجاهه..
شتت يعقوب نظره في الأرجاء وإحساس رهيب خانق يداهمه بأن عليه أن يوقف ابنه عند حده قبل أن يتطور الأمر ويصعب إيقافه وتتكرر مسألة توأمه مازن!
وعند ذكر سيرة ابنه الآخر مازن بدأت أطياف من الذكريات المسمومة تقفز بين عيناه وتجلد روحه..
فرفع أنامله يدلك بين عينيه بإرهاق..
هل ربما عليّه أن يسأله إذا ما كان يرغب في الزواج من تلك البستانية؟
وإذا ما كان رده بالإيجاب هل عليه الموافقة حتى مع وجود تلك الفوارق الرهيبة بينهما حتى لا يحاسبه الله بأنه كان سببا في سلوك ابنه طريق الحرام لأنه لم يعنه على الحلال!


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-21, 07:01 PM   #2188

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

مساءً..
في غرفة المعيشة حيث مصعب وأخيه متمددان فوق الأريكة أمام التلفاز..
تململ مصعب الذي كان يحدق في التلفاز بشرود في مكانه وهو ينظر لساعة يده..
ثم تحرك بكسلٍ لينهض عنه متمتما وهو يتمطى
((كم أشعر بالنعاس))
رفع مؤيد نظره لأخيه يقول بتساؤل
((إلى أين أنتَ ذاهب؟ انتظر ستأتي أم فهد بالشاي هنا لنا))
أجابه مصعب تزامنا مع دلوف رتيل للداخل ووضع صينية الشاي أمامهما
((سأذهب برفقة زوجتي للتسوق لقد وعدتها منذ مدة.. سأتركها هناك وأعود لأقلها عندما تنتهي فأنا أكره التجول في الأسواق لساعات))
تجهمت ملامح مؤيد فورا ثم اعتدل بجلوسه وتساءل بصوتٍ واجم
((ولماذا تذهب أنتَ! دع زوجتي ترافقها))
رفعت رتيل حاجبيها بدهشة ثم لكزت كتفه بخفة تقول معترضة
((أنا لست متفرغة يا مؤيد.. سأساعد ابنك بحل فروضه المدرسية بعد قليل))
التفت مؤيد يرشقها بنظرات صارمة يحذرها الرفض ثم قال متهكما بتسلط
((لا تتصرفي وكأن ابني في الثانوية العامة.. إنه فقط في السابعة من عمره.. هيا اذهبي ورافقي زوجة أخي))
ضيقت رتيل عينيها وهي بالكاد تكظم غيظها من زوجها!
عندما كانت تتوسله أن تتسوق أو تتنزه مع صديقاتها أو زوجتي أخويها كان يخرج عليها بالصوت العالي رافضا بحجة أنه لا يحب من زوجته أن تطأ قدمها عتبة البيت..
أما الآن فلأنه يخشى أن تتكرر مسألة هرب نورين فهو يريد منها أن تترك أشغالها حتى تعمل كحارسة عنده وتمارس سياسة تعكير الأجواء على نورين..
لكن فجأة لانت ملامحها ورسمت ابتسامة ماكرة وهي تقول موافقة بشكل مثير للريبة
((حسنا سأذهب، تذكرت بأن هناك أمورا عليّ أن أجلبها من السوق))
كتف مؤيد ذراعيه يقول لأخيه بلامبالاة مزيفة
((أوصلهما هناك للسوق وزوجتي ستبقى معها))
شرد مصعب بعينيه جانبا بتفكير وهو يضم شفتيه ثم قال
((لا سأعطي نورين سيارتي وسأنام الآن))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-21, 07:01 PM   #2189

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

جناح نورين..حيث تجلس متمددة شبه جالسة على سريرها بينما تضع هاتفها أمامها وتتحدث مع أمها صوتا وصورة..
تنهدت بحزن وبكاء أمها يستمر وتمنت لو أنها أمامها لتربت فوق كتفها..
تحشرج همس نورين وهي تناجيها
((أمي لا تقلقي سأحمل قريبا وأنجب طفلا غير الذي فقدته.. أنتِ فقط توقفي عن البكاء))
شهقت ريحانة والدة نورين ببكائها الحار ثم قالت بصوتها المتهدج
((أصدقيني القول يا نورين.. هل قام أحد بضربك أو تعنيفك أو تقصد وقوعك على الدرج ليفقدك الجنين؟))
اتسعت عينا نورين ثم سارعت تنفي مستنكرة
((أمي يا للهول من أين جئتِ بهذه الأفكار! سبق وأخبرتك يوم الحادثة بأني شعرت فجأة بألم في بطني وعندما خرجت من جناحي ونزلت السلم تعثرت ببضع درجات وحدث ما حدث.. لماذا لا تصدقيني وتصرين أنه كان متعمدا!))
ردت ريحانة من بين بكائها الذي ينحر قلب ابنتها عليها
((لكن قلب الأم يخبرني بأنك تخفين حقيقة ما يجري لك هناك حتى تخففي من شعورنا بالذنب لأننا أجبرناكِ على هذا الزواج دون ذنب.. لكننا نادمين))
ابتسمت نورين بشحوب.. ثم قالت
((لندع الماضي جانبا أمي.. الآن أنا سعيدة هنا ومع مصعب.. وإلا لما استطعت إرسال صوري لكم باستمرار والتحدث معكم بمكالمات مصورة بشكل منتظم..))
اهتز جسد ريحانة ببكائها الحارق وهي تتمتم بضعف موجوع بالفجعة والحسرة
((هذه المحادثات والمكالمات لا تغني ولا تسمن من جوع.. لن يطمأن حالي إلا عندما أراك وأتفحصك بيدي هاتين وأضمك وأتشمم رائحتك.. لا اصدق بأني لم أراك وجها لوجه منذ سنة..))
دمعت عينا نورين وهي تنظر لوجه أمها المبلل دموعًا فانطبقت شفتاها ألما ووجهها الرقيق يتوجع على أمها أكثر من حالها فقالت لها تحاول التخفيف عنها
((أمي لا بأس.. أنا أيضًا مشتاقة لك بحجم السماء.. ولكن ما باليد حيلة!))
لكن كانت دموعها لا تتوقف وتنزلق من عينيها دون مجهود.. تنبع من صميم قلب الأم..
مرّ دقائق على حالها قبل أن تخفت ‏أنفاسها ويتعب صوتها وهي تعلن بصوتٍ جاد رغم ذبذبة النبرة
((نورين لقد أخذنا قرارا أنا ووالدك وعليّ أن أطلعك به لأننا سننفذه قريبا))
تساءلت نورين بملامح متوجسة
((ما هو يا أمي؟))
رغم ارتباك الأم إلا أنها حسمت أمرها وقالت
((والدك يخطط لنسافر نحن جميعا للخارج.. وسننتشلك معنا ولن نعود هنا))
اتسعت عينا نورين وأخذ الأمر منها ثوان لتدرك ما تسمعه وتهتف بها بصدمة
((أمي وماذا بشأن الاتفاق الذي..))
غمغمت ريحانة بسخط
((فليذهبوا للجحيم.. أنتِ أهم))
تنهدت نورين ثم تمتمت بشيء من ألم الماضي الذي شعرت به بسبب عجز وقلة حيلة والديها
((الآن عرفتم أنني أهم! ألم تعرفوا ذلك قبل أن ترفضوا ابن صديق أبي الذي تقدم لي ووعدني أن أسافر معه وأكمل دراساتي العليا في الخارج!))
‏مسحت ريحانة عينيها المحترقة بالدمع المالح لتقول بحسرة ووجع وخزي
((لقد أخطأنا ولكن كبار القرية ووجهائها كانوا يضغطون على والدك.. ولكن لم يفت الأوان على إصلاح خطئنا.. المهم هو أننا ستحتاج لوقت حتى يتدبر والدك أمر السفر..))
قاطعتها نورين بجزع من سخافة ما تسمعه
((أمي يكفي جنونا أنتِ وأبي.. لن يسافر أحد فينا للخارج ولن يترك أبي هنا مصالحه وأملاكه من أجل فكرة غبية وسخيفة وغير مدروسة كهذه))
انطبقت شفتا ريحانة فقامت بتغطيتهما بكفها تحارب وخز البكاء..
أما نورين فقد انتظمت أنفاسها لتهدأ رغم أعصابها المتشنجة من عدم مسؤولية والديها..
كانت نورين تريد فتح شفتيها لتقول شيئا لأمها قبل أن تميل بنظرها إلى حيث شعرت فجأة بطيف أحد يقف عند الباب..
انخطفت أنفاسها وهي تدرك أن هذا الشخص ما هو إلا مصعب!
انقبض قلبها وظلت على حالها لثوان قبل أن تعود وتنظر لأمها الظاهرة على شاشة هاتفها وتقول بارتباك قبل أن تغلق المحادثة
((أمي سنتحدث لاحقا.. إلى اللقاء الآن))
وضعت نورين هاتفها على المنضدة بجانبها بينما ترى مصعب متجهم الوجه يتقدم ببطء ويجلس على الطرف الآخر من السرير..
أخفت قلق قلبها وارتجافه بين أضلعها بينما تسارع بالدوران حول السرير والجلوس بجواره..
ابتلعت الغصة وهي تتماسك وتسأله بخوف رهيب
((مصعب هل سمعت شيء؟))
هز رأسه وهو يقول بشيء من الشرود
((نعم فتحت مقبض الباب وبقيت واقفا هنا لمدة لم أرد فيها أن أقاطع حديثك مع أمك.. وأصغيت لحديثك الأخير))
كان كل ما سمعه يتدافع بعقله ويشوش أفكاره فرفعت نورين كلتا يديها تمسك وجهه وترفعه لينظر لها بينا تخبره بلهفة ممزوجة بالقلق
((إياك أن تأخذ ما سمعته من أمي على محمل الجد.. والدي الاثنين متقلبان المزاج والمشاعر وعاطفيان ويتخذان قرارات متهورة سرعان ما يتراجعان عنها.. صدقني لو اتصلتُ مرة ثانية بهما سيقولان لي بأنهما تراجعا عن هذا القرار بعد مراجعته ودراسته من كل الجوانب))
لم يجبها مصعب بشيء فازداد التوتر المشع من عينيها لتسأله بصوت خافت يشوبه التردد
((هل أنتَ غاضب يا مصعب؟))
كان يتنفس بانتظام مريب عاقدا حاجبيه قبل يضع عينيه في عينيها ويقول بكلمات كانت تنبض ثقته فيها
((أنا أثق بك.. حتى لو طلبا منك الرحيل أو الهرب.. لن تفعلي وتسببي مشاكل للناس هنا وعندكم.. أنتِ بنفسك أخبرتني بأنك باقية هنا برضاك التام بعد أن خيرتك وأخبرتك عن محاولتي لانفصال بيننا لا يسبب لأحد مشاكل.. صحيح؟))
اهتزت حدقيتها وسارعت تقول بلهفة قلبها نافية
((معك حق مستحيل أن أفعلها.. مصعب الحقيقة هي..))
ترددت في نهاية حديثها..
إلا أنها ازدردت ريقها ثم رفعت ذقنها وهي تقول
((نعم أنا سبق وفكرت بالهرب..))
ازداد انعقاد حاجبيه دون أن يبدي شيئا من احتدامات مشاعره
ينتظر ما تريد إكماله..
فتنهدت لتلقن ذاتها القوة والشجاعة ثم هدرت مسترسلة كلامها
((لا تستغرب ما تسمعه.. أنتَ من أشعرتني بأنه يمكنني أن أمضي في قول الصدق دون أن أخاف من شيء))
سألها بصوتٍ ثابت دون أن يحيد بعينيه عنها
((متى فكرتي بالضبط أن تهربي؟))
اجابته بصوتٍ أجش
((قبل الزواج بأيام.. قبل أن أعرف من سيكون زوجي.. لأنني..))
هدر بما يحثها أن تكمل
((لأنك ماذا؟))
اجابته بصدق وطيف الماضي يمر من أمامها
((لأنني كنت لا أفكر إلا بنفسي.. كنت أؤمن بشدة أنى أستحق الحب ولم تهن نفسي عليّ لأقبل أن أتزوج بهذه الطريقة.. لم أتحمل فكرة أن أظل مقترنة بالشخص الذي سأتزوجه وأظل لآخر عمري أدفع ثمن شيء لم أقترفه.. أيضًا كنت أفكر بموقفي أمام أطفالي ولومهم لي لأني قبلت أن أتزوج من أب سيء))
انفرجت ملامحه قليلا وتساءل
((ولماذا توقعتِ وحكمت بتأكيد أن الشخص الذي ستتزوجينه سيكون سيئا؟))
شاب الاستغراب ملامحها لتكمل بالمنطق
((وهل من المنطقي أن أتزوج من رجل بهذه الطريقة ويكون جيدا؟ إذا كان الأزواج وبعد فترة خطوبة طويلة وتعارف يجدون أنفسهم غير قادرين على التكيف مع بعضهما فما بالك بزواجي من شخص لم يسبق وأن رأيت شكل وجهه إلا في يوم عقد قراننا! لقد كنت مرعوبة أن يأخذني بذنب قريب عائلتي الذي قتل ابن عمه بلا وجه حق وبالتالي يظلمني ويسيء معاشرتي))
ترققت ملامح مصعب أكثر لتهز برأسها وهي تسترسل
((نعم لقد توقعت بأنك ستكون سيئا إلى الحد الذي ستذيقني شتى أنواع الإهانات والشتائم والضرب.. وإذا ما خفت الله فيّ وقررت ألا تأخذني بذنب قريبي.. فلن نتمتع بحياة جميلة مطمئنة كما أحلم.. ولن نحظى بأسرةٍ متماسكة لربما بسبب نقص في التناغم أو اختلاف الشخصيات والاهتمامات))
ثم رسمت ابتسامة حانية وهي تستطرد كلامها مؤكدة
((لا تتعجب يا مصعب فأنا لم أكن لأتزوج من أي كان دون خطبة وفترة تعارف لأدرس الشخص الأخر بصدق وتروٍ.. وأقف على شخصيته وطريقة تفكيره ومشاعره وميوله واتجاهاته وهواياته ومزاجه وخلقه وعاداته في التصرف والأكل والشرب.. وأساليبه في التسلية والترفيه.. فالزواج ليس نزهة أو فترة عابرة في حياة الإنسان.. بل إنّه التزام أبدي وتعايش بين اثنين تحت سقف واحد وفيه مسؤوليات كبيرة وثقيلة على الاثنين))
مالت زاوية شفته بابتسامة باهتة على ما قالته.. لكن لم ينحسر صمته..
مرت دقائق عليهما قبل أن يقول بصوتٍ غريب
((وهل هذا ما فعتله مع ابن صديق والدك الذي وعدك بان يرافقك للسفر في الخارج؟ ألم تقولي لي عندما كنا في بركة مزرعتنا البعيدة بأن الدكتوراه لتخصصك غير متاح دراستها إلا في الخارج؟ فهل ما حدث وزواج الثأر كانا سبب في عدم زواجك من شخص يناسبك ويرضيك؟))
نظرت في عينيه بتنبه من نوع آخر وانخفضت كلتا يديها إلى حجرها لتجيب بشيء من التردد لكن بصراحة
((لم أكن أعرف عنه شيء إلا القليل.. كانوا يشهدوا له بحسن السيرة والخلق.. وعندما طلب والده يدي من أبي تحمست لأنه كان بكل الأحوال سيسافر خارجا حيث يعمل وحيث يمكنني أن أكمل تعليمي.. ولكن بالتأكيد لم أكن لأقبل الزواج به دون فترة خطبة أتعرف عليه جيدا.. ولم أكن سأقبل الزواج منه إذا لم يكن هناك تناغم أو انسجام بيننا.. فليس من المنطقي أن أغمض عيني وأقبل الزواج من رجل لا يناسبني من أجل الدكتوراه.. أما بشأن كلامي السابق أمام أمي كان بمثابة عتاب لهما لعدم تمكنهما من حمايتي.. ولم يحمل شيء من الحسرة أو السخط.. على العكس.. زواجي منك كان أفضل شيء حدث لي.. وكأني امتلكت حظ الدنيا أجمع.. متأكدة من أني مهما جبت الدنيا فلن أجد رجلا أفضل منك))
ثم رسمت بسمة عذبة رغم ارتباكها أذابت بها ما تبقى من تعابير متشنجة فيه.. وشرحت قلبه المنقبض.. لتسترسل كلامها
((مصعب لا أدري ماذا فعلت بحياتي لتكون أنتَ نصيبي.. أكره الظروف التي جمعتنا وأكره طريقة زواجنا لكني احبك.. أحبك جدًّا.. جدًّا.. ولا أتخيل بأني أقدر على أن أكون مع رجل غيرك.. أمي كانت تدعو لي ليل نهار أن يكون من نصيبي رجل صالح طيب المعشر لا أهون عليّه أبد الدهر.. وها قد تحققت دعوات أمي متمثلة فيك))
أمسكت بيديها كفه لتضيف بوله وهي لا تزال تنظر له
((أنا سعيدة أني متزوجة من رجل مصبوغ بالحنان مثلك.. مصعب أنا أحبك))
أخيرا انفرج فمه عن ابتسامة رجولية جذابة وهو يميل برأسه ليقبل جبينها ثم يضمها جاذبا إياها لصدره ومتنهدا بهمس رقيق
((أحبك أنا أيضًا))
هذه المرة.. ورغم أنها لم تشعر بذاك الشغف والحب في كلماته إلا أنها بدت مختلفة عن سابقاتها..
وتأثرت بها وهو يقولها بصوته ورجولته وعاطفته..
ارتاحت نورين على صدره بينما تسدل أهدابها وتستمتع بذلك الشعور وكل مخاوفها مما سمعه من كلام متهور لأمها تضمحل.. بينما روحها تنشرح..
استمر عناقهم العاطفي لدقائق لم يكن فيها مصعب حقا يريد أن يفارقها وهو مستمتع باستنشاق رائحة الياسمين المنبعثة من خصلات شعرها قبل أن تقول نورين فجأة
((من أجل الخروج إلى السوق اليوم فلا أريد أن أفعل.. لا اليوم ولا لاحقا.. لا أريد أن اخرج أو أفعل أي شيء إلا وأنا معك جنبا إلى جنب حتى لا تشعر بذرة قلق من ابتعادي))
أبعدها فجأة عنه وأمسك كتفيها بيديه وهو يقول بحزم
((نورين لا دخل للسوق بما حدث.. لا تعقدي وتدخلي الأمور في بعضها.. ستخرجين كما سبق وأخبرتك ولكن لن أوصلك هناك بل زوجة أخي ستذهب معك))
قالت له بملامح جدية
((لا مصعب ألغي الخروج كله.. أنا لا أريد.. فأهم شيء بالنسبة لي هو أن أحافظ على ثقتك.. لا أريد أن تشعر بذرة قلق من أني قد أهرب أو أنصاع لكلمات أحد والدي ولو أني واثقة بأنه سيندثر أدراج الريح بعد أن ينقضي حزنهم عليّ))
تألقت ابتسامة متلاعبة على شفتيه وهو يقول
((نورين حبيبتي أيتها العفريتة.. أنا أثق بك.. وأثق بوالديك أيضًا.. لا بد أنهما والدين رائعين لتخرج من كنفهم ابنة رائعة مثلك! ثم أنا أخبرتك بأنك ستذهبين مع زوجة أخي.. أي لن أوصلك وهذا يعني بأني سأعطيك مفاتيح سيارتي))
أشرق وجهها بدهشة ممزوجة بالسعادة وهي تقول
((حقا؟ سأذهب للتسوق بسيارتك؟))
أبعدها مصعب عنه وقام من مكانه يتجه إلى حيث يعلق مفاتيح سيارته وهو يقول
((أسرعِ في تغيير ملابسك والاستعداد.. زوجة أخي قد تكون استعدت منذ وقت.. هيا أسرعي))
كمن دبت الحياة فيها فجأة تحركت وهي تذهب للاغتسال قبل أن تستعد للخروج..
بمجرد أن انتهت من تغيير ملابسها وغطت شعرها بالوشاح حتى أخذت مفتاح سيارته الذي وضعه لها على المنضدة..
اقتربت منه حيث يتوسد السرير ويحاول النوم لتنخفض وتلثم جبينه هامسة بنعومة
((نوم هنيء يا أميري..))
ما إن همت أن تستدير على عقبيها حتى تشبث بذراعها يجذبها نحوه بقوة لترتطم مجددا به وهي تراه يعتدل جالسا بينما يميل ليقترب من أذنها هامسا بصوتٍ حار عاطفي
((نورين.. أريد أن أقول لك بأني أيضًا كنت أشعر بالتعاسة عند عقد قراني بك.. لأني سأفقد وقتها فكرة الاستقرار مع امرأة تناسبني وأشعر معها بالسعادة.. لكنني سعيد بأن الأمر انتهى بي معك.. أنت أجمل هدايا القدر وأحلى عطايا العمر.. أنتَ أيضًا دعوة أمي الصادقة بالسعادة لي في ساعة رضا))
أدارت وجهها المشدوه بعينيها المتسعتين والمتفاجئتين مما قاله نحوه بارتجاف لا تكاد تصدق ما سمعته من كلام هز الأنثى بداخلها أيما هزة..
فسألته بصوتٍ مرتعش
((مـــ.. ماذا قلت الآن؟))
تمتم مصعب لها ببراءة مصطنعة
((قلت فقط أنك دعوة أمي لي بالسعادة..))
لكنها كانت لا زالت مشدوهة لا تستوعب بعد ما نطق به من بين شفتيه فقام من مكانه يمسك ذراعها ويجرها نحو الباب وهو يوصيها بسرعة
((لا بد أن زوجة أخي تتوعدك على تأخرك عليها.. لا تحرمي نفسك من شيء فبطاقتي التي أعطيتها لك ممتلئة ولا أريدك أن تكوني مقتصدة وإلا سوف آخذ الموضوع بشكل شخصي.. قودي بحذر خاصة عند الازدحام والمنعطفات..))
ثم فتح الباب على مصراعه يدفعها للخارج كمن يطردها ويقول ملوحا بيده
((إلى اللقاء يا عفريتة))
كانت كلماته العاطفية شيئا فشيئا تأخذ مسارها نحو أعماقها حتى شعرت بقلبها يرفرف كأجنحة طير..
لكن سرعان ما خرجت من حالة الذهول التي تلبستها فحاولت أن تعترض له متلعثمة بينما تحاول الدخول مجددا
((لحظة.. لحظة يا مصعب أريدك أن تعيد ما قلته.. أرجوكَ..))
لكن بقوته الجسدية استطاع دفعها للخارج وإحكام إغلاق الباب عليه بالمفتاح..
مما جعلها تضرب الأرض بقدمها متذمرة ثم تمتمت بينها وبين نفسها بدلال أنثى منزعجة يتلاعب بها الهوى
((تبا له لماذا لم يقل تلك الكلمات بوقت آخر مناسب حتى أعيش اللحظة كما يجب..))
أغمضت عينيها حانقة ولوهلة كانت تريد الصراخ به بأنها لا تريد الذهاب مع رتيل والنقاش أكثر بأول غزل يسمعها إياه..
فهو لم يكتفِ بأن يقول بأنها طيبة وسهلة المعشر بل كلامه حمل الكثير من معاني ومشاعر وامتنان وعاطفة..
لكن تدريجيا اختفى الحنق وتألق وجهها بابتسامة جميلة بينما يصيب الحياء منها ما يصيب..
تشابكت أناملها ببعضها تتلاعب بهم وهي تنزل شاردة الذهن للأسفل متوردة الوجه..
ولو كان مصعب هنا لأدرك وقع كلماته القليلة على بسكويت هش مثلها..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-21, 07:04 PM   #2190

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي






بعد أن ركنت نورين سيارة مصعب التي كانت تقودها أمام مركز تجاري ضخم ترجلت هي ورتيل للخارج..
سارتا الاثنتين لنصف الطريق قبل أن تمسك رتيل ذراعها لتوقفها مكانها وتعلمها ببرود
((حسنا نورين ها نحن في منتصف المركز التجاري.. سنفترق هنا.. وعندما أنتهي أنا من ابتياع ما أحتاجه سأتصل بك ونجتمع هنا أيضًا لنعود للمنزل بسيارة مصعب))
لف الاستغراب ملامح نورين وهي تنظر لها بينما تقول معترضة باستنكار
((نفترق؟ ولكن لماذا؟ أنا لم آتي إلى هنا مسبقا وأنتِ تعرفين المكان أفضل مني ولهذا جئت معي))
رشقتها رتيل بنظرات منزعجة وهي تقول
((نورين كفي عن التذمر فأنتِ لست طفلة صغيرة.. فقط سيري في الأرجاء وتعرفي على المكان بنفسك هنا.. إذا تهت فاسألي المارة، من يسأل لا يضيع))
كتفت نورين ذراعيها واعترضت من بين أسنانها بقهر
((كم أنتِ مزعجة يا رتيل سيضيع الوقت وأنا أسال عن أماكن المتاجر بدلا من ابتياع ما أحتاج))
قلبت رتيل عينيها ببرودة أعصاب ثم قالت لها ببساطة وهي تعطيها ظهرها وتغادر
((نورين اصمتي ولنفترق الآن))
حاولت نورين أن تلحق بها وتقنعها بألا يفترقا بشيء من التعقل وهي تكتم غيظها..
لكنها عرفت مسبقا بأنها لن تستجيب لها وهي بالفعل تكاد تتلاشى من أمامها..
تخصرت نورين وهي تزفر أنفاسها بقوة مفكرة بحل ما!
قبل أن تتسع ابتسامتها تدريجيا وتبرق عينيها بتلاعب..
ربما عليها أن تستغل مسألة تسوقها وحيدة لتذهب لإحدى تلك الأماكن الخاصة بملابس وغلالات النساء الداخلية والابتياع منها..
وهذا ما فعلته وهي تجد أخيرا متجرا كبيرا فخما متعدّد الأقسام مخصص لهذه الأمور..
دلفت للداخل ونظرت بذهول مشدوهة لكل القطع الباهظة والجذابة التي يعرضها..
وقفت حائرة مكانها وهي توزع نظرها في المكان لا تعرف من أين تبدأ..
هي تعرف مقاسها جيدا ولها اطلاع على علاماتها التجارية المفضلة لكن المشكلة بأنها لا تعرف التصاميم التي يفضلها مصعب!
لكن لا بأس..
بشكل مبدئي عليها أن تكون جريئة في اختيارات الألوان والخامات والتصميم..
فهي ومنذ زواجها به لم تلبس أمامه إلا تلك المنامات الفضفاضة وطفولية المظهر!
جاءت مساعدة المبيعات لسؤالها إذا ما كانت بحاجة لأي مساعدة فأخبرتها نورين عما تبحث عنه..
وبدورها ساعدتها في تضييق نطاق الاختيار وهي تطلعها على أحدث ما وصلهم من قطع عديدة بطيف من الألوان النابضة بالحياة..
.
.
أما من الجهة الأخرى..
فكانت رتيل محتارة إلى أين تذهب تحديدا..
فهي سبق وأخذت إذن زوجها لزيارة أمها في نهاية الأسبوع القادم..
وكالعادة ستدعي ذهابها هناك وبدلا من ذلك ستذهب إلى صديقتها غنوة التي تسكن في المدينة..
لقد اتفقت معها عندما تزورها أن تقيم في أول يوم حفلة للطهي ويخترن فيها بعض الوصفات المناسبة لطهيها..
ربما الآن عليها أن تذهب لأحد المتاجر الغذائية وتتسوق لتشتري المكونات المطلوبة..
ومن ثم أن تشتري بعض الحاجيات التي ستحتاجها للتخييم في حديقة منزل غنوة كما اتفقت معها أن تفعل في المساء..
تنهدت وهي تبدأ رحلة ابتياع الأغراض دون حماس..
فهي لا تحب التسوق لوحدها ومعتادة على وجود غنوة معها..
حتى لو لم تكن تريد شراء شيء فكانت تذهب معها كلما زارتها لتستمتع معها بالمشي وسط المتاجر ومشاهدة المعروضات وتجاذب أطراف الحديث..
لكن فجأة عقدت حاجبيها عندما لمحت نورين تخرج من أحد المتاجر الخاصة بالنساء وهي تحمل أكياسا كثيرة!!










*****





كاد غروب الشمس أن يكتمل ومالك يقود سيارته في دروب القرية عائدًا الى قصر عائلته وإلى جواره يجلس يزيد..
همهم مالك لسمية التي كانت تحدثه على الهاتف هادرة بامتعاض
((مالك تأخر الوقت.. أنا سأنهي آخر ما بيدي وأعود للمنزل.. أعد يزيد حالا))
نظر مالك ليزيد الذي كان يلعق مستمتعًا من المثلجات الموضوعة فوق مخروط البسكويت والمزينة بألوان الفاكهة بنعومة ثم غمغم
((نحن الآن عائدون من السينما وعلى الطريق.. يزيد سينام عندي.. لقد مر وقت طويل منذ أن شاركني النوم في غرفتي))
وصله زفرة طويلة منها وهي تقول متذمرة
((لا أحب أن ينام يزيد عندك يجلب الكثير من الأقاويل والكلام))
أبعد مالك الهاتف عنه ومال نحو يزيد يهمس له متهكما بمرح
((حسنا يا يزيد أمك محقه سأحملك وأخبأك تحت معطفي قبل أن نتسلل بك للداخل))
هتف يزيد بإثارة وحماس بينما يعود مالك للانتباه بحذر إلى الطريق أمامه
((نعم.. مرحى))
قرب مالك الهاتف منه وغمغم مسارعا قبل أن تغرقه بمزيد من نكدها كما يسميه مؤخرا
((إلى اللقاء يا سمية..))
انتفخ صدره بنشوة التحكم وفرض إرادته ثم وضع هاتفه في المكان المخصص له في السيارة ثم قال ليزيد يوصيه
((لكن لا تخبر فهد بذهابنا للسينما سيحزن جدًّا.. المرة المقبلة ربما آخذكم جميعا لهناك.. الوقت الذي نمضيه معا نحن الاثنين هو سرنا))
رسم يزيد شِبح ابتسامةً متصنعة على شفتيه وهو يهز رأسه بطاعة..
بقدر ما كانت ابتسامته متفهمة كانت متألمة أيضا..
.
.
في الحديقة الخلفية..
عقب أن أنهت سمية مكالمتها مع مالك هزت رأسها بيأس ثم عادت تمر من الباب المؤدي للمطبخ..
سحبت كرسيا ثم جلست عليه حول الطاولة تكمل تقطيع الخضراوات..
فقالت نجوم الجالسة مقابلها بامتنان لها
((لست مضطرة يا سمية أن تساعديني في عملي أنا في المطبخ هنا))
ارتسمت ابتسامة بشوشة على وجه سمية وهي تخبرها بطلف بالغ
((نجوم أقل ما قد أفعله لقاء كل خدماتك لي واعتناءك بيزيد هو هذا.. أنتِ ألطف شابة يافعة أراها بكل حياتي))
تألقت ابتسامة على وجه نجوم هي الأخرى لتقول بصدق
((وأنتِ لطيفة جدًّا يا سمية))
لوت منال التي كانت منشغلة بعمل آخر في المطبخ شفتيها غلا فابنتها السخيفة تعامل تلك البستانية سمية وكأنها من إحدى سيدات هذا المنزل!
قالت منال بغتة بصوت حانق مغيظ
((أين هو يزيد ذاك الشقي؟ في العادة دائما ما يحوم حولك ويصدع رؤوسنا))
أجابت نجوم أمها على الفور
((رأيته عصرا مع السيد مالك.. لا أدري إذا ما كان لا زال معه))
آخر جملة خرجت من نجوم كسؤال وهي تناظر سمية فاضطرت الأخيرة أن تجيبها على مضض بصوتٍ خافت
((نعم هو كذلك))
بنظرة صلف وقحة قالت منال موجهة حديثها لسمية
((السيدة زاهية تستشيط عندما يتعلق الأمر بهذا الموضوع.. فإذا عرفت بأن ذاك الشقي برفقة السيد مالك.. ستفكر بجدية بطردك من منزلك الصغير ثم من القرية كلها.. صدقيني سمعتها بأذني أكثر من مرة تقول ذلك))
ثم التمعت عيناها بنظرة خبث وهي تضيف باستدراك مصطنع
((أوه كيف قلت هذا الكلام أمامك بلا وعي.. لا تذهبي وتخبري السيد مالك فيعاود طلب طردنا مرة أخرى))
أغمضت سمية عينيها بغيظ شديد وقد توقفت يديها عن تقطيع ما أمامها.. حتى لا تلمح ابتسامتها الخفية الهازئة منها وقد عادت أكثر أذية لها من السابق..
لكنها لم تجد إلا أن تقول بصوتٍ متحشرج وبصلابة مزيفة بعد أن فتحت عينيها
((أخبري السيدة زاهية بأني سأغادر هذه القرية.. لكن إذا وافق مالك فقط))
مالت شفتا منال بنظرة احتقار لتسارع سمية تصحيح ما قالته بلحظة انفعال وهي ترسم ابتسامة لا معنى لها
((أعني.. أنا فقط أقصد بأنه متعلق بيزيد وربما يحزن لو ابتعد عنه ويزيد هو الآخر سيحزن لهذا لن أستطيع المغادرة.. أما لو وافق السيد مالك على مغادرتي وابتعادي من هنا فسأفعل دون أن أطلب شيء))
كانت نعمة طوال الوقت تلتزم الصمت تحاول ألا تكرر ما حصل قبل أشهر لكن وجدت نفسها هنا تقول بصوتٍ جهوري صارم لها وحاجباها يرتفعان بعلامة رقم ثمانية
((وما دخل السيد مالك ليوافق؟ وما شأنه بك أنتِ.. إياك أن تحاولي أن تستقوي به لمواجهة سيدة هذا البيت؟ ومن أنتِ بالنسبة له؟ إياكِ أن تظني بأن العطف الذي يوجهه لابنك يعني بأنك تعنين له شيء))
ثم استرسلت موبخه بصوتٍ أعلى
((هل أنتِ واعية لهذا الجنون والترهات التي تخرج من شفتيك! أدركي حقيقتك يا امرأة.. من هو يزيد ابنك هذا لتتحدثي عنه وكأنه كنز للسيد مالك سيوافق بسببه أن يعصي أمه ولا ينفذ رغباتها.. اسكتي فأنتِ تثيرين أعصابنا.. إياك أن تظني بأن هناك شيء اختلف عن السابق.. لا زال غير مرحب بك هنا لا أنتِ ولا ابنك))
غمغمت منال بصوتٍ مستهزئ مقصود وهي تقول شاكرة مدبرة المنزل
((سلّم الله ثغرك يا سيدة نعمة))
أشاحت سمية بعينيها بعيدا عنهن وهي تعيد نظرها نحو الخضراوات التي عادت تقطعها..
لم يكن عليها الانفعال هكذا..
لطالما كانت معتادة أن ترد بذكاء وتتجاهل مقاصد الثرثارين المزعجين الذين يعملون هنا دون أن تكشف دخيلة نفسها..
شعرت نجوم بأن أمها جرحت سمية فتركت ما تقوم به ومدت يدها تلامس كف سمية بدعم وهي تقول لها هامسة
((لا تحزني.. لكن حقا عليك بأن تقللي من وجود يزيد مع السيد مالك))
تطلعت سمية لها باستغراب متمتمه
((لم أفهم!))
ضيقت نجوم عينيها دلالة على أهمية ما تقوله وهي تكمل لها هامسة
((دائما ما يشددوا على عدم الثقة المطلقة في أحد وألا نترك الأطفال مع الغرباء.. وإن استدعى الأمر يجب أن يكون هناك نوع من المراقبة والملاحظة..))
في البداية لم ترد سمية عليها وهي تحدق في عينيها بتجهم.. قبل أن تقول لها بصوتٍ واجم مؤكدة
((نعم أنا حذرة جدًّا من هذه الناحية وأضع يزيد بعيني.. من المستحيل أن أترك ابني وحيدا مع أحد خوفا من أن يساء معاملته أو يتعرض لانتهاك أو تحرش عافانا وعافى أولادنا))
تدلى فك منال حتى كاد يسقط أرضا ثم قالت ساخرة بصوتٍ يشوبه الذهول من الهمس الذي وصل لها
((غريب ما تقولينه أيتها الفيلسوفة سمية! بل والأنكى أنه مناقض لتركك قرة عينك خمسة وعشرين ساعة في اليوم مع سيد مالك))
شحبت قسمات سمية وهي تلتفت فجأة لمنال وما تقوله..
هل هذه هي نظرتها حقا إزاء تقرب مالك من يزيد؟
في حين زعقت نعمة بتعابير مخيفة بمنال تردعها عن التمادي أكثر من ذلك في تلمحيها
((اخرسي يا منال.. ما هذا الذي تقولينه عن سيد مالك!))
وكأن منال توا انتبهت على ما قالته فسارعت تقول بجزع مبررة فيما يشبه الاعتذار وهي ترفع كفها وتضعه مفرودا على صدرها بإخلاص
((لا.. لا.. لا إياك أن تفهمي ما تظنينه.. حاشَ أن أقصد أي سوء خصال السيد مالك.. لكن قصدت أن أقول.. أعني اتخاذ تدابير الحماية والوقاية خير من العلاج..))
عادت نعمة تهتف بها بصوتٍ صارم
((يكفي لا أريد أن اسمع همسك..))
غادرت نعمة المطبخ وقد سئمت مما تسمعه فلحقتها منال متمتمه من خلفها بعبارات التبرير وتوضيح سوء الفهم الذي نتج عن كلماتها غير الحذرة..
جفلت سمية عندما هزت نجوم يدها وهي تقول لها
((لا تنزعجي من كلامي.. لكن أمي لم تكن مخطئة تماما.. أنا أرى حقا بأنك تثقين بالسيد مالك كثيرا بل وابنك يتخذه كصديق في مقام عم له.. معاذ الله أن ألمح بشيء يمسه.. ولكن في زمننا هذا فالمرء لم يعد يأمن على أبنائه حتى مع أقاربه فما بالك..))
تمتمت سمية متسائلة بشفتين استحال لونهم للأبيض الشاحب
((ماذا تقصدين يا نجوم؟))
أوضحت الأخرى دون مواربة
((لا تفهمي كلامي خطأ.. فأنا أنظر للسيد مالك نظرة مليئة بالاحترام ولا تختلف عن نظرة أمي له.. ولكن حتى لو أنه من جهة لا نية سوء له تجاه يزيد.. لكن هل أنتِ على يقين أنه يفعل ما يفعله له ولك دون هدف أو غاية؟ ماذا إذا كان يزيد بالنسبة له ما هو إلا وسيلة للوصول إليك أو الاستحواذ عليك؟))
نكست سمية ببطء وجهها للأسفل بذنب جلي لتتابع نجوم بتحذير
((كل ما أعرفه أنه ليس لطيفا مع أحد غيرك ولا يتخلى عن طبعه الهادئ والرزين إلا معك.. أخبريه إذا كان يشعر تجاهك بأي شيء عليه أن يتزوجك وبشكل رسمي وإذا رفض بسبب الفوارق بينكما فعليك أن تعرفي بأن نيته ليست سليمة تجاه ابنك))
اكتفت سمية أن تتمتم بشرود
((مالك ليس بتلك الدناءة والقبح يا نجوم إنه فقط..))
وبدأت موجات من تأنيب الضمير والذنب تجتاح سمية بلا هوادة..
لا تلوم تفكيرهم أو تحذيرات نجوم سليمة النية تجاهها.. فأي شخص قد يلاحظ اهتمام مالك بابنها سيظن أسوء الظنون..
كله بسببها.. بسببها هي.. ابن وأب لا يستطيعون ممارسة علاقتهم بشكل طبيعي إلا بالخفاء..
.
.
في غرفة مالك..
حيث تضج الغرفة بظلام دامس غمغم يزيد المتمدد على فراشه الصغير أرضا
((عمي مالك.. هل أنتَ مستيقظ؟))
فتح مالك عينيه ببطء ثم أضاء المصباح الخافت القابع فوق المنضدة الصغيرة الملتصقة بسريره..
مد يده للأسفل يقول بحنو ابتسامته الرجولية تتألق
((تعال يا يزيد وتمدد على فراشي هنا دعنا ندردش قليلا قبل النوم))
بحماس أومأ يزيد له وهو يقوم من مضجعه ويتسلق سريره الواسع ليتوسد الطرف الأخر..
مرر مالك أنامله الرجولية فوق شعر يزيد المموج وهو يسأله
((لماذا تناديني عمي يا يزيد؟ ألهذه الدرجة أنا لا أستحق حتى سماع كلمة "أبي" العذبة منك؟))
رد يزيد بحذره الطفولي
((أمي قالت حتى لو كنا بمفردنا فعليّ أنا أدعوك بـ"عم" فقط خوفا أن أخطئ بمناداتك بغير وعي عندما نكون مع الآخرين))
كانت ملامح مالك وهو يتلقى الإجابة من ابنه الذي من صلبه هادئة لا تحمل أي تعبير وإن كان قد ظهر في عمق خضرة عينيه نوعًا من خيبة الأمل والجرح..
لكن عادت ابتسامته الرجولية المفعمة بالحنو تتألق على شفتيه وهو يقول بينما يمسك كفه الصغيرة الغضة
((لكن عندما نكون وحيدين أريد منك أن تدعوني فقط "أبي".. لم أتحدث بشأن هذا معك في الماضي لأني كنت أرى بأني لم أفعل لك ما يجعلني أستحقها.. لكن ألا يمكن أن أكون أنانيا وأطلب ما لا أستحقه منك؟))
احتارت ملامح يزيد بدون أن ينطق برد..
فزفر مالك نفسا ملتهبا بالذنب الذي يتعاظم داخله ثم عاد يقول بعينين لامعتين
((أرجوك ادعني ب"أبي" لا "عمي"))
خرجت الحروف من بين شفتي الصغير بعفوية
((أبي أنتَ..))
ضغط مالك على كفه وكأنه نسى أنها يد طفل لكنه لم يشعر بنفسه وهو يبتسم بتأثر إزاء تلك الحروف الجميلة المنسابة إلى أذنه..
رفع كفه يلثمها وقلبه يهدر بإحساس الأبوة الذي يستمتع به في هذه اللحظات المسروقة..
ثم اعتدل جالسا على السرير بحركة فجائية وهو يحمل يزيد ويأخذه بحضنه يضمه متمتما بحرارة
((أنا أحبك يا ابني))
شدد مالك من ضمه وعَبرة غير ملحوظة تنزلق على وجنته فتحرق صدره قبل عينيه.. ليقول بصوتٍ متحشرج
((عندما نكون معا وحيدين لا أريد أن أسمع منك إلا هذه الكلمة قبل أي جملة يا يزيد.. مفهوم؟))
شعر يزيد بعظامه تكاد تئن فحاول التخلص من تكبيل والده وهو يقول باختناق
((أبي.. أبي.. أنتَ تخنقني))
ابتعد مالك عنه وكلمة "أبي" تدق نبض قلبه.. ثم قال له مبتسما
((ما أحلاها كلمة "أبي" منك حقا يا يزيد.. المهم ماذا كنت تريد أيها الغالي ابن الغالية؟))




*****



محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي







بانتظار تعليقاتكم الجميلة والطويلة والمتعلقة بأي شيء يخص هذا الفصل او الرواية بشكل عام


اتمنى لا تحرموني منها


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
قلبك منفاي، في قلبك منفاي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:53 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.