آخر 10 مشاركات
7- جنة الحب - مارى فيراريللا .. روايات غادة (الكاتـب : سنو وايت - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          409 - غدا لن ننسى - تريزا ساوثويك (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          أنتَ جحيمي (82) للكاتبة المُبدعة: Just Faith *مميزة & مكتملة رابط معدل* (الكاتـب : Andalus - )           »          من يقنع الظلال ؟ أنك فـ أهدابي.*مكتملة* (الكاتـب : عمر الغياب - )           »          الصقر (50) The Falcon للكاتب اسمر كحيل *كاملة* (الكاتـب : اسمر كحيل - )           »          لاجئ في سمائها... (الكاتـب : ألحان الربيع - )           »          مذكرات مقاتلة شرسة -[فصحى ] الكاتبة //إيمان حسن-مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي اجمل قصة في الرواية؟ (اختار اكثر من قصة)
وليد-شيرين-معاذ 128 28.64%
مؤيد-رتيل 111 24.83%
مصعب-نورين 292 65.32%
مالك-سمية 123 27.52%
مازن-ياسمين 55 12.30%
قصي-سهر 54 12.08%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 447. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree7315Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-08-21, 06:31 PM   #3671

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


في البداية شكرا جدا على تفاعل الفصل الماضي.. كان سبب اني اقدر فصل كثيرا كبير ويارب يكون عند حسن ظنكم..



الفصل العشرون

شعر مالك بدخول والدته ومن شدة غضبه على بكاء يزيد لم يعر تعابير والدته المريبة أي انتباه وهو يهتف باستياء
((أمي لماذا يبكي يزيد؟ ما الذي فعلتيه بصورته؟))
ازدردت زاهية ريقها وهي تخطو للأمام خطوات مرتجفة.. تشعر بأنها منفصلة عن كل ما حولها إلا من هذا الطفل أمامها..
أحست بالعاطفة تكاد تخنقها بينما تجلس على طرف السرير بجانب مالك وتمد يديها تمسك يد يزيد وتجذبه له قبل أن ترفع ذقنه لينظر لها..
تنظر في وجهه الصغير.. عيناها تمشطان ملامح وجهه بلهفة وتدقيق لم تفعله يومًا..
نعم.. كانت المرة الأولى التي تسمح لنظرها التمعن بمحياه.. أخاديد وجهه.. عيناه المكلومتين.. وجهه الملطخ بالدموع..
أنه صورة صبيانية مصغرة عن مالك..
فقط لون عينيه وشعر الأسود هو ما ورثه عن تلك البستانية.. أمه.. سمية..
تجلى في وجهها ضعف.. ألم.. جلد ذاتها بالسياط..
لم تستطع مقاومة حاجتها لأن ترفع يدها وتلامس وجهه..
شعر مالك بالتوجس مما تفعله أمه أما يزيد فقد خفتَ بكاؤه وهو يطالعها بريبة.. باستهجان.. نظراتها المصوبة نحوه مختلفة على نحو رهيب..
شعرت الحاجة زاهية بعذاب لم تعرفه يوما جعل حواسها تتأهب في صدمة وضراوة فينطق لسانها بحريق جوفها
((أنتَ نسخة عن مالك.. كيف لم ألاحظ هذا من قبل))
شحب وجه مالك لما سمعه منها.. خاصة وهو يرى دموعها تسابق بعضها وهي تهز رأسها نافية غير مصدقة ببطءٍ شديد..
عضت زاهية طرف شفتها تمنع نفسها من البكاء بالمزيد وعينيها تنطقان بالألم المبرح.. ثم أردفت هامسة برجاء باح بصميم وجعها
((تعال يا يزيد وأجلس بقربي..))
تراخت يدا مالك المبهوت عن يزيد وهو يسمح لوالدته بسحبه منه وإجلاسه بجانبها ثم معانقته..
أما الحاج يعقوب الذي كان يراقب الموقف ومن خلفه رتيل ومؤيد.. اقترب للداخل بخطوات حثيثة عازمة نحوه يناديه باسمه ((مالك..))
تطلع مالك متأهبا نحو أبيه فتصلبت ملامحه واستقام من مكانه ثم اقترب منه بتوجس..
للحظات ظلت نظرات مالك مصوبة نحو والده بتدقيق كأنه يدرس ملامحه وما سيقوله..
حتما هو أمر متعلق بيزيد..
لقد عرفوا شيئا ما عنه..
بكل الغضب الضاري بالحاج يعقوب ارتجفت أنفاسه انفعالا وارتفعت يده لتهوي صافعة خد مالك بقوة أمالت وجهه جانبا.. ليصرخ به بنبرته المهيبة التي لم يفقدها يوما
((من هو والد يزيد؟))
تناهى إلى سمع مالك صوت يزيد يعود لينفجر في البكاء وهو يرى والده يُصفع..
لكنه أغمض عينيه للحظات وقد أدرك بأن الحقيقة قد كُشفت..
وبين كبرياء رجولته كانت صرخة ألم يخفيها بعينيه المتحجرة ليقول بترفع دون أن يرف له جفن
((أنا هو والد يزيد.. أنا والده شرعا وقانونا.. سبق وتزوجت من سمية قبل سنوات.. لم افعل أي حرام))
جحظت عينا مؤيد لما سمعه وضربت رتيل صدرها بلا تصديق..
أما زاهية فازداد بكاؤها وهي تضم جسد يزيد إلى صدرها بحنان جارف تشتم رائحته..
هتف الحاج يعقوب لرتيل الواقفة خلفه بصوت خشن مبحوح النبرات بانفعال مشوب بغضب مستعر
((اذهب الآن وأجلبي سمية إلى هنا..))
أغمض مالك عينيه مجددا يخبئ ذل رجل حمل خطاياه بإخفاء حقيقة ابنه لسنوات طوال حتى اعتاد حملها الثقيل ولا يصدق انه أخيرا تحرر منها وأزاحها عن كاهله..
أخيرا عرفت عائلته أن.. يزيد.. حفيدهم..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-08-21, 06:32 PM   #3672

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

تنهدت سمية بإجهاد وهي تحاول مجاراة خطوات رتيل أمامها المتعجلة نحو القصر..
توقفت رتيل مكانها والتفتت لسمية خلفها تقول موبخه بوجه جامد غير مقروء
((هيا أسرعي يا سمية.. الحاج يعقوب قال بأنه يريد أن تحضري حالا))
شيء من الاستغراب حل على ملامح سمية وهي تستهجن طريقة تحدث رتيل معها العدوانية الممزوجة بالاحتقار وكأن الحاج يعقوب يريدها بعد أن سمع عنها شيء مخزي..
ازدردت سمية ريقها قبل أن تتساءل بخفوت ووجل
((كيف كان شكله وهو يخبرك أن تناديني؟ هل كان غاضب؟ أم كانت ملامحه عادية؟))
ظلت رتيل ترمقها بنفس ملامحها الجامدة ثم التفت تمضي قدما للأمام هادرة
((ها قد اقتربنا، لنصل عنده وستعرفين بعدها ماذا يريد منك!))
تابعت سمية السير خلفها وشكوك عديدة تقتحم مخيلتها!
لا بد أنه غاضب بشدة منها فهذا ما تنبئ له ملامح وجه رتيل!
لكن ما الذي فعلته وجعلته يستاء منها؟
هل مثلا غير رأيه وموافقته بزواجها من مالك بعد أن استحكم عقله ويريد منها أن تبتعد عنه!
نعم لا بد أن شيء متعلق بزواجها من مالك فلا يوجد شيء أخر قد يثير غضبه سوى هذا الأمر..
هرولت سمية لتجاري خطوات رتيل وتسير بجانبها على الطريق ثم دمدمت بصوتٍ متحشرج لا تعرف سبب تزايد ذاك الشعور الرهيب القاتل داخلها
((أحس بشعور مريب يتسرب لداخلي بسبب طلب الحاج يعقوب لي فجأة.. هل مالك حاضر أم أن الحاج يعقوب يطلب رؤيتي وحيدة؟))
قالت رتيل دون أن تنظر لها وهي تدلف من باب القصر
((نعم مالك حاضر بل كلنا مجتمعون في غرفته.. هيا اتبعيني، أسرعي))
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-08-21, 06:32 PM   #3673

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

تطلع الحاج يعقوب بهدوء إلى حيث تجلس زوجته.. على سرير مالك بينما تحتضن يزيد الصغير..
فجرت تعابير الذنب والندم على محياه كالسيول العارمة لتغسل خشونة ملامحه وترقق خطوط التجاعيد حول وجهه..
لم يكن عليه صفع مالك أمام هذا الصغير!
خطى بوجهه المجهد نحو السرير يجلس بجانب يزيد من الجهة الأخرى..
مد يده بارتباك نحو كتفه الصغير يديره نحوه مدمدمًا بخفوت
((يزيد.. حفيدي))
رفع يزيد الملتاع وجهه للحاج يعقوب يطالعه بخوف يسكن نظراته كمأوى دائم عندما يكون في حضرته هو وزاهية..
خصلات شعره الأسود تلتصق بوجهه الملطخ بالدموع.. قبضته الصغيرة المرتجفة متقبضة..
مد الحاج يعقوب يده يلامس شعره فانتفص يزيد قليلا..
فبدت مشاعر الحاج في هذه اللحظة متخبطة تمامًا مثل هذا الصغير.. وما يمر به الآن أكبر من أن يصفه.. أصعب من أن يفسره..
ويصل في النهاية لحقيقة مقيتة واحدة!
هذا الطفل الذي اتضح بانه حفيده.. يخشاه!
إنه يخشاه.. لطالما كان يخشاه.. يبغضه.. يكره وجوده معه في نفس المكان بسبب جفائه وبروده المتعمدان تجاهه!
رباه!
كم من مرة اسمع هذا الصغير الذي اتضح أنه حفيده بأقسى أنواع وأصناف الكلمات التي لا تتحملها هشاشة طفل!
كم من مرة عاتب مالك أمامه على سماحه للدخول إلى هذا المنزل دون أن يهتم بمشاعره!
شعر يعقوب بألمٍ وحشيّ ينخر قلبه لكنه سرعان ما خرج من دوامة جلد الذات على صوت مالك يخبره بجفاء
((يزيد يعرف بأنه حفيدك.. لا تقلق.. لم أخبئ عليه الحقيقة يوما!))
أطبق يعقوب على أسنانه وصوت مالك يذكره بحقيقة أنه الجاني والسبب في كل هذا! هو من أخفى حقيقة حفيدها عنه.. فتطلع له بوجه مزدر يقول بمرارة لاذعة
((بالتأكيد يعرف بأننا جديه، فهو يعي تماما بأنك والده!))
ثم استطرد من بين أسنانه مغمغما باشمئزاز
((تقولها هكذا بكل بساطة يا مالك بأنه يعرف حقيقة قربنا منه! هل تستلذ في تعريضنا لكل هذا؟ هل أنتَ مستمتع وأنت ترانا غارقين في الألم وجلد الذات؟ هل يرضيك أن تقتلنا؟))
عند هذه اللحظة وجدت زاهية نفسها ترقع كلتا يديها تحيط وجه يزيد الصغير وتسأله بصوتٍ متهدج لائم
((يزيد، لماذا يا حفيدي لم تخبرني بأنك ابن مالك!))
أخفض يزيد عينيه وهو يشعر بضغط عصيب عليه!
لا يعرف إذا ما كان أخطأ وبماذا أخطأ! خاصة ومن تكون جدته تعاود لومه بإلحاح وحرقة قلب
((لماذا يا حبيبي لماذا! أنتَ تكرهني الآن؟ أنتَ تكرهني!))
أغمضت زاهية عينيها وهي تتمتم بنفس الكلمات بنفس الألم حتى أخذت تنهت من تعب تكرارها وهتفت بحرقة قلب
((رباه! حفيدي يكرهني.. أنه يكرهني.. لا اصدق ذلك.. لطالما كنت اشعر بعواطف غريبة تجاهه.. وبدلا من أن استدل من خلالها بأنه حفيدي ومن صلبي كانت أقسو عليه وأكره رؤيته حتى لا تداهمني طيف تلك الحقيقة التي لم أجرا حتى على تخيلها ولو مجرد تخيل! كان عليّ أن اعرف بأنه حفيدي.. كان عليّ ذلك.. أي جدة متحجرة القلب ومنعدمة المشاعر أنا!))
فتحت زاهية عينيها تطالع زوجها الذي كان جسده الضخم في هذه اللحظة عبارة عن شعلة من المشاعر المتفجرة الغاضبة المكتومة لتقول
((ما الذي علينا أن نفعله يا يعقوب؟ حفيدنا يكرهنا!))
أجابها يعقوب بنبرةٍ جافة حملت بردًا لاسعًا وهو يناظر مالك
((علينا أن نعيد تربية ابنك الطويل الواقف هناك، لو كسرت رأسه الصلب هل سيلومني أحد؟))
انتفض يزيد الصغير في هذه اللحظة من بين يديه جدته وتطلع نحو جده هاتفًا بذعر
((لا أرجوك لا تفعل ذلك..))
كان الحاج يعقوب يريد إكمال حديثه إلا أن كلمات حفيده الصغير الذي تناهت على مسامعه جعلت صوته يخونه.. وتخنقه العبرات وتهتز روحه كلها داخل جسده وكأنها تئن!
في حين اضطربت عواطف مالك كالموج البارد.. تغرق قلبه وكيانه!
لطالما حرص على إخفاء حقيقة يزيد لا لشيء إلا لكسب ود سمية وفعل ما يريحها.. ولم يفكر يوما إذا كان إخفاء هذه الحقيقة الخطيرة من مصلحة يزيد أو لا..
بل هل تؤذيه أو لا!
لكنه الآن وفقط أدرك فداحة خطأه وظلمه لابنه!
فرفع كفيه ليغرز أصابعه في شعره يضغط رأسه كأنه يريد تحطيمه..
فعقله القابع داخل هذا الرأس لم يسعفه ويبين له يوما فظاعة ما فعله..
في هذه اللحظة قطع هذه الأجواء المتوترة صوت فتح رتيل الباب ودلوفها للداخل ومن خلفها سمية تقول بخفوت مرتبك
((السلام عليكم جميعا.. كيف حالكم؟))
عند هذه اللحظة صوب الحاج يعقوب عيناه نحو سمية يطالعها بنظرات ساخطة أثارت الذعر في قلبها مِمَّا ينتظرها وهتف
((ها قد جاءت زوجتك التي كنت تتحايل معي قبل لأزوجها لك لأكتشف في النهاية بأنه زوجتك ولديكم ابن بالفعل))
ازداد قلب سمية انتفاضا وتطلعت على الفور لمالك تسأله بتلجلجٍ وذعر
((هل أخبرت والدك بكل شيء؟))
بدأت سمية ترمقه بلوم وعتاب!
لم يتفقا على إخباره بتلك الطريقة دون تمهيد!
كيف فعل بها هذا ووضعها في موقف مخزي كهذا!
فهم مالك الذي كان يبادلها النظرات ما تفكر بها وأشفق عليها ما ستواجهه رغم أن موقفه كان أسوأ!
فازدرد ريقه قبل أن يقول بصوتٍ فيه بحة
((لا، لم أخبره ولا أدري كيف عرف))
ثم طالع والده يكمل
((وسمية ليست زوجتي، نعم لقد كنا متزوجين منذ سنوات، زواج استمر لأقل من سنة واحدة، لكن انفصلنا بعد ذلك.. وكنا نخطط لأخذ موافقتكما قبل أن نعود لبعضنا، وهذا ما حصلنا عليه))
هتف يعقوب بابنه ساخطا
((لقد أخذت موافقتنا على أنه زواج طبيعي أول.. لقد تلاعبت بكلامك فينا.. لحظة..))
لف شيء من الشحوب وجه الحاج يعقوب وهو يشرد بنظره بعيدا متمما بتيقظ تائه
((لحظة.. هل قلت لي بأن زواجكما لم يزد عن سنة؟ إذن.. هل.. هل يمكن.. بأنكما تزوجتما لتنجبا يزيد ثم تطلقتما؟))
أغمض الحاج يعقوب عينيه للحظات يجد صعوبة حتى في التفكير بهكذا امر لينطقه!
لكنه أعاد سؤاله مجددًا بصوتٍ غريب... شديد العمق والخطورة
((هل كان سبب الزواج.. هل كان والعياذ بالله سبب هذا الزواج لحملها أو..))
جحظت عينا مالك ما إن فهم مقصد والده وسارع بانفعال دون سيطرة يصحح
((لا يا أبي، ولا حتى تفكر أن تسيء الظن، اقسم لك بالله العظيم بأني لم ألمس ولو شعره منها قبل عقد القران بيننا وأثباته في المحكمة، هي فقط مرة واحدة التي أمسكت يدها بغير وعي وصفعتني، وحدث هذا الموقف أمامك أنتَ))
صمت مالك بعدها وصدره يعلو ويهبط بقوة وأنفاسه محتدمة.. وكأنه يزأر.. يزأر بالألم وعيناه تكادان تخرجان من محجريهما من شدة انفعاله..
نادم على كل شيء فعله وخطط له تسبب بجعل من حوله يسيئون الظن بسمية!
همس يعقوب بازدراء وبصوت خشن
((وهل هذا يقلل من حجم المصيبة التي قمت بها يا مالك! لو أبرحتك الآن ضربا ولساعات فليس لأحد حق الاعتراض..))
هذه المرة انتفض يزيد كله وتملص من يديّ جدته بقوة ليندفع متقدما نحو مالك.. يقف أمامه ويرفع كلتا ذراعيه بحمائية عفوية..
ثم واجه جده وهو يقول بشجاعة رغم امتزاجها بالخوف
((لا أرجوك لا تضرب عمي مالك..))
عض مالك على شفته السفلى بوجع.. وإقدام طفله الصغير يدفعانه للبكاء بعذابه..
ازداد بقاء الحاجة زاهية نظرات حفيدها الملتاعة اعتصرت قلبها..
وترققت ملامح الحاج يعقوب المحتدة لما سمعه وبالكاد تماسك بصلابة ألا ينهار وهو يلامس كل هذا الحنان الفياض القابع بداخل حفيده تجاه مالك رغم عدم استحقاقه له..
فابتلع مشاعره وتعابيره وغللها بإجحاف لا يريد فعل أو قول شيء لمالك يحزن حفيده..
لكنه مع ذلك هتف به بغضب ملامحه ونبرته المشحونة
((إنه ليس عمك.. بل والدك يا يزيد.. والدك))
نكس يزيد وجهه أرضا في حين أنخفض مالك لمستواه.. أحاط كتفيه وأداره له يضمه لصدره بقوة شعوره بالذنب تجاهه..
أما سمية التي كانت تناظر هذا المشهد تنفست بحرارة وهي تقول بصوتها الرقيق المتذبذب للحاج يعقوب
((إنه يعرف بأنه والده.. لكن كنت ألقنه أن يدعوه بـ"عم" حتى لا يتعود لسانها على نطقها بغير وعي أو إدراك أمام أحد ويشتبه بالحقيقة))
انكمشت ملامح الحاج يعقوب الذي كان يبادل سمية النظر باشمئزاز منها..
كانت تعرف أنها الملامة الأكبر فهي الأكبر ومن يفترض أن تكون الأوعى لكن الحاج يعقوب لن يلوم أحد إلا ابنه ففي عُرفه الرجل دائما من يتحمل المسؤولية الأكبر في الخطأ!
عاد يعقوب يناظر ابنه بوجوم مغمغمًا بنبرة لاذعة
((من الجيد بأنه لا يناديك بـ "أبي" فأنتَ لا تستحق هذا اللقب، أنتَ لم تكن موجود له إلا كاسم في شهادة ميلاده لكنك في الحقيقة كالميت له تماما.. فما فعلته بابنك هو انتكاسة للفطرة وآلام لها صدى سيؤثر على تفكيره للأبد))
عقد مالك حاجبيه بشدة وكلمات والده اللاذعة تخترق روحه فتحرقها في عذاب لا ينتهي.. والألم ينال كل جوارحه كرجل.. كأب.. كنذل..
مسد الحاج يعقوب على صدره المُطبَق عليه بأنفاسه المختنقة مرددا بنبرة خافتة
((أنتما الاثنين بلا ضمير ولا أخلاق.. لماذا فعلتما ما فعلتماه! لماذا! لماذا! لماذا قد تحرمان حفيد من جديه.. لماذا تحرمانه حقه في النشوء في بيت عائلة أبيه والتمتع بكل حقوقه كاملة كحفيد للكانز!))
عقد مؤيد حاجبيه وهو يناظر حركة يد والده فوق صدره فاقترب منه وامسك ذراعيه يدعوه للجلوس قائلًا برجاء
((اهدأ يا أبي، أرجوك استرح أنا قلق على صحتك))
غمغم الحاج يعقوب بقهر الرجال
((وهل بقي عندي صحة بعد الصدمة هذه التي عرفناها عن أخيك!))
أصر عليه مؤيد بإلحاح
((حتى ولو يا أبي.. أرجوك اجلس.. أرجوك.. أن شاء الله لن يحدث إلا كل خير))
استجاب الحاج يعقوب لابنه وجلس بجانب زوجته التي كانت تكتم شهقاتها فربت بكفه فوق كتفها يهدئها ثم غمغم بخشونة
((بالطبع لن يحدث إلا خير.. فكما حرمونا من حفيدنا الذي لم نكن نعرف عن تواجده سأحرمهما إياه لأخر العمر.. هل تسمع أيها الم-ن-ح-ط عديم الإنسانية؟))
تدخلت سمية على الفور هاتفة
((لا يا حاج الحاج يعقوب، إنه خطئي، خطئي بالكامل ومالك ليس له ذنب فيما حدث، كل ما في الأمر أنه كان يجاريني.. أرجوك سامحني..))
تنحنحت مرارًا ليخرج صوتها بلا بحةٍ فيظنها محاولة بائسة منها لتثير شفقته قبل أن تستطرد
((اعترف أنه خطئي وأتحمل مسؤوليته كاملة، لم يكن عليّ قبول الزواج من مالك منذ البداية.. لم يكن عليّ أن اقبل ذلك وأورطه مع امرأة تكبره عمرا.. ولكن إلا ابني.. لن أتحمل أن تبعده عني.. إنه سندي وأخر ما تبقي لي في هذه الحياة ولا أريد شيئا إلا أن يكون بجانبي))
صرخ مالك بها باحتدام
((توقفي يا سمية عما تقولينه وإظهاري بمظهر الغر عديم المسؤولية حتى وأنا أقف أمامك كرجل في نهاية العشرينات من عمره..))
تشدق الحاج يعقوب بمرارة هاتفًا بابنه
((رجل؟ رجل؟ هل تطلق على نفسك رجل أيها الم-ن-ح-ط؟ أنت لا تتمتع بذرة رجولة أو أبوة.. ابنك لما يزيد عن السبع سنوات نشأ هنا كابن بستانية، كابن للخدم أمامك عينيك في حين أولاد عمه الذين يماثلونه عمرا يشمون مرفوعين الراس متفاخرين بأصلهم واسم عشيرتهم.. وتعتبر نفسك رجل؟))
امسك مؤيد كتف والده يحثه على الهدوء مجددا فنفضها الحاج يعقوب هاتفًا بانفعال
((ابتعد عني يا مؤيد ودعني أللقن هذا المتبختر بنفسه درسا لن ينساه.. سأمحي ملامح وجهه هذه وأشوهها..))
شدد يزيد من احتضان والده وهو يصرخ بصوتٍ متهدج
((لا أرجوك، لا تضربه.. أرجوك لا تقترب منه.. لن أسمح لك..))
شعر مالك بتوترٍ ابنه البالغ وقلقه ورعبه يتزايد.. فهمس له بحنان وهو يحرر نفسه منه
((يزيد حبيبي ابتعد قليلا عني..))
استقام مالك واقفا فنظر يزيد للأعلى له هادرًا بوجهه الغارقة في دموعه
((لن اسمحَ لأحد أن يمسك بسوء..))
رفعت زاهية وجهها الأحمر وشفتيها المرتعشة حزنًا وعدم تصديق لما تراه.. فدمدم يعقوب
((هل تدرك يا مالك الآن كم أنتَ ن-ذ-ل؟ بل عار على الأبوة.. تبا لك يا مالك.. تبا لك.. لا تستحق دفاع ابنك عنك أبدًا!))
ثم استطرد كلامه أمرا بسخط
((غادر يا مالك الآن فأنا لا أريد أن أراك هنا ولا لثانية إضافية))
أمسك يزيد ذراع والده بقوة وغمغم بتوسل بعد أن انفجر ببكاء مرير
((لا.. لا تتركني.. أرجوك لا تذهب.. ألم تعدني بأنك ستعود لأمي وسنعيش سويا تحت سقف بيت واحد كعائلة طبيعية قريبا؟ هل ستتراجع عن وعدك؟))
ازدرد الحاج يعقوب ريقه وهو يشعر بمشاعره تتضارب داخله بعنف وهو يناظر حفيده الذي يطل من كلامه احتياج صارخ لوالده وحب جارف.. فاستقام واقفا يقول بصوتٍ أجوف عميق
((اتركه يا مالك وألحقني الآن..))
اتجهت أنظارهم للحاج يعقوب وهو يغادر الغرفة بصلابته لا يبدو عليه احتدامات مشاعره..
غمر مالك يده بشعر يزيد المموج ثم ابتسم لعينيه هامسا بما يطمئنه
((سأذهب خلف والدي لأرى ماذا يريد ثم سأعود إلى هنا، فتوقف عن البكاء وابقَ قويا كما عهدتك))
أومأ يزيد له وهو يضم شفتيه يمنع نفسه من النحيب وأصابعه الممسكة بذراع مالك تتراخى تدريجيا..
تنهد مالك وهو يغادر الغرفة ويتبع والده وبتلقائية لحق بهم مؤيد..
سارعت زاهية تمد يديها ليزيد هاتفة برجاء
((تعال يا حفيدي..))
ظل يزيد جامدا بينما تسحبه جدته وتضمه لصدرها.. ولم يقل شيئا إلا بعد دقائق وهو يناظر والدته الصامتة بينما تقف في الزاوية
((أمي لماذا طلب منه أن يتبعه؟ ماذا سيفعل معه فقد بدا غاضبا جدًّا؟))
رفعت سمية وجهها له وقالت مبتسمة بذبول
((لن يفعل شيء له يا حبيبي..))
تطلعت زاهية نحوها لتهتف بحدة
((لا تتحدثي معه واخرجي من هنا حالا..))
تلعثمت سمية باعتراض ورجاء
((ولكن يا حاجة زاهية أنا..))
علا صوت الحاجة زاهية أكثر وهي تقول لرتيل
((أخرجيها يا رتيل من هنا قبل أن تنفلت أعصابي عليها..))
تململ يزيد من أحضان جدته هادرا
((سأذهب معها..))
تطلعت زاهية بذعر لحفيدها وهتفت وهي تحكم من إمساكه
((لا لن تذهب.. لا يا يزيد أنتَ مكانك هنا.. لا تفكر بالرحيل من هنا.. لا أنا لن أتحمل))
تطلعت رتيل بتجهم لسمية تقول لها موبخه
((حثيه يا سمية على البقاء هنا.. هل تريدين أن تلقى عمتي حتفها بسببك!))
لف الذنب سمية وقالت لولدها بحنان
((سأعود سريعا يا يزيد، عليك أن تظل هنا مع جدتك..))
اغرورقت عينا يزيد بالعبرات وذابت نظراته في عينيها وهو يقول ((ولكني لا أحبها.. لا أحب أن أبقى هنا معهم وحيدا))
تجمدت دماء زاهية وشحب وجهها لما تسمعه بينما يديها التي تضمان حفيدها تتراخى عنه!
لم تعتقد إنه يكن له مشاعر غير هذه لكن يظل سماعها صريحة واضحة من حفيدها لهو أمرا مفجع.. وأضعف مما يتحمله قلبها الضعيف!
اقتربت سمية نحو ابنها تقول بصوتٍ متحشرج وهي تحيط وجهه بكلتا يديها
((ألم تكن متحمسا قبلا للسكن هنا؟ ألم تكن متلهفا ليكون عندك غرفة هنا؟ ماذا تغير الآن يا يزيد!))
قال يزيد بصوته المتهدج
((كنت متلهفا للعيش هنا لان عمي مالك يسكن هنا.. كنت أريد أن أكون في أي مكان يكون هو فيه حتى أكون معكما..))
عقبت رتيل وهي تلكز سمية بخفة وتناظر وجه حماتها الشاحب
((انظري ما حدث لعمتي بسببك! غادري واتركيه هنا..))
أغمض يزيد عينيه ودموعه الحارة تتدفق باستمرار ورفع يده يحاول أمساك والدته مغمغما بأنفاس متقطعة
((لا أمي لا تذهبي أرجوكِ.. لا تذهبي..))
منعت سمية نفسها مشاركته البكاء بشق الأنفس وهي تأمره برجاء معجون بالحزم
((يزيد حبيبي أنتَ ولد مطيع، سأعود قريبا لأخذك لكن عليك أن تبقى هنا الآن))
واستدارت على عقبيها مغادرة الغرفة قبل أن يصبح الأمر أصعب عليها!
عليها أن تذهب للحاج يعقوب وتحاول شرح المزيد له.. لن تستطيع ترك مالك بمفرده وهي المسؤولة عن كل شيء!
تطلع يزيد الباكي لرتيل.. أقرب الأشخاص هنا له بعد مالك وتوسل لها بصوته المهتز الرقيق
((أنا أريد اللحاق بها.. لا أحب أن أظل هنا وحيدا بدون أمي أو.. أو عمي مالك))
أشاحت رتيل بوجهها بعيدا ولم تعرف ماذا تقول بينما أدارت زاهية وجه يزيد لها وهي تدمدم بصوتٍ معذب
((يزيد أنتَ تكرهني! صحيح؟))
انهمرت عبراتها عنوة تزامنًا مع زيادة اتساع بؤبؤيها..
سهام كلمات حفيدها التي نطقها قبل دقيقة مازالت منغمسة في صميمها حتى نزفت تعابيرها بالشجن والعذاب..
فألحت عليه تقول بقهر وألم
((أنا هي جدتك.. أنا هي والدة أبيك.. أنتَ كنت تعرف ذلك من قبل.. لماذا لم تخبرني بحقيقتك؟ لماذا جاريت والديّك في إخفاء الأمر عنا؟))
اتسعت عيناها قليلا كمن تذكرت شيئا ثم قالت بلهفة وهي تجتذبه نحوه
((يزيد.. هل تعرف لماذا اختار والديك اسم يزيد لك؟ هل أخبرك السبب))
نسي الصغير كل شيء حوله قليلا وركز بملامح جدته وهو يجيب ببراءة
((قالي أبي بأنه اختار هذا الاسم لأنه اسم والدك.. قال بأنك كنتي ترغبين أن يكون أسم أحد أحفادك يزيد ولكن العم مؤيد رفض..))
رغما عنها أفلتت زاهية ضحكة حلوة قصيرة منه لتميل بفمها وتلثم باطن كفه فيرتعش قلبه وهو يسمح لها أن تجتذبه منها أكثر وتحتضنه..
أسندت زاهية ذقنها فوق رأس الصغير ودمعة سالت من عينها لتعبر من خدها الى وجنة حفيدها..
شعرت بنغزة ألم فأغمضت عينيها محاولة التغلب على ذلك الشعور القاسي.. فكم من مرة تعاملت بجفاء وبرود وقسوة وتعالي مع هذا الطفل الصغيرة جاهلة أنه حفيدها!
كم من مرة أظهرت له النفور والمقت كلما حاول أن يتعامل مع مالك أو ينخرط في اللعب مع أولاد مؤيد!
هل يمكن لطفل صغير مثله أن ينسى كل هذا ويتعامل معها فجأة كجدته؟
فتحت زاهية عينيها متنهدة بحرقة قلب لتغمغم بصعوبة
((قل لي "جدتي" يا يزيد.. أرجوك قلها لي..))
ساد صمت طويل بينهما وابتعدت زاهية قليلا عنه تطالع ملامحه بعمق طاف على محياها وهي لا تزال تحتضنه..
في البداية كان يزيد متشنجًا رافضًا لكن شيئا فشيئا تراخى جسده قليلًا ليهمس بصوته الطفولي الرقيق
((جدتي..))
ابتسمت زاهية وعيناها تشعان بوهج حنون خاص قائلة بنبرة متحشرجة
((دائما قلها لي يا يزيد.. فأنا جدتك))
تجمعت المزيد من الدموع في عينيها وضمت كفيّ الصغيران بيديها هادرة بندم حقيقي
((سامحني يا يزيد على تعاملي السابق معك، لقد كنت قاسية عليك دون أن اعرف بأنك حفيدي.. لكن منبع تلك القسوة كانت ريبتي الرهيبة من كل شيء متعلق بك.. وذلك الشعور الخانق الذي لا أجد له تفسيرا كلما مررت من جانبي.. وكلما نطق أحد اسمك.. وكلما تعامل معك مالك بأبوة عجيبة.. وكلما نظرة إلى وجهك الشبيه بوجه أبيك))
احتارت ملامح يزيد وهو لا يبدي عليه شيئا بينما يحتفظ بالصمت..
بعد لحظان نكس رأسه قليلا ثم قال هامسا بشيء من التردد
((أريد أمي..))
تضايقت ملامح زاهية وهي تقول
((لن تذهب لامك.. أنتَ ابن الكانز.. مكانك هنا.. يكفي تلك السنين التي فاتتنا دون أن نعرف حقيقتك..))
عاد يزيد يتشنج قليلا ثم قال بقلق وتوتر
((ألن أعود لأمي؟ خالة رتيل أنا أريد أمي))
تطلع أثناء جملته الثانية نحو رتيل متضرعا فقالت برجاء وتأني لحماتها
((لا تضغطي عليه يا عمتي أنه مجرد صغير وأرسليه لامه))
غمغمت زاهية بامتعاض وقهر
((أخبريه هو ألا يضغط عليّ ولا يحرمني منه بعد ما عرفت من يكون))
ثم تطلعت لعيني يزيد البريئة تقول باختناق وحرقة قلب
((يزيد أنا بحاجة أن أزيل كل ما شعرت به بسبب ا كنت أقوم به وافعله في الماضي بك، أنا بحاجة أن أكون جيدة معك وان افعل ما يستوجب منك مسامحتي))
لم يجد يزيد ما يجيب عليه إلا أن يتنهد بثقل لا يُحتَمل على صدره المنقبض..
عادت زاهية تحتضنه وشيء في يزيد جعله رغم عدم اقتناعه يحاوطها بذراعيه في صمت ليحتضنها هو الآخر..
بقيا للحظات طوال هكذا متعانقين..
كانت رتيل تراقبهما متجهمة بعينين مثقلتين حزنا عليهم وتعاطفًا وهي لا تجد ماذا تقول أو تفعل فغادرت المكان تعطي حماتها المساحة لتبقى مع حفيدها الذي عاش عمرا دون أن تعرف عنه شيئا..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-08-21, 06:34 PM   #3674

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في مجلس الرجال..
وقع نظر الحاج يعقوب على سوط مخبأ عند الزاوية فتقدم ناحيته يمسكه ثم يتلمسه بينما يقول بصوتٍ عميق أجوف
((الآن فقط أدركت فداحة خطئي عندما لم أعلق هذا السوط في البيت.. فرؤية الأطفال للعصا والخوف منها هو ما يردعهم عن الخطأ ويُقوم أخلاقهم وسلوكهم ويجعلهم يسارعون إلى التصحيح والالتزام، فالطفل إذا لم يحاسب على عناده ومشاكسته وأخطائه يكبر وهو يعلم بأنه مهما فعل فلن يحاسب عليه..))
ثم نظر ناحية مالك هادرا بصرامة
((كنت دائما ما أقول لأمك في تعاملها معك أنتَ وتؤامك أن الطفل بحاجة إلى علاج بالتأديب.. لكي يحس بأن الأمر جادًا لا هزل فيه.. فعندما يذوق ألم التأديب.. يعرف قيمة الحنان والعاطفة التي تدفقت عليه من والديه قبل خطأه ويشعر بضرورة الانقياد والطاعة وحسن الخلق، لكنها كانت دائما ما تكتفي بشد الأذن ليعرف الواحد منكما ألم المخالفة وسرعان ما تضعف أمامكما، لم يكن عليّ أن اسمح لأمك أن تدللك أنتَ وتؤامكما، أنتما الاثنين دون أخوتكم كسرتما ظهري، ونكستما من هامتي.. وكأنه لن يهدأ لكما بالا قبل أن تفضحاني في كل أرجاء القرية..))
دمدم مالك بصلابة وبصوت مثقل
((أنا لم أخطأ يا أبي، لا في زواجي منها ولا في انجابنا ليزيد، ربما كان الأجدر بنا ألا نخفي الحقيقة عنكم لكن كانت لدينا أسبابنا.. على كلٍ إذا كنت ترى بأني مخطأ واستحق العقاب بالسوط التي تمسكه فيمكنك ذلك.. ابرحني ضربا على كل خطأ فعلته منذ طفولتي وحتى الآن))
اتسعت عينا الحاج يعقوب من استهانة واستهتار حديث ابنه فطالع مؤيد يهتف منفعلا بدون تصديق
((انظر لأخيك كيف يتحدث بتبجح معي دون أن يرف له جفن، والأنكى بأنه لا يرى نفسه مخطئا أبدًا.. بؤسا ليزيد لامتلاكه أبا مثله.. حرمه من أقل وابسط حقوقه ولا يبدِ أي ندم على ما فعله رغم أن الندم لن يغير شيء))
ثم طالع مالك يصرخ به بأعصاب منفلتة
((هل تظن لمجرد أنك والده فسيكون لك على ابنك حقوقا مهما فعلت أو لم تفعل؟))
ازداد احمرار وجه الحاج يعقوب ونفرت عروقه كأعمدة بركان تتدفق حممه سخطًا فأمسك مؤيد كتف والده يحثه بهدوء
((تمالك يا أبي نفسك واجلس قبل كل شيء..))
هتف مالك له مبررا
((نعم أنا اعترف بأنني ظلمت يزيد ولكن كما قلت لك كان لدي أسبابي وفعلت ما رأيت بأنه سيكون الأفضل له..))
صرخ الحاج يعقوب فيه باستنكار
((وما هي هذه الأسباب؟ أفحمني بها وبرر الجريمة التي ارتكبتها بحق ابنك قبل أن تكون بحق أحد أخر..))
برر له مالك وهو يرجوا تفهمه
((لقد خفتُ إن عرفتم الحقيقة وعرفتم بطلاقنا أن تنتزعاه من سمية رغما عنها، وهي كانت متعلقة به جدًّا ولم تكن لتتحمل أن تبتعد عنه.. وانا لم أكن لأقدر على تحمل المسؤولية وأقف بجانبها ضدكم إذا ما قمتم بانتزاعه مني مستغلين أني لا أستطيع أن أعيش إلا تحت ظلكما لعدم امتلاكي وظيفة تدر دخلا عليّ أو مكان أخر..))
قست عينا الحاج يعقوب ليقول بعنفه الغير طبيعي
((تقف بجانبها ضدنا؟ هل أنتَ مجنون؟ هل أخذت سمية كل عقلك إلى الحد الذي أنتَ فيه مستعد أنتَ تقف معها ضدنا؟))
اهتاجت ملامح الحاج أكثر فاستقام يتابع كلامه بصوته الناري وعينيه المحتدمة
((ابتعد يا مؤيد واتركني ألقنه درسا لا ينساه.. ابتعد يا مؤيد واخرج من هنا إذا كانت نيتك أن تحميه مني وتدافع عنه))
أبعد مؤيد يده التي كانت مرتاحة على كتف والده وقال ببراءة
((أبي أنا امسك كتفك فقط ولا أمنعك عنه.. لم أتي هنا لأدافع عنه بل لأشد على ازرك.. ابرحه ضربا يا أبي بل اقتله حلال عليه.. لكن دون أن تضغط على أعصابك أكثر))
أطبق مالك على أسنانه وهتف بأخيه بشراسة
((مؤيد ابتعد من هنا ستنحدر الأمور لمنعطف أسوء بسببك..))
صرخ مؤيد في مالك
((لسانك الطويل المتبجح وماضيك المخزي هو ما سيجرك أنت إلى منحدر أسوء.. كيف سنخبر الآن كل من في القرية عن زواجك وابنك الغير معلن به.. ها أخبرنا بالله عليك كيف؟))
غلت الدماء في عروق الحاج يعقوب عند هذه النقطة فهتف بصوتٍ مجهد والقلق من القادم يستبد على نحو مبهم به
((هذا موضوع ثاني لم ندخل له بعد.. ماذا سيقول وجهاء القرية وأقاربنا وكل من حولنا عندما يعرفون بأن ابني تزوج سرا وعنده ابن يتجاوز عمره السبع سنوات! سيظنون الظنون الرابيات عنه وكلٌ سيؤلف على مزاجه سبب زواج مالك من تلك البستانية وإخفاء هذا الزواج لسنوات طويلة!))
تنهد مؤيد وكتف ذراعيه وهو يقول مضخما من المصيبة
((معك حق يا أبي، مهما حاولت تخيل ماذا سيحدث عندما يعرف الجميع فوقع الأمر في الواقع سيكون أسوء وأسوء.. كيف سنُعلم خدمنا وعمالنا ومن يعرفون البستانية سمية وأبنها بأنه ابن مالك وحفيد يعقوب الكانز! يا إلهي الأمر أعقد وأسوأ مما قد نتخيله! هل قتل مالك حلال يا أبي؟ لأنه من وجهة نظري لا حل أمامنا إلا إلقاء مدلل امه من وادي سحيق وإخفاء حقيقة يزيد.. هذا أفضل وأسلم حل يا أبي))
تمتم مالك وعيناه تبرقان بالغضب
((مؤيد اخرس وابتعد من هنا قبل أن أبرحك ضربًا..))
هدر الحاج يعقوب بعلو صوته على مالك
((اخرس أنتَ أيها ال-ن-ذ-ل، أخاك معه حق..))
علا الدم في عروق مالك حتى كاد ينفجر من عينيه المحمرتين وهو يقول بقهر
((أبي للمرة الثانية فأنا اقسم لك بأني لم اقترب منها قبل عقد قراننا وتثبيته في المحكمة.. لذا توقفت أنتَ وابنك عن التلميح للأمر..))
نظرة سخرية لاذعة أطلّت من عيني الحاج يعقوب ليقول
((أقسمت لنا وصدقناك ولكن ماذا بشأن الناس؟ هل ستذهب لكل بيت في القرية بيتًا، بيتا تلقى على مسامعهم أغلط الأيمان بأنك لم تخطئ مع سمية؟ أيها اللعين الأهوج أهون ما قد يخطر على بالهم عند انتشار حقيقة هو أن يزيد نتاج خطيئة ابن الحاج يعقوب مع احدى العاملات عنده! سيقولون بأن المسكينة كانت تناضل طوال تلك السنوات وحيدة للحصول على اسم عائلة طفلها قبل أن تنجح في النهاية في إرضاخ ابن الحاج لمطلبها بعدما خشي أن تفضحهم وتنال من سمعتهم! والله ظنونهم وشكوكهم ستكون كالأنياب الشرسة التي تنهشنا بلا رحمة أو شفقة..))
حافظ مالك على رباطة جأشه وهو يقول مؤكدا
((أبي هناك أوراق رسمية وهوية وسجل عائلي ليزيد لا يستطيع أحد أن يتجرأ ولو بكلمة..))
انفجر الحاج يعقوب به صارخا باستهجان
((أيها الأحمق وهل سنوزع صور عن أوراق يزيد في كل شبر في القرية حتى لا يتشكك أحد..))
طفح الذنب على ملامح مالك.. وكاد تأنيب الضمير في هذه اللحظة أن يلتهمه بلا هوادة..
كل دقيقة تمر عليه يدرك عظم خطأه..
لماذا لم تتبادر كل هذه الأمور على ذهنه سابقا؟
لماذا لم يحسب حساب ظلمه ليزيد ولعائلته عندما وافق سمية على إخفاء هذه الحقيقة؟
تزايدت وتيرة أنفاس الحاج يعقوب وتعالت فقال مؤيد له بتأنيب
((أبي صحتك يا أبي صحتك، لا يجب أن تنفعل وتضر نفسك.. العصا قريبة منك استخدمها وأكسرها على رأسها.. أسهل من فك اللجام عن أعصابك في الحديث مع ثور عنيد مثله لا يرى أي خطأ في الجريمة التي اقترفها بحق اسم عائلتنا..))
تمتم يعقوب بصوتٍ ثقيل لا حياة فيه
((حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا مالك.. ظلمت ولدك منذ ولادته وستفضحنا في القرية كاملة بعد أن تنتشر حقيقة الصغير.. حسبي الله ونعم الوكيل))
احتقن وجه مالك بعذاب وهو يسمع احتساب والده عليه!
يشهد الله عليه بأنه لم يقصد إيذاء ابنه أو عائلته أو يتصرف بهذه الشكل الذي يشير لشاب أهوج أرعن.. لكن الظروف وصغر سنة وخبرته تكالبت عليه ليفعل ما فعله!
حاول أن يتمالك نفسه وهو يقول بصوتٍ متحشرج دون قدرة له على مواجهة أبيه
((أبي أنا اسف.. اعرف بأن الأسف لن يغير شيء ولكن لو عاد بي الزمن فلا أظن بأن تصرفي سيتغير، لأني متأكد بأنكم لو عرفتم آنذاك بأني تزوجتُ من سمية ستأخذون الطفل منها وانا لن أتحمل أن أراكم تحرمونها منه واقف مكتوف اليدين أمامها))
عقد مؤيد حاجبيه باحتقار تجاه أخيه!
حتى هذه اللحظة يصر على التمسك بسمية رغم كل ما آل له الحال!
كل هذا بسبب حبه السخيف لها..
حمد الله في سره بأن الله لم يبتليه في الماضي أو الآن بحبٍ كهذا لامرأة يقل من قدره وقيمته ويستجلب له غضب ونقمة والديه..
فالحب هو امر مبتذل لا فائدة منه..
فرفع رأسه نحو مالك يقول بصوتٍ واجم حازم
((بالتأكيد كنا سننزعه منه ونحرمها إياه، كنت أخذته وجعلت زوجتي ترضعه وتعامله كابن لها كباسم وفهد، على الأقل حتى تتزوج مرة أخرى وتجلب امرأة تكون أما له.. وهل كنا لنقبل أن تربى بستانية ابننا بعد أن تنفصل عنك؟))
أثارت كلمات مؤيد الأخيرة في الحاج يعقوب شيء من الاحتدام ليقول بإقرار
((لو أخبرتنا في نفس الوقت الذي تزوجت منها قبل سنوات والله لربما اقتنعت به ولم أكن لأسمح بحدوث الطلاق بينكما وكنت سأواري كل ما حدث قبل أن تنجب يزيد.. أما الآن والجميع يعرف بأن يزيد هو ابن زوج سمية الثاني الذي كان من خارج القرية فقد تعقد كل شيء))
ازداد انعقاد حاجبي مؤيد لما يسمعه من والده فقال بتساؤل مستغرب
((لكن.. لماذا انفصلت عنها من الأساس يا مالك إذا كانت لديك نية للرجوع لها؟ ربما لو لم تطلقها وأعلمت والدي بزواجكما وإنجاب يزيد لما كان أبعده عنها وما كنت ستخاف أن ننتزعه منها!))
زاغت عينا مالك وهو يجيبه
((سمية من أصرت على الطلاق والانفصال، كانت ترى أن ذلك من أجل مصلحتي وبأنها لا يمكن أن تسمح للطفل القادم بأن يربطني بها وينهي حياتي ومستقبلي.. لم أكن أريد الطلاق أبدًا لكن إصرارها الشديد جعلني أوافق على أمل العودة لاحقا بعد أن أتخرج واعمل وأكون نفسي وأكون رجلا يستحق المسؤولية بنظرها))
هتف مؤيد وهو يرمي أخاه بنظرات الاحتقار
((وأنت بكل هون ونذالة أطعتها؟ جعلت امرأة ناقصة عقل تحكمها العاطفة تتحكم بك؟ عار عليك يا مالك.. لا والأنكى بأنك لم تجد نفسك جاهزا لتحمل المسؤولية إلا بعد كل هذه السنوات! برأيي كان عليك أن تنتظر حتى يتزوج ابنك لتتزوجها.. كم سيكون أمر مؤثر أن يتزوج الأب والابن في نفس اليوم))
لم يعقب مالك بل ظل صامتا يطبق على أسنانه ودماؤه تندفع تعمي بصره تجاه مؤيد..
لكنه وجد نفسه مسيرا لا مخيرا يصرخ في النهاية به بكل الغضب المستعر داخله
((توقف عن السخرية يا مؤيد وأغرب من هنا))
كسا الجمود محيا الحاج يعقوب وهو يقترب من مالك قائلا بصوتٍ فاتر أجوف
((أنتَ من عليك أنتَ تغرب من هنا.. بل من القصر كله.. لا تحلم أن تعود لها وتتزوجها يا مالك.. لا تحلم بهذا.. انسَ أن هناك امرأة تدعى سمية كما عليها هي أن تنسى هي أن لها ابن اسمه يزيد..))
زمّ مالك شفتيه للحظات ثم رفع ذقنه هادرا
((أبي يمكننا التناقش في كل شيء إلا في موضوع سمية.. زواجي منها محسوم، حتى أنت لا حق لك بمنعي من إتمامه لأنه ليس موضوعا للنقاش، سيبقى موعد زواجنا كما هو، والدعوات جهزناها وبقي أن نوزع ونعلم أهل القرية فيه..))
بتر مالك كلمات عندما لاحظ إغماض والده لعينيه وشبه فقدانه لتوازن.. فسارع يسنده ويسأله بلهفة قلقه
((أبي هل أنتَ بخير؟ هل أجلب جهاز قياس الضغط؟))
فتح الحاج يعقوب عينيه ينظر إليه مطولًا وهو يستعيد توازنه
((لست بخير بعد كل ما عرفته، لا اصدق أنك أنتَ يا مالك الرزين العاقل الهادئ يخرج كل هذا منك.. لو كان تؤامك مازن لما استغربت.. والله لم استغربت فقد كان منذ صغره شقيا مشاكا قليل دين! لقد كنت دائما اضرب فيك المثل للجميع يا مالك يا من كنت أرى دائما أن عقلك أكبر وأنضج من سنك.. خيبت ظني بك.. خيبت كل ظنوني بك.. اذهب من أمامي.. اذهب وتزوجها لكن لن أحضر أنا أو أحد أفراد عائلتك هذا الزواج.. وابتعد من هنا ولا تريني وجهك لأخر العمر.. لكن لن أسامحك على ما فعلته بحفيدي وانسَ أن تأخذه من هنا.. سيبقى معنا فيكفي ما فاتنا من عمر لم نشاركه معه))
تحاشى مالك النظر في عيني أبيه بينما أنتشلهم من هذا الجو المتوتر صوت طرقات الباب التي أعلنت سمية فيها القدوم إلى هنا..
أغلقت سمية الباب خلفها تحت نظراتهم الصادمة قبل أن تحاول التحلي بالثبات والصلابة وهي تقول أمام الحاج يعقوب
((اعرف يا حاج بأن أخر وجه تريد رؤيته هو أنا لكن أرجوك أعطني فرصة لأتحدث قليلا))
بقي يعقوب واقفا مكانه يقول بملامح غير مقروءة
((تحدثي يا سمية وبرري.. فخطؤك لا يقل شيئا عن خطأ ابني بل وربما أكثر.. هو كان في العشرين من عمره وأنتِ في السابعة والعشرين عندما تزوجتِ به من وراء ظهر عائلته))
أخذت سمية نفسًا عميقًا ثم قالت بصوتٍ مهتز
((نعم معك كل الحق.. كنت الأكبر وكان يجدر بي أن أكون الأوعى، لكنني خذلت نفسي وخذلته في كل ما حدث..))
اهتزت شفتيها قليلا قبل أن تستطرد كلامها
((عندي بشرة حساسة تتأثر عند تدهور حالتي النفسية، وبعد طلاقي الأول كنت بحاجة لعلاج طويل الأجل في احدى المنتجعات القابعة في مدينة بعيدة عن هنا.. وآنذاك لم يكن عندي إلا أمي الضعيفة التي لم تكن تملك صحة أو طاقة كافية لتسافر معي.. كنت امرأة مكسورة وضعيفة ولم اعرف كيف أسافر وحيدة لمدينة أخرى وأبقى فيها لأشهر، فأقنعت مالك أن يعقد قرآنه عليّ دون أن يثبته في المحكمة حتى يتمكن من مرافقتي طوال فترة مكوثي هناك))
التفت مالك لها بملامحه الثائرة يقاطعها
((لم تقنعيني بل أنا من أقنعت والدتك أن تحثك على الزواج مني بذريعة مرافقتك للينابيع الحارة وأن تؤكد عليك بأنه سيكون زواجا صوريا حتى لا تعترضي.. وسوء حالتك النفسية آنذاك وافتقارك للتوازن هما ما جعلاكِ توافقين أنتِ دون جهد!))
ثم ناظر مالك والده وملامحه الناقمة عليه مستطرد
((وبعدها يا أبي..))
قاطعه مؤيد هادرا باشمئزاز
((بدون أن تكمل يا مالك، حسنا فهمنا.. فهمنا.. الزواج الصوري لا ينفع معك.. لا داعي لتشرح لنا التفاصيل الباقية))
بدون تفكير اندفع مالك نحو أخيه يمسك تلابيب قميصه ويجره للخارج صارخا
((غادر أيها الحقير من هنا.. لا أريد منك أن تسمع شيء مما ستقوله))
كاد مالك الذي يفوق مؤيد طولا أن ينجح في إخراج أخيه رغم احتجاج الأخر ومقاومته العنيفة لكن صوت والده جاء صارما وهو يأمرهما
((توقفا أنتما الاثنين عن هذه التصرفات الطفولية!))
ثم ناظر سمية بصرامة ملامحه يحثها على الإكمال لتسترسل كلامها
((بعد ما عرفت بأني حامل في يزيد، أدركت فداحة الخطأ وبأني لن نستطيع إخفاء هذا الزواج، فأخبرت مالك بحملي وضغطت عليه حتى يطلقني.. فقد أشفقت عليّه.. ليس من السهل على شاب في العشرين من عمره أن يتحمل مسؤولية زوجة وابنا بشكل مفاجئ.. هو لم يكن موافقا على الطلاق أو إخفاء قصة يزيد لكنني ألحت في توسلي له وابتزازه عاطفيا حتى يرضخ لطلبي ولا يعلمكم بشيء.. خاصة بأمر يزيد.. حتى لا تأخذاه مني.. أقنعته بأن أربيه حتى يكبر قليلا ووقتها فحتى لو أُخذ مني سيعود في النهاية لي..))
خفت صوت سمية تدريجيا وهي تضع عينيها في عيني الحاج..
لقد أنهت كل ما لديها وتأمل الآن فقط أن تحصل على تفهمه.. عطفه.. أو حتى إشفاقه!
لكن ملامحه ظلت كما هي وهو يردد عليها بصوتٍ واجم
((سمعت تبريرك للنهاية.. لكن لم اقتنع به.. غادري أنتِ ومالك من هنا.. لا زال يريد الزواج منك، تزوجيه وعيشي معه لكن بعيدا عنا.. يزيد سيبقى هنا في قصر جده ولن يبرح المكان))
هتفت له بذعر ورجاء
((أنا لن أقدر على الاستغناء عن ابني يا حاج أرجوك.. اعترف بكل أخطائي ومستعدة لأتحمل مسؤولياتها لأخر لحظة وفعل ما تريده، لكن إلا ابني.. إلا يزيد))
هتف الحاج يعقوب بانفلات أعصاب غير مسبوق له معها
((حرضت ابني على إخفاء حقيقة يزيد خوفا من أن ينتزعه أحد منا.. الآن بنفسي سأخذه وأحرمك منه لنهاية العمر وأحقق أكبر مخاوفك عقابا لك على ما فعلتيه، سأبكيك دما على إخفائك مثل هذه الحقيقة))
اقترب مالك نحو والده بحذر هادرا
((أبي أنا أقدر غضبك لكن إذا أردت أن تنتقم من أحد أو تعاقبه فأنا هنا.. حتى لو كانت سمية خاطئة بنظرك فأنا من سأتحمل مسؤولية خطأها بما أني كنت آنذاك زوجا لها، لكن لن اسمح لك أن تبعد يزيد عنها..))
صمتت سمية للحظات وقد هدأ ارتجافها ثم قالت بصوتٍ ضعيف
((يمكنك فعل ما تريده يا حاج وانا سأخضع لما تأمره، لقد أدركت الآن فداحة خطأي وما فعلته بابني لذا سأقبل حكمك وأتحمل المسؤولية..))
تغضن جبين مالك وكذا أخيه وأبيه باستغراب من كلامها..
لكنها لم تظهر أي ندم على ما قالته..
شعر الحاج يعقوب بشيء من لظى نيرانه تُخمد.. فتمتم بخفوت بارد إنما قاتم
((غادري الآن هذا المكان ولا أريد رؤية وجهك ولا وجه متيمك))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-08-21, 06:34 PM   #3675

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

خرجت سمية من قصر الحاج يعقوب متجهة نحو بيتها الصغير وهي تشعر بالترنح والتيه والتشوش.. لا تصدق ما آلت الأمور عليه..
سارع مالك الذي كان يسير خلفها باستعجال خطواته ليجاريها ومشى بالقرب منها ليقول ببؤس
((لقد كان يفترض أن نتزوج بعد أيام، حتى أن والدي طلب مني أن أعجل بإعداد بطاقات الدعوة.. كيف حدث واكتشفوا الحقيقة بهذه السرعة! أيام.. فقط لو عرفوا بهذه الحقيقة بعد أيام! كان سيختلف كل شيء.. تبا.. تبا.. تبا لكل شيء))
تنهدت سمية تلفظ الألم ثم تطلعت له تقول بغيظ
((توقـــــــف.. ألا تهتم بشيء إلا رغباتك! لقد عرفا والديك بكل ما حدث وهما الآن ساخطين علينا! لقد قرروا أن يفرقوا ابني عني وأنت لا تفكر بشيء غير هذا الزواج اللعين))
تطلع لها قائلا دون أن يرف له جفن
((فترة مؤقتة وسيهدئان.. لا تشعريني بأن قد قمنا بشيء خاطئ أو محرم! لقد تزوجنا وبمباركة والدتك! ليس هناك ما نخجل منه))
انفرجت به صارخة بغضب مشتعل
((بل أخطأنا وكل الخطأ علينا.. وأنت لم يكن عليك أن تكون ضحية أمي.. لم يكن عليك قبول ما طلبته منك.. لم يكن عليك إخفاء زواجك عن والديك أو حتى مسألة يزيد حتى لو أصريت عليك))
قاطعها مالك بامتعاض وملامح متجهمة
((توقفي عن لوم نفسك وأمك رحمها الله وكأني كنت آنذاك مراهقا قاصرا تم استغلاله من قبلكما! في الأساس زواجنا كله كان فكرتي.. ألم تسمعي ما قلته قبل قليل أمام أبي؟))
لفها الارتباك وهي تسأله
((ما الذي تقوله؟ أمي قالت..))
قاطعها يصحح لها ظنونها بحنق
((أنا من كنت بعد طلاقك من كامل أزور والدتك بين الحين والأخر وأطمأن عليك، هي لم تكن تخبرني أي شيء في البداية لكن في احدى المرات انهارت مستسلمة أمامي وباحت لي بكل ما تمرين به.. فاقترحت عليها الزواج منك ولكنها رفضت لأنها عرفت بأني والديّ لن يوافقا وهي لن تستطيع أن تزوجني ابنتها رغم عنهما لما لهما من أفضل عليكم، وهنا كان دوري أشد في إقناعها أن يكون زواجنا في البداية سريا حتى ننجب..))
تجلى الذهول أكثر على ملامحها ليكمل مالك بثبات
((وبالطبع كنت أعرف بأنك لن توافقي على أمر كهذا.. فشددت على أمك أن تخدعك وتخبرك بأنه لن يكون أكثر من زواج صوري من أجل أن يتاح لي مرافقتك للشلالات دون مانع..))
كان مالك أثناء حديثه ينظر لها متمعنا في ذلك الحزن الطاغي الذي يسكنها وقد تكلل بالبؤس والضعف..
وعندما انتهى أشاحت سمية بنظرها جانبا بنبرة متحرجة ضعيفة
((لنغير هذا الموضوع.. لا أدري كيف سأقدر على النوم الليلة بدونه))
تنهد بإجهاد قبل أن يقول
((أنتِ من رضخت لأمر أبي بتركه عندهم ولو تركتي الأمر لي لما قبلت أن نخرج دون يزيد.. لكن على كلٍ لا تقلقي.. هي ليلة واحدة أو ليلتين.. وسيعود يزيد لك.. والدي لا زال غاضبا وبحاجة للقليل من الوقت قبل أن يهدأ ويعود لحكمته المتأصلة به.. ليس عديم الرحمة ليحرم أم من ابنها، ثم نحن والديّه ولن يستطيع أحد مهما كان يتمتع من سلطة أو قرابة أن ينتزعه منا..))
نكست سمية رأسها وعم الصمت البائس بينهما لدقائق وهما على حالهما.. قبل أن تقطعه أخيرا بصوتٍ مرتجف بالتعب الواضح
((اشعر بأني منهكة، أكثر من أي وقت مضى))
فجأة بدأت الدموع تتساقط على وجنتها بطريقة رقيقة للغاية تناسب نعومتها.. ثم تهمس كمن تكلم نفسها
((أنا حقا لا اعرف كيف سأعيش لو نزع أحد يزيد مني! هو أخر ما تبقى لي في هذه الحياة!))
غلت دماء مالك عند هذه النقطة فقال هاتفا لها بجدية يعنيها
((سمية دعينا الآن نتزوج.. أرجوكِ))
ردت عليه ببؤس كأنه هو الآخر مصدر تعب لها
((أجننت؟ هل هذا وقت الزواج؟))
لم تَقِل جديته وهو يلح عليها برجاء
((عائلتي لا تريد زواجنا أن يتم وانا ما عدت أتحمل.. أريد أن أتزوجك))
رشقته بنظرات صارمة وهي تقول له من بين أسنانها
((توقف يا مالك هذا ليس وقته))
هتف بها بإصرار ونفاد صبر
((بل وقته.. لا أتحمل وقوفي هنا أمامك دون أن املك حق في مواساتك أو احتوائك.. ودون أنا امتلك حقا بلمس يدك أو مسح دمعة من عينيك.. دعينا نعود لبعضنا ونعقد قران في هذه اللحظة))
هزت رأسها نافية وهي تقول بتحذير
((لا مالك.. ليس وقته.. عائلتك ساخطة إلى حد كبير علينا وإذا ما عرفوا بأننا عقدنا القران.. مجددا.. فسيكرهوننا للأبد))
طل الإصرار متوهجا من خضرة عينيه وهو يقول بينا تتقبض يديه
((بل سنذهب الآن لنعقد قراننا ونتزوج..))
زجرته بعصبية رادعة
((لا مالك لن نفعل))
رفع أصابعه يغرسها في خصلات شعره يكاد أن يقتلعها بعصبية لتتابع سمية كلامها
((لقد أذيت والديّك الاثنين بسبب زواجي السابق منك وبسبب إخفاء حقيقة يزيد عنهم.. ولن نؤذيهم أكثر من ذلك.. علينا أن نتوقف عن اللقاء بل حتى عن الحديث قبل أن تحل أنتَ أمورك معهما))
أفضت سمية ما في جعبتها ثم استدارت على عقبيها تغادر المكان..
وصلت إلى منزلها وولجت إلى الداخل.. كتفاها متهدلان بيأس وعيناها خاملتان باستسلام مرير.. الألم ينهش عظامها..
شعرت بالأرض تميد بها والسماء تهتز رثاءً وألماً عليها..
ألقت بجسدها على الفراش وتنفجر في البكار غير مصدقة ما ألت إليه الأمور..
أما هو فضل واقفا مكانه ثم أرخى ذراعيه الى جانبيه وحلمه في الزواج من المرأة التي يريدها أن تصبح أمرأته للأبد قد انهار أمام عينيه..
رفع رأسه للسماء يتأملها للحظات طويلة وكأنه يبحث فيها عن ضالة مجهولة ينشدها..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-08-21, 06:35 PM   #3676

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في شقة مصعب..
دلف مصعب للمطبخ بخفة وهدوء واقترب من نورين التي كانت تقف أمام الموقد وهي تطهو الطعام واحتضنها من الخلف يحيط كتفيها بذراعيه..
جفلت نورين على أنفاسه الحارة التي لفحت رقبتها من الخلف وهو يهمس برقة بجانب أذنها
((ماذا تُعدين اليوم لنا؟))
ضحكت له بنعومة ودلال تجيبه
((وجبتك المفضلة))
غمر مصعب وجهه في عنقها بتطلب رهيب يستنشق عبيرها ويتنفس الشوق.. فاعترضت بدلال منبهة
((مصعب ليس الآن.. لا أستطيع ترك الطعام على النار..))
نفض وجهه عنه وقال وهو يحاول التيقظ
((معك حق.. سأساعدك))
لوحت له باعتراض هاتفة عندما ابتعد عنها ليرتدي مئزر المطبخ
((لا داعي فقد قاربت على الانتهاء.. سأقطع السلطة سريعا واضع طعام الغداء))
هدر لها وهو يفتح الثلاجة ويتناول مكونات السلطة
((لا بأس سأفعلها أنا))
خضعت لما يريده وهي تبتسم له لتقول

((رغم أني أحبك عائلتك الطيبين لكني أكثر سعادة منذ أن انتقلنا هنا))
تمتم لها بجدية
((الأمر لا يتعلق بكون أهلي طيبون أو لا، لكني أرى أن انتقالنا هنا أفضل لأنه من حقي أنا وأنتِ الانفراد بحياتنا الخاصة، فبقاؤنا في قصر العائلة سيعيق من حميمية علاقتنا وقيامها بالمعنى الصحيح.. فسنواتي الأولى معك هي أثمن سنوات عمرنا، إن لم نعشها بالطريقة الصحيح متى سنعيشها؟))
فجأة تحولت نبرته للمشاكسة وهو يقول
((أريد أن استمتع برؤيتك طوال فترة تواجدي هنا بلبس جديد كل يوم.. لبس مثير خاطف للأنفاس.. أريدك أن تضلي تبهريني بأفكارك وحماسك من عشاء خاص وأجواء حميمة تمهرين في ابتكارها قبل أن ننجب أطفال ويخفت حماسك))
توردت ملامحها لما تسمعه منه بينما تقول معترضة بدلال
((حتى لو أنجبت عشرة أبناء فلن أتوقف أبدًا عن ذلك))
وقف مصعب بجانبها يبدأ بتقطيع الخضراوات وهمهم لها بمشاغبة قبل أن يقول
((اشك بذلك.. ستتغير اهتماماتنا وانا قبلك، وحتى ذلك دعينا نسعد بهذه الأوقات التي لن تعوض))
استمرا يتجاذبا الحديث وبين اللحظة والأخرى يشاكسها مصعب بقبلة سريعة ويداعبها بهمسة غير آبها لاعتراضاتها المنهارة من بين ضحكاتها..
بمجرد أن أغلقت نار الموقد وجلبت طبقا كبيرا للسلطة التي أعدها.. فشعرت به يجتذبها له يضع جبينه فوق جبينها يلثمها برقة وتمهل..
شعرت بعاطفته تجتاح أعماقها وتشل حركتها.. فأغمضت عينيها واستسلمت بينما شعرت بقلبه يدوي كطبول عنيفة وقوية..
ابتعد عنها وهو يلهث من هول اشتياقه الذي تفجر كبركان فيقول بنبرة خافتة أنفاسه تتسارع مع دقات قلبه
((تبدين في هذه اللحظة شهية من أي لحظة مضت))
بشق الأنفس رفعت يدها تحاول أبعاده عنها بقوة وهي تهتف من بين أنفاسها المسروقة
((الجرس.. الجرس يا مصعب.. يرن منذ وقت..))
ابتعد عنها بمضض بأنفاس لاهثة بعنف وسمعته يشتم بخفوت غاضبا..
حاولت أن تعتدل جالسة وقالت له بصوتٍ جاف لاهق
((هيا بسرعة اجب على الطارق.. أنه يرن الجرس بإلحاح منذ دقائق..))
غمر مصعب أصابعه بشعره يحاول تمشيطه وهو يتجه نحو الباب هاتفا بصوتٍ حانق
((قادم.. قادم.. ستحرق الجرس.. توقف))
فتح مصعب الباب وتبدلت ملامحه للتجهم وهو يطالع الطارق قبل أن يخفض نظره للطفل الصغير الذي يمسكه..
تنحنح مؤيد قبل أن يتحدث بصوتٍ واجم
((هل ستجعلني انتظر كثيرًا في الخارج يا مصعب؟))
رفع مصعب وجهه له وملامح تزداد تجهما قبل أن يقول وهو يبتعد جانيا يسمح له بالدخول
((فقط لان معك طفل صغير لن أطردك..))
دلف مؤيد للداخل وترك يد الصغير ليستريح عند أقرب أريكة في الصالة هادرا
((إذن بدون أي مقدمات أنا اعتذر منك عن أفعالي وأقوالي التي بدرت مني في ذلك اليوم تجاه زوجتك..))
اغلق مصعي باب شقته ورفع إحدى حاجبيه ساخرا بقتامة
((تقصد منذ زواجي منها؟))
أشاح مؤيد بعينيه وغمغم بضيق
((أيا كان.. المهم أنا اعتذر لك عن كل ذلك.. ونادي زوجتك لاعتذر منها.. وسأكرر اعتذاري مرة أخرى أمام جميع أفراد عائلتنا بعدما تعود))
استغرق الأمر مع مصعب عدة دقائق يطالع أخيه بلا تعبير قبل أن يهتف عاليا
((نورين.. ضعي شيئا على رأسك وتعالي..))
بعد دقائق أخرى جاءت نورين للداخل بتوتر.. ثم وقفت خلف مصعب هامسة
((ما الذي يريده أخاك مني؟))
التفت مصعب لها وامسك بكفيه كتفيها يوقفها أمامه ثم تطلع لمؤيد يحدجها بنظراته ليقوم بإبداء اعتذاره..
ازدرد مؤيد لعابه المسنن ثم قال لنورين دون أن يضع عينه بعينيها
((أنا اعتذر منك يا زوجة أخي عن كل ما سبق وبدر مني وأرجو أن أنال مسامحتك..))
ابتلعت نورين ريقها ولم تعرف ماذا ترد فناظرت مصعب بتيه ليسألها وهو يرفع حاجبيه
((ما بكِ؟ هل تقبلين اعتذاره عن قلة دينه وأخلاقه واحترامه معك أو لا؟))
تمتمت بحرج وحمرة تكسو وجهها ((حسنا.. لا بأس..))
طالع مصعب أخيه يقول بصوتٍ فاتر أجوف
((جيد.. إذا انتهيت من اعتذارك الباهت هذا يمكنك المغادرة.. لقد سامحناك))
ضرب مؤيد بامتعاض يد الكرسي بجانبه وهتف بصوتٍ يشوبه الغضب
((مصعب بربك لقد جئت إلى عقر دارك لأعتذر عما اقترفته بحقك، ماذا تريد مني أن افعل أكثر؟ هل ا-ح-ر-ق نفسي لترضى؟))
فغر مصعب شفتيه بعجب ثم قال مستنكرا
((انظر له كيف يحملنا جميلة اعتذاره!))
أخذ مؤيد نفسا عميقا يحاول استعادة رباطة جأشه ثم قال بهدوء
((حاشا أن أمس من قريب أو بعيد شرف وعرض أخي وألا أغض بصري عنها.. كل ما كنت اقصده في كلامي الذي وجهته في ذلك اليوم لها كابنة لعشيرة الهنادل وكقريبة لقاتل ابن عمي لا كزوجتك.. وكل حرف خرج مني باستهتار كان دون أن أعي به أو اقصده حرفيا))
كتف مصعب ذراعيه وهو يقول متهكما
((لقد اكتفيت بإبراحك ضربا في ذلك لأني كنت اعرف ذلك، فهل تظن بأني كنتُ لابقي فيك عظمة سليمة لو شككت ولو ذرة شك أو شعور بأن لك نية سيئة أو نظرة مريضة تجاه زوجتي؟))
أومأ مؤيد برأسه راضخا وهو يقول بينما يشبك أصابع كفيه
((ليكن بعلمك كان بإمكاني في ذاك اليوم أن أرد لك كل ضرباتك فأنتَ لا تفوقني طولا أو قوة، ولكني لم افعل لأني شعرت بأني استحق كل شيء قد أتلقاه منك.. وعهد عليّ أقوله الآن ألا يتكرر أي شيء كهذا مستقبلا.. لذا يكفي كلاما عن هذا الموضوع، واحزم أغراضك لتعد للقصر.. أنا لن أتحمل أكثر أي نظرة تأنيب من نظرات عائلتنا كلما اجتمعتُ معهم في مكان واحد دون وجودك أنتَ..))
شعرت نورين بلا حاجة لبقائها هنا فارتأت أن تعود إلى المطبخ وتترك الأخين معا..
أما مصعب اقترب بهدوء منه وجلس مقابله يقول وهو يضع ساقا فوق الأخرى
((لا لن أعود.. سأبقى هنا في شقتي هذه.. أنا لم أخرج من القصر بسببك.. في كل الأحوال كنت أفكر في الانتقال إلى هذه الشقة التي لا زلت حتى الآن أدفع أقساطها الشهرية مع زوجتي وأولادنا في المستقبل، وما حدث بيننا سرّع من خطواتي هذه وجنبني الخوض في كثير من النقاشات العقيمة مع والديّ عند رفضهم))
اتسعت عينا مؤيد يقول بتجهم واعتراض
((أي استقلال هذا يا مصعب؟ أنتَ تعرف أن الشخص فينا يسكن مع إخوته ووالديه نفس المنزل، هذه العادة متصلة فينا من الآباء والأجداد..))
قال مصعب باستخفاف ساخرا
((على رسلك يا مؤيد.. لا تبالغ بكلامك.. تتحدث وكأنه شيء مسلم به))
ضيق مؤيد عينيه متسائلا من بين أسنانه
((هل هذه أفكار زوجتك؟))
حدجه مصعب بنظرات محذرة وهو يسأله بنبرة خطيرة
((هل عدنا للسابق يا مؤيد؟))
أشاح مؤيد بنظره جانبا مغتاظا فتابع مصعب بحزم
((أنتَ تعرف بأني شخص أحب الخصوصية.. وأفضل أن أعيش في كوخ صغير مستقل على أن أعيش في قصر مشترك.. بقصرنا لا أشعر بأني أتمتع بأية مساحة خاصة، بل لا أستطيع دعوة من أشاء من زملائي دون القلق أو الأخذ بعين الاعتبار زوجات إخوتي أو العاملات عنا.. رغم أني متزوج عما يزيد عن سنة من زوجتي لكن اشعر بأنه لم يختلف شيء بحياتي عندما كنت عازبا إلا بعد انتقالي إلى هنا))
عاد مؤيد يطالع أخيه بنفس الغيظ قبل أن تتسع عيناه وهو يدور بنظره على المئزر الذي كان لا زال مصعب يرتديه
((لحظة! ما هذا الذي ترتديه يا مصعب! هل أنتَ من تقوم بالطهي؟))
تطلع مصعب لمئزره ثم أجاب ببساطة
((لا كنت في أساعد زوجتي فقط في المطبخ.. فكما تعلم الحياة الزوجية تكمن حلاوتها في المشاركة في كل تفاصيلها وأمورها..))
اتخذت ملامح مؤيد أمارات الاشمئزاز من مجرد النظر له فسأله مصعب عاقد الحاجبين وهو يلكز بقدمه ساقه
((لماذا تطالعني بهذا الشكل؟ هل فعلت شيئا يستدعي أن تزدريني))
صرّ مؤيد على أسنانه يعتصر قبضتيه بعنف.. يحاول لجم رغبته الملحة بكسر رأس أخيه.. ثم هاج عليه هاتفا بإقرار
((نعم فالمطبخ أمر يخص المرأة وهي المسؤولة عن البيت، وقبل أن تفتح فاك وتتفوه بالكلام الفارغ فتبادل المشاعر والتقدير يمكن أن يكون في أمور أخرى وليس بدخول المطبخ..))
نظر له مصعب باستخفاف
((فقط اصمت..))
اتقدت ملامح مؤيد باحتدام ليقول بحمية
((بل سأغضب عندما أراك ترضى على نفسك هذا! انظر لي عندما أعود من المدينة إلى بيتنا كيف أرفض رفضا قاطعا دخول المطبخ حتى لتناول كأس ماء حيث أطلبه من زوجتي أن تحضره لي، عمل المطبخ مرتبط بالمرأة وهو ما يناسبها وليس مناسبا للرجل.. وما تفعله إهانة بحق نفسك.. أنت تتعب في العمل لتوفير متطلبات زوجتك ويفترض أن البيت مكان لتستريح فيه فقط))
ظل مصعب محافظا على ملامح الاستخفاف المرتسمة على وجهه!
من الجيد حقا بأنه استقل في شقته حيث بإمكانه فيها فعل الكثير من الأمور التي يريدها دون أن يشعر بأنه مراقب وموضع حكم من أفراد عائلته ممن ينظر الى ما يفعله شيء ينتقص من رجولته وهيبته!
فماذا لو عرف مؤيد بأنه في معظم الليالي يشارك نورين في الطهو بعد منتصف الليل احدى الوجبات الخفيفة!
اكتفى أن يدمدم له بحنق
((لا تقلق يا مؤيد فالزوج الذي يساعد زوجته كرامته محفوظة ومصانة.. لكن دعنا لا نجعل الأمر مادة للنقاش.. وأخبرني ماذا تريد أن اعد لك لتشرب؟))
لكن قبل أن يهم مصعب بالقيام من مكانه عقد حاجبيه ووجه أنظاره باستغراب للطفل الصغير الذي جاء به مؤيد إلى هنا..
وكأنه تذكر توا بأن هذا الصغير الصامت الذي لا يزال يقف عند الزاوية بالقرب من الباب بلا حركة أو نفس هنا!
ضيق مصعب عينيه متمعنا النظر به ومتسائلا بشك
((من هذا الصغير؟ وجهه مألوف عليّ؟))
غمغم له مؤيد ببراءة
((إنه ابن أخيك وسبب زيارتي لك الآن))
اتسعت عينا مصعب وهو يلتفت إلى أخيه فورا قائلا بغير تصديق
((ابنك أنتَ؟ ابن من غير زوجتك أم فهد!))
رماه مؤيد بابتسامة مستفزة وقال مغتاظا
((ابن أخيك الأخر ليس ابني أنا يا خفيف الظل!))
رمش مصعب بعينيه وهو يشتت نظره بلا تصديق
((وهل عندي أخ غيركم أنتم؟ هل تقصد أن والدي متزوج.. لا.. لا يمكن أن اصدق))
كادت أن تخرج عينا مصعب من محجرهما في نهاية حديث بذهول مما جعل مؤيد يزعق به بنفاذ صبر
((أيها الأحمق إنه ابن أخيك.. أخيك مالك..))
تدلى فك مصعب حتى كاد أن يصطدم بالأرض..
نظر للصغير هناك ثم عاد لمؤيد يسأله بنفس الذهول
((مالك؟ ومنذ متى تزوج؟))
لم ينتبه أحد منهم على قدوم نورين للصالة إلا عندما هتفت باستهجان وهي تقترب من الطفل
((إنه ابن سمية.. يزيد ابن سمية.. أوه لا..))
التفتت خلفها لمؤيد تسأله بغير تصديق
((هل تقصد بأن يزيد ابن سمية ومالك!))
انتفض مصعب من مكانه يقول وهو يقترب من الطفل الصغير بدهشة
((صحيح تذكرت أين رأيته.. هذا يزيد.. يزيد ابن سمية.. ما هذا الجنون الذي تتحدث عنه يا مؤيد!))
كتف مؤيد ذراعيه وقال ببساطة بينما يستقيم واقفا
((لقد اتضح بأن يزيد هو ابن مالك.. أي أن مالك هو زوج سمية الثاني الذي لم نعرف عنه شيء))
كان مصعب لا يزال يقترب من الطفل بذهول حتى انخفض إلى مستواه.. ثم هدر لأخيه ونظره مصوب بتدقيق على الصغير
((هل تقصد أن مالك كان متزوج خفية عنا طوال تلك السنوات؟))
أجابه مؤيد وهو يقترب من يزيد
((لا بل تزوجها لمدة لا تزيد عن سنة وأنجبا يزيد ثم تطلقا))
تطلع مصعب بتيه له واستنكار يسأله
((ولكن لماذا؟ وكيف؟))
هز مؤيد كتفيه وهو يجيبه ببرود
((لست متفرغا الآن لأتحدث بهذه التفاصيل، المهم أن والدينا قررا أن ينتزعا يزيد منهما ويعيش منا ويتبرأ أبي من مالك ال-خ-س-ي-س، لكنه يزيد ظل يبكي يريد والدته فطلبت أمي على مضض أن اذهب معه وأتجول فيه بالسيارة لأرفه عنه وينسى امه قليلا.. ولو على أمي فهي لم تكن تريد الابتعاد عنه والتوقف عن البكاء على صدره..))
عاد مصعب يتطلع للصغير ورفع يديه يمسك كتفيه..
لاحظ ارتعاش الصغير وخوفه لكنه نظر في عينيه وهو يسأله
((يزيد.. هل أنتَ ابن مالك.. مستحيل! أنتَ ابن أخي.. ابن أخي أنا!))
ارتجفت شفتا يزيد وتطلع بنظره أرضا..
شعر وكأنه مخلوق غريب.. بل وكأنه خطيئة وهو يرى نظرات الثلاثة مصوبة له بهذا الاستهجان..
لم يستطع أن يتمالك نفسه وبدء بذرف دموع صامتة وجسده يرتجف..
تنهد مؤيد قبل أن يقول متذمرا وهو يرفع يده ويدلك جبينه
((ها قد عدنا لوصلة بكائك.. ما الحاجة للبكاء الآن يا يزيد!))
انكمش يزيد على نفسه أكثر وزدا نحيبه وارتجافه الذي سكب الرعب في صدره..
فجثا مصعب على ركبته إلى جواره وبحركة مباغتة اجتذبه له يضمه إلى صدره..
لم يفكر كيف حدث وتزوج أخيه من سمية وما السبب!
كل ما مر بذهنه أن هذا الطفل الصغير هو ابن أخيه.. ابن مالك..
يحمل نفس دم عائلته واسمها!
ظل مصعب يشدد من احتضانه هادرا
((لا أكاد اصدق بأنك ابن أخي.. هل يعقل بأنك كنت أمام أنظارنا لسبع سنوات دون أن نعرف بأنك من دمنا!))
سمع صوت تأوهات متألمة بينما يهدر بصوتٍ مخنوق طفولي
((أنتَ تخنقني يا عمي))
تيقظ مصعب على حاله وحرره ليعود وينظر في وجهه..
أخذ يزيد يلتقط أنفاسه ودموعه تتقاطر على الأرضية الرخامية..
فحمله مصعب نحو المطبخ يغسل وجهه بالماء بلطفٍ وهو يغمغم
((لا تبكي يا صغيري.. لا تبكي، أنتَ بطل))
عقب أن جفف وجهه بالمنشفة عاد به للصالة وجلس على الأريكة وأجلسه فوق حجره.. تمتم يزيد له ((عمي..))
لثم مصعب جبينه مغمغما
((نعم.. نعم أنا عمك يا يزيد.. عمك مصعب))
قال يزيد بصوتٍ متحشرج حزين
((أريد أمي..))
رفع مصعب يده يربت على ظهره بعاطفة ونظر لمؤيد متسائلا
((أين هي امه؟))
قال له مؤيد بنزق وحنق
((قلت لك بأن والدك قرر أن ينتزع يزيد منها ويطردها وقام بسحب كل دعمه من مالك في الزواج منها، يزيد ابننا نحن ويكفي العمر الذي عاش فيه بعيدا عنا.. لو كانت امه ذكية كفاية فعليها أن تتزوج سريعا وتنجب غيره لان يزيد من المستحيل أن يعود لها))
اتسعت عينا يزيد وناظر مؤيد متسائلا بجزع طفولي
((من ستتزوج أمي؟ أنا أريد العودة لها))
كان يهم يزيد بالبكاء مجددا عندما ضمه مصعب قبل أن يصرخ بأخيه رادعا بلوم
((اسكت يا مؤيد ليس هذا وقت هذه التفاصيل، أنا لا أزال اصدق بان هذا الصغير هو ابن أخي.. يشبه كثيرا مالك عندما كان صغيرا.. ويشبه مازن أيضًا فقد كانا تؤامان متطابقان في صغرهما..))
استنجد الصغير عمه مصعب بكلمات راجية
((عمي.. أريد أمي أو حتى أبي..))
قال مؤيد وهو يستقيم واقفا ويتجه ناحيته
((انسَ ذلك.. لن ترى أحدهما على الأقل ليس الآن، هيا الآن لنعد للبيت))
انتزع مؤيد يزيد من مصعب بالقوة وهو يهدر به
((اذهب يا مصعب وأنجب مع زوجتك طفلا أخر تلعب معه دور الأبوة وأعطني يزيد سنغادر الآن))
ركل مصعب مؤيد بقدمه على قلة احترامه بينما ابدى يزيد الرفض وهو يقول متذمرا
((لا أريد العودة معك))
قال مصعب لأخيه معترضا هو الأخر
((دعه هنا يا مؤيد لينام عندنا.. سأجهز له غرفة))
هدر به مؤيد بحزم وهو يمسك يده بإحكام
((لا بل سيعود معي.. أمي كانت تبكي وهي تسلمه لي وأوصتني ألا أتأخر في العودة.. هيا يا يزيد.. إلى اللقاء جميعا))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-08-21, 06:37 PM   #3677

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

شركة القاني..
كانت شيرين تستلذ سماع صراخ وليد الثأر المحترق وهو يصرخ بها على الهاتف
((هل تحدثت بشيء عن علاقتنا أمام عمي يعقوب يا شيرين؟ لماذا اتصل عمي الآن بي ويطلبني أن أتي له؟))

((نعم فعلت يا وليد.. ولست نادمة.. فأنا سأحصل على الطلاق منك قريبا.. أخبرت أيضًا أخوالي بكل ما لاقيته منك مع إغفال بعض التفاصيل التي قد تؤذيني لو انتشرت، المهم أن أخوالي قد تحدثوا مع بعض وجهات القرية حتى يوقفوك عن حدك وتطلقني.. لن أعود اليوم إلى منزلنا الزوجي يا زوجي العزيز.. بل اقصد يا مطلقي الغالي.. سأعود لبيت سهر.. أوه قبل أن أنسى فإياك أن تفكر أن تأتي عندي للشركة فقد أعطيت تعليمات للأمن ألا يدخل غير الموظفين هذا المبنى.. واسمك أيضًا أعطيته له))
أغلقت شيرين الهاتف عليه منتشيه بالانتصار..
في الأيام السابقة استطاعت بخفة ودهاء أن تنقل أغراضها المهمة من شقة وليد وتأخذها معها هنا للشركة وعند موعد المغادرة تضعها في منزل سهر..
والآن وبعد أن انتهت من أخذ كل الضروريات التي تخصها من منزل وليد وبعد أن ضمنت سند أخوالها ووجهاء القرية والحاج يعقوب في قرارها ها قد حان وقت الطلاق..
سيجبرونه الوجهاء على طلاقها ولن يستطيع رفض طلبهم والا سينبذ من القرية كافة!
بالطبع تمت الموافقة على الطلب الذي رفعته لنقلها لفرع شركة القاني الموجود في العاصمة لذا عليها أن تمكث هذه الأيام في منزل سهر ثم تستأجر بيت صغير لها هناك..
ولا داعي لأي قلق مادي بعد أن أُسقطت قضية حادث الطفل المرفوعة ضدها في المحكمة فقد أضحى راتبها كله لها..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-08-21, 06:37 PM   #3678

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

تنهدت شيرين بارتياح تام واعتدلت واقفة من مكانها.. اشترت لها كوب قهوة وبدأت تسير في أروق القسم الخاص بها..
وبما أن فترة راحتها لم ينتهي بعد اتصلت بسهر والتي ما إن فتحت الخط حتى انفرجت بها بغضب
((هل يمكن أن اعرف سبب عدم ردك على معظم اتصالاتي وتتجاهلين رسائلي يا شيرين؟ أريد سببا منطقيا.. أخبريني كيف هو حالك مع وليد ولماذا كنت ترسلين لي أغراضك للبيت وطلبتي أن تبدئي من الليلة النوم في بيتنا))
أطلقت شيرين تنهيدة منهكة قبل أن تقول بتهكم باهت
((الآن بعد أن ضمنت نجاح تخطيطاتي أستطيع التقاط أنفاسي وأخبارك كل شيء انوي فعله.. انتظري فقط مغادرتي الشركة وعودتي للبيت عندك))
سألتها سهر بشيء من القلق
((هل فعل وليد لك شيئا ما؟))
وقفت شيرين عند إحدى النوافذ الواسعة في الممر تنظر من النافذة غاضبة من نفسها وكارهة جدًّا.. لغبائها السابق.. قيلة حيلتها.. ضعفها.. ثم تمتمت بخفر
((لن أستطيع إخبارك شيء قبل عودتي في المساء))
زفرت سهر بيأس لتقول بإيجاز وحياد
((حسنا.. سأصبر حتى عودتك، لقد نفذت كل ما طلبتي مني فعله في الأيام السابقة دون أن اعترض ولن يضر أن اصبر ساعات قليلة أيضًا.. لكن إذا ما لم تخبريني بعد عودتك فسأكون قد عرفت مكاني عندك.. فالصديق الذي يخفى أحزانه عن صديقه يعني أنه لا يعتبره صديق حقيقي))
لم ترد شيرين بشيء لكن كان صوت أنفاسها مسموعا فأكملت سهر بعتاب رقيق
((شيرين إن لم نحس ببعضنا ولم نقدر بعضنا ولم نعتبر بعضنا شخصا واحدا فلا خير فينا ولا صداقتنا.. فالصديق من يشد على يده حتى يجتاز المحنة))
تحفزت شيرين بتشنج قبل أن تقول بصوتٍ متذبذب شديد الإرهاق
((سبب اجتنابي الحديث معك في الأيام السابقة هو خوفي من مواجهتك، أعني بشأن عملية والدك.. لا أظن بأن وليد قادر على التبرع لوالدك..))
هنا صمتت سهر لدقيقة ولم ترد.. ولم تعرف شيرين عما يدور بعقلها في هذه اللحظة أو الانفعالات التي تعتمل بداخلها..
لكن وصلها بعد لحظات صوت سهر هادئا
((هل هذا هو سبب تجاهلك لاتصالاتي أو ما تخططين له؟ أيتها السخيفة أنا لن اغضب عليك من اجل سبب كهذا، أساسا والله كان أغلب ظني بأن هذا المخادع لن ينفذ وعده وهذا أصلا ما جعلني ارفض إخبار والديّ أو أعشمهما.. لكن لم أخبرك بظنوني الشبه مؤكدة هذه حتى لا أفسد عليك رغبتك في الزواج منه والتي شعرتها منك))
غمغمت شيرين والشعور بأنها خذلت صديقتها الوحيدة يتغلغل لها
((أنا أدعوا الله ليل نهار أن يجد والدك متبرعا له))
قالت سهر بشيء من المرح تهون عليها
((وانا أدعوا الله وطالما أملنا بالله كبير فلن يخذلنا.. حسنا يا شيري، قصي يتصل بي الآن لذا سأنهي هذه المكالمة.. ولدي خبر مفرح عنا.. سنحدد قريبا موعد لحفل زفافنا.. واتفقنا أن يحضر عائلته الأسبوع القادم لنتعرف عليهم، والده متوفي لذا سيحضر عمه ووالدته وأشقاؤه..))
انفجرت أسارير شيرين بالبهجة وهي تقول بفرحة من أجلها
((حقا ما تقولينه؟ أنا سعيدة أكثر مما أستطيع أن أصف من أجلك.. كيف لم تخبريني بهذا الأمر من قبل؟))
قالت لها سهر بنفس النبرة قبل أن تغلق
(لاحقا يا شيرين لاحقا لا أريد أن أضع قصي على الانتظار أكثر، إلى اللقاء))
تنهدت شيرين بفرحة حقيقية لم تذقها منذ مدة.. على الأقل واحدة منهن ستحظى بزواج سعيد..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-08-21, 06:38 PM   #3679

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

أنهت شيرين ما تبقى من كوب قهوتها ثم ألقتها في المكان المخصص في سلة النفايات..
كانت تهم في المغادرة والعودة إلى مكتبها بعد أن انتهى وقت راحتها عندما لاحظت بأن الشرفة الواسعة المرافقة لقسمهم مفتوحة..
عقدت حاجبيها وتجهمت ملامحها وهي تدلف للداخل وسرعان ما زاد تجهمها عندما اتضح أن من فتح الشرفة وجالي داخلها ليس إلا.. "قصي سامح"!
رغم علمه بإن إدارة الشركة تمنع منعا باتا فتح أي شفة في أي طابق للمبنى إلا أنه باستهتار تجاهل الأمر ودلف للداخل..
أظهرت شيرين الوجه الذي تستخدمه للعمل.. ذاك الوجه البارد.. الغير معبر.. الغامض..
ثم تقدمت بهدوء وركازه نحوه تهتف بحزم
((قصي.. كم من مرة عليّ أن أنبه هنا بأنه غير مخول لأي موظف الدخول إلى هنا حتى أنا.. لو سمحت أخرج منها الآن..))
جفل قصي على صوت شيرين ونظر خلفه يطالعها متهجمها ثم تمتم بصوتٍ خافت على الهاتف الذي يضعه قرب أذنه
((سأتصل بك يا باربي بعد خمس دقائق لأغير مكاني.. وداعا))
وضع قصي الهاتف في جيبه ثم ظل يرسم واجها عابسا.. مشمئزا أمام شيرين حتى تجاوزها دون أن يعيرها أي اهتمام..
أطبقت شيرين على أسنانها تكظم غيظها بشق الأنفس وقد فار دمها..
صحيح أن نقلها له لمكان أخر أصعب في القسم كان عقابا قاسيا لكنها تظل مرؤوسته وعليه أن يظهر لها بعض الاحترام.. فهتفت بصوتٍ عالي مهدد
((في المرة المقبلة سأتخذ إجراءً خطيا ضد أي أحد يخالف التعليمات.. لست مستعدة أن أتحمل توبيخا من مدير القسم من أجل عيون أي موظف هنا..))
لكن قصي تجاهلها وتابع الخروج دون أن ينطق بحرف تاركا إياها مكانها تأكل نفسها من الغيض.. قبل أن تنفرج ملامحها تدريجيا.. بريبة.. وتوجس..
ضيقت شيرين عينيها الكحيلتين بتفكير وتوجس..
هل قال لمن كان يتحدث معها على الهاتف قبل قليل.. "باربي"؟
أليس هذا ما يدعوه خطيب سهر لها والذي بمفارقة الرهيبة يُدعى أيضًا "قصي"؟
حتى أنها في إحدى المرات تهكمت بينها وبين نفسها من غزله هذا الذي انتهت صلاحية مع انتهاء القرن العشرين!
كانت قد مرت ثوانٍ حتى وجدت شيرين نفسها تنتفض وتهرول بخطوات متهورة نحو مكتبها..
نفس اسم "قصي" للاثنين.. نفس السيارة.. نفس الاتصال الآن.. كل هذا.. ليس.. صدفة!
جلست أمام حاسوبها تراجع السيرة الذاتية لقصي سامح في السجل المحفوظ عندها بينما يدها الأخرى تطلب رقم سهر والتي عندما ردت عليها جاء صوتها مستغربا
((نعم يا شيرين؟ هل هناك شيء مهم؟ سيتصل قصي بي مجددا بعد دقائق؟))
سألتها شيرين بصوتٍ منقطع الأنفاس
((سهر هل يمكن أن تخبريني ما هو اسم خطيبك الكامل؟))
هتفت سهر بتلقائية متعجبة
((ماذا تقولين!))
هدرت شيرين بعصبية مكررة
((أجيب وحسب))
رغم عدم فهم سهر إلا أنها أجابتها باسم قصي كاملا بشيء من التوجس..
اهتزت حدقتي شيرين المحدقتان باسم قصي الكامل الظاهر أمامها على الشاشة.. ثم تابعت تسأل سهر بوابل أسئلتها
((مواليد أي سنة؟ أي مدينة؟ اسم جامعته؟ تخصصه الجامعي؟ سنة تخرجه؟ أجيبِ بسرعة))
مع تطابق إجابات سهر لما كان مكتوب في السيرة الذاتية أمامها لقصي سامح كانت شيرين تفقد لون وجهها أكثر.. وأكثر..
بل كانت شيرين تشعر بضيق النفس فأبعدت يدها المرتجفة عن فأرة الحاسوب.. قبل أن تقول بصوتٍ لاهث
((سهر أريد أن ترسلي صورة لخطيبك، أنا رأيته مرة وحدة في حفل عقد قرانكما قبل سنوات.. لكن أريد صورة له الآن..))
سمعت صوت أم سهر الجالسة بجانبها تذمر باستهجان
((صديقتك مجنونة، ماذا تريد بصورة خطيبك قصي؟))
تماسكت شيرين وهي تقول بوضوح وجدية
((سهر سأغلق الهاتف عليك وأريد خلال ثوانٍ أن ترسلي لي أي صورة لخطيبك.. أي صورة))
أغلقت شيرين الهاتف وبدأت تحرك ساقيها بتوتر وعصبية بالغة حتى ظهر التنبيه الوامض من هاتفها دليل وصول رسالة سهر..
بدأت خفقات قلبها ترتج بعنف أكبر.. ومع كل دقة صاخبة تولد اهتزازات تقبض على معدتها..
فتحت الرسالة ببطء وحذر وسرعان ما جحظت عينيها وفر أخر ما بقي من لون في وجهها ليضحي شاحبا شحوبا يُحاكي الموت..




Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-08-21, 06:40 PM   #3680

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي



انتهى الفصل.
انتهى الفصل


بانتظار تعليقاتكم وانطباعتكم عن الفصل.. ولا تنسوا التصويت على السؤال ببداية الصفحة.. رجاء اختاروا اكثر من خيار وقصة..


tia azar and Neven shanan like this.


التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 23-08-21 الساعة 07:35 PM
Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
قلبك منفاي، في قلبك منفاي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:47 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.