آخر 10 مشاركات
وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          أمير ليلى -ج1 من سلسلة حكايا القلوب- للمبدعة: سُلافه الشرقاوي *كاملة & بالروابط* (الكاتـب : سلافه الشرقاوي - )           »          307 - اذا كنت تجرؤ ! - كارول مورتيمر (الكاتـب : سيرينا - )           »          طوق نجاة (4) .. سلسلة حكايا القلوب (الكاتـب : سلافه الشرقاوي - )           »          الهاجس الخفى (4) للكاتبة: Charlotte Lamb *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          94 - رجل في عينيها - بيني جوردان (الكاتـب : * سوار العسل * - )           »          عادات خادعة - قلوب أحلام زائرة - للكاتبة: Nor BLack(مكتملة&الروابط) (الكاتـب : Nor BLack - )           »          قيود العشق * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : pretty dede - )           »          7- جنة الحب - مارى فيراريللا .. روايات غادة (الكاتـب : سنو وايت - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي اجمل قصة في الرواية؟ (اختار اكثر من قصة)
وليد-شيرين-معاذ 128 28.64%
مؤيد-رتيل 111 24.83%
مصعب-نورين 292 65.32%
مالك-سمية 123 27.52%
مازن-ياسمين 55 12.30%
قصي-سهر 54 12.08%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 447. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree7315Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-09-21, 04:02 PM   #4391

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


** لا تنسو التصويت في اعلى الصفحة لقصصكم المفضلة في الرواية.. :heeheeh:
الفصل السادس والعشرون

تمددّت رتيل على فراشها وهي تضع هاتفها جانبًا.. لقد أرسلت لها ياسمين التي تظنها في زيارة عند عائلتها رسالة تخبرها عن موافقة الحاج على زواج سمية من مالك.. ربّاه كم شعرت براحة عظيمة تجتاحها لأن سمية ستتواجد مع أبنائها..
تنهدت رتيل متسائلة ماذا حلّ بالرسائل التي أرسلتها مع صبي قريتهم؟ هل وصلت للحاج وهل قرأها؟
قطبت رتيل حاجبيها بقسوة متمنية أن يُحرم مُؤيد من المال بعد ما تصل تلك الرسائل لوالده ويقرعه بشدة..
برق الحقد من عينيها وهي تتمتم
((نعم يا مُؤيد إذا كنت سأموت فعلى الأقل لن أسمح لك أن تعيش جيدا من بعدي، سأجعلك لا تجرؤ على النظر بوجه والدك، ولولا خوفي على منظر والد أبنائي الصغار أمام أصدقائهم لكنت أرسلت تلك الرسائل لكل زملائك وأصدقائك وأبناء قريتك.. فإذا كنت أغضبت ربّي بخروجي إلى مكان كذبت فيه أمامك وإذا كنت خنت ثقتك فأنتَ قد فعلت نفس الشيء بل وأنكى فأنتَ كنت تخرج مع نساء لا تربطك بهم أي صلة))
كان صدرها يرتفع وينخفض بغضب شديد قبل أن تشعر بيد غليظة تقرع فوق بابها بينما يصرخ
((افتحي الباب أيتها ال-ح-ق-ي-ر-ة، افتحي الباب يا رتيل))
انتفضت رتيل مكانها وأخذ الذعر منها كل مأخذ وهي تجيب أخاها بصوتٍ مرتجف
((لن أفتحه لن أستسلم لكم بسهولة، سأقاوم حتى النهاية قبل أن تخرج روحي))
قال أخيها بصوتٍ يستعر غضبا وهو يزيد من طرقاته فوق الباب يكاد يحطمه
((لقد أخبرني مؤيد كل شيء عن سبب طلاقه لك رغم عدم مباشرته وصراحته.. لو كنت مكانه لكنت قتلتك على الفور))
سمعت صوت والدتها تتساءل من الخارج وقد وصلها صراخ ابنيها
((وماذا قال لك سبب طلاق أختك، هيا أجب يا بني؟))
ارتعد قلب رتيل رعدةً كادت تُبليه.. تغضّن وجهها بالمزيد من الذعر بينما تغمض عينيها وتسمع أخيها يجيب بصوته المشحون غضبًا
((ما فهمته من كلام أبي فهد المُبهم هو عدم احترامها له أو لعائلته، وعندما سألته ماذا فعلت تحديدًا لم يرضَ أن يجيب.. فخمنت أنها أساءت الحديث مع والديه أو افتعلت مشاكل عندهم، في المجمل يا أمي ابنتك غير المحترمة لا تتعامل مع عائلة زوجها بأدب.. قليلة الحياء))
فتحت رتيل عينيها واهتزت حدقتيها بلا فهم بينما تسمع والدتها تزجرها من الخارج
((سود الله وجهك يا رتيل كما سودتي وجوهنا))
تدخل أخاها الثاني يقول بصوتٍ أقل علوا وشيء من الاستياء
((لكن أليس من المبالغ فيه يطلقها لهكذا سبب؟ كان بإمكانه تأديبها.. وإذا لم يعرف يعيدها لنا لشهر واحد ونرجعها له تلك الفتاة المطيعة التي لا تنبس بحرف اعتراض حتى لو قال لها أن ترمي نفسها بالبئر))
قالت والدته المتحسرة على حال ابنتها بتأكيد وقهر
((نعم هذا ما كان عليه أن يحدث، لا أن يطلقها هكذا مباشرة دون أّيّ مقدمات))
زمجر شقيق رتيل الغاضب
((لا بد أن ما فعلته بحق والديه ليس بهيّن، فقد أكد لي مؤيد أن لا سبيل لعودتهما بعدما فعلته))
قالت أمها بفزع وبكاء
((أخبرك بأنه لن يعيدها له؟))
رد بتأكيد على أمه
((نعم لن يعيدها يا أمي، لقد قال لي أنه لن يربطهما شيء بعد الآن، حتى ولديها لن يسمح لها برؤيتهما وسيتزوج من أخرى))
ضربت والدة رتيل صدرها ثم تحسّرت هادرة
((يا مصيبتي! يا مصيبتي!))
تأكيد عدم عودة رتيل لزوجها جعل والدتها تنفجر غضبًا وتطرق باب رتيل كالمجنونة تصرخ
((افتحي الباب يا رتيل ل-أ-ق-ط-ع-ك إربا.. إربا.. حلال ما سيفعله أخويك بك الآن.. افتحي الباب))
التقطت أخيرًا رتيل أنفاسها المسروقة ثم زفرتها بعمق والحياة تعود لوجهها الشّاحب.. ثم تمتمت بصوتٍ واهن
((الحمد الله أن ح-ق-ا-ر-ة مُؤيد لم تصل إلى الحد الذي يجعله يبوح بما حدث حقيقة))
زادت الطَرَقات الغاضبة فوق بابها تأمرها أن تفتح الباب فأخذت رتيل نفسًا آخر وهي تمسح فوق وجهها المتفصد بالعرق ثم قالت وهي تخرج المرأة الشرسة المقاتلة في داخلها
((لن أفتحه لكم، سأقاتل من أجل أن أنجو بحياتي لآخر رمق))
ظلت أمها وإخوتها يطرقون فوق بابها الخشبي المتين يأمرونها بفتحه.. إلا أنها تمددّت فوق فراشها وقد نست ما قامت بإرساله لوالد مؤيد من رسائل وأغمضت عينيها لعلها تستطيع الاسترخاء قليلاً..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-21, 04:04 PM   #4392

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

دار المفتاح في الباب ثلاث دورات ثم فتحت الحارسة الباب الحديدي الضخم والثقيل.. دفعته بصعوبة فلم يفتح إلا عن مساحة صغيرة تسمح لمرور جسد شيرين إلى تلك الغرفة المختنقة بهواء راكد لا يتحرك ورائحة تشبه التراب ثم أغلقت الباب بإحكام..
كفريسة تنهار من فرط الذل والمهانة والعجز تأملت شيرين هذا العنبر والذي يعتبر أفضل عنبر في هذا السجن كما قيل لها..
السقف الأجرب الأسود.. الجدران العالية المليئة بالشقوق التي تزحف فيها الحشرات.. القضبان الحديدية.. النزيلات اللاتي يرقدن على الأسرة الحديدية ذات الدورين.. أرض الإسمنت التي تنفث فيها الرطوبة.. الباب الأسود المصنوع من الحديد والفولاذ..
تنهدت ببؤس وهي تتوجه للجلوس على سريرها..
في حين تشرق الشمس وتغيب في سجال دائم تنم عن دورة حياة جديدة في عالم مليء بالحرية.. هي هنا داخل هذا السجن الذي توقف فيه كل شيء ساعة دخولها إيّاه..
نفس الليل ونفس النهار..
لا جديد أبدًا سوى قرقعة الحارسات لأبواب العنابر الأخرى وبعض المناوشات من باقي النزيلات..
طالعت شيرين ثوب السجن الذي ترتديه لتوقن أن هذا الكابوس ليس إلا واقعا.. والذي قد يطول إذا لم تثبت براءتها!
عند هذه الفكرة بدأ صدرها بالارتفاع هبوطًا ونزولًا وشعرت بضيق بالتنفس كأنه لا يكفي حرارة العنبر العالية..
عليها عند زيارة قصي وزيارة محاميها التالية أن تخبرهم عن أمر وليد وذلك التسجيل الذي بحوزته..
فركت شيرين أصابعها ببعضها وهي تومئ برأسها لتؤكد على نفسها أن عليها فعل ذلك..
وجدت نفسها لا إراديا تتمشى في الغرفة ذهابا وإيابا كلَبْوَة محبوسة داخل قفص تعصر ذهنها وتحاول تذكر إذا ما كان هناك شيء آخر يمكن أن يساعد في إظهار براءتها.. وأين هاتفها!
تحرك جسد لنزيلة فوق الدور العلوي لأحد الأسَّرة ونهضت من نومها فجأة تهتف في شيرين بعصبية
((لقد أقلقت نومي.. توقفي عن المشي هكذا مثل الحيوانات))
انتفض جسد النزيلة عندما رأت شيرين تقف مكانها وترفع رأسها لها تطالعها بعينين يتطاير منهما الشرر الحاقد يكاد أن یُردی?ا قتيلة مع تحذير جنوني.. قبل أن يصدح صوت شيرين عاليا بهجوم
((اصمتي وادفني نفسك في النوم لأنك لو تفوهت بكلمة أخرى هنا سألقنك درسا لن تنسيه))
صمتت النزيلة رغم امتعاضها خوفًا من أن تحول شيرين هجومها اللفظي إلى جسدي في حين ردعتها النزيلة التي تجلس على الدور السفلي من السرير بخفوت
((اسكتي يا امرأة ولا تستفزيها، لقد سمعت أن تهمتها هي محاولة القتل العمد))
اتسعت عينا المرأة فوق السرير وقالت متلعثمة
((قتل؟ قتل؟ هل هي قاتلة؟ من قتلت؟ زوجها؟))
أجابتها هامسة بحذر
((يقال بأنها قامت بدفع أحد الأشخاص من الشرفة))
اقتربت النزيلة الثالثة منهما تقول وهي تضيّق عينيها نحو شيرين
((أنا أكيدة أني سمعت من موظفي أمن السجن أنها تعمدت رمي أحدهم من الشرفة والله أعلم إن مات أو لا))
استاءت حمدة لتقول بغيظ
((كيف يمكن أن يجلبوا نزيلة متهمة بجريمة قتل في نفس العنبر معنا؟ يجب أن يتم فصلها عنّا لأجل سلامتنا))
شدت شيرين على نواجذها بشدة وبدأت تهز ساقها بتوتر وعصبية.. شعرت بأنها لو لم تبتعد عنهن سترتكب جريمة فعليّة في حق إحداهن..
تناولت من مكانها فرشاتها ومعجونها وصابونها ومنشفتها ثم توجهت نحو الحمام المرفق فلم تجد ماء في الصنبور..
ألا يكفي أن هذا الحمام بلا دش والمرحاض بسيفون تالف!
وعلى الرغم من الغضب المستعر الذي كان يسكن شيرين إلا أنها وجدت نفسها تنهار باكية بين راحتيها..
ليتها ماتت قبل هذا..
ليتها سقطت صريعة بحادث سير قبل أن تطأ قدمها هذا المكان!
ظلت تبكي لدقائق طويلة قبل أن تشعر بإحدى النزيلات معها بالغرفة تقترب منها وتحاوطها بذراعيها وتربت على ظهرها قائلة
((لمَ تبكين يا شيرين؟ ما خطبكِ؟))
رفعت شيرين رأسها ودفعت المرأة عنها بعُنف وازدراء.. ثم قامت من مكانها نحو الخارج إلا أنها لم تستطع كبح شعورها المُلح بالغثيان وعادت للحمام بخطوات مترنحة حتى جثت أمام المرحاض لتتهالك على ركبتيها وتفرغ كل ما في معدتها..
في الحقيقة لم يكن هناك أي شيء في معدتها إلا عصارة حارة تكوي حلقها وهي بالكاد منذ دخولها هذا المكان تأكل ما يبقيها على قيد الحياة فقط..
عادت النزيلة تقترب منها وتجثي على ركبتيها إلى جوارها تربت على ظهرها بعاطفة ظاهرة وهي تتمتم
((ربما أكلتي شيئا فاسدا، علينا إعلام الحارسة))
أخذت شيرين تلتقط أنفاسها ودموعها تتقاطر على الأرضية فسارعت النزيلة الأخرى تحضر ماء في علبة بلاستيكية وبدأت تغسل وجه شيرين بلطفٍ مشفقة عليها..
ما إن هدأت شيرين حتى استقامت واقفة تبعد المرأة عنها وتعود إلى الداخل حيث مكانها.. تعيد أغراضها لمكانها قبل أن تلاحظ غياب أشياء منها كانت قد جلبتها سهر لها في زيارة سابقة بعد أن طلبتهم منها..
تلبسّها الجنون وهي تنظر باتجاه النزيلات صارخة بعصبية
((أين ذهبت كتبي تلك التي جلبتها لي صديقتي في وقت سابق؟))
تطلعت النساء النزيلات لها بوجوم لتعاود شيرين الصراخ بهن شبه هيستيرية
((أجبن هيا قبل أن يكون لي تصرف آخر))
لَوَت حمدة فمها قبل أن تقول بنبرة مستهزئة
((لقد صادرت إحدى موظفات أمن السجن كتبك عندما كنت في وقت زيارتك، ليس لنا علاقة بالأمر))
صرخت شيرين بهن وعيناها جاحظتان بجنون
((ماذا!؟ هل تمازحنني؟ وكيف يتم مصادرة كتبي بدون سبب أو حتى قبل إعلامي؟))
في هذه اللحظة شعرت شيرين بنفسها عاجزة عن الصمود.. عاجزة عن السيطرة على أعصابها وغضبها واهتياج مشاعرها..
وعلى الفور كانت تتقدم من الباب الحديدي وتضرب فيه صارخة
((افتحوا الباب، هيا افتحوا الباب الآن وأرجعوا كتبي، ليس وكأنني سجينة سياسية))
كانت تضرب وتصرخ بعنفوان وقوة دون أن تجد ردا..
مسحت على جبينها وشعرها وهي تلهث بإعياء.. ومجددًا داهمها ذلك الغثيان المزعج الملازم لها منذ دخول السجن -أو حتى قبله بقليل- للمرة التي لا تعرف عددها..
هرولت مسرعة إلى المرحاض تفرغ ما في معدتها!
ربما لا يكون سبب هذا الأمر المتكرر اشمئزازها من هذا المكان فقط.. ربما تكون قد ابتلعت بسبب إهمال المكان شيئا فاسدًا أو مؤذيا كما قالت رفيقتها في الزنزانة..
تماسكت بصعوبة وتوقفت عن النحيب وهي تصفع وجهها بخفة لتستعيد رباطة جأشها وتخرج من هنا..
اقتربت من تلك المرأة تنتزع منها قنينة الماء بغلاظة دون استئذان تبلل وجهها بما تبقى فيها من ماء وتجمع خصلاتها لأعلى برابطة شعرها الوحيدة..
ثم توجهت نحو الباب الحديدي تصرخ بهيستيرية وجنون وعَبَرَاتها الحارة تشق طريقها على وجنتيها
((افتحوا الباب.. هيا افتحوه قبل أن أقلب هذا المكان رأسَا على عقب.. إذا لم تفتحوا الباب هذه الليلة لن تمر إلا بضجة صاخبة، وسأرَّج المكان كاملا))
وبعد دقائق من الصراخ الهستيري والتهديد والوعيد، فجأة سمعت شيرين المفتاح يدور في باب العنبر الحديدي قبل أن يُفتح ويدخل عدد من موظفي أمن السجن عيونهم متسعة تحملق فيها..
أخذت تبادلهم النظر وهي تحس أن صدرها ينتفخ بالغضب فقالت لهم بعصبية
((أريد الآن أن تعيدوا لي كتبي التي تمت مصادرتها))
أجابتها إحدى الموظفات بصوت بارد لكنه قاطع كحد السكين
((من وقت لآخر نصادر كل الكتب لتفتيشها ثم نعيدها، انتظري للغد.. هل هناك شيء آخر؟))
اتسعت عينا شيرين وارتبكت قليلا ولم تتوقع هذا الرَّد منها الخالي من أيّ تعنت..
ظلت الدهشة مسيطرة عليها لثوانٍ قبل أن تقول بنفس النبرة العدوانية
(((أريد منكم إصلاح المرحاض وصنبور المياه وإصلاح الدش وإبادة الحشرات المقززة التي تحيط هذا المكان.. كما أريد حلًا لهذا الحر والرطوبة الشديدة))
علت نظرات الازدراء ملامح امرأة ترتدي ملابس عسكرية وهي تقول ساخرة بلا مرح
((وما رأيك أن نركب أجهزة تكييف ونطلب لك بيتزا؟))
شدّت شيرين على كلماتها وهي تقول هاتفة بعينين مشتعلتين بالجمرات
((فليكن بعلمك أنا سبق ودرست المحاماة وأعرف حقوقي جيدا، والآن أطالبكم بإصلاحات لهذا المكان الذي لا يصلح أن يسكن فيه بشر))
تحركت المرأة بالملابس العسكرية تجاه شيرين خطوة واحدة تقول بتطاير شرار كلماتها المُحذرة بتهديد خطر ‏
((اسكتي أيتها النزيلة ولا تجبرينا على اتخاذ تدابير لن ترضيك، هذا العنبر الذي تزدرينه نعيم بالنسبة لباقي العنابر التي توضع فيها أعداد مكدسة من النزيلات))
ابتلعت شيرين ريقها بوجه محتقن انفعالا والخوف يدب بقلبها فعليًا من نظراتهن إلا أنها حاولت التحلي بشجاعة مزيفة وهي تقول
((لا يمكنك تهديدي فقط لأني أطالب بإصلاحات في هذا العنبر، ثم هل تعرفين لو لم تنفذوا هذه الإصلاحات ماذا سأفعل؟ أنا سأقوم بالإضراب عن الطعام))
اتسعت عينا المرأة ذات الملابس العسكرية وقالت
((الإضراب عن الطعام؟ هذه النغمة جديدة على نزيلات هذا السجن!))
قالت الحارسة لزميلاتها بقلق
((علينا نقلها من هنا حتى لا تحرض باقي رفيقاتها هنا))
قست عينا امرأة أخرى ترتدي ملابس عسكرية شارف عمرها على الخمسين وغزا الشيب شعرها
((معك حق فمثل هذا الشغب يمثل خطرا على أمن باقي النزيلات بل على أمن موظفي السجن أو أمن السجن نفسه، لذا ستقع عليها عقوبة السجن الانفرادي.. أحيطي الأصفاد الحديدية حول يدها))
بمجرد أن ألقت الضابطة الأوامر حتى تقدمت الحارسة تضع الأصفاد الحديدية حول يدي شيرين التي انتفضت فجأة صارخة
((أنا لم أفعل أي شيء خاطئ، من حقي في السجن أن أضرب عن الطعام وآكل وأمتنع عما أريد))
إلا أن الحارسة ممتلئة الجسم ظلت تحاصر شيرين حتى كبَّلت يديها رغما عنها غير آبهة لصوت بُكائها أو صراخها..
وتمّ إيداع شيرين في غرفة الحبس الانفرادي..
وهناك انهارت باكية وظلت تصرخ حتّى بدأ صوتها لا يخرج وجسدها يهتز من الضعف والألم..
كما شعرت أيضًا باحتقان حلقها الجاف وبطنين يغزو رأسها..
أغمضت عينيها وحاولت تهدئة وتيرة أنفاسها المنفعلة..
أخفضت بصرها وخلعت حذائها الذي كانت تنتعله.. إنه صغير قليلا على قدمها فتسبب بتورمها قليلا..
تحررت من الغطاء على رأسها ثم تمددت على الأرض وشعرها الطويل يخفي كل وجهها..
ومضت على هذا الحال لساعات طويلة قبل أن تستيقظ وتتكئ بيديها على الأرض وتحمل جسدها فوق قدميها وتسير نحو السرير لكن ما إن جلست عليه حتى هبطت شرائطه الحديدية الممزقة ولامست الأرض..
يبدو أنه ومنذ وقت طويل لم يدخل أحد هذا الحبس الانفرادي!
عضت على شفتها السفلى بوجع والهدوء والظلام حولها يدفعانها للبكاء بعذابها..
تنهدت ببؤس ثم رفعت المرتبة المطاطية من فوق السرير ووضعتها على الأرض وتمددت عليها لعل النوم يزورها بعد هذا اليوم الطويل المرهق..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-21, 04:05 PM   #4393

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

أما في الخارج وقف اثنان من موظفي أمن السجن وقال أحدهما بعد ضحكة طويلة مقيتة
((هل هذه هي النزيلة التي قامت بدفع ابن تلك العائلة التي قابلناها؟))
رد عليه زميله هادرًا
((نعم، لقد قالت عائلته أنها كانت مشرفة في قسمه وكانت قاسية بالتعامل معه عندما لم يعطيها اسم موظف مخالف، لكن لم يتوقعوا أن يصل بها الأمر أن تدخل في مناوشة معه وتدفعه عن شرفة الشركة سواء بقصد أو لا))
قاطعه الأول قائلاً بجشع
((هذه التفاصيل لا تهمني.. ما يهمني هو أن تلك العائلة دفعت لنا ولباقي الحارسات هنا بسخاء حتى نجعل أيامها في السجن صعبة جدًّا.. وسنبدأ من اليوم))
وافقه زميله هادرا
((ربما علينا نقلها إلى عنبر آخر فعائلة طه طلبت حتى رشوة النزيلات هناك خصوصا صاحبات السوابق الخطرة، ستكون لنا نسبة على كل فلس تأخذه النزيلات))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-21, 04:06 PM   #4394

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

خارج المحكمة..
كتَّف مالك ذارعيه وهزَّ ساقه بتوتر ينتظر قدوم سمية بينما يقول لأخيه منبهًا
((إيَّاك أن تذكر أمر عقد القران هذا أمام أيّ أحد يا مازن حتى لا أحطم رأسك الكبير، أنا تعمدت ألا أجلب غيرك أنتَ وصديقي هنا لتشهدا فقط، لأنه يجب أن يظل جميع من في القرية على ظنّهم أني لم أنفصل عنها أبدًا بعد زواجنا حتى لا يستدعي أيّ شكوك حولنا))
أطلق مازن تنهيدة طويلة قبل أن يقول بضجر
((لا تقلق يا مالك، وعلى كل حال أمي قالت بأنها ستمكث الليلة في غرفتك ريثما تجهز لك جناحًا مناسبًا))
رفع مالك هاتفه يقرأ الرسالة التي وصلت له ثم هدر
((إنها تقول بأنها ستكون في المحكمة خلال دقائق، لا أصدق أنه قد حانت هذه اللحظة أخيرًا))
أمسك مازن كتفه ثم قال معقبا
((أبي قال بأنه سينشر خبر زواجك الذي أخفيته عن أهل القرية في كل الأرجاء وسيقوم في ليلة الغد بإطلاق الطلقات النارية وتوزيع الولائم ولحوم وجلود الذبائح وأكوام فواكه بساتيننا على الموائد..))
بتر مازن كلامه على صوت صدوح رنين هاتف توأمه الذي ما إن فتحه حتى وصله صوت سمية متسائلا
((مرحبًا مالك.. لقد أوصلني السائق أمام المحكمة وترجلت من سيارته الآن.. أين أنتَ بالضبط؟))
ضيَّق مالك عينيه وهو يجول نظره في الأرجاء يحاول إيجادها بينما يقول
((جهزت كل شيء وقمت بالإجراءات الأولية بقي فقط أن يعقد المأذون القران..))
ارتفع حاجبا مالك ما إن وقع نظره على سمية ليغلق الخط ويهرول نحوها منفرج الأسارير..
تباطأت خطواته ما إن وصل لها ليلقي نظرة على مظهرها وقد ارتدت ثوب طويل بلون هادئ..
هذه هي المرأة التي يحبها..
رشاقة دون نحافة.. جمال زاهٍ دون تبرج.. أناقة دون إفراط..
أشار لها بوجهه أن تتبعه ليدخلا للمحكمة وسارا على نفس المستوى بخطوات رزينة قبل أن يناظرها وابتسامة جذابة تتألق على شفتيه فبادلته الابتسامة بنعومة..
وبمجرد أن عقدا القران وثبتاه حتى ضمَّت سمية قبضتيها بحزم وهي تؤكد على نفسها أنها ستنسى تماما مسألة تلك الفوارق وستحرص أيضًا على جعله ينساها..
أما مالك اتسعت ابتسامته الصادقة من قلب ذاق ويل الفراق أعوامًا والآن فقط عادت روحه الغائبة..
أشار بعينين حازمتين لأخيه وصديقه بالمغادرة بلا مطرود فقال توأمه باستياء
((سأسبقك للبيت أيها العريس النزق))
لكن لم يرد عليه مالك بينما يميل ليلثم جبين سمية ومن ثم يمسك كلتا يديها بقوة.. أخيرًا ينال قربها بعد كل تلك السنوات..
هدَرَ لها بصوتٍ أجش وبعينين تتألقان ببريق خاص
((مبارك لنا.. ها قد عدت زوجة لي يا سمية.. من الليلة أريد منك ترك زمام كل شيء لي لأتولاه أنا.. وأريدك أن تتقبلي كل شيء مني مطيعة.. ومدللة))
كلامه أذاب كل شيء فيها وخدر أطرافها براحة وسكينة فجذبها مالك له يحيط كتفيها بذراعه ثم يسير بها للخارج.. قبل أن يسألها
((إلى أيّ مطعم تريدين أن نذهب إليه الآن؟))
ازدادت حمرة الخجل التي تلفها بينما يفتح باب سيارته الأمامي لها لتستقل السيارة.. ثم يستدير حولها ليجلس في مقعده خلف المقود..
أخيرًا وبعد كل هذه السنوات صار باستطاعته الانفراد بها والذهاب معها حيث ومتى ما أراد..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-21, 04:07 PM   #4395

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي




بعد غروب الشمس..
تطلعت زاهية باستياء لابنها وزوجته حديثًا على تأخرهما في العودة إلى هنا وقد تمَّ القران قبل ساعات طويلة على حسب ما قاله مازن لها.. ثم قالت بفتور
((جهزت غرفة مالك لتناسبكم لفترة مؤقتة))
ابتسمت سمية بارتباك في وجه حماتها رغم جُمود ملامحها تجاهها بينما تعلمها نعمة بعملية
((كل الحقائب التي أحضرتها وضعناها هناك يا سيدة سمية))
تحدثت سمية باندفاع ولهفة
((أرجوكِ يا سيدة نعمة بلا ألقاب فلم يختلف أيُّ شيء بزواجي من مالك))
أصرت أن تقول نعمة بهدوء
((بل اختلف هناك الكثير ولا يصح أن نظل نعتبرك نفس البستانية))
بنفس الملامح البائسة التي تلازم زاهية الأيام الأخيرة تطلعت لوجه مالك المشرق وتمتمت له
((تبدو سعيدًا وها قد حققت ما تريده، مستقبلاً لا تأتي شاكيًا لنا بأنها لا تناسبك))
انزعجت ملامح مالك قليلا لكنه أمسك يد أمه ورفعها ليلثمها قبل أن يهمس راجيًا تفهمها
((عندما أحببتها أمي لم أنظر إليها على أنها تكبرني، أو أنها لا تناسبني بل كانت بالنسبة لي فقط المرأة التي أحبها.. سمية حنونة مثلك تماما وستكون قادرة على استيعابي وتوفير الاستقرار لي))
.
.
دلفت سمية غرفة مالك لتجد يزيد جالسا على السرير شارد النظر كأنه كان بانتظارهم منذ وقت طويل.. وما إن دخلت حتى انتفض من مكانه واندفع نحوها هاتفا بلهفة
((أمي هذه أنتِ!))
انخفضت سمية وفتحت ذراعيها تعانق صغيرها وصوته الطفولي الحماسي يبث الدفء إلى قلبها.. شددًّت في عناقه بقوة وقالت بحرارة
((لقد اشتقت لك بحجم الأرض والسماء))
ابتعد يزيد عنها قليلا وتساءل
((وأنا أيضًا.. هل صحيح أنك تزوجت أبي؟))
هزَّت رأسها له بلهفة لتبتهج أسارير الصغير بينما ينتشلهم صوت مالك الذي وقف عند عتبة الباب
((نعم لقد تزوجنا يا يزيد وسنعيش سويًا تحت سقف واحد والآن أريد منك أن تذهب كالفتى المطيع لتلعب مع أولاد عمك وتترك أمك لي قليلا))
ضمَّ يزيد شفتيه يستعطف والده هادرا
((ولكن أنا لم أراكم منذ أيام))
عقد مالك حاجبيه وقال يصد تأثير يزيد عليه
((لا تحاول أن تبتزَّ أحدنا يا يزيد فكلنا لم نرَ بعضنا منذ وقت طويل.. هيا بنا يا سمية))
قاطعهم صوت فهد الصغير الطفولي وهو يقول بمرح
((عمي مالك جدتي تطلبك الآن أنت وزوجتك لتشاركونا طعام العشاء))
تًأًفًف مالك بضجر وكان يريد الرفض إلا أن سمية قالت له برجاء
((مالك أرجوك دعنا نذهب ونشاركهم الطعام، وبعدها لدينا وقت لنفعل ما نريد))
فاستجاب لها على مضض وإحباط..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-21, 04:08 PM   #4396

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

تململت ياسمين في فراشها على صوت جلبة في غرفتها..
اعتدلت شبه جالسة وهي تدلك جبينها قبل أن ترفع وجهها المستغرب للسقف حيث صوت الجلبة وتقول بصوتٍ جهوري غاضب
((ماذا تفعل بالمصباح فوق يا مازن؟))
أجابها مازن بينما ينتهي من ضبط المصباح الجديد مكان القديم التالف
((لقد حطمت بلا قصد مصباحك يا ياسو فتخلصت منه وسأحضر آخر لك.. لكن كنت في وقت سابق قد انتبهت أن المصباح الموضوع في منتصف السقف شبه تالف واشتريت واحدا جديدا وها قد ركبته))
ناظرت ياسمين المنضدة الملاصقة للسرير من جهتها لتلاحظ اختفاء مصباحها فعلا.. أما مازن فنزل درجات السلم بحذر ثم حركه للخارج قبل أن يعود سريعا للغرفة ويسأل ببشاشة بينما يضغط على زر الإنارة ليشع ضوء المصباح بنور أقوى من المعتاد
((ما رأيك يا ياسو بإضاءة هذا المصباح؟ أليس أفضل؟ هل عدنا أصحاب هكذا؟))
عبست ملامحها وهي تقول له بصوتٍ واجم
((لم ولن نكون أصحاب يوما))
أبعدت ياسمين عنها الغطاء وتوجهت نحو الحمام، في حين تنهد مازن ببؤس ثم ناظر ابنته الجالسة أمام الشاشة الكبيرة وقال لها ((هيا لنكمل لعبتنا يا هدى))
بعد ساعة كانت ياسمين شبه جالسة على سريرها تقوم بالتطريز كعادتها كلما فشلت في العودة للنوم.. عندما انفجرت هدى الصغيرة بالبكاء عاليًا وهي ترمي أداة تحكم لعبة الفيديو عن بُعد بعيدا بإحباط..
زجرته ياسمين بانزعاج
((مازن كم مرة عليّ أن أقول لك أن تجعل هدى تفوز عليك.. هل يعجبك بكاؤها بهذا الشكل المحبط؟))
لم ينظر لها وهو يجيبها بهدوء بينما يبدأ لعبة جديدة فردية ينافس فيها شخصا افتراضيا
((ابنتي أو ابنة الجارة لا استثناء عندي.. كلهم سواء.. إذا أرادت أن تفوز فعليها أن تحصل عليه بمجهودها))
تمتمت ياسمين من بين أسنانها
((ما أصغر عقلك!))
تحركت ياسمين من مكانها إلى حيث تجلس ابنتها التي سارعت تضمها بحجم الإحباط الذي تشعر به وهي لا تزال تبكي.. طبطبت فوق ظهرها الغض ثم ناظرت مازن بحقد وقالت
((سألعب معه يا هدى وأهزمه لأجلك))
ابتعدت هدى عنها هاتفة وهي تصفق بيديها بحماس
((ماما أنا أحبك))
توقف مازن عما يقوم به وطالع ياسمين بطرف عينه بينما يقول بضجر مصطنع
((إذا كانت هزيمتي لك ستريحني من تذمرك وتبعدك أنتِ وابنتك عني فهيا إذن..))
رمته ياسمين بنظرات كارهة قبل أن تتناول يد التحكم عن بُعد وبالكاد كتم مازن ابتسامة حماسية بينما عينيه تتألقان ببريق خاص لأنها ستشاركه شيئا.. سعل قبل أن يقول بفتور مزيف
((سأتهاون في لعبي معك فلا تفتحي فمك ولا بعبارة تذمر واحدة عند خسارتك.. المهم الآن دعيني أعلمك قواعد اللعبة))
وهكذا لم تنتهِ الجولة الأولى حتى انتفضت هدى من مكانها واقفة تقفز وترقص بمرح هاتفة
((أمي أنتِ بطلة))
رفرف مازن بعينيه لا يصدق أنها فازت عليه! فتطلّع لها وقال وهو يتميز غيظا
((لحظة، لحظة لقد تهاونت ولم أركز جيدا بلعبي معك.. لنحظى بجولة أخرى.. لن ألعب معك بأقصى مهاراتي وحنكتي ولكن في نفس الوقت لن أتهاون أبدًا))
بدت ياسمين في هذه اللحظة بريئة بشكل مغيظ وهي تنصاع لرغبته وتهز كتفيها..
ما إن انتهت الجولة الثانية.. وبعدها الثالثة.. حتى قام مازن بسخط برمي أداة التحكم عن بعد أرضًا بنفس الطريقة التي رمتها هدى قبل قليل! مِما جعل كلتاهما ترميانه بنظرات الشماتة والتشفي.. لكن مازن تمتم بخفوت كمن يحدث نفسه
((يا إلهي أدائي بات مخزيًا إلى حد رهيب.. المشكلة أنه لم يسبق وأن تباريت مع شخص وهزمني مِمَّا جعل حماسي ينطفئ لدخول التحديات وأميل للعب هذه الألعاب وحيدا، وبدون أن أشعر تراجعت مهاراتي بشكل يثير الحسرة))
كتم مازن بصعوبة ضحكته وأدعى الحنق لخسارته المتعمدة بينما يقول
((لا أفهم كيف تمكنت مبتدئة مثلك الفور عليّ!))
هزَّت ياسمين إحدى كتفيها وقالت بدلال مغيظ
((وما أدراك بأني مبتدئة!؟))
وعند هذه الجملة تلاشت تدريجيا ابتسامة الانتصار المتشمتة منها وشردت بعينيها بعيدا..
لطالما كانت تحب أن تلعب بألعاب الفيديو مع شقيقها الوحيد والصغير.. ولطالما كانت تبرع فيها وتهزمه دائما!
بدأت ذكريات الطفولة والصبا مع شقيقها تتسلل لتسكن عقلها
فلا تدري أين تجد لها مكانا مناسبا في عقلها المشعث بآلاف الذكريات البائسة!
لا تعرف للآن ما الذي أخطأت به لتتوالى تلك الصدمات عليها وتتدمر كل حياتها وتضيع أحلامها وينتهي الأمر بها متزوجة من هذا التافه بجانبها!
أغمضت ياسمين عينيها بوهن.. تبتلع ريقها بتثاقل.. ساخطة هي على كل شيء..
رفعت ياسمين يدها تغطي فمها تكتم شهقة بكاء صادرة منها.. وشددَّت من إغماض عينيها اللتان تذرفان الدموع..
ازدرد مازن ريقه وسألها بحذر
((لماذا تبكين يا ياسو؟ ماذا حصل؟ لقد سمحت لك بالفوز عليّ حتى..))
تقطعت شهقات البكاء مع كلماتها الخافتة المخنوقة
((ابتعد عني، أنا أكرهك))
تغرغرت الدموع في عيني هدى وهتفت بعصبية
((بالتأكيد فعلت لها شيئا يستحق البكاء، كما أنك حطمت مصباحها الآخر، سأذهب لأشي عنك لجدي))
لم يُعر مازن هدى اهتمامه وما قالته قبل أن تركض للخارج وكل اهتمامه منصب على التي انقلب حالها فجأة فسألها وهو يهز كتفيها
((لماذا ازداد بكائك بهذا الشكل؟ ماذا حدث لك؟))
أمسك مازن كتفيها وصوته المقيت على قلبها جعلها تفتح عينيها وتنفض ذراعيها عنه.. ثم وقفت من مكانها وهي تنفجر فيه صارخة بصوتٍ مثقل بحقد متوغل في نفسها له
((اتركني ولا تلمسني أنا أكرهك جدًّا، جدًّا وأكثر مما تتصور))
في هذه اللحظة كان الحاج يعقوب وزوجته قد دخلا الجناح بعد أن نادت هدى عليه.. فسارع الحاج يعقوب عند زوجة ابنه يقربها منه ويسألها بقلق
((ماذا حدث يا ياسمين؟ لماذا تبكين؟))
لم تجبه ياسمين بل أغمضت عينيها بقوة وتابعت ذرف الدموع بينما تقول هدى بصوتٍ مرتجف من الغضب على ما فعله والدها بأمه
((قبل أيام صفعها على وجهها، ربما تؤلمها وجنتها الآن))
اتسعت عينا يعقوب بسخط ثم قال لكنته التي كانت تنتحب هادرًا بخشونة
((أريني وجنتك يا ياسمين))
مالت ياسمين بوجهها تسمح له بتفحص خدها الأحمر من أثار الصفعة عدا الخدش غير الملتئم وسرعان ما تطاير شرر الغضب من عيني يعقوب وثارت أعصابه فلوح بيده لزوجته هاتفًا بسخط
((انظري يا زاهية لوجنتها المتورمة، أنظري لآخر تربيتك كيف يستقوي على زوجته.. آخر ما توقعته أن يصل به الأمر ل-ل-ض-ر-ب))
وقف مازن من مكانه وناظر ياسمين بصمت وكأنه يطلب منها أن تشرح لوالده أن ما فعله لم يكن إلا رد فعل منفعل على ما بدأت هي بفعله لكن ياسمين أشاحت بعينيها القاسيتين عنه ترفض أي تواصل بصري بينهما..
عندما عاد ينظر الحاج يعقوب بعينيه لابنه وانتبه له يحدج ياسمين بنظرات غاضبة هتف فيه وهو يدفعه بقوة للخلف هاتفًا
((لن يهدأ بالي قبل أن أُبرحك ضربا وأعلمك كيف تتقاوى على زوجتك أيها ا-ل-ن-ذ-ل؟))
كان يهم بلكمه حقا لولا تدخل زوجته التي وقفت بينهما وهي تمنعه من الاقتراب من مازن هاتفة بدفاعية
((لا يا حاج تمالك نفسك، إنه ابنك، تدخلي يا ياسمين وقولي شيئا))
مسحت ياسمين وجهها ودموعها ثم سارعت تمسك يد حماها قائلة بوهن
((عمي أرجوكَ لا تفعل له شيئا))
التفت يعقوب لها هاتفًا بسخط
((حتى لو سامحته أنا لن أسامحه فمن يرفع يده مرة على زوجته تصبح له عادة))
أمعنت ياسمين النظر على وجه حماها الذي بدا عليه التعب رغم السّخط ثم قالت له برجاء
((لا بأس اعتبرها آخر مرة، أرجوكَ يا عمي من أجلي))
تراخت يدا الحاج يعقوب ثم قال وهو يناظر ابنه بازدراء
((من أجلكِ فقط لن أتدخل هذه المرة لكن لو كررها فإيَّاك أن تخفي الأمر عني، وأنتِ يا هدى أخبريني على الفور إذا ما قام والدك بتكرار ما فعله))
تحولت ملامح مازن إلى غضبٍ مخيف صامت وهو يرى والده يشجع زوجته وابنته عليه! خاصة عندما تجلت صرامة طفولية على وجه هدى الغض وقالت بحمائية على أمها
((لا تقلق سأفعل يا جدي وأراقبه جيدا وأحمي أمي منه))
ألقى الحاج يعقوب نظرات أخيرة على مازن بهيئة عاصفةٍ نارية ثم غادر.. لتلتفت الحاجة زاهية لهدى تقول بامتعاض وتوبيخ
((هدى حبيبتي ما هذا الذي تقولينه؟ هل هناك ابنة صالحة تقوم بما تفعلينه؟ هل يصح أن تفشي بأسرار كل ما يحدث بين أمك وأبيك))
تمتمت هدى بحنق طفولي
((لقد صفع أمي سابقا وقبل قليل كسر مصباحها، أمي كانت سعيدة طوال سفره وحلَّت عليها التعاسة فقط عند عودته))
ازدرد مازن ريقه ورغم كل الوجع الذي شاب عينيه من هذا الموقف إلا أن وجهه كان باردا هادئا وهو يقول
((أمي سأنام اليوم على السطح))
ومن دون كلمة أخرى كان يذهب لأخذ فراشه ثم الاندفاع خارج الغرفة وهناك كاد أن يصطدم بنجوم التي شهقت قبل أن تبتعد عن طريقه بخجل..
توقف مازن مكانه ورفرف بعينيه قليلا وهو يحدق بنجوم التي كانت مختفية لأيام قبل أن يقول بعفوية
((يبدو وجهك شاحبا، هل كنتي مريضة؟))
خرج صوت نجوم ضعيفا وهي تقول منكسة الوجه
((نعم أنا مريضة قليلا))
ابتسم مازن لها تلك الابتسامة الودودة التي تسارع من دقات قلبها وهو يقول لها
((أنا لم أراك منذ وقت هنا، إذا احتجت أحداً من أجل شراء أدوية لك أو أي شيء آخر أرجوك لا تتردي في إعلامي))
ابتسمت له بامتنان قبل أن تراه يسير ماضيًا في طريقه وهو يمسك فراشًا وغطاءً..
شردت نجوم في النظر نحوه حتى اختفى من أمامها ثم طرقت باب جناح ياسمين ومازن وما إن سمحت لها الحاجة زاهية حتى قالت نجوم بتهذيب
((لقد أعددت يا حاجة ما طلبتي مني فعله))
همهمت زاهية لها ثم قالت لها وهي تشير لهدى
((خذي هدى من هنا يا نجوم وسألحقك بعد قليل))
أطاعتها نجوم وتطلعت ببشاشة نحو هدى وهي تسحبها من يدها للخارج
((تعال يا هدى الصغيرة لأضع برنامجك المفضل على التلفاز))
بمجرد أن أُغلقت الباب خلفهم حتى تطلعت زاهية بغضب ممزوج بالسّخط لتقول
((هل يمكن أن تفسري ما حدث قبل قليل يا ياسمين؟))
أظهرت ياسمين البرود لتكمل الحاجة زاهية بغضب
((هل هكذا تربين هدى يا ياسمين؟ إنها تشعر وتدرك جيدا أن هناك مشاكل ومشاعر عدوانية بين والديها وباتت تكره والدها على غير فطرة الصغار بسببك))
تبرّمت ياسمين بسخطٍ بالغ وقالت دون أن يرف لها جفن
((أنا أحاول قدر الإمكان ألا أجعلها تشعر بشيء))
أخذت زاهية نفسا طويلًا قبل أن تقول بوقارها المعتاد
((أنا لا أعرف سبب المشاكل بينكما ولا أريد أن أعرف وأتدخل إلا للضرورة ولكن ما تفعلينه يا ياسمين غير مقبول..))
ثم رفعت سبابتها تقول متوعدة قبل أن تخرج
((تزوجك ابني دون الأخذ برأيي أو إعلامي لأنه يحبك وأنا لم أعترض لأجل سعادته.. لكن إذا بقيت الأمور بينكما بهذا الشكل سيكون لي تصرف آخر لن يعجبك))
ازدردت ياسمين ريقها وقد أخافها حقا تحذير حماتها.. فهي قادرة ولا تشبه شخصية مازن بشيء..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-21, 04:09 PM   #4397

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في نفس الوقت..
وبعد أن ذهب حماتها وحماها لرؤية مازن وزوجته غادرت سمية ومالك الغرفة إلى غرفة يزيد..
همس يزيد متثائب يسترخي جسده بين ذراعيها، فاستلقت بجواره تهدهد له تهويدة النوم وتداعب شعره المموج الأسود حتى نام..
أخذت تحدق في وجهه الحبيب.. النسخة المصغرة من مالك..
ثم تمتمت بهمس مختنق
((سامحني يا صغيري، لم أرد أن أخفي وجودك عن عائلتك، ومعاملتهم لك كالغريب عنهم كان يقتلني، لكن أنا فقط كنت أفعل ما أظنه لن يحرمني من وجودي في حياتك وأثناء ذلك حاولت وبذلت أقصى جهدي لأعوضك، في النهاية ورغم كل شيء أتمنى أن تسامحني يوما وتتفهم ما فعلته))
عند هذه النقطة أجهشت سمية بالبكاء..
فماذا سيفيد يزيد اعتذارها الباهت بعد كل ما عاناه قبل أن تستطيع هي ومالك الزواج اليوم!
تتململ يزيد في سريره فسارعت تكتم سمية صوتها وتمسح خديها وهي تتمالك نفسها وتستعيد رباط جأشها قبل أن يغرق ابنها في سباته مرة أخرى..
ملأت عينيها بتقاطيعه عبر إنارة الغرفة الخفيفة لمرة أخيرة قبل أن تهمس بشجن
((نومًا هنيئًا يا حبيبي))
نظر مالك الواقف عند عتبه الباب لها تجلس على طرف السرير وكل ما فيه سعيد لأنه أخيرًا سيستطيع مشاركتها كل أحمالها ومتاعبها وتربية يزيد علانية كما كان يجدر به أن يفعل من البداية.. ثم همس لها بحذر وهدوء خوفا من استيقاظ يزيد
((هل نام يا سمية؟ هيا بنا إلى غرفتي))
ابتسمت سمية له قبل أن تدثر يزيد جيدا ومن ثم تذهب لغرفة أولاد عمه فهد وباسم لتطمئن أنهما نائمان.. فرتيل لم تعد من زيارة عائلتها بعد رغم طول مدتها ومن واجبها أن تهتم بهما كما كانت تفعل هي مع يزيد..
.
.
في غرفة مالك..
سلم مالك عن يمينه ثم يساره ينهي صلاة ركعتين ومن خلفه سمية ليبارك لهما الله هذا الزواج..
خلعت سمية ثوب الصلاة عنها بينما تتطلع لمالك..
لقد أهداها حبه.. قلبه.. عقله وفكره.. جعلها المرتبة الأولى في حياته.. في منزلة لم يصلها سواها.. وفي المقابل عليها أن تفعل ذلك..
انتبهت له يخلع قميصه ويرميه أرضا لتبرز عضلات صدره بينما يتمتم بصوت خشن مصرحا بأفكاره
((أخيرًا أنا وأنتِ تحت سقف غرفة واحدة ومغلقة علينا))
نكست سمية رأسها فوقف مالك أمامها قبل أن يمد يده ويمسك ذقنها ويرفعها.. ثم يهدر لها بعاطفة
((من الآن فصاعدًا يا سمية لا تصعبي الأمور عليّ.. أمسكي بيدي وكوني معي.. عانقيني واهنئي بحبي لأهنأ في المقابل بحبك.. لا تجعلي أيَّ همّ يسيطر عليك.. أنتِ أقوى من ذلك.. وأنا أملي بك كبير))
ابتسمت له ابتسامة تبث فيها وعدها له قبل أن تسأله
((هل أنتَ سعيد؟))
طوقها حتى أصبحت بين ذراعيه ثم حملها بينما تشهق عاليا بدهشة.. ليقول لها بعنف عاطفته التي توقّدت به على نحو كبير
((كيف لا أكون سعيدا وقد سقطت النجمة التي لطالما أحببتها في حجري وعرف العالم كله أنها باتت ملكي!))
ضحكت سمية بخفوت وهي تحيط رقبته بيديها ولا تزال بين يديه..
شعرت بأنها تريده أن يضمها طويلا.. تريد تلك العواطف الأثيرة التي يضرمها فيها.. في أن يحتل روحها ويصهرها في روحه..
فما ألذه من شعور أن تكون في حماية رجل حقيقي تستند عليه..
توجه مالك بها نحو السرير ليضعها هناك بهدوء فوق السرير..
تأوه بصوت شديد الخشونة وهو يغمر وجهه فيها مجنونا منهارا بذاك الشعور الذي سكنه وراوده لسنوات..
هي حقا هنا.. بين يديه.. له.. به.. منه.. إليه..
قُرع الباب في هذه اللحظة فرفع مالك وجهه بلهاث متقطع يحدق فيها بنظرة شعت بالوله والعشق فتمتمت له بصوتٍ واهن
((الباب يا مالك))
أَمَال جبينه لجبينها ليهمس بأنفاس تتسارع على نحو جنوني
((دعك من الطارق سيمل ويذهب.. رائحتك جميلة جدًّا))
شعرت بالإطراء بل كاد قلبها أن يشق صدرها لكنها توسلت له هامسة
((الطارق يطرق الباب بإلحاح قد يكون أمر مهم))
عاد يغمر وجهه في شعرها هادرا
((لا شيء مهم بالنسبة لي في هذه اللحظة سواكِ))
استمرت طرقات الباب عاليا، وتواصلت توسلاتها التي تذيب قلبه فرفع مالك وجهه يوقف سيل عاطفته ثم يغمغم قبل أن يزفر بضيق
((سأذهب لأرى هذا الشخص المزعج))
بمجرد أن ابتعد حتى اعتدلت سمية واقفة وقالت على استحياء
((سأذهب للحمام ولن أتأخر ريثما تجيب الطارق))
اشتد وهج عينيه ضراوة وهو يراها تفر من أمامه.. ثم استدار للباب يقول بضيق واستياء
((حسنا ها أنا قادم.. من هادم اللذات هذا.. أمي!))
اتسعت عينا مالك بحرج وخجل بمجرد أن فتح الباب ليردف باعتذار
((مرحبا يا أمي.. أعني.. أنا آسف.. لم أعرف))
.
.
تجّلت علامات الضيق على سمية عندما تناهى إلى سمعها صوت والدة مالك.. كان عليها أن تصر عليه أن يفتح الباب عند أول الطرقات..
حاولت تجاهل ما حدث وأسرعت نحو الحقائب التي جهزتها وبدأت تبحث عن الثوب الحريري.. المغري.. بلونه النبيذي الذي تتداخل عبره لمعة ذهبية براقة..
تريد حقا أن تثيره.. تعوضه قليلا عن سنوات انفصالهم المليئة بالرفض والحرمان..
صففت شعرها وتركته مُنسدلا.. فيما وضعت مشبكا صغيرا من القماش اللامع على الطرف الأيسر..
ولم تنسَ وضع زينة خفيفة بعد أن تزينت ببعض الحُلي الذهبي العصري والرقيق الذي كانت تدخر ثمنه بأجرتها من عملها..
أخذت وقتها كاملا في الداخل وهي تعد نفسها ومالك لم ينادي عليها وتركها على راحتها حتى تستعد جيدا..
وبمجرد أن خرجت حتى استنشقت رائحة فطائر شهية وطعام ساخن..
اقتربت من المنضدة التي كان عليها أشهى أصناف الطعام والحلوى..
وهنا رفع مالك عينيه نحوها لتتجلى بوضوح الدّهشة عليه..
شعرت بنظراته المعجبة تتفحصها.. كمن كان ممتنا على تجملها له.. فتحررت من هواجسها السلبية التي تشعرها بأنها أقل منه ولا تناسبه..
لقد أشعرها براحة متناهية.. وشحذ همتها للتواصل معه بثقة وحرية.. فسألته وهي تجلس بجانبه
((هل أمك من أحضرته؟))
استمر مالك في التحديق بها دون أن يركز فيما قالت قبل أن يجيب
((نعم لقد جلبته أمي، هل نأكل أولا؟))
ابتسمت له مجيبة بنعومة
((كما تحب وترغب))
حدق فيها لثوانٍ أخرى بلهاث لا يظهر كأنه يستوعب ما يراه ثم أزاح خصلاتها الداكنة الكثيفة خلف أذنها وهمس يداعبها
((أنا أحبك أنتِ وأرغب بك أنتِ))
بصعوبة كتمت ضحكة خافتة منها بينما يقربها منه ليطعمها فقالت له
((لا بأس يا مالك سآكل بنفسي))
أمسك يدها وقرب الشوكة لها هادرا بصوتِ أجش
((أنتِ الليلة عروس ومن واجبي أن أطعمك بنفسي))
لمعت عيناها وتحولت ابتسامتها لتجاوب شغوف.. انتظرها حتى انتهت لقمتها الأولى فأطعمها أخرى أكلتها بنعومة مما جعله يقول بتملق مبتسمًا
((أمي من تكّبدت بصنع كل هذه الأطعمة مع منال، لذا حتى لو لم تظهر القبول في حديثها معك لكنها بالتأكيد تودّك))
ابتلعت اللقمة لتقول هرباً من مغازلة عينيه اللطيفة
((نعم أشعر أنها تقبلتني، لطالما كنت أنتَ وتوأمك المفضلان عند أمك، إنها تتوقع مني الآن أن أدللك كما كانت تفعل هي))
قضم مالك قطعة من مقرمشات مملحة وقال لها
((لا الوضع الآن مختلف بعد أن تزوجتك فقد كبرتُ على التدليل وحان الوقت لأضع على عاتقي مهمة تدليلك))
ثم شرد بعينيه قليلا يردف بصراحة
((كنت أريد حقا تجهيز نفسي جيدا لهذه الليلة لكن كل شيء حصل بشكل مفاجئ ولا أشعر بالرضا من رؤية أنك الوحيدة من تبذلين جهدًا لي))
ابتسمت بامتنان له وشردت بعينيها قليلا ليقول لها متذمرا وهو يحشر لقمه كبيرة في فمها
((كلي جيدا يا سمية.. هل أنتِ محرجة مني؟))
مضغت اللقمة وقالت قبل أن يحشر لقمة أخرى بفمها
((هذه هي طبيعة أكلي يا مالك فتوقف))
أصرّ على أن يملأ فمها بلقيمات كبيرة كمن هو في مهمة جديّة قائلا
((هيا تغذي جيدا..))
أجابت بصوتٍ مكتوم وبالكاد يخرج مفهوما
((أنا أفعل ألا ترى! لكني شبعت فيكفي يا مالك))
عقب وهو يعد لقمة أخرى لها
((أكلك ليس جيدا.. هناك الكثير من المجهود الذي عليك فعله بعد قليل
صمتت وقد لف الخجل من كلماته ملامحها المتوردة وبدأت تبتلع لقمة تلو الأخرى.. ما إن تنهي واحدة حتى يزج بالتالية في فمها رغم شبعها التام..
همست له تستجديه
((يكفي يا مالك.. أرجوك.. أقسم لك لم يعد هناك مساحة في معدتي))
تجاهلها كأنه أصم لا يسمع واستمر في حشوها بالطعام فتابعت وهي تمضغ
((أرجوكَ يكفي يا مالك.. لقد شعبت))
لم تجد هنا نفسها إلا أن تنسل منه مبتعدة وتقول بفمها الممتلئ بالطعام بعد أن فقدت أي قدرة لها على تناول المزيد
((أشعر بالتخمة يكفي يا مالك))
نظر لها كنسر يتأهب للانقضاض على فريسته.. آلام مبرحة تغزو جسده الصلب فيشعر كأنه يتضور جوعا.. لها هي..
كل ما فيه يلتهب ويثور اشتهاء لعبقها.. للسفر في سواد شعرها.. والغرق فيها.. فهدر بصوتٍ خطير متلاعب
((هل أفهم من كلامك أنك أصبحت مستعدة؟))
أنهت مضغ ما بفمها وقالت متذمرة بمرح
((وهل أنا فرخة تقوم بحشوها وتجهزها قبل أن تضعها بالفرن))
لفّ ذراعيه حول خصرها لتشهق ثم رفع جسدها للأعلى ليجعل وجهها بمستوى وجهه.. لتقول له وقد غلبها انكماش فطري
((مالك أرجوك على مهلك حتى لا تمزق الثوب))
ابتسم بحرارة وعيناه تتوحشان بالتوق المستعر هامسا
((سأمزقك أنتِ شخصيا فلا تبالي بالثوب))
حركها نحو السرير ثم أوقعها معه فوقه وهو يأسر شفتيها بعنف..
وبلحظة التقت عينهما بتواصل بصري..
نظراته لها بالرغبة المتقدة تُعلمها أنه ليس كمالك في الماضي الذي أسرها بلطفه وحنوه ومراعاته..
أما نظراتها له تفضح خوفها الفطري من القادم الوشيك بينهما..
وكأنها تتوسله الرفق معها..
فحثّ نفسه أن يكون بغاية الذوق والتفهم معها.. وأن يعاملها كأنها لم يسبق وأن حظيت بأي تجربة قبلا معه..
ولكنه لم يستطع أن يتمالك نفسه تماما وقد كانت سنوات طوال عجاف قبل أن يحظى بهذا القرب منها مجددا..
.
.
بعد ساعات.. في ظلام الغرفة الدامس..
اعتصر مالك بعنف جسدها متنعما بقربها..
سمية.. صديقته.. حبيبته.. زوجته السابقة.. والحالية.. حلم مراهقته وشبابه اليافع.. أصبحت له.. قلبا وروحا وجسدا..
أما هي شعرت بجسدها يتحطم تحطما على أضلاعه فهمست باسمه متأوهة قبل أن تغمغم بوهن وبصوت ناعس
((مالك.. يكفي أرجوك أريد أن أنام فأنا منهكة.. للغاية))
أصدر ضحكة خافتة خشنة على كلامها.. لا يلومها فلم يكن معها الليلة طيبا أو هادئا..
أغرقها بقبلات رقيقة كأنه اعتذار خجول عن قسوته معها من قبل وشعور بالذنب..
ثم ابتسم بحرارة تنضح منه ليهمس اسمها
((أعتذر لك، عليك أن تعتادي على هذا قبل أن أنتقل للمستوى التالي في الأيام القادمة))
عقدت حاجبيها تقول متسائلة
((ماذا تقصد بالمستوى التالي؟))
قال لها بهمس وفخر رجولي
((قبل سنوات كنت أبلهًا لا أفهم شيئا لذلك كنت رقيقا بشكل كبير معك أما الآن الأمور مختلفة.. لقد حان الوقت لاكتشاف المرأة بداخلك ولكن أتردد في أن أكون جريئا أو أجرب أي شيء مختلف معك))
ازداد انعقاد حاجبي سمية وتذكرت كيف كانا بتلك الأشهر القليلة التي حظيا بها في زواجهم الأول لا يملان من بعضهما..
ثم تذكرت ما حدث قبل قليل وكيف كانت الحرارة والعاطفة المتفجرة بينهما..
هل هناك أجرأ من ذلك؟
ماذا تبقى من شيء يمكن أن يوصف بأنه تردد قبل فعله؟
قبل سنوات ورغم رغبته في الاندفاع بعاطفته معها إلا أن ملامساته كانت خجولة.. مترددة.. منعدمة الخبرة.. فهو كان يستكشف هذا العالم لأول مرة.. ومعها هي..
كان بالمجمل رقيقا وطيبا معها إلى الحد أنها كانت تشعر برغبة لا تنتهي للبكاء.. وكان يتقبل خجلها وترددها بطيبة خاطر.. وبعدما ينتهي كان يضمها إلى صدره ويشعرها بأنها تمثل الدنيا ومن فيها..
خرجت من تفكيرها على تأوهاتها وهي تشعر به يعتصرها أكثر وأكثر..
وبدلا من أن تتذمر ابتسمت له وفي قلبها يتضخم شعور عارم بالحميمية والانتماء له..
والمكان الذي يجمعهما به عشها الصغير الذي لطالما حلمت ببنائه بالحب..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-21, 04:10 PM   #4398

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في إحدى الفنادق الفخمة..
خرج قصي من الحمام عاري الصدر حافي القدمين وشعره الرطب يعلن عن حمام بارد لم يطفئ ناره..
من جهة هو مشغول بقضية شيرين التي ليس لها أحد من البشر غيره.. ومن جهة مشغول بأمواله التي قاربت على الانتهاء بعد ما أنفقها على إيجار مكوثه في هذا الفندق وشراء بعض الاحتياجات التي تخصه..
ولن يستطيع طلب المزيد من المال من يوسف التافه حتى لا يتباكى أمامه بمخاوفه من علم عمه عن ذلك!
ضرب قصي الحائط بقبضته قبل أن يعاود الكرة وغضبه لا يهدأ..
عليه مبدئيا أن ينسى كل شيء ويركز في سهر التي لا تزال تبيت في بيت صديقة غير مقربة لها وتعمل في مطعم شعبي إلى الآن!
عليه أن يذهب لها ويجبرها على ترك ذاك العمل والعيش في بيت عائلتها.. فالأفكار الجنونية تلاحقه دائما عن ذاك المكان الخطر على عملها فيه كامرأة..
لم تكن قد مرت ثلث ساعة حتى وجد نفسه أمام المطعم الذي تعمل فيه سهر ويدلف لداخله!
استغل عدم انتباه أحد ليتسلل للمطبخ بخفة حيث كانت سهر تغسل الأطباق قبل أن يغلق الباب خلفه..
انتفضت سهر ملسوعة وهي تستدير للخلف هاتفة بخوف
((من أنتَ؟ وماذا تفعل هنا؟))
أغلق الباب خلفه متسائلا باستياء
((هل تكرر هذا الأمر؟))
حاولت سهر التقاط أنفاسها وهي تسأله بصدمة
((قصي! لقد أرعبتني! ماذا تفعل هنا؟))
تجاهل ما تقوله ولف غضب غير مألوف وجهه وهو يقول
((هل تكرر أمر كهذا؟ هل سبق ودخل عليك هنا في السابق أحد؟ الآن وفي هذه اللحظة عليك ترك العمل هنا، أنا لن أسمح لك أن تبقي في مثل هكذا مكان! الجنون الذي كنت تقومين به بالماضي وتحدثيني عنه لن يستمر، إذا كانت عائلتك تسمح لك بالعمل في أماكن كهذه في كل مرة تتشاجرين فيها مع أمك فبعد الزواج مني لن يستمر الأمر هكذا))
جرأته في القدوم إلى هنا والتحدث معها كأنها لم تكتشف شيئا من كذبه المخزي عليها أثار استهجانها!
في هذه اللحظات فقط عرفت بأن أقصى درجات الثورة والاستنكار.. هو البقاء ساكنةً وهي تقول له بفتور
((قصي هل أنتَ مجنون أو ماذا؟ أي زواج هذا وأنا أنتظر منك أن ترسل لي ورقة فسخ خطوبتنا! عقد قراني عليك قبل تحديد موعد الزفاف كان خطأ فادحًا، وتخاذلي عن متابعة طلب الفسخ لا يعني أنه لن يحدث بل أنا أنتظر عودة أبي من سفره وراحة بالي عليه قبل أن أنشغل بك أيها المحتال، منقب الذهب))
اضطربت ملامحه للنعت الذي وصفته به ثم قال
((حتى لو كنا سنفسخ خطوبتنا فلا يجب عليك أن تظلّي في عملك هنا، إنه مكان شعبي وقد يتحرش بك لفظيا أو جسديا أي من زبائن هذا المكان إذا كان منحلًاً))
ابتسامة ساخرة مزدرية احتلت فمها الجميل قبل أن تخبره
ببرود
((أولا أنا لا أعمل شيئًا في هذا المطعم إلا غسل الصحون وتنظيف المعدات وإعداد الطعام، في هذا المطبخ الذي لا يدخله أحد غيري، أي لا مجال لي للاختلاط بأي أحد.. ثانيا لا أرى أي شيء يعيب هذا العمل في هذا المطعم "الشعبي" مثلما لم يكن يعيب عملك الذي كنت تكذب عليّ بشأنه يا منقب الذهب))
عند هذه النقطة شعرت سهر بالغثيان منه.. كيف لا يشعر بالخجل من نفسه بعد أن كشفت حقيقة خداعه!
لقد كذب بمنصبه المرموق في شركة عائلته فاحشة الثراء ذات الصيت المعروف..
كذب بالقصور والفلل التي يمتلكونها..
كذب بسفرياته مع أصدقائه وزملاء الدراسة من نفس طبقته الغنية..
كذب بالأناس المهمين والمشاهير الذين قابلهم..
ووصل به الأمر أن يريها صورا تثبت لها حقيقة ما يعيشه بل وأحيانا يوفرها لها لتجرب معه كدعم لكذبه وخداعه..
لو كانت مكانه لدفنت نفسها في الوحل للأبد من شدة الخجل..
تطلعت سهر له مردفه
((أنتَ إنسان مقزز لا أصدق كيف أحببتك يوما أكثر من نفسي يا منقب الذهب!))
هنا لم ترتبك ملامحه حرجًا بل على العكس ارتسم على وجهه الاستياء وهو يرد قاطعًا بامتعاض شرس
((أنا لم أكذب ببعض الأمور يا سهر لأني منقب ذهب بل لأني أحببتك ولم تكن هناك طريقة لأحصل عليك سوى بتلفيق تلك الأكاذيب..))
جاش صدرها بالغضب وقالت هاتفة
((ببعض الأمور فقط؟ أنا أشك أحيانا أن اسمك هو الوحيد ربما الذي لم تكذب به يا قصي، أغرب أنتَ ووجهك البغيض من أمامي قبل أن أرفع صوتي وأجمع الناس علينا هنا))
رفع حاجبيه يقول بخشونة
((هل انتهي كل شيء بيننا يا باربي؟ ألا تحملين في قلبك شيئاً يشفع لي ما فعلته!؟))
شدت سهر على كلماتها وهي تقول
((كنت أحمل لكني قذفته بعيدا أيها المحتال.. منقب الذهب))
كسا الألم ملامحه وهو ينطق أحب أسماءها على قلبه ((باربي..))
قاطعته صارخة بانفلات أعصاب
((توقف عن دعوتي بباربي، صرت أكره كل لعب الباربي بسببك، حتى أمي تتحسر على عدم زواجي من مراد فهو كان في مرحلة من المراحل يريد الانفصال عن زوجته))
أظلمت عيناه وهو يتساءل بصوتٍ خطير
((مراد؟ هل تقصدين خطيبك السابق؟))
ابتسمت سهر بلا مرح وهي تجيبه
((نعم هو.. لقد ظلمته.. فبرغم ثراء عائلته إلا أنه كان شابا معتدلا.. مخلصا لي رغم عدم حبه.. وأنا من ظلمته وهربت من زفافنا وأسأت لسمعته ومن قبلها سمعتي))
أغمض قصي عينيه أمامها وهو يحث نفسه على الهدوء وعدم الانجراف بغضبه وغيرته عليها فهي محقة بكل شيء..
أخذ عدة أنفاس حرقته بدلا من أن تهدئه ثم فتح عينيه يسألها
((هل أنتِ نادمة على هروبك من زفافكما قبل أكثر من عقد مضى؟))
أجابته بنفس الابتسامة التي تستشيط من غضبه
((أنا نادمة فقط على الطريقة التي فعلتها فقد سببت مشاكل له وبالأكثر لي، لكنه سعيد جدًّا مع زوجته ويحبها وهذا ما يشعرني بقليل من الراحة إزاء ما فعلته له، وأنا بالنهاية استحققت السمعة السيئة التي طالتني عند هروبي وأن أُخدع من قبل رجل مثلك))
ازدادت ابتسامة سهر اتساعا وشعرت بقلبها ينتفض برضا إيذائه.. وبرضا الانتقام من مخادع مثير للاشمئزاز بأكاذيبه مثله!
ثم قالت ممعنة أكثر بإثارة غيرته
((صحيح أني لا زلت أشعر أنه ونمط حياته كانا غير مناسبين لي.. لكن الزواج منه كان ليكون أفضل من حالي الآن لكن لا فائدة من التحسّر)
حدق في عينيها للحظاتٍ طويلة فتلاشت الابتسامة عن شفتيها تدريجياً حتى اختفت تماماً وبادلته النظر بتجهم وارتباك.. وخوف وهي تراه يقترب منها..
وقف قصي أمامها وزمجر بصوت مخيف ويداه ترتفعان لتمسكا رأسها بخشونة
((اصمتي يا سهر))
مال بوجهه منها وأنفاسه تخرج منه كالحمم بينما بدأت أصابعه تتخلل خصلات شعرها الذهبية قائلا
((اقتليني يا سهر لكن إيّاك أن تحاولي إثارة غيرتي بهذا الشكل))
أظهرت سهر استخفافا به فشد شعرها من الخلف ليرفع وجهها إليه، فصرخت بـه
((أيها ا-ل-ح-ق-ي-ر ابتعد من هنا، انطق كلمة الطلاق وافسخ هذه الخطوبة البائسة))
ثم بقوة لا تناسب هيئتها متوحشة الأنوثة والجمال ضربته على ساقه وأبعدته عنها لاهثة..
ساد الصمت بينهما وهي تنظر إليه نظراتٍ باردة بعينين زجاجيتين خاليتين من التعبير ليقول بجفاء وبصوتٍ قاسٍ
((لن أفسخ أي شيء بيننا رغم الحقيقة المُرة التي عرفتها عنك وهي أنك لا تختلفين شيئا عن أمك، لا يهمك في الرجل إلا جيبه وموقعه في مجتمعها الراقي))
نظرت في عينيه مجيبة ببرود
((نعم أنتَ محق هذه هي أنا))
هتف قُصي بحدة وعذاب
((لا أصدق حقًا أن كل شيء انتهى بعدما عرفت بأني لست غنياً؟))
ابتسمت مجددا ولكن رغماً عنها وهي تخبره بتسلية حانقة
((بل صدق يا حبيبي واتبع مصلحتك في الانفصال عني بهدوء ولا تدفعني أن أؤذيك كما أذيتني بسرقة ثلاث سنين من عمري بإشباعي بخداعك؟))
ثم شهقت بافتعال كمن تذكرت شيئا وقالت متهكمة
((قالت شيرين لي أن الموقع الإلكتروني الخاص بالقسم وشركة القاني رفع قضية تعويض عليك فضلا عن موظفين أخرين رفعوا عليك قضية بسبب وظائفهم التي خسروها بسببك.. ألا يجب أن تكون الآن بالسجن؟))
ابتسم لها بتشنج وقال
((لا تقلقي يا باربي الحبيبة الخرقاء فأنا لن أسجن))
رفعت حاجبيها بشك وقالت
((لماذا تبدو واثقا إلى هذا الحد! الشركات التي رفعت قضايا عليك هي شركات كبرى وسترحلك خلف الشمس وتدمر مستقبلك))
كتف ذراعيه وقال بغرور
((لقد تمت تسوية كل هذه القضايا ولن يحدث لي شيء اطمئني))
تجهمت ملامحها وتساءلت
((هل تخدعني؟ لا أصدقك))
هز كتفيه ثم قال بلامبالاة ظاهرية وهو يعرف أن شيرين في الوقت الحالي غير مسموح لها باستقبال أي زيارات
((لا يهمني.. اسألي صديقتك تلك المشرفة المتسلطة لتعرفي بأنه تم تسوية كل القضايا وخرجتُ من المشكلة كما تزال الشعرة من العجين))
تمتمت سهر بوجوم
((ولماذا قد يخرجوك وهم الآن بأمس الحاجة لأحد يصبوا عليه جام غضبهم وحنقهم من الخسارة التي حدثت لفرع شركة القاني الثاني؟))
لم تجد منه إجابة فأردفت ساخرة
((على كل حال شيرين ستحزن جدًّا فقد كانت تدعوا أمامي ليل نهار أن تنال جزائك يا قصي ويزجوا بك خلف القضبان))
عند هذه الجملة ضيق قصي عينيه بحقد برق رغما عنه وتمتم من بين أسنانه المطبقة
((لو كانت تعرف صديقتك المسكينة بأن دعواتها ستُرد عليها وتزج هي بالسجن لفكرت جيدا قبل أن تدعو بها!))
سألت سهر بحنق
((هل تقول شيئا؟))
تنحنح قصي يجلي صوته وفتح فمه ينوي التحدث قبل أن يفتح الباب بغتة وتظهر امرأة تهتف بهم بعصبية كمن أمسكت بهم متلبسين بفعل شائن
((سهر من هذا الرجل الذي سمحت له بالدخول هنا في المطبخ وأغلقتِ الباب عليكما؟ هذا مطعم محترم ولن أسمح بأي تجاوزات))
ذعرت سهر من سوء ظن مالكة هذا المطعم الذي تعمل عندها وسارعت توضح موقفها هاتفة بقلق
((أقسم لك يا سيدة فريال أنه خطيبي وليس رجلا غريبا بل وعقدنا قراننا قبل ثلاث سنوات))
وزعت فريال نظرها على قصي تقيم مظهره الرجولي وهدرت وهي تلوك العلكة في فمها
((حسنا الأمر ألطف مما تخيلت لكن حتى لو كان خطيبك فمن غير المسموح له أن يتواجد هنا.. سأخصم من راتبك بسبب سماحك له بالدخول هنا))
بادل قصي النظرات لتلك السيدة الخمسينية المتصابية بملابسها وزينة وجهها والشامة التي ترسمها على يسار ذقنها المبالغ بحجمها..
شهقت فريال قبل أن تقول
((لحظة! قلت قبل فترة أمامك يا سهر أني أبحث عن موظف ذكر كنادل هنا، فهل جاء هنا للتقدم للوظيفة؟))
تراخت ذراعي قصي وقال بسرعة متداركا
((تقدم للوظيفة؟ نعم، نعم أنا بحاجة ماسة لوظيفة فأنا أساسا عاطل عن العمل.. اسمي هو قصي سامح))
رمته فريال بنظرة طويلة قبل أن تستدير متجهة نحو مكتبها الصغير
((الحقني يا سيد قصي سامح إلى مكتبي))
تبعها قصي ثم جلس على كرسي أمام طاولتها الدائرية الصغيرة وقال لها يظهر رغبته وحاجته
((أريد أن أعمل في هذا المطعم بأي راتب كان، المهم ألا أبقى عاطلا فلا مأوى لديّ))
عقدت سهر حاجبيها عابسة وهي تراه يستجدي عطف فريال وشفقتها عليّه بينما يتابع
((أرجوكِ يا سيدة فريال أعطيني هذا العمل.. صدقيني لن أخذلك أبدًا فأنا موظف مجتهد وملتزم جدًّا ومنذ صغري معتاد على المشقة))
رفعت فريال حاجبيها ثم قالت بامتعاض
((معتاد على المشقة؟ ومن صغرك؟ عجيب))
رد قصي عليها باستغراب
((لم عجيب يا سيدة فريال؟))
لاكت فريال علكتها بشكل أسرع وهي تقول
((أعني إذا كنت قد بدأت العمل الشاق في سن مبكرة فأين أنتَ من خشونة الرجال وصلابتهم وصمودهم! أنظر إلى يداك الناعمتان خاليتان من أي خدش أو ندوب.. وكأنهما لم تذوقا يوما ويلات التعب! شعرك مصفف بعناية فائقة.. والحلة التي ترتديها ممممم.. تبدو من أغلى الماركات كنجوم السينما))
أرجع قصي رأسه للخلف وقال بحيرة
((هل هذا ذم أم مدح؟ أعني حتى أعرف أرد عليك))
أجابت ببساطة
((الاثنين))
زادت حيرته وهو يتساءل
((هل هذا يعني أنك رفضتِ تعييني؟ ولكن ما ذنبي لأُرفض لهذه الوظيفة فقط بسبب أني وسيم وأنيق!))
تنهدت فريال ووضعت ساقا فوق الأخرى ثم قالت بعملية
((لن أرفض مباشرة سأجربك لأسبوعين.. ستعمل هنا كنادل وتشارك في التنظيف، ما رأيك؟ هل ستنجح في عملك؟ فزبائن مطعمنا الشعبي هذا صعبي المراس وليس من السهل إرضاؤهم))
ضرب قصي صدره وقال مرفوع الذقن بثقة
((عملي السابق كان موظف خدمة عملاء، وسبق وأن واجهت الكثير من المواقف التي أتعامل فيها مع عميل غاضب صعب الإرضاء أو شخص غير سوي يحدثني بشيء من العصبية والتطاول.. لذا لا تقلقي يا سيدة فريال فأنا شخص يستطيع أن يحافظ على هدوءه وصبره والوصول لمستوى راقي ومتحضر لإرضاء العملاء))

دققت فريال بملابس قصي.. رقي وماركة حلته.. فخامة التفاصيل الغالية من ساعته.. حذائه.. ثم قالت بهدوء
((إذن راتبك سيكون أسبوعي بأجرة خمسين دينار.. أما عملك سيكون يومي لعشر ساعات باستثناء الجمعة))
جحظت عينا قصي مما يسمعه وقال
((هل هذا عمل أم استعباد؟))
قالت فريال باستياء
((عفوا يا سيد قصي سامح؟))
أحبط قصي فهو بعد كل شيء قد تعب في الأيام السابقة من البحث عن وظيفة بشهادته في هندسة الإنشاءات بعد أن رفضه الجميع لأنه بلا خبرة ولا يعرف شيئا عن مجاله الذي درسه آخر مرة كان قبل عشر سنوات في آخر امتحان جامعي له.. وكان سلواه أن يكون راتبه هنا جيدا حتى يعيله ويجعله قريب من سهر..
لكنه هتف بخفوت أمام فريال
((أقصد شكرا لك على كرم أخلاقك، سأبذل قُصارى جهدي أن أكون عند حسن ظنك طوال فترة عملي هنا))
تطلعت فريال لسهر المشتعلة حنقا من قبول عمل قُصي هنا وهتفت
((سهر سأولي لك مهمة تعليم خطيبك كل شيء يخص العمل هنا من تنظيف وتقديم وجبات))
في هذه الأثناء اقترب فتى نحيف منهم يمسك خرقة كان ينظف الطاولات بها وتساءل بينما يمسك ذراع سهر
((هل هذا الرجل سيكون الموظف الجديد هنا؟))
أجابته سهر بعفوية
((نعم يا نور))
احتلَّ الغضب وجه قصي من لمسة المراهق الصبي لسهر وتساءل بنظرات مخيفة يوجهها نحوه
((من هذا المراهق النحيل؟ هل يعمل هنا معك يا سهر؟))
همست سهر في وجه قصي
((لا دخل لك))
لكن كل تركيز قصي كان منصبا نحو المراهق وهو يسأله بحدة
((كم عمرك يا هذا؟))
أجاب الصبي بخوف وهو يبعد يده عن سهر تلقائيا
((أر.. أربعة عشر سنة))
تطايرت شرارات التهديد من عيني قُصي وهو يقول
((أربعة عشر سنة؟ حسنا أيها النحيل لو مددت يدك ولمست خطيبتي سأكسرها لك))
لكزته سهر على كتفه وقالت
((الرجولة ليست مظهرا بل صفات يتحلى بها المرء فلا تستهزئ بنحالته))
تطلع لها يقول بحنق بالغ
((أنا لا استهزئ لكن شكله غير مريح أبدًا! من الآن سأبدأ العمل هنا وأراقب هذا الولد جيدا وإذا ما شعرت به يناظرك أو يقترب منك أيتها الباربي الخرقاء فلن أمسك نفسي عنه))
تكورت يد سهر وقالت له
((إيَّاك أن تظن أن مجاراتي لك في الحديث تعني أنى لن أرفع عليك قضية في المحكمة لنفسخ كل شيء بيننا، أنا فقط أنتظر عودة أبي، لذا توقف عن التحدث كأني أمر يخصك))
غادرت سهر المكان وفتحت هاتفها لتتواصل مع أحد أخوال شيرين الذين لا يكفون عن الاتصال بها لتنقل لهم آخر أخبار شيرين..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-21, 04:11 PM   #4399

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

كان مُعاذ يجيء ويذهب بعنف مكبوت بداخله، شعر صديقه بغضبه المكتوم فرمقه بجدية وهم بالحديث قبل أن يصدح صوت معاذ الغاضب وهو يمسك كرسي ويضعه قبالة صديقه
((مُمارسات الرتب الصغرى من الضباط مثيرة للاستفزاز))
سأله صديقه بفطنة
((من تقصد؟ الملازم الأول حمد؟))
فتح مُعاذ أول زرين من سترته فلمع سلساله الفضي الخاصة ببطاقة تعريفه الإلكترونية حول حدود رقبته بينما يجيب
((نعم فحمد لا زال ضابطا برتبة ملازم أول ويتصرف بهذا الشكل فكيف سيكون حاله عندما يصل إلى رتبة العميد أو اللواء؟))
تنهد صديقه قبل أن يقول بجدية
((معك حق فمنذ الوقت الذي أنضم حمد إلى مباحث السجون وأنا لا أذهب ناحية الإدارة إلا ورأيته حاملا للكرباج يضرب به المساجين الجنائيين))
غمغم مُعاذ بخشونة وغضب
((ليس به عقل هذا المجنون يظن أنه ملك الكون كله فقط بسبب معارفه في هذا المجال))
وافقه صديقه هادرا
((نعم فقد ورث هذه الأخلاق والتجبر القميء من عمه الذي كان نقيبا أيضًا ويفعل مثل ما يفعله، ولكنه صار الآن أسوأ منه.. ولولا أني أمنعه عن المساجين هنا وإلا لكانوا رأوا منه أسوء أيامهم))
ثم مال برأسه وضيق عينيه متابعا بتحذير واهتمام
((المهم يا مُعاذ احذر منه فهو ليس سهلا أبدًا لو وضعك في باله، فمن الحكمة الحذر في التعامل مع شخص ينحدر من عائلة أصحاب مراكز مخيفة مثل عائلته))
لم يعرف معاذ ماذا يرد عليه ولكن ارتأى نسيان الأمر فالآن حان وقت عطلته المعتادة التي يستغلها في العودة للقرية وزيارة عائلته..










*****



عصرا.. بعد خفوت أشعة الشمس الحارقة..
ذهب الحاج يعقوب مع أولاده الأربعة لزيارة قبر يحيى..
دلفوا من مدخل المقبرة الأيمن.. وهناك تلوا جميعا الفاتحة عليه ودعوا له..
التفت مُعاذ لمصعب الذي يعرف أن هذا القبر كان في وقت من الأوقات مكانه الدائم والوحيد الذي يشعر به بالراحة..
اقتلع مُصعب الأعشاب التي نبتت على القبر ورشه بالماء ثم نظف الشاهد الحجري الصغير المعرف عن صاحب القبر من الغبار والتراب الذي علق به خلال فترة غيابه عن القبر..
التفت مُصعب لأخيه الذي شعر بنظراته وقال بصوتٍ رخيم
((فقده عظيم عليّ، كان هو الجزء الأيسر لصدري.. لم يؤلمني يومًا إلا في موته))
ابتسم مُعاذ له قائلا
((إذا دعوت فاذكر الله يجمعنا به بالفردوس الأعلى وتصدق عنه كثيرا))
استحضر مُصعب وجه ابن عمه يحيى الذي رحل عنهم وهو يتمتم
((لقد كنت يا يحيى الأخ المفضل والأقرب لي، ولا يقتلني شيء كرحيلك المفاجئ دون مقدمات. الملتقى بيننا الجنة بإذن الله))
مدَّ مُعاذ يده يحيط كتف أخيه يسانده ويؤازره ليقول مصعب وهو يناظر شاهد القبر
((لنقرأ يا مُعاذ الفاتحة مرة أخرى على روح صاحب القلب النقي والابتسامة المريحة.. إلى من فراقه جعلني أبكي كالطفل.. إليه أخي يحيى رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته))
دعا الاثنان مع باقي إخوتهما أن يرحم من صار في جوف أرضه ولم يعد بينهما سوى الدعاء.. ثم قال له مُعاذ مقترحا
((كنت أفكر أن نجعل له صدقة جارية كمشاركة ببناء مسجد أو حفر بئر، فضلا عن توزيع كتيبات أو أجزاء من القرآن ونكتب إنها عن روحه))
ابتسم مُصعب وقال بخفوت
((نعم أريد أن نفعل كل هذا، وبالنسبة للكتيبات لا حاجة لكتابة اسمه عليها حتى لا يكون الباعث عليها الرياء والسمعة منها ويُقال بأنا نفعل ذلك حتى يذكرنا الناس))
ثم عاد يلتفت للقبر كأنه يحدث الراحل أو يبوح له ببعض الأسرار..
فراق يحيى له لا زال يتعب قلبه.. ورحيله كان أصعب ما قد مرّ به.. لكن على كل حال الحياة تستمر والصبر لا بد وأن ينتهي.. وللعمر وقوف..
والآن أخيرا يستطيع أن يقول بأنه تحرر من ذاك الذنب الذي كان لا ينفك من وقت لآخر بتكشير أنيابه أمامه..
استقام مُصعب من مكانه ورأى كوكبة مشكّلة من الأولاد ذوي الوجوه التي لوحتها الشمس يطوفون بين القبور لأخذ حصتهم من الزيارة فأعطاهم النقود.. ثم سار للخارج بجانب مُعاذ الذي غمغم بخفوت
((تمنيت لو أخذت معي دارين لتزور قبر أمها))
قال مصعب بهدوء له
((ولكنك تذهب معها لتزورها أكثر من مرة في الشهر!))
تنهد معاذ قبل أن يعقب
((حتى لو زارته كل يوم لن يكون كافيا بالنسبة لطفلة عاطفية مثلها، فموت سناء بالنسبة لدارين كان فقد للعطف والحنان الذي كان يغذي نفسها وقلبها، وانحسار للرعاية والعناية التي كانت تلاحقها حتى في غرفة نومها وعلى سريرها، وافتقار لليد الحانية التي كانت تلامس شغاف قلبها قبل أن تقع على رأسها وبدنها))
ابتسم مُصعب وقال له
((سناء كانت غالية عليك، يكفي أنك لم تتزوج بعد وفاتها لأكثر من تسع سنوات))
((نعم معك حق فإليها كنت أفضي إذا اشتد عليّ الحوالك وبها كنت أستعين وأعول إذا انتابني أي ألم به كرب أو حزن.. كانت الأقرب إلى روحي ونفسي بعد أن اقترنت بها بذلك العقد والميثاق الزوجي))
عند كلام مُعاذ عن زوجته الراحلة ذكَّر مصعب نفسه بالإضافة التي عوضته عن صديق عمره في حياته.. ألا وهي زوجته..
ففي أيام وفاة يحيى الأولى كان يتكسر يوميا بسبب الحزن الذي لفَّه ويشعر أحيانًا أن حياته صارت عابرة بلا معنى.. كأن عالمه من دون ابن عمه المقرب ليس لها لون أو طعم للمتعة..
مهما حاول أن يجرب كل النشاطات والمغامرات التي كان يقوم بها مع يحيى مع صديق آخر فالأمر لا ينجح..
كان يعيش أيامه بتفكير متكرر ثابت.. الأيام نفسها ولكنها تتدحرج ببطء.. وتأنيب الضمير يغرس أنيابه المُكشرة داخل جوفه المفرغ من الأساس.. لكن كل هذا انتهى تدريجيا مع اللحظة التي دخلت فيها نورين حياته..
بمجرد أن غادروا المكان قال الحاج يعقوب
((المقبرة أصبحت عملاقة وتأكل يوميا المزيد من قطع الأراضي المجاورة.. أذكر عندما دفنت والدتي رحمها الله قبل عشرين عاما كان قبرها بجوار السور لكن الآن بينها وبين السور شوارع وأحياء من الموتى))
قال مالك معقبا بعد دقائق صمت
((مُؤيد هو الوحيد الذي صدع رؤوسنا بالثأر بالدم وانظروا له كيف تخاذل عن القدوم لزيارة يحيى معنا))
حدج يعقوب بنظراته الغاضبة مالك الذي ما يفتأ في كل فرصة أن يذم مُؤيد ثم قال
((إنه مريض بالمشفى وله عذره، لكن عتبي على ابن أخي وليد))
طبطب مازن على كتف والده هادرًا بسخرية
((أبي وليد مرفوع عنه القلم))

تمددت رتيل على فراشها فاتحة عينيها وبدت في أضعف حالاتها..
منذ أيام تعيش كالأموات بعد أن خسرت كل شيء في حياتها.. حياتها السابقة.. زوجها.. ولديها..
هل كان يستحق الأمر أن تخسر كل شيء من أجله؟
وهل تلوم زوجها إن صدقَّ كذبة أن لديها عشيق تبيت في بيته بالأيام!
لن يلوم أحد مُؤيد على تفكيره ذاك حتى لو ق-ت-ل-ه-ا فهو باعتبار أنه أمسك بها متلبسة بجريمة الخيانة! بل هو مشكور أنه لم يخبر السبب الحقيقي لعائلتها..
كون مُؤيد دائما قاسي ومنشغل عنها ومقصر في حقها لا يخولها أن تفعل ما فعلته..
ليت الزمان يعود فقط!
فجأة دبت الحياة فيها وانتفضت مكانها ما إن صدح صوت هاتفها عاليا وقد شكت أنها ياسمين أو سمية التي طلبت منهما بوقت سابق أن تتحدث مع أحد ولديها..
ارتعشت شفة رتيل السفلى ما إن علا اسم مُؤيد شاشتها..
فجأة جحظت عينيها وهي تتذكر الرسائل التي أرسلتها للحاج يعقوب!
هل يعقل أنّ مُؤيد تراجع وقرر فضحها بعد أن فضحته عند والده!
ودون لحظة تردد أخرى أجابت وهي تقول بلهفة جزعة
((مؤيد هذا أنتَ؟ هل وصلت الرسائل لك؟))
تكلم مؤيد بنبرة غير مفهومة لكنها مريبة بهدوئها
((أيّ رسائل تقصدين؟))
خفت لهاثها وشكت أن ذلك الصبي ابن قريتها خدعها ولم يفعل ما طلبته منه بعد أن أخذ النقود منها.. هزَّت رأسها يمينا ويسارا تستعيد تركيزها ثم قالت بصوتها المتعب المنهك
((انسَ َكليًا أمرها، لكن أريد أن أقول لك بأني لم أخنك، أقسم لك برب العباد أني لم يسبق وأن خنتك حتى بالتفكير))
أصدر صوتًا هازئا مريرا قبل أن يقول
((وهل تظنين أني كنت لأبقيك على قيد الحياة لو شككت ولو مجرد شك بسيط أنك خنتني؟ لقد استجوب أخي غنوة ودُموع وعرف منهما كل شيء وخاصة موضوع سرقة دراجة أخي، تلك التي دفعتِ ثمنها لمصعب))
بدأت مجددا دموع الندم تأكل أحشاء قلب رتيل وهي تجيبه راجية أن يصدقها
((أقسم لك أني لم أطلب منها سرقة دراجة مصعب، ودفعت ثمنها لأخفف قليلا من الذنب الذي أشعر به تجاه سرقتها لأني من أخبرتها عن مكانها، لكن لاحقا قلت في نفسي بما أنها سرقت وانتهى الأمر فعليّ الاستمتاع بالدراجة أثناء وجودي عندها))
أسبل مُؤيد جفنيه بألم مبتسمًا بلا حياة ليقول بصوت ميت
((على كلٍ علاقتنا انتهت كليًا بعد أن اكتشفت ما كنت تفعلينه خلف ظهري، فلست امرأة تصلحي أن تكوني زوجة أو أم أستأمنها على بيتي وعائلتي، وغنوة تم القبض عليها بالفعل بتهمة سرقة دراجة أخي وتقضي محكوميتها، لكن اتصلت بك لأني أريد فقط أن أفهم ماذا رأيتِ في تلك المدعوة غنوة لتفضلي أن تخاطري بزواجك بل بحياتك كلها والذهاب للمبيت عندها كلما حانت لك الفرصة؟))
ازدردت رتيل غصة مسننة قبل أن تجيبه بوهن
((لن تفهم سبب رغبتي في الذهاب عندها.. لكن رفقتي مع غنوة كانت تزود من شعوري بالانتماء لنفسي، تعزز سعادتي، تقلل الضغط القابع عليّ، فمعها فقط كنت أكسر الحياة النمطية والمتزمتة الخانقة التي أحياها بسببك.. هي من ساعدتني في بناء ثقتي بنفسي وتقديري لذاتي التي كانت تتلاشى بسبب تربية عائلتي المتزمتة سابقا ومعاملتك وقوانينك الصارمة))
صمتت رتيل والعبرة تخنقها قبل أن تكمل
((أنتَ حتى لست لطيف المعشر يا مُؤيد، أما هي فمن عمري وكانت تحرص على الإنصات لمشاكلي، ومعرفة ما يحدث في حياتي، وتعقب على شكلي بتعليقات متفرقة موجزة لطيفة.. وتقدم لي النصيحة وتبدي تعاطفها عندما أبوح لها عن الأوقات الصعبة التي أمر بها كأم وزوجة لعائلة متزمتة وضيقة الأفق.. باختصار وجدت فيها كصديقة كل ما افتقدته معك أنتَ كزوج))
شعر مُؤيد باللوم والقهر ينبعثان من صوتها وهي تصارحه بالمزيد بما كان وما زال يحز في نفسها
((في الماضي كنت متحمسة لأنتهي من جامعتي وأتزوج منك لأني استبشرت بك خيرا وافترضت أني سأجد عندك الملجأ والأمان، وستكون لي بئر حكاياتي، ومن أتشارك معه كل المحطات سعيدة كانت أم مؤلمة وتنطلق بي للحياة، لم أعلم أني سأهرب من سجن عائلتي إلى سجنك، حيث تجعلني زوجة مطيعة أنتظر فيها عودتك من المدينة مرة كل أسبوعين بعد أن تفرغ من نزواتك علَّك تتنازل وتمنحني نظرة رضا..))
صمت مؤيد لدقائق ليخرج صوته متسائلا ببهوت وفراغ
((كيف تعرفت على تلك المدعوة غنوة؟))
أغمضت رتيل عينيها على دموع ساخطة من نفسها على كل فعلته بينما تكمل بصوتها الباكي
((غنوة كانت تعيش في نفس قريتي وزميلة في مدرستي لكنها خرجت منها لاحقا.. وبعد أن تزوجتك عدتُ والتقيت بها صدفة في قريتي وقالت لي أنها انتقلت لتعيش وحيدة في المدينة بعد طلاقها.. أعطتني رقمها لأتواصل معها وفرحت بذلك رغم أني لم أكن مقربة منها بل لا أذكر يومًا أني صادقتها، لكن بعد أن أجبرتني يا مُؤيد أن أقطع علاقاتي بصديقاتي جميعهن كنت بحاجة لأيّ امرأة أصادقها، فقبلت أن آخذ رقم هاتفها وأتواصل معها لعلي أملئ فراغ الأيام التي كنت تتركني فيها لوحدي في قصر عائلتك بينما تكون في المدينة..))
سألها بجفاء وهو يضيق عينيه
((إذن كان الأمر مقتصرا في البداية على مكالمات هاتفية فقط؟))
أجابته بلهفة صوتها المرتعش دون لحظة تردد
((نعم فقط مكالمات، لكن بعد أن أنجبت ابني الثاني بدأ وسواسها يتسرب لعقلي وبدأت تشجعني أن أرتب زيارة لمنزلها للمدينة بعد أن أتذرع لك بالذهاب عند أمي..))
حثها أن تكمل ببرود ((ثم؟))
زمّت شفتيها وهي تحاول السيطرة على ارتعاشهم ثم أكملت
((فعلت ما قالته وذهبت عندها ورغم أني لم أستطع أن أنام ليلًا من فرط قلقي وذعري، وإذا ما غفيت لدقائق قليلة كنت أحلم بك وبأخواتي الاثنين تجزون عنقي عندما تعرفون.. لكن الأوقات الممتعة التي قضيتها معها في التسوق وتجاذب الحديث والخروج إلى المتاحف والمعارض كانت أجمل لحظات عمري، فأقدمت على زيارتها ثانية بخوف وذعر أقل من المرة السابقة حتى اعتدت زيارتها من كل وقت لآخر كلما اشتقت لتذوق طعم الحرية والعيش كأي إنسانة طبيعية تخرج وتذهب لأماكن عادية، منذ فقط أن تعرفت على غنوة بدأت حياتي تشرق وتختلف))
غامت حدقتي مُؤيد..
هل يكذب على نفسه إن قال بأنه كان يتعجب من سعادتها في كل مرة يراها تعود من عند عائلتها؟
وربما هذا هو ما كان يجعله أحيانًا يتمادى بتجبر ويمنعها من زيارتهم، وقد كان لا يستوعب كيف تعود كل مرة مفعمة بالحياة والعنفوان!
مالت شفتاه في ابتسامة مريرة.. جعلته يبدو أكبر سنًا بعشراتِ السنوات وهو يتساءل ببطء
((إذن خاطرت بكل شيء من أجل زيارتها لأنها أتاحت لك العيش بمرح وتجربة كل ما هو جديد، ولكن بما أنه لم يكن يخفَ عليك سوء أخلاقها، ألم يسبق لك وأن فكرت ما قد تفعله بك أثناء نومك؟ ماذا إذا كانت تقوم بتخديرك أثناء النوم وتدخل عليك رجالا أو تقوم بالتقاط صور لك؟))
شحب وجه رتيل ورمشت بعينيها تحاول استيعاب ما يقول.. وبالكاد خرج صوتها من شفتيها وهي تهز رأسها نافية
((لا مستحيل.. لا.. لا يمكن أن تكون..))
سمعت صوت ضربه طاولة بيده بينما يقصف صوته بقهر
((وكيف تعرفين بأنه مستحيل؟ هل سبق وتوقعت أن تكون متواطئة مع دموع؟ هل سبق وتخيلت أنها يمكن أن تقول أمامي أن لديك عشيق؟ لقد فعلت ما لا يفكر به شيطان فلماذا قد يكون هذا الأمر مستبعدا؟))
الصمت الثقيل الذي تلا كلماته كان كغيمة جثمت على صدرها ووجهها يزداد شحوبًا.. فأكمل لها وصرامة صوته تخفي الألم المبرح المنبعث منه
((لقد زاد يقيني أن فكرة رجوعك لي مستحيلة))
نعم مُعاذ أكد عليه بعد تحقيقه مع غنوة ودموع بأنهما لم يفعلا شيئا من هذا القبيل لكنه غير متقبل لفكرة عودة رتيل له!
رفعت رتيل يدها فوق فمها تخفي شهقة مفجوعة قبل أن تهمس له بألم وهي تتخبط بالألم والانكسار
((مُؤيد هل يمكن أن أسمع صوت أولادي الاثنين؟ أرجوك لقد اشتقت لهما وقلبي يتمزق على سماع صوتهما على الأقل))
أجابها بصوتٍ جامد لا حياة فيه
((انسِي أن لك زوجا أو أولاد، لقد تطلقنا وسأحرمك من الأولاد وسأجلب لهم أما أخرى.. وداعًا))
عندما أغلق مُؤيد الهاتف تهالكت رتيل على حافة فراشها مائلة للأمام.. فغطى شعرها ملامحها ثم تراخت يدها الممسكة بالهاتف حتى أوقعته أرضا..
وسرعان ما انهارت وهي تغمر وجهها بين كفيها تبكي بقوة..
لقد خسرت عائلتها وكل ما كانت تملكه من أجل سعادة مؤقتة تتمثل بيومين أو ثلاثة كانت تقضيهم عند غنوة في الماضي.. والآن ورغم أن مُؤيد عرف بمعجزة غير متوقعة حقيقة براءتها فقد خسرت كل شيء..
أضاعت كل شيء بيدها ولم تحمد الله على الحياة المقبولة التي كانت تعيشها..
ارتفع صوت نحيبها بمرارة.. وتمنت لو يعود فيها الزمن فلا تفعل ما كانت تفعله عند غنوة ولكن هيهات.. هيهات..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-21, 04:17 PM   #4400

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


بتنهيدة طويلة وقفت شيرين وانتصبت قامتها وقامت بمد كلا ذراعيها أفقيًا حتى لامست نهايات أصابعها الحائط في هذه الغرفة الصغيرة ذات الإنارة الخافتة..لا تصدق أنها ومنذ أسبوعين قابعة هنا في هذا الحبس الانفرادي مساحتها ثلاثة أمتار طولا وما يقرب المتر والنصف عرضا.. دون أن يُسمح لها بالمشاركة في النشاطات الترفيهية أو حتى التحدث أو الصراخ مع باقي النزيلات.. وإذا ما خرجت من هذه الزنزانة لساعة أو اثنين تكون مكبلة بالأصفاد وبالأغلال حول أقدامها مع مرافقيها..
بالطبع هذا إذا ما خرجت من هنا فحتى التريض وتعريضها لأي مؤثرات خارجية غير مسموح أثناء فترة المكوث في الحبس الانفرادي ليزيد الشعور بثقل الزمن والملل الذي لا ينتهي..
فلم تجد إلا تشجيع نفسها على أن تكون قوية الإرادة وصاحبة مخيلة هادفة تستغلها بشكل صحيح حتى لا تجن هنا.. فكانت تقوم بتعزيز مخيلتها الذهنية لتتخيل نفسها تشاهد المارة وهم يهرولون، ويركبون الدراجات الهوائية، ويتزلجون على ألواح التزلج..
اللعينون منعوها حتى من الزيارات.. فلم ترَ قصي أو سهر أو أخوالها الذين عرفوا ما حل بها عن طريق سهر..
هي مرة واحدة فقط تحدثت مع المحامي الخاص بها..
لا تظن بأنها ستخرج من هذا السجن نفس شيرين الذي دخلته وهي تعيش في هذا المكان القاسي المملوء بالتعسف والاستغلال والصدمات النفسية..
رفعت رأسها تناظر النافذة المغلقة بشبابيك حديدية مضاعفة وبدأت تشتم نفسها لتذمرها سابقا بصغر العنبر المتواجدة فيه.. فبعد هذه التجربة الزنزانة المتكدسة بعشرات الأشخاص هي أرحم من هذا الحبس الانفرادي..
على الأقل في ذاك العنبر كانت ولبعض الوقت تتحمل الوضع بفضل قدرتها على نسيان أنها سجينة.. لكن هنا وحيدة داخل غرفة مظلمة لا يوجد بها الحد الأدنى من متطلبات الحياة ومع غياب أبسط الحقوق وأبسط طرق السجناء في التحايل على الوقت فكيف ستنسى؟
هزّت شيرين رأسها وهي تأكد على نفسها أنها وبمجرد عودتها للعنبر ستعتذر من رفيقاتها على فظاظتها وقلة احترامها لهن سابقا..
سمعت صوت من الشاويشة تنبهها بقدوم أحد الحراس معها..
فتحت الحارسة الباب على شيرين الحارس يعطي تنبيها لها لتغطي شعرها ليأتي ذلك الضابط بهيئته المقيتة لتسأله باندفاع
((هل اليوم سيكون يومي الأخير هنا في الحبس الانفرادي وتنتهي فترة حرماني من التريض والزيارات أم في الغد؟))
قال الضابط بهيئته المنفرة لشيرين
((ومن قال لك أن هناك نهاية لحبسك الانفرادي هذا؟ بإمكاني الآن وبكل بساطة أن أكتب عنك تقريرا وإذا ما تم الموافقة عليه سنمدد فترات الحبس الاحتياطي لك.. لذا ربما لا يكون هناك خلاص من وضعك هنا))
هتفت به شيرين بانفلات أعصاب
((لا يمكنك فعل ذلك، فأحكام قانون الإجراءات الجنائية تقيد مدة الحبس المنفرد))
قال الضابط بنبرته الشيطانية بما جمد الدم في عروقها
((ومن سيدري بذلك؟ أنتِ ستبقين هنا في هذه الغرفة المغلقة المظلمة لوقت غير محدود، ستحرمين حتى من حساب الأيام وسيمتد هذا الجحيم طويلا..))
هزت رأسها برفض وقالت مهددة بصوتٍ باكي
((سأوصل لمحامي كل هذا الكلام))
أفرج الضابط عن ابتسامة منفرة ليقول
((قولي له ما تريدينه))
خرج الضابط مبتعدا في حين همد رأس شيرين والدنيا تدور من حولها بضياع.. أغمضت عينيها..
لا أحد قد يدرك ما تمر به من آلام تدفن روحها في عذاب لا ينتهي..
مسدت على صدرها المُطبَق عليها ويخنق أنفاسها.. لتشعر فجأة بسكاكين تضرب بطنها بعُنف ونيران تأكل أوردتها..
أحست بضيق أنفاسها..
فتحت جفنيها بتثاقل تأخذ نفسًا عميقًا سرعان ما قصرته حينما شعرت بوخز شديد أسفل ظهرها.. وتشنجات في بطنها..
اختض جسدها بعُنف وهي تهمس بإعياء
((هل يسمعني أحد! أنا لست بخير))
شعرت بنفسها تفقد الوعي تزامنا مع نزيف حاد يخرج منها..




محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي





انتهى الفصل.


بانتظار تعليقاتكم وانطباعكم عن الفصل على أحر من الجمر..



Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
قلبك منفاي، في قلبك منفاي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:25 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.