آخر 10 مشاركات
سعر حبوب #الاجهاض# #سايتوتك# (الرياض) (0563940846) الدفع عند #الاستلام# (الكاتـب : دكتور تركي - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          للحصول| حبوب سايتوتك في الرياض (0563940846) حبوب الاجهاض الاصلي للبيع في الرياض (الكاتـب : دكتور تركي - )           »          همسات حروف من ينبوع القلب الرقراق..(سجال أدبي)... (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          أميرها الفاتن (20) للكاتبة: Julia James *كاملة+روابط* (الكاتـب : ميقات - )           »          اطلب الان| حبوب سايتوتك النهدي للبيع في الرياض 0563940846 حبوب الاجهاض المنزلي للبيع (الكاتـب : دكتور تركي - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          حبوب سايتوتك (الاجهاض) للبيع في #الرياض# (0563940846) للشراء؟ حبوب سايتوتك للبيع (الكاتـب : دكتور تركي - )           »          سيدتي| حبوب اجهاض |اطلبها الان| في الرياض 0563940846 حبوب سايتوتك الاصلي للبيع الرياض (الكاتـب : دكتور تركي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي اجمل قصة في الرواية؟ (اختار اكثر من قصة)
وليد-شيرين-معاذ 128 28.64%
مؤيد-رتيل 111 24.83%
مصعب-نورين 292 65.32%
مالك-سمية 123 27.52%
مازن-ياسمين 55 12.30%
قصي-سهر 54 12.08%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 447. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree7315Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-12-21, 05:51 PM   #5481

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


كلمات من رتيل لمؤيد بقلم اماني



فتاة في ريعان الشباب

محبة للحياة تعشق السحاب

تغذت منذ صغرها على العتاب

تأخذ كل يوم حقها من السباب

تقدم لها ذات يوم شاب

اشرقت عينيها و برقت كشهاب

قالت : رباه هل هو حقا ام لعبة من الألعاب

صحيح انهم كانوا وقتها أغراب

لكنها لطالما تمنت منه فقط الاقتراب

لم تكن تعلم أنه بقدر حبها سيذيقها العذاب

اصبحت رغم عشقها له تعيش في رهاب

فتاة هي فعلا رتيل

رغم حجمها الضئيل

تطلعت لأن تحظى بحبك و لو القليل

لكنك من قيمتها استمريت في التقليل

و في كل مرة انت حتى لا تحاول التعليل

تحملت الكثير اتطلع لحبك الذي يحتاجه قلبي العليل

لكنك داومت في تغذية غرورك كأنه تبجيل

منعتني من كل شئ و قررت انا التنازل لأمنحك التفضيل

قلت لا تفعلي هذا و ذاك و ابتعدي

قلت تحملي ربما بعدها يقول اقتربي

لكنك لم تقل

تضاعف بداخلي الغل

ليس كرها بك

فأنا شئت أم أبيت بقلبي لك

لكن تلك الفتاة اختنقت

كم مرة بحبها لك اعترفت

و انت بعينيك عنها هربت

و من الاجابة تهربت

ان أذيقك من نفس الكأس قررت

ألست انت من فضلت النساء و عني افترقت ؟

الآن سأرد لك القليل حتى لو لذلك استصعبت

كان في كل مرة ضميري يؤنبني

ينزل على قلبي كالسوط يجلدني

لكن تصرفاتك ما كانت تدفعني

لكن لم اتخلى ابدا عن تعففي

و انت تعلم انه رغم كرهك لي تثق بي

أتعلم ؟

تلك الفتاة عن حبك قررت التنازل

مللت انا من التحايل

استجدي حبك و انت رافض ببرودك تتحلى

انا الآن أتخلى

بكل ذرة بي تعشقك تعذبني

و بعد تخليك السهل عني

و رميك بغير اهتمام لي

عشت أم تمت التضحية بي

و بكل زجرك لي و تجريحك المستمر

و بكل اهمال لي و ضميرك المستهتر

أنا من ستتخلى

من رتيل الى مؤيد

# بقلمي_أماني





الفصل السادس والثلاثون







في سجن النساء..
هتفت شيرين بذهول للطبق الذي تمَّ تقديمه هنا
((هل هذا لحم ما يقدمونه هنا؟))
قالت إحدى زميلاتها في الزنزانة
((إنها من عماشة زاد الله من فضلها))
عقدت شيرين حاجبيها وتساءلت
((من هي عماشة؟))
تحَّلت رفيقتها بالجِدية وهي تقول
((عماشة اسم معروف لكل العاملين في سجننا يا شيرين، من أبسط حارس الى أعلى مسؤول في السجن يعرفون بأنها امرأة طيبة بل منهم من أصبح صديقا وقريبا منها، فقد ترددت على سجننا هذا فوق العشرين مرة..))
تدلى فك شيرين وتساءلت بانشداه
((دخلت السجن عشرين مرة؟! ما شاء الله..))
((نعم إذ أنها ما تلبث أن تخرج من السجن اليوم مثلًا حتى تعود إليه في الغد كما دخلته بعد أن تدَّعي أنها تعاطت موادًا ممنوعة وتسلم نفسها إلى أقرب مركز للشرطة كي يقتادوها إلى السجن، وإذا ما أعلن عن خروجها من السجن تؤكد لرفيقاتها في الزنزانة أنها ستعود بعد أسبوع أو شهر.. وما تلبث أن تعود فورا ولا يفاجئ أحد بعودتها، حتى سريرها يظل على ما هو عليه وتُترك ملابسها في السجن أيضًا))
أخذت رفيقتها شقفة خبز وغمستها بالطبق قبل أن تضعها بنهم في فمها ثم قالت وهي تمضغ الطعام
((لو كنت مكانها لفعلت نفس الشيء.. فهي امرأة بلا عمل أو شهادة وإدارات السجون لا توفر لها مهنة تعيش منها بعد خروجها السجن حتى لا تعود إليه.. أما هنا فتعيش عيشة الملوك كما أنها تجني الكثير من الأموال لقاء عملها في السجن..))
كان الذهول وعدم التصديق جليا على شيرين، خاصة وانه لا يوجد وظيفة لها في السجن قد تجلبها هذه الأموال الطائلة إلا لو كانت تهرب هنا مخدرات أو مواد ممنوعة وترشي الشرطة!
أكملت رفيقة زنزانة أخرى مُشيدة
((الأمر كله توفيق من الله فهي تتقيه وتزكي عن مالها وتصلي وتصوم وتذبح الذبائح وتوزع على العنابر وكل السجن يأكل من خيرها بارك الله فيها..))
هزًّت شيرين رأسها ببلاهة لعلاقة هذه السجينة التاريخية مع الموظفين في السجن، حتى أنها تساءلت كم أحدا عاصرت منهم! حيث يظهر أن هذا السجن شهد تغير الكثير من القيادات والمسؤولين، وكذلك تقاعد الكثير من العسكريين في حين ظلت هي دائمة فيه..
سَرَت قشعريرة في جسد شيرين لتقول بابتسامة متشنجة
((أتمنى أن أعرف أكثر عن عماشة هذه! ولكن ليس بوسعي إلا أن أدعو الله أن يرأف بحالها ويهديها إلى الصراط المستقيم، الآن سأتفقد تلك الصغيرة هناك لأتأكد من أنها أكلت من اللَّحم خاصتها))
ثم حملت نفسها هي وطبقها وجلست أمام تلك النزيلة الشابة التي تظل معظم الوقت في الزنزانة منزوية على نفسها وقالت بملامح ودودة
((مرحبا يا حلوة؟ هل أكلتي من اللحم الذي وزعوه؟))
رفعت تلك النزيلة الشابة وجهها ببطء وقالت
((لقد سمعت أنك ستخرجين قريبا))
لمعت عينا شيرين وهي تقول بصوتٍ رخيم
((نعم إن شاء الله، أيام قليلة تفصلني عن الخروج لرؤية النور، رؤية الحياة خارج الأبواب المقفلة.. خارج السجن.. آه.. كم أتوق الى تلك اللحظة.. كأني سأولد من جديد))
غمغمت النزيلة الشابة بغبطة وهي تُشدَّد من احتضان الوسادة بين ذراعيها
((تبدين سعيدة جدًّا))
تنهدت شيرين بعمق وقالت بلهفة من سيعود لأرض الوطن بعد غربة سنين طوال
((نعم، بعد مرحلة السجن سأبذل جهدي أن تُمحى هذه الأشهر من ذاكرتي إلا من شيء واحد))
لمعت عيناها تنظر إليها ثم أكملت
((حياة سعيدة أصنعها لنفسي.. الآن اتركي هذه الوسادة وتناولي طبقك وكُلي منه))
ابتسمت النزيلة الشابة بتردد لفرحة ولهفة شيرين لكن سرعان ما انقلبت ملامحها حسرة على نفسها ووجدت نفسها تكمم فاهها بيدها لتمنع رغبة بكاء تتصاعد من اختناق نفس متألمة قبل أن تدفن وجهها بوسادتها..
أشفقت شيرين على حالها فمدت ذراعها تمرر يدها على ظهرها صعودا ونزولا بحنو.. فهنا في السجن وحدها الوسائد هي من تكتم أسرار النزيلات وبئرًا لدموع ذرفتها عيون بكت قصصا لنفوس لا يعلم مآلها إلا الله..
رفعت النزيلة الشابة وجهها ومسحته بظهر كفيها وهي تقول بصوتٍ متهدج
((أنا أغبطك جدًّا، ليتني أخرج معك.. قيل لي أن أول أسبوع فقط هو الشُّاق في السجن، لكن لا زلت أشعر بالمرارة حتى الآن))
تنُّهدت شيرين قبل أن تقول لها
((لا أعرف إذا كان يجب عليّ التهوين عليك بالكذب أو وضع الصورة المريرة الحقيقية أمامك، لكن بهذا أو ذاك عليك أن تكوني قوية))
أومأت لها النزيلة فعادت تبتسم شيرين وتقول مقترحة لها
((أخبريني أكثر عن سبب تواجدك هنا لعلك تشعرين بالراحة))
كانت غاية شيرين من سؤالها هو أن تستمع لها وتفضفض لها لعلها تستطيع التخفيف عنها كما تمنت أن يفعل أحد معها عند دخولها هنا..
*****


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-12-21, 05:53 PM   #5482

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

انقلب مازن على ظهره يتململ على فراشه وهو يناظر السقف في ليلة أخرى ينامها وحيدا متفكرا في حاله في غرفة الضيوف.. قبل أن يجفل على صوت فتح الباب بخفة لتظهر منه ابنته الصغيرة تتساءل بصوتٍ ناعس وهي تفرك عينها
((أبي أنتَ هنا؟))
اعتدل مازن شبه جالس وقال بحنو وهو يمد ذراعه
((تعالي يا ابنة أبيك))
هرولت نحوه فحملها مازن ووضعها فوق حجره مستغربا سبب استيقاظها في هذا الوقت المتأخر من الليل.. ربت فوق شعرها ليجدها تعاتبه برقة طفولية
((أبي بالكاد رأيتك في الأيام السابقة ولم تخرجني للتنزه، ما بك؟))
اعتصر حزنها قلبه فغمغم بعد أن لثم جبينها
((أعرف أني مقصر بحقك يا حبيبتي، ولكني أعود منهكا من العمل يوميا، لكن سأعوضك قريبا بحول الله))
نكست رأسها وبدا عليها التردد قبل أن تهمس بخفوت يكاد يسمع
((هل ستعوضني حتى عندما تعرف.. أني.. أني من كسرت البلايستيشن))
((أنتَ من كسرتيها!؟ أنت!؟ ولكن.. ولكن..))
تقوست شفتاها للأسفل وقالت بصوتٍ متحشرج ينذر بالبكاء
((أنا من وقفت فوق الكرسي وأوقعتها من الخزانة عندما كنت أحاول أخذها))
فجأة تبدلت ملامح مازن الذاهلة لأخرى غاضبة وتمتم بحنق
((كان بإمكان أمك أن تقول ببساطة أنك من فعلت ذلك وتوفر علينا عناء هذه الأيام، لكن يتضح لي أنها كانت ترجو هذه المخاصمة لتحدث))
أمسكت هدى يد والدها وقالت
((هذا لأني توسلت لها ألاَّ تشي بي إليك))
مدت يدها الصغيرة تتلمس وجنته تكمل بحروف متقطعة
((أقسم لك.. أبي لم أقصد ذلك.. أنا.. آـ.. سـ.. فه))
نظر مازن بانشداه لها بينما تكمل والدموع تتغرغر بعينيها
((أمي حزينة وتبكي كل يوم لأنكما ستطلقان! هل ستفعل ذلك وتبتعد عني وتسافر للخارج؟))
آلمه قلبه أكثر عندما بدأت صغيرته تبكي بحرقة وحزن على ما تسببت به.. المسكينة كانت تظن أنه سيسافر ويبتعد عنها وما عزز لها هذا الشعور هو عدم قضائه وقت معها في الأيام السابقة!
لثم مازن يدها ليعانقها بحنو وكان يربت على ظهرها بيده محاولًا تهدئتها قبل أن يقول
((اهدئي يا حبيبة أبيك))
قالت له من بين شهقاتها الخافتة متطأطئة رأسها
((أرجوك اذهب عند أمي))
رفع مازن وجهها بوضع يده أسفل ذقنها وقال لها مبتسما بمرح
((حسنا سأفعل بشرط أن تغسلي وجهك وتنامي من أجل دوام مدرستك صباحا))
وقد قامت بما أمرها به عندما رافقها لتغسل وجهها ثم وضعها في السرير ولم يبرح مكانه حتى هدهدها ونامت..
بعد أن تأكد من نوم ابنته.. قبّل وجنتها هامسًا بحبه لها.. توجه نحو جناحه فدخله مازن بخفة ليفاجئ عندما لم يجد ياسمين على سريرهما بل بالغرفة المرافقة لها لا تزال تنير الإضاءة بينما هي مشغولة بمطرزاتها.. فقد جافى النوم عيناها بسبب الأرق منذ خصامها مع مازن.
حرَّك يده يغلق إنارة تلك الغرفة ليعمّ الظلام تماما انتفضت ياسمين مفزوعة مكانها قبل أن يسارع بطمأنتها
((لا تفزعي، هذا أنا.. مازن))
بدأت تبكي بصوتٍ مخنوق مذعور وتقول
((مازن هل أنتَ من أطفأت الإضاءة؟ أنتَ تعرف خوفي من الظلام! لم تتصرف بقسوة معـ..))
بترت ياسمين كلامها بشهقة عندما قال
((تعالي..))
وجدت مازن جذبها إلى حضنه، ويضمها بشدة إليه.. شاعرا بالخوف الذي يجتاحها.. كأنها طفلة مذعورة من البقاء في الظلام وحيدة.. ليس خوفا من الظلام بقدر ما هو خوف من الوحدة المستبدة القاتلة، التي أسرفت فيها فجعلتها لا تعرف كيف هو الوصال إليه أو المضي نحوه للوصول لقلبه فتتصرف بـعُدوَانيةٍ ونشوز معه ليبتعد عنها.. وهي في هذه اللحظة بحاجة منه للطمأنينة والأمان قبل أي شيء آخر.. شدَّد من احتضانها ليقول أخيرا بصوتٍ أجش
((سأطفئ الإضاءة كلما أردتك أن تلجئي لأحضاني))
واختض جسدها عندما قال
((أين ياسمين الباردة اللامبالية من تحرجني أمام الآخرين؟ أين القاسية في معاملتها لي؟))
تشبثت بملابسه واستمرت ببكاء مكتوم بينما هو مستمر باحتوائها..
لقد جعلها هذا القرب تدرك بأنها تحتاجه.. وتشتاق لتودده.. فمهما بدر منه يذوب جليدها أمام هذا القرب المحبب الحاني..
بقيا يستمدان من بعضهما عاطفة صامتة وفي داخلهما تطوف المشاعر متبعثرة.. جياشة.. ثائرة.. ابلغ من كل تعبير..
سحبها فجأة إلى غرفة نومهم المليئة بالنجوم المضيئة ليقول
((لن أشغل الإضاءة لأني أريدك ملتصقة بي، إضاءة هذه النجوم الخافتة كافية))
جعلها تتوسد الفراش واستلقى بجانبها، غمر أصابعه بشعرها يسألها معاتبا
((لماذا لم تخبريني أن هدى هي من كسرت البلايستيشن؟))
ملأت ياسمين رئتيها بالهواء وزفرته سريعًا في محاولة يائسة للسيطرة على مشاعرها وانفعالات جسدها ثم همست بألم
((تقصد تلك اللعبة التي أردت الانفصال عنى بسببها؟))
ضحك بخفوت أبح عليها فأردفت حانقة بحرقة
((لا أصدق أن البلايستيشن أهم عندك من أي شيء أو أحد آخر))
شابت نبرته التسلية والعبث وهو يقول
((نعم، إنها مهمة ولكن هناك من هو أهم عندي منها.. أنتِ))
تمتمت ياسمين بوهن من تصريحه تضربه بخفة بقبضة يدها وهي تحاول الابتعاد عنه
((لا أصدقك، بالنسبة لك البلايستيشن يأتي قبلي))
رفع مازن حاجبيه هادرا بتلاعب وهو يجذبها ويشدد من ضمها
((قد يبدو الأمر سخيفا لكن اهتمامك أن تكون لكِ أولوية عندي قبل البلايستيشن يجعل قلبي يخفق))
للحظة بدت نظراتها له غير ثابتة كأنها تتهرب لكن لسانها أنكر وهي ترد عليه
((نعم إنه أمر سخيف يا قمر الدين))
نظر في عينيها بشغف وهو يقرب وجهه لها بعبث
((أمر سخيف! تعالي.. سأريك حقيقة الأمر..))
انفرجت منه ضحكة أخرى خافتة بينما يريح رأسها على صدره ويربت على كتفها.. وهو يقبلها بنهم، يسترد معها لحظات اشتياق سرقتها أيام من الجفاء والنبذ..
*****


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-12-21, 05:55 PM   #5483

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

عاد مؤيد من البقالة البعيدة.. متنفسه الوحيد في هذه الأوقات الذي يضطر فيها بسبب إصابة قدمه أن يظل في البيت ممسكا بعكازه لا يخرج ولا يرفه عن نفسه..
تنَّهد مؤيد ببؤس وهو يلحظ بعد دخوله أنَّ البيت مُرتب، الغداء مُعدٌّ وموضوع على طاولة الطعام في الصالة، الأولاد عادوا من مدارسهم وأخذوا حمامهم اليومي، لا يوجد ملابس له بسلة الغسيل، ولا يوجد أطباق مُتسخة في حوض المطبخ، ولا ملابس مُتراكمة تنتظر دورها للكي..
إذن فقد عاد كل شيء بينه وبين رتيل كالسابق وعادت تقوم بواجباتها تجاهه.. وهنا راحة عجيبة تسللت له!
لكن عادت ملامحه تعبس وهو يفكر بأن هذا الأمر ليس كافيا.. نعم ليس من الكافي أن تعود رتيل وتقوم بواجباتها تجاهه وتتراجع عن فكرة الطلاق.. ففي ظل تجاهل أصدقائه له بعد إصابته وعدم تواصل أحد من إخوته معه إلا من خلال الرسائل النصية التي يسألونه فيها عن حاله من باب الواجب وصلة رحم لا غير! لا يوجد أمامه غيرها هي زوجته وولديه ليتحدث معهم في هذا الوقت المتعسر من حياته ويغمرونه بحنانهم واحتوائهم لإشباع ذلك الفراغ الرهيب في قلبه وعقله الذي صدأ بأيامه.. إلا أنهم جميعا اتفقوا على نبذه رغم محاولته التقرب منهم! فهو بحاجة..
ليت رتيل تعود كعادتها القديمة وتحاصره بأسلتها الفضولية عن كل شيء وثرثرتها المزعجة عن آخر مستجدات أهل القرية التي تصلها..
توسد الأريكة ببؤس متعجبا من حاله!
من كان ليصدق أنه سيصبح مخلوقا حساسًا وكتلة من المشاعر الجياشة التي تحتاج للتعبير والخروج منه.. لم يظن قط أنه سيتمنى أن يناقش أمر مشاعره مع زوجته حتى مزاحًا لمجرد إصابة قدمه! آه.. كم تغير الأيام في الإنسان!
انتبه لدلوف رتيل فبدأ يبحث عن سبب ليسترعي انتباهها
((رتيل ظهري يؤلمني، هل يمكن لو سمحتِ أن تدلكيه قليلا))
عقبت رتيل ببرود وهي تكمل توضيب الصالة
((غريب، كنت في السابق تكره عندما أعرض عليك التدليك))
ضاقت ملامح مؤيد.. نعم كان يكره الأمر لأنها كانت تعرض الأمر عليه بإغراء يثير تقززه ويجعله يراها كغانية..
هزَّ رأسه محاولا قطع استرسال هذه الأفكار لذهنه ثم قال
((فقط تمسيد خفيف، إنه يؤلمني، ربما بسبب طول جلوسي على الكرسي))
وقفت مكانها تنظر له بجمود ثم قالت بنبرة نارية
((حقوقك الشرعية والواجبة عليّ فعلى عيني ورأسي، أما تلك التطوعية والكمالية لست ملزمة أن افعلها لك..))
تغَّضن جبين مُؤيد وتجهمت ملامحه لكن لم يرف لها جفن.. إذ أنها في السابق كانت تخدمه وتقوم بما عليها اتجاهه مهما أدى ذلك لظلمها، إهانتها، رفضها، إغضابها أو حتى إحزانها.. وهذا ما كان يجعله يزيد في تعسفه معها لأنه مهما فعل لم يكن ليتغير من خدمتها له شيئا.. لكن لا مزيد من كل هذا.. طالما أنه لم يقرر التغير وتحسين علاقته معها أو يحاول أن يصلحها فهي ليست مجبرة على تقديم تلك الخدمات النافلة له..
كظم مؤيد غيظه بصعوبة وقال بازدراء ساخرا مِمَّا تقوله
((ماذا أفعل إذن لكي تعودي وتقدمي تلك الأمور التطوعية والاختيارية منك لي؟))
كتفت رتيل ذراعيها أمام صدرها هادرة وهي تشمخ بذقنها
((لن أقول، لأني أعرف أن لا نيَّة لك صادقة في تغير تعنتك معنا أبدًا أو البحث في جوهر مشكلتنا، لا عتاب أو جلسة مصارحة ينفع معك دون تعصب أو تشنج))
ثم غادرت المكان بكل كبريائها تاركة إيَّاه على ملامحه المستهجنة..
وسرعان ما تجلى الإحباط والبؤس على وجهه!
لقد ظنَّ أن كل شيء عاد لسابق عهده معها وستعود رتيل القديمة لمجرد مهادنتها في العلاقة الزوجية، لكن أضحت رتيل تزيد من جحيم حياته الآن بين الجدران الأربعة هذه!
*****


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-12-21, 05:56 PM   #5484

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في حديقة القصر..
كانت الحاجة زاهية جالسة تستظل تحت الأشجار بينما تتمتم بالذكر والتسبيح.. ويزيد يجلس معها يُذاكر دروسه عندما استغربت وصول ابنها مازن مع شاب آخر لم تتبين ملامحه.. نهضت من مكانها وما إن صوب مازن نظره لها حتى أشارت له بعينيها أن يتقدم.. ففعل لتسأله مباشرة
((هل هذا صديقك يا مازن؟ ولماذا تدخله من الباب الأمامي بدلًا من المؤدي للمجلس؟))
ابتسم مازن لوالدته مجيبًا وهو يناظر الشاب الذي يقف مكانه منكسا وجهه بإحراج وخجل
((أمي إنه مجيد، شقيق ياسمين))
استنكرت ملامح زاهية قائلة
((شقيق ياسمين!؟ ألم يُقَل لي أن ياسمين علاقتها بأخيها وأقاربها ليست على ما يرام ولذلك لا تزورهم ولا يزورونها؟))
ازدادت ابتسامة مازن اتساعًا وهو يرد
((هذا صحيح لكنها تحاول تغيير ذلك وإعادة الوصال بينهم))
هزَّت زاهية وجهها له بتفهم فعاد مازن لمجيد يقوده إلى جناحه فيسير معه ويبدو له الطريق شاقًا وخُطاه فيه ثقيلة..
فتح مازن الباب يدعوه ليدخل راجيًا منه أن يتحلى بالصبر وداعيًا له بالتوفيق معها ثم غادر ليتركهما على راحتهما.. عبرت قدما مجيد عتبة الجناح وصوب نظره على أخته التي تقف في منتصف الغرفة مقابله بملامحها المتجهمة.. ليقول لها بلهفة مثقلة بالمشاعر بعد لحظات ذات رهبة ممزوجة بالربكة ناحيتها
((كيف حالك يا أختي؟))
كان مجيد يقترب أكثر من ياسمين كأنه يريد معانقتها لكنها صدمته وهي تمد كفها مفرودة ناحيته كأنها تصد اقترابه ثم تهدر بجفاء وعنفوان داخلها يتخبط في دوامات تستعر بالغضب
((بخير، وأنت كيف حالك يا أخي؟))
تحرك حلق مجيد بارتباك كأن صدّها هذا جرحه بشدة.. يبدو أنها لم تكن لتوافق على رؤيته لولا مازن، إذ سمعه على الطريق يهاتفها ويتوسل لها بصوتٍ مكتوم أن تحسن استقباله!
فقساوة عينيها تكاد تذبحه.. لكنه تقدم منها بعناد مباغت ليقول بإصرار ممزوج بالحرقة
((إذا كنت لا تتحملين وجودي للحظات سأغادر، فقط أرجوكِ دعيني أودعك لمرة أخيرة وأعانقك))
تحشرجت نبرته في آخر كلماته ووجعه يكاد ينحر قلبه.. شعرت ياسمين بقلبها داخل صدرها ينبض بشدة، فأشاحت بوجهها عنه تمنع تأثيره عليها لتقول ببرود مزيف
((استرجل قليلا أيها الأحمق أنتَ رجل، والرجال لا يبكون))
نكس وجهه ثم أغمض عينيه يمنع دموعه التي تخونه للتحرر من محبسها وهو يدمدم
((سبحان الله! نفس الجملة التي كان يقولها لي أبي دوما ليثبت أني لا أستحق كلمة رجل.. ولكن.. لكن..))
تقبضت يديه بعجز ليردف بصوتٍ مرتجف
((ولكن لم أتوقع أبدًا أن يكون لقائك بي بعد كل هذه المدة هكذا!))
كان جسدها يقشعر ولا تعرف سر ردة فعلها غير المحسوبة هذه، بينما يهتف فيها
((أنتِ قاسية يا ياسمين.. قاسية.. تشبهين أبي وأمي))
عتابه مزَّق قلبها لكنها تحلت بالثبات وهي ترد عليه دون محاولة إخفاء قهرها
((نسيت نفسك.. أنت أيضًا قاسي، فلا تمثل دور الرقة والطيبة الآن، أنا متزوجة منذ ما يزيد عن الثمانية سنوات ولم تحاول ولو لمرة واحدة ولو من خلف ظهر أبي أن تتواصل معي أو تسأل عن حالي))
طفح الذنب على وجهه وقال بدفاعية واهنة
((كنت أخشى أن يعلم أبي، لو تعلمين بالمرات التي كنت تحاولين التواصل معه كان يردعك قائلا أنَّه تبرأ منك ويوصيني أن أفعل نفس الشيء معك، حتى أنه كان يُضيق على الخناق ويُهددني بالويل إذا عرف أني قد اتحدت معهم))
أخذت دموعها تسيل لا شعوريا وهي لا تصدق أن تصل قسوة ونكران والدها إلى هذا الحد معها.. خاصة.. خاصة.. خاصة وأنها لم تفعل ما يستدعي ذلك! فهمست من فرط قهرها بشهقات أقرب للأنين
((إذن لا تخالف وصاياه وغادر))
صمت لثواني لجم فيها لسانه قبل أن يقول
((حسنا سأغادر لكن هل يمكن أن أحظى معك بعناق أخير؟ قد لا أراك مجددا))
زمّت شفتيها المرتجفتين وهي تبادله النظر قبل أن تشعر به يندفع نحوها ويعتصرها بعناق أخوي طال انتظاره.. شدَّد من قوة عناقه فكاد يوجع عظامها لكن الألم والوجع في القلب فوق كل احتمال.. تمتم لها بعذاب وحرقة
((لو تصدقيني فقط.. لقد اشتقت لك يا أختي))
أفلتت ياسمين زمام ثباتها عن مشاعرها وقالت له من بين بكائها
((وأنا أيضًا، كنت أتابع صورك على مواقع التواصل الاجتماعي أولا بأول، لا أصدق أن المراهق الذي كان يصغرني عمرا قد أضحى بهذا الطول الفارع))
أبعد وجهه المحتقن بالمشاعر المتأثرة عنها ليقول متفكها
((لست طويلا يا ياسمين، أنتِ القصيرة))
ابتسمت بشحوب له ورددت
((معك حق أنت لست طويلا مقارنة بمازن))
مسح مجيد دموعها وسحبها من يدها لتجلس معه على الأريكة.. ثم أمسك كلتا يديها وسألها باهتمام
((ياسمين هل أنتِ سعيدة مع مازن؟ صراحة أنا أحب هذا الرجل لكن محبتي له لن تمنعني من وضع سعادتك أنتِ قبل أي شيء))
أصابتها الدهشة وعدم الفهم لمقصده، فازدرد مجيد ريقه ليقول بشيء من التردد
((أقصد أني أعرف أنك لم تكوني لتتزوجي منه لولا رغبتك بالهرب من والديّ وأنه شخصيته غير متوافقة معك، لذا لو أردت الطلاق منه فأنا أول من سيدعمك.. يمكنك إكمال دراستك إذا أحببتِ))
شردت ياسمين بنظرها المعذب بعيدا قبل أن تقول بابتسامتها الشاحبة له
((دعنا نؤجل الحديث عن هذا الموضوع، ها.. أخبرني كيف حالك؟ وكيف دراستك؟ هل هناك من يعد لك الطعام أو يهتم لأمورك))
ابتلع مجيد غصة مسننة ثم غمغم
((لا، أقاربنا لم يتحدث معي أحد منهم بعد انتهاء العزاء إلا عمتي.. لكني أدبر نفسي جيدًا وأعرف الطهو.. بعد وفاة أمي رحمها الله اجبرني أبي على تعلم وإعداد الطعام لنا نحن الاثنين مقابل عدم جلب زوجة أب لي تطردني من المنزل))
أمَّا مازن الذي كان واقفا خلف الباب مواربًا عن الأنظار ويمسك صينية القهوة قد سمع جزءً من الحديث.. شدّ على نواجده بغيظ بالغ..
مجيد الجاحد!
لقد كان هو الوحيد الذي سانده ووقف بجانبه بل وأقنع أخته باستماته أن تصالحه ليكون هذا جزاءه! أن يحرضها على الطلاق منه لمجرد شعوره بالوحدة ويبدوا البطل في قصة لمَّ شملهما!
.
.
بعد مغادرة مجيد ومرور بعض الوقت..
دلف مازن لجناحه ليجد زوجته تلهي نفسها بمشغولات الخياطة بوجه مشرق سعيد.. لا بد أن مصالحتها مع أخيها أعادت لها جزء من راحتها المفقودة.. وأزاحت حملًا ثقيلا من النبذ الأبوي والتغريب الأخوي
عن عاتقها؟؟ تنحنح مكانه يجلي صوته ثم قال مدعيا اللامبالاة
((لقد سمعتك دون قصد تتحدثين مع أخيك عن الطلاق.. هل عندك نية لطلب الطلاق مني بعد أن تغيرت علاقتك معه؟))
اكفهرَّ وجهها ونكسته لتجيب بخفوت ((لا أعلم..))
همهم لها بصوتٍ عالي مثير لأعصابها ثم قال بنبرة عادية
((حسنا.. رغم أني لم أتصافى معك إلا مؤخرا إلا أني أشعر بالحزن لفكرة طلاقنا.. لكن بالتأكيد يظل قرار البقاء من عدمه عائدا لك.. متى ما فكرت فيه جيدًا أعلميني وسأنفذه من أجلك يا ياسو العزيزة..))
ازدردت ريقها بألم ثم قالت ساخرة بلا مرح
((شكرا لك يا قمرالدَّين العزيز))
اعتدل مازن جالسا ثم قال لها بواجهة الرجل النبيل
((أتمنى حقا بعد طلاقنا أن تتزوجي من رجل مناسب يكسب قلبك كما تتمنيه ويناسب امرأة واعدة مثلك..))
شعرت بغضب غريب يجتاحها من كلامه واستسهاله أمر الطلاق فقالت من بين أسنانها تجاريه
((لا تقلق بهذا الشأن.. بمجرد أن أحصل على الطلاق منك، ويمتلئ طابور الخطاب أمام بيتي لن أتزوج إلا أفضلهم..))
وضع مازن ساقا فوق الأخرى ثم قال
((وبالنسبة لحضانة هدى عند زواجك.. لن أحاول أبدًا أن أضغط عليك بشأنها أو أنزعها منك، أنا أثق أنك ستضعينها دائما صوب عينيك واهتمامك..))
بالكاد أمسكت ياسمين نفسها من شدة غيظها ورغبتها في خنقه ثم قالت
((فيك الخير يا قمر الدين.. لكن أنا أقول لنتقاسم الحضانة بيننا.. لقد حُرمت هدى من رعايتك معظم سنوات زواجنا فلا أريدها أن تحرم منك أيضا بعد طلاقنا))
هزَّ مازن كتفيه وقال بنبرة متشككة
((لا أستطيع أن أعدك بشيء، فالأمر عائد لزوجتي المستقبلية وظروفها وقدراتها.. لكن أُفَضل أن تعيش هدى معك وآخذها أنا بالعطل لزيارتي لغاية التعرف على إخوتها مني ومن أجل..))
تجلت الصَّدمة على وجهها للحظات وطلت عينيها بنظرات مصدومة صارخة.. وحين طال الصمت بصورة ثقيلة ومخيفة بينهما بللّت شفتيها الجافتين.. وعادت تتذكر نبرته الواثقة لأمه عن تكرار زواجه عندما كانت تطلع على صور الفتيات في ذلك اليوم.. لتقول أخيرا بصوتٍ باهت وبحدقتين مهتزتين
((إخوتها!؟ مازن.. هل أنتَ متزوج من غيري؟))
غمغم مازن لها ببراءة
((أنا أتحدث عن المستقبل))
فتحت فمها وسألت بصوتٍ مرتعش مستنكر وهي تقوم من مكانها نحوه
((أخبرني هل أنتَ متزوج أو تمهد لي ذلك؟))
ظلَّ مازن ينظر لها بوجه مقتضب متبلد لا يجيب عليها بينما يجدها تقف أمامه مباشرة لتقول هي بعد فترة طويلة وتهمس بصوتٍ متداعٍ
((لماذا لا تجيب؟ أنت متزوج من غيري؟ أنتَ متزوج صحيح!))
انهار صوتها في نهاية جملتها.. وعندما لم تنحسر ملامحه أبدًا أو ينكر كلامها هزت وجهها لتقول بوجه شاحب
((أنتَ متزوج بالفعل! ألهذا فتحت سيرة الطلاق عليّ، وشجعت أخي أن يفتحه قبل قليل أمامي؟))
اتسعت عَيناه لهذا الاستنتاج الذي وصلت له.. ولم يجد قدرة أكثر على الثبات وانفجر فجأة ضاحكا بصوتٍ عابث بقلبها الصغير البائس.. ليستطرد بين ضحكاته أمام وجهها المصدوم
((يا إلهي لا أستطيع.. لا أستطيع حقا.. لا أصدق.. غبية يا ياسو.. أنتِ غبية.. لكني انتقمت منك))
رفرفت ياسمين بعينيها بصدمة متمتمه ((ماذا تقصد؟))
خفتت ضحكاته تدريجيا بتعب من فرط فرحه ليقول من بين أنفاسه المسروقة
((ألم تقولي أمام عائلتي عن مُناك بزواجي والتخلص مني.. إذن لماذا انهار كل ما فيك بهذا الشكل المثير للشفقة عندما شككت مجرد شك بزواجي؟ سأخبر كل عائلتي بما حدث.. سأجعلك مثارا للسخرية أمامهم جميعا.. ولأشهر قادمة))
رمته بنظرة مستاءة ثم سألته بصوتٍ واهن ضعيف
((أنتَ لست متزوجا.. صحيح؟))
أمسك يديها وقال بصوته الأجش المميز
((عزيزتي أنا متزوج.. متزوج بك يا ياسو، هل نسيتِ؟))
بتر كلماته وعادت تجتاحه نوبة ضحك أخرى.. فتسارعت وتيرة دقات قلبها فتشعر بخديها يلتهبان.. لكنها عادت تسأله بعينين مترقبتين
((أنتَ إذن لست متزوجا من غيري؟))
تمددَّ على ظهره وضحكاته في تزايد، ومر وقت عليه قبل أن يخفت منها فأمسكته ياسمين من أعلى ذراعيه تجلسه ثم قالت له بصوتٍ جاد والغيرة تطعن قلبها طعنًا
((مازن.. إيَّاك أن تجلب سيرة الطلاق.. أنا أكرهك.. أكرهك كرهًا لن يبعدك عني.. بل سيزيدك غيضا مني، لكن لا ولن ابتعد عنك.. أتفهم؟ أنا لن ابتعد عنك))
كانت تضع عينيها في عينيه وقد شعر بيديها الممسكتان به تزداد ارتجافا فأمكسها بكفيه يحيط بهما هادرا
((ياسو أنتِ ترتجفين.. اهدئي..))
زفرت ياسمين أنفاسًا مرتجفة وقالت بلوعة
((هذا.. لأني.. أحبك..))
لوهلة احتلت الصدمة محياه، وأربد كيانه.. أتعترف بحبها.. هي تكن مشاعر حب ...إنها تحبه!
اقشعر بدنه لرجفة صوتها وهي تردف بألم مفضوح
((أرجوك لا تسخر مني.. ولكن أنا أحبك.. وأحتاجك بجانبي))
وجدت نفسها تنساق له وهو يجتذبها يرفعها لتجلس على حجره.. يحوطها بذراعيه ثم ضمها إلى صدره فدفنت وجهها بعنقه.. اعتصرها لتلصق بجسدها أكثر ليهمس لها
((ياسو.. حبيبتي اهدئي.. سمعيني مرة ثانية ما قلتـ..))
فجأة جفل الاثنين على هتاف طفولي
((لن تتركنا أبي إذن؟))
رفعت ياسمين رأسها للخلف إلى جهة الباب واتسعت عينا مازن يسألها بقلق
((هدى منذ متى كنت تقفين هناك؟))
تقدمت هدى منهما ببطء تتساءل بصوتٍ متحشرج مفطور الفؤاد
((أبي هل ستتركنا وتسافر للخارج؟))
ذاب قلب مازن على الحزن والذعر المرتسم على ملامح ابنته الطفولية فمد ذراعه يحثها أن تقترب منه ويجلسها فوق ساقه الأخرى.. ثم عاود ضم جسد ياسمين إليه مما جعلها تستشعر نبضات قلبه القوية تحت كفها الملامس لصدره..
أراحت هدى رأسها على صدر والدها كما تفعل أمها ثم قالت له بصوتها الخافت
((أحبك أكثر من عمي مؤيد، فإذا رحلت لن يعوضني أحد عنك))
أكد عليها مازن وهو يربت فوق شعرها
((أبدا مستحيل..))
رفعت وجهها له تهتف بعبوس وخوف
((ولكنك تريد أن تتقاسم حضانتي مع أمي))
هتف بذعر وقد بدأت عيناه تتسعان
((رباه.. هدى.. ماذا سمعت! لقد كان مقلبا لأمك.. لم أنتبه لوجودك.. أنتِ ابنتي الحبيبة الوحيدة.. أبيع الكل من أجلك.. أبيع حتى أمك من أجلك))
لكزته ياسمين بخفة وتذمرت
((ماذا تقول يا قمر الدين؟))
ضمَّ ياسمين الجالسة على ساقه الأخرى أكثر وهو يقول مبتسما لعينيها
((أقصد أبيع الجميع من أجلكما.. أنتما الاثنتين حبيبتاي ومن تملئان حياتي بالبهجة))
همست له ياسمين بصوتٍ متخم بالعاطفة
((وأنا أيضًا.. أحبك يا قمري))
شدَّت هدى ذراعه تستدعي انتباهه مغمغة
((أبي وأنا أيضا.. أنا أحبك..))
لم يصدق ما تسمعه أذناه ليشدد ويقبل جبين كل منهما
((لا هذا كثير عليَّ.. حقا لا أصدق))
برقت عيناه ونبض قلبه سريعًا جدا وهو يهمس لها بخفوت مؤثر
((هل أنا في حلم؟ ما سر كل هذه الحب المتدفق نحوي منكما!))
وفي هذا الوقت ظلت الاثنتين ملتصقتين به حتى ظن أنهما غرقا في النوم.. وعندما حاول مازن أن يتحرك بتحريكها لينهض ياسمين عنه جفل على صوت هتافها الحانق
((لقد اشتقت للنوم بين ذراعيك، مهما كانت الظروف فلا تبتعد عني.. وافهم الأمر كما تشاء))
رفرف بعينيه وقال متلعثما
((أنا لا أنكر أن أريد ذلك، لكن كما ترين في حضرة ابنتنا أحاول ألا أتمادى فيما لا يمكنني السيطرة عليه))
قطبت حاجبيها باعتراض بالغ وقالت
((ليس من حيائك قمري.. أنت معتاد على إحراجي أمام عائلتك، لذا سأنام مهما كانت الظروف بجانبك كيفما تواجدت معك..))
قاطعها وهو يبعد ابنته بلطف عن أحضانه
((انتظري، هدى حبيبتي ما رأيك أن تذهبي لعب مع يزيد وخالة سمية، ووعد مني سأكافئك))
ثم نظر لياسمين يغمز بعبث
((لي مع أمك كلام كثير ويجب أن نناقشه بمفردنا))
فهمت ياسمين مغزاه فربتت على ذراع هدى تكمل
((هيا هدى.. اذهبي ولي منا مكافأة.. مفهوم؟))
أومأت هي بموافقة وصرخت بفرحة تنزل عن حجر والدها
((حسنا إذن.. فقط لا تجعلاني انتظر كثيرا))
قبَّلها مازن بجبينها مبتسما يقول لها
((حبيبتي الصغيرة.. أعرف بأنك فتاة مطيعة))
عند خروجها وقفت هدى ترمي قبلات بالهواء لهما وتودعهما لتغلق الباب وراءها، التفت ياسمين نحو مازن الذي همس لها عابثا
((ها... أين توقفنا منذ قليل.. قلت أمرا عن شعورك تجاهي.. أريد سماعه من جديد))
وضعت رأسها على صدره بتمنع
((لا أتذكر ما قلته..))
شهقت بغتة عندما حملها وهو يدنو بوجهه نحوها يقول بنبرة عابثة
((إذن عزيزتي لدي طريقتي الخاصة كي أنعش ذاكرتك))
ما لبث أن ضحك وهي تتلوى في أحضانه تود أن تنزل وقد تورد وجهها خجلا
((مازن انتظر..))
وضعها برفق على السرير وقد اعتلاها
((ها! هل تخبريني الآن؟))
وعلى الفور كانت تجتذبه تحوط ذراعاها حول عنقه معاتبة بصوتٍ متثاقل من النعاس
((قمري أنا أحبك.. فقط لا تشعرني أني جسد لتدفئة فراشك، فهذا يجرحني بحق))
أسدلت جفونها وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة مرحة تاركة قمرها أسير ذهوله يتساءل أهذه ياسمين الباردة، لوح الثلج، يبدو أن أزمتهما الطويلة المتعسرة قد ولَّدت إحساسًا جديدًا يغزو أيامهما بعهد جديد في علاقتهما.. بريق مختلف يلتمع من عينيه لأول مرة تأثرا بعاطفتها الحميمة، وبشكل خاص حينما فهم أنَّها عاجزة عن النوم بعيدة عنه..
*****


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-12-21, 05:57 PM   #5485

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


في الصالة..
كانت رتيل تمسح الغبار عن أثاث الصالة بينما زوجها المصون متمدد على الأريكة يتصفح هاتفه بهدوء تام قبل أن ينتفض جالسًا فجأة ويغمغم باستياء
((أصدقاء مزيفون جاحدون حقًا! والأمَّر أنهم يتعمدون عدم إدراج هذه الصور على حساباتهم الشخصية حتى لا أعرف! من يظنون أنهم يخدعون!))
توقفت رتيل عما تفعله وسألته بعدم فهم
((لم أفهم عليك؟ ماذا حدث مع أصدقائك بالضبط؟))
أجابها بغضب عارم منفلت
((تخيلي رأيت على مواقع التواصل الاجتماعي صدفة صورا لأصدقائي في عدة رحلات للبحر ذهبوا لها الأشهر الماضية دون إخباري! حتى لا أقرعهم بالعتاب!))
كان حقا بقاؤه طوال هذه المدة يسبب له إحباط وكآبة فظيعة، إذ أنه معتاد على صوت صخب المدينة بكل ما فيها من تحركات الناس وأبواق السيارات ووسائل النقل وحتى صرخات الأطفال وكل ما ينبض بالحياة في الشارع! لكن رتيل لم تتأثر بما يقوله وعادت تمسح الغبار لتسمعه يغمغم مردفا
((خونة والله خونة! بدلا من أن يفكروا بتنظيم رحلة لمكان قريب تستطيع ساقي المُصابة تحمل عناء السفر له كي يروحوا عن نفسي المهمشة من الجلوس في البيت!))
صدر من رتيل صوتًا ساخرًا لم تنجح تماما في كتمه فالتفت نحوها يحدق بها صارها
((أيتها اللئيمة! أستطيع الشعور بابتسامتك المتشمتة بي دون رؤية وجهك! أنتِ لا تشعرين بنفسي المنهارة من هذا السجن المحبوس فيه منذ بداية إصابة لقدمي))
انحسرت ابتسامة رتيل وعقدت حاجبيها ثم التفتت تقول له بثبات
((على الأقل أنتَ بعد مدة ستزيل الجبس عن قدمك وتعود لحياتك العادية في الخارج، أما أنا سأظل سجينة هذه الجدران لمدة قد تكون أبدية، فقط لأن زوجي يرى أني كامرأة محترمة لا يجب أن أخرج من البيت))
ظل ينظر لها ويفكر لكل ما تقوله لكن من منطلق منطقي وحيادية الحكم بينما تكمل هي بمرارة
((لا أستطيع ألا أتشمت بك يا مؤيد، بل أنا مستمتعة برؤيتك محروم من العمل والخروج والتنزه ورؤية البشر والاختلاط مع أحد غير الولدين كما ترغمني أنا أن أعيش هذا طوال حياتي معك..))
ازدردت رتيل ريقا جافًا ثم همت بمغادرة المكان وقد شعرت أنها لا تطيق رؤية وجهه في هذه اللحظة.. تعسفه معها وتزمته هو ما دفعها أن تخطأ خطأ عمرها بالوثوق بامرأة كغنوة كمتنفس من السجن الذي تعيشه معه! لكنه قال لها بغتة بصوتٍ باهت بما جعلها تتوقف مكانها دون ن تستدير
((في ذلك اليوم عندما اقترحت أن نذهب للسينما للترفيه عن أنفسنا.. كنت أقصد أن تذهبي أنتِ أيضا معي أنا والولدين))
نظرت للخلف له من فوق كتفها لتعقب ساخرة بمرارة
((لا شكرا، أنا لا أذهب للسينما والمطاعم والأماكن المشابهة لها فأنا امرأة محترمة ولست كعميلاتك اللاتي تخرج معهن لتلك الأماكن))
اضطربت ملامحه عند ذكر هذه السيرة فقال مشيحا بعينيه بخزي
((عميلات! أنا كنت لا أتحدث معهنَّ إلا بخصوص العمل!))
هتفت به بعصبية
((نعم أعلم ذلك وهل كنت لأبقيك حيًا لو عرفت أنك تخرج معهن وتتحدث بأمور غير العمل كالحديث عن فتاة أحلامك المفضلة وما تتمنى أن تفعل معها كزوجين!))
رفع إبهامه وهو يقول مؤكدا باستماته معذبة
((مرة واحدة تحدثت فيها مع دموع مرة واحدة فقط وتبت لله واستغفرت.. وأنتِ فضحتني بها أمام والدي وإخوتي وأخذت ثأرك فأغلقي رجاءً هذه السيرة ولا تفتحيها مجددا))
اجتاح شعور الندم رتيل لأنها من أوصلت تلك الرسائل لوالده.. إذ أنها لم تكن لتفعل أمرا كهذا إلا لخوفها أن يكون قد أفشى على أخويها الاثنين ما كانت تفعله من خلف ظهره! ولو عرفت أنه ستر عليها لكانت بالمقابل سترت عليه دون أدنى شكّ..
أومأت برأسها بوهن وقالت بهدوء ظاهري
((لن أفتح هذه السيرة مجددا بما أنك تقريبا لم تفتح سيرة زياراتي لغنوة منذ عدت لك.. لذا نحن متعادلين، فلننسى الماضي))
ترك مؤيد هاتفه جانبًا ثم مسح على وجهه قائلًا بخفوت
((المهم نادي الولدين ليتناولا وجبة الغداء ودعينا نخرج لأكل التحلية في أحد المطاعم مساء))
دمدمت له بامتعاض
((قلت لك لا أريد الخروج معك، ألا تسمع؟))
فتح يديه باستنكار وغيظ يستبد به
((ولكن لماذا؟))
وضعت إحدى ذراعيها على خصرها تهز جسدها بانفعال ثم قالت بصلابة وجدية تعقد صفقة معه
((لأنه أمامك خياران فقط.. الأول أن تنزهنا كل أسبوع أنا والأولاد بشكل دوري.. والثاني هو ألا تفعل ذلك لا الآن ولا لاحقا فأنا أعرف أن غايتك من الخروج الآن هو الترفيه عن نفسك أنتَ لا نحن، في ظل تجاهل إخوتك وأصدقائك لك بعد إصابتك))
احتقن وجهه عصبيةً وقال بانفعال نسبي
((إذن تريدين استغلال إصابتي ولوي ذراعي الآن؟))
تحلت بالجلد والصبر وهي تقول بروية شديدة
((بل أريدك أن تعرف أننا بشر مثلنا مثلك، ومثلما أنتَ بحاجة للترفيه نحن أيضًا بحاجة لذلك، لو كنت لا تحب الخروج بطبعك لاحترمت ذلك وكتمت ما أرغبه في نفسي.. لو كان وضعنا المادي لا يسمح لما تجرأت أن أطلب منك فوق طاقتك.. لكن كنت أرى في كل يوم أفتش جيوب قمصانك فواتير السينما والمطاعم والمقاهي التي تذهب لها باستمرار!))
ازدرد مؤيد لعابه بصعوبة بينما أنامله تتحرك عفويًا لتحرر عنقه من أول زرين لقميصه وتلك العينين اللتين تناظرانه الآن ترميانه بسهام اللوم والعتاب الجارح..
أدركت رتيل أنه يشعر بشيء من الذنب ومقتنع بكلامها فقررت انتهاز الفرصة والحديث معه بما قد يخترق أعماقه لعله.. لعله يغير شيئًا من أفكاره المتزمتة.. فاندفعت تجلس بجانبه وتنظر في عينيه هادرة
((مؤيد أنا أتحدث معك الآن لأني أرغب حقًا في الإصلاح بيننا وإرضاء كِلانا لا لاستغلال ضعفك أو نيل تنازلات كبيرة من جانبك))
شبك مؤيد أنامله ببعضها وقال بشيء من الثبات
((حسنا سنخرج الآن وبعد شفاء قدمي سأحاول الخروج بكم كلما سمحت لي ظروف عملي))
ضيقت رتيل عينيها وهي تسأله
((وعد شرف يا مؤيد؟))
هزّ رأسه ببطء وقال مستسلما
((نعم وعد شرف، أساسا لا أحد هنا في هذا الحي يعرفنا من أقارب وأصدقاء))
رفعت رتيل حاجبيها باستهجان!
إذن اقتنع بسرعة بفكرة الخروج فقط لأنهم أصبحوا يعيشون في المدينة بعيدا عن أعين الجيران والأقارب الذين يهتم مؤيد جدًّا بنظرتهم عنه؟
حسنا لا يهم، على الأقل فقد وافق وباقتناع.. إذ أنه بالسابق كان لا يراعي أو يشغل باله بالاستماع إلى ما تقوله.. ومتى ما جاءهم في زيارة من المدينة كل أسبوعين كان ينشغل عنها بمشاهدة التلفاز أو تصفح الإنترنت.. كان يكره الإنصات أو إجراء مناقشة معها ويضع نفسه داخل قوقعة اهتماماته وحسب دون أن يكلف نفسه عناء ما يوده ولديه من أمور للقيام بها معه في فترة تواجده..
إذن لكل حادث حديث، سيكون التغيير تدريجيا، عليها المواصلة معه في كل مرة بالقليل للوصول لما يرضيهم كزوجين وكعائلة.. فالمشوار معه طويل لكن يتطلب اخذ خطوات متريثة..
سارعت رتيل ترسم ابتسامة جذابة له وتقول بحب ظاهري
((حسنا شكرا لك يا مؤيد.. سأضع الآن الغداء لنا، هل تعرف أني أعددت اليوم وجبتك المفضلة؟))
وعلى الغداء اجتمعوا حول سفرة الطعام.. بدأت رتيل تأكل بشهية كبيرة.. ومنفرجة الأسارير لأن حديثها هذا أثمر في تفكير مؤيد وغيَّر به شيئا ظنت أنه لن يتغير أبد الدَّهر..
لكن هل يمكن أن يستمر مؤيد بالتغير وتصير علاقتهم متبادلة قائمة على المشاركة؟ ويتوقف عن التعامل معها بمنطق عدم الأهلية.. كأنها قاصر.. وعليها أن تنفذ كل أوامره دون محاولة للاعتراض أو الرفض!
انتشل صوت طرقات الباب رتيل من أفكارها فسارعت تقول وهي تهمّ واقفة
((لا تتعب نفسك يا مؤيد، ربما تكون دارين، دعني أفتح الباب لها))
وما إن فتح الباب حتى كان صوت دارين بالفعل يصدح عاليًا وهي تندفع نحو رتيل معانقة إياها بحرارة
((زوجة عمي كيف حالك؟ لقد اشتقت لك كثيرًا))
أغلقت رتيل الباب بيدها بصعوبة وغمغمت باختناق من فرط قوة عناق دارين التي تكاد تضاهيها بالطول
((لا تبالغي من شد ذراعيك حولي يا دارين قد أقع))
أطلقت دارين سراحها من تطويق عنقها المثقل بالاشتياق لرؤية زوجة عمها بعد غياب أشهر طويلة ثم قالت لها ببهجة
((أعرف أني جئت مبكرا عندكم ولكننا اضطررنا لذلك، لأن أبي يريد أن يزور جديّ))
ما لبثت رتيل تتذكر مرافقة والدها لتسألها عنه
((صحيح، أين هو والدك؟))
لتجيبها تلتفت ناحية الباب
((ذهب ليركن سيارته ثم سيلحقني))
مسكت رتيل يدها تحثها للتقدم داخل الصالة
((ادخلي فورا الغداء جاهز، سأضع طبقا لك))
دخلت دارين للصالة ولوحت بيدها لفهد وباسم المبتهجين لرؤيتها فرمتهم بابتسامة واسعة قائلة
((مرحبا فهد.. مرحبا باسم.. سأبدأ المكوث في بيتكم من اليوم))
ثم انحسر الحماس من على وجهها تدريجيا وهي تنظر لعمها مؤيد هادئ الملامح في مكانه فسارعت تقول له بحنق طفولي
((عمي مؤيد قبل أي شيء، لا بد أن أبي أخبرك أنه سجلني بنادي الرسم؟ واتفق مع سائق أن يأخذني إلى هناك ويعيدني، لذا إذا كنت ستعترض لذهابي للنادي قل من الآن لي حتى أطلب من أبي ألا يتركني هنا))
اغتاظت ملامح مؤيد من طريقة حديثها معه وتجرئها السافر فقال لها حانقا
((لا تقلقي أيتها المدللة أخبرني والدك عن النادي وأكدت له أنى لن أعترض على ذهابك))
أسرّ الذهول ملامحها لدقيقة قبل أن تهتف بلهفة مباغتة
((هل حقا ما تقوله؟))
سارعت تعانقه بقوة وحب بينما تردف بصراحة
((لا أصدق.. أحبك يا عمى أحبك))
وأكملت بتريث دون ترك معانقته
((لقد ظننت أنك ستمانع قدومي إلى هنا بسبب وقاحتي معك في آخر مشكلة! وحينها والدي كان سيجبرني أن أعود لبيت جدي..))
أبعد مؤيد دارين بصعوبة عنه وتنحنح قبل أن يقول
((لن أقول "وقاحة" بل سأقول تقليل من احترامي، ولكن مهما فعلتي تظلين ابنة أخي المدللة التي لا أستطيع التسبب بحزنها مهما فعلت))
نظرت دارين له بتسلية مشوبة بالامتنان ثم قالت بعبثية
((هل عرفت يا عمي لم أحبك أكثر من أبي!))
هدرت رتيل لها بحماس وهي تشير للغرفة
((جهزت لك يا دارين غرفة الضيوف تعالي وأعلمينى إذا احتجت لأي شيء))
أخذت دارين تتأمل المكان قليلا ثم قالت بشيء من الذنب
((أخبرني أبي أن شقتك صغيرة لأنك بالأصل كنت تعيش فيها بمفردك لكنها أصغر مما توقعت، أشعر أن مكوثي هنا كضيفة سيكون ثقيلا عليكم))
سارعت رتيل تصحح لها ظنونها هادرة
((لا تقولي ذلك أيتها السخيفة، أنا أصر على وجودك أساسًا حتى تساعديني بأمور التنظيف والترتيب، وإشغال وقتي))
انفرجت ملامح دارين وقالت بطيب خاطر وفخر
((سأفعل كل ما تطلبينه، هل تعرفين أني من كنت أطهو لأبي عندما كنت أعيش معه؟ صدقيني ستحبين مكوثي هنا))
ثم تطلعت لعمها مشيدة وهي تغمز إحدى عينيها
((عمي أنتَ محظوظ بزوجتك جدًّا))
حانت من مؤيد نظرة خاطفة لرتيل ثم هَزَّ كتفيه..
لكن فجأة هتف باسم باعتراض
((أبي لماذا تسمح لدارين الفتاة بالذهاب للنادي لرؤية صديقاتها ونحن الصبيان لا!))
تجلَّت الدهشة على ملامح مؤيد ولوهلة لم يعرف بما يرد لكنه قال بعد لحظات تلعثم باقتضاب
((ستذهبان معها لا تقلقا، بالتأكيد لن أسمح لسائق غريب أن يأخذها إلى هناك ويعود بها وحيدة))
شهق فهد بلا تصديق
((هل حقا ما تقوله يا أبي؟))
قطب مؤيد حاجبيه وأومأ برأسه فقفز الاثنان بمرح واندفعا يعانقانه ويغمرانه بالقبلات يهدر كل واحد منهما بحبه له..
أما رتيل لم تكن تصدق كل ما سمعته من مؤيد اليوم أبدًا! بل لم تتخيل يومًا أنه قد يصل به أن يفعل ذلك.. أو يوافق على أمر كهذا..
*****
بعدما انتهى معاذ من زيارة أخيه وصل إلى بيت والديه فها هو يجلس مع أفراد عائلته في غرفة المعيشة.. وضع كأس الشاي على الطاولة بعد أن ارتشف منه ثم التفت لوالدته يقول
((المهم الآن لنعد لموضوعنا الذي قلت لك عنه سابقا))
أظلمت ملامح زاهية فجأة كما حال زوجها وقالت بغضب مكتوم
((لننتظر حتى تخرج من السجن لنتحدث بأمرها معك، من يدري؟ قد لا تخرج أبدًا))
تغضن جبين معاذ بالضيق وقال باقتضاب
((لا سمح الله يا أمي لا تقولي هكذا، لن يطول الأمر عن أيام قليلة قبل موعد جلستها الأخيرة وخرجها، إنه شبه مؤكد))
انفلتت أعصاب زاهية وهتفت بامتعاض
((يكفي يا معاذ.. لا يعجبني من أمرها شيء مثلا سنها.. تصغرك بثلاث أو أربع سنوات فقط! كيف ستنجب لك العديد من الأطفال بعد الزواج وهي على مشارف منتصف الثلاثين؟))
اقترب مازن من أمه يقول بنبرته الشقية المتأصلة فيه
((أمي لا تقلقي عندك الكثير من الأبناء غيره ومن سيجلبون لك الأحفاد.. لذلك تغاضي عن موضوع أولاد معاذ، ثم هم قلة قليلة من يعرفون بموضوع سجن مطلقة وليد..))
صحح معاذ له بلهجة تحذيرية
((اسمها شيرين لا مطلقة وليد وستكون قريبا زوجة أخاك فحاذر بانتقاء ألفاظك))
اضطربت ملامح مازن ولم يتوقع أن ينفعل أخيه عليه بهذا الشكل لزلة لسانه!
لكن زادت الحاجة زاهية وهي تؤنبه بحدة
((يكفي يا مازن الأمر لا يتحمل المزاح، مظلومة أو بريئة ليست مشكلتي لكن لن أقبل خريجة سجون أن تكون زوجته))
احتقن وجه معاذ والتفت لوالده يقول
((أبي قل شيئا، وأخبرها عن الظلم الذي تعرضت شيرين له من ابن أخيك!))
أشاح يعقوب بعينيه بعنف وقال بصوتٍ محتقن حاول جاهدًا أن يخفي الغضب بين طياته
((عذبها كثيرًا وأذاقها المر، لكن لها رب يعوضها خيرا عما لاقته منه ولم يفوضك أحد أن تعوض مطلقة ابن عمك))
تصلبت ملامح معاذ، فها هو والده الذي كان يتهرب من الحديث معه كلما جاء له بأمر شيرين يظهر الآن سخطه بزواجه منها.. إلا أنه رد بثبات ووضوح
((أبي أخبرتك أنى بدأت أكن مشاعر لشيرين منذ زمن، أي منذ طلبت منى أن أهتم بشؤون والدها المريض قبل وفاته، وهي من كنت سأتزوجها لولا ابتزاز وليد لها آنذاك بغير علمي!))
هتفت زاهية بعصبية بابنها
((وهل هذا الأمر مدعاة للفخر يا معاذ لتخبرنا به! لو تزوجتها قبل زواجها من وليد وقبل دخولها السجن لم أكن لأعترض لكن الآن فلا))
التفت معاذ لوالده الذي يزيد من تعنت والدته بموافقته.. فناظره بعينيه بصمت يطلب منه أن يكون منصفا إلا أن يعقوب الذي كان يتهرب من نظرات ابنه زمجر به باحتدام
((أنا مللت وسئمت من إخوتك ولا أحتمل أي عبء إضافي منك الآن، افعل ما تريد وتزوج من تريد ولكن اغرب عن وجهي أنتَ وباقي إخوتك، مصعب هو الوحيد المرضي فيكم))
أنهى يعقوب كلامه واعتدل واقفا بغضب يمشي مبتعدا لتهتف زاهية له
((أين ستذهب يا حاج وابنك لم يتراجع عن الزواج بها بعد!))
وصلها صوته السَّاخط قبل أن يبارح الغرفة
((إذا هججت من هذا المكان بلا عودة فلا يلُمني أحد! كله منك أنتِ ومن أولادك))
انتفضت زاهية واقفة ورفعت سبابتها تهتف بمعاذ
((معاذ لن أسمح لك أن تتزوج خريجة سجون، وإلا والله أقف مع حماتك وأجعلها تأخذ حضانة دارين منا وأتركك تهنأ مع خريجة السجون))
تمتم معاذ بخفوت مستاء
((أمي كُفي عن نعتها بهذا اللقب فوالله ما دخلت السجن إلا ظلما))
ردت عليه زاهية بغضب
((لا يهمني إن كانت دخلت السجن ظلما أو لا، لكن لن تتزوج منها، ولو تزوجتها لن أبارك لك ولن تدخل قدمي عتبة بيتك))
ثم تمتمت بازدراء قبل أن تغادر المكان مبتعدة
((في آخر الزمن يتزوج ابني من خريجة سجون تُخرج منها الجانحين أكثر مما تستقبل، وتضر المجتمع أكثر مما تفيد!))
تقبضت يدا معاذ وضرب بها على المنضدة أمامه
((رباه. كيف اقنع هؤلاء القوم!))
ثم لحقهم للخارج بهم..
أما سمية ومالك اللذان كانا يجلسان على أريكة في الزاوية ويأكلان تطلعا لبعضهما.. تحرَّج مالك من أمه فتمتم لسمية
((أمي امرأة عاقلة وكيَّسة ومن الصعب أن تتصرف بطيش أو بتطفل، لكنها في النهاية أم قلبها يحترق على أبنائها من أمر تظنه ليس في صالحهم))
أيَّدته سمية وأومأت برأسها له شاعرة بالإشفاق على حماتها التي ليس لديها بخت بزوجات أولادها.. فهي الآن ليست راضية عن أي واحدة منهن رضا كاملا..
*****


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-12-21, 05:58 PM   #5486

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


في أحد مزارع الكانز البعيدة وأجملهم كانت نورين تتمشى مع والدتها بينما تعينها الأخرى في المشي وقد برزت بطنها إلى حد صار ينهكها بذل أي مجهود يسير.. ومصعب كان قد ذهب لإحضار معدات الشواء وتركهم هنا..
حانت من نورين نظرة لوالدتها التي تسير بجانبها قبل أن تبتسم بامتنان.. رباه كم هي سعيدة للبهجة التي أضيفت لحياتها بعد أن عادت تقابل وتزور عائلتها وتستقبل زيارتهم.. والشكر لمصعب الذي لا يتوانى بين فترة والأخرى بدعوتهم عندهم وقبول دعواتهم..
عادت نورين تقبل وجنة أمها غير آبهة لتذمرها إذ أنها تريد تعويض كل الأيام التي عاشتها بعيدة عن حنانها الفياض.. وسرعان ما صدحت ضحكاتها عاليًا بشكل أنعش قلب والدتها التي أخذت نفسا عميقا قبل أن تتطلع مأخوذة الأنفاس بجمال أشجار هذه الجنة الخضراء الشاسعة وتقول
((ما شاء الله ما أوسع هذه المزرعة، بارك الله في خير عائلة زوجك))
أمَّنت نورين على قولها قبل أن تفلتها وتسير نحو أزهار جورية خلابة وتقرر قطف البعض منها لتجمعها كباقة وتعطيهم لمصعب عند عودته رغم معرفتها أنه سيطلب منها هي أن تهتم بهم.. ولم تكن قد انخفضت لتقطف الأزهار حتى تجهم وجهها بشدة وعقدت حاجبيها بغرابة كأنها تستنكر شيئا ما..
لاحظت أمها تشنجها فسألتها بقلق
((لا تنخفضي يا نورين قد يتعبك ظهرك))
اغرورقت عينا نورين بالدموع وشعرت بألم تسارع بوتيرة فائقة، حتى أنها بالكاد تمكنت من النطق بكلماتٍ متداعيةٍ منهارة كأنها تنهار
((أمي أشعر أني سألد.. الآن.. أمي..))
.
.
في هذه الأثناء وفي نفس المزرعة وقف مالك برفقة والده يساعده ويصغي لملاحظاته في أمور الزراعة والإشراف على المزارعين كما هي عادته في إجازته كمحاولة إثبات أنه يبذل جهده في القيام بدوره كابن على أكمل وجه..
أغمض عينيه وخرير المياه الممتزج بزقزقة العصافير وهمهمات الفلاحين التي يحملها النَّسيم مُداعبا الشجيرات تصله وتخترق كيانه!
متى آخر مرة حُظي بمثل هذا الوقت المُسترخي!
حتى فتحهما على صوت والده ينصحه أينما يذهب أن يزرع المكان بالأشجار المثمرة، ويعمرها بالآبار حتى لو لم تكن الأرض ملك شخصي له أو لعائلتهم.. ربما يمر عابر سبيل جائع.. محتاج جائع.. حيوان أو طائر متعب.. فيروي عطشه ويسد جوعه ببعض الفواكه.. فتكون صدقة جارية له..
قام والده بغسل عدة حبات فاكهة قطفها بماء البئر الموجودة بالأرض.. قبل أن يشوب نبرة والده شيء من الامتعاض وهو يغير دفة الحديث
((لماذا لم يأتي مازن إلى الآن؟ ألم تقل بأنه سيرتاح قليلا ثم سيلحقك للمزرعة هنا؟))
توتر مالك ولم يعرف كيف يبرر تقاعس مازن إلا أنه ردَّ
((أبي ربما شعر بالتعب فقد عاد منذ قليل من عمله المرهق الذي يتطلب منه جهدا كبيرا وهو يقود الدراجة تحت الشمس لساعات))
هتَف به يعقوب بسخط
((وأنت عملك كمعلم تقف على قدميك لساعات أليس صعبا؟ لماذا لا يستطيع أن يكون مثلك ويأتي ليأخذ نظرة على المزارع بعد عمله؟ لو فقط يعرف كيف يكون نصف ما تكونه أنتَ يا مالك))
قال مالك يرجو تفهم أباه
((أبي أرجوك لا تظل تقارن بيننا، رغم أنه لا يظهر أي ضيق من مقارنتك لكني أعرف بأنه في داخله يتألم منها، نحن مُختلفين وتقبل هذا))
استنكر يعقوب كلامه غاضبا
((هل تريد مني أن أتقبل اختلافه عنك بانعدام المسؤولية.. دعك من الحديث فمهما أقول لا فائدة ترجى فيه))
اعترض مالك ((ولكن يا أبي..))
قاطعه يعقوب بنفس نبرته الغاضبة الناقمة
((أسكت أنت الآخر، فكونك أنتَ ومُعاذ ومُؤيد ومُصعب أهون درجة من مازن لا يعني أني راضي عنكم بشأن اهتمامكم بمزارع وحقول والدكم))
اتسعت عينا مالك بذهول معقبا
((ماذا! أبي هذه أول مرة اسمع منك مثل هذا الكلام))
وضع يعقوب الفاكهة في السلة مغمغما
((إذن سأسمعكم أكثر من ذلك من الآن فصاعدا))
تابع يعقوب وضع الفاكهة وهو يقول بنبرة مختلفة
((أنا يا مالك نشأت بصغري مع أخويّ الاثنين في منزل عائلة كبيرة العدد، فكان البيت المتواضع يضم جميع أعمامي وزوجاتهم وأولادهم ونعيش فيه جميعا كثكنة عسكرية، كنا نعاني من الفقر وقلة المال ونقص بأبسط أمور الحياة اليومية، فيجبرنا الآباء منذ نعومة أظافرنا على العمل بعد المدرسة في حقلنا عملًا يشق على الرجال في الأرض الزراعية ولساعات فينقضي النهار دون أن يجد الفرد منا وقتا للمذاكرة، ومع ذلك فلم يعترض أحد وطلب أن يتم عفوه أو تقليل نصيبه فيما يسهم به في الحقل..))
قطب مالك حاجبيه وهو يصغي لأبيه بتركيز يكمل بصوتٍ يفضحه الألم
((لم يكن هناك عندنا فرصة ثانية لمن يفشل في إحدى السنوات الدراسية، فأنا عندما اضطربت أمور دراستي في الثانوية العامة وامتنعت من دخول الامتحان عندما توفي والدي، أخبرني عمي بأنه فلا نقض ولا إبرام، ولا مفر من تركي للدراسة والتركيز على العمل في الحقل والتفرغ له، ولا مجال للإعادة))
لمعت عينا مالك بالحزن هادرا
((لقد كان الأمر قاسيا من عائلتك اتجاهك))
مر شبح ابتسامة على وجه يعقوب هادرا
((نعم كان ذلك، لكن قررت أن أرضخ لهم فقد كنت الأكبر بين أخويّ اللذين اعتبرت نفسي أبا لهما بعد وفاة أبوينا ومسؤول على تأمين قوت يومنا.. ولأني حرمت من إكمال دراستي أقسمت على نفسي إذا كبرت وتحسن الحال فسأكون أكبر داعما لأولادي في دراستهم وإعالتهم ماديا ونفسيا حتى يوفقوا فيها وما يرغبون من أعمال حتى لو لم تتضمن الأرض))
ثم قست نظرته وهو يطالع ابنه مردفا
((لكن ما أراه الآن أنكم تتمادون وتعزفون عن العمل في الزراعة ولو بدوام نسبي وتفضلون العمل في المدينة! رغم أن الزراعة مهنة مجدية وعصب اقتصادي هام للفرد والمجتمع))
كان غضبه مصدره من شباب القرية لا من أولاده وحسب الذين يهملون الزراعة التي هي مصدر الغداء للأمه جمعاء.. رغم أنه لا يلمهم لقلة أجرها..
لكنه لم ينكر بأنه لو لم يوفقه الله ولو لم تساعده زوجته بورثتها لما كان تغير حاله بفرق رهيب خلال سنوات قليلة!
انتزع يعقوب نفسه من أفكاره ثم قال وهو يناول السلة لمالك
((اذهب وأعطي هذه الفاكهة الطازجة لزوجة أخيك وأمها اللتان تتنزهان في نهاية المزرعة.. إنهم ضيوفنا))
أومأ مالك لوالده بطاعة وتناول الفاكهة ومضي بطريقه إلى حيث تتواجد نورين مع والدتها قبل أن ينتبه لهن من بعيد ويشعر بخطب ما فيسرع بخطواته مهرولا نحوهما..
وصله صوت نورين تبكي بعنف بينما أمها تقول بارتباك وتيه
((ماذا! ماذا أفعل! لا أعرف قيادة السيارة، أريد الاتصال بالإسعاف أو زوجك ولكن لا إشارة))
بدأت أمها تمسح عن جبينها قطرات العرق وهي تجيبها بصوتٍ متألم
((لا ستتأخر الإسعاف للقدوم لهذا المكان فطرقه ليست معبدة، اتصلي بمصعب وأخبريه أن يعود بسرعة، اذهبي للرصيف لعلك تجدين إشارة للاتصال))
وضع مالك سلة الفاكهة أرضا وهتف عاليا
((انسِ مصعب يا خالة، سأجلب سيارتي حالا حاولي أن تسنديها لنهاية الطريق))
سارعت ريحانة تسند ابنتها وتسير بها بخطوات متعثرة وحذرة خارج المزرعة نحو خارج حدود المزرعة وأنين يصدر منها من شدة ألم بطنها التي تُعْتَصر بجنون.. وبصعوبة وصلتا للسيارة حيث ركب مالك مستعجلا خلف مقود السيارة.. بعد أن ساعد زوجة أخيه رفقة والدتها بالجلوس بحذر شديد رغم تأوهات وصرخات منفلتة من هجوم آلام المخاض المفاجئة..
شغل مالك محرك سيارته وانطلق بها هاتفا باضطراب
((ها أنا أقود على أعلى سرعة مسموح بها لأصل للمشفى))
شدَّت نورين على أسنانها تصدر أنينا متحاملة على الألم الذي تشعر به يشطرها لنصفين ويكاد يقصم ظهرها إذ كانت غير قادرة على التحمل وكتم أوجاعها..
تطلعت ريحانة لوجه ابنتها المحتقن والمغرق بالدموع شديد الاحمرار.. يتصبب جبينها عرقًا بينما تحاول أن تنظم أنفاسها.. نفخت عدة مرات في أنفاسٍ متسارعة متتالية لكنها شهقت فجأة عندما شعرت بضربات الطلق مجددًا كأنها قنابل تمزق جسدها، همست لها وهي تلهث باختناق
((أمي متى سنصل إلى المشفى! أشعر أنى سأموت..))
شدَّدت أمها من الإمساك بيدها وهي تدعو لها السلامة وتطمئنها، ورجت مالك بصوتٍ لاهث واهن أن يسرع.. فاستجاب لها وقد بدأ التأثر والقلق يظهر على وجهه من الألم العنيف الذي يشعر بها تمر به..
.
.
لم يمر الكثير من الوقت بعد الولادة حتى كان مصعب يركض في ممر المشفى نحو غرفة نورين.. فتح الباب باندفاع دون أن يطرقه حتى ليقول من بين لهاثه العنيف
((لقد وصلت أخيرا))
أدارت نورين وجهها للباب متفاجئة لتجد مصعب يتقدم منها.. رغم الآلام التي تمر بها إلا أنها شعرت بالحنق لأنه رآها بهذا المظهر إذ أنها ليست بحاجة لمرآة لتعرف أنها تبدو في هذه اللحظة أكثر سوءًا وإثارة للنفور في حياتها.. أشاحت بوجهها عنه تلقائها وحاولت إعادة خصلات شعرها الفوضوي المشعث تحت القبعة الطبية.. قبل أن تشعر به يجلس بجانبها ويقول لاهثا بخشونةٍ
((لقد عدت للمزرعة حيث تركتكما وفزعت عندما لم أجدكما، لولا أن أخبرني أبي أنه أرسل مالك إليكما، خفت أن يكون قد حلًّ مكروها بك وأوصلك للمنزل، فذهبتُ هناك وكانت أمي بانتظاري لتخبرني أنهم أوصلوك للمشفى وأنجبتِ، وعلى الفور جئنا نحن الاثنين هنا..))
قاطعته قائلة تهون عليه بابتسامة شاحبة
((لا بأس المهم أني قد وصلت وأنجبت بولادة طبيعية))
كمن انتبه لها فلثم جبينها المتعرق وهو يمسك وجهها بكلتا يديه
((سامحيني.. لم أسألك عن حالك ...أنت بخير حبيبتي؟))
ردت عليه بإرهاق دون أن تنحسر ابتسامتها
((الحمد لله.. الحمد لله))
كان يلتمع في عينيه تعبيرُ يجمع بين أسى وجعها الذي لم يشارك لحظاتها معه ومحبة صادقة يكُنها لها.. جعلها ترغب في البكاء بغزارة.. رفع مصعب أصابع يده ليلامس بها وجنتها بنعومةٍ ويميل نحوها يحتضنها فضمتها بكفيها المرتعشين
((لا تلم نفسك، أنتَ لا تتركني أبدًا، حتى أنك طلبت من أمي أن تسكن معنا لتتواجد معي في وقت عملك))
انزلقت شفتاه في ابتسامة زادت من جاذبيته في عينيها الباكيتين ثم تحاملت على نفسها وحاولت أن تعتدل شبه جالسة فمال لها هامسا بصوتِ أجش دافئ انساب بلطف عبر تجويف أذنها
((ولكن ستظل حسرة بقلبي حتى تحبلي مجددا وأعيش هذه التفاصيل التي فاتتني مع ولادة طفلتنا الأولى))
عبَست أمامه لذكره موضوع الحمل مرة أخرى ولم يمر الكثير على إنجابها هذا، فضحك على شكلها ثم قبّل وجنتيها ناسيًا وجود أمها التي غضت بصرها بعيدا وهي تشعر براحة وامتنان لجميل علاقة ابنتها مع زوجها..
عقدت ياسمين حاجبيها فجأة كأنها تذكرت شيئا لتتساءل
((أين أخاك؟ لقد قال بأنه سيحضر الطفلة ولم يعد))
ابتسم لها بحنو وأجاب
((وصلتُ مع أمي إلى المشفى وذهبت هي لرؤية الطفلة التي يحملها مالك، ولهذا تأخر غالبا))
وفي أثناء حديثهم طُرق الباب عدة مرات فسارعت تغطي رأسها بينما يفتح مُصعب الباب ليطل منه أخيه يحمل الرضيعة بحذر بجانب أمه التي قالت له بسعادة غامرة وعاطفة عارمة بقدوم المولودة
((ما شاء الله يا مصعب، طفلة مثل القمر))
ثم رفعت أنظارها نحو كنتها تقول بابتسامة
((مبارك لكما.. تتربى بعزكم))
كان مالك يشعر بشيء من الإعياء لكنه تذمر بمرح
((عندما سألوني عن زوجها وأخبرتهم أني لا أستطيع الوصول له، أخذوني إجباريا ليسحبوا مني الدَّم لبنك الدماء تعويضا لحالة طارئة إذا ما احتاجت زوجتك لمن يتبرع لها وأخذت منه))
ضحك الجميع على كلامه لكن مصعب مدَّ كفيه لأخيه قائلًا وهو يشعر حرفيا بمزيج غريب من الترقب والفرح
((هاتي ابنتي يا مالك لأراها))
تعجبت نورين مِمَّا تسمعه إذن مصعب لم يفكر حتى أن يلقي نظرة على صغيرته وهرول مسرعا إلى غرفتها ليطمئن عليها! تابعت تراقبه يحدق بقوة في الكتلة الوردية الصغيرة بين يديه دون أن يرفع عينيه عنها.. قبل أن تذمر له بلهفة لإحضارها فلثم مصعب وجه الرضيعة الصغير قبل أن يناولها إياها لتذوب عيناها وقد اغرورقت دموعا وحنانًا فطريًا وهي تناظر طفلتها قبل أن تضمها إلى صدرها.. وشعور أمومي يجتاحها تستشعر فيه بملامستها هذا الكائن الصير في أحضانها..
رفعت ريحانة والدة نورين طرف وشاحها تمسح عينيها وهي تقول مختنقة العبرة
((فعلا مثل القمر يا مصعب.. تتربى بعزكم.. ماذا ستسميها؟))
ظل مصعب يتأمل صغيرته بجانب نورين قبل أن يرفع وجهه لمن في الغرفة مبتسما ويقول
((سأسميها ملك))
أشرق وجه نورين وقالت قبل أن تعاود لثم رضيعتها
((ملك؟ ما أجمله من اسم، جعل الله لها من اسمها نصيب))
نظر مصعب لمالك المشدوه له بذهول ليعقب
((سأسميها ملك تيمنا باسم أخي مالك بما أنه هو من قام بالواجب اتجاه زوجتي في أوج ظرفها صعوبة))
ابتسمت نورين تتمتم باسم مولودتها وقد استشعرت فعلا معنى أن يأتي الطفل للدنيا ويأتي اسمه معه كما قال لها مصعب من قبل.. أما مالك استغرب حقا الاسم الذي أطلقه أخاه على طفلته خاصة وأن ما فعله أمر بسيط كان ليفعله أي شخص آخر حتى لو كان غريبا..
تجلى تأثر عاطفي على وجه زاهية لهذه اللفتة الجميلة من ابنها مصعب اتجاه أخيه فلكزت مالك وهمست له بحزم
((عليك أن تسمية ابنك القادم على باسم مصعب))
رفع مالك حاجبيه ثم اعترض قائلا
((ولكن يا أمي لقد أخذت قراري مسبقا بتسميته، ولو لم يهن عليّ كسرة خاطرك عندما رفض مؤيد تسمية بِكره بيزيد لسميت بكري أنا عبد الله حتى تكون هذه هي كنيتي كما تمنيت منذ صبَاي))
ثم تطلع لأخيه مردفا بابتسامة سمجة
((مصعب إذا كتب الله لي أن أحظى بابن ثالث سأسميه باسمك، فليس من المعقول إن رزقت بابنة أن نسميها "مصعبة"))
انفجر مصعب ضحكا على طرافة أخيه، بينما يسمع والدته تقول بلباقة لحماته
((مصعب أعلمني والدك أن أدعو عائلة زوجتك عندنا لهذه المناسبة السعيدة.. ستشرفوننا يا سيدة ريحانة))
*****


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-12-21, 05:58 PM   #5487

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

مكتب الرائد معاذ..
سمح معاذ للطارق الدخول قبل أن تصيبه الدهشة عندما اتضح أنه ليس سوى طبيب السجن زياد..
ألقى زياد عليه التحية بهدوء عند دخوله قبل أن يجلس على مقعد أمام مكتبه وعيناه تطوفان عليه ليباشر قائلًا بلا تردد
((هل تعرف أحدا من عائلة القاني يا سيادة الرائد!))
أخذ الأمر ثوان للتفكير من معاذ قبل أن يجيب
((القاني! لا أذكر اسم أحد يدعى بالقاني))
هزَّ زياد رأسه بغير اقتناع ثم قال مضيقا عينيه
((غريب ألم تسمع من قبل بشركات القاني المختصة بمجال الاتصالات والإلكترونيات من قبل! إنها من أهم وأكبر الشركات على مستوى بلادنا!))
أراح مُعاذ جسده على ظهر كرسيه وقال بريبة
((لأصارحك أنا لست ضليعا كثيرًا بهذه المجالات، ومن الطبيعي ألا أعرف شيئا عن الأشخاص الرائدين فيها!))
ظلَّت عينا زياد بعينيه لثواني أخرى قبل أن يتساءل بغتة
((ما هي صلة معرفتك بقصي القاني!))
شبَّك مُعاذ أصابع يديه ببعضهما متسائلا
((ومن هو قُصي القاني يا حضرة الطبيب؟))
شمخ زياد بذقنه مواجها إيَّاه وهو يراه يلف حول المكتب
((ألا تعرفه؟ كان يزور باستمرار نزيلتك المفضلة! تلك التي أخبرك أن تهتم بها من أجله فصرت تهتم بها من أجلك أنتَ يا سيادة الرائد))
تزامنا مع آخر كلمة خرجت باشمئزاز واتهام من زياد رفعه معاذ عن مقعده من تلابيبه وحدجه بنظراتٍ قُذفت من سعير غضبه هاتفا
((كن مباشرا في حديثك وقل لي من قُصي وما علاقته بشيرين!))
نجح زياد بتحرير نفسه من قبضته وهو يقول متسارع الأنفاس
((قُصي القاني الذي كان يزورها بالسجن بشكل متواصل! لا تدعي الآن أنك لا توصلها أحيانا بنفسك إليه وقت الزيارات!))
احتار معاذ لدقيقة وعيناه تجولان في الجديَّة التي تكتنف زياد ليقول باستدراك مستنكر
((آه... أنتَ تقصد قُصي سامح؟ قُصي سامح.. موظف كان يعمل بشركتها!))
تشدَّق زياد بانفعال
((نعم قصي سامح أو قاني لا يهم))
هتف معاذ بثبات ونظراته الثاقبة تتفرس تعابير الطبيب
((أخبرني ما قصته!))
أخذ زياد نفسًا عميقًا وأطلقه ببطء قبل أن يقرر الجلوس يعيد ترتيب هندامه بتمليس يديه على سترته، وقد شك أن معاذ لا علم له فعلا! إذ كان يظن أن النزيلة لها علاقة بقصي وهو الذي طلب من الرائد أن يهتم بها كما طلب من يوسف أن يعين لها محاميا ويتابع قضيتها باستماته واهتمام ويلح عليه هو بقبول قرار نقله إلى هنا بغية مساعدتها للتأكد من أنها لا تقضى وقتا عصيبا.. فلم يجد بدا من عدم إخبار كل هذا لمعاذ الذي لانت ملامحه وقال بخشونة وهو يجلس مقابله
((نعم أخبرتني شيرين بما فعله قُصي من تعيين ذلك المحامي البارع لها، لكن لم أكن أعرف أن له وسطات رفيعة تصل إلى حد نقل طبيب عسكري من سجن لآخر))
لم يكن زياد يريد التدخل بتفاصيل أكثر أو يقول بأن فارس القاني رجل الأعمال المهم يكون زوج والدته السابق.. فاعتذر بإحراج ممتعض
((إذن أنتَ تعرف شيرين قبل قصي القاني!))
كتف معاذ ذراعيه يجيبه بفظاظة ((نعم..))
تنحنح الطبيب مكملا
((حسنا انس كل الترهات التي تفوهت بها جراء سوء فهم، لقد ظننت أن تلك النزيلة تعنيه وهو من طلب منك معاملتها معاملة خاصة فغدرت بهِ وحاولت التقرب منها))
ملامح معاذ الساخطة والمظلمة كانت خير دليل على تعقيبه على كلامه! فتنحنح زياد يجلي صوته قبل أن يقول مُدعيا الحزم
((على كل حال كن حذرا فيما تفعله حتى لا تضر مستقبلك المهني، فقد وصلني من مصادر لا أحب الإفصاح عنها أن مدير السجن يريد إيجاد زلَّة للإيقاع بك قبل موعد نقلك القريب!))
كان معاذ يدرك أن مدير السجن غاضب منه منذ وقت زيارة المندوب لكنه لم يبالِ فشيرين بالغد ستخرج وسيحين موعد انتقاله دون أن يمتلك عليه أحد أي دليل! فقال بصوتٍ مقتضب متبلد الوجه مسندًا وجهه إلى قبضة يده
((فقط اصمت ولا تتدخل، قصي هذا متزوج الآن من صديقتها))
تمتم زياد بذهول
((قصي متزوج! حقا تزوج؟ هل أقام حفل زفاف؟))
ثم استدرك نفسه وهو يقول بانزعاج ونزق
((وما دخلي أنا بهذه التفاصيل.. على كل حال اطلب لي فنجان قهوة))
حدجه مُعاذ بعبوس لكن كان له ما أراد وطلب فنجاني قهوة لهما..
ارتشف معاذ قليلا من فنجانه وهو يحدق في شاشة هاتفه قبل أن يتشدق ساخرا بخفوت فسأله زياد بفضول
((ماذا تقرأ؟))
رد معاذ بصوتٍ ممزوج بالشماتة
((مستجدات شيء ما))
((ما هو هذا الشيء؟))
وضع معاذ هاتفه جانبا وقال وهو يتلذذ ارتشاف قهوته
((هناك ملازم أول في السجن السابق الذي كنت أعمل به وكان يُري السجناء والمعتقلين ألوان الهوان والعذاب مالم يأمر به ولا يعرفه رؤساؤه.. كان معروفا للجميع بل مادة سخرية لهم.. حتى أوقع الله هذا الملازم في خطأ جسيم مع أحد رؤسائه فحوكم وطرد من الخدمة ولم ينفعه أحد من عائلته النافذين، الذي هم أنفسهم من تسببوا بنقلي إلى هنا..))
تسبب كلام معاذ برثائه وشفقته فهدر بوجوم
((أول حالة طبية معقدة قابلتها بعد تعييني كطبيب هو عندما جاءني مجند من فرق الأمن فقد النطق بسبب تعرضه لإهانة من أحد القادة علنا فلم يستطع أن يتحملها أو يردها فأصابه ما أصابه..))
وافقه معاذ بصوته الرخيم المألوف
((إن الدنيا كلها أقل شأنا من أن يغتر بها الإنسان أو تغريه بظلم الآخرين فلا يدري أي منا عواقب أمره))
احتدت نبرة زياد وعقب
((وأتمنى أن تكون نهاية هذا الطبيب الجزار الذي يعمل هنا بشعة))
رفع معاذ حاجبيه متذكرا كلام شيرين بما سمعته عن ذاك الطبيب الملقب بالجزار لأنه طبيب لقهر وإيلام وتشويه النزيلات وقال
((هل عرفت شيئا عنه منذ مجيئك هنا؟))
رفع زياد كتفيه وعقب
((حتى الآن لا، لكن كان يعمل معي في نفس المكان منذ سنوات طويلة، وله سوابق بتشويه عقول أشخاص بأقراص سامة، فالطبيب يمكن أن يفعل أي شيء في المسجون دون أن يكتشفه أحد))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-12-21, 05:59 PM   #5488

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


ارتفع رنين هاتف معاذ مجددا ولكن برقم مجهول هذه المرة، أجاب على الهاتف بعملية ليأتيه صوت مضطرب.. مألوف عليه
((معك وليد يا ابن العم! هل نسيتني؟))
انتفض معاذ من مكانه واقفا بصدمة ثم هتف بصوتٍ جهوري
((وليد من أين تتحدث معي؟))
هتف وليد له بنبرة مقيتة مختنقة من فرط العصبية
((أتحدث معك من البلاد.. تحديدا من خارج السجن الذي تتواجد فيه شيرين ويصادف أن يكون نفس السجن الذي تعمل فيه))
لجمت الصدمة معاذ للحظة عن الكلام ثم قال بخشونةٍ مضطربًا
((وليد سأخرج لك.. كي نتحدث!))
بعد مرور لحظات من الصمت المشحون والتي قاربت الدقيقة الكاملة قال وليد بنبرة مضطربة
((نعم علينا التحدث قبل أن أتهور وأفعل ما أندم عليه! أنا لن أسمح لك أن تفكر ولو مجرد تفكير بالزواج منها أيها اللعين! ألن تكف عن وضع عينيك على أملاك الأخرين))
أظلمت ملامح معاذ واحتدت نبرته وهدر بهسيس مرعب
((شيرين ليست من أملاكك يا ابن العم!))
تطلع وليد بالطريق أمامه بعينين محترقتين مضطربتين لكن صارمتان لا تقبلان بالتنازل ليهدر بوعيد
((معاذ لو فكرت أن تتحداني أعدك وعد رجل حر أن أنسف مسيرتك في عملك هذا حتى لو كلفني الأمر حياتي! هل تعرف أنه لو سُرب لأحد من مسؤوليك أو من يترقبون سقوطك مسألة معرفتك بإحدى النزيلات في سجنك ستكون نهايتك!))
أنهى معاذ المكالمة غافلا عن نظرات زياد المستهجنة ثم اندفع للخارج يزعق للضباط
((لا أريد من أحد أن يلحقني مهما يحدث))
ولم يمر الكثير قبل أن يتعدى أسوار السجن من الجهة الخلفية حيث هي منطقة صحراوية نائية خالية من العمران..
ظل يسير للأمام حيث ينتظره وليد بجانب سيارته..
وقف الاثنان مقابل بعضهما وجها لوجه فضحك وليد فجأة ضحكة عالية مريرة لكنه عجز عن إتمامها فقد تلاشت سريعًا فوق شفتيه الباهتتين المرتجفتين دون إرادة منه.. بل وشعر بالألم في صدره لدرجة أن رفع يده يضغط بها عليه محاولًا أن يخفف منه..
لقد عاش في الخارج أيامًا صعبة مشوبة بالخوف، الحذر وعدم الطمأنينة وقبل أن يعلم مكانه لمن يريد استهدافه وينصحه أحد الزملاء أن يعود للبلاد، لم يقتنع في البداية، لكن عندما أعلمه بالأدلة أن شيرين تتواجد في نفس السجن الذي نقل إليه ابن عمه لم يتمالك نفسه وفقد سيطرة التفكير العقلاني ليشتري أول تذكرة عودة للبلاد!
بدأ صدر وليد يزداد وتيرة تنفسه عندما اقترب ابن عمه منه هادرًا
((لقد عرفتُ أيها ا-ل-ح-ق-ي-ر بكل ما فعلته بها، لذا إيَّاك أن تفكر الآن أني قد أسمح لك أن تستقوي على إنسانة لا تريدك فضلا عن كونها صارت تخصني))
هتف وليد به مهووسًا ضائعًا بملامح شيطانية نحيلة وبعينين شبيهتين بالجحيمٍ لشدة الشر الكامن فيهم
((تخصك! تخصك! منذ متى شيرين كانت تخص أحدا غيري!))
صرخ وليد باسمه بجنون عاليا ثم ودون تفكير اندفع ناحيته يلكمه ورغم تراجع معاذ لخطوات للخلف وهو يشعر بطعم الدماء داخل فمه إلا أنه كان أحنك منه وناوره ليرد له اللكمة بأخرى أقوى ألقته أرضًا.. ثم عاد بهمجية ينحني نحوه سريعًا يمسكه من تلابيب قميصه وقد أضحى أمامه غشاءً أحمر يحجب عن عينيه رؤية أحد غير ابن عمه الشيطان فينهال بقبضته عليه دون توقف..
الاثنين كانا متكافئان بالحجم والطول ولكن مهارة القتال كانت من صالح مُعاذ فوليد لم يكن رجلًا عنيفًا بطبعه.. ولم يخض قتال الأزقة والشوارع كغيره من أقرانه.. إذ اعتاد أن يوجه كل طاقاته في الاهتمام بدراسته وتنمية مواهبه..
لكن الآن وفي هذا القتال غير المخطط له، فكلاهما يقاتل الآخر لسبب، وليد يدفعه الغل، الحقد وحب السيطرة، أما معاذ فيدفعه شهامته تجاه حبيبته ورجولته في الدفاع عنها ولو من نفسه..
بغتة قام وليد بعض ذراع معاذ الممسكة به قبل أن يغدره بركلة لخاصرته جعلت الآخر يبتعد للخلف لاهثا بقوة..
مسح وليد الدم من أنفه ووجهه المشوه بفعل لكمات معاذ وسارع يترجل واقفا رغم ترنحه..
لوح معاذ بذراعه بالهواء من ألم عضته الشرسة مِمَّا جعل وليد يسبقه ودفع بنفسه عليه ليقعا معًا على الأرض..
نظر وليد بعينين دمويتين له ثم سارع بكيل اللكمات الخرقاء، كرجل لا يجيد القتال أجبر على خوض معركة جسدية.. لكن أدركه معاذ وقام بضربه رأسًا برأس بقوة جعلت دوار قوي يجتاح الاثنين..
كان زياد من بعيد يراقب الوضع ولا يعرف إن كان عليه التدخل أو لا وهو يوشك على أن يفقد المتبقي من أعصابه المتوترة سلفًا.. لكن شحب وجهه وجحظت عيناه عندما رأى وليد ينجح بسحب مسدس معاذ المرخص من حزام بنطاله ويشهره في وجهه.. كما مُعاذ الذي أدرك أن ابن عمه قد وصل لمرحلةٍ من الجنون والعنف ما قد يجعله يضغط الزناد دون لحظة تردد..
وقبل أن ينطق معاذ بشيء لردعه صدح صوت عدة طلقات عاليا ومرت ثانية واحدة قبل أن يرى الألم الخاطف يمزق عينيه.. وذلك السائل الأحمر الساخن يلطخ وجهه ويغمى على الآخر قبل أن يتهاوى أرضا ويغرق ببركة دمائه لافظًا آخر أنفاسه!


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-12-21, 06:00 PM   #5489

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-12-21, 06:00 PM   #5490

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي



محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي
محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي
محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


*****
انتهى الفصل.




Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
قلبك منفاي، في قلبك منفاي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:20 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.