آخر 10 مشاركات
540 - رجل خلف القناع ..هيلين بروكس.د.ن (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          *&* هنا يتم الابلاغ عن الكتابات المخالفة للقوانين + أي استفسار أو ملاحظه *&** (الكاتـب : سعود2001 - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          عِـشـقٌ في حَضرَةِ الـكِـبريآء *مميزة مكتملة* (الكاتـب : ღ.’.Hiba ♥ Suliman.’.ღ - )           »          زوجة بالميراث (127) للكاتبة: Sara Craven *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          خلف الظلال - للكاتبة المبدعة*emanaa * نوفيلا زائرة *مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Just Faith - )           »          أحبك.. دائماً وأبداً (30) للكاتبة الرائعة: مورا أسامة *مميزة & مكتملة* (الكاتـب : مورا اسامة - )           »          93- رجل من ورق - كارول مورتمر - روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          ألـمــــاســة الفــــؤاد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي اجمل قصة في الرواية؟ (اختار اكثر من قصة)
وليد-شيرين-معاذ 128 28.64%
مؤيد-رتيل 111 24.83%
مصعب-نورين 292 65.32%
مالك-سمية 123 27.52%
مازن-ياسمين 55 12.30%
قصي-سهر 54 12.08%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 447. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree7315Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-01-22, 06:56 PM   #6221

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


**في البداية اعذروني لانه اتضح بان الفصل السابق (40) ليس الاخير وانما الفصل 41 هو الاخير..
**لا تنسوا التصويت فوق على قصصكم المفضلة..
**قراءة سعيدة ويارب تكون الخاتمة كذا الرواية كاملة عند حسن ظنكم..


الفصل الحادي والاربعون (الاخير)
بعد ثلاث سنوات..
داخل الشرفة..
كان مُعاذ بأقصى سعادته لزيارة والده وإخوته له في شقته.. جلسوا جميعهم على مقاعدهم حول المنضدة المتواجدة بالشرفة الواسعة وقد تساقطت أشعة الشمس المشرقة كأنها تتغزل بالأشياء والأوجه الملقاة عليها بخفة.. يطالعون السًّماء استمتاعا بصفائها وبمنظر الأجواء الخارجية للحي في فترة العصر الرائقة، لاسيما في هذا الحي الهادئ الذي تتواجد فيه شُقة مُعاذ مقارنة بحالة الصًّخب المزعجة بمعظم نواحي المدينة، فتذكرهم بأجواء القرية..
ارتشف مُعاذ من فنجان قهوته ثم تساءل مواكبًا آخر الأخبار
((بالمناسبة يا أبي، ما هي آخر أخبار أهل القرية المجاورة لنا؟ تلك التي قام ابنهم بقتل ابن عشيرة أخرى))
حانت نظرة من الحاج يعقوب له مجيبا
((وماذا سيكون غير إلزامهم بحكم الجلوة بعد الرجوع لقانون منع الجرائم، ذلك القانون الذي يجبر العشيرة كاملة على الانتقال إلى مكان بمحافظة أخرى، بذريعة منع حمام الدّم والثأر الذي سيحدث لو بقي أهل القاتل إلى جوار أهل القتيل))
عقِب مُعاذ على كلام والده مستنكرا
((سيتم ترحيلهم جميعا!؟ ولكن سمعت أن عشيرة القاتل يبلغ عددهم سبعين عائلة، أي أنّ مجموعهم حوالي ثلاثمائة فرد))
هزًّ يعقوب كتفيه بصمت وقلة حيلة فهذا ما سيحدث لهم.. لِتشوب نظرات مُعاذ التعاطف والشفقة على حال عشيرة القاتل الذين تحاصرهم عادات عشائرية قميئة، حيث أنّ عددهم الكبير سيفرض على كل عشر عائلات على الأقل أن تقيم في بيت واحد رجالًا ونساءً دون استثناء.. قديما كانت الخِيم وبيوت الشًّعر تنتقل مع أهلها فلا يجدون مشقة في الجلوة، أما اليوم يوجد من منهم أستاذ جامعي، محامي، مهندس وغيره، فكيف يؤخذ كل هذا الجمع الغفير بذنب أحد أقاربهم الذي لا يعلمون عنه شيئا، في زمن اختلت فيه الموازين لا يكون للوالد كلمة على ولده!
لم يجد معاذ إلا أن يغمغم بصوته الرخيم
((هذا هو نتاج القسوة والتّجبُّر والظلم، وما اقترفه الفِكر المجتمعي المتعصب الّذي لا ينتسب للحق والدّين بقدر ما ينتسب للعشيرة والعُرف))
عقِب مُؤيد على كلام أخيه وهو يكتف ذراعيه بتحفز
((الجميع يَعي هذا لكن الجميع يُحارب كلمة الحق ويتبّع هوى الباطل، الجميع لا يرَ سوى ذاته المملوءة بالعنصرية الجاهليّة المؤطّرة بقوانين الأعراف العشائرية.. وبعد ذلك يأتي الجميع يبكون من مرارة الواقع ويئنون من قسوة الحياة..))
مطَّ مازن شفتيه وهو يناظر أخيه مؤيد الذي بدا كأنه حكيم زمانه وهو يتحدث.. رغم أنه هو نفسه أول من يدفن رأسه في الرّمال عندما يتعلّق الأمر بقضاياه الخاصّة فلا نقاش يصلح معه! وهو أيضًا قبل سنوات عند موت ابن يحيى عمه من كان محرك الشّر ومن يوقد في كل شبان القرية نزعة الانتقام لابن عشيرتهم من عشيرة الهنادل.. أما الآن فعندما لم يعد الأمر يتعلق به أو بعائلته أضحى موقفه مختلفًا تمامًا..
فدمدم بنبرةٍ ذات مغزى
((نعم معك حق، الكثيرون يطالبون بإعادة النظر بمثل هذه الأفعال لكن عندما تصل لشخصه تصبح حقًا له ولا يمكن التنازل عنه أو التهاون فيه، لتظهر ماهيّة الفكر الشّعبي والرّسمي عندنا!))
ضيّق مُؤيد عيناه بشرر إذ فهم أن سهام كلام مازن موجهة له! وتحت الطاولة دفع قدمه يلكز بقوة شديدة ساق مازن الذي كتم تأوهًا متألما ثم رفع قدمه يمسد مكان الضربة ويعاتبه بملامحه على عدم تقبله لمزاحه..
غمغم يعقوب بخشونة عن موضوع الثأر الذي حدث مُؤخرًا بكلمات تتسم بحكمة ووقار
((لم يكن ليحدث كل هذا لولا غياب أبسط مظاهر القيم الأخلاقية، وغياب الإنسانية، وغياب العدالة..))
ردَّ مُعاذ ساخطًا وهو يهز رأسه بيأس عن تقصير حكومات متعاقبة ابتلي بها الوطن
((وضف أيضًا، غياب القانون وغياب الدولة التي تتخذ جانب الصمت رغم المخالفة الصريحة للدستور، فبلادنا مليئة بالجلوات، حتى بات أهل الجنوب يعيشون بالوسط وأهل الشمال بالجنوب، وأهل الوسط بالشمال.. تُدمر البيوت وتُحرق السيارات وتُراق الدماء، وكل هذا لان ابن.. ابن.. ابن عم والده قتل أحد من عشيرة أخرى))
دمدم مازن متهكمًا على كلام أخيه
((الصمت!؟ تقصد هم من يلزمون أهل القاتل بالرحيل! وهذا ما يشجع أهل الضحية على التّعنت والإصرار، والإمعان في ترسيخ عادات وتقاليد جاهلية، لم يعد لها وجود إلا في كتب التاريخ القديم))
هنا لم يستطع مُعاذ التعقيب بشيء إلا أن يقول بصوت نابع من النقمة
((السكوت عن الجلوة عار، القاتل يقتل، أما العطوات والجاهات والجلوات فكلها سوالف حصيده لعن الله من وضعها وغيَّر وبدَّل شرع رب العالمين.. لا تزر وازرة وزر أخرى، والأصل أن يبقى الآخرون ويدافعوا عن بيوتهم وممتلكاتهم وإجبار الدولة على حل المشاكل وفقًا للحق والقانون وليس لكف الشّر))
لم يجد والده إلا أن يقول متنهدا بأسف
((يجب استئصال هكذا عادات من عقول الناس من خلال أوامر كبير القوم أن الحق مطلوب من القاتل في حال عدم الصفح والمسامحة، فما شأن أقربائه وذويه حتى الجد الخامس! بإيجاز تطبيق قوانين الدّين الإسلامي الحنيف راحة وهناء وسلامة للدولةِ بأركانها ورِفعة ونهضة وقوّة وازدهارًا لشعبها وحكومتها))
غيَّر مالك هذه السيرة تمامًا وهو يخرج هاتفه ويفتح إحدى مواقع التواصل الاجتماعي مقترحا بحماس
((بعيدا عن موضوع الجلوة والثأر.. ما رأيكم بما أننا جميعًا مجتمعون الآن بمكان واحد أن نتواصل مع مصعب بمكالمة صوت وصورة))
نالت فكرة مالك استحسان الجميع وقد صبوا اهتمامهم نحوه بينما انتصب مُعاذ ذاهبا للمطبخ ليحضر لهم بعض أطباق التحلية..
.
.
في المطبخ..
لفت شيرين رأسها بوشاح أبيض كعمامة أنيقة ثم وقفت مستندة بظهرها للموقد بينما ترتشف من فنجان قهوتها باسترخاء.. وتمسك الهاتف بيدها الأخرى قريبًا من أذنها بينما تحدث سهر..
على الجهة الأخرى عند سهر ما إن عَلَت همهمات كايلا ابنة سهر حتى وضعتها داخل حمالة خاصة تضمها على صدرها لتجلس كايلا فيها بينما تلوح بساقيها بتسلية.. قبل أن تعاود وضع الهاتف على أذنها تسأل شيرين بعفوية
((.. عذرًا.. ها.. إذن هل عائلة زوجك جميعهم عندكم اليوم؟))
وضعت شيرين فنجانها على المائدة الرخامية مع الهاتف بعد أن عدلت خاصية المكالمة للمكبر حتى يتسنى لها وضع الكعك على أطباق بيضاء وهي تجيب سهر
((ليسوا جميعهم، بل والد زوجي وإخوته فقط))
همهمت لها سهر قبل أن تدمدم
((أي بدون زوجاتهم وأطفالهم! لا تبدو علاقتك قوية مع زوجاتهم))
ردت عليها شيرين بصراحة
((علاقتي بهم طيبة، ولكنها أقرب للرسمية، لم أشعر بالانسجام مع أي واحدة منهنَّ، فأكتفي بالتحدث معهن بمواضيع عامة عن الأطفال والبيت بالمناسبات والزيارات عند الالتقاء بهم))
أطلقت شيرين تنهيدة طويلة قبل أن تتبدل تقاسيم وجهها لحماس مرتقب وتهدر
((إذن يا سهر الليالي علينا أن نلتقي في النادي بعد ساعة أو اثنتين! فأنا سأخرج عندما يغادر أهل معاذ حتى لا أتركه مشتتا بين الانتباه ليعقوب والانشغال بالضيافة والجلوس مع أهله))
نبهتها سهر برجاء
((أهم شيء أن تحضري يويو من أجل كايلا))
تذمرت لها شيرين بحنق وهي تنفض كفيها من أثر بقايا الكعك
((لا يا سهر لن أحضر يعقوب معي، بل سأتركه مع أبيه مستغلة إجازته اليوم، وأنتِ أيضًا اتركي كايلا عند زوجك، ألا يمكننا ولو مرة في السنة أن نخرج سويا بدون أولادنا كما في الماضي؟))
وقبل أن تسترسل شيرين كان معاذ قد دلف للمطبخ فاستعجلت سهر مودعة
((حسنًا يا سهر سأتصل بك قبل نزولي، إلى اللقاء))
أغلقت المكالمة قبل أن ترد سهر بأيّ شيء، ثم التفتت نحو القادم إليها تتطلع له بحب جارف ينطق من عينيها لطلته الوسيمة بمهابة، والذي يكون زوجها ووالد ابنها فاقتربت منه تلاعب تلابيب قميصه وتتمتم له بابتسامة تشع هياما
((لقد جهزت أطباق الفاكهة والكعك والشاي هنا، سأتأكد من نوم يعقوب الصغير وأبقى حتى تنتهي زيارتهم كي تتاح لك فرصة الجلوس مع أهلك))
ابتسم معاذ يبادلها نظرات الحب ثم أمسك إحدى كفيها التي تداعب مقدمة قميصه ومال برأسه ليلثمها بشفتيه، معقبا بحنان
((لا حرمني الله منك ومن وقوفك بجانبي دائما))
لتتسع ابتسامتها على فمها برضًا أنثوي تحمد الله في سّرها على النعيم الذي تعيشه مع مُعاذ منذ زواجها منه..
ابتعدت عنه كي تأخذ قطعة كعك من الصحن وتطعمها له مداعبة بأناملها فقضم قضمه منها ثم مسح عن فمه ذرات الكعك.. قبل أن يتذكر بغتة ابنته التي ذهبت لزيارة إحدى صديقاتها وتساءل
((هل أعلمتك دارين متى ستعود من بيت صديقتها؟))
طمأنته شيرين بنظرات مشاغبة
((لا تقلق، أخبرتها أن تتصل بي أنا لاصطحابها من بيت صديقتها بمجرد أن تنتهي الزيارة))
ثم غمزته بإحدى عينيها هامسة بخصوص سرّهم الصغير
((وسأشتري لاحقا ما تبقى من أجل تلك الحفلة السرّية التي نخطط للقيام بها نحن الاثنين))
شّعت عينا مُعاذ بامتنان ثم تقدم من أطباق الكعك وكاسات الشاي يضعها فوق الصينية هامسا بصوتٍ مبحوح
((فليسعدك الله كما تسعدين دارين يا حبيبتي))
قطبت حاجبيها تقول بعتاب رقيق
((دارين هي ابنتي تمامًا وهذا أقل واجب لي تجاهها.. عزيزي فلا شكر بين الأهل))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-22, 06:57 PM   #6222

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

ذات يوم شتوي.. بعد الظهيرة
كانت الريح شديدة وقد زادت تلّبد الغيوم من قتامتها إنذارا ببكائها مطرًا في هذا الجو البارد.. وفي تلك الأثناء كان كل من مالك وسمية في إحدى المتاجر يكملون جولتهم بتسوق لطيف ومريح خاصة لمالك بعيدا عن أجواء التسوق المرهق الملل التي تخرج الرجل عن شعوره..
اختارت سمية من تبضعها بعد اختيارات كثيرة منامتين تناسب الأولاد برسومات سيارات شرطة على مقاسي يزيد وعبد الله، فهي منذ ولادتها لشغف ابنتهما الصغيرة كما أصّر مالك على تسميتها رغم رفض والدته، لم تعد تركز في التبضع إلّا لها وما يلزمها..
دفع مالك ثمن المشتريات للبائع وأمسك بحقائب التسوق الكثيرة ليحملها ثم خرجا.. عندها لمح مالك متجرًا مختلفا بمقتنياته ويبدو من واجهته أنه راقٍ جدا.. نبض قلبه وانتعشت نفسه فوجد نفسه يضم الأكياس ويمسكها بيد واحدة وبالأخرى يمسك يد سمية مما جعلها مبتسمة تناظر خضرة عينيه الصاخبة بحبٍ فاضح، ثم تُشدد على يده باعتيادية سلسة..
أشار مالك بعينين عابثتين إلى ذلك المتجر هامسا
((دعينا نذهب هناك يا حبيبتي))
تطلعت إلى حيث يشير وسرعان ما كسا ملامحها عبوس شديد وحاولت أن تفلت يدها منه وهي تقول بوجل وتهرب واضح
((لماذا تريد أن ترافقني إلى هكذا مكان خاص بالنساء يا مالك!))
ردًّ عليها بحزم زائف وهو يرفض تحرير كفها الناعم
((أنا من سيراك في تلك الملابس لذا من حقي أن أختارها أحيانا))
ظَّلت سمية على رفضها الغريزي لكن لاحقا أعلنت استسلامها تحت إلحاحه..
وداخل المتجر وقفت إحدى الموظفات مع سمية ومالك الذي كان يطالع محتويات المتجر بمتعة بالغة لم يقم بها منذ فترة.. وهي اختيار تلك القمصان الحريرية لها بنفسه كنوع من التغيير والتنويع..
استقر نظره على مجموعة غلالات بطيف من الألوان النابضة بالحياة من بينها الأحمر الجذاب ودرجات ألوان طيور الجنّة، فاختار واحدة من بينهن بتصميم جريء مصنوعة من قماش الكشمير الناعم والدانتيل الفاخر، وما إن طلب من الموظفة أن تحضرها وانتبهت سمية لاختياره حتى جحُظت عيناها وهمست بأذنه بخجل يكاد يذيبها
((لا أرجوك، ليست هذه القطعة، إنها تكاد لا تخفي شيء، لن أستطيع ارتدائها ولا حتى مع نفسي))
كاد مالك أن يعترض بحنق لكن توتر صوتها ونظراتها التي تأسره مناشدة بصمت أن يتفهم خجلها جعلاه يدرك أن هذه القطعة بالذات التي اختارها كانت أكثر جرأة من أي قطعة سبق واشتراها لها.. فابتسم بحنو لها ثم عاجل الموظفة يخبرها بتهذيب
((حسنا.. لا داعٍ.. سنأتي لاحقا))
عضّت سمية شفتها ثم أطرقت رأسها هامسة بذنب
((هل غضبت مني؟))
لم تنحسر ابتسامته وهو يسحبها خارج المتجر بينما يخبرها بصوت هادئ ثابت ونظرات حانية
((لا على العكس، شكرا لأنك كنت صريحة معي، لا أريد أن تضغطي على نفسك فقط لتسعديني، إذا ضايقك شيء عليك أن تخبريني))
كان مالك حقا صادقًا بكلامه فحياته بالسنوات الأخيرة أصبحت أجمل مما كان يحلم، وهو راضٍ بالفعل بما تجود به عليه وتغير سجيتها معه عما كانت عليه قبلا! ولن يكون سعيدًا الآن أن يضغط عليها لتتجاوز حدود قدراتها في تقبل رغباته.. فيكفي أنها تبذل جهدها في الاعتناء بأطفالهما في غيابه، يزيد، عبد الله وشغف وتنهي التزاماتها اليومية، قبل عودته لتجهز له أوقات حالمة رومانسية..
أما سمية رفعت وجهها لتضيّق عينيها بتدقيق في وجه مالك تتأكد من صدق كلامه وما إن شعرت بذلك حتى انتشت سكينة رهيبة بروحها جراء هذا التّفهم على وجهه، ثم رفعت يدها الى خدّها المشتعل تتلمسه بفرط حمرة الحرج لتغمض عينيها وهي تتّنهد براحة كأنه رفع عن كاهلها همًّا كبيرًا..
دخلا إحدى المطاعم ذات التصميم الأنيق والطابع الحميمي ثم جلس الاثنان بجانب بعضهما، فقام بإحاطتها بذراعه إلى صدره برفق آسر، فتنفست عطره تنتشي به في قربهما، لكن سرعان ما جلس الاثنان باعتدال ما إن أحضر النادل الأطباق التي طلباها..
وبعد مرور وقت شعرت سمية بمالك منكسًا رأسه يحرك الشوكة بطبقة دون أن يركز في تناول الطعام أو حتى مبادلتها الحديث بتركيز.. فترققت ملامحها بحزن مدركة أنها كَسَرت بخاطره عندما رفضت شراء تلك القطعة التي نالت إعجابه أيّما إعجاب!
هي تدرك أن قصده من شراء تلك الغلالة هو رغبته بتجريبها تصاميم جديدة يتمنى رؤيتها بها في اللحظات الخاصة بينهما، لكنها لا تتناسب مع مزاجها أو رغبتها في شيء، وتكشف الكثير من عيوب جسدها الذي مرَّ بالحمل لعدة مرات ولم يعد برشاقة الماضي..
لكن فجأة قطبت حاجبيها بعزم وانتصبت واقفة.. تمسك حقيبتها لتقول بهدوء يكتنف صوتها المصمم
((مالك سأذهب إلى مكان ما لدقائق وأعود))
غادرت المكان، بغير اكتراث منه أو استفهام الى أين تريد الذهاب بالتحديد، عائدة لذاك المتجر..
حسنا قد لا تكون تلك القطعة التي اختارها مالك مناسبة لها لكن ستشتري واحدة أخرى من بين القطع التي أعجبته وملائمة أكثر لقوامها وتخفي عيوب جسدها.. المهم ألا ينام الليلة وفي خاطره شيء..
فمالك عوضها من صميم قلبه.. وأبدل ذلّها بعز.. وأكرمها حبًا، وحنانًا.. وبذل جهده مع عائلته ليتقبلوها كابنة لهم ويعاملوها بطيبة وهذا ما جعلها تسرف في خدمتهم لكي تكسب تعاطفهم وحبهم وتهنئ بالانتماء لعائلته حتى شعرت معه هو فقط أنها ولدت من جديد بدون أي ماضٍ قاسٍ أو ذكريات أليمة..
تفحصت القطع في ذاك المتجر وابتاعت واحدة تليق عليها بلون رومانسي حالم بدرجة فاتحة ومشرقة من الشيفون البالغ الرقة المزدان.. وبعدما أتمت مهمتها عادت سريعا للمطعم وما إن انتبه مالك لقدومها حتى عاتبها بغير رضا إذ كان يظن أنها ذاهبة لدورة المياه
((لقد تأخرتِ، والمشكلة أنك تركتِ هاتفك هنا على الطاولة))
كانت تلهث بخفوت لتعود لتجلس بجانبه وجسدها يرتجف بردًا بينما الأمطار في الخارج بدأت بالهطول بالفعل.. فاعتذرت له مبتسمة ببشاشة لنشوة السعادة التي سرت بخبث بريء داخلها
((لم أنتبه.. عذرا عزيزي))
زمّ مالك شفتيه بحيرة من كم البشاشة المرتسمة على وجهها.. فما سببها!؟ وأين كانت وماذا فعلت!؟
وصلها تساؤلاته غير المنطوقة فاتسعت ابتسامتها بلا مقاومة لكنها لم تكن مستعدة أن تبددها له الآن..
أمسكت بذراعه تتكئ عليها وارتياح يجتاح كل كيانها مُبددًا أيّ مشاعر تردد داخلها.. وفي قلبها زقزقة صغيرة طوال اليوم مترقبة لنظرات وجهه عندما يعرف ما ابتاعته، حيث بعدها ستعيش معه لحظات من الرومانسية.. فإذا كانت بفطرتها تعرف كيف تظل أفضل زوجة وأم طوال النهار، مالك علَّمها كيف تكون أجمل معشوقة ساحرة بالليل..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-22, 06:58 PM   #6223

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

غامت زاهية في مداعبة حفيداتها الثلاث، هُدى وشقيقتها الصغرى هَنا وابنة مالك شغف فلم يعد يسكن معها رفقة زوجها الحاج في هذا القصر الضخم إلا ابنيها مالك ومازن وعائلتاهما.. لطالما كانت تعتقد أنها قد تتحمل سكن أي أحد من أولادها بعيدا عن هذا القصر إلا التوأم، ورغم أنهما الاثنين فعلًا من بقيا يقطنان هنا ولم يغادرا إلا أنها في أوقات كثيرة تشعر بالأسى يتسلل الى قلبها وتحس بسعادتها منقوصة.. ليت مصعب يعود من الخارج ويسكن معهم، ويَدعُ معاذ ومؤيد رفقة زوجاتهم وأولادهم يسكنون هنا، فكم هو موحش افتقاد لمة العائلة..
كانت الأمطار تهطل بغزارة حين وصل لمسامعها صوت ركن إحدى سيارتهم في المصف ورياح عاتية تتلاعب بأغصان الأشجار التي تحف خارج القصر.. لا بد أن زوجها يعقوب قد عاد من حفل زواج نجوم من ذاك الفلاح الأرمل الذي يعيل ابنا وبنتا.. لقد أصروا أن يقيموا لها حفلا بمضافة العشيرة غير أبهين لسوء الأحوال الجوية..
وبمجرد أن أحست بدلوف زوجها حتى وجهت كلامها بحنو لهدى التي أضحت بنتا ناضجة ومهذبة
((اذهبي يا هدى مع الصغيرتين للخارج))
أمسكت هدى يد شقيقتها الصغرى وابنة عمها تقودهما للخارج وهي تلقي السلام على جدها الذي قبلهم ثلاثتهنَّ عند دخوله الغرفة قبل أن يجلس مقابل زوجته ململمًا عباءته حوله ثم يغمغم باستياء
((هل يعقل يا زاهية أن أذهب لحفل عقد قران نجوم في الديوان ولا يحضر أحد من أولادي معي! أخفضتم هامتي أمام أهل القرية))
تكَّدر وجه زاهية عند إتيانه بسيرة نجوم مرسلة لزوجها تعابير الخذلان منه.. ألا يكفي أنها بالكاد تماسكت غيظها وهي تسمع صخب العرس الذي أقيم بالمضيفة القريبة من قصرهم حيث رافقه أصوات الأعيرة النارية مختلطة بأصوات أهازيج الرجال وزغاريد وأغاني نسوة القرية.. فغمغمت بامتعاض
((والله يا حاج أمسك نفسي بشق الأنفس عن معاتبتك لذهابك لعقد قران نجوم، بسببها كاد أن يزج بمازن بسجن مؤبد.. حسبي الله ونعم الوكيل فيها هي وأمها))
رفع يعقوب إحدى حاجبيه متسائلا بعبوس ومغيرًا هذا النقاش العقيم
((هل وصلك كلام من النسوة اللاتي يزرنك أن أم نجوم قد خرجت مؤخرا من السجن بعد قضاء محكوميتها؟))
نطقت ملامح وجه زوجته بالجواب بينما تضيف متمتمه والغيظ يلتهمها رغم تمالك نفسها
((عرّضت حياة ابنتها للخطر في إنجابها داخل البيت، وتسترت على جريمة ابن أختها، وعبثت بالأدلة، واتهمت ابني باطلًا وضغطت على ابنتها لتشهد زورا ثم تسجن فقط ثلاث سنوات! هزلت، لا والأنكى أنها جاءت بنفسها هنا عندي))
عاد يسألها بنفس العبوس مستنكرا
((جاءت هنا عندك؟))
ردت عليه بانفعال لم يخفت من الحادثة التي تسببت بها نجوم لابنها مازن قبل سنوات
((نعم جاءت تلك المنحطة لبيتي تتوسل لي أن أعيد الأواصر بينها وبين ابنتها التي قاطعتها تماما منذ سجنها، فطردتها من البيت وأمرت من فيه ألا يسمحوا لقدمها أن تخط عتبة أملاكنا))
ثم أشاحت بوجهها للجانب تسترسل بغضب متقد
((وكأني سأطيق رؤيتها هي وابنتها! ناكرتا الجميل))
أطلق يعقوب نفسا عميقا وبدأ يحرك مسبحته.. قد يكون يوافق زوجته فيما يخص منال، أما نجوم فرغم كل ما فعلته بحكم صغر سنها وقلة خبرتها مع ابنه مازن، إلا أنه يستمر بإشفاقه عليها ودعا الله كثيرًا أن يرزقها رجلا تجد معه الأمان والسند فهي وحيدة لا أحد لها ليمسح دمعها، وفاقدة لكل شيء يمت إلى الحب والعطف والحنان والرعاية بصلة.. وما يجعله يشعر بالراحة الآن أنه يستبشر خيرا في الرجل الذي تزوجته اليوم، في أن يخفف من وقع ما تعيشه وهول الفاجعات التي مرت بها حتى بدون أن يعرف شيئًا عنه..
انتشل نفسه من جب دوامات التفكير ليعود للواقع متسائلا
((أين هو مالك؟ اليوم إجازته ولم أره منذ الصباح، لم يحضر العرس معي وترك مازن يعمل في الحديقة لوحده يغرق نفسه في الوحل والطين تحت الأمطار))
تململت زاهية مكانها وهي ترد
((لقد ذهب مع زوجته للتسوق، دعهم يحظون ببعض الوقت سويًا، حتى سمية المسكينة بحاجة لبعض الراحة بعيدا عن صخب الأطفال))
شابت نظرات يعقوب بعض التسلية خاصة وأن الليل قد حلّ ولم يعد ابنه بعد لكنه ناغش زوجته معقبا
((هل هذه هي زاهية من تهتم بمزاج زوجة ابنها! أكاد لا أصدق))
قطبت زاهية حاجبيها وردت
((ولماذا لا تصدق؟ سمية خير الكنّة لنا))
ابتسم يعقوب بتلك الهبة الوقورة وقال
((ها أنا أرى أنه لم يندم أحد من زواج مالك بسمية، خاصة هما، الحمد الله))
كان يعقوب حقا مبهورًا لحظتها من زوجته والتغير الرهيب الذي طرأ عليها خلال فترة زواج مالك وسمية خاصة أنها كانت من أكثر المعارضين على إتمام زواجهما ورفضها لسمية لأنها لا تليق بابنها لا سنًا، ولا فكرًا ولا حالة اجتماعية، فتمتم باستحسان
((حمدًا لله على راحة بالهما.. ربي يديمها عليهما))
إلاّ أن زاهية زادت من إبهاره وهي ترد عليه بصدق
((عليّ أن أعترف أن نجاح هذا الزواج.. حتى الآن.. يعود لسمية في المقام الأول.. فهي بشخصيتها من استطاعت جعله يشعر أنه الكبير في الرأي والمشورة، وأنّه رجل البيت وحاميه، وفي الوقت نفسه تحاول جاهدة أن تحافظ على جمالها وشبابها لتبدو دائما متألقة فتسعد نفسها وزوجها.. للآن أنا لست ناقمة عليها، لكن من يدري ماذا سيحدث مستقبلا!))
غمغم الحاج مُتنهدا بخفوت
((آه.. أنتنَّ النساء يصعب فهمكن فكيف السَّبيل لإرضائكنًّ حقًا))
===============
في الصباح الباكر..
لكزت سمية بلطف ابنها المتمدد تحت لحافه الثقيل تحُثه برقة
((إنها السادسة والنصف، استيقظ يا يزيد لمدرستك، يكفيك نومًا))
همس يزيد شبه النائم ووقع المطر المنهمر في الخارج على نافذة غرفته يتناهى إلى سمعه
((أمي إنها تمطر، معظم طلاب صفي قالوا بأنهم سيتغيبون اليوم))
ترققت ملامحها تطالع الجو المكفهر الماطر في الخارج من زجاج نافذته لتمتم بأسى
((معك حق الجو عاصف في الخارج، والله أنا خائفة عليك))
لكن جاءها الصوت القاطع من مالك الذي دلف لداخل غرفة يزيد يوقظه بخشونة
((لو أخذ كل طلاب المدرسة إجازة اليوم لن أسمح لك أن تتغيب عن المدرسة متعللا بحالة الطقس في الخارج، أنا سأوصلك بسيارتي لباب المدرسة وأعيدك!))
اعتدل يزيد جالسا بعبوس يزيح غطاءه عن بدنه بسخط من والده الصارم ثم ناظر والدته يستغيثها أن تقنع والده بأن يسمح له أن يتغيب لكنها طالعته بقلة حيلة فهي لا تقوى على مخالفة رأيه.. تهدّل كتفا يزيد وأعلن استسلامه تاركا فراشه كي يغسل وجهه..
وقفت سمية بعدها قائمة تساعد مالك المشغول بإغلاق أزرار قميصه قبل أن تشب على رؤوس قدميها تقبل كلا من وجنتيه تلثمه حبًا ومودةً كما هي معتادة قبل خروجه للعمل.. فهي تودعه بقبلة وتستقبله بقبلة وتفاجئه إن كان شاردا أو مستغرقا في شيء بقبلة.. ثم همست له بصوتٍ أنثوي رقيق
((انتبه على نفسك أنتَ ويزيد))
ليرد لها غيثا من القبلات الجارفة قبل أن يقطع ما يفعله صوت يزيد الحانق
((ماذا تفعلان هنا!؟ لا يعقل أن أطرق الباب حتى قبل دخولي لغرفتي))
جفلا الاثنان مبتعدان عن بعضهما بارتباك وحرج وقد ادعى مالك هندمة ثيابه، فقالت سمية متغضنة الجبين بصوتٍ خافت
((كنت أعطي والدك احتياط قبلات تكفيه حتى رجوعه للبيت، تعال لأعطيك أنتَ))
وسارعت تحضن ابنها تنوي أن تقبل كل إنش من وجهه إلا أنه ابتعد عنها صارخًا بدرامية مسرحية
((لا.. لا.. لا.. أنا حقا مكتفي من القبلات..))
ضحكت سمية بخفوت عليه لكن حدقت بوجه ابنها بحب للحظات قبل أن تغادر الغرفة مدركة أنَّ عليها أن تكون هي ومالك أكثر حذرًا بتصرفاتهم الحميمية أمامه فقد أضحى بِكرها مُراهقا على مشارف الثالثة عشر.. له نفس طولها تماما، وبدت عليه علامات البلوغ الذكورية، فصوته اخشوشن وبدأ شاربه بالظهور.. وكثير من سمات والده تتوضح عليه..
حثَّ مالك ابنه أن يرتدي ملابسه بسرعة قبل أن يغادر هو الآخر، لكن صدح صوت هاتفه بإشعار وصول رسالة.. استغرب عندما رأى أن مرسل الرسالة هو سمية التي كانت هنا قبل ثوان فقطٍ.. لكن ما أثار استهجانه بعدها محتوى الرسالة بصورة لإحدى الغِلالات التي رآها في المتجر مرفقة بكلمات منها تشكو شدة اشتياقها له والذي سيتفاقم أثناء انتظارها عودته من العمل..
تصاعدت حرارته وبدأ قلبه يرتجف وخفقاته تقرع بينما يهمس لنفسه لاهثًا من شدة اتقاد عاطفته واستثارة حواسه فجأة
((ولكن.. ولكن قلت بأنك لا يمكن أن ترتدي هكذا أمور! تبا يا سمية، كيف سأركز في عملي؟ لماذا أرسلتها الآن، ألم تستطيعي الانتظار حتى ينتهي موعد دوامي على الأقل!))
وكالمغيب وجد نفسه يطلب رقم زميله في المدرسة ويخبره بصوتٍ جاهد أن يكون حازمًا
((ها.. هل تتوقع أن الطلاب سيغيب معظمهم اليوم؟))
وصله صوت الزميل يقول بصوتٍ متكاسل خامل
((نعم، نعم سيفعلون يا مالك، سآخذ اليوم إجازة، ستنتهي السنة وكشف إجازاتي كامل لم أستخدمه إلى الآن))
كان مالك يهز ساقه بتوتر عندما وافقه بصوتٍ أجش قليلا ويغمره إحساس منتشي
((وأنا أيضًا كشف إجازاتي لا زال كاملًا، أعتقد في جو كهذا لن يأتي أحد من الطلاب فلا ضرر لو أخذت إجازة اليوم))
وعلى الفور أغلق الخط منصرفا من غرفة ابنه إلى جناحه لتنفرج شفتا يزيد عن ضحكة شقية متأصلة فيه.. ويقفز مكانه وهو يلوح بقبضته بانتصار فرح لأنه سيتغيب عن المدرسة اليوم..
أكمل ارتداء كنزة الصوف المنزلية التي خلعها وناظر الجو العاصف من النافذة والأمطار الغريزة مشفقا على أيّ طالب لا يملك أمًا رائعة وحكيمة مثل أمه تنجح في جعل والده يسمح له بالتغيّب.. قبل أن يعود ليدفن نفسه تحت بطانيته يكمل نومه الشّهي ولا يستيقظ إلا بعد قُرابة الساعتين.. ليجد أن السماء لا زالت تمطر والأجواء بالخارج لازالت ترتعد بردا يناقض انتشاء الدفء في الداخل..
وجد أن والدته أعدت له شطيرة خفيفة كإفطار بما أن الجميع يفضل أن يتناوله في غرفته.. ففتح حاسوبه الشخصي متمطيا بكسل لذيذ ليعبث بأنامله ينقر لوحة المفاتيح لبدء إحدى الألعاب القتالية الرائجة فى هذا الجيل مع فهد وأصدقاء آخرين مشتركين بينهم..
تفاجئ بشقيقه الأصغر عبد الله يطرق باب غرفته ثم يتقدم منه بخطوات حذرة جدا ممسكا بكأس شاي دافئ ويخبره بكلمات متلعثمة
((مـاما.. أخبرتني أن أعطي هذه.. لك.. يزيد..))
اتسعت ابتسامة يزيد ملئ وجهه ليأخذ الكأس من شقيقه الصغير ثم يضعه على المنضدة الملاصقة لسريره.. أمسك عبد الله من كلتا وجنتيه المكتنزتين اللتين تؤكلان أكلا.. ثم حمله ليجلس بجانبه ويشاركه الحماس في اللعب هادرًا
((هيا عبد الله العب معي))
ابتسمت سمية التي كانت تقف عند عتبة الباب متخمة بمشاعر الأمومة وهي ترى يزيد ينجح في تنمية مشاعر المسؤولية تجاه أخيه.. فهو من يرعاه في غيابهما ويحنو عليه ويدرسه أيضًا..
أغمضت عينيها تأخذ نفسا عميقا.. لقد تفرغت أخيرا لتصعد فوق لرجلها الذي ينتظرها على أحَّر من الجمر في جناحهما فبالكاد تركها تكمل إنجاز أعمالها الصباحية بتحضير الإفطار للعائلة.. فتحت عينيها لتشع شعلة صغيرة من الثقة لتشرق بشرتها توردا مُثيرا، كزهرة أصابها ندى الصباح بالانتعاش، وتتألق ابتسامتها وهي ترتقي درجات السُلم إلى فوق..
==============
منزل فايد والد سهر..
أطلقت سهر زفيرًا ضجرًا ثم تمّطت مكانها بإنهاك وقالت متذمرة من كومة الأوراق الحسابية المبعثرة فوق المنضدة والتي كان يشرحها والدها لها
((أبي أشعر أني لا يمكن أن أتأقلم مع هذا العمل، أنا لا أصلح أن أكون خليفتك في تجارتك أو خليفة مشروع أحد آخر، لماذا لم تطلب من قُصي أن يعمل عندك منذ زواجنا حتى يستلمه عنك بعد تقاعدك!))
رمى فايد القلم بيده فوق الطاولة بفظاظة وهتف بعصبية من استهانة ابنته التي لا تأخذ شيئًا على محمل جدية في الحياة
((ولماذا قد أجعل قُصي خليفتي في تجارتي هذه بدلا منك!؟ بماذا يزيد هو عنك!؟ اتركيه في حاله وفي عمله، وركزي في أعمال عائلتك، ليس عندنا ابنة غيرك))
تغضن جبين سهر بالضّيق، فخفتت حدة انفعال فايد يحث نفسه على التحلي بصبر جميل فابنته عاشت لأكثر من ثلاث عقود حياة مليئة باللّهو معدومة للمسؤولية أو جديّة ولن يكون عليها سهلًا الآن التأقلم مع جدية العمل والتزاماته التي ستُلقى على عاتقها عندما تصبح المسؤولة عن تجارته والموظفين عنده.. فاكتنفت نبرته الهدوء وهو يقول بحكمة عاقل
((أنا لا اطلب منك يا سهر أن تقومي بأمر خارق يحتاج منك خبرة سنوات، أريد فقط منك أن تدركي الأمور الأساسية في إدارة عملي حتى لا يتلاعب أي موظف هنا في العمل الذي سترثيه منا، لقد نجح قُصي وتحول من رجل لا يفهم شيئًا في أمور الحياة والعمل الى مهندس قدير له مكانته، وخلال سنوات قليلة، فلماذا لا تتعلمين منه؟ قُصي ليس بأفضل منكِ بشيء))
أومأت سهر لوالدها موافقة إيًّاه مما جعله يربت بخفة فوق كتف ابنته مشيدا بقوة
((ابنة جيدة أنتِ يا سهر))
شقت ابتسامة على شفتيها له.. تزامُنًا مع دخول والدتها التي تحمل كايلا فتضعها أمام فايد.. لتنطفئ نظرة التعب في عينيه وتحل مكانها نظرة حنان ولهفة وهو يداعب مع زوجته حفيدتهما الوحيدة باستمتاع..
لمعت نظرات سهر بحنو متمنية أن تجلب طفلًا آخر، فقط من أجل والديها رغم أنها لم تشعر هي أو قُصي بحاجة لإنجاب غير كايلا فهي تملأ حياتهما بهجةً..
ما لبثت أن شاب الحماس بريق الحماس.. مصممة أن تفعل ذلك إذا شاء الله وتنجب ابنًا آخر يضفي صخبًا وصراخًا للأجواء كلما جاءت لزيارة منزل عائلتها الهادئ رغم كل المعاناة والتعب اللذين تشعر بهما يرافقانها في تربية وحيدتها.. فمنذ إنجابها لكايلا وهي تشعر أن حياتها لم تعد لها ولا لأنشطتها الخاصة بها، خصوصا
أنها تخجل أن تطلب من والديها نقودا لاستئجار مربية حتى لا تُصغر شأن قُصي وراتبه المتواضع أمامهما، فكايلا ترهقها طوال النهار، وتمتص طاقتها بجعلها تجري خلف متطلباتها ورعايتها المتعبة، لينتهي الحال بها مجرد أم بائسة ومرهقة طوال الوقت، لا تجد وقتًا للترفيه عن نفسها، فتملؤها المشاعر السلبية عن ذاتها..
حتى أنها أحيانا تفكر أن ترمي بكل إحباطاتها على قُصي، فليس هذه هي الحياة الزوجية التي صورها لها طوال فترة خطبتهما.. قبل أن تتراجع مدركة أنها كما تعاني في تربية كايلا ومجالستها طوال النهار فهو يعاني الآخر في الخارج في عمله ليوفر لها مستوى معيشي ورفاهية مقبولة فلا يتم اتهامه من قبل والدتها أنه تزوجها حتى يعوض حياة الترف التي فقدها بسب عمه من خلال نقود عائلتها..
ففي نهاية المطاف قُصي يشقى ويتعب في الخارج ويتعرض للإذلال والتوبيخ أحيانا من مدير عمله عند أي خطأ أو تقاعس.. إنها تعرف أنه لا يريد منها أن تعرف حرجه بكل ما يقاسيه على نقيض ما يخبرها عن فخره بنفسه كمهندس صار ذو مكانة.. وعلى كل حال الحياة ليست دائما مكانا للهو والسفر والاستمتاع بملذاتها فقط، وقٌصي لديه من الهم ما يكفيه، لذا هي حقا تحاول جاهدة ألا تشغله بهمومها في تربية ابنتهما بعد عودته من عمله وتساعده على تجاوز صعوبة الواقع ببعض الدعم والمودة..
.
.
أصّر والدا سهر على جعل كايلا تنام عندهم الليلة فأظهرت سهر لهما حُزنًا مصطنعا لأن ابنتها الحبيبة والوحيدة ستنام بعيدة عن أحضانها الليلة ثم ودعتهما مهرولة للخارج قبل أن يغيرا رأيهما وهي تخطط أن تقضي وقتًا مميزا مع قصي هذه الليلة.. حيث أُتيحت لها فرصة على طبق من ذهب لترتاح من كايلا ومشاكستها.. ستهمس في أذنه عن اشتياقها العارم له وتنسيه تعب عمله في النهار..
ركنت سيارتها أمام الفيلا ثم اتجهت نحوها لتفتح الباب وتفاجئ بوجود ضيف عندهم! دلفت لغرفة الضيوف لتجد أن هذا الزائر ما هو إلا والدة قصي.. ألقت عليها السلام بتهذيب وبعد دقائق معهما استأذنت منها لتعد لها شرابا دافئا.. لم تتأخر كثيرا في تقديم الصينية أمام حماتها روزانا التي كانت تخرج أوراقا مختومة من ظرف فخم..
تطلعت سهر لقُصي باستفهام ليبدده لها قائلا بصوت يكتنفه الجدية
((تعالي يا سهر وانظري ما تعرضه أمي عليّ))
عقدت سهر ما بين حاجبيها بعدم فهم ليستطرد قصي بنبرة مبحوحة تشي بسعادة متفجرة في داخله
((هذه الأوراق هي ملكية مكتب هندسي صغير مسجل باسمها ستنقله لإسمي لأبدأ العمل فيه))
أشرقت ملامح سهر بفرحة وهتفت غير مصدقة من باب الفرج الذي انفتح على قُصي
((هل ما يقوله قُصي صحيح يا حماتي؟))
ابتسمت روزانا بأناقة ثم قالت بنبرتها الفخورة
((لقد راقبتك جيدا خلال ثلاث سنوات المنصرمات يا قُصي، جديتك في العمل داخل المكتب الذي تعمل لصالحه، والآن فقط وجدت الفرصة سانحة لأطلعك عن أمر هذا المكتب الهندسي، سأسجله باسمك ولكن ستعمل فيه كمهندس عادي، وسترتقي بنفسك درجة تلوى الدرجة بجهدك ومؤهلاتك قبل أن يكون بإمكانك إدارته كاملا))
اندفع قصي نحو أمه يحتضنها بكل قوته هاتفا بصوتٍ متحشرج
((أحبك يا أمي، أحبك، أحبك جدًّا، أخيرا غدوت تتصرفين كأم حقيقية لا عدوة لي))
ابتعد قُصي عن أمه الواجمة وهي تسوي خصلات شعرها التي أفسدها ابنه في خضم عناقه الممتن، ثم عادت تبتسم بنفس اللباقة المتأصلة بها لتعقب بشموخ بتلك النبرة الرقيقة المتكلفة
‏‎‏((قُصي عليك أن تدرك أن الناس من حولك خاصة عمك ليسوا أعداءك بالضرورة ولم يتفقوا على كرهك ونبذك، إنّما هم يعيشون لأنفسهم ومصلحتهم قبل أن يفكروا بوجودك من الأساس))
رفرف قصي بعينيه مما يسمع ولم يكن قد خطر على باله أن ينظر للأمر من هذه الزاوية، لكن لم يكن يهتم لشيء إلا ببهجته العارمة وهو يناظر أوراق المكتب الهندسي.. أما روزانا فقد كانت حقا قد عملت بما يوحي بدهائها فلم تكن لتعطي قُصي هذا المكتب الهندسي بدون أن يمتهن هذه الوظيفة قط حتى لا تخسره! ولو لم يثابر قُصي في عمله ويكتسب الخبرة المطلوبة كمهندس لم يكن ليحلم أن تطلعه عن وجود هذا المكتب أساسا!
مالت روزانا تعدل هندام ابنها وتقول بنبرة بطيئة
((أنتَ الآن تستحق يا بش مهندس هذا المكتب أن يكون لك، فلتبهرنا بقدراتك))
ازدرد قُصي ريقه ثم قال ببشاشة لها مغلفة بالامتنان
((سأفعل يا أمي.. وسترين بنفسك))
أشادت روزانا عليه بهدوء أنيق
((أحسنت بُني، بدأت الآن تسير في الطريق الصحيح، الآن أنتَ جاهز لتستحوذ معنا على شركة القاني تدريجيا واستعادة حقكم فيه كاملا))
قطب قصي حاجبيه باسترابة
((لم أفهم يا أمي!؟ من تقصدين بكلمة "معنا"؟))
انزلقت شفتا روزانا بابتسامة جانبية وهي تقول بكلام يبطن بذكاء ملفت منها لكن مستتر بخبث
((قصدي واضح يا قصي، أنا وأنتم أولادي الثلاثة علينا أن نعمل على السيطرة على كل إنش من شركة القاني لنستعيد حقنا في امتلاكها كلها كاملة، عمك فارس مريض قلب، أدعو الله ليل نهار أن يقرب أجله ويريحنا منه، وحتى ذلك علينا أن نكون مستعدين لهذه اللحظة، بالتصرف بذكاء وهدوء من تحت الطاولة))
بدت الخطة مُرضية جدًّا في عقل روزانا وهي تكمل بحماسها بينما تشبك أصابع كفيها ببعضهم
((ولا تقلق بشأن ذلك الدّخيل يوسف جرو عمك فأنا أعرف سرّه بمسألة إدمانه وبلمح البصر أستطيع أن اكشفها أمام كل أصحاب أسهم شركات القاني وطرده من مركزه الكبير شرّ طردة، فلا يمكن لوضيع أصل مثله أن يبقى في تلك المكانة في الشركة طويلا))
كانت نظرات روزانا مشعة حقا بالخبث وهي تتأمل بصبر المخطط الذي تعّده ليوسف وغيره ممن يقف بطريق أولادها نحو تسلم إدارة الشركة.. قبل أن يدمدم قُصي من بين أسنانه بسخط
((ألا زلتي مُصرة جدًا حول مسألة إدمانه كذريعة لطرده من الشركة!؟))
تحت نظرات سهر المستهجنة التي لم تكن تدرك شيئًا عن تعقيدات عائلة قُصي، تجهم وجهه ثم أكمل يضع حدًا لطمع والدته الذي يحجبها عن العديد من الحقائق التي تخصه معه
((أمي توقفي عن هذه الترهات، توقفي عن اتهام يوسف كذبًا وزورًا بالإدمان، إنه أكثر فطنة منَا جميعا، ثم بأي حق تريدين أن نمتلك أنا وإخوتي فقط شركات القاني؟ أنسيت أن لعمي فارس أولادًا من صلبه لهم الحق في ورثته حتى لو كانت صِلاتهم منقطعة منذ سنوات طوال؟))
عبست روزانا لأن ابنها الأبله قصي لا يعرف شيئا عن يوسف الذي يضاهيها مكرًا ويظنه طيبا لمجرد مسكنته وتذلله أمامهم.. لكن قصي أمسك بكفه الخشن يد والدته ليتابع بعتاب
((توقفي يا أمي عن خططك الشريرة ولا تنجرفي نحو قاع الطمع.. أنا سأكتفي بأخذ هذا المكتب الهندسي وأعمل على تنميته وتطويره راضيًا بأن يكون نصيبي من ثروة عائلة القاني وتعويضًا عن أموال أبي التي نهبها عمي منا))
انتصبت روزانا واقفة بحدة وهي تنفض يده عنها بنفور من قناعته.. وكانت تريد الاعتراض على تفكيره هذا لكنها ولأنها عرفت مسبقا أنه سيكون عبثا فقط، أطلقت زمجرة خافتة تكتمها بشق الأنفس لتهدر بعدها بغيظ من بين أسنانها
((حسنا، حسنا يا قصي، ابقَ كسولًا وقنوعا هكذا واستمتع بهذا الفتات البسيط الذي تقتاته من ثروة عائلة القاني، وفي آخر المطاف تعالي عندي لتنوح أمامي كالنساء وتطالبني أن أستعيد مالك الذي سرقه عمك الشرير منك مستغلًا يُتمك.. سلام))
واستدارت بكُلها بكبرياء تنتصب هامتها بعلياء رغم كبر عمرها قبل أن يهتف قصي مناديا إياها يعترضها بذراعيه لتقف مكانها
((أمي..))
زرعت ابتسامة على شفتيها متأملة أن يكون كلامها قد حرَك فيه حَمِيته وغيَر رأيَه ليكمل قصي مبتسمًا
((لم تشربي الشاي الذي أعدته سهر لك، لا يمكنك الذهاب دون أن نضيّفك))
طحنت ضروسها بغيظ ثم طرقت بعنف الأرض بكعب حذائها قبل أن تغادر بغضب أربد داخل الغرفة..
تطلع كل من قصي وسهر في بعضهما بحيرة من غضب أمه المستعر قبل أن يجفلا بفزع عندما صفقت باب الفيلا عاليّا وهي تغادر للخارج..
قالت سهر بعد ذلك بوجه طلق تدعمه
((لا تهتم عزيزي، سوف تسترجع هدوءها ورضاها عنك في النهاية))
ثم أكملت بنبرة عابثة
((كايلا بقيت عند أمي، سأجهز لك الليلة أمسية أجمل من الخيال))
التمعت عيناه بالسعادة وبدأ يعد معها التراس ليسهرا عليه بما أن الليلة ستكون هادئة بدون أيّ هطول متوقع للأمطار..
أشعلا المدفأة المصممة لتوزع الدفء في كل الاتجاهات ثم جلسا على مساند قديمة هناك ولم يكن شيء يضاهي صوت الحطب وهو يحترق متأججا بينما النار تبعث الدفء في نفسيهما..
بدا الجو لطيفا رغم البرودة في الخارج، والقمر منيرا، وكانت سهر قد طلبت طعاما جاهزا.. عندما وصلت الشحنة فتح قصي علب الطعام لها وبدأ يطعمها قطع الدجاج.. ليقول فجأة بصوتٍ شجن
((رغم أن هذه الفيلا كانت مقر عائلتي بفترات الصيف وكنا نقضي أشهرًا طويلة كل سنة إلا أن أول مرة أمضيت وقتا لطيفا على التراس ورأيته كبقعة مميزة جميلة كان معك أنتِ))
تألقت ابتسامة جميلة على شفتي سهر تبادله الأحاسيس الهائمة التي تبدع في إظهارها له فتسلب لبه.. منذ زواجه منها وهو يعيش حقا أجمل لحظات حياته، شاعرًا أنه امتلك الدنيا بما فيها يستلذ بقربها ويهيم بوجودها.. فهي له كالنبع كلما اشتهى نهل منها..
دائما ما كانت أمه مصرة على أن حبه لسهر فقط لجمالها وسرعان ما سيزول انبهاره بها عاجلًا أم آجلًا.. لكن مالا تعرفه أنه حتى لو كان جمال سهر وهوايتهما المشتركة هما من أسباب انجذابه لها في البداية.. يبقى سبب حبه لها المتأصل في قلبه والعميق هو أنه وجد في سهر ما كان يفتقده في نفسه..
هي لم تكن فتاة أديبة وراقية وهادئة يومًا.. لكنها في المقابل شخصية عملية ونشيطة وتضج بالتحدي.. فعلى الرغم من أنها ابنة رجلٍ ثريٍ جدًا إلا أنها سبق وعملت في العديد من الأماكن منذ أن بلغت سن العشرين.. ليست كفتيات مجتمع أمه، ليست من نوع الفتيات التي تهتم كثيرًا بملابسها فغالبًا ما ترتدي ملابس عملية ثمنها في متناول اليد.. شعرها دائمًا على طبيعته لا ترهق نفسها بتسريحه.. وجهها دائمًا خالي من مستحضرات التجميل فجمالها رباني.. ورغم كل ذلك ثقتها بنفسها هي الطابع الأقوى الذي يهيمن على الهيئة النهائية لها..
ضبطته سهر مستمر بالنظر لها بتلك النظرة المتفحصة المبهورة فانفرجت منها ضحكة خافتة تلكز ذراعه بذراعها لينتبه لها، فضمها له يهمس لها بمزيد من الغزل والحب..



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 31-01-22 الساعة 10:08 PM
Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-22, 07:00 PM   #6224

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

غامت زاهية في مداعبة حفيداتها الثلاث، هُدى وشقيقتها الصغرى هَنا وابنة مالك شغف فلم يعد يسكن معها رفقة زوجها الحاج في هذا القصر الضخم إلا ابنيها مالك ومازن وعائلتاهما.. لطالما كانت تعتقد أنها قد تتحمل سكن أي أحد من أولادها بعيدا عن هذا القصر إلا التوأم، ورغم أنهما الاثنين فعلًا من بقيا يقطنان هنا ولم يغادرا إلا أنها في أوقات كثيرة تشعر بالأسى يتسلل الى قلبها وتحس بسعادتها منقوصة.. ليت مصعب يعود من الخارج ويسكن معهم، ويَدعُ معاذ ومؤيد رفقة زوجاتهم وأولادهم يسكنون هنا، فكم هو موحش افتقاد لمة العائلة..
كانت الأمطار تهطل بغزارة حين وصل لمسامعها صوت ركن إحدى سيارتهم في المصف ورياح عاتية تتلاعب بأغصان الأشجار التي تحف خارج القصر.. لا بد أن زوجها يعقوب قد عاد من حفل زواج نجوم من ذاك الفلاح الأرمل الذي يعيل ابنا وبنتا.. لقد أصروا أن يقيموا لها حفلا بمضافة العشيرة غير أبهين لسوء الأحوال الجوية..
وبمجرد أن أحست بدلوف زوجها حتى وجهت كلامها بحنو لهدى التي أضحت بنتا ناضجة ومهذبة
((اذهبي يا هدى مع الصغيرتين للخارج))
أمسكت هدى يد شقيقتها الصغرى وابنة عمها تقودهما للخارج وهي تلقي السلام على جدها الذي قبلهم ثلاثتهنَّ عند دخوله الغرفة قبل أن يجلس مقابل زوجته ململمًا عباءته حوله ثم يغمغم باستياء
((هل يعقل يا زاهية أن أذهب لحفل عقد قران نجوم في الديوان ولا يحضر أحد من أولادي معي! أخفضتم هامتي أمام أهل القرية))
تكَّدر وجه زاهية عند إتيانه بسيرة نجوم مرسلة لزوجها تعابير الخذلان منه.. ألا يكفي أنها بالكاد تماسكت غيظها وهي تسمع صخب العرس الذي أقيم بالمضيفة القريبة من قصرهم حيث رافقه أصوات الأعيرة النارية مختلطة بأصوات أهازيج الرجال وزغاريد وأغاني نسوة القرية.. فغمغمت بامتعاض
((والله يا حاج أمسك نفسي بشق الأنفس عن معاتبتك لذهابك لعقد قران نجوم، بسببها كاد أن يزج بمازن بسجن مؤبد.. حسبي الله ونعم الوكيل فيها هي وأمها))
رفع يعقوب إحدى حاجبيه متسائلا بعبوس ومغيرًا هذا النقاش العقيم
((هل وصلك كلام من النسوة اللاتي يزرنك أن أم نجوم قد خرجت مؤخرا من السجن بعد قضاء محكوميتها؟))
نطقت ملامح وجه زوجته بالجواب بينما تضيف متمتمه والغيظ يلتهمها رغم تمالك نفسها
((عرّضت حياة ابنتها للخطر في إنجابها داخل البيت، وتسترت على جريمة ابن أختها، وعبثت بالأدلة، واتهمت ابني باطلًا وضغطت على ابنتها لتشهد زورا ثم تسجن فقط ثلاث سنوات! هزلت، لا والأنكى أنها جاءت بنفسها هنا عندي))
عاد يسألها بنفس العبوس مستنكرا
((جاءت هنا عندك؟))
ردت عليه بانفعال لم يخفت من الحادثة التي تسببت بها نجوم لابنها مازن قبل سنوات
((نعم جاءت تلك المنحطة لبيتي تتوسل لي أن أعيد الأواصر بينها وبين ابنتها التي قاطعتها تماما منذ سجنها، فطردتها من البيت وأمرت من فيه ألا يسمحوا لقدمها أن تخط عتبة أملاكنا))
ثم أشاحت بوجهها للجانب تسترسل بغضب متقد
((وكأني سأطيق رؤيتها هي وابنتها! ناكرتا الجميل))
أطلق يعقوب نفسا عميقا وبدأ يحرك مسبحته.. قد يكون يوافق زوجته فيما يخص منال، أما نجوم فرغم كل ما فعلته بحكم صغر سنها وقلة خبرتها مع ابنه مازن، إلا أنه يستمر بإشفاقه عليها ودعا الله كثيرًا أن يرزقها رجلا تجد معه الأمان والسند فهي وحيدة لا أحد لها ليمسح دمعها، وفاقدة لكل شيء يمت إلى الحب والعطف والحنان والرعاية بصلة.. وما يجعله يشعر بالراحة الآن أنه يستبشر خيرا في الرجل الذي تزوجته اليوم، في أن يخفف من وقع ما تعيشه وهول الفاجعات التي مرت بها حتى بدون أن يعرف شيئًا عنه..
انتشل نفسه من جب دوامات التفكير ليعود للواقع متسائلا
((أين هو مالك؟ اليوم إجازته ولم أره منذ الصباح، لم يحضر العرس معي وترك مازن يعمل في الحديقة لوحده يغرق نفسه في الوحل والطين تحت الأمطار))
تململت زاهية مكانها وهي ترد
((لقد ذهب مع زوجته للتسوق، دعهم يحظون ببعض الوقت سويًا، حتى سمية المسكينة بحاجة لبعض الراحة بعيدا عن صخب الأطفال))
شابت نظرات يعقوب بعض التسلية خاصة وأن الليل قد حلّ ولم يعد ابنه بعد لكنه ناغش زوجته معقبا
((هل هذه هي زاهية من تهتم بمزاج زوجة ابنها! أكاد لا أصدق))
قطبت زاهية حاجبيها وردت
((ولماذا لا تصدق؟ سمية خير الكنّة لنا))
ابتسم يعقوب بتلك الهبة الوقورة وقال
((ها أنا أرى أنه لم يندم أحد من زواج مالك بسمية، خاصة هما، الحمد الله))
كان يعقوب حقا مبهورًا لحظتها من زوجته والتغير الرهيب الذي طرأ عليها خلال فترة زواج مالك وسمية خاصة أنها كانت من أكثر المعارضين على إتمام زواجهما ورفضها لسمية لأنها لا تليق بابنها لا سنًا، ولا فكرًا ولا حالة اجتماعية، فتمتم باستحسان
((حمدًا لله على راحة بالهما.. ربي يديمها عليهما))
إلاّ أن زاهية زادت من إبهاره وهي ترد عليه بصدق
((عليّ أن أعترف أن نجاح هذا الزواج.. حتى الآن.. يعود لسمية في المقام الأول.. فهي بشخصيتها من استطاعت جعله يشعر أنه الكبير في الرأي والمشورة، وأنّه رجل البيت وحاميه، وفي الوقت نفسه تحاول جاهدة أن تحافظ على جمالها وشبابها لتبدو دائما متألقة فتسعد نفسها وزوجها.. للآن أنا لست ناقمة عليها، لكن من يدري ماذا سيحدث مستقبلا!))
غمغم الحاج مُتنهدا بخفوت
((آه.. أنتنَّ النساء يصعب فهمكن فكيف السَّبيل لإرضائكنًّ حقًا))
******




في الصباح الباكر..
لكزت سمية بلطف ابنها المتمدد تحت لحافه الثقيل تحُثه برقة
((إنها السادسة والنصف، استيقظ يا يزيد لمدرستك، يكفيك نومًا))
همس يزيد شبه النائم ووقع المطر المنهمر في الخارج على نافذة غرفته يتناهى إلى سمعه
((أمي إنها تمطر، معظم طلاب صفي قالوا بأنهم سيتغيبون اليوم))
ترققت ملامحها تطالع الجو المكفهر الماطر في الخارج من زجاج نافذته لتمتم بأسى
((معك حق الجو عاصف في الخارج، والله أنا خائفة عليك))
لكن جاءها الصوت القاطع من مالك الذي دلف لداخل غرفة يزيد يوقظه بخشونة
((لو أخذ كل طلاب المدرسة إجازة اليوم لن أسمح لك أن تتغيب عن المدرسة متعللا بحالة الطقس في الخارج، أنا سأوصلك بسيارتي لباب المدرسة وأعيدك!))
اعتدل يزيد جالسا بعبوس يزيح غطاءه عن بدنه بسخط من والده الصارم ثم ناظر والدته يستغيثها أن تقنع والده بأن يسمح له أن يتغيب لكنها طالعته بقلة حيلة فهي لا تقوى على مخالفة رأيه.. تهدّل كتفا يزيد وأعلن استسلامه تاركا فراشه كي يغسل وجهه..
وقفت سمية بعدها قائمة تساعد مالك المشغول بإغلاق أزرار قميصه قبل أن تشب على رؤوس قدميها تقبل كلا من وجنتيه تلثمه حبًا ومودةً كما هي معتادة قبل خروجه للعمل.. فهي تودعه بقبلة وتستقبله بقبلة وتفاجئه إن كان شاردا أو مستغرقا في شيء بقبلة.. ثم همست له بصوتٍ أنثوي رقيق
((انتبه على نفسك أنتَ ويزيد))
ليرد لها غيثا من القبلات الجارفة قبل أن يقطع ما يفعله صوت يزيد الحانق
((ماذا تفعلان هنا!؟ لا يعقل أن أطرق الباب حتى قبل دخولي لغرفتي))
جفلا الاثنان مبتعدان عن بعضهما بارتباك وحرج وقد ادعى مالك هندمة ثيابه، فقالت سمية متغضنة الجبين بصوتٍ خافت
((كنت أعطي والدك احتياط قبلات تكفيه حتى رجوعه للبيت، تعال لأعطيك أنتَ))
وسارعت تحضن ابنها تنوي أن تقبل كل إنش من وجهه إلا أنه ابتعد عنها صارخًا بدرامية مسرحية
((لا.. لا.. لا.. أنا حقا مكتفي من القبلات..))
ضحكت سمية بخفوت عليه لكن حدقت بوجه ابنها بحب للحظات قبل أن تغادر الغرفة مدركة أنَّ عليها أن تكون هي ومالك أكثر حذرًا بتصرفاتهم الحميمية أمامه فقد أضحى بِكرها مُراهقا على مشارف الثالثة عشر.. له نفس طولها تماما، وبدت عليه علامات البلوغ الذكورية، فصوته اخشوشن وبدأ شاربه بالظهور.. وكثير من سمات والده تتوضح عليه..
حثَّ مالك ابنه أن يرتدي ملابسه بسرعة قبل أن يغادر هو الآخر، لكن صدح صوت هاتفه بإشعار وصول رسالة.. استغرب عندما رأى أن مرسل الرسالة هو سمية التي كانت هنا قبل ثوان فقطٍ.. لكن ما أثار استهجانه بعدها محتوى الرسالة بصورة لإحدى الغِلالات التي رآها في المتجر مرفقة بكلمات منها تشكو شدة اشتياقها له والذي سيتفاقم أثناء انتظارها عودته من العمل..
تصاعدت حرارته وبدأ قلبه يرتجف وخفقاته تقرع بينما يهمس لنفسه لاهثًا من شدة اتقاد عاطفته واستثارة حواسه فجأة
((ولكن.. ولكن قلت بأنك لا يمكن أن ترتدي هكذا أمور! تبا يا سمية، كيف سأركز في عملي؟ لماذا أرسلتها الآن، ألم تستطيعي الانتظار حتى ينتهي موعد دوامي على الأقل!))
وكالمغيب وجد نفسه يطلب رقم زميله في المدرسة ويخبره بصوتٍ جاهد أن يكون حازمًا
((ها.. هل تتوقع أن الطلاب سيغيب معظمهم اليوم؟))
وصله صوت الزميل يقول بصوتٍ متكاسل خامل
((نعم، نعم سيفعلون يا مالك، سآخذ اليوم إجازة، ستنتهي السنة وكشف إجازاتي كامل لم أستخدمه إلى الآن))
كان مالك يهز ساقه بتوتر عندما وافقه بصوتٍ أجش قليلا ويغمره إحساس منتشي
((وأنا أيضًا كشف إجازاتي لا زال كاملًا، أعتقد في جو كهذا لن يأتي أحد من الطلاب فلا ضرر لو أخذت إجازة اليوم))
وعلى الفور أغلق الخط منصرفا من غرفة ابنه إلى جناحه لتنفرج شفتا يزيد عن ضحكة شقية متأصلة فيه.. ويقفز مكانه وهو يلوح بقبضته بانتصار فرح لأنه سيتغيب عن المدرسة اليوم..
أكمل ارتداء كنزة الصوف المنزلية التي خلعها وناظر الجو العاصف من النافذة والأمطار الغريزة مشفقا على أيّ طالب لا يملك أمًا رائعة وحكيمة مثل أمه تنجح في جعل والده يسمح له بالتغيّب.. قبل أن يعود ليدفن نفسه تحت بطانيته يكمل نومه الشّهي ولا يستيقظ إلا بعد قُرابة الساعتين.. ليجد أن السماء لا زالت تمطر والأجواء بالخارج لازالت ترتعد بردا يناقض انتشاء الدفء في الداخل..
وجد أن والدته أعدت له شطيرة خفيفة كإفطار بما أن الجميع يفضل أن يتناوله في غرفته.. ففتح حاسوبه الشخصي متمطيا بكسل لذيذ ليعبث بأنامله ينقر لوحة المفاتيح لبدء إحدى الألعاب القتالية الرائجة فى هذا الجيل مع فهد وأصدقاء آخرين مشتركين بينهم..
تفاجئ بشقيقه الأصغر عبد الله يطرق باب غرفته ثم يتقدم منه بخطوات حذرة جدا ممسكا بكأس شاي دافئ ويخبره بكلمات متلعثمة
((مـاما.. أخبرتني أن أعطي هذه.. لك.. يزيد..))
اتسعت ابتسامة يزيد ملئ وجهه ليأخذ الكأس من شقيقه الصغير ثم يضعه على المنضدة الملاصقة لسريره.. أمسك عبد الله من كلتا وجنتيه المكتنزتين اللتين تؤكلان أكلا.. ثم حمله ليجلس بجانبه ويشاركه الحماس في اللعب هادرًا
((هيا عبد الله العب معي))
ابتسمت سمية التي كانت تقف عند عتبة الباب متخمة بمشاعر الأمومة وهي ترى يزيد ينجح في تنمية مشاعر المسؤولية تجاه أخيه.. فهو من يرعاه في غيابهما ويحنو عليه ويدرسه أيضًا..
أغمضت عينيها تأخذ نفسا عميقا.. لقد تفرغت أخيرا لتصعد فوق لرجلها الذي ينتظرها على أحَّر من الجمر في جناحهما فبالكاد تركها تكمل إنجاز أعمالها الصباحية بتحضير الإفطار للعائلة.. فتحت عينيها لتشع شعلة صغيرة من الثقة لتشرق بشرتها توردا مُثيرا، كزهرة أصابها ندى الصباح بالانتعاش، وتتألق ابتسامتها وهي ترتقي درجات السُلم إلى فوق..
******


منزل فايد والد سهر..
أطلقت سهر زفيرًا ضجرًا ثم تمّطت مكانها بإنهاك وقالت متذمرة من كومة الأوراق الحسابية المبعثرة فوق المنضدة والتي كان يشرحها والدها لها
((أبي أشعر أني لا يمكن أن أتأقلم مع هذا العمل، أنا لا أصلح أن أكون خليفتك في تجارتك أو خليفة مشروع أحد آخر، لماذا لم تطلب من قُصي أن يعمل عندك منذ زواجنا حتى يستلمه عنك بعد تقاعدك!))
رمى فايد القلم بيده فوق الطاولة بفظاظة وهتف بعصبية من استهانة ابنته التي لا تأخذ شيئًا على محمل جدية في الحياة
((ولماذا قد أجعل قُصي خليفتي في تجارتي هذه بدلا منك!؟ بماذا يزيد هو عنك!؟ اتركيه في حاله وفي عمله، وركزي في أعمال عائلتك، ليس عندنا ابنة غيرك))
تغضن جبين سهر بالضّيق، فخفتت حدة انفعال فايد يحث نفسه على التحلي بصبر جميل فابنته عاشت لأكثر من ثلاث عقود حياة مليئة باللّهو معدومة للمسؤولية أو جديّة ولن يكون عليها سهلًا الآن التأقلم مع جدية العمل والتزاماته التي ستُلقى على عاتقها عندما تصبح المسؤولة عن تجارته والموظفين عنده.. فاكتنفت نبرته الهدوء وهو يقول بحكمة عاقل
((أنا لا اطلب منك يا سهر أن تقومي بأمر خارق يحتاج منك خبرة سنوات، أريد فقط منك أن تدركي الأمور الأساسية في إدارة عملي حتى لا يتلاعب أي موظف هنا في العمل الذي سترثيه منا، لقد نجح قُصي وتحول من رجل لا يفهم شيئًا في أمور الحياة والعمل الى مهندس قدير له مكانته، وخلال سنوات قليلة، فلماذا لا تتعلمين منه؟ قُصي ليس بأفضل منكِ بشيء))
أومأت سهر لوالدها موافقة إيًّاه مما جعله يربت بخفة فوق كتف ابنته مشيدا بقوة
((ابنة جيدة أنتِ يا سهر))
شقت ابتسامة على شفتيها له.. تزامُنًا مع دخول والدتها التي تحمل كايلا فتضعها أمام فايد.. لتنطفئ نظرة التعب في عينيه وتحل مكانها نظرة حنان ولهفة وهو يداعب مع زوجته حفيدتهما الوحيدة باستمتاع..
لمعت نظرات سهر بحنو متمنية أن تجلب طفلًا آخر، فقط من أجل والديها رغم أنها لم تشعر هي أو قُصي بحاجة لإنجاب غير كايلا فهي تملأ حياتهما بهجةً..
ما لبثت أن شاب الحماس بريق الحماس.. مصممة أن تفعل ذلك إذا شاء الله وتنجب ابنًا آخر يضفي صخبًا وصراخًا للأجواء كلما جاءت لزيارة منزل عائلتها الهادئ رغم كل المعاناة والتعب اللذين تشعر بهما يرافقانها في تربية وحيدتها.. فمنذ إنجابها لكايلا وهي تشعر أن حياتها لم تعد لها ولا لأنشطتها الخاصة بها، خصوصا
أنها تخجل أن تطلب من والديها نقودا لاستئجار مربية حتى لا تُصغر شأن قُصي وراتبه المتواضع أمامهما، فكايلا ترهقها طوال النهار، وتمتص طاقتها بجعلها تجري خلف متطلباتها ورعايتها المتعبة، لينتهي الحال بها مجرد أم بائسة ومرهقة طوال الوقت، لا تجد وقتًا للترفيه عن نفسها، فتملؤها المشاعر السلبية عن ذاتها..
حتى أنها أحيانا تفكر أن ترمي بكل إحباطاتها على قُصي، فليس هذه هي الحياة الزوجية التي صورها لها طوال فترة خطبتهما.. قبل أن تتراجع مدركة أنها كما تعاني في تربية كايلا ومجالستها طوال النهار فهو يعاني الآخر في الخارج في عمله ليوفر لها مستوى معيشي ورفاهية مقبولة فلا يتم اتهامه من قبل والدتها أنه تزوجها حتى يعوض حياة الترف التي فقدها بسب عمه من خلال نقود عائلتها..
ففي نهاية المطاف قُصي يشقى ويتعب في الخارج ويتعرض للإذلال والتوبيخ أحيانا من مدير عمله عند أي خطأ أو تقاعس.. إنها تعرف أنه لا يريد منها أن تعرف حرجه بكل ما يقاسيه على نقيض ما يخبرها عن فخره بنفسه كمهندس صار ذو مكانة.. وعلى كل حال الحياة ليست دائما مكانا للهو والسفر والاستمتاع بملذاتها فقط، وقٌصي لديه من الهم ما يكفيه، لذا هي حقا تحاول جاهدة ألا تشغله بهمومها في تربية ابنتهما بعد عودته من عمله وتساعده على تجاوز صعوبة الواقع ببعض الدعم والمودة..
.
.
أصّر والدا سهر على جعل كايلا تنام عندهم الليلة فأظهرت سهر لهما حُزنًا مصطنعا لأن ابنتها الحبيبة والوحيدة ستنام بعيدة عن أحضانها الليلة ثم ودعتهما مهرولة للخارج قبل أن يغيرا رأيهما وهي تخطط أن تقضي وقتًا مميزا مع قصي هذه الليلة.. حيث أُتيحت لها فرصة على طبق من ذهب لترتاح من كايلا ومشاكستها.. ستهمس في أذنه عن اشتياقها العارم له وتنسيه تعب عمله في النهار..
ركنت سيارتها أمام الفيلا ثم اتجهت نحوها لتفتح الباب وتفاجئ بوجود ضيف عندهم! دلفت لغرفة الضيوف لتجد أن هذا الزائر ما هو إلا والدة قصي.. ألقت عليها السلام بتهذيب وبعد دقائق معهما استأذنت منها لتعد لها شرابا دافئا.. لم تتأخر كثيرا في تقديم الصينية أمام حماتها روزانا التي كانت تخرج أوراقا مختومة من ظرف فخم..
تطلعت سهر لقُصي باستفهام ليبدده لها قائلا بصوت يكتنفه الجدية
((تعالي يا سهر وانظري ما تعرضه أمي عليّ))
عقدت سهر ما بين حاجبيها بعدم فهم ليستطرد قصي بنبرة مبحوحة تشي بسعادة متفجرة في داخله
((هذه الأوراق هي ملكية مكتب هندسي صغير مسجل باسمها ستنقله لإسمي لأبدأ العمل فيه))
أشرقت ملامح سهر بفرحة وهتفت غير مصدقة من باب الفرج الذي انفتح على قُصي
((هل ما يقوله قُصي صحيح يا حماتي؟))
ابتسمت روزانا بأناقة ثم قالت بنبرتها الفخورة
((لقد راقبتك جيدا خلال ثلاث سنوات المنصرمات يا قُصي، جديتك في العمل داخل المكتب الذي تعمل لصالحه، والآن فقط وجدت الفرصة سانحة لأطلعك عن أمر هذا المكتب الهندسي، سأسجله باسمك ولكن ستعمل فيه كمهندس عادي، وسترتقي بنفسك درجة تلوى الدرجة بجهدك ومؤهلاتك قبل أن يكون بإمكانك إدارته كاملا))
اندفع قصي نحو أمه يحتضنها بكل قوته هاتفا بصوتٍ متحشرج
((أحبك يا أمي، أحبك، أحبك جدًّا، أخيرا غدوت تتصرفين كأم حقيقية لا عدوة لي))
ابتعد قُصي عن أمه الواجمة وهي تسوي خصلات شعرها التي أفسدها ابنه في خضم عناقه الممتن، ثم عادت تبتسم بنفس اللباقة المتأصلة بها لتعقب بشموخ بتلك النبرة الرقيقة المتكلفة
‏‎‏((قُصي عليك أن تدرك أن الناس من حولك خاصة عمك ليسوا أعداءك بالضرورة ولم يتفقوا على كرهك ونبذك، إنّما هم يعيشون لأنفسهم ومصلحتهم قبل أن يفكروا بوجودك من الأساس))
رفرف قصي بعينيه مما يسمع ولم يكن قد خطر على باله أن ينظر للأمر من هذه الزاوية، لكن لم يكن يهتم لشيء إلا ببهجته العارمة وهو يناظر أوراق المكتب الهندسي.. أما روزانا فقد كانت حقا قد عملت بما يوحي بدهائها فلم تكن لتعطي قُصي هذا المكتب الهندسي بدون أن يمتهن هذه الوظيفة قط حتى لا تخسره! ولو لم يثابر قُصي في عمله ويكتسب الخبرة المطلوبة كمهندس لم يكن ليحلم أن تطلعه عن وجود هذا المكتب أساسا!
مالت روزانا تعدل هندام ابنها وتقول بنبرة بطيئة
((أنتَ الآن تستحق يا بش مهندس هذا المكتب أن يكون لك، فلتبهرنا بقدراتك))
ازدرد قُصي ريقه ثم قال ببشاشة لها مغلفة بالامتنان
((سأفعل يا أمي.. وسترين بنفسك))
أشادت روزانا عليه بهدوء أنيق
((أحسنت بُني، بدأت الآن تسير في الطريق الصحيح، الآن أنتَ جاهز لتستحوذ معنا على شركة القاني تدريجيا واستعادة حقكم فيه كاملا))
قطب قصي حاجبيه باسترابة
((لم أفهم يا أمي!؟ من تقصدين بكلمة "معنا"؟))
انزلقت شفتا روزانا بابتسامة جانبية وهي تقول بكلام يبطن بذكاء ملفت منها لكن مستتر بخبث
((قصدي واضح يا قصي، أنا وأنتم أولادي الثلاثة علينا أن نعمل على السيطرة على كل إنش من شركة القاني لنستعيد حقنا في امتلاكها كلها كاملة، عمك فارس مريض قلب، أدعو الله ليل نهار أن يقرب أجله ويريحنا منه، وحتى ذلك علينا أن نكون مستعدين لهذه اللحظة، بالتصرف بذكاء وهدوء من تحت الطاولة))
بدت الخطة مُرضية جدًّا في عقل روزانا وهي تكمل بحماسها بينما تشبك أصابع كفيها ببعضهم
((ولا تقلق بشأن ذلك الدّخيل يوسف جرو عمك فأنا أعرف سرّه بمسألة إدمانه وبلمح البصر أستطيع أن اكشفها أمام كل أصحاب أسهم شركات القاني وطرده من مركزه الكبير شرّ طردة، فلا يمكن لوضيع أصل مثله أن يبقى في تلك المكانة في الشركة طويلا))
كانت نظرات روزانا مشعة حقا بالخبث وهي تتأمل بصبر المخطط الذي تعّده ليوسف وغيره ممن يقف بطريق أولادها نحو تسلم إدارة الشركة.. قبل أن يدمدم قُصي من بين أسنانه بسخط
((ألا زلتي مُصرة جدًا حول مسألة إدمانه كذريعة لطرده من الشركة!؟))
تحت نظرات سهر المستهجنة التي لم تكن تدرك شيئًا عن تعقيدات عائلة قُصي، تجهم وجهه ثم أكمل يضع حدًا لطمع والدته الذي يحجبها عن العديد من الحقائق التي تخصه معه
((أمي توقفي عن هذه الترهات، توقفي عن اتهام يوسف كذبًا وزورًا بالإدمان، إنه أكثر فطنة منَا جميعا، ثم بأي حق تريدين أن نمتلك أنا وإخوتي فقط شركات القاني؟ أنسيت أن لعمي فارس أولادًا من صلبه لهم الحق في ورثته حتى لو كانت صِلاتهم منقطعة منذ سنوات طوال؟))
عبست روزانا لأن ابنها الأبله قصي لا يعرف شيئا عن يوسف الذي يضاهيها مكرًا ويظنه طيبا لمجرد مسكنته وتذلله أمامهم.. لكن قصي أمسك بكفه الخشن يد والدته ليتابع بعتاب
((توقفي يا أمي عن خططك الشريرة ولا تنجرفي نحو قاع الطمع.. أنا سأكتفي بأخذ هذا المكتب الهندسي وأعمل على تنميته وتطويره راضيًا بأن يكون نصيبي من ثروة عائلة القاني وتعويضًا عن أموال أبي التي نهبها عمي منا))
انتصبت روزانا واقفة بحدة وهي تنفض يده عنها بنفور من قناعته.. وكانت تريد الاعتراض على تفكيره هذا لكنها ولأنها عرفت مسبقا أنه سيكون عبثا فقط، أطلقت زمجرة خافتة تكتمها بشق الأنفس لتهدر بعدها بغيظ من بين أسنانها
((حسنا، حسنا يا قصي، ابقَ كسولًا وقنوعا هكذا واستمتع بهذا الفتات البسيط الذي تقتاته من ثروة عائلة القاني، وفي آخر المطاف تعالي عندي لتنوح أمامي كالنساء وتطالبني أن أستعيد مالك الذي سرقه عمك الشرير منك مستغلًا يُتمك.. سلام))
واستدارت بكُلها بكبرياء تنتصب هامتها بعلياء رغم كبر عمرها قبل أن يهتف قصي مناديا إياها يعترضها بذراعيه لتقف مكانها
((أمي..))
زرعت ابتسامة على شفتيها متأملة أن يكون كلامها قد حرَك فيه حَمِيته وغيَر رأيَه ليكمل قصي مبتسمًا
((لم تشربي الشاي الذي أعدته سهر لك، لا يمكنك الذهاب دون أن نضيّفك))
طحنت ضروسها بغيظ ثم طرقت بعنف الأرض بكعب حذائها قبل أن تغادر بغضب أربد داخل الغرفة..
تطلع كل من قصي وسهر في بعضهما بحيرة من غضب أمه المستعر قبل أن يجفلا بفزع عندما صفقت باب الفيلا عاليّا وهي تغادر للخارج..
قالت سهر بعد ذلك بوجه طلق تدعمه
((لا تهتم عزيزي، سوف تسترجع هدوءها ورضاها عنك في النهاية))
ثم أكملت بنبرة عابثة
((كايلا بقيت عند أمي، سأجهز لك الليلة أمسية أجمل من الخيال))
التمعت عيناه بالسعادة وبدأ يعد معها التراس ليسهرا عليه بما أن الليلة ستكون هادئة بدون أيّ هطول متوقع للأمطار..
أشعلا المدفأة المصممة لتوزع الدفء في كل الاتجاهات ثم جلسا على مساند قديمة هناك ولم يكن شيء يضاهي صوت الحطب وهو يحترق متأججا بينما النار تبعث الدفء في نفسيهما..
بدا الجو لطيفا رغم البرودة في الخارج، والقمر منيرا، وكانت سهر قد طلبت طعاما جاهزا.. عندما وصلت الشحنة فتح قصي علب الطعام لها وبدأ يطعمها قطع الدجاج.. ليقول فجأة بصوتٍ شجن
((رغم أن هذه الفيلا كانت مقر عائلتي بفترات الصيف وكنا نقضي أشهرًا طويلة كل سنة إلا أن أول مرة أمضيت وقتا لطيفا على التراس ورأيته كبقعة مميزة جميلة كان معك أنتِ))
تألقت ابتسامة جميلة على شفتي سهر تبادله الأحاسيس الهائمة التي تبدع في إظهارها له فتسلب لبه.. منذ زواجه منها وهو يعيش حقا أجمل لحظات حياته، شاعرًا أنه امتلك الدنيا بما فيها يستلذ بقربها ويهيم بوجودها.. فهي له كالنبع كلما اشتهى نهل منها..
دائما ما كانت أمه مصرة على أن حبه لسهر فقط لجمالها وسرعان ما سيزول انبهاره بها عاجلًا أم آجلًا.. لكن مالا تعرفه أنه حتى لو كان جمال سهر وهوايتهما المشتركة هما من أسباب انجذابه لها في البداية.. يبقى سبب حبه لها المتأصل في قلبه والعميق هو أنه وجد في سهر ما كان يفتقده في نفسه..
هي لم تكن فتاة أديبة وراقية وهادئة يومًا.. لكنها في المقابل شخصية عملية ونشيطة وتضج بالتحدي.. فعلى الرغم من أنها ابنة رجلٍ ثريٍ جدًا إلا أنها سبق وعملت في العديد من الأماكن منذ أن بلغت سن العشرين.. ليست كفتيات مجتمع أمه، ليست من نوع الفتيات التي تهتم كثيرًا بملابسها فغالبًا ما ترتدي ملابس عملية ثمنها في متناول اليد.. شعرها دائمًا على طبيعته لا ترهق نفسها بتسريحه.. وجهها دائمًا خالي من مستحضرات التجميل فجمالها رباني.. ورغم كل ذلك ثقتها بنفسها هي الطابع الأقوى الذي يهيمن على الهيئة النهائية لها..
ضبطته سهر مستمر بالنظر لها بتلك النظرة المتفحصة المبهورة فانفرجت منها ضحكة خافتة تلكز ذراعه بذراعها لينتبه لها، فضمها له يهمس لها بمزيد من الغزل والحب..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-22, 07:01 PM   #6225

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في مكان آخر في العالم.. حيث الأجواء صيفية..
يعيش مصعب ونورين.. وحان وقت إجازتهم بعد انتهاء أيام صعبة ومرهقة من الاختبارات والأبحاث..
انطلقوا بعد إحضار بعض الأطعمة والمشروبات إلى بيت كبير على الشاطئ استأجره مصعب ليومين، استغرق الأمر من شقتهم التي يقطنون فيها إلى بيت الشاطئ هذا ثلاث ساعات للقيادة ولكن الأمر كان يستحق ذلك..
أغمضت نورين عينيها والنسيم الخفيف يلامس صفحة وجهها.. بل الحقيقة أن كل شيء في الأجواء كان رائعا ويمنح الراحة للنفس.. الهواء المنعش، الشمس الساطعة، السماء الزرقاء، ومنظر البحر الرائع الذي انعكست عليه أشعة الشمس.. حتى أنها التقطت العديد من الصور لهذه المناظر الطبيعية كما تفعل كلما رأت منظرًا خلابًا..
بمجرد أن وصلوا لبيت الشاطئ ارتدوا ملابس السباحة وبدأوا يسبحون في المياه الصافية.. حتى ملك الصغيرة التي لم يتجاوز سنها الأربعة سنوات كانت سباحة ماهرة كسمكة صغيرة، كما يدأب مُصعب تسميتها فهي تعشق السباحة كأمها، السمكة الكبيرة..
مرَّ وقت لم يكن بالقليل عليهم وهم يعومون داخل المياه الزرقاء الدافئة ويلعبون بكرة المياه ويضحكون بصخب عندما خرج مصعب من البحر إلى الشاطئ وقدميه تنغرز بحبيبات الشاطئ فتدخل بين أصابعه، ثم غيَّر ملابسه إلى أخرى جافة واستقر مع أغراض الشواء تحت شجرة مظللة..
منذ قدومهم إلى هذا البلد للدراسة وهو يحاول ألا يبخل عليهم في الخروج والتنزه في العطل والمناسبات وقضاء أوقات لا تنسى.. فقاموا خلال الثلاث سنوات بجانب الدراسة بالكثير من الرحلات الاستكشافية خارج المدينة التي يقطنون فيها والتعرف على تقاليد هذا البلد الذي يعيشون فيه، من خلال استكشاف المعالم الأثرية والمتنزهات والاستمتاع بمأكولاتهم وحضور مهرجاناتهم وشراء الهدايا التذكارية الشعبية.. حتى غدوا يعرفون جيدًا ثقافة وأسلوب حياة جديدين.. فالسّكان المحليون ودودون ومضيافون، والمطاعم مفتوحة حتى وقت متأخر من الليل حيث توجد عائلات بأكملها تتناول الطعام، كذا المنتجعات المعروفة المنتشرة بكثرة في أرجاء البلاد، لديها نوادي للأطفال فتظل ابنتهما ملك مستمعة وسعيدة..
بعد فترة وجيزة هتف مصعب عاليا إلى حيث نورين مستقرة هي وملك في البحر لكن لم يبدو أنهما انتبها له.. فتقدم من البحر لهما وهنا لاحت نظرة من نورين تبتسم بمرح وهي تلوح له وتسبح باتجاهه.. مال يمد يده لها يساعدها على الخروج من البحر فتتمسك بكفها بقوة.. تساءل مصعب فيما يشبه الدعابة وهو ينظر باتجاه ملك
((ها قد أطلت السمكة الكبيرة، أين هي سمكتي الصغيرة؟))
هتفت نورين خلفها بصوتٍ يضج مرحا من بين ضحكاتها المفعمة بالمتعة
((سمكتي الصغيرة.. هيا.. تعالي))
سبحت ملك باتجاه أمها وكأنها حورية بحر تسبح خلال بحر من حلوى غزل البنات وما إن اقتربت منها حتى قفزت باتجاهها فالتقطت نورين ابنتها ورفعتها تدور بها على الشاطئ مغمورتين بالمياه
((سمكتي الجميلة محظوظة لأنها تعرف السباحة في هذا العمر، أنا لم أتعلمها إلا بعد زواجي بأبيك))
لحقت نورين زوجها إلى الشجرة حيث موقد الشواء قد التهب فيه الفحم وتصاعدت منه الرائحة المنعشة..
قامت ملك ونورين بتغيير ملابسهما وبعفوية أخرجت نورين هاتفها لتلقط صورة لملك وهي تحثها على الابتسامة ليأتيها صوت مصعب المنبه فسارعت تقاطعه قائلة بكلمات رتيبة تحفظها عن ظهر قلب
((لا تقلق، سأرسلها لأمي فقط))
قال مصعب عاقد الحاجبين وهو يبدأ بتجهيز أسياخ الشواء ويضغطها بقوة ومهارة بعد تتبيلها
((أحسنت، إيّاك أن ترسلي أي صور لنا، حتى لا يقولوا بأننا سافرنا للسياحة لا للدراسة))
ضحكت نورين عاليًا بصفاء على كلام مُصعب المعتاد كلما رآها تلتقط صورًا لملك لتعقب
((لا تبالغ، صدقني لا أحد يتمنى لك الفرح والسعادة مثل عائلتك))
تذمّر لها مصعب مبررا بدفاعية
((أعرف ذلك، أنا فقط لا أحب أن يضغطوا عليّ ويلحوا على عودتنا معتقدين أننا هنا للاستجمام لا للدراسة))
بدأت نورين تساعده وتعد السلطة الخضراء.. بينما نضجت أسياخ اللحم على الجمر ليبدأ مصعب يعد لهم شطائر المشاوي..
في أثناء تناولهم وجباتهم رفع مصعب شوكة كانت على طبق جانبي فجأة مباغتًا نورين، وعلى محياه ابتسامة يقول
((وضعت على قطع اللحم هذه بهاراتك المفضلة))
لمعت عينا نورين بلهفة ومدت يدها لتأخذ الشوكة منه إلا أنه سحبها، وأشار إلى رغبته في إطعامها بنفسه، فامتثلت له وأكلت من يديه ونظرات الحب تتلألأ بعينيها..
عفريتته تعشق تدليله وإطعامه بيدها حتى لو كان بمكان عام وإشعاره بأنه أمير فلا يستطيع ألا يفعل ذلك في المقابل..
وبعد الانتهاء من الطعام ذهبا الاثنين لمساعدة ملك في جمع الأصداف وبعدها قاموا ببناء قلعة رملية بالغرامة، وأثناء قيامهم بذلك رأوا سلطعونًا صغيرًا جميلًا يمشي على الرّمال فعلَّم مصعب ملك عن ماهية هذا الحيوان وحيوانات أخرى تعيش في الشاطئ..
كانوا متعبين بعد القيام بكل هذه النشاطات إلا أنهم جميعا شعروا بسعادة غامرة والتقطت نورين لها مع عائلتها الصغيرة صورا كثيرة.. تمشوا على الشاطئ لمدة طويلة وعند غروب الشمس جلسوا يشاهدون قرص الشمس يختفي بالأفق شاعرين بنسيم المحيط على الوجوه ومداعبة الرمال بالأقدام.. مستمتعين بروعة المشهد، وتطاير الأمواج، ورائحة البحر المنعشة..
وبعد استرخائهم لوقت طويل أمام هذه المنظر الجميل ذهبت ملك الصغيرة بصنارتها اللطيفة لتجلس بالقرب من والديها عند الشاطئ للاصطياد، في كل مرة يأتون هنا تمر ساعات وتفشل في اصطياد شيء لكن شعرت بإحساسها الطفولي البريء أن هذه المرة ستنجح!
قالت نورين فجأة لمصعب بصوتٍ مفعم بالحماس
((لا أصدق أني بعد سنة سأنال درجة الدكتوراة في دراستي، سأُدرس في إحدى الجامعات القريبة عندنا وأصبح الدكتورة المهندسة والأستاذة الجامعية نورين الهنادل))
ابتسم زوجها يومئ لها فهو أكمل رسالة الماجستير وأرتأى أن يتوقف عند هذا الحد وما يدفعه للبقاء هنا هو حتى تستكمل نورين دراستها.. فحانت منه نظرة لها قائلا بعبث
((هذا فقط أمام الناس، لكن بالنسبة لي ستظلين العفريتة نورين وسمكتي الكبيرة أم سمكتي الصغيرة ملك))
صدح منها ضحكة صاخبة على كلامه، إذ أنه ومنذ قدومهم هنا قام بتسجيلها في نادي سباحة حتى تمارس هوايتها المحببة في السباحة وليس أي نادي بل واحد كبير، من أرقى ما يكون، ماءه نظيف ومعقّم بالكلور، وتراقبه امرأة مهمتها الحفاظ على سلامة من في المسبح، وعلى الزاوية توجد آلة للعصير والبسكوت والأطعمة المغلّفة..
لكن لمعت عيناها ببريق ملفت لتقول بصوتٍ محمل بذكريات الحنين للماضي التي تجتاح قلبها بين الفينة والأخرى
((صحيح أني سجلت بواحد من أكبر نوادي السباحة منذ قدومنا إلى هنا، وتجربة السباحة فيه لا تُنسى، ومن شأن مشاعر السعادة التي تغمرني فيه أن تكون أجمل ذكريات سباحة في حياتي، إلا أنها لن تكون بقدر المشاعر التي غمرتني عندما زرنا أنا وأنت مزرعة البركة لأول مرة))
حتى أنها تذكر في ذلك المشهد كيف بقيت تحدق بمصعب طويلا وتتساءل كيف يمكن أن تكون شخصيته بكل هذا التناقض..
كيف يمكن لرجل أن يكون بارد المشاعر وينبعث منه الدفء.. حازم في تصرفاته ويعاملها بحنان.. يظهر الجفاء ويتفاعل باهتمام.. غاضب وهادئ.. ساكن وثائر.. والثابت فيه شهامته، نبله، ودماثة خلقه!
فلم تستطع رغم تخوفها وعدم تأقلمها في المكان ألّا تتصرف بطيبة صادقة وعفوية معه..
أما هو فامتلأ قلبه بالحنين لهذه الذكرى، وامتلأت نظراته بالشجن يواجه وجهها متسائلا بصوتٍ مبحوح
((هل تشتاقين للقرية؟))
أرخت أجفانها وهي تجيب بصوتٍ أجش
((نعم أشتاق لقريتينا جدًّا))
لا تنكر نورين أنهم يعيشون هنا في أجمل المدن المتطوّرة ذات الشوارع النظيفة.. والبنايات اللّامعة.. والمراكز التجارية العملاقة.. والمطاعم المتنوعة.. ومع بشر من مختلف الأعراق والثقافات.. لكن في نهاية اليوم تدرك أنها مهما أحبت هذه الأماكن وانبهرت بها فلا أجمل من تلك الأيام التي قضتها في قريتها وقرية مصعب بعد زواجها منه..
ففي قرى بلادها ذات شارع واحد غير معبّد، لا تمر به سوى القليل من السيارات، ومعظمها قديمة وتكتسي بالتراب.. مثل البيوت وأشجار النخيل والمارّين.. لا يوجد فيها عمّال نظافة.. ولا مكائن صرافة إلا قليلًا.. لكن الأيام التي قضتها فيها أيّام جميلة تركت أثرها الأجمل في روحها وترسخت من الدَّاخل بالحب والنقاء والضحك اللاَّمحدود.. فكانت تصحو في الصباح الباكر على رائحة الخبز الصاعدة من التنانير الموقودة بالحطب وسعف النخيل.. وتذوّق حليب الأغنام مع صوت العصافير العذب في الأجواء..
ما أجمل قريتها وطبيعتها! وما أشد صلتها بقلبها!
ظلوا جالسين على الشاطئ لوقت متأخر يتجاذبون الكلام والذكريات البعيدة وهم يأكلون وجبات خفيفة كالبيتزا بالجبن وفطائر اللحم الشهية مع العصائر الطازجة أمام رؤية مشهد بديع لمجموعة نجوم درب التبانة وقد وعدهنَّ مصعب بأخذهم في الغد إلى القارب الزجاجي، ليتمكنوا من رؤية الأسماك الملونة المختلفة الرائعة وأنواع كثيرة من الحيوانات المائية والتصوير معها..
وعندما بدأ الجو يزداد برودة هتف صوت مصعب في ابنته
((هيا أيتها السمكة الصغيرة اخرجي صنارتك ولنعد لبيت الشاطئ))
أومأت ملك تتثاءب وقد بدأ يداعبها النعاس له بطاعة وقبل أن تقف شعرت بسحب على عمودها فتراجعت للخلف وعلقت السمكة في المسند.. فبدأت تحاول جذبها من الماء فأدركت أنها سمكة كبيرة وهي تصرخ بحماس ليساعدها في إخراجها مصعب..
التقطت نورين لهما صورة وهم يمسكون بالسمكة قبل أن يرمياها في الماء، ويعودوا إلى منزل الشاطئ حيث داخله يغمر كل واحد منهم نفسه في حوض الاستحمام الساخن..
******


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-22, 07:02 PM   #6226

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

*******




كانت ياسمين ترتب الملابس في رفوف الخزانة عندما شعرت فجأة بيد تمسك بذراعها وبلمح البصر تستدير بكلها بقوة طفيفة، ليحضنها في صدره.. لم يمهلها أن تستوعب حضوره.. لكنها تعلم أنه هو.. من رائحة عطره.. من لمساته..
بتلقائية تامة كانت تلف ذراعيها حوله تحتضنه كما يحتضنها بحب وكأنها لم تره عند مغادرته للعمل صباحا..
تبسّم بهيام وهو يغمر أصابعه في ملمسه مخمنًا أي نوع بلسم شعر استخدمت ليفوح عطره من شعرها الكثيف المُسرح ناعمًا والذي استطال حتى منتصف ظهرها هكذا! فهي غدت تولي شعرها اهتماماَ خاصاَ..
رفعت ياسمين وجهها له وعيناها تشتاقان متعة النظر لحبيبها خفيف الروح والذي صارت لها معه حياة جميلة، ومشاعر منعشة حدّ الإدمان.. فمعه فقط أصبحت تشعر أنها تحيا بعد أن كانت مهمشة، سعيدة بعد أن كانت تعيسة..
بعدها بدأت تساعده في نزع قميصه كما تفعل دوما، فقال لها بشقاوة
((سأذهب للاستحمام وأريد أن أخرج على رائحة الغداء الشهية))
ابتسمت له بحنو وهي تعلمه
((إنه جاهز فاستعجل فقط لنأكله بصحبة العائلة))
..
وبعد الانتهاء من تناول الغداء بمعيّة العائلة.. دخلت ياسمين لجناحها لتجد مازن كالعادة أمام البلايستيشن ينافس هدى التي كبرت وأضحت أكثر نضجًا، تهذيبًا.. كانت نحيلة الجسد بشعر داكن وقصة صبيانية، وطول قامة كأكثر سمة واضحة ورثتها من والدها..
فابتسمت بحنو لمرأى الحماس بينهما وهَنا الصغيرة تجلس في حجر والدها وتهتف عاليا مشجعة إيًّاه..
انتبه مازن لوجودها فحانت نظرة منه اتجاهها واقفة عند الباب ليسارع القول بنبرة دفاعية ونظره مركز على شاشة اللعب أمامه
((لم أجلس سوى ربع ساعة على البلايستيشن))
اتسعت عيناها له لتغلق الباب خلفها ثم تتقدم نحوهم لتقول بنبرة مرحة
((وهل قلت كلمة اعتراض! يمكنك اللعب بقدر ما تشاء يا حبيبي))
تنحى تركيز مازن عن اللعبة قليلا ليناظر ياسمين قائلا بنبرة ذات مغزى
((شكرا لك يا ياسو لأنك أحببتني رغم عيوبك))
ضيّقت عيناها تصحح له بنفس المرح
((تقصد عيوبك أنت؟))
انزلقت شفتاه عن ابتسامة جانبية وهو يرد بثبات
((لا، لا، قصدت فعلا عيوبك أنتِ))
تجهمت ملامحها فجأة له وأخرجت لسانها فردها لها قبل أن يعيد تركيزه للشاشة ويجد هدى على وشك أن تربح.. وفعلا هزمته هزيمة ساحقة ثم قفزت مكانها هاتفة بانتشاء الانتصار..
ضحك عليها قبل أن يرى ابنته هنا تصفق فرحا لفوز أختها الكبيرة فيدعي العبوس وخيبة الأمل من موالاة صغيرته لفوز أختها، ليندفع عليها بدغدغة مشاكسًا إيّاها وهي تنفجر ضحكا لا تقاومه..
في مشهد كهذا تتغير ملامح ياسمين من الواجمة إلى أخرى تعتريها الحنيًّة والسعادة..
هي وبعد تحمل مازن المسؤولية لم تعد أبدًا تكره جلوسه أمام البلايستيشن أو تتذمر.. فقد تعافى من إدمانه الرهيب منها وبدلا من أن يبقى لساعات طوال أمامها صار لا يتجاوز لعبه ساعة أو ساعتين.. فلم قد تكره أن يمارس زوجها مع ابنتيهما أكثر شيء يحبونه طالما أن لعبه يصفي ذهنه وأفكاره ويبعده عن إرهاق العمل في الشركة أو عمله في المزرعة في أيام العطل؟
على العكس هي تحاول أن توفر له كل ما فيه راحة له أثناء لعبه فتجلس بجانبه وتطعمه بيدها وتتشارك معه أحاديث كثيرة.. وقد يكونأحيانا صمتًا ناطقًا خاصا بلغة العيون بدل الشفاه في وجود ابنتيهما..
فتحت ياسمين خزانتها وأخرجت ملابسًا تخص الخروج وبدأت تسرح شعرها فالتفتت هَنا لوالدها معقبة ببراءة الأطفال وهي تراه سارح في جمال أمها المبهر وشعرها المسترسل الطويل
((بابا.. ماما شعرها طويل.. أنا وهدى قصير..))
كان مازن دائما ما يحث ابنتيه على قص شعرهما لأنه يميل للتجعد ويتعبه عندما تطلب أحداهما منه أن يقوم بتضفيره، على عكس ياسمين التي حقا لا يتخيل أن تقرب المقص من شعرها وتجعله يعيش أسوء كوابيسه!
فاتسعت عيناه بغضب ظاهري أمام هَنا لتذكره أمر قصّ شعر أمها، بغتة اندفع يضمها ويدغدغها بقوة مرة أخرى فتكاد تبكي من فرط الضحك ولا تستطيع هدى المستمتعة معهما تخليصها من والدها..
ابتعد مازن عن هَنا ما بدأت فعلا تلهث من الضحك جراء دغدغته وقال مدعيا الحزم
((لا يهم أن يكون شعرك أو شعر أختك قصير.. أما أمكما فلا يمكن أن أراها بدون شعر طويل))
هزّت ياسمين شعرها بيأس منه قبل أن تعقصه وتقوم بارتداء حجابها وهي تُعلم مازن
((سأخرج الآن يا قمر الدين، هل تحتاج إلى شيء؟))
بدا مازن حائرا وقد نسي السبب الذي ستخرج له ياسمين كما أخبرته في الأمس فتساءل
((إلى أين؟ لتوصيل طلبات الملابس للمرأة التي تعملين معها؟))
ذكرته بهدوء يشوبه الفرح بين طياته
((سأذهب الى صديقتي))
رفع مازن حاجبيه متذكرا، وقد كان حقا سعيدًا لأن ياسمين استطاعت التواصل مع صديقتها المقربة بعد سنوات من الجفاء والفراق، فابتسم لها فهي أضحت امرأة مختلفة محبوبة واجتماعية ثم قال لها وهو يعتدل واقفا
((سأوصلك بنفسي))
ناظرته بحب وقالت بدلال
((لا تتعب نفسك..))
اقترب منها يحتضن وجهها النحيف الجميل بيديه هامسا بنبرة مميزة
((تعبك راحة حبيبتي))
بعباءتها السوداء والوشاح يغطي شعرها خرجت ياسمين في الباحة الداخلية للدار واستقلت المقعد الأول للسيارة التي يجلس فيها مازن.. سيارته الخاصة التي اشتراها بمدخرات مرتبه..
ثم انطلقت السيارة بهم جميعا ليوصل ياسمين لصديقتها في حين أخذا معهما هدى وهنا ليزروا خالهما المحبوب مجيد..
كانت ياسمين حقا سعيدة في هذه اللحظة لأنها استطاعت أن تعيد أواصر السعادة مع صديقتها القديمة.. فصارت تتحمس بين الحين والآخر الالتقاء بها وزيارتها، وقد اكتشفت بعد وقت من العتاب والأحداث التي مرت عليها بأنها ما زالت على حالها، بسيطة، طموحة، كثيرة المزاح والضحك.. فتواعدت مع صديقتها أن لا تفترقا أبدا، وأن تجددا صداقتهما من جديد وأن يعتبرا البعد الذي حدث لهما في الماضي سوء فهم وانتهى..
====================
ركنت شيرين سيارتها أمام المكان المنشود.. ترجّلت من السّيارة ورفعت رأسها تستدل بإشارات الطريق المؤدي إلى سجن إصلاحية النساء..
فقبل أسبوعين، بُلّغت بالموافقة وتحديد موعد لها لتقديم دورة تدريبية لنزيلات إصلاحية النساء بمحافظة أخرى، يحوي عدة ورشات تكوينية على مدى أسابيع..
جاءت لها فكرة تقديم برنامج تدريبي للنزيلات عندما تفاجأت الشَّهر المنصرم بمُعاذ يأخذها رفقة ابنيهما الى مهرجان خاص بالثقافة والفنون.. في البداية اندهشت من دعوته تلك لهم فهكذا أماكن لا تستهويه أبدًا لكن عرفت أن سر اصطحابه لهم هناك حتى يأخذهم إلى البازار الخاص بالمهرجان..
وبعد تجولهم داخل البازار الفريد من نوعه عرفت أنه متخصص بعرض منتجات يدوية لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل.. حيث خصصت إدارة المهرجان جناحًا لعرض مُنتجاتهم، إسهامًا منها في تقديم الدًّعم ماديًّا والأكثر معنويًا لهذه الفئة..
فظًّلت آنذاك شيرين مع دارين تتجولان بانبهار بالمعرض بين المطرزات والأثواب، والخزفيات والفخاريات، والأثاث الخشبي والمعدني..
وقد سعدت بالفكرة خاصة عندما أخبرها مُعاذ بأنه علِم أنّ إدارة سجن النساء ذاك الذي أمضت فيه فترة سجنها، تعمل إدارته حاليًا على إطلاق متجر إلكتروني يعتبر الأول من نوعه لعرض منتجات النزيلات وتسويقها، وهو في مراحله النهائية لحين الاتفاق مع شركات الدفع الإلكتروني والتوصيل.. لتأمين عودة النزيل لحياته الطبيعية كعنصر فعال قادر على الإنتاجية، ودمجه بسهولة داخل المجتمع..
ومن هنا جاءت فكرة حثّ مُعاذ لها في التطوع بتقديم دورات تدريبية في سجن النساء هذا ولو أنه مختلف عن الذي قضت فيه أشهرًا صعبة عندما كانت نزيلة.. فإدارة الإصلاحية يقومون باستدعاء من يمكنهم الارتقاء بمستوى النزيلات بالدورات وورشات العمل وهي من دون منازع ستكون مناسبة لهذه المهمة.. فإذا ذهبت هناك وقدمت ما لديها على أحسن وجه وقتها فقط تستطيع أن تقول بأنها تجاوزت تجربة السجن تلك فيما مضى..
عادت شيرين للواقع وهي تأخذ نفسًا عميقًا ثم أغلقت باب السيارة وأكملت خطاها في طريقها المؤدي للسجن..
عند أول حاجز أمن كان الاستقبال لشيرين رائعا بعد اطلاع حارس الأمن على هويتها مرفقة باستدعائها، فاستبشرت وبدأت أعصابها تسترخي وتوترها يقل، رغم شعور الامتعاض داخلها بعتاب لمُعاذ لأنه رفض الحضور معها تاركًا إيّاها تجابه التجربة لوحدها تخوضها لأول مرة كمتطوعة في السجن لا نزيلة!
دخلت شيرين إلى مبنى الإدارة في الداخل، وعندما أخبرت حارسة الأمن في الداخل أنه لديها حافظات المواد العلمية التي تخص الدورة، سارعت بإحضار إحدى العاملات التي ساعدتها في حملها.. تمت إجراءات الدخول الأمنية بكل سلاسة وعملية فضلًا عن عبارات الدعم والتشجيع من طرف موظفات السجن اللاّتي التقت بِهنَّ، وهذا المتعارف منهن لأي أحد يتعاملن معه من خارج السجن..
بدأت شيرين تطالع اللوحات والمجسمات على الجدران داخل مبنى التدريب من أعمال السجينات، فلا تستطيع وصف جمالها من تناسق في الألوان ومناظر تسر النفس بمجرد المرور عليها إلى أن قطعت جولة النظر عندما جاء وقت اللقاء، ودخلت النزيلات واحدة تِلْوَ الأخرى..
بدأت دقات قلب شيرين تتزايد بقلق من ألا تتمكن أن تقدم الأفضل لهن، خاصة ووجوه النزيلات تحمل علامات استفهام، وفي انتظار ما ستقدمه..
بدأ تمرين التعارف الذي من المفترض أن يكسر الجليد، ويضيف شيئًا من الألفة بين المشاركات وبينها.. ثم اتجهت شيرين لاستخدام مخزونها من الخبرات والمهارات، واستخرجت أفضل ما لديها للتعامل مع الموقف، وحولت بطريقة ما المفردات اللغوية لتناسب مستواهن الثقافي، وقلبت التدريبات الكتابية إلى شفهية بطريقة تشّدهن وتدفعهن إلى المشاركة، وجرت الدورة بكل سلاسة بعدها، إلى أن وصلت إلى النتيجة المرضية المطبوعة على وجوه النزيلات تخبرها أن رسالتها قد وصلت!
وفي نهاية الدورة، حصدت شيرين من النزيلات كلمات عرفان وامتنان قيمة، جعلتها تشعر بالفخر والإيجابية بما قدمته..
خرجت شيرين بعد إغلاق الباب فوقفت تتنفس بعمق هائل وشعور لا يوصف تملكها بخوض هذه التجربة الفريدة.. لحظتها لقد شعرت حقا بعد خروجها من السجن بأنها لم تعد تتحسس من تجربة دخولها السجن السابقة الأليمة!
تألقت ابتسامة على ثغرها وسارت إلى حيثما تركن سيارتها وما إن اقتربت حتى تفاجأت بمُعاذ يقف بمحاذاة السيارة بعد وصوله بسيارة أجرة إلى هنا ينتظر خروجها ليعودا معا للمنزل..
بدأت تتسع ابتسامتها ويتهلل وجهها بحماس لرؤيته..
ترك معاذ لعينيّه حرية النظر بشغف وحب عليها حتى هرولت هي باتجاهه لترتمي عليه بقوة جعلته يرتد للخلف وهو يضحك بعذوبة.. قبل أن يضمها بحنو إليه ثم يربت على ظهرها بوداعة..
قبلت كتفيه بسعادة ثم نظرت إليه بحب متدفق وابتسامتها ثابتة لا تتزحزح لتقول
((كيف فعلتها وجئت هنا!؟))
ظل مبتسما وذراعيه تحوطانها برقة ثم قال وهو يوجهها الى السيارة
((قلت في نفسي عليّ أن أقود عنك لأنك ستكونين متعبة بعد الانتهاء))
اتخذ معاذ مكانه خلف المقود بينما جلست شيرين الى جواره ترفع حاجبيها بتلاعب وهي ترد عليه بابتسامتها الواسعة
((فقط جئت لتقود عني سيارتي للبيت؟))
شغل محرك سيارته وطالعها بعبث
((وربما من أجل قضاء بعض الوقت الخاص بنا في أحد الأماكن المميزة قبل أن نعود للبيت، متأكد أنك قمت قبل قليل بعمل جيد تستحقين عليه مكافأة))
ضحكت على كلامه والفرح يشع من عينيها.. وكانت تستطيع أن ترى بعينيه المحدقتين بها شعوره بالفخر لما فعلته، والاعتزاز بها فنجاحها نجاح له بالنسبة إليه.. لطالما دعمها على تحقيق أهدافها الشخصية والمهنية، كما منحها حريّة التصرف، والوثوق بقراراتها والاعتماد عليها، ووجهها بعبارات ترفع من عزيمتها وتحثّها على التقدم أكثر..
*******



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 31-01-22 الساعة 10:10 PM
Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-22, 07:04 PM   #6227

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

*******




كانت ياسمين ترتب الملابس في رفوف الخزانة عندما شعرت فجأة بيد تمسك بذراعها وبلمح البصر تستدير بكلها بقوة طفيفة، ليحضنها في صدره.. لم يمهلها أن تستوعب حضوره.. لكنها تعلم أنه هو.. من رائحة عطره.. من لمساته..
بتلقائية تامة كانت تلف ذراعيها حوله تحتضنه كما يحتضنها بحب وكأنها لم تره عند مغادرته للعمل صباحا..
تبسّم بهيام وهو يغمر أصابعه في ملمسه مخمنًا أي نوع بلسم شعر استخدمت ليفوح عطره من شعرها الكثيف المُسرح ناعمًا والذي استطال حتى منتصف ظهرها هكذا! فهي غدت تولي شعرها اهتماماَ خاصاَ..
رفعت ياسمين وجهها له وعيناها تشتاقان متعة النظر لحبيبها خفيف الروح والذي صارت لها معه حياة جميلة، ومشاعر منعشة حدّ الإدمان.. فمعه فقط أصبحت تشعر أنها تحيا بعد أن كانت مهمشة، سعيدة بعد أن كانت تعيسة..
بعدها بدأت تساعده في نزع قميصه كما تفعل دوما، فقال لها بشقاوة
((سأذهب للاستحمام وأريد أن أخرج على رائحة الغداء الشهية))
ابتسمت له بحنو وهي تعلمه
((إنه جاهز فاستعجل فقط لنأكله بصحبة العائلة))
..
وبعد الانتهاء من تناول الغداء بمعيّة العائلة.. دخلت ياسمين لجناحها لتجد مازن كالعادة أمام البلايستيشن ينافس هدى التي كبرت وأضحت أكثر نضجًا، تهذيبًا.. كانت نحيلة الجسد بشعر داكن وقصة صبيانية، وطول قامة كأكثر سمة واضحة ورثتها من والدها..
فابتسمت بحنو لمرأى الحماس بينهما وهَنا الصغيرة تجلس في حجر والدها وتهتف عاليا مشجعة إيًّاه..
انتبه مازن لوجودها فحانت نظرة منه اتجاهها واقفة عند الباب ليسارع القول بنبرة دفاعية ونظره مركز على شاشة اللعب أمامه
((لم أجلس سوى ربع ساعة على البلايستيشن))
اتسعت عيناها له لتغلق الباب خلفها ثم تتقدم نحوهم لتقول بنبرة مرحة
((وهل قلت كلمة اعتراض! يمكنك اللعب بقدر ما تشاء يا حبيبي))
تنحى تركيز مازن عن اللعبة قليلا ليناظر ياسمين قائلا بنبرة ذات مغزى
((شكرا لك يا ياسو لأنك أحببتني رغم عيوبك))
ضيّقت عيناها تصحح له بنفس المرح
((تقصد عيوبك أنت؟))
انزلقت شفتاه عن ابتسامة جانبية وهو يرد بثبات
((لا، لا، قصدت فعلا عيوبك أنتِ))
تجهمت ملامحها فجأة له وأخرجت لسانها فردها لها قبل أن يعيد تركيزه للشاشة ويجد هدى على وشك أن تربح.. وفعلا هزمته هزيمة ساحقة ثم قفزت مكانها هاتفة بانتشاء الانتصار..
ضحك عليها قبل أن يرى ابنته هنا تصفق فرحا لفوز أختها الكبيرة فيدعي العبوس وخيبة الأمل من موالاة صغيرته لفوز أختها، ليندفع عليها بدغدغة مشاكسًا إيّاها وهي تنفجر ضحكا لا تقاومه..
في مشهد كهذا تتغير ملامح ياسمين من الواجمة إلى أخرى تعتريها الحنيًّة والسعادة..
هي وبعد تحمل مازن المسؤولية لم تعد أبدًا تكره جلوسه أمام البلايستيشن أو تتذمر.. فقد تعافى من إدمانه الرهيب منها وبدلا من أن يبقى لساعات طوال أمامها صار لا يتجاوز لعبه ساعة أو ساعتين.. فلم قد تكره أن يمارس زوجها مع ابنتيهما أكثر شيء يحبونه طالما أن لعبه يصفي ذهنه وأفكاره ويبعده عن إرهاق العمل في الشركة أو عمله في المزرعة في أيام العطل؟
على العكس هي تحاول أن توفر له كل ما فيه راحة له أثناء لعبه فتجلس بجانبه وتطعمه بيدها وتتشارك معه أحاديث كثيرة.. وقد يكونأحيانا صمتًا ناطقًا خاصا بلغة العيون بدل الشفاه في وجود ابنتيهما..
فتحت ياسمين خزانتها وأخرجت ملابسًا تخص الخروج وبدأت تسرح شعرها فالتفتت هَنا لوالدها معقبة ببراءة الأطفال وهي تراه سارح في جمال أمها المبهر وشعرها المسترسل الطويل
((بابا.. ماما شعرها طويل.. أنا وهدى قصير..))
كان مازن دائما ما يحث ابنتيه على قص شعرهما لأنه يميل للتجعد ويتعبه عندما تطلب أحداهما منه أن يقوم بتضفيره، على عكس ياسمين التي حقا لا يتخيل أن تقرب المقص من شعرها وتجعله يعيش أسوء كوابيسه!
فاتسعت عيناه بغضب ظاهري أمام هَنا لتذكره أمر قصّ شعر أمها، بغتة اندفع يضمها ويدغدغها بقوة مرة أخرى فتكاد تبكي من فرط الضحك ولا تستطيع هدى المستمتعة معهما تخليصها من والدها..
ابتعد مازن عن هَنا ما بدأت فعلا تلهث من الضحك جراء دغدغته وقال مدعيا الحزم
((لا يهم أن يكون شعرك أو شعر أختك قصير.. أما أمكما فلا يمكن أن أراها بدون شعر طويل))
هزّت ياسمين شعرها بيأس منه قبل أن تعقصه وتقوم بارتداء حجابها وهي تُعلم مازن
((سأخرج الآن يا قمر الدين، هل تحتاج إلى شيء؟))
بدا مازن حائرا وقد نسي السبب الذي ستخرج له ياسمين كما أخبرته في الأمس فتساءل
((إلى أين؟ لتوصيل طلبات الملابس للمرأة التي تعملين معها؟))
ذكرته بهدوء يشوبه الفرح بين طياته
((سأذهب الى صديقتي))
رفع مازن حاجبيه متذكرا، وقد كان حقا سعيدًا لأن ياسمين استطاعت التواصل مع صديقتها المقربة بعد سنوات من الجفاء والفراق، فابتسم لها فهي أضحت امرأة مختلفة محبوبة واجتماعية ثم قال لها وهو يعتدل واقفا
((سأوصلك بنفسي))
ناظرته بحب وقالت بدلال
((لا تتعب نفسك..))
اقترب منها يحتضن وجهها النحيف الجميل بيديه هامسا بنبرة مميزة
((تعبك راحة حبيبتي))
بعباءتها السوداء والوشاح يغطي شعرها خرجت ياسمين في الباحة الداخلية للدار واستقلت المقعد الأول للسيارة التي يجلس فيها مازن.. سيارته الخاصة التي اشتراها بمدخرات مرتبه..
ثم انطلقت السيارة بهم جميعا ليوصل ياسمين لصديقتها في حين أخذا معهما هدى وهنا ليزروا خالهما المحبوب مجيد..
كانت ياسمين حقا سعيدة في هذه اللحظة لأنها استطاعت أن تعيد أواصر السعادة مع صديقتها القديمة.. فصارت تتحمس بين الحين والآخر الالتقاء بها وزيارتها، وقد اكتشفت بعد وقت من العتاب والأحداث التي مرت عليها بأنها ما زالت على حالها، بسيطة، طموحة، كثيرة المزاح والضحك.. فتواعدت مع صديقتها أن لا تفترقا أبدا، وأن تجددا صداقتهما من جديد وأن يعتبرا البعد الذي حدث لهما في الماضي سوء فهم وانتهى..


******






ركنت شيرين سيارتها أمام المكان المنشود.. ترجّلت من السّيارة ورفعت رأسها تستدل بإشارات الطريق المؤدي إلى سجن إصلاحية النساء..
فقبل أسبوعين، بُلّغت بالموافقة وتحديد موعد لها لتقديم دورة تدريبية لنزيلات إصلاحية النساء بمحافظة أخرى، يحوي عدة ورشات تكوينية على مدى أسابيع..
جاءت لها فكرة تقديم برنامج تدريبي للنزيلات عندما تفاجأت الشَّهر المنصرم بمُعاذ يأخذها رفقة ابنيهما الى مهرجان خاص بالثقافة والفنون.. في البداية اندهشت من دعوته تلك لهم فهكذا أماكن لا تستهويه أبدًا لكن عرفت أن سر اصطحابه لهم هناك حتى يأخذهم إلى البازار الخاص بالمهرجان..
وبعد تجولهم داخل البازار الفريد من نوعه عرفت أنه متخصص بعرض منتجات يدوية لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل.. حيث خصصت إدارة المهرجان جناحًا لعرض مُنتجاتهم، إسهامًا منها في تقديم الدًّعم ماديًّا والأكثر معنويًا لهذه الفئة..
فظًّلت آنذاك شيرين مع دارين تتجولان بانبهار بالمعرض بين المطرزات والأثواب، والخزفيات والفخاريات، والأثاث الخشبي والمعدني..
وقد سعدت بالفكرة خاصة عندما أخبرها مُعاذ بأنه علِم أنّ إدارة سجن النساء ذاك الذي أمضت فيه فترة سجنها، تعمل إدارته حاليًا على إطلاق متجر إلكتروني يعتبر الأول من نوعه لعرض منتجات النزيلات وتسويقها، وهو في مراحله النهائية لحين الاتفاق مع شركات الدفع الإلكتروني والتوصيل.. لتأمين عودة النزيل لحياته الطبيعية كعنصر فعال قادر على الإنتاجية، ودمجه بسهولة داخل المجتمع..
ومن هنا جاءت فكرة حثّ مُعاذ لها في التطوع بتقديم دورات تدريبية في سجن النساء هذا ولو أنه مختلف عن الذي قضت فيه أشهرًا صعبة عندما كانت نزيلة.. فإدارة الإصلاحية يقومون باستدعاء من يمكنهم الارتقاء بمستوى النزيلات بالدورات وورشات العمل وهي من دون منازع ستكون مناسبة لهذه المهمة.. فإذا ذهبت هناك وقدمت ما لديها على أحسن وجه وقتها فقط تستطيع أن تقول بأنها تجاوزت تجربة السجن تلك فيما مضى..
عادت شيرين للواقع وهي تأخذ نفسًا عميقًا ثم أغلقت باب السيارة وأكملت خطاها في طريقها المؤدي للسجن..
عند أول حاجز أمن كان الاستقبال لشيرين رائعا بعد اطلاع حارس الأمن على هويتها مرفقة باستدعائها، فاستبشرت وبدأت أعصابها تسترخي وتوترها يقل، رغم شعور الامتعاض داخلها بعتاب لمُعاذ لأنه رفض الحضور معها تاركًا إيّاها تجابه التجربة لوحدها تخوضها لأول مرة كمتطوعة في السجن لا نزيلة!
دخلت شيرين إلى مبنى الإدارة في الداخل، وعندما أخبرت حارسة الأمن في الداخل أنه لديها حافظات المواد العلمية التي تخص الدورة، سارعت بإحضار إحدى العاملات التي ساعدتها في حملها.. تمت إجراءات الدخول الأمنية بكل سلاسة وعملية فضلًا عن عبارات الدعم والتشجيع من طرف موظفات السجن اللاّتي التقت بِهنَّ، وهذا المتعارف منهن لأي أحد يتعاملن معه من خارج السجن..
بدأت شيرين تطالع اللوحات والمجسمات على الجدران داخل مبنى التدريب من أعمال السجينات، فلا تستطيع وصف جمالها من تناسق في الألوان ومناظر تسر النفس بمجرد المرور عليها إلى أن قطعت جولة النظر عندما جاء وقت اللقاء، ودخلت النزيلات واحدة تِلْوَ الأخرى..
بدأت دقات قلب شيرين تتزايد بقلق من ألا تتمكن أن تقدم الأفضل لهن، خاصة ووجوه النزيلات تحمل علامات استفهام، وفي انتظار ما ستقدمه..
بدأ تمرين التعارف الذي من المفترض أن يكسر الجليد، ويضيف شيئًا من الألفة بين المشاركات وبينها.. ثم اتجهت شيرين لاستخدام مخزونها من الخبرات والمهارات، واستخرجت أفضل ما لديها للتعامل مع الموقف، وحولت بطريقة ما المفردات اللغوية لتناسب مستواهن الثقافي، وقلبت التدريبات الكتابية إلى شفهية بطريقة تشّدهن وتدفعهن إلى المشاركة، وجرت الدورة بكل سلاسة بعدها، إلى أن وصلت إلى النتيجة المرضية المطبوعة على وجوه النزيلات تخبرها أن رسالتها قد وصلت!
وفي نهاية الدورة، حصدت شيرين من النزيلات كلمات عرفان وامتنان قيمة، جعلتها تشعر بالفخر والإيجابية بما قدمته..
خرجت شيرين بعد إغلاق الباب فوقفت تتنفس بعمق هائل وشعور لا يوصف تملكها بخوض هذه التجربة الفريدة.. لحظتها لقد شعرت حقا بعد خروجها من السجن بأنها لم تعد تتحسس من تجربة دخولها السجن السابقة الأليمة!
تألقت ابتسامة على ثغرها وسارت إلى حيثما تركن سيارتها وما إن اقتربت حتى تفاجأت بمُعاذ يقف بمحاذاة السيارة بعد وصوله بسيارة أجرة إلى هنا ينتظر خروجها ليعودا معا للمنزل..
بدأت تتسع ابتسامتها ويتهلل وجهها بحماس لرؤيته..
ترك معاذ لعينيّه حرية النظر بشغف وحب عليها حتى هرولت هي باتجاهه لترتمي عليه بقوة جعلته يرتد للخلف وهو يضحك بعذوبة.. قبل أن يضمها بحنو إليه ثم يربت على ظهرها بوداعة..
قبلت كتفيه بسعادة ثم نظرت إليه بحب متدفق وابتسامتها ثابتة لا تتزحزح لتقول
((كيف فعلتها وجئت هنا!؟))
ظل مبتسما وذراعيه تحوطانها برقة ثم قال وهو يوجهها الى السيارة
((قلت في نفسي عليّ أن أقود عنك لأنك ستكونين متعبة بعد الانتهاء))
اتخذ معاذ مكانه خلف المقود بينما جلست شيرين الى جواره ترفع حاجبيها بتلاعب وهي ترد عليه بابتسامتها الواسعة
((فقط جئت لتقود عني سيارتي للبيت؟))
شغل محرك سيارته وطالعها بعبث
((وربما من أجل قضاء بعض الوقت الخاص بنا في أحد الأماكن المميزة قبل أن نعود للبيت، متأكد أنك قمت قبل قليل بعمل جيد تستحقين عليه مكافأة))
ضحكت على كلامه والفرح يشع من عينيها.. وكانت تستطيع أن ترى بعينيه المحدقتين بها شعوره بالفخر لما فعلته، والاعتزاز بها فنجاحها نجاح له بالنسبة إليه.. لطالما دعمها على تحقيق أهدافها الشخصية والمهنية، كما منحها حريّة التصرف، والوثوق بقراراتها والاعتماد عليها، ووجهها بعبارات ترفع من عزيمتها وتحثّها على التقدم أكثر..
*******


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-22, 07:05 PM   #6228

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

مكان عمل مؤيد..
استعاذ مؤيد بالله من الشيطان الرجيم يزفر حانقًا كي لا يفقد ما تبقى من صبره ويحافظ على لباقته مع هذه العميلة النزقة الجالسة أمامه والتي لم تتوقف عن الحديث والتساؤل بتكرار عن أمور تافهة أو طلبات غير ممكنة وكأنها تحاول خلق حديث معه من العدم.. مسح يديه بوجهه بتململ يحاول إخفاء ضيقه وامتعاضه ثم حافظ على ابتسامته الباردة ولهجته الجافة وهو يقول
((أنا أتفهم حاجتك للاستعجال بالطلبية، ولكن بيننا موعد محدد ثابت في الأسبوع القادم، ولن أستطيع تقديم موعده أبدًا))
كانت عينا العميلة الشابة لا تفارقان النظر في مؤيد وهي تلوك العلكة بتغنج بغير تركيز مأخوذة بلهجته الريفية! لكنها تداركت نفسها وسارعت تقول بدلال رخيص وهي تتلاعب بخصلة من شعرها من تحت الوشاح الخفيف الذي تلفه حول رأسها
((وأنا أتفهم كلامك، ولكني مندوبة الشركة العميلة الدائمة لديكم، ألا يشفع لنا هذا أن تستعجلوا بالطلبية وتأتي في نهاية هذا الأسبوع))
تطلع مؤيد بنظره إلى ساعة يده للمرة المئة قبل أن يقول بكلمات رتيبة محفوظة وهو يجاهد التحكم في نفسه
((سأعمل على ذلك، لكن لن أعدكم))
مطت العميلة شفتيها بعبوس متدلل بحركة ذات مغزى وقالت بصوتٍ خالطه طرقعة العلكة بفمها
((يبدو أن سؤالي لك باستعجالي الطلبية قد أثار استياءك، ما كانت طلبية التي تفسد علاقة شركتنا بأفضل موزع لنا في المدينة!))
كان مُؤيد قد فاض كيله من تطويلها السيرة ودلالها ذاك الذي يثير في نفسه الغثيان.. خاصة وأن مزاجه معكر من عمل اليوم الطويل المتعب، ومع ذلك تحامل على نفسه ورد عليها ببرود ورسمية تحمل بعض الخشونة
((أي استياء هذا!؟ كل الود والاحترام لشركتكم))
بقيت تتجاهل ضجره منها وتدعي السّذاجة وهي تقول له بعبث شقي
((إذن هل يمكن أن أطلب فنجاة قهوة ريثما نناقش بعض الأمور بشأن الموعد القادم؟))
انفلت لجام صبر مؤيد هنا فها هي تعود لتتحدث عن نفس الشيء مرارا وتكرارا وكأنها لم تحصل منه على إجابة.. ورغما عنه خرجت نبرته المستنكرة
((ماذا بقي لنناقشه عن الموعد؟ لقد تحدثنا عن كل شيء عدة مرات))
تخضب وجه العميلة بالحرج من عدم لباقته معها وقالت بحنق عندما عاد يناظر ساعة يده
((هل حان موعد مغادرتك العمل؟ يبدو أنني أؤخرك))
وقبل أن يرد رأى زوجته رتيل تقف عند باب مكتبة تناظره بتحفظ فاستقام واقفا وتجاوز العميلة يخطو نحو الباب قائلًا
((رتيل كيف حضرت؟))
اتسعت عينا العميلة بذهول وهي تناظر تلك المرأة الحامل التي اقترب مؤيد منها! يمسك يدها بحميمية أظهرت لها بأنها تكون ذو قرابة من طريقة استقباله واقترابه الشديد منها.. وكلها دلائل تبين أنها ليست سوى زوجته!!
حاد مؤيد بنظراته عن زوجته إلى العميلة الشابة ليقول بهدوء وهو يخرج هاتفه من جيب بنطاله الخلفي
((إذن يا آنسة سأزودك برقم إحدى مساعديّ لتستفسري منه عن باقي أسئلتك بشأن الطلبية، فكما قلتِ قد حان موعد مغادرتي العمل))
أطبقت العميلة الشابة فكيها وهي ترد بحدة
((لا، لا داعي لقد عرفت ما أحتاجه عن الطلبية!))
ثم انتصبت واقفة من مكانها تسحب حقيبتها بغلظة تغادر المكتب بغضب واضح وخيبة أمل..
بقوة أمسكت رتيل يد مؤيد ترفعها نحو وجهه ولامست بسبابتها بنصره الأيسر هامسة من بين أسنانها
((لماذا لا ترتدي خاتم الزواج يا مؤيد!؟))
إذ لطالما حثته أن يرتدي محبس الزواج ليس لأن الخاتم ذلك الرمز المعنوي الجميل الذي يربط بين الزوجين ورمزًا يؤكد على الحب والارتباط فيما بينهما فقط بل لأنه يظهر لمحيطه بأنه أسير امرأة واحدة.. أسيرها!
فابتسم لها مؤيد ابتسامته الخلابة يناغشها
((أنا لم أرتدي في حياتي خاتم زواجنا إلا نادرًا فأنا إنسان عملي، حتى أني نسيت أين وضعته آخر مرة))
كان محقا بكلامه فهو لطالما اعتبر لا أهمية لوضع محبس الزواج فهي مجرد عادة اجتماعية خاصة بالنّساء لا معنى لها من وجهة نظره.. كما أن ارتداءه يشعره بعدم الارتياح لأنه غير معتاد على وضع شيء في أصابعه، ومتطلبات عمله تضطره في كثير من الأحيان إلى لبس قفازات بشكل دائم بحيث يصبح فيه الخاتم عائقًا..
بالنسبة لرتيل التي أصبحت أكثر عاطفية ومتقلبة المزاج في مرحلة الحمل، لم تتحمل سخريته فأفلتت يده بعنف تزجره وقد انفلتت أعصابها
((لن أسمح لك أن ترفض ارتداء المحبس بسبب أي حجج تافهة))
تنهدت لترفع كفها بعفوية الى بطنها تمسدها وقلبها يدق بقوة غضبًا من تلك الفتاة الشابة التي كانت تحاول مغازلته أو بالأحرى إغراء زوجها! واسترسلت بحنق متقد بالغضب
((سأشتري لك واحدا بنفسي وسترتديه رغما عنك!))
انفجر مؤيد ضاحكًا من غيرة زوجته المفضوحة عليه فقابلت وجهه غضبى لتهدر فيه آمرة
((توقف عن الضحك))
إلا أنه حرك كفه الأيمن ليلامس بطنها التي تزداد كبرا مع الوقت ويضيف بحرارة
((صدقيني ولا أي امرأة قادرة على إغرائي غيرك أنتِ))
ابتلعت رتيل ريقها واحمرت وجنتيها لأنه عرّى باطنها ومخاوفها وشعرت برغبة في لكم وجهه الوسيم المغتر بنفسه! فشمخت بذقنها هادرة وقد ارتدت رداء الكبرياء الذي يليق بها
((طبعا رميتك بسحري وسحري نافذ المفعول!))
ثم لم تستطع كتم غيرتها أكثر فاستدارت تنوي المغادرة مبتعدة عنه ولكنه مد يده ليمسك ذراعها يحاول سحبها نحوه.. إلا أنها كانت تقاومه بتمنع لتتملص من ذراعيه..
تمكن من تثبيت حركتها يحتوي بكفيه وجنتيها محدقا ثم ضحك رغما عنه عليها.. حاوطها من كتفيها مبتسما بتفاؤل يضمها قائلًا منتبها لحالهًا وهو يحثها على السير
((كيف لم أنتبه؟ هيا لن أدعك تبقين واقفة وأنتِ بهذه الحالة))
يلتفت نحوها يكمل
((مازلت لا تهونين عليًّ عزيزتي وسلامتك أهمَّ عندي))
أخذت نفسا عميقا تلتمع عيناها بالسعادة تحدق فيه
((لطف منك عزيزي..))
وقبل أن تكمل مازحها في طريقها نحو الخارج متسائلا باهتمام
((ها.. كيف كانت زيارتك لابنة خالتك؟ عن ماذا تحدثتما؟))
هنا هي من كانت قد جلجلت ضحكتها تحت نظراته الحانقة قبل أن يعاود الابتسام مجددا..
أمسكت رتيل ببطنها كأنها تخشى سقوط طفلها خلال ضحكها.. فمؤيد هو الأخر غيرته عليها مفضوحة! رغم أنه يقاوم نفسه بشق الأنفس لإعطائها حريتها إلا أنها تدرك أنه من داخله يغار عليها من أي وقت خاص بها تقضيه بعيدا عنه..
فردت عليه بدون إسهاب
((العديد من الأمور طبعا من بينها حول الأزواج..))
أومأ مؤيد يبدي اهتمامه بالإصغاء لها وهو يشيح بنظراته بعيدًا عن عينيها إلى حيث يركن سيارته والابتسامة تأبى مفارقة ثغره..
أما هي فكانت سعيدة حقًا للوقت الذي تقضيه بين الحين والآخر مع ابنة خالتها، فالأمر لا يقتصر معها على قضاء وقتا ترفيهيا معها وحسب، بل يمكنها أن تبوح لها عما يحدث معها أو يجول بخاطرها.. فالحقيقة ورغم أنها أضحت أكثر انفتاحًا مع مُؤيد وعلاقتهما شهدت تحسنا كبيرا، إلا أنها وحتى الآن لا تستطيع أن تبوح له بكل شيء.. فمثلًا في إحدى المرات أخبرته عن تعرضها للمعاكسة في الهاتف فانفجر صارخا بوجهها بعصبية واهتاج وأصرّ بعنجهية أن يلاحق الرقم ويلجأ للشرطة الإلكترونية لاتخاذ كافة الإجراءات القانونية دون هوادة أو تسامح بحق المعاكس الذي اتضح أنه مراهق عابث صغير السن..
فمؤيد لحد الآن يجد صعوبة في التحكم بعصبيته وثورانه عند الغضب! وليس بمقدوره أحيانًا أن يقيم الأمور بميزان العقل الراجح أو يتمتع بحكمة كافية حتى تستطيع هي أن تبوح وتفصح عما حدث معها دائمًا رغم شعورها بالامتنان بالتغير الحاصل في شخصيته.. على عكس ابنة خالتها التي تخبرها بكل شيء وتتناول التفاصيل معها بكل هدوء وروية..
.
.
بعد ساعتين..
داخل منزل مؤيد الذي اشتراه منذ معرفته بحمل رتيل وكان أوسع بكثير من تلك الشقة السابقة الضيقة التي كانوا يقطنون فيها.. دلف مؤيد متهدل الكتفين إلى غرفة نومه وكان على هيئة يرثى لها بوجه متعب وجبين متعرق.. جلس على طرف السرير وهو يلكز كتف رتيل المتمددة ليقول بإجهاد
((لقد أنهيت جز العشب، تشذيب الأشجار، كما أخذت السيارة إلى مركز الصيانة لاستبدال كشاف الإضاءة المكسور، وأعدت الولدين من النادي.. وكل هذا دون أن أتناول طعام الغداء، لذا أريد عشاء فخما مكافأة على مهامي الكثيرة!))
لكن رتيل وبسبب الحمل فقد صار صعبا عليها حتى الحركة أو الالتفاف بجسدها، فهي أغلب اليوم تعاني التعب هي الأخرى، فتحت عينيها بتكاسل تدفع عن نفسها النعاس دفعًا لتقول بصوتٍ خامل
((أي عشاء هذا!؟ ألا ترى وضعي! إنًّ الحمل ينهكني ونمت مباشرة بعد عودتنا من الخارج))
انقلبت ملامح مؤيد بحنق وشعور الإرهاق يستشري في كامل خلايا جسده كأنياب تنهشه فدمدم بصوتٍ يائسٍ
((إذن تريدين مني أن أموت جوعا!))
حاولت رتيل الطلب منه برقة وبعينين تجاهد في فتحهما
((الأولاد أكلوا في النادي لذا أطلب أي شيء من الخارج لنا، فنحن لم نأكل أي شيء جاهز منذ وقت))
تذمر لها مؤيد بامتعاض
((ولكن لا أحب أكل الخارج، أريد أن آكل طعاما من يديك))
عاتبته باقتضاب وهي تعتدل شبه جالسة وتتكئ على مسند السرير خلفها
((مؤيد أنا متعبة حقا، لماذا لا تشعر بي!؟))
ثم أغمضت عينيها تطلق تأوها مكتوما، عندما شعرت بركلة الجنين بداخلها مما جعلها تمسد بطنها بكفها برفق كي تهدئ من حركته ثم قالت بصوتٍ مبحوح
((هل تعرف أني أشعر بقليل من خيبة الأمل لأن الجنين في أحشائي ذكر! كنت أريد بنتًا أعاملها كصديقة لي!))
ضيق مؤيد الذي كان يحدق برتيل عينيه وعم الصمت بينهما لدقيقة وكأنه يدرس شيئا ما قبل أن يقول ببطء لها
((وأنا أيضًا كنت أريد بنتا لا صبيا ثالثا، وكنت أريدها نسخة من جمال وقوة أمها حتى أحبها وأدللها أكثر من أخويها))
أبعدت رتيل رأسها عنه تحدق فيه بذهول مرفرفة بعينيها كأنها تتأكد أن من قال هذا الغزل الرقيق الذي أطرب أذنها بخفة هو مؤيد زوجها الجلف! وسرعان ما عانقته هامسة بحب متدفق
((أنا أحبك يا أجمل زوج في العالم، فليحفظك الله لي ولأولادك))
غمغم وهو يحني رأسه ليطبع على وجنتها قبلة شغوفة
((وأنا أيضًا أحبك يا رتيلي))
ابتعدت عنه تتحرك لتقوم من السرير لتقول بحماس ووجنتيها تضجان احمرارا
((انتظر نصف ساعة وسأعد لك أكثر المأكولات سريعة التحضير التي تحبها))
تراخى وجه مؤيد من ردة فعلها هذه وما إن غادرت السرير حتى داعبت شفتيه ابتسامة ساخرة وشعر بفخر كيف استطاع أن يضحك عليها بكلمتين لتقوم بنفسها بإعداد الطعام له.. إلا أنه شعر بتأنيب الضمير وهو يراها تتهادى في مشيتها وتستند بالحائط من شدة التعب.. وتمنى لو أنه يقوم بمساعدتها إلا أنه كان هو الآخر متعبا من العمل في الخارج.. فوجد صوته يصدح عاليا
((رتيل حبيبتي لا تعدي شيئا، سأطلب من المطعم، أرغب حقا بتجربة الطعام الهندي من المطعم الموجود في نهاية الحي))
سرعان ما قدم نحوه ولداه يهرولان عند سماع هتافه.. فاقترب فهد يلهث يقول بحماس
((هل نذهب معك لإحضار الأكل؟ حقًا أشفق على حال أمي..))
وأكمل باسم يردد
((أعطنا النقود وسنقوم بإحضار ما ترغبون فيه، أمي تستحق أن ترتاح..))
همهم مؤيد ثم رمقهما بسخط هاتفا
((حلًّت عليكما الشفقة فجأة! أين كنتما حينما كنت أطلبكما لتساعداني في مهام الحديقة))
ثم أردف وهو يجز على أسنانه
((اغربا عن وجهي.. قبل أن أفعل أو أقول شيئا خاطئا))
تراجع كل من فهد وباسم دون خوف يغادران الغرفة، لكن لم يأسر فهد جملته يتهكم من والده
((لقد صرت حساسًا يا أبي كأنك أنت الحامل لا أمي))
ثم ما لبث أن علت ضحكتهما وهما يهربان معا في الرواق..
.
ليلا..
وضعت رتيل على وجهها قناعا طبيعيا مغذيا وبعض الزيوت والكريمات المعطرة على فروة شعرها وبدأت تدعكها نعومة.. ثم وضعت مرطبا خاصا بالعيون وبدأت تمسد منطقة ما تحت العين برفق..
استرخت براحة متمددة في المغطس الحار الذي صنعته لها بعد أن ملأته بالزيوت العطرية المنعشة والروائح الجميلة التي تضفي لنفسها حيوية، والمهدئة لها حتى تتخلص من كل إرهاق الحمل الذي يتعبها فهي في أواخره..
بعدما انتهت ارتدت قميص نوم "محتشم" من النوع الذي يناسب ذوق مؤيد.. وقد نثرت عطرا فواحًا على معصميها وخلف أذنيها..
عندما سمعت طرقا خفيفا على الباب قبل أن يدلف مؤيد للداخل.. قالت برواق عذب
((سأحضر لك ملابسك التي سترتديها صباحًا))
وفعلا فتحت خزانته تنتقي له أكثر من قميص حتى يختار ما يميل لارتدائه غدا بينما ارتمى على السرير يضجع عليه..
تمددت رتيل بجانبه وقبلت رأسه حتى يستنشق رائحة عطرها ثم سألته بدلال
((هل أبدو جميلة الآن؟))
أجابها مؤيد بنبرة ناعسة دون أن يفتح عينيه المغمضتين
((نعم عزيزتي))
قطبت حاجبيها وتذمرت بخفوت عابس
((لا يبدو وكأنك نظرت لوجهي))
تثائب بنعاس مثقل ثم أولاها ظهره هامسًا بخمول
((من دون أن أنظر إليك أعرف أنك جميلة))
ظلت على انزعاجها وهزت إحدى كتفيها هادرة
((لا أشعر أنك تقولها بصدق))
فتح عينيه واستدار لها نصف استدارة مستنكرا
((وماذا أفعل إذن؟ هل تريدين مني مثلا أن اجلس وأتأمل وجهك وأشعرك بذهولي حتى تصدقي أنك جميلة))
لكزت كتفه وردت عليه
((نعم أريدك أن تفعل ذلك، ألست جميلة وأستحق منك أن تراني بانبهار؟))
زفر مؤيد باستياء وعلت نبرته قليلا هاتفا يعاود مناغشتها على عكس ما يفعل أحيانا
((نعم جميلة لكن مهما غيرتي في وجهك وتجملت سيبقى وجهك مألوفا عليّ، أقوم بحلاقة ذقني أسبوعيًا ومع ذلك لم أطلب منك يوما أن تشيدي بوسامتي بينما تتسمر عيناك بذهول عليه.. لم أطلب هذا لأنه ليس من المنطقي))
أغلظت نظراتها بحنق ثم عقبت
((أنتَ فعلا جلف قاسي، لا تعرف كيف تتحدث مع النساء))
كان متفهما في النهاية أن المرأة الحامل مزاجية وتتأثر بأبسط الأسباب فهي ومنذ حملها وهي ترغب بشدّة منه هو سماع كلمات الحب الدافئة، وعبارات الغزل العميقة، والاعتراف الصريح بالوقوع في حبها، وسبب حبه لها، وحجم هذا الحب، وكلمات المدح والثناء بشكلٍ عام، وتعداد صفاتها الحسنة، وذكر ميزاتها الشخصيّة.. وكل هذا ضد سجيته وشخصيته الكتومة في هكذا أمور لا يحب كثيرًا التعبير عنها..
لكن حانت منه نظرة بعينيه الناعستين ليحدق بوجهها العابس والخالي من أي تبرج يعطي نفسه دقيقة لتأملها..
إنها حقا جميلة.. بشعرها الطويل المنثور الذي تضع عليه دبوس فضي اللون على شكل فراشة رقيقة يتناسب تمامًا مع جمالها الوحشي البري.. لطالما كانت لها تلك الهالة من سحر الانجذاب ككائن خرافي أتى من قصص الأساطير يتحداه بعينين سوداوين واثقتين متوعدتين..
فوجد نفسه يهمس بانتشاء
((أنتِ حقا جميلة يا رتيل))
قالها يرسم ابتسامة خلابة ثم عاد للنوم فترققت ملامحها ملاحظة تعبه حقا خاصة بعد تخمته من الطعام الذي أكله.. فرغم أنه أراد أن يطلب من المطعم الهندي بعض الوجبات الخفيفة التي يميل المرء أن يسميها عشاء.. انتهى الأمر به بطلب الكثير من المقبلات والسلطات والسمك المقلي والمشوي والأرز وصدور دجاج محمرة ومسلوقة وشرائح لحم وبضع قطع من البقلاوة، يتبعها مزيد من الحلويات والعصير وقطعتين من الكعك..
فوجدت نفسها تزحف له وتقترب من أذنه هامسة بصوتٍ ساحر
((لقد كان يومك في العمل طويلا ومرهقا، ما رأيك أن أطبق فن حركات المساج الذي تعلمته مؤخرا؟))
فتح عينيه متحفزا لكلماتها وشعر برغبة متدفقة لأن يفيق جسده من حالة الخمول المسيطرة عليه وتفكك عضلاته من تيبسها بحيوية تحت لمسات أناملها الساحرة فرفع رأسه لها ينظر في عينيها ثم يرد عليها بنفس الهمس
((إذا كان هذا فلا بأس، فمساجك له مفعول السحر في إزالة التعب والإرهاق))
وتبادل الاثنان تلك الابتسامة المميزة..
كان حقا يعشقها ولا يزال منذ سنوات يعيش في مرحلة اكتشافها.. يظل يرمقها بنظرات الإعجاب، ويختلس الوقت من عمله ليعود للمنزل مبكرا ويقضي الوقت معها.. واتسم سلوكه بتصرفات شهمة، ونبل خلق أضحى لطيفا ولبقًا في كل تعاملاته معها.. كأنه يخجل أن يشعرها بفشله في إنجازه للمهام المنوط بها أو الظهور أمامها بشكل غير جذاب لأنه يريد أن يكون فتى أحلامها كما هي فتاة أحلامها..
وهي تبادله العشق من كل قلبها.. لا تكف بين الوقت والآخر عن إرسال رسائل على هاتفه النقال أو مرور يوم دون أن تخبره بحبها له.. وإذا ما تعذر عليه العودة من العمل باكرًا يُعلمها بذلك متأسفًا.. وإذا لاحظت أي تقصير في حقها منه زاد عن حده ترسل له رسالة تبوح فيها عن شوقها له وتعاتبه برقة.. تنتظر لقاؤها به في نهاية كل يوم بفارغ الصبر حيث يعيشان في عالمهما الخاص ويرويان ظمأهما وحاجتهما للحب..
هو ما عاد يضيق عليها بتصرفات متزمتة ومتشددة ولم يعد يرفض الانفتاح فهو يثق بها.. وهي ما عاد يهمها تتبع ما يفعله حينما يخرج من البيت، وإلى أين سيذهب، بعد أن اكتشفت صدق ما يدليه لها.. وهاتفه أضحت تعرف رمز قفله ومرمي أمامها طوال الوقت.. وحتى سفراته المشبوهة بالدراجة مع أصدقائه حلّت محلها خروجات ونزهات تجمعهما معًا..
((إذن بعد أن أضع حملي هل سنذهب إلى ذاك المكان الذي أخبرتني عنه؟))
قالتها رتيل وهي تمرر أناملها فوق ذراعه، فرد على الفور
((بالتأكيد لقد وعدتك..))
ثم بدا مترددًا والإحراج يكسو وجهه وهو يردف
((ولكن رتيل.. هل أطلب منك أمرا؟ أعني..))
شاب صوتها الهدوء وهي تقاطع تلعثمه مبتسمة
((لا تقلق، أعرف أنك لا تريد أحدًا من العائلة أو الأقارب أن يعرف إلى أين سنذهب، لا داعي لتنبيهي مجددا، هل سبق وأفشيت أي شيء من أسرارنا سويا؟ أنا حتى متكتمة أكثر منك))
أبهجه كالعادة تسهيلها الأمر عليه وتقبلها ما يريده برحابة صدر.. فهو يفضل للغاية ممارسة حياته الخاصة دون خجل بعيدا عن أنظار عائلته أو أقاربه وأصدقائه..
*******

انتهى الفصل


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-22, 07:06 PM   #6229

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

الخاتمة


بعد مرور ما يقارب سنة..
بعدما عادت دارين من بيت صديقتها ارتقت درجات سلم البناية التي تقبع فيها شقتهم.. تسرع في ارتقاء الدرجات في منتهى السعادة والنشاط..
رغم أن والدها وزوجته تظاهروا أنهم اليوم لن يحتفلوا بعيد ميلادها مثل كل سنة لأنها ستحتفل به مع صديقاتها في بيت إحداهنًّ اليوم إلا أنها تعرف ما يخططون له..
تنحنحت دارين أمام باب منزلهم تلتقط أنفاسها قبل أن تخرج المفتاح وتفتحه..
وسرعان ما صدحت أصوات المفرقعات والتهاني عليها من قبل والدها وشيرين فور أن حطت قدمها عتبة الصالة..
أصابت دارين الدهشة قبل أن تظهر عينيها شعاعا من الامتنان وتقول بعتاب ظاهري وهي تتأمل الزينة في الأرجاء من بالونات هوائية وشرائط الأعياد الملونة والزهور
((أتعبتم أنفسكم!؟لما لم تخبروني كي أساعدكم))
تأمل مُعاذ بوجه ابنته الحبيبة التي ستغدو فتاة جامعية وبرزت في وجهها ملامح مرسومة بطريقة تعطيها خيلاء ورفعة.. صغيرته التي ظنها كذلك، صغيرته التي لا عُدم صوتها ولا خلا منها المكان ولا عُدمت نظرتها وعساها ذخرًا له طول الزمان.. ثم ابتسم بحنو واقترب منها بقامته الفارعة يعانقها ويقول بعاطفة أبوية وهو يضع كفه فوق كتفها
((غاليتي وقرة عيني، مصدر فخري كل عام وأنت بخير يا حبيبة والدك، وكل عام وأنتِ مثابرة في دراستك، والسعي إلى العُلا وتحقيق كل النجاح في تطلعاتك المستقبلية))
رفعت دارين وجهها لوالدها بعينين دامعتين تطفح منهما نظرات الاعتزاز والسعادة وهي تتأمل ملامح وجه والدها ذو الهيبة والصرامة، يخفي خلف كلامه الرزين على الدوام حنان وروح أبوية طيبة.. أما تلك الخصلات الفضية التي زينت ذقنه وشعره جعلته مثال الهيبة والوقار.. والوسامة أيضًا بسماره الجذاب..
ثم قالت له بصوتٍ مبحوح وهي ترفع كفه لثغرها وتلثمها
((سأصل دائما للتوفيق طالما دعواتك تلحقني))
اتسعت ابتسامة مُعاذ مرتاحًا قبل أن يخرج من جيب كنزته ظرفا ويعطيه لها بسلاسة مرددا
((مرة أخرى كل عام وأنتِ بخير))
فتحت دارين بلهفة الظرف لتجده يحتوي مبلغا ماليا لتشتري ما تحب من هدايا، لكن المبلغ المالي كان هذه المرة أكثر من أي مرة فرفعت حاجبيها متعجبة.. ثم وضعت الظرف جانبًا ورفعت ذراعيها تحيط والدها متسائلة بشقاوة وارتياح قلب
((هل هذا يا أبي تعويض لأنك لم تسمح لي الذهاب لرحلة الجامعة مع أصدقائي؟ لأني بصراحة لم أعد غاضبة منك، فبعد تفكير عميق وجدت أني لم أكن لأذهب حتى لو وافقت أنتَ))
قطب معاذ حاجبيه ليقول بنبرة أقرب للأبوية الحازمة مع ابنته صعبة المراس أحيانا
((اسكت يا بنت ولا تجلبي سيرة تلك الرحلة وهل جننت لأسمح لك بالذهاب لرحلة مختلطة لخارج البلاد لأسبوع كامل!))
مطت دارين شفتيها متذمرة
((ولكني أخبرتك بعد تفكير حكيم لم أكن لأذهب لها))
زوت شفتا معاذ عن ابتسامة جانبية ثم عاد يلف كتفيها ليزرعها تحت جناحه بغريزة أبوية وهو يطبع قبلة عميقة أعلى رأسها ثم قال بصوت رخيم دافئ يترك ارتياح في قلب دارين
((هذا لأنك ابنتي الرائعة))
استقرت ابتسامة واسعة مُكللة بالفرح والسعادة التي تغمر قلبها على شفتا دارين وهي تميل رأسها على صدره وتغمض عينيها شاعرة بالحماية والدفء..
أضحت علاقتها بأبيها متينة جدًّا وصارت أكثر تعلقا به وتعتبره بطلها والرجل المثالي في حياتها.. ولا شيء يمكن أن يزعزع هذه الفكرة، ومهما أحبت أحد أعمامها فلا يمكن لأحدهم أن تفوق مكانته عندها مكانة أبيها..
فعلاقتهما كأب وابنة ليست صلة دم واسم وحسب بل مبنية على التفاهم والثقة، فهو يعاملها على أساس أنها إنسانة مستوعبة لأمور الحياة، ولم يسبق وأن فرض رأيه عليّها.. يكون معها لينًا، حنونًا، ودودًا.. فيكون معها الصديق لها الذي يشاركها في أمورها ويقدم لها النصح بطريقة ودية متفهمًا لا متسلطًا تنفر منه..
لطالما ألقت عائلة والدها على أبيها تخبطها وسوء تصرفها في حياتها وعدم استقرارها فقد كان والدها بنظر عائلته أب مقصر معها يعطي جل وقته لعمله ويهملها تاركا إياها منبوذة في قصر عائلتها، وكتعويض عن هذا يتصرف معها كأب متساهل يترك العنان لها ولا ينصحها أو يرشدها لما في مصلحتها ويترك لها حرية الاختيار بدون متابعة منه وإرشاد وتقاعس عن وضع الحدود والمعايير!
إلا أن هذا غير صحيح فوالدها أب متوازن يضع بعين الاعتبار المراحل التي تمر فيها ويقدر حبها للحرية فيعطيها لها كما الاستقلالية ضمن قوانين وحدود لتثبت ذاتها وتزداد ثقتها بنفسها.. مراعيا الجانب العاطفي فيها كون والدتها توفت في صغرها فضلا عن عدم نضجها من ناحية التجارب فيتعاطى على تعليمها بالسماح لها باختبار الأمور والتجارب بنفسها لتدرك من خلالها الصواب والخطأ.. وكل ضمن الحدود..
وبالنهاية هي تعلم أنه مع تعاظم وتشابك أمور الحياة العصرية المعقدة لن تجد رجلا يحميها أكثر من والدها، خاصة وهو ينتهج في تربيته وتعامله معها شرع الله.. فيكفي أن شخصيتها هذه نابعة من الدلال الذي غداه فيها بإسراف ومن ثقته المفرطة فيها منذ صغره..
أما شيرين التي كانت تشهد هذا المشهد العاطفي بين الأب وابنته لامس قلبها وابتسمت بحنو لهما.. علاقتهما علاقة وطيدة لا تشوبها شائبة، علاقة حب مقدس بين الأب والابنة..
فمُعاذ يعامل ابنته بحنان بالغ ويثق بها ويعطيها مساحتها من الحرية وفي نفس الوقت حازم وكلمته عليها كالسيف الباتر.. يعتمد أسلوب الحسم والموعظة المباشرة معها ويعرف كيف يكون معها حنونًا وعاطفيًّا ومستعدا للنقاش والتفاوض للوصول إلى حلول ترضي كل الأطراف.. فقد حرص على مرافقتها عند التسجيل في الجامعة، ولم يمنعها من اختيار التخصص الذي رغبت في دراسته، وحتى في أثناء دوامها في الجامعة يتصل بين الحين والآخر للاطمئنان عليّها..
بمجرد أن ابتعدت دارين عن والدها قليلا حتى تقدمت منها شيرين بحماس تمد لها هدية بغلاف مميز قائلة
((كل عام وأنتِ بخير يا دارين يا ألطف من الورد))
ابتسمت دارين برقة لها.. إذ أنها تعرف أنها هي من تولت وانغمست بإعداد هذه الحفلة في اليومين الأخيرين والتخطيط الجاد والسري لكل لوازم عيد ميلادها من زينة وأطعمة ومشروبات..
تناولت دارين منها هديتها تفتحها لتجدها عبارة عن حذاءٌ رياضي متين من علامتها المفضلة فتمتمت لها كلمات الامتنان فليس من المهم أن تكون الهدية غالية بقدر معناها وتجسيدها لاهتمامها بها وما يروق لها..
شعرت فجأة دارين بكائن صغيرة يلامس قدمها مغمغما باسمها كما ينطقه هو بسنه الصغير
((رين.. رين.. رين))
فانفرجت عنها ضحكات حلوة قائلة بمرح
((يا عيون رين يا يويو الصغير))
ثم انخفضت لتحمل أخيها يعقوب والنظر للكيس اللطيف الذي يمسكه يعقوب بيديه هاتفة
((هل هذه الهدية لي يا يويو؟ أنا متأكدة أني سأحب هذه الهدية دونا عن الكل))
ناغشتها شيرين بما يشبه الدعابة
((هكذا إذن، بعتي هدايانا لأجل عيون يويو الصغير؟))
لاعبت دارين بأناملها أنف يعقوب هادرة ببهجة
((كله فداء شقيقي الصغير الحبيب))
عَلَت همهمات السعادة جميعا على كلامها متفهمين حبها ليعقوب وتعلقها به، فدارين كانت ليعقوب الأم الثانية وليست مجرد أخت وهي من تتولى الاهتمام به في فترات عطلها وتنزهه وتذهب به للبقالة لشراء الحلوى.. وهو بالمقابل لا يكف عن تقليدها والبحث عنها إذا غابت أو ذهبت لجامعتها..
ثم اجتمعوا جميعا حول الطاولة التي تحتضن قالب الحلوى الضخم المزين وبدأوا يُغنون لها بأصواتٍ مُتفاوتة أغنية عيد ميلادها.. فشعرت دارين بهذه اللحظات الأفضل في يومها.. وبمثابة دفعة جديدة من النشاط والطاقة والحيوية.. تعطيها قوة للمواصلة والمثابرة على المذاكرة من جديد..
*******


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-22, 07:07 PM   #6230

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي








جاء فصل الصيف بكل ما يحمله من روائح جميلة.. وكان وقتها يصادف عيد الأضحى.. حيث النّحر والسّكاكين مخضّبة بدماء الأضاحي والبخور الفائح كما هو معهود في قصر الكانز يعبق في الفضاء يلاحق الأمنيات والأحلام ويطاردها أين ما ذهبت..
اجتمعت عائلة الكانز جميعهم مع زوجاتهم وأولادهم في مزرعة البركة التي قضوا ليلة الأمس فيها يتسامرون.. حيث هي أجمل البساتين التي يمتلكونها ومليئة بالثمار والأشجار الخضراء والأزهار الخلابة الملونة، ويقع النهر بالقرب منها.. لم تكن أشعة الشمس قوية بعد والسماء الصافية في هذا الوقت الباكر حيث يوجد الهواء العليل الذي ينعش النفس..
وقف الحاج يعقوب بجبّته البيضاء يجوب بعينيه البستان بإحساس الدّار والحنين قبل أن يلتفت لابنه معاذ هادرا بهدوء يكتنف صوته
((متى ستصل طائرة مصعب يا معاذ؟ حتى نذهب لأخذه هو وعائلته من المطار))
التفت معاذ لوالده مبتسما وقال بحنو وهو يصبّره
((اتصلت به قبل دقائق وأخبرني أن طائرته ستقلع بعد قليل.. لازال أمامه بضع ساعات قبل أن يصل للوطن))
كان الجميع متفهمين اشتياق الحاج والحاجة لمصعب.. ابنهما القريب البعيد بحضن الغربة.. لقد اشتاقا له ولملامحه الرجولية ويدعوان له بعد كل صلاة، خاصة أمهم.. فمصعب دائما يتجول ويتسامر في مهجتها ويكبر في فكرها، وهو يشق طريقه ومستقبله بثبات في ذاك البلد الغريب عن تقاليدهم، فقد فرطت هي فيه إلى الغربة من أجل العلم والنّجاح المنشود، واستودعته الله الذي لا تضيع ودائعه بشرط ألا يمكث هناك مدة طويلة كما فعل مازن..
.
.
أقلعت الطائرة فأمسكت نورين الجالسة بمقعد مجاور لمصعب ذراعه بشدة كي تبدد توترها المصاحب لها عند الإقلاع.. فأمسك مصعب ذراعها يشد على كفها مؤازرا فتطلعت له ممتنة بحب متدفق ليبادلها الابتسام..
التفتت نورين لابنتهما النائمة بجانبها بإرهاق تعوض نوم ليلة الأمس التي أمضتها تساعدها في حزم حقائبهم كلها لتميل نحوها تلثم جبينها بعاطفة أموية ثم مسدت خصلاتها بكفها الناعم..
أما مصعب فانشغل تفكيره قليلا.. فمُعاذ أعلمه أن والداه مع أحد إخوته سيستقبلونه في المطار حين وصوله المطار.. متأكدا من أن لحظة لقائه بعائلته بعد أن رجع من غُربته بشكل نهائي سيكون أشبه بالحلم الجميل الذي ستبقى كل تفاصيله محفورة في ذاكرته، مهما مرت أعوام طويلة بسبب ما ستحمله هذه الذكريات من لحظات مليئة بالسعادة والفرح..
كان يزورهم بشكل سنوي ويحرص وقت المغادرة أن يحث والديه على عدم الإتيان معه إلى المطار حتى يختصر على نفسه وعليهم مشاعر الفراق والحزن وجو لا يخلو من انهمار الدموع.. خاصة أمه مراعاة لحالتها الصحية والنفسية.. لذلك فهي حرصت طوال السنوات أن ترسل له رسائل وبخط يدها مصممة على أنها أصدق من هذا التّواصل الإلكتروني عبر الشاشات والنقر على اللوحات.. فيشعر أن دعوات أمه لله بأن يحفظه ويسدد خطاه في غربته أينما ذهب..
في النهاية سفره لم يكن هروبا من بلد نشأ داخلها وذاق فيها كل جميل وفيها أهله وأصحابه.. فمن المستحيل أن ينسى بلده، فهي لم تبذره في أرضها لينمو في أرض غيرها.. هو فقط أخذ ما فيه الكفاية من العلم وبنى له المستقبل الذي يتمناه.. وها هو هنا ليعود ويرد لبلاده الجميل بعمله وعلمه..
انتشلته زوجته من جب أفكاره العميق وهي تخبره بهمس حماسي
((هل أخبرت والداك بحملي؟))
برقت عيناه وهو يناظر وجهها الممتلئ بالعاطفة ثم بعفوية انتقلت يده فوق بطنها التي بدأت بالبروز بفعل الحمل ثم أجابها بنفس الهمس
((لا لم أفعل بعد))
توردت وجنتيها وهي ترخي أجفانها في خفر لتهدر وهي تضع يدها فوق كفه
((سينذهلان عند معرفتهما))
هز مصعب رأسه وقد بدا بقمة الانشراح وهو يهدر
((بالتأكيد سيفعلان، لطالما ظنت أمي أن أحد زوجتي التوأمين مالك أو مازن من ستحمل بتوأم، ولم تتخيل أن تكوني أنتِ))
رفعت وجهها له تقول بابتسامة حلوة
((نعم ولكن التوأم هما صبي وبنت على غرار شقيقيك التوأم، لكن كله خير إن شاء الله، وأنا أظل أدعو الله دائما أن يحفظك لي ولا يبعدني عنك أنت وأبنائنا))
ابتسم على كلامها ثم قال بصوتٍ يضج عاطفة
((صدقيني حتى لو أردت أن أبتعد عنك فسأعود إليك، لأني أرى فيك المنفى والوطن))
طفح التأثر منها فانبجس الحب من مقلتيها بينما تنطق متحشرجةً
((وأنا كذلك حبيبي))
حافظ على تواصله البصري بعينيها لترفع يدها مستقرة على موضع قلبه ثم تسترسل
((في قلبك وطني ومنفاي..))
********
انتهى.




ها قد انتهت رحلة قلبك منفاي.. لذلك أتمنى من كل قلبي أن اعرف ممن قرأ فصول الرواية أراءكم الصريحة فيها وانتقاداتكم..
وأعيد وأكرر انا حرفيا لدي مناعة تامة وكلية ضد التعليقات السلبية والناقدة وحتى البعيدة في كثير من الأحيان عن أي نظرة موضوعية..
فكلي أمل من أي أحد قرأ الرواية أو بدأ فيها ألا يحرمني من ريفيوهاته..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
قلبك منفاي، في قلبك منفاي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:36 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.