شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء) (https://www.rewity.com/forum/f518/)
-   -   نوفيلا ياسمين (4) .. سلسلة في كل فصل نبضة * مكتملة ومميزة * (https://www.rewity.com/forum/t481394.html)

فاتن منصور 09-03-21 02:49 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة soy yo (المشاركة 15399858)
فصل جميل و رائع .. و مليئ بالمشاعر....و خاصة واننا تعرفنا على قصة كل شخص في الفرقة عن مشاكله مع المتنمرين الفاقدين للإحساس ...اتمنى لعاصم و ياسمين ان يجيدو نقطة تلاقي للبدء في قصة جميلة بينهم...سلمت يمناك..بتوفيق ان شاءالله

تسلمي لقلبي
ربي يسغد قلبك مثل مابتسعدي قلبي بكلماتك

Soy yo 11-03-21 02:00 AM

ياسمين و عاصم حب دون نقطة وصل لهذه الشرارة .....حقا نوفيلا اكثر من رائعة لانها تعرض لنا معاناة الذي يعانون نوع من الاختلاف و خاصة متلازمة دوان كما تظهر كم هذا الاختلاف محرك ليكون متميزين اكتر من ناس العاديين....سعيدة جدا لمتابعتك...دمتي بخير وامان.

فاتن منصور 13-03-21 02:18 PM

لفصل الخامس
وأخافُ يوْمًا
أنْ أُحِبَّكِ فوقَ ما تتحمَّلينْ
وأخافُ أن ألقاكِ نَهرًا في دُموعي
وأخافُ أن ألقاكِ يَومًا في ضُلُوعي
نَهرًا من الأشواقِ ،
نَبْعًا مِنْ حَنينْ
وأخافُ أنْ ألقاكِ شَمسًا
دِفْؤها لا يَستكينْ
وأخافُ يا قَدَري الذي
قد خُطَّ مِن فَوقِ الجَبينْ ..
من بَعدِ أن أهوى هَواكِ تُسافِرينْ
عبد العزيز جويدة
…..
في الأسبوع التالي بدأت فعاليات المعرض الذي دعاهم عاصم للمشاركة به ، كان بعضٌ من أصدقاء ياسمين الذين يجيدون بعض الحرف اليدوية قد شاركوا في المعرض ، ومن ضمنهم شادية التي شاركت ببعض التحف التي صنعتها بيديها من الخشب ، لقد ساعدها المشرفون على المعرض باختيار أفضل القطع ، وساعدوها كذلك في تنظيم معروضاتها لتجذب الأنظار ، لقد كان أمراً مميزاً مشاركتها في هذا المعرض
توجه الجميع لحضور المعرض ، كانت ياسمين قد حضرت رفقة جوري وتيم وتبعهما بعدها حلا وكرم ، كان المكان مزدحماً بعدد كبير من الحضور ، قالت حلا وهي تراقب المكان :
_ إن المكان مزدحم جداً
أومأ لها كرم بأجل ، بينما قالت جوري وهي تجهز الكاميرا الخاصة بها لالتقاط بعض الصور :
_ العدد المشارك هذه المرة أكبر ، لقد أخبرتني ياسمين أن هناك عدداً من الأطفال قد تم ضمهم للمشاركين هذا العام
قبل أن تشارك ياسمين بالحديث الدائر ، وصل عاصم وسراب ، تبادل الجميع التحيات ، ثم تفرق الجمع كل ثنائي في جهة ، وبقيت ياسمين وعاصم بعد أن تركتهم سراب مغادرة نحو بعض الأطفال الذين تعرفهم والمشاركين كذلك في المعرض ، قال عاصم وهو يتلفت حوله :
_ يبدو أن باقي أصدقائك لم يصلوا بعد
_ لقد أخبرتني مدى أنهم سيصلون بعد لحظات
أجابته وهي تسير بجانبه نحو الركن الخاص بشادية
حين وصلا إليها ، ألقيا التحية ثم بدأت شادية بأخبار ياسمين عن سعادتها بهذه المشاركة ، بينما عاصم يناظر القطع المعروضة باعجاب
_ إنها قطع جميلة جداً
توردت وجنتي شادية بخجل وهي تقول :
_ حقاً نالت اعجابك ، لقد صنعتها بادوات بسيطة ّ
تناول عاصم قطعة لفتت نظره ،وهي عبارة عن صندوق خشبي مكعب الشكل ، تم الحفر على أوجهه الجانبية ، بطريقة حرفية ، وكانت الرسوم المشكلة تمثل فصل الشتاء ، وهذه القطعة واحدة من ثلاث صفت بجانب بعضها
اقترب من ياسمين يضع القطعة بين يديها لتلامسها باناملها ، فتتعرف عليها بشكل أكبر تزامناً مع وصفه لها
وقفت شادية مشدوهة بتلك اللوحة التي مثلها الاثنان معاً ، عاصم يقف قربها ، ونظراً لطول ياسمين المميز كعائلتها ككل ، لم يكن عاصم بجانبها ضخماً كما تشعر شادية حين تراه يقف بمفرده
يهمس لها بشرح عن القطعة بينما ياسمين تلامسها بسعادة وهي تبادله الهمس
ضحكة ندت عن عاصم وهو يقول مخاطباً شادية :
_ كان عليك صنع قطعة تمثل فصل الربيع كما تحب ياسمين
أجابته شادية بمشاغبة :
_ أنا أحب فصل الشتاء ، لكن كرمى لعيون ياسمين سأصنع لها واحدة تمثل فصل الربيع
قال عاصم وهو يعيد القطعة لمكانها ، بينما يضع قربها بطاقة كتب عليها ( تم البيع ) :
_ هذه القطعة أنا سأشتريها مع القطعتين المشابهتين لها
توسعت عينا شادية بصدمة وهذه لأول مرة تبيع قطعة من انتاجها ، لن تنكر أن كل همها من المعرض كان أن تثبت لنفسها ولبعض أفراد عائلتها أنها لا تقل عنهم شيئاً بل إن هواياتها ليس مجرد تضييع للوقت وإنما موهبة تستحق كل تقدير ، لكن لم تتخيل أن القطع ستباع
ورغم اختناق الكلمات في صدرها من فرط عاطفتها ، قالت :
_ يسعدني جدا أن تقتني قطعاً من صنع يداي يا سيد عاصم
قبل أن يتمكن عاصم من اجابتها ، لاحظ اقتراب زياد ومراد صديقيه منه ، ألقوا التحية عليهم ، ليتبعهما وصول باقي أصدقاء ياسمين ،توجهت ياسمين مع البقية نحو ركن آخر ، فيما بقي عاصم مع مراد وزياد يتحدثون
كان مراد يراقب كذلك القطع الخشبية بتقييم ، بينما نظراته كل لحظة وأخرى تهرب للواقفة قرب عاصم تبادله الحديث ، سمع عاصم يدعوها لزيارة متجره :
_ ما رأيك أن ترافقي ياسمين في زيارة للسوق التراثي الذي يتواجد به متجري ، وسأخذكما لمتجر خاص بالحفر على الخشب وصنع القطع المميزة منه
ببهجة طفلة جلبت الابتسامة لوجه مراد ، كانت تجيب طلب عاصم :
_ يسعدني ذلك كثيراً

_ سآخذ هذه القطعة
قال مراد لافتاً أنظارها إليه ، لتهرب نبضة من قلبه و عيناه تلتقي بعيناها ، عيناها تشبه تلك العيون التي لطالما تغنى بها الشعراء ، هذا ما فكر به ، ومازال أسير سواد عينيها الغريب
تنحنح زياد وهو يقول لاكزاً صديقه لينتبه من شروده بالفتاة :
_ ضع بجانبها بطاقة تم البيع ولا تفضحنا بنظراتك هذه
نظر نحوه مراد بغضب ، لتتحول نظرته الى ارتباك وزياد يشير له خفية نحو الفتاة التي اجابته :
_ بكل تأكيد يا سيد
_مراد ، اسمي هو مراد
كتم زياد وعاصم ضحكاتهما ، فيما حك مراد أسفل رأسه بأنامله بإحراج من الموقف ككل ، بينما تبسمت شادية بأدب جم وهي تقول :
_ بكل تأكيد يا سيد مراد
حمبه زياد بعيداً عنها متجهين ثلاثتهم لركن آخر وهو يقول :
_ ستأكل الفتاة بنظراتك ، ما الذي يحدث معك ؟
لكن مراد لم يجبه ، فعيناه عادت لتناظرها وهي مازالت على وقفتها التي تستند فيها على عكاز معدني ، تساءل بداخله :
_ ما خطبها ، هل تعاني من شلل بإحدى قدميها
لكزة جديدة من كف زياد جعلته ينظر له شزراً ، فرفع زياد كفيه باستسلام وهو يقول :
_ حسناً لن اعيدك من شرودك مرة أخرى
......
في اليوم التالي توجهت ياسمين رفقة جوري و شادية نحو جنوب المدينة حيث يتواجد السوق التراثي ، حاولت ياسمين اخفاء اعيائها عن جوري كي لا تتسبب بالرعب لها ، جلست في المقعد الخلفي بحجة أنها ستترك المجال لشادية لتتبادل الحديث مع جوري
لقد حاولت أن تؤجل ذهابهم ليوم آخر ، لكن حماس شادية الشديد لتلك الدعوة جعلاها تطالبهما بالذهاب فور انتهاء دوام المعرض الذي تشارك به
، فلم تشأ التسبب بالحزن لشادية وخاصة وهي تشعر بها قد عادت لطبيعتها السابقة ، مرحة وسعيدة طوال الوقت ، بعكس ما كانت عليه الفترة الماضية من كآبة وحزن بعد زيارة ابنة خالها لها
ركنت جوري السيارة جانب الطريق ، ثم ترجل ثلاثتهم منها متجهين نحو مدخل السوق
يسيرون على الطريق الحجري ، فيما عيني شادية تلتهمان ما تعرضه واجهة المتاحر بنهم ، قالت بسعادة كبيرة :
_ إنها المرة الأولى التي أزور هذا المكان ، هل تتخيلان الأمر ، مثل هذا الكنز في مدينتي وأنا لا أعلم به
ضحكت ياسمين للتشبيه الذي اطلقته شادية على السوق وهي تقول :
_ تشبيهاتك في مكانها دائماً يا صديقتي
بعد عدة متاحر توقفت خطواتهم أمام متجر عاصم ، توسعت عينا شادية بدهشة وهي تشاهد ما عرض على الواجهة من تحف ، تهتف دون شعور منها :
_ هل ابن عمكما من يصنع هذه ؟

وأشارت بسبابتها نحو ماعرض على الواجهة ، ضحكت ياسمين وهي تقول :
_ بالطبع هو وبعض الأشخاص الآخرين
اقتربت شادية من الواجهة الزجاجية أكثر لتتمكن من تفقد كل قطعة بينما جوري تلقي التحية على عاصم الذي خرج لاستقبالهم
في الجهة المقابلة كان مراد ينهي بعض شؤون متجره ، لينتبه للتجمع النسائي أمام متجر عاصم المقابل لمتجره
اقترب من باب المتجر وقد علم أنهما جوري وياسمين ابنتي عم عاصم بينما الثالثة ،توقفت انظاره وهو يراقبها تقف تستند هذه المرة لعكازين اثنين ، فيما وجهها يبدو سعيداً متألقاً مثل وجه طفلة صغيرة تراقب واجهة متجر مليئة بالحلوى
تنبه أنها ابتعدت عن الواجهة لتتبادل الحديث مع عاصم وهي مازالت تحتفظ بذات الابتسامة
ابتسامة تخطف نبضة من قلبه دون أن يشعر
غصة مريرة عبرت خلال قلبه وهو يراقب تحركها بجانبهم نحو داخل المتجر بمساعدة عكازها
كانت تبدو وهي تسير بجانب جوري اقصر منها بعض الشيء ، لكن جسدها الممتلئ بدرجة بسيطة اظهر قوامها بشكل مميز ، وخصلات شعرها التي جمعتها في كعكة فوق رأسها وقد هربت منها خصل كثيرة ، زادتها جمالاً
انتبه لمسير افكاره نحوها بينما هي تختفي داخل متجر عاصم ، ابتعد متنهداً وشعور غريب يطرق بابه
…..
بعد لحظات خرجت جوري وشادية نحو الخارج متوجهين لزيارة باقي المحلات ، فقد اعتذر منهم عاصم بأنه سيقوم باللحاق بهم فور انتهاءه من الاتصال الذي ورده من زياد بخصوص العمل ، فيما استغلت جوري الأمر لتأخذ استراحة فتحججت أنها ستنتظر عاصم
قالت جوري وهي تقطع الشارع رفقة شادية نحو المتجر المقابل :
_ تعالي لنشاهد آخر تصاميم الألبسة التي يصنعها مراد
الاسم جعل شادية تنظر لواجهة المحل بتركيز ، ليضطرب قلبها وهي تشاهد صاحب الاسم يقف داخل محله يحادث إحداهن
دخلت رفقة جوري الى المتجر ، وعيناه تهرب من مواجهته لسبب لا تعلمه ، نظراته لها بها شيء غريب ،
ألقت جوري التحية ثم أشارت له أن يكمل عمله بمساعدة المرأة باختيار بعض الأثواب التي تود شرائها
وقفت قرب شادية يشاهدن الأثواب بانبهار ، عباءات صنعت بتصميم راقي ونقوش مميزة بخيوط القصب وحبات الخرز الملونة
لامست شادية الثوب وهي تقول
_ ما أجملها من عباءة ، اعرفي لي ثمنها يا جوري ، سأموت كمداً إن لم أشتريها
ضحكت جوري من أسلوب شادية وهي تقول :
_ كله إلا موتك كمداً ، مهما كان ثمنها سنجبر مراد على تخفيض السعر حتى يناسب مقدرتك
ضحكت شادية بتواطؤ ، لكن صوت مراد جعلها تكتم ضحكتها بخجل ، وهي تسمعه يقول :
_ المتجر كله تحت أمركما اختارا منه ما تريدان ولا تهتما بشأن ثمنه
شعرت شادية بخجل شديد فهو يبدو قد استمع لحديثها مع جوري ، رفعت أنظارها نحوه خلسة وهو يحادث جوري التي سألته عن عائلته ، لتعود وتخفضها مسرعة وهو يضبطها تنظر له
تسارعت دقات قلبها في صدرها ، فآثرت الابتعاد عن محيطه الذي يوترها ، تخطو بواسطة عكازيها بعيداً عنهما تدعي الاهتمام بتأمل أثواب أخرى
غافلة عن ملاحقته لها بنظراته ، قالت جوري لها بعد ان اقتربت تجاهها :
_ ماذا بك ، لقد تغيرت حالك خلال لحظات ،هل أنت متضايقة من أمر ما
أومأت لها شادية بالنفي ، وسرعان ماعادت تلك الابتسامة لتزين وجهها وهي تقول بمكر :
_ تكمت لك المجال لتحصلي لي على العباءة ، لكنك للاسف لم تفعلي
كتمت جوري ضحكتها بصعوبة وهي تقول
_ أنت لا تصدقين يا شادية ، تعالي لنعلم كم ثمنها ، لا أظن أنها بثمن مرتفع كما تتخيلين
حين اقتربت من مراد مرة ثانية وجدته يقف قرب طاولة البيع يوضب العباءة في الحقيبة البلاستيكية ، سارعت جوري لسؤاله
_ هل بيعت هذه العباءة ؟
نظرة سرقها نحو شادية ، قبل أن يلتفت لجوري مجيباً إياها
_ أجل
نظرت جوري نحو شادية التي أخفت ملامحها الحزينة بابتسامة متفهمة ، وسرعان ما تحولت لصدمة وهي تستمع مراد يكمل :
_ هل غيرت صديقتك رأيها ولم تعد تريد العباءة ؟
نظرت نحوه شادية ولم تزل على صدمتها تسأله
_ هل تعني أنها بيعت لي أنا ؟
( ويل لك يا مراد ، ما هذا الذي يحدث معك )
بقوة يحسد عليها سيطر على مشاعره وهو يراقب ملامح وجهها المصدومة
_ سمعتك تقولين أنها اعجبتك ، وبيني وبينك حساب لم يسدد بعد ، فقررت إجراء مبادلة بسيطة
بتلقائية آثرت جوري ترك المساحة لهما ، فيما تتجه نحو حاملة الشالات الحريرية تتفقد ماعرض فيها ، بينما شادية تسأل مراد
_ لم أفهم ما تعنيه ، أي حساب هذا ؟
كبح مراد ابتسامته بصعوبة ، وهو يلاحظ توتر حدقتيها السوداوتين ، فيما يجيبها بتلقائية :
_ البارحة في المعرض، أخبرتك أنني سأشتري إحدى القطع التي صنعتيها
باستغراب شديد سألته :
_ لكن ثمن القطعة قليل جداً ، مقارنة بثمن العباءة
هذه المرة لم يستطع مراد كبح ابتسامته وهو يراقب حركة يدها التي أبعدت تلك الخصلة التي سقطت فوق وجهها ، فيما جسدها يتكأ على العكاز الآخر التي تمسكه بيدها الثانية ، عاد ليتأمل وجهها فوجدها تنظر له منتظرة الإجابة ، ولم يبخل عليها بها وهو يقول :
_ أريد منك صنع قطع أخرى لي ، أقصد لمنزل العائلة ، أعني

توقف عن الكلام وشعوره بالإحراج يزداد ، لكن سؤالها جعله ينظر لها بدهشة تحولت لابتسامة ، وهو يلاحظ نظراتها المصدومة
_ حقاً ، ما تقول ؟
أومأ لها بأجل ، ثم مالبث أن قدم لها الكيس الذي يحتوي العباءة قائلاً
_ هل بإمكاني الحصول على رقم هاتفك ، لاتمكن من التواصل معك بخصوص ما أريد
قامت بإعطائه رقم هاتفها ، ثم آخرجت من حقيبتها بعض التقود وهي تقول
_ لن آخذ العباءة ما لم أسدد ثمنها
أراد مراد الاعتراض ، لكن شادية أصرت وهي تقول :
_ أنا مصرة ، وحين تصبح القطع الخشبية جاهزة سأطالبك بثمنها لا تقلق
ضحكة ندت عنه ، وهو يقول
_ حسناً لك ما تريدين
توردت وجنتيها بلون أحمر وهي تبعد نظراتها عنه وعن تأمل ابتسامته
ثم مالبثت أن ابتعدت رفقة جوري خارج المحل وقد وصلهما نداء عاصم وياسمين لهما
خرجتا نحوهما فيما نظرات مراد ترافقها ، رغم سيرها بواسطة العكاز إلا أنه في هذه اللحظة يراها كاملة
نظر لرقم هاتفها الذي دونه ، ثم عاد ينظر نحوها وهي تحادث ياسمين مبتعدة رفقتهم
كم ودّ لو كان هو من يرافقها في هذه الجولة ، حسناً في المرة القادمة سيفعل ، وستكون هي فقط من ترافقه
نهر نفسه لمسير أفكاره الغريب هذا اليوم ، وهو يعود لتسجيل ما تم بيعه منذ الصباح
( لقد بات تفكيرك غريباً يا مراد )
......
في الخارج كان عاصم يمشي بجانبهم بعد أن أنهوا جولتهم ، نظراته كل لحظة تتفقد ياسمين ووجهها الشاحب بعض الشيء
اقترب منها يسير بمحاذاتها هامساً لها :
_ هل أنت بخير ؟
ابتسمت ياسمين وهي تجيبه :
_ إنها المرة الخامسة التي تسألني بها إن كنت بخير ، أنا بخير لكن يبدو أن تعب اليوم بدأ يؤثر علي
أجابها وهو ينتبه لوصولهم لسيارة جوري :
_ حسناً عندما تصلي للمنزل ، حاولي أن ترتاحي
أومأت له بأجل وهي تقول
_ هذا ما سأفعله وسأنام لساعات طويلة
صعدت الفتيات للسيارة ، التي ما لبثت أن ابتعدت بهم ، ترافقهم نظرات عاصم
…….
في طريق العودة للمنزل ، لم تعد ياسمين بقادرة على إخفاء تعبها أكثر ، فاستندت على زجاج النافذة ، علّ تعبها يخف قليلاً
تشعر بأن قطاراً مرّ من فوق جسدها
نظرت لها جوري متسائلة
_ ماذا بك هل أنت مريضة ؟
نفت ياسمين الأمر وهي تقول :
_ إنني مرهقة فقط طوال الاسبوعين المنصرمين وأنا لا أرتكن للراحة ، وهذا جعلني مرهقة وأرغب بالنوم لدرجة كبيرة

أومأت جوري بأجل وهي تهمس لها :
_ دقائق ونكون في المنزل

بعد بعض الوقت كانت ياسمين قد استلقت في فراشها متعبة ، أحضرت لها خديجة بعض الحساء لتتناوله لكنها رفضت قائلة
_ ليس بي رغبة للطعام يا دادا ، لكني أشعر بالبرد الشديد
نظرت لها خديجة بتعجب فالجو دافيء وليس بارداً ، وياسمين ترتدي ملابساً سميكة وتتدثر بالغطاء ، فكيف تشعر بالبرد ، اقتربت تتلمس جبينها لتتأكد من أنها ليست مريضة ، لكن هالتها الحرارة المرتفعة التي تعاني منها ، دخلت في هذه الأثناء جوري قائلة وهي تشير للهاتف في يدها :

_ لقد كان ميار المتصل ، أخبرني أنك لم تكوني على ما يرام اليوم وخاصة قبيل مغادرتنا لشادية ، وودّ أن يطمئن عليك ، يقول أنك لا تجيبين على هاتفك ، لم لم تخبريني بأنك متعبة من وقتها ، كنا لنؤجل موعد ذهابنا إلى متجر عاصم

لم تجب ياسمين على حديث جوري الطويل ، بل حاولت تدثير نفسها بالغطاء أكثر ، فيما قالت خديجة بقلق وهي تحاول ابعاد الغطاء عن جسد ياسمين :

_ حرارتها مرتفعة يا جوري ،أحضري لها خافضاً للحرارة ، وأنت يا ابنتي لا يجوز أن تتدثري بهذا الشكل فالحرارة ستزداد

قفزت جوري لتصبح جوار ياسمين على الفراش وهي تهتف بجزع بينما تلامس جبينها لتتأكد من قول خديجة

_ كيف هذا ، كانت بخير منذ دقائق ولا تعاني من أي حرارة

قالت خديجة بعد أن نجحت بابعاد الغطاء عن ياسمين المتذمرة من الأمر :
_ يبدو أن الارهاق تمكن منها ، إنها تكاد لا تلتقط أنفاسها في هذه الفترة

لامت جوري نفسها لأنها لم تنتبه للإرهاق الشديد الذي تعاني منه ياسمين ، حبست دموعها وهي تهرع نحو هاتفها لتتصل بتيم ، لكن دموعها غلبتها ، حين سمعت صوته عبر الهاتف :

_ تيم ، ياسمين متعبة ، أحضر الطبيب أرجوك

مسحت دموعها ، وهي تستمع لكلمات تيم المطمئنة ، ثم طلب منها أن تبقى بقرب شقيقتها ريثما يصل رفقة الطبيب
….

عاد تيم إليهم بعد أن جلب الدواء الذي وصفه الطبيب ، تنهد بأسى وهو يراقب جوري جالسة قرب فراش شقيقتها تمسك بكف يدها ودموعها تنزل بهدوء على وجنتيها ، كم يؤلمه رؤيتها بهذا الحال ، وخاصة وهو يلاحظ أنها تحمل نفسها كل الذنب وكأنها من تسبب بمرضها
وضع يده على كتفها فرفعت وجهها الغارق بالدموع تنظر إليه ، قال لها بصوت خفيض

_ اتركيها لترتاح قليلًا ،هيا تعالي لنجلس بالصالة

لبت طلبه وسارت رفقته للصالة ، وما إن اصبحت خارج الغرفة ، أغلق الباب خلفه ثم ضمها إليه هامساّ بصوته الحاني فيما جسدها يتشنج ببكاء مكتوم :

_ أرجوك اهدئي يا جوري ، ستكون بخير بإذن الله

أجابته فيما تنظر لوجهه بألم

_ منذ سنوات لم تمرض بهذا الشكل ، إني خائفة عليها جدا ً، كيف لم انتبه لها أكثر

ابعد خصلات شعرها عن وجهها ، ثم مسح دموعها بأنامله قائلاً

_ لا داعي لأن تحملّي نفسك ما لاطاقة لها به ، لست السبب يا جوري ، ثم إن ياسمين قوية و سوف تجتاز هذه المحنة ، أوافق الطبيب بما قاله يا عزيزتي بأنها مجرد عدوى بالإنفلونزا

اومأت برأسها بالإيجاب ، فأعاد ضمها مجدداً مبعداً عن تفكيره منظر شفتيها المرتعشتين بسبب بكائها ، و التي تدعوه لارتكاب فعلة حمقاء
قال بخفوت محاولاً كبت مشاعره بعيداً ، فيما يديه مازالتا تسرحان خصلات شعرها

_ هيا لترتاحي قليلاً ،فهي تحتاجك قوية لا منهارة بهذا الشكل ، وأنا احتاج للراحة لبعض الوقت كذلك

ابتعدت عنه بخجل وقد تذكرت أنه سيبيت ليلته في منزلها تحسباً لأي طارئ قد يصيب شقيقتها ،رغم أن قرانهما معقود إلا أن فكرة مبيته في منزلها تجعلها في قمة خجلها ، لقد أصر أن يبقى برفقتهم هذا اليوم في حال احتاجوا لأي شيء
ابتعدت بإرتباك عنه قائلة

_ سأحضر لك وسادة وغطاء

قال بمكر وقد لمح تورد وجنتيها وارتباكها

_ ظننت أن قلبك سيرأف بي وتطلبي مني أن أبات بقربك

نظرت له بصدمة خجلة مما تفوه به ، ولكن نظراته لها جعلتها تبتسم بمكر قائلة :

_ لن أفعل ، وأخبر قلبك أن يحاول النوم هنا في الصالة وإلا ستجد خديجة قد تكفلت بالأمر وجعلتك تنام في الشرفة

ثم ابتعدت عنه مسرعةً بضحكة مستمتعة بما يجري ، عندما عادت بعد لحظات تحمل بين يدبها الوسادة والغطاء ، وجدته يحادث ورد ليطمأنها ، حمدت الله في سرها أنه مشغول وإلا كان انتبه لكل ارتباكها من وجوده ونومه هنا
أشارت له بأن يلقي التحية على ورد ثم ابتعدت جرياً نحو غرفتها
بينما هو قهقه ضاحكاً من تصرفها المكشوف له ،أنهى إتصاله مع شقيقته ثم استلقى على الأريكة محاولاً أن ينام ،فاليوم كان مرهقاً للغاية بالنسبة للجميع
…..
حل صباح اليوم التالي ولا تزال ياسمين تعاني من وطأة الحمى
كانت جوري جالسة قربها ، تضع لها بعض الكمادات الباردة، بينما تيم خرج لإحضار بعض الأشياء التي يحتاجونها في المنزل ، كم تحمد الله على وجوده في حياتها ، يخفف عنها وطأة ما تشعر به من حزن تجاه شقيقتها
ارسلت رسالة نصية إلى حلا تخبرها بعدم ذهابها للعمل ، ثم أجابت عن استفساراتها حول مرض ياسمين ، كانت ما تزال ترد على رسائل ياسمين حين صدح هاتف ياسمين بالرنين ، فيما ينطق الناطق الآلي للهاتف باسم عاصم
التقطت الهاتف وهي تلوم نفسها بأنها نسيت إخباره بمرض ياسمين وهو إبن عمهما الوحيد
ما إن فتحت الهاتف وألقت التحية عليه ، حتى بادرها عاصم بسؤاله القلق :

_ هل ياسمين بخير

ألقت على مسامعه كل ما حدث ، ظنت أنه سيمطرها باللوم لعدم لجوئها إليه ، لكنه اكتفى بإخبارها أنه قادم إليهما فوراً ، أمسكت الهاتف لتجد عدة مكالمات من ميار لهاتف شقيقتها ، واتصالين البارحة و عدة رسائل من عاصم لم تفتحهم ، بل أعادت الهاتف لمكانه وهي تتذكر حديث ياسمين مع حلا منذ أيام
كيف تطلب منها ألا تظهر قلقها عليها ، ليس بيدها هذا الأمر
تنهدت بتعب وهي تقوم بمسح وجه ياسمين بكمادة الماء
......
لم تمض ربع ساعة على اتصال عاصم حتى كان قد وصل ، نظر بعتب لجوري التي فتحت له الباب قائلاً وهو يلاحظ نظراتها المتأسفة له

_ لن ألومك لعدم إخباري بمرضها يا جوري ،فأنا أعلم أن قلقك عليها جعلك تنسين كل ماحولك

ترقرقت الدموع في عينيها وهي تقول :

_ لقد قال الطبيب أنها مجرد عدوى بالرشح ،ولكن أشعر بأنها مريضة جداً

قال محاولاً عدم إظهاره ألمه وخوفه مما تفوهت به جوري :

_ هل يمكن أن أدخل لأراها

أشارت له بالايجاب ، فتحرك من أمامها متجها لغرفة ياسمين
تسمرت خطواته عند الباب المفتوح ، وهو يراقب وجهها المتعب الراقد فوق الوسادة وقد تناثرت خصلات شعرها حولها
اقترب بقلب يئن ألماً عليها ، جلس على الكرسي بجانبها ومازالت عيناه معلقتان بوجهها الشاحب
بأنامل مرتجفة أبعد خصلات شعرها عن وجهها
يراقب ملامحها المتعبة ، أمسك كف يدها بيده هامساً

_ لقد عرفت أن مكروهاً أصابك وأنا أصارع كوابيسي طوال الليل لأجلك ، لقد سألتك البارحة إن كنت متعبة فنفيت الأمر
نظر نحو وجهها الشاحب ، وهو يلوم نفسه لأنه لم يصر عليها لمعرفة مابها ، لقد اتصل بها البارحة وحين لم تجب ظن أنها نفذت ماقالته له وخلدت للنوم ، فلم يشأ إزعاجها ، واكتفى بإرسال العديد من يطلب منها أن تحدثه فور استيقاظها ، لكنه منذ الصباح يشعر أنها ليست بخير أبداً
لذلك سارع لمحادثتها ، فتصدمه جوري بأنها متعبة ومريضة ، ابتسم بألم وهو يحادثها وكأنها تسمعه :
_ لطالما كنت هكذا قوية ، شامخة ، لا تسمحين لأي شيء بإضعافك ، دوماً تساءلت في نفسي من منا يحتاج الآخر والإجابة دوماً كانت أنك فريدة ، قوية وواثقة لا تحتاجين لأحد ليساندك ، لكن أنا من احتاج وجودك بجانبي دائماً ، لذلك أنت ستكونين بخير لأجلي أنا

بقي كف يدها بيده وهو ينظر لوجهها ، ثم عاد ينظر لغرفتها التي لم تتغير منذ سنوات طويلة ،
ارتجف قلبه بألم وتلك الذكريات تعود لتؤلم قلبه بشكل أكبر
وتزيد من خوفه ، تعود ذاكرته سنيناً للوراء ، حين تلقى ذلك الاتصال من والده بأن ياسمين تحت وطأة حمى شديدة وقد يفقدونها بأي لحظة
في ذلك اليوم ترك كل شيء وعاد إليهم ،ليكون بجانب عمه وجوري وبجانبها هي ، حينها تسمر والطبيب يبلغهم

(( لقد كانت درجة حرارتها مرتفعة جداً ،و لم يتم إحضارها إلى المستشفى إلا بعد فوات الأوان
نظر نحو الطبيب يرجو منه أن يقول كلاماً يطمئن قلبه فسأله :
_ماذا تعني ؟
أجابه الطبيب بمهنية دون أن يرّف له جفن لما يقول :
_ إن الحرارة العالية يمكن أن تتسبب بإتلاف بعض الأعصاب في الدماغ وخاصة لدى صغار السن ، وينتج عنها إما فقدان للسمع أو البصر و أحياناً يمكن أن تؤدي للموت ))
يومها رفض بشدة ماقاله الطبيب ، واتهمه بأنه غير كفؤ في عمله وطالب بطبيب غيره
يتذكر صراخه بعمه كيف لم ينتبهوا لأمر حرارتها ولم يستفق من جنونه إلا على صفعة والده له :
(( توقف عن صراخك الذي لا فائدة منه ،إن كنت ستتصرف كالأطفال فعد للمنزل ولا تريني وجهك هنا ، عمك تم استدعاؤه لمهمة عاجلة وياسمين لم تكن تعاني من أي شيء حين تركهما مساء ، وحين عاد صباحاً وجدها محمومة للغاية ، رغم قيام خديجة بكل الإسعافات الضرورية لها ، كما أبلغها الطبيب الذي حضر للكشف على الصغيرة ، وهاهي هنا في المستشفى والحرارة ما زالت مرتفعة لديها ، لذلك لا تلق باللوم على أحد ،وتصرف كرجل أستطيع الإعتماد عليه ))

عاد من ذكرياته على همهماتها الخافتة ،فاقترب بوجهه من وجهها يلامس بأنامله جبينها لتروعه درجة حرارتها العالية
صرخ منادياً جوري ،التي أتت مسرعة وخلفها تيم الذي وصل منذ لحظات
كان عاصم يزيح الغطاء عن جسدها فيما يطلب من جوري أن تملأ حوض الاستحمام بالماء المعتدل

_ هيا جوري ،علينا أن نخفض حرارتها ، وأنت تيم اتصل الطبيب لو سمحت

خرج تيم ملبياً طلبه ، فيما لحق هو بجوري نحو الحمام الملحق بالغرفة
كان يضمها إليه يشعر بها كعصفور صغير يرتجف خوفاً من البرد ، كل مايصله منها همهماتها الخافتة
اقترب من حوض الاستحمام ثم وضعها فيه بكل هدوء ، مخافة أن يسقطها فتتأذى ، سمع شهقتها الخافتة جراء المياة المعتدلة التي وضعها فيها ، قالت جوري ودموعها تسبقها فيما تساعده بغسيل وجه ياسمين ببعض الماء

_ هل ستكون بخير ياعاصم

كان عاصم مايزال ممسكاً بجسد ياسمين يحاول أن يغمرها بالماء رويداً رويداً ، أجاب جوري دون أن يلتفت إليها :

_ أخبرني الطبيب مرة أنه في حال كانت الحرارة مرتفعة ،فيجب علينا أن نغمر جسم المريض بالماء المعتدل لا البارد بشدة ،فالماء البارد قد يؤدي للموت بينما المعتدل يقوم بسحب الحرارة من الجسم ، جهزي لها ملابس أخرى ونادي خديجة لتساعدك على تبديل ملابسها

تركته جوري مسرعةً لتقوم بما طلبه فيما هو ينظر نحو وجهها وقد هدأت همهماتها ، ناداها بخفوت

_ ياسمينة

دق قلبه بصخب قوي وهي تمسك بيدها بمقدمة قميصه وكأنه حبل النجاة لها، فيما تستند برأسها لصدره هامسة وهي بين الوعي واللاوعي :

_ عاصم لا تبتعد عني

ضمها إليه يحمد الله أنها تحدثت إليه ولو بغير وعي منها ، كان يريد الرد على كلماتها التي باحت بها ، لكن دخول جوري منعه
ناولته المنشفة الضخمة ، فقام بلفها حول جسد ياسمين ثم عاد بها نحو الغرفة
تركها لخديجة وجوري وخرج هو نحو الصالة بانتظار انتهائهم من تبديل ملابسها ، يقطع الصالة بخطوات متوترة ولسانه يلهج بالدعاء لأجلها
وصل الطبيب بعد بعض الوقت ، فقامت جوري بمرافقته نحو غرفة ياسمين ليقوم بإجراء الفحص اللازم لها، فيما بقي تيم يناظر عاصم الواقف بجمود وعيناه مسمرتان على المدخل المؤدي إلى غرفة نومها ، يخفي خلف جموده قلقاً كبيراً ، حتى أنه لم ينتبه لملابسه المبللة بالماء
الآن أيقن تيم أن عاصم لايتعامل مع ياسمين كتعامله مع جوري
مع جوري يعاملها كشقيق وابن عم آما مع ياسمين فالموضوع مختلف تماماّ ، إنه يحبها
تنهد بخفوت ، وهو يراقب ابتعاد عاصم نحو النافذة ، يناظر بشرود الأفق أمانه ، اقترب ليقف بجانبه قائلاً

_ ستكون بخير بإذن الله ، إنها قوية وستتخطى هذه المحنة

لكن عاصم كان وكأنه في عالم آخر ،همس وكأنه يحدث نفسه :

_ منذ كان طفلة صغيرة كانت تحب الربيع وكل ما يحمله من بدايات جديدة ، كان تخبرني أنها تحب لون عينيها لأنه أخضر مثل لون الربيع ، وتطالبني بنزهات خاصة بها ، ولكنها بسبب الحمى اللعينة فقدت القدرة على رؤية الربيع وجماله

توقفت أنفاس تيم مذهولاً مما يسمع ، هل هذا يعني أنها لم تولد وهي فاقدة لبصرها ، فيما أكمل عاصم حديثه :

_ كانت في الثانية عشرة من عمرها تقريباً ، أرادت أن تلعب في الخارج ولم تستجب لطلب عمي بأن لا تطيل البقاء خارجاً ، كانت الحرارة مرتفعة جداً ، حين عادت للمنزل اعتقد الجميع أنها متعبة من اللعب ، لكن الأمر كان تعرضها لضربة شمس حادة أدى إلى ارتفاع درجة حرارتها بشكل مخيف ، والنتيجة كانت فقدانها لبصرها

قالها بغصة قوية جعلته غير قادر على التنفس فيما همس تيم بإشفاق :

_ يا إلهي

خروج الطبيب ،جعلهما يستعيدان تركيزهما وخاصة عاصم وهو يتجه إليه مستفهماّ عن حالتها ، أجابه الطبيب:

_ستكون بخير ،أحسنت صنعاً بإخفاض درجة حرارة جسمها ، أعتقد أنها بحلول المساء ستستعيد وعيها ، إنها الانفلونزا الموسمية ويبدو أنها تأثرت بها أكثر من غيرها

همس له عاصم بالشكر ،ثم رافقه نحو الخارج بعد أن أخبر جوري أنه سيذهب للمنزل لبعض الوقت ،ثم يعود إليهم
جلست شادية في غرفتها تناظر العباءة التي فردتها على السرير ، تتأملها بشرود
حين عادت البارحة ، لم تفكر بإخراجها من الكيس حتى ، فقد كانت متعبة للغاية لذلك آثرت أن تتناول طعامها وتنام
لكنها منذ الصباح تنظر بارتباك غريب عليها للكيس الذي وضعته على طاولة الزينة ، حتى والدتها لاحظت أنها على غير طبيعتها اليوم ، لكنها تحججت بالتعب لا أكثر
اقتربت مستندة على عكازها من السرير ، لتجلس عليه بينما يدها تهفو لملامسة القماش الملون للعباءة
سمحت ليدها بالمرور فوق النقوش التي رسمت بخيوط ملونة ، وعقلها يستعيد تلك الضحكة التي صدرت عن مراد البارحة
ابعدت يدها بقسوة عن القماش وهي تلوم نفسها لمنحى أفكارها تلك ، أي جنون بات يتلبس أفكارها ، هل يعقل أن تفكر بشخص لم تقابله سوى مرتين
سحبت العباءة واستقامت واقفة وهي تأخذ بيدها الأخرى عكازها ، وضعتها في الخزانة مغلقة الباب عليها بحدة وقد ابعدت عن ذهنها فكرة تجربتها
ثم توجهت نحو الشرفة الجانبية التي حولتها لمشغل خاص بها ، جلست على الكرسي وهي تنظر لأدواتها البسيطة ، ثم مالبثت أن أغرقت نفسها بالعمل
…….
عند المساء كانت ياسمين قد استعادت وعيها ، رغم تعبها واحساسها بأن جسدها يؤلمها بشدة إلا أن أصواتهم تناهت إلى سمعها وهم متواجدين في الصالة ، ابتسمت بتعب ، تشكر الله على وجودهم في حياتها وبجانبها في لحظات ضعفها هذه
صوت فتح الباب جعلها تبتسم بضعف وهي تعي أن القادمة هي خديجة ، والتي ما إن لمحتها وقد فتحت عيناها حتى هرعت تضمها بحنان أم قامت بتربيتها ، تقبل وجنتيها وهي تحمد الله على سلامتها
وخلال لحظات كان الجميع في غرفتها ،رغم أنها لا تراهم لكنها تشعر بلهفتهم عليها ،بخوفهم مما أصابها ،وتشعر به هو ، تشعر بوجوده كذلك
قال تيم ممازحاً وهو مازال واقفاً قرب باب الغرفة :
_ لقد أخفتنا عليك يا فتاة

فيما حضنتها جوري بسعادة وهي تقول

_ لقد كدت أموت قلقاً عليك يا أختي

همست بخفوت

_حفظك الله ، لا تعيدي مثل هذه الكلمات ، أنا بخير الآن

_جوري تعالي لنحضر لها طبقاً من الشوربة الذي أعددته بنفسي لها ، لتعلم كم هي مميزة عندي

قالها تيم بضحك وهو يلمح النظرات الغاضبة تجاهه من قبل عاصم ، لكنه غمز له مؤيداّ فيما ترافقه جوري للخارج
اقترب عاصم منها وجلس قبالتها ، يتفقد ملامحها ، ليتنهد براحة وهو يلاحظ ابتسامتها المتعبة فيما تهمس بإسمه لتتأكد أنه هنا ، أجابها بنبرته الحنونة والتي يخصها بها وحدها

_ الحمدلله على سلامتك يا ياسمين، لقد أخفتني عليك كثيراً

همست باعتذار حقيقي ، فهي لا توّد أن تتسبب بالقلق لأي منهم :

_ آسفة ، لم أقصد

أمسك كف يدها قائلا
ّ
_ علام تعتذرين يا زهرتنا ، كل ما أطلبه منك أن تهتمي بنفسك أكثر ،وأن لا تخفي تعبك عنا

توردت وجنتاها بخجل وهي تسمع كلماته ، وخاصة ندائه لها بزهرتنا كما كان يفعل والدها وعمها حين كانت صغيرة ، بينما هو تراقصت دقات قلبه داخل جنبات صدره فيما يشاهد ارتباكها ، كم يود أن يخبرها بالكثير ،ولكن دائما ما يكبت رغبته تلك ، يمنع لسانه من البوح ، لكنه الآن لم يعد يستطيع كتمان الأمر ،لقد اتخذ قراره وسيخبرها قريباً ، بل سيفعل الآن ، لكن عودة جوري إليها جعلته يلتزم الصمت ، ليستأذن منهما مغادراً بحجة أنه قد تأخر على شقيقته
…..
في اليوم التالي كانت تجلس في فراشها مرغمة ،فجوري لم تسمح لها بمغادرة السرير
جلست جوري قربها تراقبها وهي تتناول حساءها الساخن ، كانت تراقبها فرحة أنها بخير وأن الأمر لم يتعدى كونه إنفلونزا عادية ، رنين الهاتف جعلها تتأفف قائلة :

_ لم يتوقف هذا الهاتف عن الرنين منذ يومين ، أتعلمين كل أصدقائك اتصلوا ليطمئنوا عليك ، ومدربتك مدى اتصلت أكثر من مرة ، وشادية أصرت على الحضور لزيارتك

قالت ياسمين بابتسامة سعيدة فيما تأخذ جوري منها طبق الحساء الفارغ :

_ أحمد الله لوجود أشخاص مثلهم بجانبي

_وميار

قالتها جوري بمكر ، لكن ياسمين خيبت ظنها حين سألت بتلقائية

_ مابه ميار ؟

أجابتها جوري محاولة إظهار مدى إهتمام ميار بها وسؤاله الدائم عنها

_ كل ساعة كان يتصل ليطمئن عليك ، واستأذنني أنه سيحضر لزيارتك

قالت ياسمين وكلام جوري لم يحرك فيها شيئاً

_ إنه شاب خلوق ، وسعيدة لأنه مدرب فرقتنا

_فقط

سألتها جوري باستغراب ،فقالت ياسمين بنفاذ صبر

_ جوري ، ما الأمر أخبريني ، أراك كثيرة الحديث عن ميار، ولولا حبك لتيم لكنت قلت أنه يعجبك

ضحكت جوري وهي تتذكر غيرة تيم من اتصالات ميار المتكررة ، ثم قالت

_ كلا لا يعجبني ، لكني كنت أظن أنه يعجبك أنت

هزت ياسمين رأسها تنفي ببساطة قائلة

_ إن كنت تقصدين أنني أحمل مشاعر الحب له ،فقطعاً لا أفعل ، إنني أحترمه ، و أراه إنسان مميزاً ،لكنني لا أحبه يا جوري

نظرت لها جوري بعدم رضا ، ففي داخلها تمنت لو أنها تحمل مشاعراً لميار ، لذلك قالت

_ ربما لأنك لم تتعاملي معه خارج إطار أنه مدربك يا ياسمين ، لم لا تعطي نفسك وتعطيه فرصة فربما وجدت نفسك تحبينه دون أن تشعري

أرادت ياسمين الصراخ بها لتتوقف عن محاولتها تلك ،تتفهم خوف جوري عليها وقلقها ، تتفهم رغبتها في أن تراها مع شخص تحبه ، لكنها لا تريد لها أن تتدخل بهذا الأمر تحديداً ،فقلبها أعلن خياره ولن تحيد عن هذا الخيار مهما حدث ، لذلك قالت بخفوت وهي تكبح نفسها عن الطلب بقسوة من جوري بأن لا تتدخل في هذا الأمر :

_ حين أحببت تيم يا جوري ، هل خططت للأمر ، أم أن حبه كان كإعصار ضرب استقرار حياتك ، لكن ليحولها لحياة أكثر جمالاً وسعادة ، كان وميضاً قوياً ترسخ بين جنبات قلبك ، حين أحببته أبلغتك روحك بأن هذا الشخص هو سكناها، أليس هذا ماحدث ياجوري

أجابتها جوري رغم الصدمة التي حلت عليها من حديث ياسمين الذي تفوهت به

_ أجل ، لم أشعر إلا وأنا عاشقة له حتى النخاع

قالت ياسمين بهدوء وهي تعقد كفيها فوق حجرها :

_ مع ميار ،لا أشعر بأي شيء ، هل فهمتني يا جوري

قالت جوري بأسف من تدخلها الذي حذرتها منه حلا قبل أيام :

_ أنا آسفة إن كنت قد تدخلت بالأمر بهذا الشكل ،لكن كل ما أريده أن أراك سعيدة رفقة شخص تحبينه ويحبك

ربتت ياسمين على كف يدها قائلة

_ أفهم كل ماتودينه لي يا جوري ،لكن دع الأمر للأيام ،لا نعلم ما الذي تخبئه لنا وللقلوب دائما تحكماتها الغريبة بنا
......
أراد عاصم زيارتها اليوم ، لكن جوري أخبرته أن جميع أصدقائها قادمون لزيارتها والاطمئنان عليها ، وقف أمام طاولة مكتبه غاضباً ،وهو يتذكر اعتذار جوري منه بسبب قدوم أصدقاء ياسمين ، ضم قبضتي يده بقوة مفكراً بوجود ذلك السمج رفقتهم الآن ،ود لو بإمكانه أخذها بعيداً عنهم فلا يلمحها أحد منهم
ولكن كيف السبيل إلى ذلك
نظر نحو صورتها التي تزين شاشة هاتفه قائلا بتصميم

_ هذه المرة سأطالب بحقي بك يا ياسمين ، فإما جنة أعيش بها رفقتك ، أو جحيم أعيش عذابه بمفردي

دخول زياد العاصف كما العادة جعله يعيد هاتفه إلى مكانه على الطاولة بعد أن أطفأ شاشته
قال زياد وهو يضع بعض الأوراق التي تحتاج لتوقيعه على الطاولة

_ بعد أسبوعين يتوجب عليك السفر للعاصمة

نظر له عاصم باستفهام ، فقال زياد بعملية

_ هل نسيت ؟ لديك اجتماع مع مدير الفندق موعد تسليم الدفعة الثانية من الطلبية اقترب إن كنت قد نسيت الأمر

استدار عاصم ليتخذ مقعده خلف الطاولة ، متفقداً بريده الالكتروني ،حيث دون ملاحظاته حول الاجتماع ، قال عاصم وهو ينتبه للتاريخ الذي سيعقدون فيه الاجتماع ، ثم نظر باحباط نحو زياد وهو يقول :
_ حسناً ، لكنك سترافقني ، فهذه الخطوة مهمة لكلينا ، لأنه يتوجب علي العودة مبكراً

اومأ زياد بأجل دون أن يسأله عن السبب الذي يستوجب عودتهم باكراً ،ثم خرج تاركاً عاصم يتابع عمله بدراسة الأوراق التي أحضرها
…..
كان عاصم في سيارته ينتظر حضور ياسمين ليخرجا معاً
لقد إتصل بها صباحاً ليطمئن عليها ثم أخبرها ممازحاً يذكرها بطلباتها السابقة له :

_ مارأيك أن أريك الربيع بطريقتي أنا ، نزهة مميزة كرمى زهرتي

ضحكت بسعادة وهي تجيبه ، وضحكاتها رسمت ألواناً مبهجة داخل قلبه ، بل مفرقعات دوت بقوة لتزيد من بريق أحلامه

_ أجل ،أنا موافقة ، فقد مضى عشر أيام على حبسي الإجباري في المنزل وأرغب بالخروج قليلاً

وهاهو ينتظر قدومها ، لحظات مرت و رآها قادمة بمفردها ، تساندها عصاها لمعرفة الطريق
يراها أجمل وأكمل إمرأة ، يراها نجمة لامعة تزين حياته
يراها نسمة ربيعية تعيد لروحه بسمتها
ترجل من السيارة ثم وقف قربها يناظرها بعشق
كان مميزة بثوب ربيعي أبيض مزين بورود حمراء في أسفله وفوقه سترة من الجينز قصيرة
بينما تعقد شعرها في جديلة طويلة ،
اقترب بخطواته حتى أصبح قبالتها ، ينظر لوجهها بشوق ، وبعشق
لو كانت تراه لعلمت أي حب يملكه في قلبه تجاهها
مازال بعض الشحوب يعتلي ملامحها ، ولكنه يحمد الله أنها بخير
فيما هي تقف قبالته ، لاتراه نعم ، لكنها تشعر بنظراته التي تحيط بها ، وتمنحها أمانا وراحة غريبين
تشعر بما يشعر به قلبه وتنتظر منه تأكيداً وبوحاً
سمعت صوته الذي تحب ، قائلا

_ أحمد الله على سلامتك ، والآن هيا بنا لنبدأ رحلتنا

في السيارة كانت رائحة عطره تتسلل قوية اليها فتجعل قلبها يعزف ألحانه المتفردة فيما تسمعه يخبرها عن جدول رحلتهما اليوم
تحاول جاهدة السيطرة على مشاعرها ، لقد وعدت نفسها أن يكون حبها له منبع قوة ودعم مهما كان ما يخبئه المستقبل لهما صوت المغنية التي بدأت تشدو بأغنية تحبها جعل تلك الفراشات تعود لتدغدغ فؤادها :
( أبلغ عزيزاً في ثنايا القلب منزله )

ارتجف قلبها
والأغنية تدفعها للبوح بما يعتمل داخل قلبها في هذه اللحظات
غافلة عن ما يحدث كذلك مع عاصم الذي سارع لإطفاء الراديو متعذراً بقوله

_ ما رأيك لو نسمع برنامج تيم الصباحي

وافقته بهزة من رأسها ، فهي أيضاً تحتاج لأن تسترد ثباتها
بداية الرحلة كانت افطارا مميزا في مطعم في الريف القريب
مطعم لطالما قصدوه جميعا حين كانوا صغاراً
ذكريات كثيرة جميلة
عاشتها رفقة والدها وجوري وعمها وزوجته وعاصم وسراب في هذا المكان
رغم عدم تمكنها من رؤية جمال المكان لكنها تشعر بروعته وجماله من خلال نسائم الربيع التي تلامس وجهها
من رائحة الزهور التي تختلط برائحة الفطائر المصنوعة محلياً
كل ذلك يجعلها تشعر بهوية المكان

كان عاصم يراقبها وهي تتناول الطعام بتأني ولكن بسعادة تظهر جلية على وجهها ، يسند كفه لوجنته فيما عيناه تلتهمان تفاصيلها بعشق ، قاطعت تأمله لها وهي تسأله مستفسرة
_ لم لا تتناول طعامك ، ألا تعجبك الفطائر

ظهر ارتباكه وهو يجيبها :
_ كلا إنها لذيذة
ثم شرع بتناول وجبته ، بعد تناولهم للطعام طلبوا الشاي لهم ، وبينما هي تمسك بكوبها بين يديها ، اقترب بكرسيه من كرسيها ، ليصف لها كل ما حولهما في عادة طالما رافقتهما
غادرا المطعم بعدها متجهين نحو الريف الخلاب بمناظره في هذه الفترة من العام
لطالما كانت نهاية شهر إبريل مميزاً في منطقة الريف ، حيث يحول الطبيعة الى لوحات زاهية بإبداعها وجمالها ، تقطع السيارة الطريق الذي تحيطه الأشجار من الجانبين ،
كان عاصم يصف لها بأسلوبه كل ما يشاهده على الطريق ، فتشعر بنفسها وكأنها ترى ذلك حقيقة ، حتى توقفت السيارة قرب البحيرة ، ساعدها على النزول من السيارة ، لتستقبلها النسائم الرطبة المنعشة ، قالت بمرح :
_ لا بد أن مياهها باردة ، فنسائمها منعشة للغاية
أجابها بأجل وهو يجهز المكان الذي سوف يجلسان فيه ، أمسك بكف يدها يساعدها على الوصول إلى
مكانها على المفرش الخاص بالنزهات ، كانت سراب قد وضعته له مع سلة طعام بسيطة لأجل نزهته مع ياسمين
حولهما كان الكثير من الناس جماعات وفرادى أتوا كذلك للتنعم بهذا الجمال
قالت ياسمين وهي تمسك بيدها زجاجة العصير التي أعطاها لها ، فيما تبدو للناظر إليها وكأنها تراقب جمال البحيرة

_ هل تظن أنني سأتمكن من اللحاق بالتدريبات ، الحفل بعد أسبوعين و أنا فاتني الكثير من التدريب

نظر لها قائلاً بدعم :

_ ياسمين التي أعرفها ،ستتمكن من العودة للقمة وبسرعة ،لطالما كنت مميزة بمثابرتك وقدرتك على تخطي الصعاب يا ياسمين ، وأنا متأكد أنك ستتمكنين من اللحاق بتدريباتك ، وسيكون حفلا مميزا كما هي العادة

قالت بابتسامة ممتنة :

_تميزي كان بفضل دعمكم جميعا يا عاصم ، وقوفكم لجانبي في كل مرحلة من مراحل حياتي

قال وهو يعود بنظره نحو البحيرة أمامهما ،مجبراً عينيه على الإبتعاد عن تأمل وجهها

_ ربما كان لنا بعض الدور في حياتك يا ياسمين، ولكن ثقي بأنك قوية ، قوية جداً

((قوتي في حبي لكم ، في حبي لك يا عاصم ،حبك مصدر قوة لي ولن يكون في يوم من الأيام مصدر ضعفي ))


همست بها في سرها ، تود في داخلها لو تتمكن في هذه اللحظة من ملامسة ملامحه ،من معرفة كل خلجة من خلجاته ،
هربت من تفكيرها بأن قالت بابتسامة مرتبكة

_ أريد أن أرى الربيع من خلال عينيك أنت ،أليس هذا ما اخبرتني به

همس بصوته الذي تعشق

_ ياسمينتي تأمر ، و أنا أنفذ

قلبها يتقافز في صدرها ، كصدى ألحان بربرية ، بينما هو يمنع نفسه من إمساك كف يدها وتقبيله ، من الإفصاح عن عشقه ، أجلا صوته وهو يقول

_ كل شئ هنا حولنا في طور الولادة ، أشجار استعادت خضرتها تتزين بحلتها الجديدة بعدما أمضت شتاءها تعاني البرد والصقيع ، السهل ازدان ببساط من العشب الأخضر الندي ، أزهار من مختلف الألوان تفتح عيناها للحياة ، ببهجة وسعادة وعبق ينثر عطرها في كل الارجاء ،

نظر إليها وقد تحول صوته للهمس

_ يمكنك الشعور بها حولك وبقربك وفي كل مكان ، يحملها النسيم فوق أجنحته الشفافة ، ليسكبها في قلبك أملا وانطلاقا نحو الحياة ، والبحيرة تقبع أمامنا بكل عنفوان ،كساحرة متوجة وسط كل هذا الجمال ، فيزيد جمالها ،و بلونها الفضي يتناثر السحر ، إنه ربيع ساحر ، كطفل شقي ، نثر الألوان هنا وهناك ، فوجد طريقه للقلوب وبقوة ، إنه ربيع ساحر ، ربيع كلون عينيك

كان يتحدث وهو ينظر لعينيها البراقتين ،رغم حرمانها من نعمة البصر ، إلا أنهما كانتا وما زالتا تلقيان بسحرهما الخاص عليه ، وكأنها ألقت على قلبه بتعويذة امتلكته بها للأبد
اما هي فكانت تسمع همسه الواصف لكل ماحولها، لتشعر بنفسها وقد عادت تلك الصغيرة التي تركض هنا وهناك تحتفل بقدوم الربيع ، لتتوقف أنفاسها وهي تسمع وصفه بأنه ساحر كلون عينيها
هل عنى ماقال ، أم أنه مأخوذ بالوصف ، تتمنى أن ترى عيناه وهو يتحدث لتعلم ما يحمله في قلبه من مشاعر لها ، لكنها أبدا لن تسمح لتلك الغصة وذلك الوهم بوجود أخرى في حياته ، بتعكير صفو هذه اللحظات التي تجمعهما ، لذلك قال بذات الهمس :

_ إنه ربيع ساحر ، لأنك أنت من تصفه يا عاصم


_ ياسمين هل أنت بخير

قالها بخوف وهو يلاحظ ذلك الإنكسار اللحظي في ملامحها ، وكأن هناك ما آلمها لكنها نفت بهزة من رأسها وقد عادت الابتسامة لتزين وجهها قائلة

_ كلا ، أنا سعيدة جدا هذا اليوم

رنين هاتفه جعله يدرك أن وقت العودة قد حان ،أجاب زياد بكلمات مقتضبة ،ثم استدار نحوها هامسا

_ هناك عمل طاريء ، وجب علينا العودة الآن

وكحال طريق الذهاب كان طريق العودة جميلا ، لا يتوقف هو عن الكلام ولاهي عن الضحك والاستمتاع بيومها هذا
….
عادت ياسمين لروتين حياتها المعتاد ، و للتدريبات مجدداً
كان ميار يعطيها استراحة كل ساعة خوفاً من انتكاسة قد تتعرض لها ،
تستمع لتعليماته التي يلقيها على الجميع ، وهو يخبرهم بأهمية هذا الحفل
حتى تيم قرر دعمهم حين سمع بأمر التبرع ، وقرر أن تكون حلقة برنامجه صبيحة الحفل مخصصة لهم
قالت ياسمين لشادية التي جلست قربها عقب انتهاء التمرينات
_ ما الأمر الذي يشغل ذهنك يا صديقتي ؟
نظرت نحوها شادية تجيبها بارتباك :
_ لا شيء
لكنها عادت تقول بسرعة وكأنها تخاف أن تجبن فلا تبوح لصديقتها بما يؤرقها
_ بل يوجد ، أعني
توترها جلب الابتسامة لياسمين وهي تقول
_ يبدو أن الأمر خطير
هزت رأسها بأجل ، لتشتم نفسها بداخلها لغبائها الذي بات يسبطر عليها ، فياسمين لن ترى ايمائتها هذه ، لذلك عادت تقول
_ ما رأيك بأن ترافقيني لمنزلي اليوم ، نجلس ونتحدث
وافقتها ياسمين وبداخلها قلق من أن يكون هناك من آذى صديقتها بالحديث كما حدث من ابنة خالها
….
جلست ياسمين في غرفة شادية في ركن جانبي يحتوي على مقعدين فقط ، وضعت ياسمين كوب الشاي من يدها وهي تقول :
_ يكفي تحدثك في اشياء غير هامة يا شادية ، وكأنك تهربين من الحديث الحقيقي
نظرت شادية نحوها بتوتر ، وقد علمت أنها أوقعت نفسها في ورطة ، لماذا لم تدفن شعورها في أعماق قلبها وتكتفي بالتجاهل ، لكنها بحاجة لمن تشاركه ما يحدث معها ، قالت بتردد
_ حسناّ إن الأمر متعلق بمراد
سألتها ياسمين بعدم فهم :
_ من مراد ؟
أجابت شادية
_ صديق ابن عمك عاصم ، صاحب متجر الملابس
ابتسمت ياسمين وهي تقول ضاحكة
_ لقد تذكرته ، ما به مراد هل تريدين اقتناء عباءة أخرى من متجره
تأففت شادية وهي تقول :
_ توقفي عن الضحك ، إن الموضوع جدي فعلاً
امتثلت ياسمين لطلبها ، بأن وضعت يدها على فمها للحظة ، ثم عادت تقول
_ هيا تحدثي ، أنا اسمعك
فركت شادية كفي يدها داخل حجرها وهي تخبر ياسمين عما حدث بينها وبين مراد من حديث بخصوص العمل وطلبه لرقم هاتفها :
_ لقد هاتفني مرتين يحدد لي ما يريد مني صنعه
قالت ياسمين وهي تحاول أن تفهم مايحدث تماماً
_ إذاً الأمر يتعلق بالعمل فقط

أجابتها شادية :
_ لا أعلم بالضبط يا ياسمين ، لقد تحدثنا في العمل فقط ثم سألني إن كان هناك مكان لعرض ما أقوم بصنعه ، فأخبرته بأني لا أفعل ، و اعتذرت منه أنني سأؤجل العمل على ما يريد لما بعد الحفل
تنهدت ياسمين وهي تقول
_ شادية صارحيني بما يجول حقيقة بداخلك
بارتباك شديد وخوف لا تعلم لم اعتراها قالت شادية
_ حسناً ، لا أعلم كيف أخبرك بما يراودني من مشاعر حيال الأمر
دون تردد سألتها ياسمين
_ أنت معجبة به أليس كذلك
بخجل أجابتها شادية
_ لا اعلم ، منذ لقائنا الثاني به في متجره وأنا أشعر بأمر غريب يحدث لي ، ثم جاءت اتصالاته ، رغم أنها تخص العمل فقط لكن ذلك الشعور بداخلي يزداد ، وهذا ما يخيفني
قالت آخر عبارة بانكسار ، فمدت ياسمين يدها نحوها ، تربت على كتفها وهي تقول لها :
_ لم هذا الخوف أخبريني ؟
بنبرة شبه باكية ، تحدثت شادية
_ أخاف أن ، أنت تعلمين
نطقت ياسمين بما تريده هي :
_ تقصدين وضعك
أجابتها بأجل ثم أكملت بشبه ضياع :
_ أخاف أن اتعلق بحلم لن يتحقق
شعرت ياسمين بالألم لأجل صديقتها ، لذلك امسكت كف يدها تشد عليه بدعم وهي تقول :
_ ليست شادية من تخاف ، وتوقفي عن التقليل من شأن نفسك ،والله سوف يرزقك بمن يراك كاملة بعين قلبه ، وبالنسبة لمراد خيراً فعلتي بتأجيل أي حديث بينكما لما بعد الحفل ، ربما تشوشك هذه الفترة بسبب مانمر به من ضغوط
ضمتها شادية إليها وهي تقول
_ شكراً لوجودك بجانبي يا صديقتي
……

بعد انتهاء آخر التدريبات عادت ياسمين للمنزل رفقة جوري ،وطوال الطريق كانت تحدثها عن الحفل الذي سيقام في اليوم التالي وما سترتديه للحفل
قالت جوري وهي تنهي اتصالها بمتجر الحلويات بغية تأكيدها عليهم بايصال الطلبية الخاصة في وقتها :
_ دعينا من أمر الحفل ، اليوم سنحتفل بعيد ميلادك أم أن الأمر غير مهم لك
تنهدت ياسمين وهي تجيبها :
_ وجودك معي هو الأهم ، ثم إن الجميع مشغول اليوم ولا أظن أن أحداً سيتمكن من الحضور
كانت ياسمين تعني بحديثها عاصم الذي أبلغها بأنه في العاصمة لأمر مهم وإن تمكن من العودة باكراً سيحضر الاحتفال
أجابتها جوري بغيظ منها :
_ إنه حفل بسيط لا تقلقي

ضحكت ياسمين وهي تقول :
_ حسناً كله الا غضبك أنسة جوري

بعد وصولهما للمنزل وتناولهما للغداء بوقت بسيط ، تفاجآت ياسمين بحضور تيم ، ليتبعه بعدها بدقائق معدودة كلٌّ من كرم وزوجته حلا وزينة الصغيرة ، لتزداد مفاجآتها وهي تسمع صوت جوري المرحب بميار ومدى وشادية
أحست بالصدمة وهي لم تتوقع حضورهم ، ما إن اقتربت جوري منها حتى سحبتها من يدها نحو المطبخ وهي تحدثها بهمس :

_ لقد أخبرتني أننا سنحتفل لوحدنا ، لم لم تخبريني بقدومهم

قالت جوري بخيبة أمل بدت واضحة جداً في صوتها وقد ظنت أن الأمر سيسعد شقيقتها :

_ ظننتك ستكونين سعيدة ، أنا احتفل بشفائك وبعيد ميلادك يا ياسمين ومن ثم لم أدعو إلا المقربين منك ،وكم كنت أود دعوة بقية أصدقائك

شعرت ياسمين بالحزن وهي تستمع لنبرة جوري، فقالت بأسف وهي تضمها إليها :

_ ومن قال أنني لست سعيدة ، أشكرك من كل قلبي لكل ما تفعلينه من أجلي يا أختي ، لكن تفاجآت بقدومهم لا أكثر

ضمتها جوري كذلك وهي تقول :

_ أنت أختي وكنزي الغالي يا ياسمين ، وسعادتك هي كل ما أريده في هذه الحياة

_ وأنا أليس لي من حبك نصيب

كان هذا صوت تيم الذي قاطع لحظاتهما معا ، وهو يقتحم عليهما المطبخ حيث انتحيتا بعيداً عن الجمع لتتحدثا
قالت ياسمين بضحك :

_ يكفيك حب جوريتنا الغالية

ثم استأذنت مغادرة ، وهي تعلم أن تيم سيستغل انفراده بشقيقتها أفضل استغلال
….
بعد إطفاء الشموع ، تمنى لها الجميع عيداً سعيداً، قالت مدى بمشاغبة :

_ ألن تخبرينا عن أمنيتك

هزت رأسها نافية ،تتهرب من الإجابة
هل تخبرهم أن أمنيتها لم تتغير منذ أعوام
أنه هو أمنيتها
وأن القلب في كل مرة يجدد عهده له
جلست قرب شادية تتبادل الحديث معها بعد أن قامت جوري بتوزيع قطع الحلوى عليهم
اقترب ميار من ياسمين هامساً ببعض الإحراج
_ هل استطيع محادثتك على انفراد
لبت طلبه بارتباك ، ودعته ليجلسا في الشرفة ، جلست قبالته وفي داخلها دعوة ألا يكون ظنها صحيحاً ، بأن ميار قرر البوح بمشاعره لها والتي نبهتها جوري لوجودها
أجلى ميار صوته وهو يقول بتوتر من الأمر المقدم عليه :

_ ياسمين ، أنا لست ممن اعتاد اللف و الدوران ، إن عزمت على أمر خضته دون تردد، ولذلك لن أكون مترددا وأنا أصارحك بمشاعري تجاهك.

شعرت بالصدمة وهي تستمع إليه ، رغم توقعها بأن هذا هو الموضوع الذي أراد مصارحتها به ، لكن أن تسمعه منه فهو أمر صعب جداً عليها ،أرادت مقاطعته لكنه منعها قائلاً

_ دعيني أكمل ، ربما أنت لا تشعرين بذات المشاعر تجاهي ، ولكن دعيني أحاول أن أجعل قلبك يتحرك تجاهي
انتبه لتورد وجنتيها من كلامه ، فابتسم بحب لخجلها العذري ، وهو يكمل حديثه
_ منذ شاهدتك لأول مرة و أنت تتدربين ، جذبتي أنظاري نحوك ، وفي كل مرة كانت مشاعري تجاهك تزداد وضوحا وقوة ، لأدرك في النهاية أنني بت أحمل أكثر من مشاعر الإعجاب تجاهك

أجابته بهمس آسف لأجله ، رغم خجلها من سماع هذه الاعترافات منه :

_ ميار ،أنا

قاطع حديثها ، وهو يقول :

_ لا أريد أن أسمع إجابتك الآن ، و أريدك أن تعلمي، أنه مهما كانت إجابتك لن يتغير شيء في علاقتنا بالعمل ، ولكن اتمنى أن يكون لي مكان في قلبك يا ياسمين ،لأنني أحبك

شهقت بصدمة وخجل في آن واحد ، وهي تسمع اعترافه ، بماذا يمكن أن تجيب
أنقذها نداء جوري لها تبلغها أن تعود للداخل ، ثم ظهور خديجة قربها تمسك يدها لتدخلها وكأنها شعرت بحاجتها للإبتعاد
راقب ميار ذهابها رفقة خديجة دون أن تعطيه أي إجابة ، تنهد بتعب وهو يعلم أن طريقه ربما سيكون طويلاً معها ، اتجه نحو الصالة ليجدها قد عاودت الجلوس بجانب شادية ، غافلاً عن ثلاثة أزواج من العيون تراقب ملامح وجهه المبهمة .

…..
نظرت حلا نحو ميار وهو يستأذن بالمغادرة رفقة مدى ، لم يغب عنها سبب طلبه للجلوس مع ياسمين بمفردهما فمشاعره تجاه ياسمين واضحة ، يبدو شاباً جديراً بها لكن قلب ياسمين هل هو متعلق بابن عمها أم أنها من توهمت تلك المشاعر بينهما
عادت بأنظارها نحو جوري التي كانت تودع الضيوف قرب الباب ، تساءلت بداخلها ، هل جوري من تدخلت بهذا الأمر ، عادت تنفي ما فكرت به ، فجوري لن تتصرف مثل هذا التصرف مهما حدث ، لكن يبدو أنها سعيدة بقرار ميار بمصارحة ياسمين
كم تتمنى ألا تتدخل جوري في هذا الأمر ، وخاصة أن شرود ياسمين بدا واضحاً بعد رجوعها للصالة
……
كانت مدى تجلس في المقعد الأمامي للسيارة قرب زوجها ، فيما أصر ميار أن يجلس بالخلف ، ونظرات شقيقه وزوجته تلاحقه
لم تستطع مدى إلا أن تقول بتقرير

_ لقد صارحتها بمشاعرك يا ميار أليس كذلك

قال مروان باستفهام وهو ينتبه لنبرة زوجته المنزعجة :

_ ما الذي حدث ، لم كل هذا الغضب يا مدى

نظرت مدى للخلف نحو ميار بإشفاق ثم استدارت نحو زوجها تقول

_ ميار عاشق يا مروان

هلل مروان هاتفا بسعادة

_ هذا خبر مفرح

ثم أكمل متصنعاً اللوم :

_ زوجتي تعلم يا ميار ، وأنا شقيقك لا أعلم بالأمر

قالت مدى وعيناها تراقبان جانب الطريق من النافذة :

_ إنها تعمل معنا في الفرقة ، إنها ياسمين تعرفها

نظر مروان بصدمة نحو زوجته ثم نحو شقيقه قبل أن يعود ليركز على الطريق كي لا يتسبب بحادث لهم ، وهو يقول مخاطباً شقيقه :

_ كيف ، إنها

قالت مدى بصدمة من زوجها :

_ مروان هل أنت معارض للأمر لأنها عمياء

نظر مروان نحو زوجته ، وقد جعلها الحمل أكثر حدة في تصرفاتها ، ثم قال وهو يمسك كف يدها بحب :

_ كلا ليس هذا ، أنا لا أعرفها كفاية لأحكم عليها ، كل ماهنالك أني تفاجأت بالأمر ، ميار لم يخبرني بأي شيء بهذا الخصوص ، تكلم يا ميار لم أنت صامت

ميار كان بعالم آخر ، يتذكر ملامح وجهها ،صدمتها حين سمعت تصريحه ، محاولتها التهرب من إجابته ، تنهد هامساً وهو يجيب شقيقه :

_ أحببتها ، لا أعلم كيف ومتى يا مروان ، كل ما أعلمه أنني أحبها ، لكني أشعر أنها بعيدة عني بعد النجوم عن الأرض

قالت مدى بأسف :

_ لأن قلبها يسكنه شخص آخر يا ميار ، و أنا اخبرتك بالأمر لكنك لم تستمع لي

قال مروان محاولاً تهدئة الاثنين :

_ هل يمكن أن تفهماني الأمر إذا سمحتما.

تولت مدى مهمة الشرح قائلة :

_ ميار يحب ياسمين ،لاحظت اهتمامه ونظراته ولست أنا من تغفل عن نظرات عاشق يا مروان ، ولذلك أيضا لاحظت أن ياسمين قد وهبت قلبها لابن عمها ،تصرفاتها كلها توحي بذلك ،ليأتي يوم المعرض الخاص بالأطفال ، ليؤكد لي ظنوني ،هما عاشقان لبعضهما و إن رفضا الإعتراف بالأمر

همس ميار بغضب :

_ ولكن لم أشاهد أي شيء مما لاحظتيه أنت يا مدى

قالت بغضب ، محاولة أن تخرجه من وهمه :

_ هذا لأنك ترفض أن تشاهد ، اخبرتك بالأمر وشعرت أنت به ، لكنك آثرت أن تبوح بمشاعرك لها

قال مروان بهدوء :

_ لقد فعل الصواب يا مدى ، لأنه عاشق وجب عليه أن يواجه و يخبرها بمشاعره ،فإن قبلت غدت هي جنته ، وإن كان هناك من سبقه إلى قلبها وجب عليه تمني السعادة لها و الابتعاد ، هذه هي شيم العاشقين يا زوجتي

نظرت نحوه وهي تفكر بجملته ثم ما لبثت أن تحولت نظراتها للحب الخالص له، لتسمع ميار يهمس:

_ لديك كل الحق يا شقيقي ، وأنا سأكون سعيدا لأجلها وإن كان مع شخص غيري

ابتسمت مدى بسعادة ، ثم ما لبثت أن قالت في محاولة منها لإنهاء الحديث بهذا الخصوص :

_ أريد تناول المثلجات

نظر لها مروان بصدمة هامساً

_ مثلجات في هذا الوقت

لتغمزه بعينها مشيرة برأسها نحو ميار ثم تلامس بطنها بخفة ،فيفهم ما تريده ، بأن تخرج ميار من التفكير بموضوع ياسمين ، فقال بصوت مرتفع قليلا

_ اه ، طبعا مثلجات

نظر له ميار بعدم فهم متسائلا

_ هل حقا ستبحث لها عن مثلجات يا مروان ، إن الجو بارد

قال مروان بمشاغبة

_ وماذا أفعل ، إن لم تأكل المثلجات سوف تتهمني أن المثلجات للصغير ، وليس لها

_ أي صغير

تساءل ميار ، فيما ضحكت مدى بخجل ، بينما غمزه مروان بمكر قائلا

_ صغير صغير ، افهمها لوحدك يا شاطر

نظر ميار نحو مدى التي تخفض رأسها بخجل ،ثم نحو مروان قائلا بسعادة

_ هل تعني

أومأ مروان برأسه ، والسعادة تكاد تقفز من وجهه

_ أجل ستصبح عماً عما قريب يا شقيقي


_ واااو

صرخ بها ميار ثم نظر نحو مدى وهو يقول:

_ وتخفون الأمر ،أفهم أنها صديقتي ، وقد تخجل من البوح، ولكن أنت شقيقي

_ أنا أخجل أكثر منها

اصطنع مروان الخجل، ثم مالبث أن قهقه ثلاثتهم بصخب ، وقد أحس مروان بالسعادة ، وهو يبعد شقيقه عن موجة الحزن التي كانت تعتريه
....
فصل طويل
ايه رأيكم بشخصية ياسمين وشادية
وهل تتوقعوا شادية ممكن توافق يكون ليها حكاية مع مراد
بانتظار تفاعلكم مع الفصل
وبقي عندنا الفصل الاخير باذن الله

Soy yo 14-03-21 02:34 AM

١تسلم الايادي ...ياسمين فعلا قوية بحبها لعاصم و عاصم نفس شيء ....وصداقة ياسمين و شادية تعجبني تساعد كل واحده الاخرى .... و خاصة ان مراد سيكسر ضعف و العجز للتي تحس به شادية بسبب محيطه....بانه يرها بعين قلبه كاملة كما قال مراد قي الفصل....تنتظر اعترافات بين ياسمين و عاصم... واشفق على ميار و ان كنت احسيه على شجعته.. لانه اشجع منهما ....

فاتن منصور 16-03-21 06:03 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة soy yo (المشاركة 15406258)
ياسمين و عاصم حب دون نقطة وصل لهذه الشرارة .....حقا نوفيلا اكثر من رائعة لانها تعرض لنا معاناة الذي يعانون نوع من الاختلاف و خاصة متلازمة دوان كما تظهر كم هذا الاختلاف محرك ليكون متميزين اكتر من ناس العاديين....سعيدة جدا لمتابعتك...دمتي بخير وامان.

فعلا. اللاختلاف هو تميز وويجبب على الاهل الانتباههذا الامر
فالدورر الحقيقي هوو للاهل. بدععم هذا الطفل وتربيته تربية سليمة دون اشعاره باي نقص لديه
سلمتي يا غلاتي انا الاسعد بمتابعتك لي

فاتن منصور 16-03-21 06:08 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة soy yo (المشاركة 15411123)
١تسلم الايادي ...ياسمين فعلا قوية بحبها لعاصم و عاصم نفس شيء ....وصداقة ياسمين و شادية تعجبني تساعد كل واحده الاخرى .... و خاصة ان مراد سيكسر ضعف و العجز للتي تحس به شادية بسبب محيطه....بانه يرها بعين قلبه كاملة كما قال مراد قي الفصل....تنتظر اعترافات بين ياسمين و عاصم... واشفق على ميار و ان كنت احسيه على شجعته.. لانه اشجع منهما ....

مشكلة عاصم انه قيد نفسه بدور الاخ لياسمين وخايف انه يخسر لو صرح بمشاعره الحقيقية
ياسمين قوتها بانها لاتنظر لنفسها كعاجزة وانما كانثى طبيعية لا ينقصها شيء
ميار اكثر شجاعة من عاصم فعلا لكن مثل كاقلت مبرر عاصم هو الخوف انه يخسر مكانته لدى بنت عمه
شادية بعكس ياسمين ليس لديها اي ثقة بنفسها عانت من التنمر بشكل كبير ولذلك يجب عليها هي ان تثق بنفسها وان تنظر لنفسها نظرة اخرى
وسنرى دور مراد بحياتها في الفصل الاخير باذن الله

فاتن منصور 17-03-21 07:28 PM

الفصل السادس

حدثتني عيناك سبع لغات
يعجز الشعر عن حديث العيون
مثلها الصبح في شروق الصحارى
مثلها السحر في الغمام الهتون
كخيول من مطلع الشمس همّت
بوثوب أو باقتحام حصون
فتعالي ومزقي وجه حزني
وأقلقي هدأتي وفكي سجوني
أيقظيني مللت في الصحو نومي
إن قلبي يموت عند السكون
جئت طوعاً أسلمتك اليوم أمري
تستحيل الحياة إن لم تصوني
متعب الخطو استميحك عذره
لجناحيك لاجئ ظلليني
أنت أمر مقدر لوجودي
كيف ما شئت بعد هذا كوني

الشاعر عمر الفرا
…….
بإرهاق توجهت ياسمين لغرفتها عقب رحيل الجميع ، خلعت ثوبها ووضعته جانباً ، لتتلمس موضع ثياب النوم على العلاقة الصغيرة قرب الباب حيث تضعهم لها خديجة بعد الغسيل
ارتدتها ، ثم توجهت للسرير تغمض عينيها بإرهاق ، خطوات جوري المقتربة من غرفتها ، جعلها تدّعي النوم ، وجوري تناديها بخفوت من قرب الباب الذي فتحته بشكل صغير ، لتعاود إغلاقه حين لم ترد عليها ياسمين
فتحت ياسمين عينيها تحاول ترتيب أفكارها خاصة عقب ماقاله ميّار ، كان يجب عليها أن توصل له رفضها لطلبه مباشرة ، وإلا فإن أمله بقبولها الأمر سيزداد
كيف يمكن لها أن تفكر بشخص آخر غير عاصم
تنهدت بتعب وهي تتلمس موضوع هاتفها ، تتأكد أنه بقربها ، فربما يتصل بها
هل يعقل أنه لم ينهي عمله في العاصمة بعد ، لم لم يتصل بها حتى الآن
تعب جسدها مع نعومة السرير ، جعل جفنيها يثقلان بالنعاس دون أن تشعر ، لتغط بالنوم هاربة لعالم الأحلام
…….
في الصباح كانت ياسمين جالسة في الصالة بشرود ، تفكر بعاصم وبصمته الذي يكاد يثير جنونها ، لو كان يحبها كما تخبرها نبرة صوته حين يهمس اسمها ، كما تخبرها دقات قلبها بحضرته ، فلم لم يصرح بالأمر حتى الآن
وما الذي يمنعه عن البوح بحبه لها، لم يكتفي بالصمت
وإن كان يحب أخرى ،كما قالت ياسمين ، فلم يخفي هذا الأمر ولا يخبرهم وهو لم يعتد ذلك قبلاً
جلست جوري قربها وهي تقول ، منتشلة إياها من شرودها :
_ منذ البارحة ، و أنت لست على طبيعتك ، ما الأمر أخبريني ؟

_لا شيء
اكتفت ياسمين بهذه الإجابة المقتضبة ، لكن جوري أصرت أن تعلم ما بها :

_ كيف لا شيء ، حتى علب الهدايا لم تقومي بفتحها ، واتصالات شادية لم تجيبي عليها

تنهدت ياسمين قائلة :

_ لا رغبة لي لفعل أي شيء ،ربما متوترة بسبب الحفل اليوم
رنين جرس المنزل قاطع حديثهم ، وقد كان تيم ، قال بعد أن ألقى التحية عليهما :

_ أتيت لأقلك إلى مبنى الإذاعة بعد قليل يا ياسمين ، فيجب علينا الوصول قبل الجميع

قبل أن تتمكن ياسمين من إجابته ، رن جرس الباب مجدداً وكان الزائر هذه المرة عاصم
ألقى التحية على تيم الذي فتح له الباب ، ثم دخل نحو الصالة ملقياً التحية على الفتاتين ، عيناه ترتحلان نحوها هي بجلستها الهادئة على الأريكة ، قالت جوري بضحك :

_ ها قد جاء بطلك يا أنسة ياسمينا

لم تنتبه جوري لما فعلته كلمتها بالإثنين ، وللارتباك الذي حل ّعلى ملامحهما ، فقط تيم من انتبه للأمر لذلك تدارك الموقف قائلا

_ أهلا بك عاصم ، لقد كان ينقص حفل البارحة وجودك وسراب

أجابه عاصم وهو يتوجه نحو ياسمين :

_ كان لدي عمل مهم للأسف ، ولم أتمكن من انهائه إلا في وقت متأخر ،وسراب لم ترغب بالقدوم بمفردها
اقترب منها ، فالتفتت نحوه ودون أن تهمس باسمه شعر بندائها الخفي له ، ابتسم وهو يمسك كف يدها قائلاً :

_ عيد ميلاد سعيد ياسمينة ، واعذري عدم قدومي البارحة

أجابته بسعادة لم تستطع إخفاءها ، ولا تزال كف يدها أسيرة يده :
_ شكراً لك عاصم ،أخبرني كيف كان الاجتماع ، هل وفقتم في العمل
ترك كف يدها على مضض ، ثم جلس قربها و حاله كحالها ، يحاول أن يخفي أي مشاعر تضرب قلبه الآن
وضعت جوري القهوة لهم جميعا ، ثم جلست قرب تيم الذي بدأ بالحديث مع عاصم عن عمله وسفره للعاصمة
رنّ هاتف عاصم فاعتذر منهم و وقف بعيداً عنهم يجيب مسؤولة الفندق عن بعض الأسئلة بخصوص العمل لكن صوته لا يصل إليهم
قالت جوري بمكر وهي تنظر نحوه في وقفته البعيدة عنهم نسبياً :

_ هل هي إحدى المعجبات به ، حتى يكلمها همساً بهذا الشكل

تجمدت ياسمين حرفياً ، جسدها تصلب بطريقة غريبة ، بينما قلبها تشعر به وقد توقفت دقاته ، ذلك الناقوس عاد ليطرق برأسها دون رحمة
( إن له حبيبة ، هناك من سكنت قلبه غيرها )
أما تيم نظر نحو جوري بعبوس من تخميناتها الخرقاء في هذه اللحظات ، لكن سرعان ما تحولت نظراته لمكر وهو يلاحظ إنهاء عاصم لحديثه ، فيبدو أن عاصم يحتاج لدفعة تجعله يبوح بما في قلبه ، فقال :
_ جوري لم تقولي لي ، ماذا كانت هدية ميار لياسمين ، نظراته توحي باعجاب شديد
، لم تهتم ياسمين بما يقوله تيم ، فكل حواسها تحاول أن تفهم إن كان عاصم يحب إحداهن حقاً
بينما عاصم تسمّر مكانه ، ومازال يدير ظهره لهم وخاصة وهو يسمع ضحكة جوري وهي تقول:

_ إن ياسمين لم تفتح أي هدية بعد

التفت عاصم نحوهم وقد غامت عيناه بمشاعر متضاربة ، مشاعر مؤلمة له جداً ، هل تأخر كل هذا الوقت ، هل تحققت مخاوفه ، بقدرة يحسد عليها عاد يجلس معهم وكأنه لم يسمع شيئا فقال تيم مخاطباً جوري :

_ جوري تعالي معي للمطبخ قليلاً ، أريد أن أخبرك بشيء

تبعته جوري، وقد فهمت أنه يريد ترك عاصم مع ياسمين بمفردهما ، راقب عاصم ابتعادهما ناحية المطبخ ، فالتفت لياسمين التي لا تزال الصدمة تحتل ملامحها
قال عاصم بهدوء غريب ، هدوء يخفي خلفه عاصفة هوجاء ، لكنها تطيح بقلبه فقط

_ لقد أحضرت لك هدية

حين لم يجد منها أي رد فعل ، أغمض عينيه لثانية مذكراً نفسه أنه مهما حدث هي ابنة عمه ومحبوبته الغالية ، ، ولن يكون إلا معها وبجانبها ، لذلك عاد يكمل كلامه هامسا بصوت تسمعه هي فقط :
_ حسناً إنهما هديتان ، واحدة منهما لأجل الحفل اليوم ، والثانية اشتريتها منذ سفرنا أنا وسراب منذ فترة طويلة ، ولكني لم أجد مناسبة لأقدمها لك

_ أشكرك يا عاصم

قالتها دون أي شعور ، فعقلها مازال مشغولا بتلك الجملة وذلك التخمين ، نظر نحوها بحيرة
ما الذي عليك فعله يا عاصم
منذ متى كنت متردداً تكبل نفسك بهذا الشكل ومعها هي بالذات
لطالما كانت تخبرك بكل شيء يخصها
فلم لا تسألها
حديث جوري يخبره أن ميار معجب ، وربما صرح بإعجابه ، يريد سؤالها عن الأمر وبذات الوقت لا يريد ، لكنه حسم أمره وقرر سؤالها فهو لم يعد يستطيع إلا أن يعرف ما يقصدانه :

_ ما الذي عنته جوري وتيم بهدية ميار لك ، وهل حضر حفل البارحة ؟

دون تردد أجابته وقد أرادت منه خطوة للأمام ، فإما ينكسر قلبها أو تكون سعادتها الخالصة

_ أجل حضر حفل البارحة ، لا تنس أنه قائد فرقتي ، كما أنه تقدم لخطبتي

صدمة حلت عليه كصاعقة ، شطرته لنصفين
هل سمع يوماً عن توقف نبضات القلب
هذا مايحدث معه الآن
نبضات قلبه توقفت ، أنفاسه تحشرجت بصدره تكاد تخنقه
وألم غريب يضرب صدره بقوة
همس بعدم تصديق وتشتت غريب :
_ تقدم لخطبتك

قالها وهو يشعر بغصة كبيرة تجتمع بحلقه ،تكاد تزهق روحه ، لكنه أجبر نفسه على سؤالها:

_ وأنت ، هل أنت معجبة به ، كيف لم تخبريني قبلاً ، وأنا من أعرف كل أسرارك

بذات الألم الذي احتل خلاياه ، همست وهي تلاحظ أين أخذته أفكاره ، تريد منه حقيقة تريح قلبها مهما كانت الإجابة ، بدل هذه الحيرة التي تقتلها ببطء

_و هل أعرف كل أسرارك أنا يا عاصم

بغضب حاول لجمه بقدر ما يستطيع :
_ أي أسرار تقصدين ، بالطبع أنت تعلمين كل شي عني
نكست رأسها تخفي دموعاً تهدد بالهطول في أي لحظة ، تهمس له بحشرجة :

_ليس كل شيء ، لكل منا شيء خاص يحب أن يحتفظ به في قلبه يا عاصم

نظر نحوها بعدم فهم ، يشعر أنه ضمن لعبة غبية لا يستطيع فهم أحجياتها :

_ما الذي تعنينه أخبريني ؟

همست بكلمة واحدة فقط وقد أحست بالتعب من كل ما يجري

_ لا شيء

_ إذا أنت تحبينه

همس بتقرير ، وكل منهما يتجرع طعم المرار في فمه
لم تجبه ، وقد ظنت أنها خسرت ، خسرت حربها معه ، أما هو نظر للقلادة بيده ، ثم أمسك كف يدها يضع القلادة فيه ، هامساً :
_ إن كان قد امتلك قلب ياسمينة فهنيئاً له زهرة عائلتنا ، اتمنى لك كل السعادة يا ياسمين

ترك كف يدها المطبق على القلادة ، ثم استقام واقفاً وكأنه يودعها بنظراته التي تحتضنها بعشق ، بألم ، بخسران
همس بالوداع ، ثم استدار مغادراّ بكل هدوء
أما هي ما إن سمعت صوت الباب يغلق حتى أجهشت ببكاء مرير ، خرجت على إثره جوري جرياً نحوها لتحتضنها ، وقد ايقنت حقيقة أن شقيقتها عاشقة لعاصم:

_ ياسمين اهدأي يا حبيبتي

نفضت يدي أختها عنها ، وهي تقول بقهر سببه شعورها بأنها خسرته للأبد :

_ أعلم ما ستقولين ،ستخبريني أنه مجرد تعلق به لأنه ابن عمي ،من كان بجانبي لسنوات ، أليست هذه جملتك في كل مرة تلاحظين اهتمامي بعاصم وسؤالي عنه
حاولت جوري التحدث ، لكن ياسمين لم تترك لها المجال وهي تكمل :
_ لكنني أعلم أنه أكثر من ذلك بالنسبة لي يا جوري ، حين صرح ميار بحبه البارحة ، لم أسمع صوته هو يا جوري ، بل سمعت صوت عاصم ، هل تعين ذلك الأمر
قالت جوري بينما تتجمع دموعها في عينيها :
_ حين كنت أقول ذلك ، كنت أقولها لأنني لم أشأ أن تتعلقي به وتحبينه وهو لا يفعل ،لم أرد أن يكون حباً من طرف واحد يا ياسمين ، اقسم أنني ظننته تعلقاً من قبلك به فقط

قاطعتها ياسمين بقلة حيلة وقد بدأت تشعر بأن روحها تسحب منها بمغادرته ، بابتعاده بهذه الطريقة :

_ أفهم كل هذا يا جوري لكن ، أنت من تعيش الحب رفقة تيم ، وتعلمين كيف يكون حبك لشخص ما ، تفسرين حبي لعاصم تعلقاً بوجوده يا جوري، أرجوك افهميني
أنا أحبه حقيقة ، أكثر من شهرين و أنا أتألم من فكرة أنه عاشق لأخرى ، أن أخرى ستكون محط اهتمامه ، شهرين وأنا أعاني بمفردي ، اتساءل هل يحبني مثلما افعل، واليوم وصلني الجواب

بانكسار غريب عليها أكملت :
_ يبدو أنه لا يفعل ، لقد تمنى لي السعادة رفقة ميار يا جوري

وعادت تنهار بالبكاء ، وجوري تحاول تهدأتها واعتراف ياسمين بحبها لعاصم يتردد في زوايا عقلها ، أين كانت هي عن معاناة شقيقتها بهذا الشكل ، كيف كانت تحاول اقناعها بقبول مشاعر ميار
تدخل تيم والذي كان يقف بالقرب منهما ، جعلها تتوقف عن جلد ذاتها وهي تسمعه يقول مخاطباً ياسمين :
_ لأنه عاشق

توقفت أنفاس ياسمين وهي تسمع كلامه ، وقد عاد الأمل يضرب جدران قلبها بعنف، فيما نظرت له جوري وكأنه منقذهما مما هما فيه
جلس على الأريكة المقابلة لياسمين وهو يقول :
_ جوري دعينا لوحدنا قليلا

امتثلت جوري لأمره ، مبتعدة نحو المطبخ ، فهي تثق بقدرة تيم على التعامل مع هكذا موقف أكثر منها هي ، فقد اكتشفت أنها تتعامل مع ياسمين بعاطفة أمومية عمياء ، أما تيم أكمل حديثه مخاطباً ياسمين ، التي هدأت عن البكاء:

_ اسمعي يا ياسمين ، إذا أحببت شخصا بصدق ، فإنك ستتمنين له السعادة وإن كان مع غيرك ، وعاصم يحبك بصدق

همست بمحاولة منها للفهم :
_ لكن
أجاب همسها:
_ لا يوجد لكن ، عاصم مثلك يخاف أن يخسر مكانته لديك لو صرح بمشاعره وقوبلت بالرفض لذلك كان يحتفظ بها لنفسه
شعر بها تحاول تحليل كلامه ، لذلك عاد يكمل :
_ حسناً لو كنت مكان عاصم ، أسباب كثيرة ستمنعني من البوح
سألته باستغراب :
_ ماذا تعني؟

شبك كفي يده ، وهو يقول :
_ كم فرق العمر بينكما يا ياسمين
بسرعة أجابته وقد وصلها المغزى من سؤاله
_ خمسة عشر عاماً تقريباً
ابتسم وهو يقول :
_ البعض يراه فرقاً كبيراً ، يتم الرفض بسببه
هزت رأسها بنفي وهي تقول
_ ليس فرقاً كبيراً ، ثم إن العمر ليس له علاقة بالمشاعر وما تحمله القلوب
نظر نحوها بإعجاب بتفكيرها ، وبشجاعتها بالتعبير عن كل ما يجول بداخلها دون تردد ، ليصله سؤالها :
_ ربما يظن أنك مثل جوري تعتبرينه شقيقاً لك ، فلم يود كسر هذه العلاقة المميزة التي تجمع بينكم منذ سنوات طفولتكم
صمتت ياسمين للحظات وذكرى قديمة لها وهي تخبر صديقاتها بأنه بمثابة شقيقها تعود إليها ، همست وكأنها تخاطب نفسها :
_ في طفولتي كنت مثل جوري أعرّف الجميع بأنه بمثابة شقيقي ، لكن حين كبرت قليلاً توقفت عن ذلك لسبب لم أكن اعلمه ، فبداخلي كنت أرفض أن أكون مثل جوري وسراب بالنسبة إليه ، كنت أريد أن أكون مميزة لديه دون أن أعلم ماهية هذا الشعور ، وبعدها بمرور الوقت علمت أنني لم أكن لأحبه كشقيق لي ، ولم أكن لاعتبره كذلك ، بل مشاعري نحوه هي مشاعر حب حقيقية
اعترافها أمام تيم هذه المرة ، جعل الإحمرار يزحف لوجنتيها ، مما دفع تيم ليقول بابتسامة :
_ حسناً عاصم كان يحتاج لهزة تجعله يستفيق ويقرر التصريح عما في قلبه ، أنا تعمدت ذكر ميار أمامه ، ليعلم أنه سيفقدك إن هو بقي على صمته

ثم اقترب منها وهمس بمكر وقد لاحظ استغرابها من كلامه :

_ كيف أخبرك بالأمر يا صديقتي ، أخبرتني ورد يوماً أن الحب حرب علينا الإنتصار بها ،انظري إلي أنا لو بقيت ساكناً دون حراك ، ورميت اسلحتي لكنت حتى الآن لم أحصل على موافقة شقيقتك على الإرتباط بي

ضحكت وهو يعطيها ذلك العزم الذي تحتاج ، فأكمل هو حديثه :

_ اذاً لا تترددي حين يتعلق الأمر بقلبك ، و الآن أريدك أن تتجهزي فلم يبق على موعد الحلقة إلا القليل، ويبدو أنني سأطرد من عملي بسببكما
استقامت واقفة وهي تهمس له بالشكر ، ثم اتجهت نحو غرفتها لتجهز نفسها للمغادرة ، وقد قررت ما الذي ستفعله
أما جوري فكانت واقفة بالمطبخ. تراقبهما ، نظراتها تعلقت بتيم بعشق وهو من استطاع إقناع شقيقتها ومسح ذلك الألم عن وجهها

_ ألم أقل لك أن تدعي أمر القلوب ، ولا تتدخلي بها

قالت خديجة وهي توليها ظهرها ، لتكمل إعداد الطعام
قالت جوري بأسف شديد وهي تستدير نحوها :

_ لم أظن أبدا أنها تعشقه ، ظننته تعلقا به لا أكثر ، هل تظنين أنني كنت لأكره وجودها معه

قال تيم وهو يحتضنها من الخلف ، مسنداّ رأسه لكتفها :
_ نحن نتفهم ما تقولين يا جوري ، ولكن كم مرة أخبرتك أن ياسمين تفوقك قوة ، أنت فقط من تتوهمين ضعفها ، اتركي لها الحرية وصدقيني ستتمكن من التحليق بعيداً دون أي خوف
هزت رأسها بأجل ، فعاد هو يكمل ضاحكاً
_ والآن هيا بنا ، فأنتما سوف تتسببان بفضيحة لي إن لم يتم بث الحلقة في وقتها

كانت تتجهز للحفل ورفقتها جوري ، حين دخل ميار لمحادثتها قبيل الحفل ، خرجت جوري تاركة لهما حرية الحديث بانفراد ، قالت ياسمين بتوتر ، فهي لم تشأ أبدا أن تصل الأمور إلى هذا الحد ،فمهما كان ميار قائد فرقتها ومعلمها :

_ بخصوص ما حدثتني به البارحة ، أنا آسفة ميار

نظر لها ميار بألم ، رغم أنه كان يتوقع رفضها ، ولكن عاد يتذكر كلمات شقيقه له
( لا حكم لنا على القلوب يا ميار ، إن كانت لا تحبك فلا تخذلها كصديق لها وثقت به )
حاول أن يكون قويا ولا يظهر ألمه أمامها ،قائلا
_ اعلم يا ياسمين ،صدقيني اتمنى لك السعادة ،و أريدك أن تعلمي أن علاقتنا بالعمل وصداقتنا لن تتغير مهما حدث
ابتسمت بسعادة وهي تخبره :
_ سعيدة لتفهمك للأمر ، واتمنى أن تجد سعيدة الحظ التي ستنال قلبك يا ميار
حاول إنهاء الحديث عند هذا الحد ، فهتف بها مشجعا
_ هيا الآن ، الحفل بانتظارنا
…..
قبل الحفل بدقائق كانت تقف وهي تلامس بيدها قماش الثوب الذي ترتديه ، إنه الثوب الذي أحضره لها عاصم ، ابتسمت وهي تلتقط هاتفها لتنفذ ما انتوت فعله ، ثم نادت جوري تطلب منها المساعدة :

_ جوري هل يمكنك مساعدتي ، أود إرسال رسالة صوتية لعاصم

امسكت جوري الهاتف لتنفذ طلبها ، ثم أعادته لها بعد أن ضبطت وضع الإعداد على تسجيل الصوت ، ثم علمتها أين يجب أن تضغط اصبعها لتوقف التسجيل
همست جوري بدعم لها
_ سأكون بانتظارك خارجاً حالما تنتهين من إرسال الرسالة له

لحظات وبدأت تتحدث ،و كأنه يسمعها على الطرف الآخر

_ عاصم
توقفت لثانية تتشرب حروف اسمه بعشق ، ثم عادت تكمل :
_ عندما أحضرت هديتك المميزة لي ، نسيت أن تخبرني بجملتك التي تخصني
هل أذكرك أنا بها

( ياسمين ، كلما نظرت إلى وجهك ، انسى كل ماحولي , لا أرى سواك
تكونين محور الكون لدي
عندما تبتسمين أنسى كل شيء
ابتسامتك تجعلني ابتسم رغم كل ما مررنا به
كانت دائما ابتسامتك تجلب السعادة لقلبي
لذلك عودي إلى ياسمينة)
وأنا الآن من تطالبك أن تعود لي عاصم
كن موجوداً في الحفل لأجلي
وأخبرني
أني لم أكن أتوهم سماع جملتك تلك

أطفأت زر التسجيل ، ثم نادت جوري لتتولى مهمة إرسال رسالتها لعاصم

كان يدور بغضب في مكتبه وعقله يكاد ينفجر من كثرة التفكير
منذ أن تركها مغادراً منزل عمه وهو يدور بسيارته في أرجاء المدينة على غير هدى ، غضب وألم ينهشان بقلبه دون رحمة
لولا اتصالات زياد المتكررة ما كان فكر بالقدوم إلى هنا
متجره
عالمه الذي يحب
يشعر به الآن يضيق عليه بشكل فظيع
عدة ساعات مرت يشعرها سنيناً تتغذى على ألمه
لقد ظنّ قبلاً أنه سيتحمل هذا الألم حين تخبره بأن غيره قد احتل قلبها
لكن يبدو أنه كان يخدع نفسه
فهذا الألم لا يحتمل البتة
آهة عميقة خرجت منه وهو يدفن رأسه بين كفيه ، يشد على خصلات شعره بقوة
اقترب زياد منه ، يناظره بألم دون أن يعرف سبب حالته تلك
حين أجاب عاصم اتصاله بعد الكثير من المحاولات، تنهد براحة وقد تلاعبت به الظنون أن مكروهاً أصاب صديقه ، لكن صوت عاصم المتعب ، جعله يتحجج بالعمل ليجبره على القدوم ، وها هو منذ قرابة الساعة يجلس في مشغله الخاص يصارع وحوشه لوحده
حاول زياد الحديث منادياً اياه لكن نظرات عاصم التي وجهها نحوه ألجمته
تنبيه بوصول رسالة صوتية له ، جعله يلتقط الهاتف ظناً منه أنها سراب ، ليفاجأ بإشعار رسالة صوتية من ياسمين ، طلب من زياد أن يتركه بمفرده ، فامتثل الأخير لطلبه مغلقاً الباب خلفه بهدوء
نظر عاصم نحو الهاتف ، ثم
فتح الرسالة وعقله يصور له أكثر الأمور سوءاً
هل اتصلت تعتذر منه عما جرى صباحاّ
هل تدعوه ليكون بجانبها كما اعتاد أن يفعل

لكن ملامحه تجمدت بذهول ، وهو يسمع صوتها
يسمع بوحها بجملته التي رددها عليها وهي غائبة عن الوعي
لقد سمعته يومها
هل يعقل ما فهمه من كلماتها
هل سيقف قلبه من هول ما يشعر به في هذه اللحظة وهو يعيد سماع التسجيل الصوتي
استقام واقفاً ينظر حوله وكأنه لا يعلم ما الذي عليه فعله ، ثم تحرك مسرعاً نحو الخارج ينادي زياد ،غير مهتم بصوته العالي
وصل لغرفة زياد ثم اقتحمها دون إذن ، مما أجفل صديقه ، لكن عاصم لم يهتم وإنما طالبه بأمر

_ ستوصلني إلى دار الأوبرا ،علي اللحاق بحفل ياسمين، لا أظن بأنني قادر على القيادة بنفسي في هذه اللحظات

ابتسم زياد وهو يلتقط المفاتيح من يد عاصم هامساّ ، وقد استشعر سعادة صديقه التي قلبت حاله للنقيض تماماً :
_ إنه جنون الحب يا صديقي
…..
وقفت على المسرح بثوبها الأحمر اللون الذي يجعلها كأميرة هاربة من الحكايات
ثوب بتصميم فريد ، يضيق على الصدر بتطريزات مشغولة يدوياً بتميز ، لينسدل بعدها براحة حتى الأرض ،فيزيد من طلتها بهاء
فيما أكمام الثوب من القماش الشفاف ، بلونها المماثل للون الثوب زادت من روعة الثوب وأضفت له تميزاً وكأنهما جناحي فراشة
شعرها قد أسدل مستريحا ًعلى ظهرها ، ليصل طوله إلى خصرها
و تلك القلادة التي ميّزها
إنها قلادته ، هديته لها
تستريح بأمان فوق صدرها
بالقرب من قلبها
لم يصدق حتى هذه اللحظة ماسمعه من اعتراف منها في الرسالة
يحتاج لسماع ذلك وهو ينظر لوجهها مباشرة
يتأمل ملامحها كما يحب
ماذا لو صعد الآن إلى خشبة المسرح وخطفها
_ إهدأ يا عاصم ، ودع الفتاة لتنهي عرضها ، وبعدها افعل ما يحلو لك

كان هذا صوت تيم ، الجالس بقربه ، نظر نحوه عاصم يهز رأسه بأجل ثم عاد ينظر نحوها
بينما مراد الذي يحضر للمرة الأولى حفلاً كهذا ، والذي صدم عاصم كذلك بوجوده ، كانت عيناه معلقتان بزائرة أحلامه آخر فترة
وهي تجلس على الكرسي بين العازفين ، تسند ألتها الموسيقية لقدميها ، بينما جزئها السفلي مسند على الأرض
لقد أخبرته أنها تعزف على آلة التشيللو وكم ود سماع عزفها ، لم يخبرها أنه اشترى تذكرة لحضور الحفل، في اليوم الذي اعتذرت منه عن إنجاز أي عمل في وقتها الراهن ، يراقبها وهي تقوم بضبط الأوتار للآلة ، لتهرب تلك النبضة مجدداً من قلبه وعيناه تلتقي بعيناها وكأنها شعرت بوجوده
هل هذا طيف ابتسامة التي لمحها على وجهها أم أنه يتوهم
لقد بات متأكداً مما يحدث معه ، وسيخطو نحو ما يريد دون تردد
……

قالت جوري وهي تناظر ياسمين بوقفتها تلك
_ الآن بت متأكدة أن ياسمين قوية أكثر مني مثلما أخبرتني مرة يا تيم

شدد تيم على كف يدها المستريح في يده ، وهو يهمس لها:
_ أنت قوية ايضاً يا جوري لكن بطريقة مختلفة عنها ، قوتك بعاطفة الأم بداخلك نحوها
ابتسمت له بعشق لن ينضب أبداّ بقلبها
كحال الجميع أخذ عاصم يستمع لغناء ياسمين بحب وفخر ، وقرب نهاية الحفل ، قالت بصوتها الناعم :
_ حسنا هذه الأغنية التي سأغنيها الآن ، لا علاقة لها بالحفل ،لكني وددت إهدائها لشخص مميز لدي ، شخص سرق دقات قلبي ، ولكنه نسي أني محاربة صغيرة ، حاربت في الحياة كثيراً ،فهل أتوانى في حرب الحب ، لن أكون ياسمينته إن فعلت
أغنيتي هدية له، وقبلها أبلغه بأحب جملة إليه قالها مرة وهو مسافر ، وكنت أحدثه هاتفياً وقتها ولكن حين سألته عما قال وما تعني جملته ، ضحك بخجل عاشق وهو يقول لي :
إنها جملة اقرأها من كتاب بين يدي الآن ، إنها للشاعر العربي محمود درويش
والجملة هي
(( فبعضي لدي وبعضي لديك وبعضي مشتاق لبعضي فهلا أتيت ))
وأنا بكل الحب الذي أحمله له في قلبي أجيبه بأغنية
متسمراً في مقعده يستمع مجدداً لاعترافاتها التي قررت أن تجعلها كهطول المطر على الأرض العطشى ، فتروي روحه بعد سنوات قحط ، وخاصة صوتها يصدح بالغناء ، تخبره باعترافها العاشق
أبلغ عزيزاً في ثنايا القلب منزله
أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه
وأن طرفي موصول برؤيته
وإن تباعد عن سكناي سكناه
يا ليته يعلم أني لست اذكره
وكيف أذكره إذ لست أنساه
يا من توهم أني لست أذكره
والله يعلم أني لست أنساه
إن غاب عني فالروح مسكنه
من يسكن الروح كيف القلب ينساه..

..

انتهى الحفل وسط تصفيق شديد من الجمهور،
نجح عاصم هذه المرة بتخطي الحشود ليذهب نحو القاعة التي تستريح بها رفقة زملائها ، لكن خطواته توقفت وهو يلاحظ أن القاعة ممتلئة بأقارب العازفين الذي حضروا لتهنئة ابنائهم
توقف ميار قبالته وقد انتبه لوقوفه شارداً بياسمين ، لجم أي شعور بالغيرة بداخله ، فهو قد قرر طي صفحة حبه لها وانتهى الأمر :
_ مبارك لكما عاصم ،سعيد لأجلكما ، واتمنى أن تحظيا بكل السعادة معاً

رغم كرهه لوجوده ، لكنه يعلم أن ميار أثبت أنه ذا طبع أصيل ، لذلك رد له التحية وهو يقول :

_ شكرا لك ميار ، واتمنى أن تجد من تسعد قلبك وتملأ حياتك بهجة

أشار له ميار بالإيجاب ، ثم ابتعد مغادراً ، ليصطدم بالصحفية شمس التي لبت دعوة مدى للحضور ، اعتذر منها لاصطدامه بها ، فأجابته بخجل حاولت مداراته :
_ لا بأس ، لقد كنت أود القاء التحية على الفرقة
أومأ لها بأجل وهو يسير بجانبها نحوهم ، فيما هي تناظره خلسة كل فينة وأخرى بنظرات معجبة
…..
اقترب تيم من عاصم قائلا بابتسامته المشاكسة :

_ عاصم ، يبدو أنك لن تستطيع محادثتها هنا ، لذلك أجل أي حديث معها الى أن نغادر للمنزل
أيده عاصم فيما يقول ، فهو لايعلم كيف سيتصرف ، اقترب رفقة جوري وتيم منها ، انتظر انتهائهما من تهنئتها ، ليقترب منها هامساً وهو لا يصدق بعد كل ما يجري معهما
_ سأؤجل أي حديث لحين عودتك للمنزل يا زهرة عاصم الفريدة
همست باسمه بخجل ، فآثر الابتعاد قليلا عنها كي لا يتصرف بتهور ، فيضمها إليه غير عابيء بشيء
….
وقف مراد قرب باب القاعة التي يستريح بها اعضاء الفرقة ، عيناه بحثت عنها وسط المتواجدين داخل القاعة حتى وجدها تجلس في ركن جانبي وبقربها امرأة لا تكف عن التربيت فوق كفي يدها كل لحظة
علم أنها لا بد والدتها ، فالشبه بينهما كبير ، ابتسامتها التي لا تفارق وجهها جلبت الابتسامة له ، كم يود أن يقترب منها مهنئاً ، لكن بأي صفة سيفعل وأمام والدتها
بقي على وقفته حتى التفتت نحوه وكأنها شعرت به ، ارتباكها وصله ، تورد وجنتيها استطاع رؤيته رغم بعد المسافة بينهما
امسك هاتفه يكتب لها رسالة قبل أن يلقي عليها تحية الوداع بكف يده
( كنت نجمة الحفل بنظري أنا )
ابتسمت وهي تقرأ الرسالة ووجيب قلبها يعلو بشكل جعلها تظن ان والدتها سمعته كذلك
…...
جلس عاصم قبالة جوري وهو يلاحظ تلك النظرات المترجية في عينيها
توقع أن يشاهد نظرات رفض منها
ولكن ما شاهده في عينيها كانت نظرات تحمل الرجاء في طياتها ،وكأنها ترجوه الإهتمام بأخت كانت بمثابة طفلة لها
أجلى صوته متحدثاً بهدوئه ورزانته المعتادين :
_كل شئ في الحياة يمكن لنا أن نخطط له يا جوري إلا الحب ،إنه يأتينا رغماً عنا، دون أن يحتاج لأي إذن لإقتحام قلوبنا، ينسينا كل ماحولنا ، وكل ما كان قبله ، يغيرنا فنغدو بعده أشخاصا أخرين ، بداخلنا ينمو ذلك الشعور ، فيضفي ألقاً غريباً حولنا
كانت جوري تناظره بعدم تصديق ،أن تخرج هذه الكلمات من عاصم ، لكنها سرعان مانفضت هذا الاستغراب وهي تتذكر حال قلبها بعد وقوعها بحب تيم
أكمل عاصم حديثه غير غافل عن قلب يستمع لكلماته فيتشربها كأنها البلسم الشافي لكل لحظة ألم قد مرت به ، كأن كلماته شعاع نور في ظلمة الدجى الذي تعيشه ، فيعيد لها الأمل
لقد هربت من مواجهته حين وصل لمنزلهم ، خجلة ومحرجة مما أقدمت عليه ،ولكن لها عذرها ، والعاشق معذور دائما :
_ حاولت كثيرا وأد هذا الحب في داخلي خوفاً من خسارتها هي ،حاولت الإبتعاد ،لكن رغماً عني كنت أعود، فقلبي لم يكن ليتحمل فكرة ابتعادي عنها أبداّ ، بل دعيني أخبرك أن هذا القلب الخافق هنا لم يعد ملكي أنا

مشيراً لقلبه بكف يده ، أنهى عاصم حديثه ، لتحاول جوري الحديث قائلة :

_عاصم أنا لا أعلم ماذا أقول

ابتسم قائلا بتفهم :

_ لا تقولي الآن أي شيء يا ابنة عمي وشقيقة مالكة القلب ، بل دعيني أخبرك بأنني اطلب منك يد ياسمين لتكون زوجتي ورفيقة أيامي القادمة ،واتمنى ان ينال طلبي قبولك وقبولها ،لأنني لن اتخلى عنه مهما حدث ،بل لن اسمح بأن تكون ياسمين لأي شخص غيريّ

قالت جوري بمكر و قلبها يطير فرحا لأجل شقيقتها

_ ألا تجد أن طلبك يحتوي نبرة الأمر في طياته يا ابن عمي

همس بابتسامة :

_ بل يحتوي نبرة محب تعب يا جوري وآن له أن يرتاح قرب محبوبته

عادت جوري تهمس بمكر وهي تلمح خيال شقيقتها التي تقف منذ بداية الحديث تستمع لهمساته العاشقة :

_ لم اكن أظنك مرهف الحس لهذه الدرجة، لقد فاجأتني
نظر لها وقد ازدانت ملامحه بضحكة صافية :

_ لطالما كنت كذلك ، ولكن الظروف حكمت علينا بالكثير يا جوري ، كما أنك علمت أسبابي التي شرحتها لك والتي كانت تمنع بوحي لها بما أشعر به حقيقة

قالت جوري وقد أعجبها تقمص دور والد العروس
_ أجل معك حق ،إذا سنفكر في طلبك يا سيد عاصم ، ونستشير ابنتنا ، ونبلغك بقرارنا قريبا

حاولت كبت ضحكته وهو يجيبها

_ وأنا كلي بالانتظار يا سيدة جوري

نظرت نحوه وهو مايزال على جلسته ، تشير له بعينيها
_ إذاً
وضع قدما فوق أخرى ، مريحا جسده على ظهر الأريكة ،وهو يقول :

_ إذاً ماذا

_هل ستبقى للصبح لدينا ، عليك المغادرة لقد انتصف الليل ، ونحن متعبون للغاية
قالتها جوري وقد اكتست ملامحها بصرامة كاذبة ، فأجابها بهدوء وقد قرر مجاراتها في لعبتها
_ أريد أن أراها قبل أن أغادر ، لقد تهربت مني بعد الحفل وكأنها فقدت كل شجاعتها دفعة واحدة ، من يصدق أن من تهرب من لقائي الآن هي نفسها من أخبرت العالم.كله عن حبنا قبل لحظات

_ لا يصح ذلك ، لن تراها إلا بعد معرفة جوابها
نظر نحو جوري بغيظ ، لكنه استسلم وهو يلاحظ ملامح وجهها المرهقة، لذلك استأذن مغادرا دون كلمة اضافية
عقب إغلاق باب المنزل خلفه ، نظرت جوري نحو شقيقتها التي خرجت من مخبأها بوجه محمر خجلاً ، فقالت لها جوري :
_ يبدو أنك فعلا فقدتي شجاعتك دفعة واحدة ،من يسمع اعترافاتك على خشبة المسرح ، لايصدق أنك الآن تختبئين بهذا الشكل
ثم أكملت جوري بسعادة وهي تلاحظ الشرود الذي تعاني منه ياسمين ، وكأنها تعيش في حلم خاص بها
_ إذاً ما رأيك بما طلبه ابن عمنا

لكن ياسمين كانت في عالم آخر ، إذ أجابتها بهمس حالم

_هل سمعتِ اعترافاته يا جوري ، إنه يحبني مثلما أحبه

اقتربت جوري تضمها قائلة :
_ ومن لا يحب زهرة الياسمين خاصتنا ، إذن أخبريني هل اجيبه بالقبول
اومأت لها ياسمين بأجل ، ثم قالت

_ لكن قبل أن تخبريه ، أود الجلوس معه قليلا

رنين جرس الباب جعل جوري تقول بمكر :
_ لقد عاد أنا متأكدة ،لقد قلبت حال عاصم الرزين يا ياسمين

…...
لا يصدق أنها الآن تجلس قبالته ، قلبه يكاد يتوقف من حجم تلك المشاعر
عيناه تلكأتا على وجهها المحمر خجلاً ، صدى اعترافاتها مازال يتردد داخله كألحان عذبة
فتمس روحه بسحرها ، بهمس حمل في طياته نبرة عشق ، همس باسمها ،فرفعت وجهها نحوه كأنها تراه ، لكنها سرعان ما أخفضت وجهها تهمس له بحقيقة تكمن في ذلك الجزء البعيد من عقلها ، لكنها حقيقة وجب عليها سماع إجابته عليها :
_ عاصم
دون تردد هذه المرة ، همس لها مصرحا بعشق
_ قلب عاصم ونبضه الذي يحيا به

دوي غريب انتشر في جنبات قلبها ، يضرب صدرها بلا هوادة ، لكنه دوي لذيذ ، يشعرها بأن روحها ترقص سعادة ، أرادت أن تتراجع عن حديثها الذي كانت تود البوح به ، لكن رغماً عنها هذه المرة ، تصدح تلك التساؤلات في عقلها دفعة واحدة ، لذلك أكملت ماتعتبره بوحاً له

_ بداخلي ، في ركن بعيد تجاهلته دائماً ، لكنه في هذه اللحظات يطرق باب عقلي دون هوادة منه ، بتساؤلات أود سماع إجابتها منك ، فتعود هي لمدفنها وهذه المرة للأبد

رغم استغرابه لم تقول ، لكنه أكد لها أنه مستعد لإجابتها عن أي شيء ، ولم تبخل هي بطرح ما في جعبتها ، فمهما بلغت هي من القوة ، تبقى هي تلك الفتاة التي تعلم أنها تعاني من فقدان بصرها :
_ أنا لن اتمكن من رؤية ملامح وجهك حين تكون غاضباً أو سعيداً ، تحمل هموماً ، أم أن قلبك مفعم بالرضى

فهم تماماً مايجول الآن في عقلها ، فهي وإن سلمت مقاليد الأمور لقلبها ، وإن كانت قوية وصامدة ،يبقى كما قالت في ركن بعيد من عقلها ، سؤال يذكرها بذلك الحاجز الوهمي الذي يفصلهما عن بعضهما
همس لها بإجابته ، وكلماته تسبب الشرخ لذلك الحاجز ، فينبثق شعاع النور من خلاله بخجل

_ سيكون ارتباط قلبي بقلبك خير من يخبرك بكل مايعتريني من مشاعر ، ستعلمين حينها من خلال نبض قلبك ، كل ما يتعاقب علي من مشاعر ، كما كنت تفعلين دائماً ، تشعرين بي وبوجودي قبل أن يعرف أي شخص آخر

أكملت بحشرجة غريبة عليها :

_ لن أتمكن من قراءة ماتود خطه لي من عبارات ، لن أتمكن من …..
قاطع حديثها وهو يمسك كف يدها ، يمرر سبابته فوق راحة يدها

_ ستكون يدك هي ورقتي التي أنثر فوقها حروفي التي أود منك قرائتها

_ لكن

وضع كف يده فوق شفتيها موقفاً إياها عن الإكمال ، وكم تاق لاسكاتها بطريقة اخرى وخدر لذيذ يسري بشرايينه ، وهو ذاته الذي جعل دوي قلبها يهدر عالياً :

_ لا تكملي ، مرة أخبرتني أنك ترين كل شئ من خلال عينيّ ، وهما باتتا ملكك الأن ، ويدي بيدك لن تفارقها مهما حدث ،لطالما كنت المتفائلة ،القوية ، من تعرف سكنات الجميع قبل حركاتهم ، فلا تدع لليأس أي ثغرة يتسلل منها إليك ،أنا هنا وأنا أنت
بدونك أنا لست مكتملا يا ياسمينتي
لذلك ترفقي بقلبي وكوني كماله الذي يبغي
هزت رأسها بأجل ، وقد نثرت حروفه كل الأمان الذي كانت تريده ،مغلقة على تلك المخاوف ألف باب وباب ، ليكمل همسه العاشق وهو يلاحظ تغير ملامحها للراحة وتلك الابتسامة التي يحب تزين وجهها :

_ الانسان يضيع بغمازة واحدة ، فما بالك بغمازتين
تسرقان نبضات قلبي ، وأنا أرى عيناك نحوي
تبتسمين وكأن صورتي طبعت فيهما ، ياويل قلبي
من غمازتين

همست بعدم تصديق ، باسمه وكم ود حينها ضمها إليه ، زرعها هناك في قلبه ، ولكن بعض ذرات التعقل لديه جعلته يكتفي ، فلديه بعد ذلك كل الوقت الذي يريد للبوح ، بالطريقة التي يريد
نظر عاصم نحو مراد الشارد في البعيد ، عقب إخباره لهما هو و زياد عن موعد عقد قرانه بعد أيام ، ربت على كف يده الموضوعة أمامه على الطاولة ، مما أجفل مراد ناظراً له بتشتت
قال عاصم محاولاً معرفة مايدور في خلد صاحبه
_ مراد ، ما الأمر الذي يشغلك منذ فترة
حاول مراد إخفاء حالته عنهما ، وهو يجيب بمرح مصطنع
_ لا يوجد ما يشغلني
نظر له عاصم نظرات متشككة ، قطعها صوت زياد وهو يعتذر منهما قائلاً وهو يستقيم واقفاً متناولاً هاتفه ومتعلقاته الشخصية عن الطاولة :
_ أنا اعتذر منكما ، لدي موعد طاريء ، ألقاكما في الغد إن شاء الله
ثم تركهما وعيونهما تراقب رحيله باستغراب ، قال مراد مشيراً نحو زياد قبل أن يختفي عن ناظريهما
_ ما به ، هل يعاني أحد أفراد اسرته من خطب ؟
اومأ عاصم بالنفي وهو يجيب
_ لا اعتقد ذلك وإلا كان أخبرنا بالأمر
ثم التفت بأنظاره نحوه قائلاً بجدية :
_ والآن أخبرني بما يدور برأسك منذ مدة ، لا تظن أنني لم انتبه لما يحدث معك ، وخاصة بعد حضورك للحفل الخاص بالفرقة التي تعزف بها شادية
قال عاصم جملته الأخيرة بقصد منه ليرى رد فعل صديقه لذكرها ، ولم يخب ظنه ومقلتا مراد تغيمان بمشاعر هو خير من يعرفها ، منذ مدة انتبه لمحاولات مراد لمساعدة شادية بخصوص العمل ، ثم حضوره للحفل ،وبعدها مساعدتها على عرض منتوجاتها في المتجر القريب من متجره
انتظر للحظات وهو يراقب ملامح مراد الذي يحاول أن يجد صيغة مناسبة ليبدأ حديثه ، علّه يهتدي لسبيل لمعرفة التصرف الأنسب له
، ثم مالبث أن تحدث قائلاً
_ في الحقيقة يحدث معي أشياء كثيرة ، أنا نفسي في البداية لم افهمها ، بل وحاولت تفاديها لظني أنها مجرد حالة انبهار لا أكثر ، لكن يبدو أن الأمر قد تخطى ذلك بأشواط كثيرة
دون مواربة ، سأله عاصم
_ هل تحبها
ابتسم مراد وهو يتذكر ملامح وجهها ،التي باتت لا تفارق مخيلته ، مجيباً سؤال عاصم
_ في البداية لفتت نظري في المعرض ، لسبب لم افهمه حينها ، وفي اليوم التالي حين لمحتها قرب متجرك شعرت بذات الأمر ، حتى دخلت لمتجري هي وابنة عمك لتنتقيا بعض الأشياء ، حينها لم استطع أن اركز فيما تقوله الزبونة ، فكل حواسي كانت مع تلك الفريدة التي دخلت متجري ، تراقب بانبهار طفلة كل ما عُرض فيه
لأجد نفسي اتحجج بحاجتي لبعض المشغولات التي تصنعها ، فقط لاتمكن من الحديث معها ، وبعد مغادرتها علمت أن هناك نوعاً ما ،نوعاً خاصاً من الشعور قد تشكل داخل قلبي تجاهها
وتأكدت من شعوري حين حضرت الحفل ورأيتها تجلس بين العازفين ، رأيتها بعين قلبي أميرة تجلس هناك بينهم ، وكل حواسي كانت معها هي فقط
ابتسم عاصم بمودة لصديقه ولاعترافاته بالحب والتي ذكرته بزهرته البيضاء
لكن حيرة مراد التي لاحت على ملامحه ، جعلته يسأله قاصداً
_ طالما أن الأمر كذلك ، لم هذه الحيرة التي ترتسم فوق محياك ، هل تستكثر عليها حبك هذا
نظر له مراد بصدمة ممزوجة بالغضب ، ليهدر بوجه صديقه بصوت شبه مرتفع :
_ هل هذا ظنك فيّ يا صديقي ، أنت من انتظرت سنوات لأجل ياسمين ، تظنني أحمل مثل هذا التفكير البشع

التفت عاصم حوله وقد لفت صوت مراد المرتفع انتباه رواد المقهى له ، فابتسم لهم عاصم باعتذار ، ثم عاد يربت على كف صديقه مهدئاً ، وهو يقول بابتسامة سعيدة برد فعل مراد
_ إهدأ قليلاً يا مراد ، يبدو أنك تعشقها يا رجل
استعاد مراد قليلا من هدوءه وهو ينتبه لابتسامة عاصم ، فعلم ما حاول صديقه فعله ليتبين ردة فعله ، تنهد بتعب ثم قال
_ منذ أول يوم قابلتها به ، و أنا أراها تمتلك من الكمال الكثير ، بعين قلبي هي أميرة لا تماثلها فتاة في الكون
ابتسامة عاصم زادت ، يعلم تماماً ما يعنيه صديقه وهو العاشق لياسمين
، لذلك قال لمراد بتفهم
_ ما دمت واثقا من مشاعرك نحوها ، اخطو نحوها و لا تكن مثلي يا مراد ، ترددي اضاع عليّ أجمل الأيام ، لذلك خذها نصيحة مني واخطو الخطوة التي ستقربك منها أكثر
أومأ مراد بأجل ، لكن نظراته المترددة ، وعدم تعليقه على ما قال جعله يسأله باستفهام
_ هل لازلت متردداً ، أم أن هناك ما يمنعك
نظر نحوه مراد وهو يقول
_ ليس هناك ما يمنعني ، على العكس تماما لقد فكرت بهذه الخطوة ، فكرت بخطوبة تجمعني بها ، تجعلنا نتعرف على بعضنا أكثر ، تجعلني قريباً منها ، لكني أخاف عدم قبولها ، أخاف ألا تفهم ما أحمله في قلبي لها
هز عاصم رأسه له بتفهم لكل حرف تلفظ به ، مجيباً حديثه
_ لذلك الخطبة بينكما ضرورية ، لقد أخبرتك طالما أنك واثق من مشاعرك تقدم نحوها ، لقد ضيعت سنوات من عمري بسبب ما يحدث معك الآن حتى كدت أفقدها ، لذلك لا أريد لك معايشة ماحدث معي
أحس مراد ببعض الراحة وهو يستمع لما يقوله عاصم ،واعداً إياه باتخاذ تلك الخطوة
فهو لايوجد ما يمنعه عن البوح لها ، عن ارتباط يجمعه بها
وحتى شقيقاته اللاتي تخوف من رفض يصرحن به ، باركن له اختياره حين اتصل بكل واحدة منهما في البلد الذي تقطن به رفقة عائلتها
ذات الجواب حصل عليه من شقيقاته الثلاثة
( طالما أن قلبك اختارها ، فأنا واثقة بأنها رائعة وتستحق حبك لها )
…..
عادت ياسمين إلى المنزل رفقة شادية ، لقد كانتا معاً في زيارة لورد شقيقة تيم ، للقيام ببعض التعديلات على الثوب الذي سترتديه ياسمين يوم عقد قرانها ، والتي سبق واختارته جوري من مجموعة فساتين قامت ورد بتصميمهم ، جلست الصديقتان في الصالة بعد أن قدمت لهم خديجة القهوة ، قال ياسمين :
_ اتعلمين رغم خطوبتي لعاصم إلا أن جوري لا تستطيع التخلص من قلقها عليّ
تناولت شادية قطعة من الكعك تتناولها وهي تقول :
_ مع الوقت ستعتاد
أومأت لها ياسمين بأجل ، حين رنّ هاتفها برقم عاصم ، تناولت الهاتف تجيبه ووجها مكلل بعلامات العشق ، كانت شادية تهم بإعادة فنجان القهوة لمكانه حين قالت ياسمين محادثة عاصم الذي اتصل ليطمئن على وصولهما للمنزل بخير
_ حسناً أحادثك حين تنهي لقائك بمراد
تلفظها باسم مراد جعل يدي شادية ترتعشان مما جعلها تسكب بعض القهوة على الطاولة ، انتبهت ياسمين للصوت ، فتساءلت بينما تغلق خط الهاتف
_هل أنت بخير يا شادية ، ماذا حصل ؟
بتوتر أجابتها شادية بينما يداها تقومان بتجفيف آثار القهوة بمناديل ورقية
_ لم يحدث شيء ، لقد سكبت بعض القهوة من غير قصد
تنبهت ياسمين لنبرة صوت صديقتها ، فقالت
_ لا بأس ، سأطلب من دادا خديجة إعداد غيره لك
رفضت شادية ذلك ، متعذرة بضرورة مغادرتها مبكراً ، لكن ياسمين لم تدعها تفعل ، وإنما قالت لها
_ لا داعي لهروبك من مشاعرك يا شادية
رغم فهمها لما قصدته ياسمين ، لكن شادية تصنعت الغباء وهي تسأل
_ ماذا تعني
ابتسمت ياسمين لمحاولة صديقتها الفاشلة ، تخبرها بتأكيد
_ أنت تعلمين ما أعني ، مراد
ذكرت اسمه قاصدة ، وذكرها لاسمه جعل شادية تغرق في مقعدها بتوتر وخجل من فضح مشاعرها ، تهمس بارتباك
_ دائما ما تستطيعين اكتشاف ما أحاول إخفاءه عنك
سألتها ياسمين بجدية
_ ولم تحاولين إخفاءه ، مشاعرك له ليست أمراً مشيناً يستدعي إخفائك لها
بتنهيدة متعبة باتت تلازمها في كل مرة يشغلها موضوع مراد ومشاعرها نحوه
_ أعلم ذلك ، لكن أخاف أن اتعلق بأمل واهم يا ياسمين ، لست مستعدة لانكسار يصيب قلبي ، وهذا الانكسار ليس كمثله شيء آخر ، حينها ستكون نهاية قلبي صدقيني
لطالما غضبت ياسمين من تقليل شادية لقيمة نفسها ، وهذا ما لم تستطع إخفاءه قائلة
_ ولم تفترضين أنه أمل واهم ، لم تقللين دائما من شأن نفسك يا شادية
نظرت نحوها شادية بصدمة فيما ترقرقت الدموع بعينيها وعيناها تنتقلان تلقائيا للنظر نحو قدمها التي تعاني من العجز ، لتهمس بألم مخنوق بعبراتها التي هطلت
_ لأنني لست قوية مثلك ، لأنني لست مستعدة لأن أفقد جمال ما أشعر به نحوه بقسوة ما سيفرضه علينا الواقع
شعرت ياسمين بألم كبير وهي تستمع لشادية ، لذلك هبت من مكانها غير عابئة باصطدامها بالطاولة ، تقترب من صديقتها لتضمها إليها ، تشاركها البكاء ، لكن ليس لنفس السبب ، بل ياسمين كانت تبكي ألم صديقتها
_ لا تبكي ، أنت قوية أكثر مني لكنك ترفضين تصديق ذلك
ابتعدت شادية عن حضن صديقتها ، هامسة ببحة ودموعها مازالت تغرق وجنتيها :
_ ربما قوية لكن حين يصل الأمر للقلب ، أقف متوترة خائفة ، أحيانا أتساءل لم ظهر بحياتي في هذا الوقت وأنا من كنت قد وضعت فكرة انشغال القلب والارتباط بشخص خارج حساباتي نهائياً ، لم كان عليه أن يكون بهذا اللطف وهو يساعدني بكل ما احتاجه في عملي الجديد ، لم كان عليه أن يكون شريكاً لي في تحقيق حلمي ، لم كان عليه أن يجعلني أحبه
وعادت تجهش بالبكاء ، فعادت ياسمين تضمها لها قائلة وهي تربت على ظهرها بدعم
_ ربما لحكمة ما ، ربما لكي تبدأي مرحلة جديدة من حياتك
عادت شادية لتبتعد عنها وعقلها يرفض استيعاب كلمات ياسمين ، فيما قلبها يفتح لها بوابة الأمل على مصراعيها ، تنظر لوجه صديقتها فيما تكمل حديثها :
_ الحب أمر ليس بأيدينا ، لنتحكم بحدوثه يا شادية ، فاجعلي حبك له دافعاً قوياً لك لتكون حياتك أجمل ، وإن لم يكن من نصيبك فاعلمي أن هناك أمراً جميلاً جداً يخبئه القدر لك
مسحت شادية دموعها ، وقد هونت كلمات ياسمين عليها بعض الشيء ، فهمست لها بالشكر قائلة
_ شكراً لوجودك بجانبي يا صديقتي ، واعذريني لأني افسدت فرحتك لهذا اليوم
لكزتها ياسمين وهي تضحك رغم دموعها التي غطت وجهها كذلك
_ لا تقولي هكذا مرة أخرى
رنين هاتف شادية جذب انتباههن ، فأخرجته شادية من حقيبتها وهي تظن أنها والدتها ، لتتوقف نظراتها بصدمة على الهاتف وهي تلمح اسم مراد ، عدم اجابتها جعل ياسمين تسألها باستغراب
_ ما الأمر لم لا تجيبين
بصدمة أجابتها
_ إنه مراد
ابتسمت ياسمين وبداخلها احساس بأن مراد يحمل مشاعراً خاصة لشادية ، طلبت منها إجابته ففعلت شادية بتردد ، لتتسع ابتسامة ياسمين أكثر وهي تستمع لإجابة شادية على سؤال مراد والذي على ما يبدو علم بأنها كانت تبكي منذ لحظات :
_ كلا ليس بي شيء ، أنا بخير
توترت شادية وهو يكرر عليها السؤال إن كان بها شيء ، فصوتها ليس طبيعياً ، وعادت هي لتؤكد له أنها بخير ، متوترة من اهتمامه الذي باتت تشعر به بشكل أكبر ، وبمحاولة للهروب من مشاعرها قالت
_ هل حدث أمر ما يخص العمل ؟
وعلى الجهة الأخرى كان مراد يستمع لسؤالها وبداخله يعلم أنها كانت تبكي ، بحة صوتها المختنقة نتيجة البكاء ، لم تستطع إخفاءها عنه ، كم يود معرفة سبب بكاءها ، كم يود لو كان بجانبها ليخفف عنها ، لكن سؤالها جعله يشعر بارتباك وهو يجيبها
_ كلا لا يوجد شيء يخص العمل ، حسناً أنا اتصلت لأمر آخر
وصله سؤالها المستغرب عن ماهية هذا الأمر ، فأجابها دون تردد
_ أود منك أن تحددي لي موعداً للقاء والدتك
صمتها جعل ارتباكه يزداد ، بينما هي جحظت عيناها بصدمة ، هل ما تفهمه من طلبه حقيقي ، هل لبى الله رجاءها ، صوته الهامس باسمها جعلها تقول له بغباء
_ لم ، لم أفهم
لو كانت بجانبه لتشاهد ابتسامته العاشقة التي زينت ثغره فيما يعود ليقول لها
_ اطلب أن أقابل والدتك ، فحددي لي موعداً
همست بتشتت مازال مسيطراً عليها
_ أجل ، سأخبرك حالما أحادثها
أنهت الاتصال معه مبعدة الهاتف عن أذنها تنظر لشاشته بشرود ، أخرجها منه صوت ياسمين المتسائل عما يريده مراد ، لتجيبها شادية بعدم تصديق
_ يطلب لقاء والدتي
لم تستطع ياسمين إخفاء سعادتها وهي تقول
_ يبدو أن أملك لم يكن وهماً يا شادية
بادلتها شادية الابتسامة وقلبها ينبض بعزف خاص به ، عزف قلب محب
…….
كان حسان يسير عائداً نحو المنزل ، لكنه تذكر حاجته لبعض الأغراض من بقالية أبو سعيد ،عّرج عليها ملقياً التحية على أبي سعيد، ليجيبه الأخير بشرود شديد ، قال حسان باهتمام حقيقي ، فأبو سعيد لطالما عامله بكل ود واحترام ولا يهون عليه رؤيته مهموماً شارداً هكذا
_ ماذا بك يا عمي ، تبدو مهموماً شارداً على غير العادة
أجابه أبو سعيد
_ إن سعيد ليس على ما يرام
سأله حسان ما الذي يعنيه بقوله هذا، فأجابه الرجل
_ إنه مريض بعض الشيء ، واظن كذلك أنه يعاني مشاكلاً في عمله لكنه يرفض التحدث عن الأمر
هز حسان رأسه بتفهم وهو يقول
_ لا تقلق عليه يا عمي بإذن الله سيكون بخير ، سأعوده في المساء إن سمحت لي يا عمي
بترحاب شديد أجابه أبو سعيد
_ على الرحب والسعة يا بني
….
في المساء كان حسان يجلس في غرفة جانبية في منزل أبو سعيد ، غرفة مخصصة لاستقبال الضيوف ، يشعر بالإحراج من نفسه لقيامه بهذا الزيارة فهو يعلم أن سعيد لا يكن له أي مودة ، لكن واجب الجار ،وصداقة قديمة كانت تجمعه به جعلته يقدم على هذه الخطوة ، أعاده من أفكاره دخول سعيد إليه مرحباً بملامح وجه شاحبة وجسد متعب ، بعد تبادل بعض العبارات ، قال حسان وهو يتناول كوب الشاي من على الصينية التي احضرتها والدة سعيد منذ لحظات
_ هل لي بسؤالك عما تعاني منه يا سعيد ، فربما استطيع تقديم يد العون لك يا صديقي
تعمد حسان قول تلك الكلمة ، كي لايتسبب بالضيق لسعيد ، بينما نظر نحوه سعيد بتعجب ، تحول سريعاً لإعجاب لطالما كان يشعر به تجاه شخصية صديقه القوية ، وإن رفض مرارا المجاهرة بذلك الأمر
_ أشكرك يا حسان
شعر حسان بتردده ، فعاد يؤكد له
_ أخبرني ما الأمر يا سعيد ، نحن صديقان ومن واجب الأصدقاء مساندة بعضهم
أومأ له سعيد بشرود وهو يقارن حسان صديق الطفولة الذي ابتعد عنه بمجرد ما كبرا ، مفسحاً المجال للمزات وسخرية أصدقاء جدد دخلوا حياته تجاه صديق طفولته ، أصدقاء ظن أنهم سيقفون بجانبه في أي ضائقة تلم به ، لكن يبدو أن ظنه كان خاطئاً ، فهم اكتفوا بكلمات مساندة فقط ، لذلك وجد نفسه يخبر حسان بما حدث معه من مشاكل تخص العمل الذي يقوم به أدى لوجود أخطاء كارثية إن تم اكتشافها ستؤدي به إلى الطرد من عمله والمسائلة القانونية
وحين انتهى قال حسان بتفكير
_ هل استطيع الإطلاع على برنامج المحاسبة الذي تستخدمه بإنجاز أعمالك
وافق سعيد ، محضراً حاسبه الشخصي ، وبعد عدة دقائق كان حسان يخبره
_ لا بأس سنعيد كل شيء منذ البداية لنعرف أين مكمن الخطأ
قال سعيد بصدمة من اقتراح حسان
_ لكن هذا سيأخذ وقتاً طويلاً
دون أن ينظر حسان إليه فعقله كان مشغولاً بالنظر للحاسب وللأرقام الحسابية
_ وإن يكن ، أنا لدي عطلة صباحية طيلة هذا الأسبوع ، لذلك سنحاول إنجاز كل شيء معاً
توسعت عيني سعيد بصدمة أكبر ، صدمة من عرض حسان ، صدمة من مساعدته له وهو الذي طالما عامله بسوء
خجل شديد شعر به تجاه نفسه ، خجل وجلد للذات على تصرفاته السابقة التي كانت تحط من قدر حسان ، لكن يبدو أن الوقت أثبت له أن حسان لا يعاني من أي خطب ، بل من يعاني هو وأمثاله من معاقي الشعور والضمير
……
وقفت شادية بتردد أمام خزانتها ، تكاد لا تصدق أن مراد سيصل لمنزلها بعد لحظات ، سيقابل والدتها التي تبدو الآن كمن يطير فوق بساط من السعادة ، سعادة والدتها التي لم تستطع كبحها بداخلها جلبت كذلك السعادة لقلبها كذلك
تلمست قماش العباءة التي سبق واشترتها من متجره ، لم تفكر بارتدائها منذ اشترتها وكأنها تخبئها لمناسبة خاصة بها ، لكن هل يصح أن ترتديها اليوم وأمامه ،أم تختار شيئاً آخر
حسمت أمرها واختارت ثوباً بسيطاً بتصميمه
بعد بعض الوقت ، كانت تجلس أمامه بتوتر وخجل شديد ، لدرجة أنها لم تستطع رفع نظراتها نحوه
حين حضر استقبلته والدتها بترحاب شديد ، وها هما جالسان بمفردهما بعد أن تحججت والدتها بمغادرتها لصنع القهوة
بينما هو كان يراقب ملامحها الخجلة بحب ، همسه باسمها جعلها تنظر نحوه بتلك الطريقة التي باتت تسلب لبه ، عيناها السوداوان تأسرانه فلا يستطيع منهما فكاكاً
صمت غرق به الاثنان فيما تركا الأمر لحديث العيون ، عودة والدتها جعلها تعود لتخفض نظراتها خجلاً
ليبادر حينها مراد بمحادثة والدتها بما جاء لأجله ، أذناها لا تصدقان أنه يطلب يدها من والدتها ، أنه يصرح بمشاعر خاصة يكنها لها ، كم تود لو تستطيع الفرار من أمامه في هذه اللحظة ، الفرار خجلاً من أن يكون صوت نبض قلبها يصل إليه فيشعر بما يعتريها بهذا اللحظات من مشاعر هادرة تهدد بفقدانها للوعي
بينما هو يحاول ألا ينظر نحوها فيما يحدث والدتها ، خجلاً من فضح مشاعره بشكل أكبر ، خاصة وهو يشعر بخجلها اللذيذ جداً لقلبه
…..
يوم عقد القران الخاص بياسمين وعاصم ، والذي أصر أن لا يطيل مدة الخطوبة ،كفاه تضييعاً للوقت ، يود أن يتأكد أنه لا يعيش حلما ، بل هي حقيقة تملؤه سعادة
حقيقة أنها حبيبته وبعد لحظات سيكون اسمها بجانب اسمه زوجة له
كم ود لو تمكن من إقامة حفل زفافهما بسرعة كذلك ، لكن طلب جوري منه التريث بعض الوقت جعله يقبل بذلك على مضض
كان الجميع مجتمعاً في حديقة المنزل والتي أصرت ياسمين أن يكون الحفل بها ، وخاصة أنهم يودعون فصل الربيع
كانت ياسمين تشعر بسعادة كبيرة وخاصة وهي تستشعر سعادة الجميع من حولها
حفل اقتصر على المقربين جداً ، لكنها تشعر بسعادة كبيرة لتواجدهم حولها
شعرت باقتراب شادية منها وهي تقول
_ ملامحك تكاد تضيء من السعادة يا ياسمين ، أنا سعيدة جداً لأجلك
تبسمت لها ياسمين قائلة
_ حفظك الله لي يا صديقتي ، والعقبى لك قريباً
قبلتها شادية على خدها ثم ابتعدت باستخدام عكازها نحو مقعدها تنظر باتجاه مراد الذي يقف بجانب عاصم بانتظار وصول المأذون الذي سيعقد القران
وكأنه شعر بها ، عيناه سرعان ما رانت نحوها بعشق ، يبادلها الابتسامة ، ثم يهديها غمزة شقية جلبت الخجل لها ، لتبعد نظراتها عنه وقد تلونت وجنتاها بحمرة شديدة ، تتلمس بأناملها خاتم الخطوبة في يدها
تكاد لا تصدق ما حدث ، لقد أصر مراد على خطبة سريعة غير مهتم بأية حجة من قبلها للتأجيل ، فكما يبدو كان يشعر بترددها وخوفها
ولم تجد نفسها إلا وهي تقبل بطلبه ، ليزين خاتمه اصبعها بعد أيام فقط ، ومن وقتها وهي تطفو فوق غيوم من السعادة
…..
انتهت مراسم عقد القران و وكلاهما ياسمين وعاصم لايزال غير مصدق لما يجري ، يقف بجانبها يناظر وجهها بعشق لم يعد متحرجاً من إخفاءه ، بل يريد أن يصرخ بصوت عال مخبراً الكون كله أن هذه الزهرة هي زوجته وحبيبته
عشقه الأوحد ، حاله كحالها تماماً تكاد تذوب خجلاً وعشقاً وهي تستشعر وقوفه قبالتها مقترباً منها يهدي جبينها قبلة رقيقة ، وهمسه يصلها
_ مبارك لي وجودك في حياتي
دون أن يخلي سبيل وجهها الذي احتضنه بكفيه ، همست له بخجل وهي تشعر بكل العيون تراقبهم
_ مبارك لي ولك عاصم
رغماً عنه ابعد كفي يده عن وجهها ، كابحاً رغبة قوية بأخذها بين ذراعيه ، بتذوق شهد شفتيها
استغل اقتراب جوري منهما للمباركة ليهمس بأذنها ببعض الكلمات ، جعلتها تومئ له بأجل
بعد انتهاء المباركات لهما ، اقتربت جوري تطلب منها أن ترافقها نحو الحديقة الخلفية ، وقبل أن تتمكن ياسمين من الرد كانت جوري تسحبها لتسير أمامها غير آبهة بنظرات الآخرين لهما
لحظات ووصلته رسالة جوري على هاتفه

( انها تنتظرك في ركنكما المفضل ، لازلت تذكره طبعاّ ) واتبعت سؤالها بوجه غامز
خطا نحو المكان الذي قصدته جوري ، ليلتقي بها في منتصف الطريق ، عائدة نحو الحفل ، دون أن تتوقف خطواتها قالت بمشاكسة
_ هذه واحدة لي عندك يا ابن العم

ضحك من أسلوبها الذي بات يشابه أسلوب تيم ، ثم عاد يستكمل طريقه نحو جنية أحلامه

تسمرت خطواته وهو يراها تقف تحت شجرة الورد التي سبق وزرعها عمه في الحديقة الخلفية ، مكانها المفضل الذي كانا يمضيان الكثير من الوقت فيه ، فاصبح الجميع يعلم أن هذا المكان من الحديقة هو خاص بعاصم و ياسمين
نظراته تسير بتمهل على تفاصيلها
تبدو كحورية هاربة من الحكايا، جنية بفستان أخضر يبدو وقد صمم خصيصاً لها ، جنية نثرت غبار سحرها عليه فامتلكت نبضات قلبه كلها ، شعرها يتناثر حولها ، فيزيد صورتها في قلبه اكتمالا

تبدو في وقفتها تلك أميرة تنتظر أميرها ليظهر
يداها تتحركان على الزهرة الصغيرة التي قربها وكأنها تحادثها بأسرارها
استدارت نحوه بابتسامة، ويدها مازالت معلقة بالهواء وكأنها تناديه ليقترب منها
لكنه فتح ذراعيه لها ، وكأنها تراه وترى ما يفعل
عيناه تعلقت بها ، يتخيل أنها تراه الآن ، تراقب ملامحه بعشق كما يفعل ، بل و تجري نحوه فيضمها بين ذراعيه

كل ذلك تخيله وهي لا تزال على وقفتها ، خفقات قلبه اضطربت بسرعة كبيرة ، وهو يراها تهمس باسمه ثم تسير نحوه ، لم يمنع نفسه من التخيل أجل هو يحلم أنها تسير نحوه بخطوات خجلة
تقف أمامه تهمس باسمه ، وكأن عيناها تعلقت بعينيه ، ثم و دون سابق انذار له ، احتضنته
ليرتد جسده بشوق ...بحب …..بعشق ….
ويكمل هو حلمه بأن يضمها نحو صدره أكثر هامساً :
_ لو تعلمين فقط ، كم أذوب بك عشقاً

أتاه صوتها وكأنه قادم من حلم ، في بوح خاص بهما وحدهما ، يداه تضمان جسدها بتوق كما يداها ورأسها يتوسد صدره ، قرب قلبه تماماً

_ يظنون أنني أعيش في الظلام ، ولكنهم لا يعلمون أنك جزء من نور حياتي، بل الجزء الأكبر ، لا يعلمون أنني أشعر بكل حركة تقوم بها
، مهما كان الظلام حولي شديداً إلا أنني استطيع أن أراك بعين قلبي ، فيغدو كل شيء مضيئاً حولي

يا إله الكون ، إنه لا يحلم ، إنها هنا حقيقة ّ
بين ذراعيه
اختصرت عليه كل السبل والدروب
تحتضنه بشوق كما يفعل

همس بعاطفة لم يعد بقادر على إخمادها
_ ياسمين
همست مقاطعة حديثه بتأكيد شديد
_ ياسمينة عاصم
أبعد وجهها عن صدره، ينظر لعينيها التي اضاءت ببريق يعشقه ، يداه ترتفعان لاحتضان وجهها ، هامساً لها :

_ يا كلّ أمنيات عاصم ، أنا بدونك لا شيء.. حياتي لا تكتمل الا اذا كنت موجودة بها .. حقيقة أزهرت في قلبي وقلبك ، ولن يستطع أي شيء طمسها

ودون أن يترك لها مجالاً للرد ، كان يختم صك ملكيته لقلبها وملكها لقلبه بقبلة أودعها عشقه كله
بادلته إياها بخجل
وحب
….
أنهى حسان عمله على الحاسب ، وسعيد ينهي كذلك تدقيقه للجداول الورقية أمامه ، قال حسان براحة

_ وأخيراً تم حلّ المشكلة
راحة كبيرة شعر بها سعيد وهو يناظر ما أنجزاه هو وحسان من حل لمشكلته في العمل
نظر نحو حسان قائلاً
_ لا أعلم كيف أعبر لك عن شكري يا حسان
ربت حسان على كفه قائلا
_ لا يوجد شكرٌ بين الأصدقاء يا سعيد ، والآن استأذنك يجب أن أغادر لقد وعدت سند أن أساعده ببعض الأعمال في صفه الصغير

تردد سعيد لبعض الوقت بخجل لكنه سرعان ما اتخذ قراره قائلاً
_ انتظرني ، سأرافقك فأنا أحببت سند من خلال حديثك عنه ويشرفني التعرف عليه واتخاذه صديقاً لي
أومأ حسان بأجل وبداخله يشعر بالراحة بعودة سعيد صديقاً له
عاد سعيد بعد لحظات فوجد حسان يتحدث مع أحدهم بغبطة شديدة على الهاتف، انتظر حتى أنهى حسان الحديث ثم سأله وهما مغادران عما جعله سعيداً بهذا الشكل
أجابه حسان ببساطة شديدة لو كان آخر مكانه لكان الغرور شعوره في هذه اللحظات
_ لقد تقدمت بطلب لإحدى الشركات الأجنبية للعمل عبر الشبكة العنكبوتية ، وأرسلت لهم بعض البرامج الحسابية التي صممتها ، ويبدو أن عملي نال استحسانهم فأرسلوا لي بالموافقة ويطلبون مني بدء العمل معهم
بساطته في الحديث عن الأمر جعلت سعيد يناظره بإعجاب لطبعه وأخلاقه التي يتمتع بها ، بارك له بعبارات صادقة ، فحسان يستحق كل خير
…..
كان ميار وسعيد منهمكان بطلاء الغرفة التي قرر سند تحويلها لمعهد موسيقي صغير يستقبل بها طلابه بدل تلك الصغيرة التي كان يستخدمها قبلاً
لقد زاد عدد طلابه بعد نجاح الحفل الأخير الذي قدمه ، معظم طلابه من أبناء حيّه ، يرغبون بتعلم العزف على الناي، وتعلم الموسيقا بشكل عام ، وهذا أسعده جداً
كان هو يرتب بعض الأشياء بينما حسان يقوم بتنظيف النوافذ
عند المساء كان عملهم قد انتهى ، فجلسوا أربعتهم يتناولون طعام الغداء الذي جلبه ميار معه
يراقبهم سعيد بتعجب لتلك العلاقة التي تجمع بينهم ، علاقة يفتقدها الكثيرون ، وبداخله نبت تصميم جديد بأنه لن يستغني عن وجودهم بحياته بعد الآن
…….


ليلة حفل الزفاف
كان عاصم يناظرها بعدم تصديق ، هل هذه الفاتنة الصغيرة قد غدت زوجته أخيراً ، هل سيصحو كل يوم على رؤية ابتسامتها التي يعشق
أمسك كف يدها يدعوها للرقص ، فامتثلت لطلبه وقلبها يضرب طبوله داخل صدرها ، غير مصدقة أن الحلم تحقق ، وأنها الآن زوجة له
شعرت بكفي يده على خصرها ، فأسندت رأسها لصدره تتمايل معه على أنغام الموسيقا
بينما وقفت سراب تراقبهم بسعادة كبيرة
سعادة من أجل الاثنين ، فهي تعلم كم عانى عاصم بسبب حبه لياسمين وكم عانت هي
وتعلم كم انتظرت جوري لتقيم فرحها كذلك هي وتيم
بعد انتهاء الرقصة اقتربت منهما ، همس عاصم باسمها جعل ياسمين تنتبه لوجودها
أمسك عاصم يدها يقربها منه ، ليضمها إليه
ضمت نفسها لحضن شقيقها ، غافلة عن عينين توسعتا بصدمة حين رؤيتها
عينان بحثتا عنها لأشهر طويلة
ليأتي اللقاء بها صدفة
صدفة أعادت للقلب الحياة
……
دلفت إلى غرفة النوم التي ستجمعها به منذ اليوم ، لقد ساعدها للوصول إلى الغرفة مخبراً إياها عن مكان كل شيء في الصالة كي لا تصطدم به
توترها وخجلها كانا واضحين له ، ابتسم وهو يعي أن زهرته قد فقدت جرأتها في هذه اللحظة
بتمهل شديد كانت عيناه تسافر فوق تفاصيلها
شعرها الذي تم تصفيفه على شكل حلقات مزينة بزهور الياسمين الصغيرة ، تغطيه طرحة يصل طولها لمنتصف ظهرها
بينما ثوبها الأبيض قد كشف عن ذراعين بيضاوين ناعمتين فيما مقدمة الثوب المزينة بفصوص من حبات اللؤلؤ وزهرات الياسمين غطت مقدمة صدرها حتى رقبتها
وكأنها صممت لتكون محتشمة بإغواء ماكر له
ليزيد من جمالها تنورة الفستان التي كانت على شكل طبقات من التل الأبيض المنفوش
عادت عيناه نحو وجهها المزين بشكل رقيق جدا يليق بها
اقترب منها غامراً إياها بين أحضانه فهو لم يعد يقوى صبراً على البعد عنها
ارتجافة جسدها تأثراً به وصلته ، لتزيد من ثورة المشاعر بداخله ، وجد نفسه يهمس باسمها بعشق ، بتوق، دافناً وجهه في عنقها ، مشتماً رائحتها التي تسكره حد الثمالة
مدت يديها تتشبث بقميصه ، وقدماها لم تعد قادرتان على حملها ، تهمس باسمه وهي تستمع لاعترافاته بالعشق
لتغرق بعدها معه في لجة المشاعر التي حملتهما نحو عالم خاص بهما وحدهما
…..
في الصباح استيقظت وهي تشعر به بجانبها ، صوت أنفاسه المنتظمة يصلها بوضوح ، مدت يديها تحاول تلمس الغطاء ، تتأكد من ستر جسدها وقد عادت ذكريات ما حدث في الليلة الماضية يؤجج مشاعرها نحوه ، فتغدو دقات قلبها كمن دخلت سباقاً لا تريد الخروج منه خاسرة
تململه في الفراش جعل وجنتيها تتلون بلون أحمر ، وخاصة وهي تشعر بذراعه تحيط بخصرها فتقربها منه أكثر
_ صباح الخير يا زهرتي الندية
ابتسمت وهي تجيبه بخجل بدا لعينيه شهياً جداً
_ صباح الخير
دون أن يترك له مجالاً لقول المزيد كان يعود لإخبارها كم يحبها لكن هذه المرة بطريقته الخاصة

بعد بعض الوقت كانت تقف رفقته في المطبخ يعدان فطورهما
شعرها مازال يقطر ماء بسبب استحمامها منذ لحظات
شعور بالخجل الشديد عاد إليها وهي تتذكر مساعدته لها في الاستحمام ، قيامه بمساعدتها على استكشاف مكان كل شيء داخل غرفتهما والحمام الملحق بها
ثم انتقاء ملابسها التي سترتديها
انتبه لشرودها فاقترب منها يضمها إليه ، مسنداً رأسه لذقنها وهو يسألها
_ بماذا تفكرين
أسندت ظهرها لصدره ، في حركة عفوية منها ، لكنها تجعلها تشعر بأمان شديد ، هامسة له
_ لم أكن أفكر بشيء ، فقط أتساءل بماذا يمكنني مساعدتك
أمسك كف يدها ، يساعدها على الاستدارة نحو الخزائن الموجودة في المطبخ ومازال يضمها إليه ، رفع يده الممسك بكفها نحو أول خزانة ، فتلمستها هي تتعرف مكانها بينما هو يقول لها :
_ الخزانة الأولى ، خطوة واحدة بعد باب المطبخ ، تجدين فيها العلب الخاصة بالقهوة والشاي والأعشاب الطبية
أومأت بأجل ، تستمع له وهو يتحرك بها في أنحاء المطبخ يعرفها عليه
: وهذه الخزانة الثانية فيها الأكواب والفناجين ، الثالثة للأطباق ، وهنا الثلاجة ، الغسالة
تلامس هي كل ما يذكره فتختزن في ذاكرتها مكانه ، رحمة من ربها بها أن لديها ذاكرة قوية جداً ترتبط بكل مكان تخطو بداخله ، فتتمكن من حفظه دون جهد كبير
انتبهت لهمسه قرب أذنها ، ويداه تطوقان خصرها أكثر
_ الآن هذا هو حوض الغسيل ، غسيل الأطباق مهمتك أنت ، فأنا لا أجيد هذا الأمر
ضحكت بخجل وهي تستشعر قبلاته فوق جيدها ، فهمست تحاول تخفيف وطأة تلك المشاعر عليها
_ حسناً موافقة
عاد يبتعد عنها ، وهو يقول
_ إذاً أولى مهماتك كزوجة هو المساعدة في غسل الأطباق الموضوعة في الحوض ، وأنا سأكمل تقطيع الخضراوات ، وانتبهي
توقفت حركاتها وهي تستمع له ، ظناً منها أن هناك خطباً ما ، لكنه أكمل كلامه بجدية شديدة ،شعرت بها واضحة في نبرة صوته
_ لا تستعملي السكاكين أبداً إن هذه مهمتي حين نكون بمفردنا ومهمة خديجة حين ستحضر لتولي شؤون المنزل
أجابته بأجل ، فتحرك عنها مبتعداً يكمل عمله بتقطيع الخضراوات فيما عيناه تراقبانها وهي تستدير نحو حوض الغسيل ، تتلمس حوافه بيديها وكأنها تستكشفه ، ثم تكمل استكشاف مكان سائل الكلي والليفة ، لتبدأ بعدها بالمهمة الموكلة إليها
ابتسم بسعادة وهو يراقب ما تفعل ، يحاول ألا يظهر قلقه عليها من عدم معرفتها لتفاصيل المنزل ومكان الأشياء ، لأنه يعلم أن ياسمين لا تحتاج منه إلا كل دعم وثقة بأنها قادرة على فعل الكثير
_ انتبه كي لا تجرح نفسك إن استمريت بمراقبتي
قالتها ضاحكة ، ليشاركها الضحك وهو ينتبه أنه فعلاً شارد بها وقد كاد يتسبب بأذية نفسه
….
_ عاصم هل يمكنك مساعدتي بإيجاد الثوب
استدار عاصم نحوها بعد أن أنهى ارتداء ملابسه ، فوجدها تقف أمام خزانة الملابس بحيرة
لازالت تلف جسدها بفوطة الاستحمام
، وكم ودّ استغلال هذه اللحظة معها ، لكن وقتهم ضيق للغاية وسيتأخرون على حفل زفاف شادية
اقترب منها متسائلا
_ ما الأمر أخبريني ، لم كل هذه الحيرة على وجهك
ثم زامن كلماته طبعه لقبلة على وجنتها ، فقالت بإحراج وهي تبعده بكف يدها عنها
_ عاصم سنتأخر هكذا ، لقد تأخرنا بما فيه الكفاية حتى الآن
لكن عاصم لم يستطع كبح رغبته بضمها إليه ، هامساً لها بجرأة
_ قولي اسمي مرة أخرى بهذه الطريقة وسنتأخر للمرة الثانية ، لا أحب على قلبي من هذا

رغم استجابة جسدها له ، لكنها ابعدته مدعية الحنق وهي تقول
_ عليك مساعدتي بإيجاد الثوب بدلاً من تأخيرنا ، ستحزن شادية إن لم أصل في الوقت المناسب
وقف بجانبها ناظراً لداخل الخزانة التي تعلق بها أثوابها متسائلا
_ أي ثوب تعنين
ببساطة كعادتها معه أجابته
_ إنه ثوب بلون أحمر
أمسك ثوباً بلون أحمر بين يديه ثم قربه منها قائلاً
_ هل تعنين هذا
أجابته بأجل بعد أن تأكدت من ملمسه بين يديها ، وضعت الثوب على السرير ثم همت تخرج بعض الأشياء الخاصة من درج جانبي وهي تحادثه
_ قبلاً في غرفتي القديمة كنت أعلم مكان كل ثوب لأنني كنت قد وضعت ترتيباً معيناً للأثواب ، ودادا خديجة تلتزم بهذا الترتيب حين تقوم بترتيب خزانتي ، لكن هنا لا أرغب لأي شخص بأن يتدخل بترتيب أشيائنا الخاصة بي وبك ، أرغب أن يكون أمراً خاصا بنا لوحدنا ، لكنني أجد صعوبة في إيجاد الملابس

كان يستمع لها بذهول ، طريقتها البسيطة في إخباره بكل تفصيلة صغيرة أو كبيرة ، لا تقيد نفسها بوجوده ، تخبره بما تستطيع فعله وبما لا تستطيع ، يعشق حرصها على خصوصية ما يجمع بينهما ، يعشق رغبتها بأن تكون تفاصيل حياتهما خاصة بهما وحدهما
، راقبها وهي ترتدي الثوب بهدوء ، فاقترب منها يساعدها على إغلاق السحاب ، معيداً خصلات شعرها لتنسدل على ظهرها بعد أن سبق وجمعتها هي على كتفها
من يراقبهما يخيل له أنهما معتادان على ما يفعلان منذ سنوات ، كل منهما يعرف ماله وما عليه ، دون تخطيط مسبق ، تفاعل خاص يجمع بينهما
لفتة منه لباب الخزانة الذي هم بإغلاقها ، جعل فكرة مجنونة تطرأ على ذهنه ، فابتسم وقد عزم الشروع بتنفيذها منذ الغد
……..
أصوات الزفة الشعبية كانت تعلو في الحي ، وأمام البناية التي تقطن بها شادية
مجموعة من الرجال يرتدون الزي الشعبي ، يرقصون بحركات مدروسة رقصة شعبية وبأيديهم تتحرك السيوف اللامعة ، بتوازٍ مع تلك الحركات ، فيما حناجرهم تصدح بأهازيج خاصة بمناسبات الأفراح
يقف وسطهم مراد يرتدي لباساً تراثياً من صنع يديه ، وبجانبه صديقاه عاصم وزياد ، بينما تيم وكرم وجاد يراقبون الأمر بفخر بتراثهم ، وسعادة لأجل صديق عاصم
في داخل المنزل كانت شادية تستمع للأهازيج وهي غير مصدقة لما فعله مراد لأجلها ، لقد أخبرها أنه يحضر مفاجأة لها ، ويود أن تخرج بثوب زفافها من منزل والديها وليس من مركز التجميل ، ففعلت ما أراد ولكن لم تتوقع بأقصى أحلامها جموحاً أنه سيقيم لها زفة شعبية يراها القاصي والداني في الحيّ
بتوتر خطت رفقة والدتها و جوري وحلا وياسمين وورد وباقي الصديقات نحو خارج المنزل حيث ينتظرها مراد
تستند على عكازها ، ولأول مرة لا تشعر بخجل من استخدامه ، وعينا مراد تناظرانها بذلك العشق
عيناه تغزلان لها ألف حكاية
حكاية السعادة بقربه
حكاية الدعم والمؤازرة والكمال
وجنتاها تلونتا بخجل شديد وهي تراه يخطو نحوها
يقف أمامها في وسط تلك الساحة التي تقع أمام منزلها
عيناه تتمهلان فوق تفاصيلها بوله
شعرها الذي صفف بطريقة بسيطة لكنها زادت من جمال وجهها الذي زينته بزينة خفيفة جدا ، زهرات صغيرة بيضاء صفت بين طيات شعرها مشابهة لتلك التي زينت صدر فستان الزفاف الذي ترتديه
اقترب منها يهدي جبينها قبلة ، جعلتها ترتجف بخجل ، فابتسم سعيداً بكل رد فعل يصدر عنها
دون تردد اقترب منها يضع يديه حول خصرها هامساّ
_ بعيني أنت الكمال كله ، بقلبي أنت نبض يعيش به ، لروحي أنت عشقها ، أنا أحبك كثيراً
قبل أن يتسنى لها استيعاب ما باح به لها ، قبل أن يتسنى لها الإجابة ،كان يحملها بين ذراعيه وهو يدور بها فرحاّ
وكأنه يخبر الجميع عن سعادته بها ، بقبولها ان تكون توأم روحه مدى الحياة
يوصل إجابته بوضوح لهمسات تلفظت بها جارات والدتها يوم خطوبتهما ، همسات تقصدن إيصالها إليه بكل حقد وكره وغيرة
( سيندم قريباً لزواجه منها ، لابد أنها سحرت له حتى تزوج بها وهي عاجزة )
والكثير من الهمسات المؤذية لروحه التي تعشق
كم ود حينها الصراخ بوجههن و
ضربهن ، لكنه لم يكن ممن يتطاولون على امرأة
لذلك أجل رده عليهن ليوم الزفاف ، بزفة يعلم أن الحي سيتحاكى بها لمدة طويلة
وبذلك تصل رسالته لمن تجرأ وتطاول على محبوبته ولو سرّاً
أعادها للأرض ، يضمها مجدداً فيصله اعترافها الذي انتظره طويلاً
_ أنا أحبك يا مراد
…..
في القاعة المخصصة لحفل الزفاف نظرت جوري لشقيقتها التي تجلس بجانبها ، تبدو مميزة بطلتها الأنيقة ، لقد عرضت عليها أن تحضر لتساعدها في تجهيز نفسها ، لكن ياسمين رفضت الأمر وهي تخبرها بأنها تستطيع الاعتماد على نفسها
حاولت ألا تقلق ، وادعت انشغالها بتجهيز نفسها ، ولم تشعر بالارتياح إلا وهي تشاهد وصول ياسمين رفقة عاصم ، قاطع أفكارها همس ياسمين باسمها
_ جوري
أجابتها بأجل ، ابتسمت ياسمين وهي تخبرها
_ أود إخبارك بأمر قبل عودة عاصم و تيم للجلوس معنا
بقلق سألتها جوري
_ ما الأمر ، هل هناك ما يضايقك
زادت ابتسامة ياسمين فهذه شقيقتها جوري لن تتغير أبداً ولا تريدها أن تتغير ، تريد دائماً الشعور الذي تهبه لها جوري بأنها والدتها وليس شقيقتها ، ولكنها بذات الوقت ترغب لجوري أن تلتفت لحياتها أن تزيل هذا القلق الذي تستشعره في صوتها كلما التقيتا
_ أردت إخبارك أنني سعيدة جداً في حياتي مع عاصم
قالت جوري
_ أعلم ذلك ، وأنا متأكدة أن عاصم سيحملك داخل عينيه الحياة كلها ، لكن
ربتت ياسمين على يدها قائلة :
_ أعلم كل ما يخيفك بشأن حياتي ، وإن لم تتحدثي فأنا أعلم ما يجول بخاطرك ، لكن عليك أن تكوني مطمئنة بشأني يا جوري ، بالنسبة للمنزل لقد بدأت احفظ مكان كل شيء ، حتى أن عاصم قام بوضع حواف بلاستيكية للطاولات كي لا أصاب بأذى في حال اصطدمت بإحداها
ابتسمت جوري وهي تنظر ناحية عاصم الواقف مع تيم على مسافة قريبة منهما يتبادلان الحديث
عادت ياسمين تكمل
_ نتقاسم فعل كل شيء يخصنا ، وخديجة تساعدني في أعمال المطبخ ، باختصار يا جوري أريد أن تزيلي هذا الخوف الذي يحتلك تجاهي
قالت جوري بعاطفة أمومية
_ أنا سعيدة لأجل وواثقة بأنك قوية بل أثبتي لي أنك أكثر قوة مني ، لكن قلقي عليك لا استطيع التحكم به يا شقيقتي
شدت ياسمين على كف يدها قائلة بضحك
_ قلق بسيط لا بأس به فهذا أمر طبيعي ، لكن أشعر أنك حتى تكادين تفكرين بي وأنت رفقة تيم
توردت وجنتا جوري بخجل وهي تنهر شقيقتها بصوت خفيض
_ توقفي عن هذا الكلام يا ياسمين
ثم عادت تضحك وهي تعود لاحتضان كفي شقيقتها
_ سعيدة أنا لأجلك كثيراً
دخلت شادية لمنزلها الجديد ، محمولة بين ذراعي مراد الذي رفض أن تدخل المنزل إلا وهي بين ذراعيه
كانت تدفن وجهها في صدره خجلة من همساته التي يغدقها عليها ، لم تشعر إلا وهو ينزلها أرضاً في غرفة النوم ، حين لامست قدمها الأرض ، وسوسة صغيرة أرادت كسر فرحتها بهذه اللحظة
( لو افلتك الآن ستسقطين أرضاً أمامه )
لذلك بردة فعل سريعة تمسكت بذراعيه ، تتهرب من النظر لوجهه ، ولكنه شعر بها وبما يحدث معها ، لذلك ضمها إليه ، طالباً منها أن تنظر إليه
فعلت ذلك بنظرات خجلة
متوترة
و خائفة
أبقى جسدها محتجزاً داخل أحضانه بيد ويده الأخرى رفعها نحو وجهها يحتضن وجنتها بكف يده هامساً لها
_ اعترافات كثيرة أردت البوح بها لك ، ولكني كنت أصبر نفسي لهذا اليوم ، يوم تكونين هنا بين أحضاني وقرب قلبي
ارتجف جسدها بتأثر وقلبها يعلي هديره فيكاد يصم أذنيها ، فيما هو يكمل
_ منذ رأيتك في المعرض وقلبي فقد نبضة من نبضاته ، ليعلن بعدها تمرده مطالباً برفيقة روحه ، وكم كنت سعيداً بهذا التمرد ، أراك أميرة أتت من عالم الأحلام لتلقي بسحرها عليّ فأضحي أسير حبها الذي سكن قلبي ، بعينيّ وبعين قلبي وبروحي أراك أميرة النساء ، تحملين كل الكمال ، سكرتي التي أعشق أنت

كلماته أينعت في قلبها ، فأزهرت روحها بحب
بعشق له
بثقة
_ مراد
همست باسمه بتأثر شديد ، لكنه قطع عليها أي مجال لكلمة أخرى ، مقتنصاً شفتيها بقبلة تاق لها كثيراً
ثم ما لبث أن حملها معه نحو عالمهما الخاص
…….
كانت ياسمين تجلس على طرف السرير في غرفتهما ، تستمع لبعض الأصوات الصادرة عن عمل عاصم ، لقد طلب منها أن تجلس وتنتظر انتهاءه لعمله ، فظنت أنه سيقوم بإصلاح شيء ما في خزانة الملابس ، قالت ياسمين بتذمر
_ ألم تنتهي من عملك بعد
أتاها صوته
_ عدة لحظات فقط
جمعت شعرها على جانب واحد وبدأت بضفره متسائلة
_ فقط أخبرني ما الذي تفعله
لم يجبها ، فعادت للصمت منهية ضفر شعرها ، استقامت واقفة وقد عزمت معرفة ما يفعله ، فصدح صوته قائلاّ
_ ها قد انتهيت
اقتربت منه بخطوات متمهلة كعادتها ، فأمسك كف يدها يقربها منه لتقف بجانبه أمام باب الخزانة المفتوح ، سألته باستغراب
_ ما هو الذي أنهيته أخبرني
نظر نحوها متأملاً وقفتها بثوب منزلي قصير ، فيما شعرها مضفور بجديلة طويلة ، فغير مكان وقفته ليصبح خلفها ، يضم جسدها بذراعيه ، مسنداً ظهرها لصدره وهو يهمس لها
_ رؤيتي لك الآن انستني كل شيء
ضحكت من كل قلبها بسعادة وهي تقول
_ كلا ليس بعد أن انتظرت كل هذا الوقت لأعلم ما الذي تفعله
ضحك وهو يدغدغها بأنفه ، ثم أمسك كف يدها وهو يقول لها
_ بما أنك تعشقين الموسيقا
همهمت بأجل ، فأكمل هو
_ وبما أنك تجدين صعوبة بانتقاء ملابسك هنا
صمتت تنتظر منه إكمال حديثه ، وهذا مافعله يخبرها
_ قررت مساعدتك في هذا الأمر حتى وأنا غير موجود
_لم أفهم
قالتها له وهي تشعر به يمد يدها نحو الملابس ، لتشعر بيدها فوق قطعة معدنية باردة ، طلب منها أن تضغط عليها ، ففعلت دون تردد
صدح صوت موسيقي بعلامة موسيقية من علامات السلم الموسيقي
بضحكة مستغربة قالت
_ عاصم ما هذا أخبرني
ضمها له أكثر وهو يمد يدها نحو قطعة ملابس جديدة علقت عليها قطعة معدنية كذلك ، ومثل المرة الأولى صدح صوت موسيقي بنغمة جديدة لعلامة جديدة موسيقية
فعادت تكرر سؤالها كطفلة حصلت على لعبة لا تعلم ماهيتها بعد
فقال وهو يديرها نحوه هامساً وأنامله ترسم ملامح وجهها بشوق لها ، بعشق يزداد كل لحظة تمر عليهما معاً
_ حين أخبرتني بأنك تجدين صعوبة باختيار الملابس قررت إيجاد طريقة تمكنك من فعل ذلك بمفردك ، وحبك للموسيقا كان ملهمي

ثم أكمل وسبابة يده تتوقف قرب شفتيها
_ لقد لجأت لصديق يفهم بتصميم الإلكترونيات ، وعملنا معاً على ابتكار طريقة تمكنك من معرفة الملابس وألوانها ،مثلاً أول علامة موسيقي سمعتها هي للون الأحمر والثانية للأخضر وهكذا

تسمرت مكانها مذهولة بما تسمع منه ، بينما هو يكمل شرحه معيداً إياها لوقفتهما الأولى فيما يده تمسك كف يدها نحو قطعة معدنية نقش عليها بحروف بريل الخاصة بالمكفوفين ، نطقت ما قرأته
(فستان)
ابتسم مجيباً إياها
_ أجل ، لقد نقشتها على قطع نحاسية صغيرة تثبت أسفل القطعة الأولى الموسيقية ، لقد ساعدني سند بهذا الأمر فهو من قام بترجمة الكلمات لي للغة بريل ، وصنعت مثيلاتها ونقشنا عليهم أسماء الكثير من المواد التي تستخدم في المطبخ كذلك كالشاي والقهوة ، نلصقها على العلبة الخاصة بكل واحدة منهما فيتمكن الشخص من معرفة ما تحتويه
_يا إلهي
همست بها بإعجاب شديد ، ثم استدارت نحوه قائلة بفخر
_ إنها فكرة رائعة فعلاً ، يجب عليك أن يعلم بها العالم كله
ضحك سعيداً لحماستها وسعادتها المرسومة على وجهها ، يخبرها

_ هذا ما سنفعله ، لقد وددت أن تكون متاحة لكل من له وضع مماثل

مدت كفي يدها ترسم ملامح وجهه بأناملها كما تفعل في كل مرة ترغب بإخباره بعشقها له ، وقلبه يشاركها ما تفعل بضرباته التي لا تهدأ مثيرة بداخله مشاعراً خاصة وخاصة جداً
بينما هي تهمس له
_ أنا أحبك جداً ، بل أعشقك لدرجة لا أستطيع وصفها لك
وإجابته كانت قبلة ، قبلة بثها بها كل عشقه ولم تكن أقل منه عطاءاً له
……
وقف مراد قرب باب المطبخ يناظرها وهي تقف قرب حوض الغسيل تقوم بغسل الأطباق، عكازها بجانبها لاستعماله وقت الحاجة ، تعمل دون أن تنتبه له ، ذهنها شارد ، ويعلم تماماً بما تفكر
يؤلمه ما يشعر به من فقدانها لثقتها بنفسها ، رغم أنه لا يترك لها فرصة إلا ويخبرها بكمالها في عينيه لكن يبدو أن حبيبته تعاني من تراكمات نفسية سيئة بسبب نظرات المغفلين لها ، من ينظرون للآخرين بعين النقص دائماً
في بداية زواجهما شعر بخجلها من أي حركة تقوم بها أمامه ، تقيد نفسها دائما ، وهذا ما كان يؤلمه ، لكنه استطاع جعلها تتخلص من هذا التقييد حين لم يشعرها بأنها تعاني من أي خطب
بل عاملها بشكل طبيعي جداً ، يراقبها تقوم بواجباتها المنزلية المعتادة لأي زوجة فيساعدها بما يتوجب عليه المساعدة فيه فقط ، ويترك مهمة الباقي لها
يحاول محي تلك الفكرة من ذهنها ، بأنها تعاني من علّة وتحتاج للمساعدة دائماً
رغم أنه أحياناً يعاني بداخله ويود لو حمل عنها كل الأعباء ، لكنه بات يحفظ سكناتها قبل حركاتها عن ظهر قلب ،،ويعلم أن قلة ثقتها بنفسها تجعلها تفسر الأمور بشكل خاطئ وإن لم تصرح بذلك
قرر إنهاء وقفته بتأملها ، وخاصة وأنها بدأت تدندن لحناً ما ، فيما ترفع كف يدها لتعيد ضبط خصلات شعرها بملقط للشعر ، فسلبت لبه بحركتها تلك وخاصة وثوبها يكشف الكثير من ظهرها ، بتصميمه المثير له رغم بساطته ورغم كونه ثوباً منزلياً عادياً ، اقترب منها فشعرت بخطواته لتبتسم بتلقائية
تشعر بيديه تحتضن خصرها ، فأسندت ظهرها لصدره ، هامسة
_ لقد تأخرت اليوم
بمشاكسة سألها فيما يزيد من احتضانها
_ هل اشتقت لي
ضحكت بخفوت خجل وهي تجيبه
_ اشتاقك دائماً وأنت تعلم هذا
أدارها إليه يغرق معها في لجة مشاعر جميلة يعيشانها معاً ، ودون أن يترك لها مجالاً كان يحملها بين ذراعيه متجهاً بها نحو غرفتهما
شهقت بصدمة وهي تقول
_ مراد ، سيبرد الطعام ولن تحبذ تناوله بارداً
ضحك قائلاً
_ نعيد تسخين الطعام لا مشكلة ، لكن الآن زوجتي عبرت عن اشتياقها لي وأود إخبارها أني كذلك مشتاق لها جدا جدا جدا
بعد بعض الوقت كانت تتوسد صدره ، يضمها إليه بتملك باتت تعشقه ، اعتدلت في مكانها مستندة على مرفقيها تراقب ملامح وجهه وقد استغرق بالنوم ، لم تشأ ايقاظه فقد أخبرها أن هذا الأسبوع لديه عمل كثير ، متمنياً منها ألا تحزن بسبب تأخره في العودة للمنزل
ابتسمت بحب له وهي تتأمل عينيه المغمضتين
في كل مرة يكونان فيها معاً تبحث في عينيه عن نظرة شفقة ،عن نظرة تخبرها برؤيته لعلتها ، لكنها لا تجد إلا الحب والحب فقط وهذا ما يرتد لقلبها أضعافاً مضاعفة من السعادة
، في البداية كانت خجلة منه ، من التحرك أمامه لخوفها من نظرة تحملها عيناه فتخسف بها نحو الأرض بعد أن جعلها في أعالي السماء ، لكنها كانت مخطئة ، يعاملها بعشق وبحب وبتلقائية وهذا ما يزيد من عشقها له ،ما يزيد من بناء جدار الثقة في قلبها ونفسها
يسعدها أنه يطالبها بكل ما يخص واجباتها كزوجة ، يسعدها أنه يساعدها كما يفعل أي زوج متزوج من إمرأة صحيحة الجسد
باتت لا تبحث في عينيه عن تلك النظرة ، بل تنهل منهما عشقاً يجعلها تشعر بأنها حقاً أميرة
….
وقفت شادية رفقة مراد أمام متجر مغلق ، ولوحته مغطاة بقماش غامق ، فلم تستطع تبين ما كتب عليها
لقد طلب منها أن تتجهز لمرافقته في مشوار مهم ، و أن ترتدي تلك العباءة التي أشترتها من متجره في أول مرة تحدثا فيها معا ً
ثم أحضرها نحو هذا الجانب من السوق التراثي حيث متاجر تمتلكها بعض السيدات اللاتي يعملن في تصميم الاكسسوارات والمنتجات النسائية التراثية ، وقد سبق وزارته مع جوري وياسمين قبلاً
استعادت ما شعرت به وهي تسير بقربه في هذه الشوارع القديمة ، لم تعد تبحث عن نظرات الناس لها ، بل باتت تسير بثقة غريبة عليها ، حتى وقفا أمام هذا المتجر وها هي تنتظر منه شرحاً للأمر وانتظارها لم يطل وهو يتقدمها ليفتح المتجر بمفتاح خاص يملكه فارتفع الغطاء المعدني نحو الأعلى لتظهر من خلفه الواجهة الزجاجية للمحل ، شهقت شادية بصدمه ولم تعد بقادرة على الوقوف لفرط انشداهها بما تراه وخاصة وهي تشاهد مراد يزيل الغطاء القماشي عن اللوحة فيظهر اسم المتجر أمامها
( عشق للتحف الخشبية )
نظراتها بتيه تنقلت بين وجهه وبين واجهة المتجر التي ضمت بعضاً من مشغولاتها التي كانت تحتفظ بها في صناديق كرتونية في منزل والدتها
أشارت له بعينيها ومازالت غير قادرة على التصديق
_ مراد ، ما ، ما هذا ؟؟
امسك كف يدها يطلب منها الدخول نحو الداخل فلا يصح وقفتهما هنا
امتثلت لأمره وعيناها تستكشفان كل ركن بالمتجر ، شدد على كف يدها فنظرت له بنظرات مصدومة مما تراه ، فأجاب تساؤلها غير المنطوق
_ إنه متجرك الخاص
بعدم تصديق سألته
_ كيف هذا
ابتسم وهو يجيبها
_ لطالما صرحتي عن رغبتك بامتلاك متجر خاص ، وها قد تحققت رغبتك جزئياً
نظراتها التي زادت تساؤلاً جعلته يجيبها بغمزة منه
_ حسناً أول جزء من رغبتك لم يتحقق فالمتجر استأجرته ولم اشتريه
بادلته الضحكة ، وهي تسمعه يكمل
_ والجزء الثاني تحقق ، فهذا المتجر لك لعرض منتوجاتك
دون تفكير ارتمت بين ذراعيه تشكره ، فابعدها عنه ناهراً إياها بلطف
_ نحن ضمن المتجر ولسنا في منزلنا
ابتعدت عنه بخجل وعادت تتحرك أمامه تراقب التصميم الجميل للرفوف التي وضعت القطع فوقها
بينما هو يراقب تحركها بحب ، تبدو شهية كقطعة شوكولا وهي ترفل أمامه بهذه العباءة ، هو واثق بأنها هي من تزيد العباءة جمالا وليس العكس
عاد يمسك بكف يدها يسحبها نحو غرفة داخلية قائلا لها
_ هنا سيكون المشغل الصغير ، في حال وددت العمل هنا وليس في المنزل
عادت ترتمي في حضنه وهي تقول
_ أنا أحبك كثيراً
قبل جانب ثغرها وهو يسألها بمكر
_ ألا تودين معرفة سبب طلبي منك ارتداء هذه العباءة
ابتعدت عنه تنظر لنفسها ثم له ،فأجابها وهو يتأملها بشوق فضحته عيناه
_ لقد أخبرتني أنك لم ترتديها ، فأحببت أن يكون لارتدائها ذكرى خاصة تجمعنا ، ما رأيك
ضحكت بخجل ، فعاد يكمل مضيقاً نظراته
_ولكن بذات الوقت لا ترتديها امام أحد، فاكتسابك لبعض الوزن مع ارتدائك لها ، جعل فتنتك تزداد
ابتسمت له بعشق وهي تقترب منه هذه المرة تهديه قبلة حملتها كل حبها وامتنانها لوجوده في حياتها




تمت بحمد الله
انتظروني مع نوفيلا الصيف
سراب


فاتن منصور 17-03-21 07:31 PM

مساء الخير
اعتذر عن تأخير الفصل بسبب ظروف الكهربا والنت
بشكر كل من قرأ النوفيلا ّواتمنى تكون نالت إعجابكن
وانتظروني مع قصة سراب قريبا

Soy yo 18-03-21 01:23 AM

ولا عليك حبيبتي.....مبروك خاتمة جزء تالت من نوفيلا في كل فصل نبضة ....اعتراف ياسمين على المسرح لعاصم كان بردا على قلب عاصم من احلى المشاهد ..... أما شادية حقا مراد كان دعوة لها من الله ليعوضها عن نظارات الناس التى لا ترحم و افقدتها الثقة في النفس ...فكان لها الدعم و الحب كما كان عاصم لياسمين...أما حسان فاعطى درس لسعد في معنى الاختلاف الذي لا يكون في المظهر او الخارج بلفي القلوب والعقول فكانت كصحوة له . ....سعدت كثيرا بقراءة ما تخطه أناملك..اسلوبك رائع و سردك اروع ..والحبكة مظبوطة... بتوفيق و النجاح ان شاءالله 🥰🥰🥰

فاتن منصور 18-03-21 06:47 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة soy yo (المشاركة 15417399)
ولا عليك حبيبتي.....مبروك خاتمة جزء تالت من نوفيلا في كل فصل نبضة ....اعتراف ياسمين على المسرح لعاصم كان بردا على قلب عاصم من احلى المشاهد ..... أما شادية حقا مراد كان دعوة لها من الله ليعوضها عن نظارات الناس التى لا ترحم و افقدتها الثقة في النفس ...فكان لها الدعم و الحب كما كان عاصم لياسمين...أما حسان فاعطى درس لسعد في معنى الاختلاف الذي لا يكون في المظهر او الخارج بلفي القلوب والعقول فكانت كصحوة له . ....سعدت كثيرا بقراءة ما تخطه أناملك..اسلوبك رائع و سردك اروع ..والحبكة مظبوطة... بتوفيق و النجاح ان شاءالله 🥰🥰🥰

اولا حابة اشكرك لوجودك معايا كل فصل لتعليقك الي يعطيني دافع كبير للافضل ويسعد قلبي 💕💕
صح مراد كان العوض لشادية واعاد لها ثقتها بنفسها
حسان اعطى سعد درس حقيقي خلاه يعرف قد ايه هو كان غلطان بنظرته
ياسمين ياسمينة عاصم تميرها بقوتها وعدم نظرها لنفسها انها انسانة ينقصها شي
💕💕💕💕💕


الساعة الآن 03:35 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.