آخر 10 مشاركات
رواية واجتاحت ثنايا القلب (1) .. سلسلة ما بين خفقة وإخفاقة (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ملك يمينــــــك.. روايتي الأولى * متميزه & مكتمله * (الكاتـب : Iraqia - )           »          54-لا ترحلي-ليليان بيك-ع.ق ( تصوير جديد ) (الكاتـب : dalia - )           »          تبكيك أوراق الخريف (4) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          للقلب رأي أخر-قلوب أحلام زائرة-لدرة القلم::زهرة سوداء (سوسن رضوان)كاملة (الكاتـب : زهرة سوداء - )           »          هل يصفح القلب؟-قلوب شرقية(33)-[حصرياً]للكاتبة:: Asma Ahmed(كاملة)*مميزة* (الكاتـب : Asmaa Ahmad - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          أغلى من الياقوت: الجزء الأول من سلسلة أحجار كريمة. (الكاتـب : سيلينان - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree4112Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-01-22, 03:04 AM   #1571

Wafaa mdos

? العضوٌ??? » 451280
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 119
?  نُقآطِيْ » Wafaa mdos is on a distinguished road
افتراضي


الروايه حقيقى روووعه من وقت ما بدأت أقرأها مش قادره اسيبها

Wafaa mdos غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-01-22, 09:59 AM   #1572

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة al gameel rasha مشاهدة المشاركة
في الانتظار يا قمرررررررر
أما بتأجيل الفصل بيكون للضروووورة
حبيبتي يا هبه
حقيقي بيكون فعلا للضرورة القصوى كمان❤️


Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-01-22, 10:00 AM   #1573

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة wafaa mdos مشاهدة المشاركة
الروايه حقيقى روووعه من وقت ما بدأت أقرأها مش قادره اسيبها
والله دي احلى حاجة ممكن ابدا بيها اليوم ❤️
ربنا يحلي ايامك 🌸ويارب تعجبك للنهاية ❤️


Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-01-22, 04:01 PM   #1574

halloula

? العضوٌ??? » 74478
?  التسِجيلٌ » Jan 2009
? مشَارَ?اتْي » 988
?  نُقآطِيْ » halloula is on a distinguished road
افتراضي

مرحبا وينكم
كيفكم


halloula غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-01-22, 07:02 PM   #1575

ميمو٧٧

? العضوٌ??? » 416015
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 700
?  نُقآطِيْ » ميمو٧٧ is on a distinguished road
افتراضي

يا صباح الحلوين
بانتظار الفصل و تسجيل حضور


ميمو٧٧ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-01-22, 07:18 PM   #1576

ترانيم الزمان

? العضوٌ??? » 346855
?  التسِجيلٌ » Jun 2015
? مشَارَ?اتْي » 93
?  نُقآطِيْ » ترانيم الزمان is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور بانتظار البارت

ترانيم الزمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-01-22, 07:19 PM   #1577

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثالث والثلاثون
(١)

قاسية هي رحلتنا في الحياة ومُرهقة،مُرة ك-مرارة أول رشفة من كوب قهوة دون ذرة سكر
فماذا لو كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر من كل جهة ؟
ماذا لو كان زادنا فيها الفقد والاشتياق؟ ماذا لو كانت الرحلة مُسَخَرة من بدايتها للبحث عن الأصل والذات والنسب ؟
لو لم نكن نعرف إلى من ننتمي؟
لو كنا فروع دون جذور؟
أ تطيب لنا الحياة بعدها؟

كان الريس عربي يقف على إحدى الآلات في المصنع الذي يعمل به منذ عدة أشهر حين أتاه أحد الشباب العاملين معه قائلاً:"هناك أحد يريدك بالخارج يا ريس عربي"

رفع الرجل عينيه إلى محدثه قائلا باستفهام:"من يا بُني؟"
أردف الشاب وهو ينظر نحو باب المصنع الرئيسي الواقع في أخر الرواق الطويل :"رجل لا أعرفه ولكنه يبدو أنه شخص هام يبدو هذا من هيئته وشكله وملابسه"

ترك العربي ما بيده وأردف مُفكرا:"والشخص الهام في ماذا سيريد العبد لله؟"
قال الشاب وهو يرفع حاجبيه ويمط شفتيه:"لا أعلم يا ريس"

خطى الرجل كبير السن بسيط الهيئة خطوات معتدلة إلى أن وصل إلى باب المصنع فوجد رجلا طويلا يوليه ظهره فأردف بصوت معتدل:"هل حضرتك من تريدني؟"

حين سمع معتصم صوته تصلب ظهره تلقائيا وسرت رجفة باردة كالثلج في جسده كله ،ليست رجفة برد إنما خوف ،ذلك الشعور الذي قلما يشعر به وقد علمته غالية كيف يكون رجلُ ذا بأس لا يهزه شيء ولكنه رغم كل شيء شعور انساني يزور بني البشر كل منهم في موقف ما....


التفت له معتصم فكان أمامه رجل كبير السن ربما من سن خاله صالح أو أكبر قليلا ،لا يدري،يغزو شعره كله البياض، من ملامح وجهه كان يبدو أثر السنوات جليا وعلى يديه تبدو آثار الشقاء

قال له معتصم بعد أن مسح عليه من قمة رأسه حتى أخمص قدميه بنظرة شاملة سريعة :"أنت الريس عربي؟"

أومأ الرجل برأسه قائلا :"نعم "
فأردف معتصم بنبرة حاول ألا يبدو بها توتره وهو يتقدم منه خطوة:"حين سألت عنك وجدت الكثيرون يتحدثون عنك بالخير"

بسط العربي كفه فوق صدره وأردف بمودة:"أعزك الله ولكن هل لي أن عرف من سيادتك؟"

كان معتصم يعرف أنه لا يجوز له أن يستغل عمله لأغراض شخصية ولكنه لم يجد طريقة إلا هذه ليقابل العربي ويتحدث معه فأخرج هويته وأشهرها أمام وجه العربي وكان حريصا على إخفاء اسمه بسبابته حتى لا يتعرف عليه الرجل من الاسم
وحين لمح العربي الهوية الخاصة بضباط الداخلية رفع عينين قلقتين إلى معتصم قائلا بتوتر لم يخفيه :"خير يا فندم هل فعلت شيء دون قصد؟"

أردف مُعتصم وهو ينظر إلى البراح المحيط بالمصنع من حولهما :"أريد أن أجلس معك ولن آخذ من وقتك كثيراً"

ارتجف جسد الرجل وارتفعت دقات قلبه ولم يكن يعرف أن حاله من حال محدثه فأردف لمعتصم :"تفضل"
.........
ثوان قليلة وكانا يجلسان متقابلان على كرسيين وبينهما منضدة صغيرة في قطعة الأرض المحيطة بالمصنع والهدوء المحيط يساعدهما على الاستماع إلى بعضهما بانصات
دخل معتصم في صلب الموضوع قائلا بملامح جامدة وصوت صلب:"الأمر يخص حادث قتل شقيقك أبوالوفا"

صمت العربي لوهلة ثم أردف بملامح مستنكرة:"ومالذي فتح أمر حادث أخي رحمه الله الان؟"

قال مُعتصم بثبات:"تستطيع أن تقول أن هناك قضية ما جاء فيها بشكل غير مباشر قضية أخيك وأريد منك فقط بعض المعلومات"

قال العربي مٌضيقا عينيه وقد فتح كلام محدثه معه جرحا قديما :"ماذا تريد أن تعرف بالضبط؟"

قال معتصم بهدوء يخفي خلفه لهفته بمهارة:"في أقوالك قديما قلت انك لا تتهم أحد بقتله"

أومأ له الرجل برأسه قائلا :"نعم"

فقال معتصم بنبرة المحقق وهو ينظر في عمق عيني الرجل عله يستشف شيئا:"أ يُعقل أن يكون شقيقك والمفترض أنك تعرف عنه كل شيء ولا تتهم ولو شخصا واحدا بقتله رغم انك لم تنفي علاقاته النسائية التي ربما كانت السبب؟"

بلع العربي لعابه وأردف بصوتِ متحشرج ونبرة مُتألمة رغم مرور السنوات:"وبماذا كان سيفيد؟"

قال معتصم بنظرة ثاقبة:"إذن تعترف انك تعرف من الذي فعلها؟"
تراجع الرجل قائلا بريبة:"لم أعترف بشيء "
قال معتصم مهادنا وقد لاحظ تراجع الرجل:"ربما لو ركزت قليلا لعرفت أو تنبأت بمن فعلها؟"
ابتسم الرجل ساخرا وأردف:"وإن فعلت هل سيعيد هذا من مات؟"
:"على الاقل ستعرف من فعلها"

صمت الرجل ولم يرد فأردف معتصم بنظرة ثاقبة ونبرة خرجت من أعماقه فبدى صوته مخيفا:"إذن تعرف من فعلها وتهابه"

"هل يتم التحقيق معي بشكل رسمي وهل أُعيد فتح ملف القضية؟"
قالها العربي بتوتر فشعر معتصم أن الرجل يغلق في وجهه باب المناقشة فأردف وهو يحاول تنظيم أنفاسه:"لا ،لا يتم التحقيق معك،ولم يُعاد فتح ملف القضية ولن يُعاد كما قلت لك أن هذه الحادثة مرتبطة بحادثة أخرى ،ولن يصل إلى أي أحد أننا تقابلنا أو انك تحدثت معي في شيء"

قال الرجل وهو لا يعرف لمَ تسلل إليه شعور بالألفة تجاه هذا الغريب الذي لا يعرف اسمه:"وإن كان ما تقوله صحيحا وأعرف من فعلها وخفت منه قديما هل تظن أنني سأتحدث اليوم؟على الأقل قديماً لم يكن لدي ما أخاف عليه أما اليوم فلدي بنات أخاف عليهن من النسمة"

ارتفعت دقات قلب معتصم وأردف باقرار وهو يميل جهة العربي عبر المنضدة الصغيرة:"إذن فعلها حقا أحد أصحاب النفوذ وأنت لم تكن تستطع الوقوف أمامهم قديما"

قال العربي بسخرية مريرة:"ولا حديثا"

شعر معتصم أنه يقترب من الوصول لهدفه وقٌرب الوصول لم يكن مريحا كما يظن بل كان كنصل سكين حاد يٌغرز في صدره ولكنه لا يستطع التوقف ،مشاعر غريبة متناقضة وانفعالات حادة تدفعه لمعرفة المزيد رغم أنه كلما اقترب كلما غٌرِز في قلبه سهم نافذ ولكنه لازال حيا ولازال يريد المعرفة

قال معتصم بتصميم وهو يكاد يخترق الرجل بنظراته فينفذ إلى أعماقه:"عائلة ذات مال ونفوذ "

ترك القوس مفتوحا ولم يٌكمِل فأردف العربي بقنوط وقد استدعى معتصم لذاكرته ماضٍ مات ودٌفِن وطٌمِست معالمه إلا من ذهنه هو :"مال ونفوذ وجبروت "

فأردف معتصم بإقرار لا سؤال وبصوت متحشرج :"أخوك تجاوز حدوده مع أحد بنات هذه العائلة "

ليٌكمِل العربي وهو يشرد في الأفق المُمتلىء بسحاب كثيف:"تجاوز كل الحدود رحمه الله وسامحه"

أكمل معتصم بصوتِ متهدج"تجاوزها لدرجة أن يقتلوه "
"الحق يُقال في بلادنا من يتجاوز الحدود يذهب خلف الشمس وأخي لم يتعظ رغم أنني حذرته كثيراً"

وصل معتصم في هذه اللحظة إلى الذروة ،ذروة الانفعال،ذروة الغضب،ذروة الجنون فاتقدت عيناه ببريق مُخيف ربما كان سيرعب العربي لولا نظارته الشمسية التي حرص أن يضعها فوق عينيه ما إن جلس معه رغم أن الشمس كانت غائبة والسماء مُعبئة بالسحب الثقيلة

قال معتصم بخفوت حذر:"وحين يتجاوز الرجل في حق ما يملكه غيره يكن الحد أشد أقصد إن كانت متزوجة"

زفر الرجل قائلا وهو يتذكر ومضات خاطفة من رعونة أخيه:"كلاهما واحد سواء إن كانت متزوجة أو غير متزوجة فالمتزوجة لها رجل وبنت البنوت خلفها قبيلة من الرجال"

لم يكتفي معتصم بمجرد كلام عائم فأردف ودقات قلبه تتسارع :"هل مغامرته الأخيرة نتج عنها حمل لذلك كانت الضربة القاضية له؟"

المناورة والحصار أرهقا الرجل الكبير وعدم معرفته بهوية محدثه و لا نيته ومقصده جعلاه يكتفي بهذا القدر فاستقام العربي وأردف ناهيا الحوار:"لا أعتقد أن من مات منذ ما يزيد عن الثلاثون عام سيفيد الكلام عنه في شيء الان فالأمر انتهى بوفاة أخي استئذنك سيدي لدي عمل كثير وصاحب العمل لا يسمح بالتأخر عن العمل في أحاديث شخصية"


لم يُمهِل الرجل معتصم الفرصة للكلام وولاه ظهره متجها نحو بوابة المصنع وبعد أن خطى خطوتين أردف معتصم بصوتِ عالٍ وهو لا يزال في مكانه ونار الجهل تشتعل في صدره فتُضرِم حريقا هائلا صعب اخماده:"عم عربي ،أريد إجابة عن سؤالي الأخير ولن تراني مرة أخرى"

لا يعرف لمِ قال له عم ...هل ليشعر الرجل بمدى احتياجه للمعلومة فيشفق عليه ويعطيها له؟

أم كان يريد تجربة مذاق الكلمة نفسها ؟
لا ينكر أنه طوال الجلسة وهو يحاول اكتشاف أي شيء يربطه بالرجل تماما كما كان يفعل مع أسرة عبدالملك حين كان في الامارات

ولقت الكلمة أثرها في نفس العربي ،كلمة العم لامست وترا حساسا بداخله ورغم أنه لا يعرف أهمية المعلومات لهذا الشاب الغريب الغامض إلا أنه التفت ورفع يديه في حركة تعني تفويض الأمر لله وأومأ برأسه بالايجاب ثم أردف :"اذكروا محاسن موتاكم ،ثم رفع يديه داعيا الله عز وجل :اللهم اغفر له واعفو عنه وعنا فجميعنا في حاجة إلى الصفح والعفو من رب العالمين"

قال الرجل جملته وولاه ظهره ثانية ودلف إلى المصنع أما معتصم فأصبحت الرؤية أمامه ضبابية وفقدت كل الاشياء معانيها وهو لا يزال يتخبط في دروب الشك والجهل اللذان يحتمان عليه مواجهة فعلية بين جدته وأمه وكل أخواله حتى لو كان الثمن هدم المعبد على رؤوس الجميع وأولهم هو ...

لقد أصبحت الحقيقة في غاية القرب إن لم تكن بين يديه بالفعل ، استقام معتصم ببطء شديد فسار بخطوات بطيئة نحو سيارته واستقلها وظل بها وقتا لا يعرف مدته ربما دقائق مرت طويلة ثقيلة على نفسه وروحه
******
قبل العصر بقليل
كان يونس وحليمة والبنات قد وصلوا إلى شقة وصال منذ الصباح حتى تتمم حليمة والبنات فرش الشقة وتجهيزها لاستقبال العروسين بعد أيام قليلة
وجاءت إليهم ليلة ويسر للمساعدة بينما اعتذرت نعمة وهاجر عن الحضور نظرا لحالة مريم
وبعد أن أوصلهن يونس عاد إلى البلدة على أن يعود ليقلهن حين ينتهين مساءا ....

كانت وصال تقف في حجرة نومها والحماس يغمرها ووجهها كله مشتعل بالحيوية وهي ترتب ملابسها في الخزانة وبجوارها عنان التي تضع لمساتها الفنية على الملابس فترتبها بعناية فتضع الألوان المتشابهة والأطوال المتقاربة بجوار بعضهم رغم شرود ذهنها

بينما كانت يسر ترتب طاولة الزينة وتضع عليها مستحضرات التجميل والعطور ومودة بالحمام الملحق بالحجرة ترتبه

أما حليمة وليلة فكانتا بالمطبخ تنظمانه بعناية
شعرت عنان بالارهاق فهي منذ الصباح وهي تعمل هكذا فأردفت لوصال:"أنا تعبت أحتاج كوب نسكافيه حتى أفيق"

فأردفت يسر وكانت قد انتهت من ترتيب الطاولة :"وأنا أيضا أريد كوب نسكافيه"
فأردفت وصال :"حسنا اذهبا أنتما وأعدا لنا معكما ونحن نكمل حتى ننجز"

أشارت عنان ليسر بعينيها بنظرة خاصة فخرجت يسر أمامها وتبعتها هي أما وصال فجلست على طرف الفراش الوثير وهي تتحسسه وتتمنى أن تمر الأيام القليلة حتى يجمعها به هذا البيت ....

خرجت مودة من الحمام وأردفت:"لقد انتهيت"
وحين لاحظت النظرة الشاردة المتأثرة في عيني وصال أردفت بمكر:"في ماذا تشردين؟"

انتبهت لها وصال وأردفت بمكر مماثل:"افكر فيكِ أختي الحبيبة تعالي اجلسي بجواري واحكي لي عن أخر تطورات العلاقة الوليدة بينكِ وبين ابن السيدة الفاضلة نعمة سليمان الحسيني؟"
لوت مودة شفتها وجلست بجوار أختها فوق الفراش قائلة بيأس ليس من طبعها :"شد وجذب ،مد وجزر،كر وفر علاقة مُعقدة من بدايتها ولا توحي بأي مُستقبل"

ورغم أن وصال كانت تشاكسها لتضحكان معا إلا أن كلمات مودة لم تكن أبدا هزلية بل كانت بمنتهى الجدية و .... الحسرة
...............
وبالخارج حين همت يسر وعنان بدخول المطبخ لعمل النسكافيه ووجدتا ليلة وحليمة لا زالتا تعملان جذبت عنان يسر من ذراعها قائلة:"دعكِ من النسكافيه الآن أريدك"
ولم تنتظر ردها وسحبتها حيث الشرفة وأغلقت بابها خلفهما

كانت يسر تعرف في ماذا ستحدثها عنان التي عقدت ذراعيها تحت صدرها قائلة بعتاب:"أعتقد أنكِ هدأتِ بما فيه الكفاية وحان وقت الحديث "

"الحديث في ماذا؟" قالتها يسر وهي تتحاشى النظر إلى عيني عنان وتنظر إلى الشارع الواسع أمامها

فأردفت عنان وهي تقف بجوارها:"هل أنتِ راضية عما حدث بينكِ وبين يحيى؟ وهل يستحق منكِ كل هذا ؟"

أخذت يسر نفسا طويلا وأخرجته ببطء ثم أردفت باستياء:"أصبحت أنا في النهاية المذنبة والجميع نسي ما عانيته لسبع سنوات كاملة"

قالت عنان بجدية:"لم ينسى أحد شيء ولكن ما نقوله أن يحيى يختلف عن أمه"
أردفت يسر ساخرة دون أن تنظر إلى عنان:"بعد أن استجاب لها أصبح يشبهها"
قالت عنان مدافعة :"كان تحت ضغط يسر ثم هو بشر ليس ملاك"
التفتت اليها يسر وأردفت وهي تثبت عينيها في عيني عنان:"ولكن هذا لم يكن رأيك حين اكتشفتي زواج رماح"

اتسعت عيني عنان وأردفت بتعجب:"تقارني من بمن أنتِ ؟ تقارني من ذهب وتزوج وأنجب في السر بمن راودته نفسه فقط ؟المقارنة ليست في محلها، الله نفسه لا يحاسب الناس إلا على أفعالهم فهل ستلوميه أنتِ على فكرة لم يجروء على تنفيذها!
ثم أردفت وهي تواجهها بعينيها:ثم هل لم تراودكِ أنتِ هذه الفكرة يوما ؟تقسمين انكِ لم تفكري ولو لمرة واحدة أنكِ لو لم تكوني ارتبطتي بيحيى لكانت هذه المشكلة غير موجودة؟"

صمتت يسر وزمت شفتيها وأشاحت بوجهها بعيدا رافضة الرد فأكملت عنان بلين:"صدقيني يسر أنا أحفظك وأعرف أنكِ لم تفعلي ما فعلتيه إلا عندا ورغبة في التمرد على عمي زكريا وزوجته ،أردتِ أن تقولي أنكِ لن يذلك أحد وأنكِ لا يجوز التعامل معكِ بشكل غير لائق ،أردتِ أن تقولي أنه مثلما يريدون ليحيى أن يتزوج فأنتِ أيضا من حقكِ فعلها وتستطيعين، أنتِ دائما لا تقبلين بلي الذراع ففعلتي كل ما فات عندا في عمي وزوجته"

صمتت يُسر لثوانِ ثم أردفت وهي تشرد بعينيها الذابلتين في الأفق:"ربما ما قلتهِ يكون أحد أسباب انفجاري ولكن هذا لا ينفي أن ما فعله يحيى آلمني،آلمني بشدة ،كلما تذكرت أنه ذهب بقدميه إلى هناك والناس تداولت الخبر أشعر بالإهانة كلما تذكرت أنه كان يذهب إلى هذه البنت ليٌدرس لها ويبقى بالساعات وأنا كالمٌغفلة يكاد عقلي يٌجن ،كلما تذكرت حين كانت تراسله وكنت أشك ولكني أكذب نفسي وأقول دائما أن يحيى لا يفعلها أشعر كم كنت مٌغيبة "

قالت عنان وهي تربت على كتف يسر مهونة عليها الأمر"ولكن في النهاية يحيى لم يفعل شيء ،ولا أنتِ ولا هو تستطيعان الحياة دون بعضكما ولن تجدي من يحبك مثله أنه حبك الأول"

قالت يسر بيأس وإحباط رغم أن الكلمات من خارج قلبها:"نحن فقط من نضحك على انفسنا بأكذوبة الحب الأول وأننا لن نحب ثانية والدليل أنكِ كنتِ تحبين رماح وبعد ما حدث مات الحب وأخذ معتصم قلبك"

قالت عنان بنفاذ صبر:"أنتِ تقارنين من بمن يا مخبولة ؟جذبتها من ذراعها لتواجهها وأكملت بجدية:أنا بالفعل أحببت رماح قديما ولكن ما اكتشفته عنه بعد وفاته نسف أي إحساس شعرت به تجاهه فهل تقارنين ما فعله رماح بما فعله يحيى ؟ رماح الذي اكتشفت أنه كان من ضمن مميزاتي في عينيه أنني سأرث مستقبلا ليضع هو يده على هذا الإرث؟لا يوجد مجال للمقارنة يسر،ثم أردفت بنبرة قفز منها القلق جليا على ابنة عمها وتسرب إلى أعماق يسر هذه المرة:الحب الذي يموت يسر هو الحب الغير حقيقي هذا النوع يعيش قليلا ثم يموت ويُنسى كأنه لم يكن أما الحب الحقيقي لا يموت أبدا وذنب لا يٌغتفر إن حاول أحد قتله ،كانت يسر تحاول ادعاء القوة والاستغتاء ولكن عينيها خانتها وترقرقت بهما الدموع، دموع القهر والحيرة والتشتت والضياع فشعرت عنان بالتعاطف معها فأكملت بلين: العبرة في حياتنا ليست بالحب الاول أو الاخير العبرة بالحب الحقيقي ،ربما نحب مرة واثنين وثلاثة ولكن من بينهم سنجد أن هناك حبا حقيقيا وهذا ما شعرت به انا مع معتصم وما شعرتي به أنتِ مع يحيى فلا تكوني سببا في ضياع هذا الحب فتندمي عمرا كاملا"

قالت يسر وقد سقطت كل دفاعاتها :"أنا لا أستطيع الان فعل أي شيء عنان لا أستطيع أن أسامحه ولا أن أعود إلى البيت ولا أن أرى وجه أمه"

اردفت عنان قائلة بعينين متأثرتين:"لقد أصبحت أشفق عليها من بعد رحيل يحيى ،من يومها وقد تبدل حالها تماما"

نغزها قلبها حين أتت عنان بذكر رحيله وأردفت بشفتين مرتجفتين:"هل تعرفين لماذا ترك البيت من أجلي أم هناك شيء آخر؟"

قالت عنان لتحفزها:"لا أعرف اتصلي به واسألي عليه بنفسك"
قالت بقنوط وهي تشيح بوجهها بعيدا:"لم يعد يجدي ،لا أستطيع فعلها بعد شجارنا الأخير"

شعرت عنان باليأس منها فنظرت في ساعتها ثم أردفت بما كانت تخطط له منذ أن قرأت ما كتبه معتصم على الفيسبوك صباحا:"أنتِ تعرفين البناية التي بها شقة معتصم مضبوط؟"
أومأت يسر برأسها قائلة:"نعم"
قالت عنان:"قريبة من هنا؟"
قالت يسر باقتضاب:"نعم"
"حسنا هيا بنا سنقول أننا سنشتري شيء من الأسفل وتأخذيني إلى هناك"
ضيقت يسر ما بين حاجبيها قائلة :"لماذا؟"
******
بعد قليل
كانت عنان ويسر تقفان أسفل البناية التي تقع بها شقة معتصم وحين رأت الأولى سيارته مصفوفة بالأسفل أردفت ليسر وعيناها تطالعان البناية الضخمة بترقب:"تستطيعين العودة يسر أشكرك"

امتعضت يسر قائلة :"هكذا إذن احضرتني فقط لأوصلك إلى بيته"
قالت عنان متهكمة:"تريدين الصعود معي ؟"
مطت يسر شفتيها قائلة:"بالطبع لا ولكن إن سألني أحد عنكِ ماذا أقول؟"

أردفت عنان وقلبها يخفق بشدة وكأنها ذاهبة للقاء عشيقها لا زوجها:"قولي ذهبت لمقابلة غرامية"

ابتسمت يسر على حالة عنان الغريبة فهي كانت دائما الطرف الأقوى في الحب أما مع معتصم فتشعر أنها أمامه كعصفورة هشة

ولتها يسر ظهرها وسارت ببطء عائدة إلى شقة وصال ،كانت تنظر حولها إلى الشارع الواسع الممتلىء نسبيا بالناس ولكنها لم تكن ترى أي منهم كأنهم مطموسي الوجوه ،حتى ضوء النهار وشعاع ضوء الشمس الساقط على طول الطريق شعرت به باهتا وبداخلها شعرت بظلام يغمر الكون بأكمله ويغمرها

أحاطت ذراعيها بكفيها وقد كانت تتسلل إلى عظامها برودة تنبع من قلبها الخاوي الذي يختبر شعورا جديدا بالعيش في الحياة دون نبض ،أيُمكن للقلب أن يعيش داخل جسد دون نبض؟ هكذا تشعر منذ أن ابتعدت عنه ...

جميعهم يظنونها قاسية القلب ولا أحد يشعر أن قلبها توقف عن النبض من يومها بعد أن طُعِن بخنجر الغيرة السام ،شعرت بضيق أنفاسها وكل الصور المؤذية تتوالى أمام عينيها تتخيله حين كان يذهب إلى بيت خالته وكيف كان يقضي ساعات بصحبة هذه الفتاة تُرى ماذا كانت ترتدي أمامه ماذا كانت تقول له كيف كانت تنظر له وينظر لها ؟
أغمضت عينيها على دموع حارقة ونغزات كالسهام في صدرها فوضعت كفها فوق صدرها وضغطت بشدة علها تُسٓكِن ألمها وأكملت سيرها وهي تنظر حولها إلى الكون الذي أصبح باهتا دون ألوان وتمتمت بخفوت (كنت دائما يا يحيى بوصلتي في هذه الحياة ،كنت تعلمني كل شيء ولكنك لم تعلمني كيف أعيش دونك)
******
وقفت عنان أمام البناية قليلا تنظم أنفاسها حتى لا تصعد اليه وهي متوترة وحين شعرت أنها أفضل عدلت من معطفها الصوفي على جسدها وتممت على وضع وشاح رأسها ودلفت إلى البناية التي كان في مدخلها مكتب أمن فأردف أحد أفراد الأمن وهو يقترب منها:"مرحبا سيدتي أي شقة تقصدين؟"

شدت قامتها وأردفت بهدوء:"معتصم الرحماني"
قال الرجل وهو يتفحص هيئتها بإعجاب خفي:"لابد أن نخبره في الانتركوم نقول له من؟"

اخرجت حافظتها بهدوء وأخرجت بطاقتها الشخصية ووضعتها أمام وجهه قائلة بثقة:"أنا زوجته ولا أريدك أن تخبره أنني سأصعد له لأني أقوم بعمل مفاجأة له"

حين وجد الرجل اسم معتصم في بطاقتها أردف مرحبا بأدب وهو يبسط يده:"تفضلي سيدتي"

استقلت المصعد وصعدت إلى الطابق الذي أخبرتها به يسر وحين توقفت أمام شقته التي وصفتها لها أخذت نفسا عميقا ثم رنت الجرس وهو حين سمع صوت الجرس لم يُبدى اهتماما وهو يشعر بالتبلد منذ مقابلة العربي وحين ألح من على الباب استقام ليفتح بفتورِ وحين رأها أمامه اتسعت عيناه دهشة في أول انفعال يظهر عليه منذ عدة ساعات وهي ناظرته بابتسامة هادئة رغم أن هذا الهدوء كان ظاهريا فقط وشوقها إليه يجعل من صدرها ملهى للألعاب النارية الصاخبة

"عنان! "
قالها بتعجب فزفرت نفسا قصيرا وهي تدفعه في صدره لتدخل وحين خطت للداخل وأغلق هو الباب قال لها بصوت خشن:"كيف جئتِ الى هنا ولماذا؟

كانت هيئته فوضوية ولكنها مُحببة وكان شوقها وصل أقصاه فأحاطت جذعه بذراعيها ومالت بجانب وجهها لتستند على صدره وتعجبت لأنه يرتدي في هذا الطقس تيشيرت بنصف كم ،شددت من التصاقها به وأردفت بهدوء:"جئت بمساعدة يسر ولماذا لأنني اشتقت لك وأردت الاطمئنان عليك خاصة وأنك لا ترد ولا أعرف سببا لابتعادك "

أغمض عينيه بقوة وبدأ إحساسه بالعالم الخارجي يعود إليه تدريجيا بعد حالة الجمود التي كان عليها منذ أتى من الخارج ،شعر برجفة جسدها فضمها إليه ببطء وأردف بصوت خشن:"أنا فقط لدي قضية هامة أعمل عليها وحين يكون لدي عمل هام لا أستطيع التركيز إلا فيه"

ابتعدت عنه قليلاً جداً ورفعت وجهها إليه وأردفت بعينين لامعتين بلمعة الدموع ولكن صاحبتهما تتماسك بمهارة:"لا أريد منك التركيز أريد منك فقط أن تكون موجودا ،كن موجود في مكانك فقط ولن أطلب منك أي شيء"

شعر بتأثرها وبأن الكلمات تخرج من قلبها ،لمعة عينيها وارتجاف شفتيها جعلاه يشعر بأنه لم يهتم بها طوال الفترة الماضية رغم أنها هي الحقيقة الوحيدة الثابتة في حياته في الوقت الحالي ،هي نقطة الضوء الوحيدة في نفق مظلم يسير فيه

كانت نظرته قاتمة يبدو بها التيه وذراعيه اللتين تحيطان كتفيها وظهرها متصلبتان بشدة وهو صامت لا تنطق شفتيه شيء فأحاطت جانب وجهه بأناملها واقتربت منه وهي تشعر باشتياقها قد بلغ ذروته ورغم حرجها من المبادرة بالقُرب إلا أن الشوق كان أكبر فاستطالت قليلا حتى تقترب ولكنه اختصر عليها المسافة ورفع عنها الحرج حين جذبها إليه واقترب هو حتى غيبها عن الشعور بما حولها بقبلة عاصفة فجرفها بعيدا عن حدود المكان والزمان وهي التي اشتاقت لقربه أياما طويلة فكان لاقترابه المُهلك شعورا مُسكرا وهي الغارقة حديثا في بحر عشق أزلي على ما يبدو لها
.......
دقائق لا تعرف عددها وهما يقفان هكذا كلاهما في واد غير الوادي
هي تروي ظمأ قلبها وتختبر شعورا مختلفا معه بمذاق لم تتذوقه من قبل
وهو يهرب معها من واقع يتمنى لو لم يكن يحياه
هي تتعلق به وهي تشعر أنها تتعلق بالحياة
وهو يتعلق بها هربا من الموت الذي ينتظره حين يسمع ما يتوقع سماعه
الثابت الوحيد بينهما هو صدق الاحساس وفورة المشاعر
دقائق قليلة بعدها كانا يتجاوران على الأريكة في غرفة المعيشة وهي تلتصق به تستند برأسها على صدره وهو يضمها إليه بقوة
رفعت وجهها نحوه وأردفت بنبرة حاولت أن تكون عادية ليس بها أثرا لعتابِ أو لوم :"مادمت تبقى هنا لم لا تأتي الى البيت أو "
توقفت الكلمات على لسانها خوفا من أن يشعر أنها تفرض نفسها عليه
فأردف هو ببطء :"أو ماذا؟"
قالت بنظرة دافئة:"أبقى أنا معك هنا"

صمت قليلاً وهو يناظرها يٌثبت عينيه في عينيها ولا زال التيه في عينيه واستدعى سؤالها سؤالا أخر فأردف بنبرة غامضة:"ماذا لو طلبت منكِ أن نرحل بعيدا عن الجميع ؟"

ابتسمت قائلة وهي تستند برأسها على كتفه وتواجه عينيه وهي على هذا القرب المحبب منه:"أنا أطلبها منك إن كنت تعاني من القيادة كل يوم فبإمكاني أن أبقى معك هنا"

قال بنبرة جادة ونظرة عميقة رغم زيغ عينيه:"أقصد لو قررت الرحيل عن البلدة كلها ربما لبلد أخر أو قارة أخرى هل ستكونين معي دائما؟"

انقبض قلبها حين أتى بذكر البعاد الشديد هذا ثم أردفت بشك:"ومالذي سيستدعي ذلك؟ الذي أعرفه أن عملك ممكن أن ينتقل ما بين المحافظات لا بين البلدان والقارات"
قال بصوت مهموم:"من يعرف ماذا يحمل غدا؟"
أصابتها عدوى التوتر من وقع كلماته الغامضة فأردفت بابتسامة شاردة:"أريد أن أعترف لك بشيء"

هز رأسه دون رد فأردفت وهي لا تزال تستند على كتفه وتواجهه :"مرت عليً فترة كنت قد قررت فيها إنني لن أخوض تجربة الزواج مرة ثانية"

تغضنت ملامحه حين أتت بذكر كلمة ثانية فأدركت أن الكلمة ربما تكون مؤذية له فأردفت بسرعة: دعوت وقتها الله أن أبقى في بيت عمران طوال العمر ولا أخرج منه على بيت أخر لأنني أدركت أن الحياة خارجه كاذبة ومزيفة مخيفة
ابتسمت ابتسامه حلوه واكملت :وحين تقدمت أنت لي وتطور الأمر بيننا تذكرت هذه الدعوة وأدركت كم كان الله بي كريما بأن حقق دعوتي بهذه الصورة الرائعة فأنا أتمنى أن نكمل حياتنا معا في بيت العائلة ،رفعت كفها ومررت أناملها فوق فكه قائلة :ولكن إن جد في حياتنا أي جديد واضطررنا للسفر فبألتاكيد سأكون معك ،ثم أردفت بحيرة :ألن تقول لي مالذي جعلك تكتب ما قرأته صباحاً؟"

زفر نفسا حارا وامتنع عن الرد وقطع عليهما حديث العيون ارتفاع رنين هاتفه فاعتدل ليرى من فوجدهم يتصلون به من العمل فرد على محدثه واكتست ملامحه بالاهتمام والجدية أما هي فابتعدت لتدعه يتحدث بينما أخذت هي تتجول في الشقة الصغيرة الأنيقة كصاحبها ،اثاث بسيط راق وألوان حوائط وارضيات هادئة تشبه شقتهما ببيت العائلة وعلى منضدة جانبية وجدت أوراقا كثيرة متفرقة فمالت قليلا لترى مضمونها فكانت عبارة عن محاضر وأوراق قضايا على ما يبدو فأدركت وقتها أن بالفعل هناك قضية تشغل ذهنه كما قال لها

وهو حين رأى تحديقها في الأوراق أسرع وهو لايزال يضع الهاتف على أذنه يتحدث بكلمات مبهمة لم تفهم منها شيء وجمع الأوراق من أمامها بسرعة ولاحظت توتره فابتسمت له فإن كان عمله سري ولا ينبغي أن تعرف عنه شيء فهي لم تفهم شيء من المكتوب

وحين أخذ الاوراق وابتعد انتبهت إلى المطفأة الممتلئة بأعقاب السجائر فشعرت بالضيق من أجله
وحين انتهى من مكالمته عاد ليقف خلفها وكانت أمام النافذة بعد أن تفقدت الشقة كلها بشكل سريع فأردف باقتضاب:"حدثوني من العمل لابد أن أذهب"

التفتت له وقد بدى احباطها في عينيها ،كانت تأمل أن تبقى معه أو يذهب معها فأردفت :"إن كنت لن تتأخر أستطيع انتظارك أو أعود إليهم عند وصال وأنت حين تنتهي تأتي إلي أو "

رن هاتفها فأخرجته بسرعة من جيبها فكانت وصال فردت وما إن ردت حتى أردفت وصال بتهكم:"هل وصلت بكِ الوقاحة لتركي في يوم كهذا للذهاب إلى حبيب القلب،كنتِ في طريقك لاعداد النسكافيه لنا مالذي غير الخطة؟"

شعرت بالحرج فأردفت بخفوت وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه:"حبيبتي لم أقصد أنا فقط كما تعلمين كنت أشتاق إليه ولم أكن أنوي أن أتاخر"

تخصر وهو يقف أمامها وقد تسرب صوتها الخافت إلى أذنيه ،هي مظلومة معه في هذه الفترة يعرف ولكنه حقا مشتت ولا يستطيع التركيز حتى عمله الذي يطلبونه من أجله لا يعرف ماذا سيفعل فيه وهو بهذا التشتت لقد جدت تطورات في قضية حامد العشري لذلك سيقوم السيد هشام باجتماع طارىء بعد قليل ...

"معتصم وصال تريدك"
انتبه من شروده على صوت عنان وهي تٌقرب الهاتف منه وتردد جملتها فأخذ منها الهاتف وأجلى صوته قائلا :"أهلا وصال "

قالت وصال بتهكم يحمل لوما:"من وصال؟ وصال التي تتركها في موقف كهذا؟ وصال التي كنت تقول لها أنتِ اختي ويوم زفافك سأفعل وأفعل؟"

زفر زفرة مختنقة وأطرق برأسه أرضا فهو بالفعل مُقصِر معها .. هو مقصر مع الجميع ولأول مرة يفعلها ولكن لا أحد يشعر بما يعانيه

فأردف أخيراً بصوتِ خرج بصعوبة رغم محاولته التظاهر بعكس ما يشعر به:"أنتِ أختي بالفعل وصال أأمريني بأي شيء يكن عندك على الفور وأعتذر على تقصيري"

ابتسمت قائلة بحنان:"لا أريد شيء أنا فقط أشاكسك وأعرف أن غيابك من أجل العمل ولكن سأطلب منك طلبا واحدا الآن أريد عنان لأنها الوحيدة التي اثق في ذوقها في رص النيش"

أردف وهو ينظر إلى عنان التي تتجول بعينيها في الشقة :"سأحضرها إليكِ حالا وأتمنى أن يتمم الله لكِ على خير"

قالت بتوتر :"ادعو لي هذه الدعوة من هنا حتى موعد الزفاف معتصم فأنا خائفة بشدة خائفة أن يحدث أي شيء يكسر فرحتي لو حدث أي شيء سأموت صدقني أدعو الله في كل وقت ألا يحدث شيء سيء أدعو لعمي راشد بالشفاء أخاف أن يحدث شيء ويتعطل زفافي "

اغمض عينيه لعدة ثواني يتمالك نفسه فهي تحمله بكلماتها هذه مالا طاقة له به ،كان كل تفكيره منصب على جمع جدته وأمه وأخواله ومواجهتهم بما عرفه ولكن هل هذا التوقيت مناسبا لفعلها ماذا لو كان ما يتوقعه حقيقة ألن ينقلب حال البيت كله وماذا عن زفاف وصال؟

أغلق معها ونظر إلى عنان التي مطت شفتيها وقالت بإحباط وهي تقترب منه:"يبدو أن كل الظروف تقف ضد أن أبقى معك اليوم عملك وفرش شقة وصال"

ربت على كتفها دون رد وقد أصابته أفكاره كلها بحالة من الحيرة والتخبط،لا يستطيع الانتظار أكثر من ذلك والعقل يقنعه بالانتظار فقط حتى زفاف وصال حتى إذا تأكد من ظنونه أخذ زوجته وغادر عالمهم المزيف هذا للأبد،ابتعدت عنان قليلا وأحضرت حقيبتها وفتحتها وأخرجت منها شيء ثم أردفت:"أين سلسلة مفاتيحك؟"
قال متسائلا :"لماذا؟"
"أريدها "

أشار بعينيه على المنضدة خلفها فالتفتت وأخذتها ثم أخرجت من العلبة التي في يدها ميدالية فضية أنيقة ونزعت المفاتيح من الميدالية الأخرى والقتها على الأريكة ثم وضعت سلسلة المفاتيح في الميدالية التي احضرتها هي ثم أعطتها له قائلة:"ما رأيك؟"

أخذ منها سلسلة المفاتيح ،كانت ميدالية فضية أنيقة كأناقة صاحبتها يتدلى من سلسلتها حلقة دائرية مكتوب بها بحروف مُفرغة معتصم بالخط العربي ومن الدائرة يتدلى قلبا شديد الصغر والرقة مكتوب فيه بحروف صغيرة عنان
رفع عينيه نحوها قائلا:"مالمناسبة؟"

اقتربت منه قائلة بابتسامة دافئة :"كنت سأقدمها لك بمناسبة العام الجديد ولكنك لم تكن متواجدا ثم أردفت بقلق:هل أعجبتك أم لا؟"

صعب أن يشعر بشعور ويحاول التظاهر بعكسه وهو منذ ما حدث ومنذ أن تنامى الشك بداخله وهو يفعل ذلك ويشعر أن عنان تشعر ويعرف أنها ليس لها ذنب في شىء ويعرف أن الله دائما به رحيما فلم يرسلها اليوم له إلا لتطبطب على قلبه النازف تماما كاليوم الذي عاد فيه من السفر وبعد مواجهته لأمه وكانت في انتظاره فأضاءت الركن المظلم في نفسه وربتت على وجع قلبه بقربها

جذبها نحوه وضمها اليه بقوة فاطمئن قلبها قليلا حين فعل ذلك على الأقل تغيره لم يكن نفور منها أو رغبة في الابتعاد رغم أنها لا تزال تشعر بتصلب عضلاته كلها وهي تلامسه

تمتم بجوار أذنها:"هدية جميلة جدا ورقيقة أشكرك "

دقائق قليلة ارتدى فيها ملابسه لينزل ويوصلها بيت وصال ويذهب هو الى العمل وحين نزلا أمام البناية اتجه ناحية السيارة فأردفت برجاء :"لا أريد أن أركب السيارة دعنا نمشي معا المسافة ليست طويلة"

كانت تريد أن تقضي معه أطول وقت ممكن فاستجاب لها وسارا معا فأحاطت ذراعه بكفيها بتملك ،كان يراودها شعور بالفخر به وهي تسير بجواره تتعلق في ذراعه وكأنها تريد أن تقول للجميع أن هذا الرجل زوجها ورغم برودة الجو ولكن قربها منه كان يجعل الدفء يتسلل إلى أوردتها وقربه منها جعل شعور بالدفء يتسلل إليه رغم ما يكابده ..كانت تتحدث معه وهي تسير بجواره وابتسامتها على وجهها وكان يستمع لها بعدم انتباه وكلمات العربي تتردد في ذهنه من جهة ومن جهة أخرى كلمات وصال التي ترجو من الله الا تُكسر فرحتها
******
في المساء
كان حاتم يقف أسفل البناية الخاصة بهم والتي تسكن بها زهراء ،منذ مقابلتهما الأخيرة وهي ترفض رفضا قاطعا أن تتحدث معه أو تقابله وقتها طلبت منه أن يخبر والديه برغبته في الارتباط بها وأن يخبرها مساء بردهما وحين تأخر عليها يومين في الرد فهمت وعرفت الرد الذي كانت تتوقعه لذلك ترفض الحديث معه ثانية
كان يتصل بها ويلح في الاتصال وهو يرابط تحت بيتها وقد جعله بُعدها يفقد صوابه
وحين يأس من الرد استند برأسه على ظهر مقعده وأغمض عينيه لثوانِ يسترجع فيهم الأحداث ليلة أن أخبر والديه برغبته في الزواج من زهراء منذ اسبوعين

حين دلف حاتم إلى البيت كانت أمه تجلس في غرفة المعيشة وقد خلدت يسر إلى النوم بعد أن أخذت قرصا مهدئا ،جلس بجوار أمه قائلا:"كيف حال يسر الان؟"
وضعت قبضتها أعلى وجنتها قائلة بحزن وأسف :"أخذت قرصا مهدئا حتى تنام"

صمت قليلا ثم نظر إلى أمه قائلا وهو يتابع انفعالاتها:"أعرف أن الظروف غير مناسبة ولكني أريد أن أتحدث في أمر"
ناظرته بتساؤل فأكمل:أريد أن أتزوج "

ظهر الاهتمام جليا على وجهها وأردفت:"مبارك حبيبي الحمد لله خبر سعيد وسط الأحداث السيئة ،ومن سعيدة الحظ ؟ابنة من ؟نعرفها أم كنت تعرفها من الجامعة أم من العمل؟"

يقولون أن الجواب يظهر من عنوانه وأسئلتها توحي بارتفاع سقف توقعاتها واختلافها تماما عن اختيار قلبه وعقله
فأردف بحذر:"أنتِ تعرفينها ورأيتيها بالفعل انها زهراء"

اتسعت عينيها ليس مفاجأة من الاسم فهي تعرف أنه كان يحوم حولها ولكن صدمتها كانت من أنه عاد إلى نفس النقطة وقد ظنته سيتبع عقله كما يفعل دائما
حاولت أن تتمالك نفسها ولكنها فشلت فأردفت بوجه متجهم وعينين يبدو بهما الحنق جليا:"زهراء المطلقة التي معها بنت ؟ التي تعيش في شقة ببيتنا ووحده الله من يعلم إذا كانت كما تقول تدفع ايجارها أم تطمع فيك وتستغلك ؟ زهراء التي لا تناسبك في المكانة الاجتماعية ولا التعليم؟"

تشنج جسده تلقائيا حين هدرت بما تقول فأردف بحمائية وحدة :"أولا ليس ذنبها أنها لم توفق في زيجتها ومعها بنت صغيرة كالملاك لا تفقه في الدنيا أي شيء، ثانيا لقد أقسمت لكِ انها تدفع الإيجار ولا تعرف من الأساس أن البيت بيتنا ولو علمت ستغادره من اليوم قبل الغد ،ثالثا أنا سأتزوج بمعنى أنني أريد امرأة احبها وتحبني وتكون لي سكنا لا أريد موظفة لأشترط أن تكون حاصلة على أعلى الشهادات الجامعية ولا يهمني المستوى الاجتماعي مادام المستوى الأخلاقي عاليا والحمد لله ثم إن زهراء إنسانة مثقفة جدا ليس بالتعليم أمي هناك جامعيات تافهات لا يفقهون في الحياة شيئا وزهراء معها مؤهل متوسط ولكنها أفضل وأكثر ثقافة من أي فتاة رأيتها"

غلت الدماء في عروقها فأردفت بصوتِ عالٍ وقد فقدت صوابها:"انهيت محاضرتك في الدفاع عنها ؟"

"هي ليست متهمة للدافع عنها "

هدرت فيه"حاتم أنت تعرف أن لي سنوات أنتظر هذا اليوم،حاولت التماسك قائلة: اسمعني أعرف أن البنت جميلة وربما خلبت لٌبك بجمالها هذا ولكنك ستندم فيما بعد لو فعلتها"

قال بفراغ صبر :"لم يشدني فيها جمالها فقط أمي أنا أحببت فيها قبل أي شيء روحها وكرامتها التي تحملها فوق رأسها وتسير بها ،صمودها و رعايتها لأمها وابنتها بشجاعة وقوة ...زهراء بها كل شيء مميز أمي"

صرخت فيه قائلة:"وابنتها هذه ألم تفكر في المشاكل التي ستثيرها مع أبيها حين يعلم أنها ستتزوج "

كان صالح قد وصل إلى سمعه حديثهما الحاد فترك غرفته ليرى ماذا يحدث ووقف في الرواق خلفهما يستمع إلى حديثهما الحاد فأردف حاتم :"أبو البنت لا يريدها فليس من جهته أي مشاكل لا تقلقي"

اتسعت عينيها قائلة باستنكار:"يا فرحتي أبوها لا يريدها وأنت من ستتحمل عبئها ومسئوليتها وهي مريضة هكذا"

قال حاتم بحدة:"أمي من فضلك لا تتحدثي عن البنت بهذا الشكل أنتِ كما رأيتِ بعينيكِ هي ملاك يمشي على الأرض"

صرخت قائلة:"حاتم لا تستفزني"

هدر صالح وهو يتقدم منهما :"ماذا يحدث هنا؟"

التفتت اليه ليلة بوجه قد تلون باللون الاحمر انفعالا وأردفت:"تعال لترى الخيبة الثلاثية التي اكتملت ،ابنك يريد أن يتزوج من المرأة التي حكيت لك عنها التي تسكن في البناية ،المُطلقة التي معها ابنة من ذوي الاحتياجات الخاصة"

استقام حاتم وأردف بامتعاض وحمائية:"قلت لكِ أمي لا أحب طريقة حديثك عنها"
ثم وجه كلامه لوالده وهو يتقدم منه ويقف أمامه في منتصف غرفة المعيشة :"أنا لست صغيرا أبي أنا أعرف جيدا ماذا أريد وأستطيع تحديد مشاعري وأولوياتي وكما عودتنا دائما أن كل شخص حر في اختياراته ،أشار إلى جهة غرفة يسر قائلا بانفعال:حتى يسر تعطيها حريتها إن اختارت الطلاق ستطلقها ،ماذا بها إن أحببت امرأة سبق لها الزواج ولديها طفلة؟"

استقامت ليلة ووقفت أمامه قائلة وهي تشير إليه بإصبع الاتهام كما لو كان مدانا :"أنت بنفسك من كنت تقول دائما انك لن تتزوج من فتاة سبقت خطبتها فكيف تتزوج من امرأة سبق لها الزواج والانجاب اعقلها أولا ،أنا أريد مصلحتك إن وافقتك ستندم فيما بعد"

التفت اليها قائلا بهدوء مصطنع وهو يضع يديه في جيبي بنطاله:"أين سمعت هذه الكلمات من قبل؟ اليست هذه الكلمات التي قلتها أنتِ ليوسف منذ عدة أعوام حين كان يريد أن يرتبط بنهال ؟ وماذا حدث بعدها ؟ضغطتم عليه حتى تركها وأكمل في زيجته بمريم لتتوالى سنوات من الإخفاق بينهما حتى يومنا هذا ،هل ترتاحين لمآل حياته؟ كنتِ تظنين وقتها أيضا أنكِ تتحدثين لصالحه والنتيجة؟ أجاب ساخرا :النتيجة أمامك"

اتسعت عيني ليلة من هجوم ابنها عليها والتزم صالح الصمت ليٌخرج حاتم كل ما في جعبته فأكمل الاخير بوجه مكفهر:" ويسر التي تزوجت وهي بنت لم يسبق لها الزواج ما وضعها ؟الا تقف على أعتاب الطلاق ؟ فماذا لو طٌلِقت ستقفين أمامها وترفضين إن جاءها شابا لم يسبق له الزواج؟"

الحقيقة وحدها هي من تجعلنا نقف أمام أنفسنا وكأننا نقف أمام مرآة شديدة الوضوح فيبدو لنا اسوء ما فينا واضحا وضوح الشمس
هي الصفعة التي نتلقاها على وجوهنا بلا رحمة فتظهر تناقضات النفس لنرى بشاعتنا ونحن نرضى على غيرنا ما لا نرضاه على أنفسنا ونتمنى لأنفسنا ما نٌحَرِمه على غيرنا

وهو حين قال ما قاله في وجه أمه كان كمن يصفعها على وجهها يسألها إن كان هذا سيكون رأيها لو تبدل الأمر وكانت ابنتها مكان زهراء والإجابة

الإجابة لن تعترف بها لأنها ببساطة أم وتريد لابناءها جميعا سواء إن كانوا ذكورا أو اناث الخير كله ،تريد لهم الأفضل
حين صمتت ليلة ولم ترد ولاح الألم في عينيها أردف حاتم بهدوء عكس ما يشعر به:"عامة أمي إن لم تريدي أن نعيش معكم هنا ليس لدي مانع أستطيع أن آخذ شقة منفصلة و "

اتسعت عيناها وتمتمت بصدمة:"أنت لا تأخذ رأي إذن أنت تخبرني ،وهل أول ما ستفعله إن ارتبطت بها هو الانفصال عنا!"
قال حاتم باستنكار:"أنا أقول إن لم ترحبي بها أمي"

أجلى صالح صوته اخيرا قائلا بحزم وحسم:"اعطني بيانات هذه الفتاة أريد أن أعرف عنها كل شيء "

نظرت إليه ليلة بصدمة وأردفت:"معني أن تبحث انك توافق على المبدأ "
نظر إليها نظرة آمرة لتصمت وأردف:"قبل أن أبدي رأيى بالرفض أو القبول لابد أن أعرف عن من أبدي رأيى "

قالت مستنكرة:"والمبدأ نفسه مقبول ؟"

قال حاتم وهو يهم بدخول حجرته:"في زيجة يوسف ويسر اتبعتم المبدأ والمنطق فماذا كانت النتيجة ؟ ربما لو غيرنا مبدأنا هذه المرة تفلح الزيجة"

ترك حاتم والديه ودلف إلى حجرته فوقفت ليلة أمام زوجها وأردفت بقلب يعتصره الألم والحسرة:"أرأيت ما يريده ابنك أنا سيحدث لي شيء "
فأردف صالح وهو يرفع يديه في الهواء بإشارة تعني عدم المعرفة مع نظرة عين حائرة وهو يرى اصرار ابنه :"لله الأمر من قبل ومن بعد"

عاد حاتم من ذكريات ذلك اليوم البعيد القريب وهو ينظر إلى بوابة البناية سيُجن وترد عليه أو توافق على اللقاء حتى عندما ذهب إلى المطعم رفضت رفضا قاطعا لقاءه
يشعر بأنه يفقد السيطرة على أعصابه وهذا قلما يحدث فاتصل بها مرة أخرى وحين لم ترد أرسل لها على الواتساب رسالة

أما هي فكانت تجلس في الفراش وبجوارها فرح التي كانت بالفعل قد غفت، تحاول التماسك ،تحاول أن تكون صلبة في مواجهة هذه الأزمة العاطفية الأقوى في حياتها،وجهها مٌرهق وعينيها ذابلتين من أثر المقاومة وهي ترى اتصالاته وترفض إجابته وقد عزت عليها نفسها حين وصل لها رفض أهله الذي كان متوقعا وحين استقبل هاتفها رسالة منه وفتحتها اتسعت عينيها وهي تقرأها (انا في سيارتي أسفل بيتك وأقسم بالله إن لم تنزلي لي حالا سأصعد انا لكِ ويحدث ما يحدث، امامك خمس دقائق من توقيت قراءتك للرسالة)

أسرعت نحو النافذة وجذبت الستارة الثقيلة واتسعت عيناها حين وجدت سيارته بالفعل أسفل البناية فتمتمت بخفوت:"هل ممكن أن يفعلها؟"

لم تتم جملتها حتى وجدته يترجل من السيارة ويغلقها فتناولت الهاتف بسرعة واتصلت به وحين وجد اسمها على الشاشة ابتسم شاعرا بالظفر فرد عليها وكان بالفعل أسفل البناية فأردفت بحنق:"ماذا تريد وماذا تظن نفسك فاعلا إن صعدت أتريد أن تفضحني أمام الجيران وحارس البناية؟"


قال باصرار ليضغط عليها:"أنا أقسمت أنني سأفعلها وكل هذا بسببك لو كنتِ تردين عليّ لما حدث ذلك"

ارتفعت دقات قلبها خوفا فمن صوته يبدو أنه بالفعل نفذ صبره فأردفت بصوت متوتر:"انتظر سأنزل"

كان الخوف يملأها من أن يفعل ما يحرجها ،نظرت إلى هيئتها فكانت ترتدي بنطال قطني وفوقه بلوزة صوفية تصل لأعلى ركبتيها فسحبت وشاحا من فوق الفراش ووضعته فوق شعرها وثبتت الغطاء فوق فرح وحين خرجت سمعت صوت انهمار الماء في الحمام فكانت امها تأخذ حماما فأسرعت للخارج وأخذت مفاتيحها وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح
............
حين خرجت من بوابة البناية كان هو قد عاد إلى السيارة فاتجهت نحوه وهي تلتفت حولها الى الشارع الهادىء ليلا خوفا من أن يراها أحد وحين اقتربت فتح لها باب السيارة فأردفت وهي تميل برأسها لداخل السيارة تحدثه عبر بابها المفتوح :"لن اركب معك قلتها من قبل"

صاح فيها بصوت أجفلها :"اركبي ولن أتحرك بها سنتحدث فقط "
اتسعت عيناها من جرأته وقد أشعرها صوته العالي بالغضب لأنه جرؤ وفعلها وامتلئت نفسها بالغيظ منه فركبت السيارة في غمرة غضبها وأغلقت بابها بحدة شديدة وأردفت بموجة غضب عارمة وبصوتِ عالٍ :"ماذا تريد؟"

التفت لها بجسده كله قائلا بمهادنة:"لم لا تردي عليّ وترفضين لقائي؟"

حين التفت إليها هبت على أنفها نسمة مُحملة برائحة عطره التي أدمنتها وتسللت مباشرة إلى قلبها الذي أرتجف بقوة منذرا بالضعف الوشيك ولكنها قالت لنفسها موبخة ليس وقتك على الإطلاق ثم اعتدلت في جلستها لتواجهه وأردفت بنظرة حزينة:"قلت لك رُد عليّ برد والديك ولم ترد فعرفت الرد وحين كنت تبحث عني وتتصل برحاب سألتك هي بصراحة هل قبل والديك بي تهربت من الإجابة فماذا تريد أليس لدي عقل لأفهم؟ ماذا تريد من امرأة اهلك يرفضون زواجك منها؟"

يعرف أنها ليست غبية وليس من السهل خداعها فوجد أن مصارحتها بجزء من الحقيقة هو الافضل فأردف وهو يحاول التماسك أمامها ،أمام قربها المهلك وحضورها الطاغي وعنادها اللذيذ وثورتها التي تجعلها كقطعة سكر وشراستها التي تجعلها كنمرة شرسة يشتهي ترويضها :"زهراء مبدأيا نحن في البيت نمر بظرف صعب وهو مشكلة يسر التي قلت لكِ عنها ولنكن صرحاء فأي أم تتمنى أن يتزوج ابنها من فتاة بمواصفات خاصة تكن في مخيلتها هي فقط ولكن في بيتنا لا إجبار على شيء حتى لو اعترض أحد على قرار الآخر فلا أحد يمنع أحد من فعل ما يريده الا بالاقناع "

بلعت غصة الإحباط في حلقها رغم أن الرفض كان التوقع الأقرب وحاولت أن تبدو هادئة ولكن تصلب جسدها كان باديا وانفعالها الداخلي جعل وجهها يتلون بلون أحمر داكن فأردفت وهي ترفع كفيها أمامها في الهواء شارحة وشفتيها ترتجفان لا إراديا :"صدقني حاتم أنا متفهمة لكل ما تقوله رغم حزني الذي لن أنكره لذلك أنا أريد أن نفترق دون أن يأذي أحدنا الآخر لنحتفظ في أذهاننا بصورة لم يشوهها أي شيء طوال العمر"

كان حزنها مرتسم على وجهها ،وفي عينيها بريق الدموع الأبية التي ترفض النزول ويديها ترتعشان بشكل لا ارادي فغمره شعور قوي في أن يأخذها من يدها ويعقد عليها في التو ليثبت لها انها الأهم في حياته

رفع كفيه ليحتوي أناملها المُرتجفة وما إن فعلها حتى شعرت بمس كهربي يُصيب أوصالها ،تبدل حالها في ثوانٍ قليلة ومن بعد ادعاء القوة حل الضعف ضيفا ثقيلا يكبلها عن الحركة ويُلجِم لسانها عن الكلام فتسيل دموعها أخيراً مُعلنة استسلام صاحبتها اما هو فذابت أنامله بين اناملها الناعمة واحساسه القوي بها

وصلا معا إلى نهاية المطاف، اعترافها الذي لم ينطقه لسانها ونطقت به دموع عينيها المتلألأة على صفحة وجهها الجميل فأقرت بفرض ملكية حاتم صالح عمران على قلبها
كان ينظر إليها من على هذا القرب منشدها بحالتها المستجدة هذه ،ارتجاف جسدها الذي يشعر به، أنفاسها المضطربة اللاهثة ،دموعها المنهمرة ولولا أنهما يعتبرا بالشارع لضمها إليه خبئها داخل ضلوعه حتى تستكين روحها

"لم البكاء الان؟"
قالها بأسف على حالتها هذه وهو يمرر أنامله ببطء على أناملها المرتجفة عله يبعث دفئا في أوصالها ولا يعرف أن قربه هذا هو الذي أضعفها هكذا....

لم تجد كلمات ترد بها ماذا تقول؟...
أتقول بسبب طول السعي وبٌعد الطريق؟
أم تقول أنها في هذه اللحظة على وجه التحديد تريده بشدة؟
لأول مرة تشعر بمشاعر الأنثى التي تجتاحها مشاعر شديدة الخصوصية تجاه رجل وهو ليس كأي رجل أنه رجل أحلامها

حين طال صمتها وطالت نظرتها التي لم يعرف لها تفسير وظلت دموعها تغمر وجهها رفع أنامله ليمسح دموعها بينما يده الأخرى تقبض بأحكام ورفق على كفيها معا
وحين شعرت أنها لن تستطع التحمل أكثر من ذلك أبعدت يديه عنها وتراجعت للخلف حتى التصقت بظهرها ب-باب السيارة وأردفت وهي تمسح دموعها بحدة وتتمالك نفسها مُرغمة اياها على ذلك:"حاتم ما يحدث هذا لا يصح ولا يجوز ساعدني في أن نبعد عن بعضنا دون أي خسائر "

فأردف بحزم ونظرة آسرة شملت وجهها كله :"بل ساعديني أنتِ لنقترب حتى نصبح كيان واحد لا ينفصل"

"كيف؟" قالتها بنبرة متلهفة كغريقِ يتعلق بقشة
فأردف وقد شعر أنه مَلَكَ الزمام ولو قليلا :"أنا في كل الأحوال سأتزوجك فقط اصبري عليّ قليلا كما قلت لكِ أنا حر الإرادة ولن يقف أي أحد في طريق سعادتي التي بالمناسبة ستكون معكِ"
كفكفت دموعها القليلة المتبقية ورسمت على وجهها قناع الهدوء عوضا عن المظهر المُزري الذي كانت عليه ثم أردفت :"أنا فقط لا أريد أن أكون سببا في أي خلاف بينك وبين أحد والديك وبالطبع لن أقبل أن أفرض نفسي على أسرتك"

مال قليلا نحوها وأردف بنظرة شديدة الاغواء عن غير عمد :"انضمامك لأي أسرة لهو شرف كبير يا زهرتي"

شعرت أن البقاء معه أكثر من ذلك سيكون خطرا على سلامة قلبها خاصة ومشاعرها المدفونة في ركن بعيد في عقلها الباطن بدأت في التمرد للتحرر فأردفت بسرعة لتنهي الأمر:"مالمطلوب مني بالضبط الان؟"

قال ببساطة:"ليس مطلوب منكِ أي شيء سوى ألا تُغلقي أبوابك في وجهي ،مسألة وقت اسبوع أواثنين شهر بالكثير ويكون الأمر انتهى بيني وبين أهلي بالتراضي إن شاء الله"

فتحت باب السيارة وأردفت وهي تنظر إلى الشارع الساكن في هذا الوقت:"حسنا حاتم هذا أمر بينك وبين أهلك ليس لي دخلي فيه وحين تحله أنت تعرف مكاني بعد اذنك"

نزلت من السيارة بارتباك شديد وأغلقت الباب بحدة كما فعلت منذ قليل فابتسم وجهه وهو يرى توترها وخجلها كأنها لم يسبق لها لا زواج ولا إنجاب وتسائل في نفسه أهذا بالفعل طبعها أم أن في الأمر أمر ؟ يشعر دائما أنها كفتاة لم تخوض اي تجارب في الحياة لولا فرح لشك في أمر زواجها هذا....

مرت من أمام السيارة ودلفت إلى البناية بخطوات متعثرة وظل هو قليلا بالأسفل لا يستطع الابتعاد وهو يشعر أن قطعة منه بداخل هذه البناية
*******
في الصباح
قبل أن تذهب رحاب إلى عملها مرت علي يسر في بيت ابيها، لهما أشهر طويلة لم يتقابلا وحين علمت من زهراء أن يسر ببيت أبيها اتصلت بها لتطمئن عليها فدعتها يسر لزيارتها
كان حاتم قد ذهب إلى المصنع ويوسف إلى الشركة وصالح لازال بالبيت حين رن جرس الباب فاستقام الأخير ليفتح وحين وجدها رحاب ابتسم ثغره قائلا:"اهلا يا ابنتي كيف حالك عاش من رأكِ "

ابتسمت رحاب ابتسامة واسعة وأردفت وهي تمد يدها مصافحة عمها صالح :"كيف حالك ياعمي؟"

صافحها ودعاها للدخول وحين أغلق الباب قال بمودة:"أ لأن صاحبتك ليست هنا لا تأتي يا بنت ؟"

قهقهت رحاب ضاحكة وأردفت:"صدقني عمي دائما ما أنوي زيارتك أنت وطنط ليلة ولكن لا يوجد وقت، زحمة الحياة تجعلنا لا نجد وقتا لننتبه لأنفسنا حتى"

نظر إليها نظرة حانية فهي بنت مكافحة وتسعى دائما بلا كلل ونفسها عزيزة لا تقبل أن يساعدها أحد
خرجت يسر من غرفتها على صوت رحاب وحين رأتها أسرعت نحوها ففتحت كل منهما ذراعيها للأخرى في نفس الوقت وغرقا في عناق طويل فهما أعز صديقتان من أيام الدراسة ولم يبعدهما سوى الهموم التي تراكمت على كل منهما ما إن تزوجت وتحملت مسئولية أسرة
حين ابتعدت كل منهما عن الأخرى قالت يسر :"لمَ لم تحضري الصغار معكِ اشتقت اليهم "

قالت رحاب ضاحكة:"لا تشتاقين إلى غالي حبيبتي أنا أتهرب منهم فهل سأحضرهم معي! ثم أنني سأجلس معكِ قليلا وأذهب إلى المطعم "

قالت يسر وهي تجذبها من ذراعها :"تعالي معي إلى غرفتي لنأخذ راحتنا"
فأردف صالح بنظرة خاصة إلى ابنته:"وهل ستجلسان دون أن تضيفي صاحبتك بشيء؟ ادخلي وأعدي لها واجب الضيافة أولا وأنا سأجلس معها إلى أن تعودي"

قالت يسر وقد فهمت غرض والدها:"حسنا ابي "
وحين دلفت إلى المطبخ أردف صالح ل رحاب وهو يجلس:"اجلسي يا ابنتي"
فجلست أمامه على المقعد المواجه للشرفة فأردف مباشرة:"رحاب انتِ تعرفين أنكِ تماما ك-يسر أريدك أن تخبريني كل شيء تعرفينه عن صديقتك زهراء ،كل شيء بأمانة رحاب أنا سألت عنها وعرفت كل شيء عنها ولكن أريد أن أعرف منكِ أنتِ يا ابنتي "
ظهر الاهتمام على وجه رحاب وأردفت بجدية:"حسنا عمي سأحكي لك كل ما أعرفه بأمانة والله على ما أقول شهيد "
يتبع


Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-01-22, 07:22 PM   #1578

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

(٢)

يوم حنة وصال
كان البيت منذ الصباح يمتليء بالمهنئات من نساء البلدة اللاتي يتوافدن للمباركة
أما جميع شقق البيت فكانت عامرة بأبناء غالية الذين أتوا من أجل الزفاف هارون وأسرته وصالح وأسرته وفي نهاية اليوم بعد أن رحلت النساء المهنئات لغالية جلست الأخيرة وهي تنظر حولها إلى البيت الذي تملؤه الأضواء وقلبها يغمره الارتياح

كانت أم أيمن في المطبخ هي وليلة وحليمة ونعمة وايمان ومعهم بعض النساء للمساعدة في إعداد طعام الغد الخاص بالنساء أما الرجال بالخارج فسيأتي طباخ لطهو طعامهم

تناولت غالية هاتفها واتصلت بيحيى الذي رد عليها مباشرة قائلا :"أهلا ماما كيف حالك؟"

"أين أنت يا يحيى؟" قالتها باشتياق شديد
فأردف الأخير وهو يجلس في القطار الذي يستقله منذ عدة ساعات وقارب على الوصول للمحافظة:"على وشك الوصول ماما"

قالت بصوت متأثر:"حمدا لله أنك أتيت كنت أخاف حين تأخرت ألا تحضر زفاف ابنة عمك"

أغمض عينيه وهو يستند على ظهر المقعد الذي يرتج به يمينا ويسارا وأخذ نفسا عميقا فهي لها عدة أيام تحدثه ليلا ونهارا ليحضر إلى أن خضع لالحاحها ،أم تُراه خضع لإلحاح قلبه ليرى يسر؟

مر طيف الأخيرة أمام عينيه فانتبه على صوت جدته تقول :"أين ذهبت حبيبي؟"

تنهد قائلا وهو يمسد على لحيته التي استطالت كثيرا:"أنا في الطريق أمي ولكن غالبا سأرحل بعد الزفاف مباشرة"

أردفت بقلب مقبوض:"لماذا يحيى ؟أنا أعرف أن أباك وأمك يستحقان هذا ولكن هل أنا أيضا أستحق؟"

زفر قائلا:"أنا فقط ارتبطت بعمل هناك لذلك لا أستطيع أن أطيل"

غمغمت بحزن:"ارتبطت بعمل يا يحيى إذن نويت يا ولدي على البعاد الدائم"
قال منهيا الأمر:" حين آتي نتحدث"

أغلق معها وهو يستعيد في ذهنه تفاصيل الأسابيع الماضية وكيف قضاها بمفرده وقد صفى ذهنه من الشوائب العالقة به ،كيف بدأ متابعة رسالته باهتمام أشد واستأجر شقة صغيرة وعمل أيضا مع صديق له من الجامعة في مزرعة كبيرة كانوا بالمصادفة يحتاجون لمهندس زراعي بها،الحياة التي ظنها ستتوقف حين يبتعد لم تتوقف بل سارت حتى لو كانت تسير ببطء ولا يشعر بمذاق للأيام المتوالية
..........
بعد ساعة
كانت مريم تقف تحت الماء الدافىء تأخذ حماما في بيت أبيها وقد تحسنت حالتها قليلا مع الالتزام بالراحة والمثبتات حين طرقت هاجر على الباب قائلة:"هيا يا مريم البنات بدأن بالاحتفال"
أغلقت مريم الصنبور وأردفت:"حسنا ثواني وأخرج"

وبعد دقائق قليلة كانت تقف أمام المرآة تطالع هيئتها في القفطان المغربي ذو اللون الازرق المطرز بخرز فضي من عند الصدر والخصر والمرفقين بينما باقي القماش باللون الازرق الصافي ،كان اللون رائعا خاصة على بشرتها البيضاء بينما كانت هاجر ترتدي مثله ولكن بلون بيج فاتح يليق بلون بشرتها القمحية ،جميع البنات يرتدين نفس التصميم ولكن بألوان مختلفة

كانت هاجر تنتظر أختها حتى ينزلا معا بيت عمها يونس حيث سيحتفلن بالحنة في شقة العروس لا ببيت جدتهن حتى يحظين بالخصوصية خاصة أن البيت بالاسفل ممتلىء وحين اقتربتا من باب بيت عمهما فُتِح الباب وكانت مودة التي كانت تبدو كالقمر بقفطانها المغربي ذو اللون الأحمر القاني وحجاب بنفس الدرجة فأردفت :"ادخلا عنان ووصال ويسر بالداخل انا سأنزل وأعود سريعا"

لم تنتظر ردهما وأسرعت للأسفل وهي تطرق بكعب حذائها المفتوح من الخلف فتصدر ايقاعا عاليا...
كانت وصال قد طلبت منها النزول لترى هل جاء طارق أم لا ؟ لم يؤكد لها حضوره قال إن سنحت الفرصة سيأتي وهاتفه مُغلق وبدأت في القلق عليه
..........
حين نزلت مودة كانت الجلبة تأتي من المطبخ الذي تتجمع فيه النساء وبهو البيت كان خاليا فخرجت للخارج لترى هل جاء طارق ويجلس في المندرة مع الرجال ولكنها ما إن خرجت من باب البيت حتى كان عمرو يخرج هو الآخر من باب المندرة المٌطل على الساحة الخارجية للبيت ويغلق الباب خلفه وحين رأته هوى قلبها بين قدميها ،شعور أصبح يلازمها كلما رأته مع ازدياد ضربات القلب،توقفت قليلا في مكانها أما هو فصعد الخطوات الفاصلة بينهما وهو يتأمل هيئتها في هذا الزي المميز ،كانت تفرك كفيها ببعضهما بتوتر وحين وقف أمامها هبت عليه نسائم من رائحة عطرية شديدة التميز والنعومة ،تسمر أمامها يتطلع في صفحة وجهها المٌضيء وعينيها اللتين تضويان ببريق خاطف تتسعان أمامه كقمرين

حين طال صمتهما أمام بعضهما هو يتطلع فيها دون خجل وهي تفرك كفيها بتوتر أردفت بحرج:"هل طارق بالخارج ؟وصال تسأل عنه"

أردف وقلبه يخفق خفقات مضطربة بشعور لذيذ يسري في أوردته فيٌسكره:"لا لم يأتي، حدثه معتصم وقال إنهم يحتفلون ببيتهم ولن يأتي"


أومأت برأسها وتراجعت للخلف خطوتين وولته ظهرها فشعر أن قلبه يستجديه أن يُعطلها عله يختلس نظرة إضافية أو كلمة وحين دلفت للداخل دلف خلفها وكان هاتفه في يده يرن نظر فيه ليجده مهدي صديقه بالمركز الطبي فرد عمرو بسرعة قائلا وهو يتطلع فيها وهي تهم بالصعود:"أهلا أنوار كيف حالك؟"

أردف مهدي الذي انتهى للتو من عمله بالمركز ويتصل بصاحبه ليبارك له على زفاف ابنة عمه:"أنوار من أنا مهدي يا خفيف"

جاءت الفكرة لعمرو دون ترتيب فقط ليستثير غيرتها إن كانت موجودة أو ليرى رد فعلها أما هي فتوقفت لثانية واحدة وتصلب ظهرها ولو رأى وجهها لعلم بما في قلبها في التو ولكنها أجبرت نفسها على المُضي ولكن ببطء...

أما هو فعجبته اللعبة وارتفع معدل الادرينالين في جسده لذروته فأردف بخبث:"كنت أريدك في شيء هام أنوار"

تمتم مهدي وهو يبعد الهاتف عن أذنه قليلا:"ماذا بك لقد بدأت في الشك بنفسي أنني بالفعل انوار"

توترت مودة وعوضا عن صعود السلم أخذت تتجول في بهو البيت تدعي البحث عن شيء وهمي وهي تسب في سرها المدعوة أنوار...

أما هو فبدأ الشك يساوره واللهفة لمعرفة مشاعرها تغمره فتراجع حتى باب البيت مرة أخرى وأردف بصوتِ عالٍ :"نعم نعم سأقول لكِ، أخرج فقط خارج البيت حتى يلتقط الهاتف شبكة جيدا"

وخرج بالفعل وترك باب البيت مفتوحا ووقف على الدرجة الأولى وطرق بحذائه طرقتين وكأنه نزل درجتين أما هي فأسرعت الخطى حتى كادت أن تنقلب على وجهها بسبب الحذاء العالي الذي ترتديه حتى وصلت إلى باب البيت وكانت ضلفة مغلقة والأخرى مفتوحة على مصراعيها فاستندت بظهرها على الضلفة المغلقة وأنفاسها تتسارع فتمنعها من سماع صوته بوضوح فوضعت يدها فوق صدرها تهدىء من نفسها مرددة بداخلها بتوتر (اهدأي حتى تسمعي ماذا يريد من ظلمات هذه بالضبط)

أرهفت السمع وهي تضع أذنها على الباب و ...

وفجأة وجدته أمامها فاتسعت عيناها فزعا وتسمرت في مكانها أما هو فأغلق الهاتف في وجه مهدي دون أي كلمة واستند بكتفه على اطار الباب وأردف بوجه تبتسم كل سكناته دون أن تبتسم شفتيه وهو يشعر بوخز لذيذ يدغدغ حواسه :"ماذا تفعلين؟"

تلجلجت ولم تعرف بمَ ترد أما هو فشعور بالارتياح غمره ،رغم أنها لم تنطق بشيء إلا أن حيلته نجحت ،لديها فضول تجاهه هو لا يُخيل له ذلك ...

قالت أخيراً بتوتر وهي تحاول لملمة شتات نفسها :"أنا كنت "

خرجت نعمة من المطبخ لتقطع عليهما اللحظة وتنقذها فهي حقا لم تكن تعرف ماذا ستقول وأردفت أمه بوجه ممتقع :"عمرو هل أتى يحيى أم لا ؟"

انتبه عمرو واعتدل في وقفته وقد انفجرت الفقاعة الوردية التي كانا يسبحان فيها وقال :"نعم أمي بالخارج"

أردفت بلهفة:"قل له أمك تريد أن تراك"

تحركت مودة بخطوات مرتبكة وتركتهما لتصعد وحين هم عمرو للذهاب لينادي أخاه أردفت نعمة وهي تتطلع في أثر مودة التي أسرعت للأعلى:"ماذا بها مودة هل هناك شيء؟"

مط شفتيه قائلا:"لا، لا يوجد شيء سأنادي لكِ يحيى"

ظلت في الانتظار على الباب إلى أن هل عليها يحيى فاحتضنته بلهفة وهي تمسد على كتفيه وظهره وجانبي وجهه وتقبله باشتياق ورغما عنها سالت دموعها
ابتسم يحيى قائلا:"تشعريني اني لي سنوات أمي لا أسابيع"

أردفت باكية وهي تمسد على لحيته الطويلة:"لأنني لم أعتاد فراقك"

اقترب عمرو ليهديء الوضع قائلا بخبث:"اعتدتِ فقط على فراقي أنا ثلاث سنوات غبتهم ولم آخذ ربع هذه الأحضان والقبلات"

فالتفتت إليه قائلة بتأثر:"أنا لا أتحمل فراقكم جميعا" فعم الصمت الثقيل على ثلاثتهم
******
في شقة يونس وفي غرفة المعيشة كان صوت مشغل الأغاني عاليا وجميع البنات يصفقن لوصال التي كانت ترتدي قفطان بلون كريمي وشعرها منسدل على كتفيها وظهرها ووجهها يشتعل حماسا وبريقا مميزا وهي ترقص بحماس على كلمات الأغنية التي اختارتها
كانت تتمايل يمينا ويسارا بتناغم وخفة وحولها مريم وهاجر وعنان ومودة ويسر يصفقن لها سعيدات لسعادتها التي تتقافز من وجهها فجذبت عنان من يدها قائلة:"ارقصي معي"

فمسكت عنان يديها وظلت ترقص أمامها وكل منهما تتناغم حركاتها مع الأخرى
وحين قالت وصال لبقية البنات:"هيا لنرقص سويا"

قالت مريم وهي تشير إلى بطنها:"وجودي معكن يكفي لا أريد بذل مجهود يتعبني"
فتفهمتها وصال أما يسر فكانت عيناها ذابلتين وفاقدة الرغبة في أي شيء ولكن تقف معهن حتى لا تبدو قليلة الذوق

أما مودة فانسحبت من بينهن تختلس النظر من النافذة المُطلة على المندرة إلى قطعة غالية على قلبها أصبحت أمام عينيها ،منذ أن رأها منذ قليل وهي ترتجف داخليا وكأنه ضبطها متلبسة بجرم ولا تعرف هل ربط بين وقوفها بالإستماع له أم لم ينتبه
أغمضت عينيها علها تهديء ضربات قلبها وتسائلت هل نظرات عينيه هذه لها علاقة بمشاعر خاصة بها أم يٌخيل إليها؟
وكأنه شعر بها فرفع عينيه إلى الأعلى فتراجعت هي للداخل رغم أنها تقف خلف النافذة المغلق معظمها ولن يراها
وحين أطالت الوقوف وجدت جميع البنات وقد انضممن إليها وبالطبع كل واحدة تريد أن ترى من يخصها

فوقفت عنان تتطلع إلى معتصم الذي لم يأتي البيت منذ أن ذهبت هي إليه إلا مرة واحدة جاء اخر الليل وغادر في الصباح الباكر حتى دون أن يرى غالية وحجته الدائمة العمل الهام الذي لديه وبجواره كان يجلس يوسف يدخن سيجارة فكانت مريم تنظر إليه باشتياق فقد أتعبها طول البعاد ووجودها بحجرة جدتها طوال الفترة الماضية حال دون اختلائهما ببعضهما ولو لدقائق ....

وعلى الأريكة المقابلة يجلس يحيى هائما في ملكوته لا يندمج مع حديث الشباب فكانت عيني يسر تتابعانه بحسرة ،دمعت عيناها وهي تنظر إلى هيئته،يرتدي الجلباب الجنوبي تماما كأعمامه وابناءهم ذقنه استطالت كثيرا ولأول مرة تراه هكذا ،شعرت بألم في قلبها، نغزة اشتياق تلازمها منذ غادرت ولكنها حاولت الا تُبدي ما بها رغم أن عينيها كانتا تحكي حكايا قلبها ....

أما هاجر فكان قلبها الصغير ينبض نبضات متلاحقة وهي تتابع بعينيها أحمد ابن عمها هارون الذي يجلس بجوار أبيه وأخوه أسر

كانت المندرة مضيئة بأنوار عالية توحي بأجواء الفرح وصالح وزكريا ويونس وهارون يجلسون بصحبة جميع الشباب يتحدثون في أمورهم وإن كان الوضع بين صالح وزكريا كما هو عليه لا يتحدثان على الاطلاق والوضع مٌعلق خاصة بعد أن أمرتهم غالية بألا يفتحوا أي أمور إلا بعد زفاف وصال

وكان تمام يجلس بجوار معتصم وكلاهما واجمان فأردف تمام الذي أعياه البحث عن نسرين وابنها:"ألم تتوصل إلى أي شيء عن نسرين؟"

التفت إليه معتصم الذي يدور في فلكه هو الآخر وينتظر على أحر من الجمر انتهاء زفاف وصال ليواجه الجميع وأردف باقتضاب:"كما قلت لك سابقا لم تصلني أي أخبار"

أغمض تمام عينيه بيأس وهو يشعر بالتمزق، ابتعادها يؤلمه ،خوفه على الصغير يشتته ،حالة أبيه السيئة لغياب عمار تجعله يشعر بالعجز

فاشترك هو وأخيه في هذه اللحظة في التشتت والتيه ومعهما يحيى الذي يجلس أمامهما في واد آخر وكان يجلس بجواره حاتم الذي أردف وهو يميل نحوه:"ماذا بك؟"
رفع اليه يحيى عينيه قائلا:"ماذا بي كل شيء يسير على ما يرام"

شعر حاتم بما في صاحبه فأردف محاولا المساعدة بأي شيء:"بالمناسبة يسر حالتها تماما كحالتك ما رأيك لو أرتب لكما لقاءا بمفردكما لتتحدثان بعد أن هدأت الأمور؟"

التوت عضلة في وجه يحيى ورفع زاوية شفتيه قائلا بتهكم يخفي خلفه احباطه وحزنه:"هل انتهت نوبة الجنون لديها أخيرا وأصبحت على استعداد للتحدث"

قال حاتم بحمائية :"أنا من أعرض المساعدة من تلقاء نفسي هي لم تقل شيء ويكفيها ما فيها"

لم يرد عليه يحيى خوفا من أن يقول كلمة تنزع ما بينهما من صداقة يحاول حين يغضب أن يلتزم الصمت قدر المستطاع وصمت حاتم هو الآخر

أما عمرو الذي يجلس على يسار حاتم فأردف بخفوت:"كيف حال فتاة المطعم خاصتك؟"

أخذ حاتم نفسا طويلا ثم أردف بنفس الخفوت :"بخير دعواتك أن يتم الأمر كما أريد والا تعقد أمي الأمر أكثر من ذلك"
قال عمرو :"باذن الله"
فباغته حاتم:"وكيف حال فتاتك؟"
ظهر الاهتمام على وجه عمرو وأردف بجدية:"ومن هي فتاتي؟"
قال حاتم بخبث وهو يميل نحوه:"تظنني لا أنتبه لك منذ فترة؟"
قال عمرو بشك :"تقصد من؟"
فأطلق حاتم ضحكة خبيثة قائلا بحروف متقطعة:" م.و.د.ة "

رفع عمرو حاجبا واحدا وأردف بامتعاض:"أنت تتلصص عليّ إذن "
قهقه حاتم ضاحكا وأردف :"ما دخلي أنا إذا كانت نظراتك تفضحك"
قال عمرو بشك:"أيبدو عليّ إلى هذه الدرجة؟"
قال حاتم متهكما:"وهل هناك عاشق لا يبدو عليه يا بني ثم تحول الهزل إلى الجد قائلا بتفكر:هل تعلم مالذي يثير حيرتي؟"
قال عمرو :"ماذا؟"
"أن كلانا كان يضع مبادئ صارمة ومواصفات خاصة لفتاة أحلامه وكان هناك شيئا محددا يعترض عليه كلانا ويشترطه في زوجته المستقبلية وكلانا سقط في الفخ ولا يستطع التراجع"
قال عمرو :"كيف؟"
مط شفتيه قائلا:"أنا كنت أعترض على الزواج ممن سبق لها الزواج وأنت كنت تعترض على الزواج من بنت من بنات العائلة"
أردف عمرو وهو يرفع عينيه للأعلى يشعر أن هناك من هي خلف النافذة وأردف بصوت رخيم:"الحب حين يصيب"

فأردف حاتم متهكما:"وأين المبادىء؟ أين الثبات؟ ثم أردف وطيف زهراء يمر أمام عينيه فيتأجج اشتياقه للمسة ثانية من يديها وقربا مٌشبعا:أين المأذون؟"
*******
وفي المساء حين انفض جمع الرجال في المندرة وجمع النساء ببيت غالية وذهب كل إلى بيته إلا البنات اللاتي كان من عادتهن أن يبتن ليلة زفاف احداهن جميعا معا ووصال بما أنها ستغادر البيت فكان الوضع اشد والجميع يريد أن يشبع منها

حين نظرت عنان من خلف نافذة الغرفة المطلة على المندرة وجدت أن كل أعمامها انصرفوا ولم يتبقى سوى معتصم ويوسف وأبناؤه فاتصلت بزوجها وحين رد قالت بلهفة:"لمَ تبقى عندك الن تصعد؟"

كان التعب قد استبد به من قلة النوم والتفكير وإحساس العجز الذي يكبله فيجعله يلتزم الصمت قهرا حتى تمر ليلة زفاف وصال فاستقام مردفا :"سأصعد "

كانت تريده أن يرى القفطان الذي ترتديه تعرفه يحب أي ثوب لها باللون الزيتوني فاختارت هذا اللون من أجله ولكنه لم يراها وقد كان يجلس مع الرجال

وحين مر بجوار باب شقة يونس خرجت إليه وهي تتلمس نظرة اعجاب في عينيه ولكنها وجدت عوضا عنها التعب البادي من احمرار عينيه فاقتربت منه قائلة:"تبدو مرهقا جدا"
قال بخشونة:"جدا أنا تقريبا لا أنام"

بدى التعاطف في عينيها فأردفت بخفوت:"سأحاول الفرار من البنات وأصعد اليك"

خرجت في نفس اللحظة وصال وأردفت لمعتصم بابتسامة واسعة:"طبعا لا كلام في انك ستأخذ زوجتك اليوم،الليلة آخر ليلة لي هنا"

حاول جمع شتات ابتسامة صغيرة يهديها لوصال ولكنها خرجت متعبة كصاحبها فقال باستسلام وهو يلمس بأنامله كتف عنان:"مبارك وصال ثم عاد بعينيه إلى عنان قائلا:ابقِ معها"
تركها وصعد وخلفه طار عقلها الذي سيجن لتعرف ما به
*******
مساء اليوم التالي
كان البيت يعمه الفرح الاضواء ساطعة والزينة مُعلقة البيت مملؤ بالنساء المهنئات من أهل البلدة ونساء بيت عمران وأهل طارق والمندرة تمتلىء بالرجال ،وصوت الاغاني يرتفع

وفي حجرة غالية كانت وصال تقف أمام المرآة بعد أن زينتها خبيرة التجميل التي أتت خصيصا من المحافظة وسبحان من زادها فوق جمالها جمالا جعلها تبدو كملكةِ متوجة ووجهها كملاكِ في حجابها الابيض المحيط بوجهها المستدير

احتضنتها عنان وأردفت بتأثر:"مبارك حبيبتي تبدين كالقمر"
وكذلك فعلت حليمة التي لم تتمالك نفسها وسالت دموعها وهي تشدد من احتضان ابنتها
وغالية التي كانت تتابع من بعيد اقتربت وشعور بالارتياح الشديد يغمرها وهي تحتضن وصال وهي عروس فتشعر بأنها أدت رسالتها ،رغم أن القائمة لازال فيها من البنين والبنات بالعائلة ولكن وصال كان لها وضع خاص ،شعور بالذنب كان يراود غالية بأنها هي من أخرت زواجها بتشددها القديم ولكن اليوم وهي تحقق للبنت مرادها فقد زال الشعور وحل محله فقط الراحة...

ظلت غالية تحتضن وصال وتتمتم في أذنها بدعوات غالية إلى أن ابتعدت ليبارك لها جميع من بالغرفة

كانت وصال أنفاسها متهدجة لا تصدق أن حلمها تحقق ولمعة الدموع في عينيها لا تبارحهما ،دموع الفرح التي تأتي حين نجد ما تمناه القلب لسنوات أصبح ملك اليد تناولت هاتفها واتصلت بطارق وأردفت ما إن سمعت صوته:"أنا جاهزة ألن تدخل؟"

كان طارق يجلس بين الرجال في المندرة والشيخ طه يجهز الاوراق لعقد القران فابتعد عنهم جميعا وانزوى في ركن في المندرة وأردف بخفوت:"باذن الله نعقد القران وأدخل مباشرة اشتاق لأن اراك في ثوب العرس ثم أردف بلهفة:وصال صوري نفسك وارسلي لي صورة"

ابتسمت ابتسامة ملأت وجهها كله وقالت بغنج:"لا ،أريد أن أرى انطباعك في عينيك حين تراني"
"هكذا إذن؟" قالها متوعدا
فأردفت مقهقهة :"هكذا إذن"
............
أغلقت معه وعاد هو لمجلس الرجال وخرجت هي لبهو البيت الممتلىء بالنساء وحولها أمها وبنات عمها وحين رأتها حماتها استقامت وأردفت وهي تحتضنها :"بسم الله ما شاء الله قمر ليلة تمامه"
قالت وصال بخجل:"اشكركِ جدا"

وبعدها باركت لها زوجات إخوة طارق فبادلتهم المباركة بلطف إلى أن جاءت مودة وأردفت بصوت عال مملؤ بالحماس:"سيعقدون القران"
فحملت وصال فستانها المنفوش بيديها وأسرعت إلى النافذة المطلة على المندرة وحولها كل بنات عمها وزوجات عمها، فقط غالية من ظلت جالسة بين النساء وكان صوت مكبر الصوت يصل إلى أذنيها فتستمع بوجل إلى مراسم العقد

كانت وصال في دنيا أخرى وهي يصل إلى أذنيها صوت أبيها وصوت طارق عبر مكبر الصوت وحين انتهى العقد تعالت الزغاريد من حولها وتعالت دقات قلبها وغرقت في سيل من أحضان المهنئات ولكنها لم تكن بحاجة في هذه اللحظة سوى لحضن واحد وكأنه شعر بها فما إن استقبل طارق المباركات من الرجال حتى طلب من معتصم أن يصطحبه للداخل ليبارك لعروسه فأردف معتصم وهو يربت على كتفه:"هيا"

وحين دلف طارق بصحبة معتصم إلى البيت استقبلته أمه وهي تحتضنه ودموع الفرح تغرق وجهها وهمست في أذنه :"مبارك يا طارق مبارك يا حبيبي"

تمتم بكلمات غير مفهومة وعينيه متعلقتان على وصال التي تقف وحولها نساء كثيرات
وحين ابتعدت أمه عنه تقدمت حليمة واحتضنته هي الأخرى قائلة بتأثر:"لقد أصبحت من اليوم ابني ومعك قطعة غالية مني فحافظ عليها"

قال وعيناه متعلقتان بزوجته التي تناظره باشتياق يبدو في عينيها على استحياء:"في عيني امي لا تقلقي"

وحين ابتعدت حليمة أشارت له غالية وأردفت:"تعال طارق"
وحين تقدم من مقعدها أردفت بحنو:"ها هي ابنتي أصبحت ملك يمينك كما اردتما هي أمانة معك فحافظ عليها"
ابتسم طارق وأردف بتوتر ليس من غالية ولكن من الموقف كله ومن لهفته على وصال :"في عيني وقلبي أمي وعد مني "

بدموع متجمعة في مقلتيها الغائرتين أردفت:"اذهب الى زوجتك وبارك لها"

استقام بخفة وتقدم نحو وصال التي كانت كملكة في ثوبها ناصع البياض وكان في عينيها شديد الجاذبية في حلته شديدة السواد وقسماته المعبرة عما بقلبه تغريها بليالِ قادمة من السعادة ،قطع المسافة بينهما في خطوات قليلة ودون ذرة خجل أو شعور بمن حوله ودون مقدمات بنظرة عين أو لمسة يد أحاط خصرها بكفيه وضمها اليه وأحكم تطويقها بذراعيه ورغم شعورها الأولي بالخجل ولكنها ما إن لامس وجهها صدره وتسللت إلى أنفها رائحة عطره حتى فقدت الشعور هي الأخرى بمن حولها وصور متتابعة لهما تمر أمام عينيها وكأنها شريط سينمائي

يوم أن رأته أول مرة في المدرج... كلماتها لصاحبتها أنه بالتأكيد رجل كبير قبيح الشكل من اسمه ...وصدمتها حين وقعت عينيها عليه
تذكرت يوم أن ضبطها تكتب اسمه في كشكول محاضراتها وبداية علاقتهما معا وكيف كان رجلا مميزا جذبها بسهولة وأغرقها في حبه

ودون وعي سالت دموعها وهو حين تمتم في أذنها :"مبارك حبيبتي"
وشدد من ضمها ولم ترد وسمع نشيجها أبعدها قليلا وحين رأى دموعها صُدِم ولم يحب أن يرى الموجودون دموعها فأعادها إلى حضنه مرة أخرى وقبل رأسها قائلا بهمس:"لا تبكي وصال هنا لنا بيت ابكي فيه كما تشائين"

توقفت دموعها وابتسمت وهي تبتعد قليلا وأردفت:"بشرة خير تعدني بالبكاء في بيتك"
قهقه ضاحكا وأردف :"لا أقصد سأخبرك بمقصدي فيما بعد"

ابتعد عنها بصعوبة خاصة وقد شعر بالحرج والجميع ينظر إليهما هكذا وهي كفكفت دموعها ورسمت ابتسامة حلوة على وجهها

أما معتصم الذي كان يقف عند باب البيت ينتظر طارق ليعودان معا الى المندرة فاقتربت منه يمنة وأردفت بابتسامة حلوة:"كيف حالك حبيبي"
نظر إليها قائلا بهدوء مصطنع:"انا بخير المهم أنتِ"
"بخير "
"وكيف حال السيد راشد؟"
أردفت :"كما هو لا جديد في حالته"
قال مشددا:"لا تمشي بعد انتهاء الزفاف أريدك"
ضيقت عينيها قائلة:"هل هناك شيء؟"
اشاح بوجهه بعيدا قائلا:"ستعرفين"

ثم تركها حين عاد إليه طارق ليخرجان معا الى المندرة
............
ومر الوقت ما بين الرجال في المندرة الذين يتلقون المباركات ويطعمون أهل البلدة فعاداتهم يوم الزفاف أن يأكل أهل البلدة جميعا من طعام الفرح
وما بين النساء وفرحة البنات ورقصهن جميعا على أنغام الموسيقى وهن تتحلقن حول وصال التي كانت قدميها لا تلامسان الأرض من فرط سعادتها

كلهن كن يصفقن ويرقصن وإن كان في قلب كل منهن شيء يوغر صدرها ولكن لا يتحدثن بشيء من أجل اكتمال فرحة وصال فعنان أصبحت متأكدة أن زوجها به شيء وليس العمل فقط الذي يؤرق مضجعه

ومريم فاض بها الكيل وهي تشعر بثقل الأيام في بيت أبيها وتشتاق إلى العودة إلى بيتها وأبوها كلما سألته أمها ماذا سيفعلان في أمرها لا يرد عليها وقد اشغله حمل يحيى الذي ترك لهم البيت

أما يسر فكانت كجسدِ يتحرك دون روح

حتى أنها لم ترتدي فستان سواريه كباقي البنات اكتفت بثوب عادي ولم تستطع التزين تقف بينهن تحرك يديها بالتصفيق ولكن عقلها في جهة أخرى وهي تشعر بانقسام قلبها لنصفين نصف يرتاح لأنها أخذت حقها وردت على الإهانة التي صمتت عنها لسنوات
ونصف لا يستطع الحياة بدونه،لا يرى للكون طعما في بعاده،عيون لاتنام الا بالمهدئات،وقلب لا يتوقف عن الضجيج حياة بدونه ليس بها حياة
...............
بعد ساعة
كانت سيارة طارق تقف أمام بوابة بيت عمران وبعد أن صافح الجميع العروسين وانهمرت دموع الفراق وقفت وصال أمام أبيها وكان أخر المصافحين فاحتضنها يونس بتأثر والدموع العزيزة رغما عنه سالت، شدد من ضمها دون كلام فاللحظة لا يسعه قول أي كلام، ابنته قطعة منه من كان يخاف عليها من نسمة الهواء صارت عروس وستحل سيدة ببيت آخر، ستترك بيته الذي كان لا يطمئن عليها إلا فيه ويكون لها بيت آخر ورفيق لا يعرف إن كان سيحفظها ويكرمها أم لا شعور متناقض يريد لها السعادة وبناء بيت ولا يريد لها الابتعاد

"هيا يا يونس الرجل يقف ينتظر" قالها صالح ليحث أخيه على ترك البنت
فابتعد يونس على مضض ليواجه ابنته التي كان حالها كحاله دموعها على وجهها، يعز عليها فراقهم جميعا وفي نفس الوقت تريد الانطلاق خارج حدود البلدة الصغيرة، تشعر بنفسها كعصفور قُيدت حركته لسنوات وفُتح له القفص أخيراً

قال يونس لطارق بتأثر:"ابنتي يا طارق من أكرمها فقد أكرمني ومن أهانها...."

قاطعه طارق وهو يضع يده فوق رأسه قائلا:"ابنتك فوق رأسي يا عم يونس لا تقلق"

فربت يونس على كتفه ولم ينطق بعدها وانطلقت سيارة طارق التي يقودها شقيقه وتجلس بجواره زوجته وطارق ووصال بالخلف وخلفهم سيارة والدي طارق وباقي إخوته
وسيارة عمرو التي يقل فيها أمه وحليمة ومودة وهاجر الذين سيوصلون وصال ويعودون مباشرة والمفترض أن تكون معهم عنان ولكنها اعتذرت في اللحظة الأخيرة حين سمعت معتصم يهمس إلى خاله صالح أنه يريده هو وباقي أخواله في أمر هام
وسيارة احمد التي يقل فيها أمه وأخوه الأصغر
وحاتم وليلة

وحين ابتعدت السيارات التي كانت تُصدر ضجيجا عاليا دلف صالح مع إخوته إلى الداخل بعد أن أخبرهم أن معتصم يريدهم جميعا وكان البيت قد فرغ من جميع الضيوف

يتبع


Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-01-22, 07:23 PM   #1579

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

(٣)

جلست غالية وحولها أبناءها الخمسة ونظر صالح حوله قائلا :"أين معتصم لقد قال إنه يريدنا في أمر هام "
فردت يمنة بحيرة:"نعم وقال لي هذا"

كانت عنان قد دلفت دون أن يشعر أحد الى غرفة معتصم المجاورة لغرفة غالية تشعر أن ما يريده معتصم من أخواله هو كلمة السر لحالته

أما معتصم فدلف من باب البيت بعد أن ترك يوسف ويحيى وتمام بالمندرة وأجلى صوته قائلا:"مجتمعون عند النبي إن شاء الله "

أمن الجميع على دعوته ولكنه أردف وهو لا يزال يتقدم منهم في جلستهم:"ولكن عند النبي لا يجتمع من قتل ومن دارى عليه ومن زيف وزور"

التفتت الوجوه نحوه وارتفعت العيون بحيرة من كلماته فقال هارون مستفهما:"ماذا تقول معتصم ؟"

نظر معتصم حوله الى البيت الواسع ورغم أنه لم يكن أحد به الا أنه قال:"أعتقد نتحدث في غرفة المكتب أفضل ثم نظر إلى هارون قائلا كلمته يوم اجتماعهم الاخير :للحوائط آذان وإلى يونس قائلا:وللملائكة أقلام"

بدأ القلق يتسلل إلى الجميع ولم تمر سوى دقائق قليلة كانوا جميعا بغرفة المكتب ودخل خلفهم معتصم وأغلق الباب خلفه وحين سمعت عنان صوت قفل الباب أسرعت للخارج ووقفت أمام الباب بقلب خافق
...............
وبالداخل قالت غالية مستفهمة:"ماذا بك معتصم لك فترة وحالك لايروق لي وسلوكك غريب"
مط معتصم شفتيه ووضع يديه في جيبي بنطاله وأردف بصوت ميت ونظرة قاتمة:"والله يا أمي ليس أغرب من حال أبناءك"

اتسعت الأعين التي تنظر له بتعجب وانزعاج فأردف لغالية بنظرة قاتمة وهو يشير بيده جهة يمنة: ابنة أخطأت قديما ثم أشار إلى زكريا مكملا: وابن قتل من أجل أن يداري على خطأها ثم حول نظره الى صالح ويونس وهارون الذين كانت أعينهم تتسع بشدة وأردف بأسف:والباقون تستروا على خطأ أختهم وجريمة أخيهم"

"ماذا تقول معتصم؟" قالها صالح بحدة

فأردف معتصم بصوت صلب وملامح متجهمة:"لا أنا لن أقول أنتم من ستقولون جميعا ،ستقولون كل شيء أخفيتوه عني قديما،ثم حول نظره إلى زكريا قائلا بنظرة لو تحرق لحرقته:وإلا اقسم بالله سأهدم المعبد على من فيه"

استنكر زكريا كلماته فتمتم بغلظة:"ما هذا الهراء؟"
وقال هارون بشك:"تكلم صراحة معتصم مالذي عرفته بالضبط وعرفته من من ؟"
فأردف معتصم بنظرة حادة ونبرة صارمة وهو يوجه نظره إلى أخواله:"لقد سمعت حديثكم هنا قبل شهر يوم مرض راشد سمعت ما قلتوه عن ابوالوفا عزام وعن قتل خالي زكريا له ثم أكمل ساخرا سخرية مريرة:ولأنني اعتدت انكم لا تقولوا لي شيء يُسمن أو يٌغني من جوع بحثت بنفسي،بحثت عن ابو الوفا عزام ثم شدد على حروف كلماته قائلا:وقابلت العربي عزام بنفسي"

اتسعت الأعين بذهول فأكمل وهو يوجه نظرة ثاقبة مستجدية آمرة إلى يمنة وهو لايزال واقفا كمن يقف على شوك:"في البداية أريد أن أعرف أنا ابن من ؟ابن محمود الرحماني أم أبوالوفا عزام ؟"
"معتصم "قالتها غالية وهي مشدوهة من صدمتها

أما يمنة فوضعت راحتها فوق صدرها وبوادر ذبحة صدرية تهاجمها وأردفت بصوت مبحوح مصدوم:"ماذا تقول معتصم ماذا تقول بُني؟"

فصاح فيها بصوتِ عالٍ:"كل الدلائل تقول أنكِ أخطاتِ مع أبوالوفا هذا ولكن ما لم أتأكد منه أنا ابن من بالضبط خاصة بعد أن تأكدت من اصرارك على الطلاق من محمود الرحماني وشروعك في إجهاض حملك بي فقولي لي الحقيقة كاملة"

غلت الدماء في جسد يمنة وتأججت في رأسها الذي كاد ينفجر من صدمتها وأردفت بأسى وهي تنظر إلى اخوتها :"أرأيتم ما يقوله ابني؟ ثم أشارت بسبابتها عليهم جميعا وأكملت :وكله منكم ثم ثبتت عينيها في عيني زكريا قائلة بغضب:ومنك أنت على وجه الخصوص "

قاطعها معتصم وهو يجز على أسنانه :"أريد معرفة الحقيقة وليس ما كنتِ تقولينه كل مرة "

تبادلت يمنة مع أمها نظرة خاصة ثم شرعت في قص كل ما كان يريد معرفته،فمادام الشك وصل به إلى حقيقة نسبه فعليها أن تفتح أمامه الدفاتر القديمة التي حرصت لسنوات على غلقها، كانت تتحدث بلسانها وعقلها يتذكر الأحداث كلها كأنها كانت بالأمس وجميع الصور تتوالى أمام عينيها وليست هي فقط بل جميع من بالغرفة الذين عادوا جميعا بذاكرتهم لسنوات طويلة مضت
..............
منذ ما يزيد على اثني وثلاثون عام
كانت تقف أمام مرآتها تتزين بزينة خفيفة للغاية حتى لا يلاحظها اخوتها فيُعلقون وخاصة زكريا الذي يتشدد معها لأنها فتاة ويخاف عليها ،تكحلت فكانت عينيها واسعتين كعيون المها بل أجمل وأوسع منها وعلى اصبعها وضعت قليل من الحمرة فطلت شفتيها بخفة وأكملت بالمتبقي على وجنتيها الممتلئتين بلا اكتناز فضوى وجهها الابيض المشابه لوجه أمها

كانت وقتها يمنة ابنة عمران في السابعة عشر البنت الوحيدة الصغيرة المدللة لعمران وغالية

خرجت من غرفتها وأسرعت نحو أمها قائلة وهي تحيط كتفيها بذراعيها:"أمي أريد أن أذهب إلى بيت عمي سليمان قليلا "

قالت غالية التي كانت تجلس في المطبخ تعد لطعام اليوم التالي مع المرأة التي تساعدها في أعمال المنزل :"ألم يقل اخوتك الا تخرجي؟"

قالت يمنة بدلال لتؤثر على أمها:"أمي مع من سأبقى بالبيت ولا أخت لي أقضي الوقت معها كباقي البنات؟ قلت لكِ مرارا أنني أريد أخت بنت وأنتِ رفضتي أن تحملي بها "

قالت غالية ضاحكة:"بيدي أنا أن أحضر لكِ أخت ولم أحضر هل هو زر سأضغط عليه لأحضرها؟"

قالت يمنة بغنج وهي تثبت وشاحها الحريري فوق رأسها :"حسنا دعيني أذهب إلى بيت عمي سأجلس مع نعمة ومحاسن ساعة واحدة نتحدث معا وأعود "

لم تستطع غالية أن تقول لها لا فأردفت بجدية:"حسنا اذهبي ولا تتأخري"

فأسرعت يمنة بخفة للخارج وهي تشعر أنها تُحلق لا تمشي على الارض وفي طريقها لبيت عمها كان يقع بيت أبو الوفا وحين لاح أمام ناظريها فقط بيته انتفض قلبها بشعور لذيذ، مشاعر حديثة بدأت في الظهور منذ أن رأته منذ عدة أشهر، مشاعر بكر لم تشعر بها من قبل مع أحد ورغم أنه معروف عنه أن عينيه زائغتين إلا أنها لم تشعر من نظراته لها بذلك بل شعرت بإعجاب خفي لها أي أن المشاعر متبادلة....

ظلت تسير في طريقها، النيل على يمينها والزرع والبيوت على يسارها إلى أن مرت ببيت أبوالوفا وكأنه كان يعرف لهفتها وشوقها إليه فظهر فجأة أمامها ،ارتبكت وأسرعت في خطواتها وكان الشارع خاليا في هذا الوقت فوقف أمامها واعترض طريقها قائلا بنظرة ساحرة ونبرة مغوية:"هل لي أن أعرف لمَ تتعمدين كلما رأيتني الفرار هكذا دون أن تعطيني الفرصة للحديث معكِ؟"

هوى قلبها بين قدميها فهو لأول مرة يعترض طريقها هكذا وفي أول حديث بينهما يبدو كمن يعرفها منذ زمن لا يخجل أو يهاب الحديث معها...

فركت كفيها ببعضهما وأردفت بخجل وكل أعضاءها الداخلية ترتجف:"ولمَ سأتعمد؟"

توهجت أمام عينيه وهي في غمرة خجلها وبدى أمام عينيها كالساحر الذي يتلو تعويذته على من أمامه فيصيبه بما يريده وأصابها بالعشق فأردف بابتسامة عذبة:"لا أعرف أنا أسأل "

شعرت بالخوف أن يراها أحد فتمتمت بكلمات غير مفهومة وأسرعت من أمامه وكل جزء فيها ليس في موضعه

وشيعها بنظرات معجبة تتفحصها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها
وكما نفذ سهم عشقه الى قلبها نفذ سهم عشقها إلى قلبه العابث فهي لم تكن كأي فتاة عرفها من قبل

ودون أن يتواعدا أصبح لهما موعد كل يوم بعد العصر تخلفه يوم وتلبي النداء أيام، تمر من أمام بيته لتذهب الى بيت عمها
يوم تهديه نظرة ويوم سلام
يوم يحدثها بكلمة فترد على عجل
ويوم تتسابق الكلمات وتُتاح الفرصة لهما
إلى أن جاء يوم كانت تقف فيه معه في قطعة أرض زراعية مجاورة لبيته لا تبعد عن الطريق العمومي يومها قال لها بلهفة:"إن تقدمت لكِ هل توافقين وهل يوافق أهلك أم لأنني على باب الله لا يوافقون؟"

احمر وجهها خجلا وأردفت على استحياء:"لا أعرف رأي أبي واخوتي"
اقترب قليلا وأردف هامسا همس أضعفها:"وأنتِ؟"
شعرت بأنفاسها تتسارع حتى كادت أن تتوقف وأردفت بخجل:"أنا أسمع أنك تحب مصاحبة النساء وهذا أمر يُخيفني منك"

أردف الشاب اليافع الذي تتقافز من عينيه الرغبة الشديدة بها:"كنت كذلك لن أنكر ولكن أقسم لكِ أنني منذ أن عرفتك وأنا لا يطيب لي معشر النساء عن أكملهم ،احبك يمنة وأكتفي بكِ عن كل النساء وإن حدث ما أريده أعدك أن أظل وفيا لكِ أنتِ وحدك"

تلجلجت ولم تعرف بمٓ ترد أمام سحر النظرة ووقع الكلمة و حدث ما لم تتوقعه حين سمعت صوت زكريا من خلفها يصيح:"ماذا تفعلين هنا؟"

وقع الرعب في قلبها من وقع صوته وخطواته فالتفتت له وكان للتو قد لمحها فأردفت بأول ما جاء على لسانها:"كنت عائدة من بيت عمي وفجأة لم أجد خاتمي الذهبي كنت أبحث عنه"

التقط أبو الوفا طرف الخيط من على لسانها وأكمل بتوتر حاول اخفاؤه:"أنا كنت أبحث معها في الزرع لا تقلق سنجده إن شاء الله"

نظر زكريا إليهما بشك ولكنه حقا لم يرى شيء ليدينهما به فأردف بنظرة مستعرة ونبرة آمرة :"هيا إلى البيت وليذهب الخاتم إلى الجحيم"

قالها وهو يجذبها بعنف من ذراعها وحين دلف من باب البيت دفعها بعنف جهة أمها التي كانت تجلس في بهو البيت قائلا بحدة:"ألم أقل لكِ من قبل أمي هذه البنت لا تخرج من البيت؟"
قالت غالية بفزع:"ماذا حدث كانت ببيت عمها"
قال لها بنظرة أرجفت يمنة:"ابنتك عندك اسأليها ثم نظر إلى يمنة قائلا بنظرة أرعبتها:وأنتِ إياكِ من الوقوف مع أي أحد ثانية"

لم يزد على كلامه كلمة وخرج فقصت هي على أمها ما حدث ولكن من خوفها حكت القصة المزيفة لا الحقيقية
...........
مر عشر أيام على هذا اليوم كانت فيهم ستُجن لترى أبوالوفا وكان الأخير عقله سيشت فقد أصبح مهووسا بها ويتمنى وصالها رغم قصر يده

اقتربت يمنة من أمها قائلة بخفوت:"لي أيام طويلة لم أخرج من البيت أمي اشتقت إلى البنات ومللت من الجلوس بالبيت"

قالت غالية التي كانت تجاوزت الاربعون بأعوام قليلة وتتمتع بصحة جيدة :"ألم يقل أخوكِ ألا خروج لكِ ثانية؟"

اعترضت قائلة:"وقال أبي أن أذهب من وقت للآخر ،قال ألا اذهب كل يوم ولكن مرة كل فترة تكفي ولي أكثر من عشر أيام لم أخرج أمي"

قالت غالية حتى تتجنب المشاكل فعمران وابناؤه يخافون على البنت خوفا شديدا وفي هذا الأمر لا تستطع الجدال :"وأبوكِ على سفر واخوتك مكانه الان"

قالت يمنة وهي تحتضن أمها ونظرتها المترجية تنفذ إلى قلب غالية:"ساعة واحدة أرفه عن نفسي مع نعمة ومحاسن"

وأمام الحاحها وتوسلها وافقت غالية وحذرتها قائلة:"ساعة واحدة وتعودي لا أريد مشاكل مع اخوتك"

قبلتها يمنة وأسرعت للخارج وهي تتمنى أن يكون أبوالوفا في انتظارها ولم يمل من الانتظار
...........
دقائق من خروجها ودلف إلى البيت زكريا الذي قال:"أين يمنة أمي جائع"
تنحنحت غالية واستقامت قائلة:"سأعد لك أنا الطعام"

قال بضجر:"تدللينها أنتِ يا أمي لمَ تقومي أنتِ وهي موجودة ثم صاح بصوت عال:يمنة... يمنة"

أخذت غالية نفسا عميقا وأردفت بهدوء:"ذهبت إلى بيت عمها"
اتقدت نظرته وأردف بغضب:"ثانية أمي؟ الم أقل لا تذهب ثانية "
قالت بجدية:"أبوها قال تذهب من وقت للآخر يا بُني البنت تبقى بمفردها طوال الوقت"
جز على أسنانه قائلا بغيظ:"تفعلين ما تريدين أنتِ أمي ثم أشار جهة الخارج قائلا :الجو ممطر بالخارج ولا يوجد شخص واحد في الطريق ألا تخافي عليها؟"

ظهر القلق في عينيها وهي تقول :"المسافة قريبة جدا يا زكريا ولم أكن أعرف بأمر الأمطار هذه"

تركها متجها إلى باب البيت قائلا بضجر:"هذا ما نأخذه من خلفة البنات"
فلحقته غالية قائلة بتوبيخ:"أرني نفسك حين يرزقك الله بالبنات لأرى ماذا ستفعل معهن"
............
حين اقتربت يمنة من بيت أبوالوفا تلكأت علها تراه وكان هو يجلس بالقرب من نافذة البيت وحين رأها انتفض وأسرع للخارج وحين التقيا كان الشوق ثالثهما ولولا الحرج وخوفها من الله أولا ومن أبوها واخوتها ثانيا لألقت نفسها بين ذراعيه

أما هو فلم يتبقى به ذرة عقل فجذبها من ذراعها ولم تستطع مقاومته فكانت بنيته أضعافها مرتين ونصف وحين جذبها خلف البيت وكانت الأرض الزراعية خلفهما وباب البيت أمامهما شعرت بالخوف فأردفت بقلق:"ماذا تفعل؟"

قال بأنفاس لاهثة:"لمَ غبتِ عني كل هذا ألا تعرفي أنني لا أستطيع الابتعاد عنكِ؟"
قالت بخوف وهي ترى أنهما أصبحا في الجهة الخلفية للبيت والبراح يحاوطهما والبيت ليس به أحد بعد وفاة والديه وسفر شقيقه للعمل :"أبو الوفا ماذا تفعل لا يصح هذا"

حاولت التملص منه ولكن أنامله كانت تقبض على ذراعها بقوة وأردف بأنفاس متهدجة وهو يقربها منه أكثر:"اشتقت اليكِ يا بنت ألا تفهمين؟"

قالت بخوف :"وأنا أيضا اشتقت ولكن ليس بهذه الطريقة"

ضمها اليه وأحكم تطويقها من خصرها وأردف من على قرب شديد:"بعد غيابك الطويل لا أجد سوى هذه الطريقة هل تعرفين لو غبتِ يوم واحد اضافي كنت سأتسلل إلى بيتكم ومنه إلى غرفتك لأراكِ"

قالت بتوتر وهي تدفعه في صدره وكلاهما يشعر بأن الجو صار حارا استوائيا رغم هطول الأمطار من حولهما وانقلاب الطقس:"حتى يقتلوك ويقتلوني"

دقائق قليلة مرت يحاول دفعها إلى باب البيت وتحاول الفرار باستماتة ولا تستطع وليس حولهما بيوت ولا بشر وباب البيت نفسه في ركن منزوي وفي الزاوية تُصارع هي للفرار من بين يديه ليس نفورا منه فقد كانت لمساته تمس أنوثتها
ولكنها تحفظ الوصايا العشرة التي توصيها بها غالية بلا كلل ولا ملل تعرف أن هذا لا يحل ولا يجوز وأن البنت إن أخطأت فمقابل خطأها رأسها لذلك تخاف من التورط أكثر من ذلك وهو لم يرحمها فكان يٌكبلها بين ذراعيه لا يسمح لها بالحركة يقتنص قبلات من كل أنحاء وجهها بحرارة اشتياقه لها وهي تدفعه بقوة ودموعها على وجهها خوفا من النهاية المتوقعة والتي ستحمل حتما نهايتها وحين يأس أبوالوفا من استمالتها ودفعها لداخل البيت برضاها هم بحملها وما إن أحاط خصرها بذراعيه يهم برفعها حتى جاءت النجدة الإلهية

زكريا الذي ذهب إلى بيت عمه ليحضرها وحين لم يجدها وقالوا له لم تأتي جن جنونه وفي طريق عودته وقع نظره على البيت وكان الله يريد لها النجاة فألهمه بأن يدور حول البيت فقد جاءت في ذهنه صورتها وهي تقف معه المرة السابقة وحين رأى ما رآه جن جنونه وصرخ صرخة مدوية باسمها جعلت أبوالوفا يرتد للخلف فانقض عليه زكريا وجذبه من مقدمة ملابسه ولكمه عدة لكمات بوحشية وعنف شديد ،ظلت يمنة في الزاوية تضع كفيها فوق فمها متسعة العينين من هول الموقف وجسدها كله يرتجف وفي لحظة دفعه زكريا فسقط أرضا وحين هم بالانقضاض عليه كانت غريزة البقاء أقوى من آلام جسده فأسرع أبو الوفا هاربا واستقل دراجته النارية التي كانت بالقرب وبالطبع لم يلحقه زكريا الذي لم يكن معه أي وسيلة تنقل

كانت النار تغلي في عروقه المنتفخة كأنها على وشك الانفجار فانقض على يمنة المنزوية في الركن وجذبها من شعرها وسار بها من طريق الزرع الخالي لا الطريق العمومي يجرها جرا ويقذفها بأبشع الألفاظ وحين فتح بوابة البيت ودفعها أسرعت للداخل حيث أمها صارخة بفزع

وكان بالبيت صالح ويونس وهارون كانوا قد أنهوا أعمالهم وعادوا إلى البيت وحين رأوا شكل أختهم أصابهم الرعب واسرعوا نحوها ولكنها اختبأت في ظهر أمها قائلة بنشيج عال:" لم افعل شيء اقسم بالله هو الذي فعل"
قال صالح بفزع :"من؟"
وقالت غالية بقلب سقط بين قدميها :"انطقي؟"

صاح زكريا الذي اندفع كالقذيفة من باب البيت وهيئته وملامحه وعينيه كأنه الشيطان بنفسه:"انطقي يا فاجرة،قولي أمام الجميع لم كنتِ تلحين في الخروج دائما"

لم يمنحها فرصة للرد وهو يندفع نحوها بغضب أعمى لا يوجد في ذهنه الا قبض روحها فوقف صالح ويونس وهارون أمامه كحائط صد وحين عجز عن الوصول إليها قص عليهم بدماء تغلي ما رآه فاتسعت الأعين بفزع وقبل أن ينطق أحدهم صرخت قائلة بانفعال شديد فهي تعرف أن في هذا الأمر حياتها أو موتها:"اقسم بالله العظيم لم أفعل شيء هو من حاول وكنت أقاومه ولم أسمح له بفعل شيء صدقوني كان يدفعني للدخول وكنت أدفعه للخروج هو من حاول أن يفعلها وأنا كنت أقاومه إلى أن أنقذني زكريا والحمد لله جاء في الوقت المناسب ولم يحدث أي شيء"

شعرت غالية أن كل حصونها قد انهارت في هذه اللحظة وهي تقف بين ابنها وابنتها وكلمة زكريا أمام كلمة يمنة التي تقسم بأغلظ الايمان أنها مجني عليها لا مُدانة
............
بعد قليل بعد أن أخرج صالح واخوته زكريا من البيت وجلسوا جميعا في المندرة يتشاورون في الأمر قال صالح بانفعال:"أنت قلت كانا على باب البيت فالحمد لله لم يحدث شيء"
قال يونس باندفاع:"ولكنه لابد أن يتأدب على فعلته "
فصاح فيهما زكريا قائلا بغضب:"ومن أدراني أنا أنها أول مرة ربما الثانية أو الثالثة أو العاشرة ألم أقل لكم رأيتهما معا من قبل وصدقتها انها كانت تبحث عن خاتمها ،وناظر يونس قائلا بفحيح:ثم إن هذه الفعلة فيها قطع رأس لا تأديب يا يونس"

قال صالح ودماؤه هو الآخر تغلي انفعالا وغضبا:"سيحدث ولكن انتظر للغد حتى يأتي أبي ونعرض عليه الأمر ونتشاور معه"

هم زكريا بالاعتراض ولكنه لم يحب أن يبدي ذلك لغرض في نفسه ،ظل معهم لثوان كان كمن يجلس فيهم على صفيح ساخن ثم استقام قائلا بهدوء مصطنع:"سأذهب للبحث عن هذا الوغد"

قال صالح مستفهما :"ألم تقل أنه أخذ دراجته وهرب تجاه الطريق العمومي؟ بالطبع ذهب إلى المحافظة ولن يغامر بالعودة،انسى أن تجده في اي ركن في البلدة"
قال زكريا بنبرة غامضة:"سأجرب حظي "

تركهم وخرج من باب المندرة المطل على الشارع وأغلقه ومنه دلف بخفة إلى البيت من بابه الخارجي المجاور لباب المندرة فلم يشعر به إخوته ،وباندفاع الشباب ودماء الجنوبيين الحامية دلف إلى المطبخ وأخرج سكينا كبيرا من الدرج ووضعه في جيب جلبابه ودخل يبحث عن يمنة التي كانت بالحمام تغتسل بعد أن اطمأنت أمها عليها جسديا أنها لم يمسها شيء ....

حين لم يجدها بغرفتها وقف أمام الحمام يقطع الممر ذهابا وعودة إلى أن انفتح الباب وحين رأته يمنة شهقت بصوتِ مكتوم وبنظرة خاطفة رأت طرف السكين الكبير يبدو من فتحة جيب جلبابه فدفعتها غريزة البقاء للتغلب على صدمتها سريعاً وطلب المساعدة فهرعت إلى غرفة أمها جريا ولكنه كان لها بالمرصاد فلحقها عند باب الغرفة وأردف بفحيح وهو يجذبها بعنف من مؤخرة جلبابها:"تستنجدين بأمك ؟حسنا تعالي لتموتين في حضنها"
لم تشعر بقدميها في هذه اللحظة وفرت الدماء من جسدها كله
ففتح باب الحجرة وهو يغرز أصابعه في خصلات شعرها الأسود الطويل ودفعها تحت قدمي أمها التي كانت تجلس على مقعدها تقرأ القرأن في صمت وخوف وحزن شديد وخزي أشد

وما أن سقطت تحت قدمي أمها حتى استل السكين الذي كان في جيب جلبابه وأشهره أمام وجهها فاستندت بظهرها تلقائيا على ساقي أمها المرتعشتين تنظر إليه وإلى نصل السكين اللامع بعينين متسعتين ذعرا وخوفا ولسانها قد عٌقد
فماذا رأت هي من الدنيا حتى يكون الموت في استقبالها عوضا عن الحياة؟
ولكنها لم تنطق ،لم تنطق وقد انعقد لسانها عن الكلام وجحظت عيناها وكل ماعليها أن تهز رأسها يميناً ويساراً وهي تدرك أنه لا فرار من قضاء الله

كانت عيناه تلمعان بوحشية متأصلة في طبعه ولكنها ازدادت أضعافا مضاعفة بعد ماحدث
أما أمها فقالت له بلوعة أم وبصوت مٌتحشرج:"حلفتك بالغالي ألا تقربها"
وكأنه لم يسمعها أو سمعها ولم يٌعير لكلماتها اهتماما
فخر جالسا على ركبتيه أمامها وأحكم قبضته على مقدمة جلبابها
ووضع السكين على رقبتها تماما كما يضعه على رقبة الشاة صبيحة يوم العيد فالتقت نظرته القاسية المتحجرة بنظرتها المذعورة المتألمة المترجية
وبين نظرته ونظرتها انطلقت أخيراً صرخة أم مٌلتاعة على فلذة كبدها
.............

كان صالح ويونس وهارون لازالوا بالمندرة الدماء تغلي في عروقهم وكل منهم يقترح عقاب شديد لمن انتهك حرمتهم حين سمعوا صرخة غالية المدوية ليسرع ثلاثتهم للداخل ليجدوا المشهد الأصعب عليهم جميعا، غالية تجلس على مقعدها وبين ساقيها تجلس يمنة على ركبتيها وأمامها يجلس زكريا يضع السكين على رقبتها التي طوقتها أمها بذراع من حديد والآخر أحاطت به صدر ابنتها واستقرت أناملها فوق موضع خافقها قائلة بحدة:"لتصل إلى رقبتها اقطع ذراعي أمك أولا "

وزكريا يصرخ:"ابعدي يديك أمي ودعيني أتخلص من عارها"
فتقول غالية باصرار وعناد:"على جثتي أن أترك ابنتي لك"
فأسرع ثلاثتهم اليه يجرونه جرا أما يمنة فما إن ابتعد عنها حتى سقطت رأسها على ركبتي أمها فأسرع هارون ليسعفها
...........
بعد نصف ساعة كانت يمنة قد استفاقت وتنام في غرفة أمها فأردف زكريا بعزم شديد:"انا لن انام الليل الا بعد أن اطمئن أن الأمر لم يتعدى ما رأيته"
قالت غالية بانفعال:"البنت أقسمت وأنا اطمأننت عليها بنفسي كما قلت لكم ماذا تريد؟"
سخر قائلا :"قالوا للسارق احلف قال جاءك الفرج"
فزرع الشك في قلوب إخوته ورغم قوة غالية المعروفة بها إلا أنها لم تستطع الوقوف أمام رغبة زكريا الذي لم ينتظر حتى عودة أبيه وصمم أن يأخذها عند طبيبة في المحافظة
.............
ليلة قاسية مرت عليهم جميعا وهم ينتقلون من البلدة إلى المحافظة في سيارة الأسرة ويمنة خائرة القوى في حالة صدمة تستند برأسها على كتف أمها وزكريا يتوعدها إن كان قد وقع المحظور فسيدفنها في الصحراء وهي تستمع إليه دون أى تعبير ،
طبيبة واثنتين وقعتا الكشف عليها والنتيجة واحدة انها تماما كما ولدتها أمها ولم يخدشها خدش

عاد عمران من سفرته وعرف ما حدث كاملا وأمر أبناؤه بأن يحضروا له أبو الوفا تحت قدميه ولكن الأخير كان كفص ملح ذاب في المياه ،كان يعرف ما سيحدث له فلم يظهر واختفى تماما

ظلت يمنة من يومها حبيسة البيت لم تبرحه وأصابها الاكتئاب خاصة من معاملة زكريا السيئة لها وسبه الدائم لها فرغم اقتناع الجميع انها ليست مذنبة وإن كانوا يُحملونها جزء من المسئولية بانسياقها خلفه إلا أن زكريا لم يقتنع على الاطلاق وقال لها بالنص:"أول من سيطرق بابك سأسعى جاهدا لتتزوجيه لنخلص منكِ"

ولم تمر إلا أشهر قليلة للغاية حتى كان محمود الرحماني يدق باب بيتهم خاطبا...
لم تكن يمنة قد تعافت بعد من أثر الصدمة ،صدمتها فيما حدث لها وصدمتها في أبو الوفا الذي لم تكن أيضا تعافت من حبه وحين اجتمع عمران مع زوجته وابناؤه للتشاور في أمر محمود الرحماني قال صالح :"صراحة شاب ممتاز يحفظ كتاب الله كاملا وليس على أخلاقه غبار"

وقال يونس:"هو إمكانياته وحالته المادية ليست عالية ولكنه للحق يُشرف أي بيت يدخله "

وقال هارون:"أنا أشعر بخشوع رهيب حين أصلي خلفه"

أما زكريا فأردف بحزم:"هو رجل جيد وهي آن أوان زواجها وليس من الجيد بقاءها يوم اضافي دون زواج فخير البر عاجله"

نظر عمران إلى غالية يستمع إلى رأيها فعادته أن يستمع إلى أبناؤه كلهم وزوجته قبل أن يقول رأيه فأردفت بفطنتها المعهودة:"كلامكم كله مضبوط ولكن نسألها أولا "

"نسال من !"قالها زكريا باستنكار
فأردف عمران :"شرع الله يقول أن نسألها"
فقال زكريا بنظرة خاصة:"ليس لها بقاء بالبيت بعد هذا أبي وإلا غمرت رؤوسنا في الوحل فمن يدري ألا يحاول الوغد أبو الوفا اغوائها ثانية"

تسرب القلق إلى عمران وأبناؤه رغما عنهم أما حين أخذ عمران رأي ابنته على مرأى من اخوتها أردفت وهي تلتصق بأبيها خوفا :"أنا لا أريد الزواج لا من محمود ولا من غيره"

فصاح فيها زكريا بغلظة:"لا تريدين الزواج وتريدين التسكع حتى تضعي رؤوسنا في الوحل ثم أردف لوالده محذرا:لا تريد الزواج حتى إن عاد في أي وقت هربت معه فمعروف طبعا أننا لن نقبل بنسب شخص مثله"

شد وجذب دار بين الجميع ما بين مؤيد لها ومعارض وفي النهاية أجمعوا أن يؤخروا الرد على محمود حتى يستقروا على رأي
وطوال الايام التي كانوا يتشاورون بها أحال زكريا حياة يمنة إلى جحيم مستعر،كان ينتهز فرصة عدم وجود أبيه ليسم بدنها ويذكرها بجرمها إلى أن وجدت أن البيت بعد فعلتها أصبح قطعة من الجحيم والجميع أصبح يشك فيها ولم تعد مصدر فخر وثقة فرضخت لضغوطهم ووافقت على مضض بالزواج الذي لم يكن به فترة خطبة بل زواج مباشرة
...........
"مبارك علينا يمنة"
قالها محمود الرحماني بصوت دافىء ونظرة حانية، ذاك الشاب ذو الخلق الدمث والوجه المليح المُريح حافظ كتاب الله تعالى
كانت تقف في حجرتها ببيتها الجديد البسيط الذي ساعد والدها في فرشه بالقدر الذي ارتضاه محمود ولم يرضى بأكثر منه

قالت يمنة التي كانت تتمنى بدأ حياة جديدة سعيدة مع الرجل الذي اختاره لها والدها واخوتها:"بارك الله فيك"

كان يقف أمامها طويلا بوجه سمح ينظر إليها بافتتان لا يصدق انها أصبحت ملك يمينه بعد أن كانت حُلما جميلا بعيدا لقد كان يراها اجمل بنات الأرض،نجمة بعيدة في السماء إلى أن أصبحت اليوم ملك يديه
اقترب منها فلم تبتعد ونالها برضاها فكان حنونا متفاهما مقدرا
...............
قضت يمنة في بيت محمود أشهر رأت منه حب ومعاملة حسنة ولكن المشكلة كانت بها لأنها لم تأخذ وقتها في نسيان ما حدث ولم تأخذ وقتها في فترة خطبة تتعرف فيها على محمود قبل الزواج ولم تٌخير كباقي البنات بل أٌجبرت بسبب حادثتها وكان محمود يشعر بأنها في واد غير واديه ،كانت تؤدي واجباتها الزوجية ولكن لم يشعر أن روحها وقلبها معه بل كانت دائما هائمة في دنيا أخرى وما أحال الحياة بينهما رغم حبه الشديد لها هو تأثره بفرق المستوى بينهما فهي كانت قد اعتادت على حياة بمستوى مرتفع في بيت أبيها وهو كان يحاول جاهدا أن تكون الحياة بمستوى لائق

كانت أمها ترسل لها باستمرار كل ما يحتاجه البيت وكان يرى محمود أن هذا الأمر غير لائق وبه اهانة له ومنعها من أن تقبل بذلك

وذات يوم حين دلف إلى بيته ورأى بالمطبخ مستلزمات كثيرة أردف ليمنة التي كانت تقف ترتب في الأغراض التي أرسلتها أمها:"ما هذا يمنة ألم أقل من قبل أنني لا أقبل بهذا"
ردت يمنى بهدوء:"ماذا أفعل أمي من ترسل"
عاتبها قائلا:"هل تشتكين لها لتفعل هذا؟"
قالت بصدق:"لا محمود لا أشتكي"
قال وكرامته التي لا تقبل بالمساعدة والاحساس بالتقصير توخزه:"أنا أحاول جاهدا يا ابنة الناس وبإذن الله الظروف ستتحسن مع الوقت اصبري قليلا"

ولم يكن صبرها على فرق المستوى فقط ما يقف بينهما ولكن حالتها التي سائت بعد أن وصلها خبر مقتل أبو الوفا خاصة ولم ينفي زكريا أنه من كان خلفها ولم يكن محمود غبيا ليعرف أن مشاعرها ليست معه رغم عدم اعترافها، فأمور المشاعر هذه يكفي فيها الإحساس وحب من جانبه تقابله بمشاعر عادية لم يكن هو مبتغاه فأدرك أخيرا رغم حبه لها أنها ليست معه، تكون معه جسد بلا روح فلم يكن هناك مفرا من الفراق الذي تم بمنتهى الهدوء والرقي من جهته وجهة عمران الحسيني

وحين وقع الطلاق جاء لمحمود عقد عمل بالخارج فقبله دون تردد رغبة في الابتعاد عن البلدة بعد طلاقهما وحالته النفسية السيئة ورغبة في تحسين وضعه المادي ولكنها كانت تذكرة ذهاب دون عودة
********
عادت يمنة من ذكرياتها التي غرقت فيها بعد أن قصت على معتصم كل شيء عدا بعض التفاصيل الصغيرة التي ربما تحرجها أمامه كأم لذلك فضلت دائما عدم الخوض معه في هذا الأمر مادام لا يخصه ونظرت في عيني ابنها المتسعتين وهو يجلس على المقعد المقابل لها ينظر في عينيها بعينين متسعتين ينصت لكل كلمة قالتها يتحرى صدقها ولم يشعر للحظة أنها كاذبة فأردف أخيرا بعد طول صمت:"أي أنكِ لم تري أبو الوفا هذا بعد زواجك؟"

قالت بسرعة:"لم تقع عليه عيني بعد أخر يوم حكيت لك عنه"
قال بنبرة مٌتعبة من طول اللهاث وضربات قلبه تتسارع وعينيه تشكيان لها لهفته وتيهه:"أي أنني ابن محمود الرحماني؟"

جرت دموعها على وجهها وتمتمت بحشرجة:"أقسم بالله العظيم ابن محمود الرحماني رحمه الله ،ابن حلال يا ولدي لا أعرف لم تشكك في هذا الأمر؟"

نزلت كلماتها على قلبه فغمرته بقليل من السكينة ولكنه رد مجادلا بنبرة المحقق الذي يجلس أمامه متهما:" لأنكِ كنتِ تريدين اجهاضي ولأنني سمعت حديث أخوالي الذي يؤكدون فيه أنكِ أخطأتِ لذلك قتل خالي زكريا أبوالوفا هذا فمن أدراني متى أخطأتِ قبل الزواج أم بعده"

جزت على أسنانها وأردفت بحدة وهي تنظر إلى زكريا نظرة حارقة:"أنا لم أخطىء أنا كنت مجني عليها ولكن لأن أخي نٌزِعت الرحمة من قلبه اعتبرني مٌخطأة ،عادت بعينيها إلى ابنها ولم يٓعُد هناك ما تخفيه فأردفت والضعف يمر بعينيها كسحابة عابرة :لن أنكر أنني أحببت أبوالوفا ولكني لم أٌجرم ،وجهت حديثها إلى صالح قائلة:ألم تحب أنت ليلة؟ ثم حولت نظرها إلى يونس قائلة:وأنت ألم تحب حليمة قبل الزواج ،أكملت وهي تنظر إلى هارون:وأنت ألم تختار ايمان وقلت هذه زوجتي ورفضت أي محاولات من أمي لتزويجك من هنا؟
بدت السخرية في نظرتها وصوتها وهي توجه حديثها إلى زكريا قائلة:ومن يحلل ويحرم على هواه ألم يكن يقف أمام بيت عمي سليمان لعامين حتى تزوج من نعمة؟احتدت نظرتها وأخرجت ما في قلبها قائلة بحدة:جئت عليّ أنا لتتهمني طوال العمر بالفسق والفجور لأنني أحببت ولم يكن لي ذنب في حادث قدر الله لي برحمته النجاة منه؟"

تركها الجميع تُخرج ما في نفسها وخاصة أمها التي تشعر بما عانته ابنتها في حياتها أما زكريا فلم يتحمل كلماتها فأردف بضجر:"وتتباهين بقلة حيائك !"

همت بالرد عليه فأردف معتصم لها وكل ما يهمه أن يحصل على كل معلومة تؤكد صدقها لا الانجراف خلف خلافات أخوية:"ولمٓ لم تقولي لأبي أنكِ حاملا بي "

أشاحت بوجهها بعيدا عن زكريا وأردفت وهي تنظر في عمق عيني ابنها بنظرة متعبة:"صدقني كنت وقتها أمر باكتئاب شديد لن أنكر أن وفاة أبوالوفا والطريقة الوحشية التي مات بها أثرت عليّ لفترة طويلة ولم أكن على استعداد لفعل أي شيء في الحياة ولكن ما إن تحسنت حالتي وهدأت حتى عاد إلى رشدي وكنت سأقول له لولا اختفاؤه وصدقني إن كان ظهر كنت أنا من سأطلب منه العودة من أجلك في المقام الأول ولكنه اختفى تماما بعد الحرب والجميع قالوا أنه مات "

أغمض معتصم عينيه وأخذ نفسا طويلا لا يعرف هل بالفعل هو يصدقها أم يريد أن يصدقها فقط ليرتاح فاشتعل في ذهنه تساؤل ففتح عينيه بسرعة قائلا بشك:"وماذا عن أقوال العربي التي أكد فيها أن أخاه قٌتِل لأنه تجاوز مع ابنة أحد العائلات الكبيرة؟ ثم نظر إلى زكريا قائلا:هل ما كان يقصده هو محاولة الاعتداء عليها؟"

زفر زكريا نفسا بصوت عال وأردف بما كتمه عن اخوته عمرا كاملا وقد شعر للحظة بالخوف من نظرات معتصم وتحقيقه معهم ...وتسائل في نفسه هل ممكن أن يٌجن الولد ويٌبلِغ عنه فقال بضجر:"لم أقتل أحد أنا أقسم بالله وبكتابه لم أمس أبو الوفا هذا أو أراه منذ حدث ما حدث"

التفتت جميع الأعين نحوه بحيرة وقال يونس مستفهما:"كيف؟ لا أفهم أنت لم تنفي مرة واحدة أنك من فعلتها "

قال زكريا بحرج وهو يتجنب تلاقي العيون ببعضها:"كنت سأجن وأفعلها بالفعل وأقسمت لكم أنني سأفعلها ما إن أجده ولكني لم أطله وبالصدفة البحتة عرفت أنه وقع في الخطيئة مع ابنة عرفة المناعي رحمه الله وحملت البنت بالفعل منه وهذا كان قبل موضوع يمنة وبالفعل من قتله رضوان ابن عرفة الأكبر حين استدرجه وقتله وحين عرفت هذا الأمر أمنني رضوان رحمه الله ألا أخبر أحد وحلفني على كتاب الله"

اندهش الجميع من هذه القصة التي يعرفونها لأول مرة وأردف صالح مستنكرا:"ومادام الأمر هكذا فلم قلت أنك من فعلتها ؟"

قال زكريا بعينين قاتمتين:"ربما لأنني كنت أتمنى أن أفعلها لأشفي غليلي"
قال يونس بدهشة وهو يربط الخيوط ببعضها لأول مرة:"ابنة عرفة هذه التي ماتت فجأة ولم يعرف أحد سبب وفاتها المفاجأة"

قال زكريا بقنوط:"قتلها رضوان وقتله وقتها ولم يعرف أحد بهذا الأمر الا أنا وكما قلت لكم صدفة عجيبة من جعلتني أعرف والعربي صمت لأنه لم يكن يستطيع أن يقف أمام المناعية فأين هو وأين هم إلى جانب أنه كان يقر بجٌرم أخيه "

كانت غالية تستمع بدهشة وعينين متسعتين لكل ما يقال وقد عادت بذهنها لسنوات صعبة مريرة فجلبت الذكريات عليها ألما حارقا
ويمنة كانت تستمع بأنفاس مُتهدجة فمعلومة ابنة عرفة هذه كانت جديدة عليها رغم مرور السنوات على الحادث

ومعتصم يحول نظره بين الجميع يقرأ العيون ليهتدي إلى الحقيقة كاملة ....
قال هارون بعدم فهم وقد ظهر الانزعاج على وجهه:"ولمٓ أوحيت إلينا جميعا بأنك من قتلته؟لا اقتنع صراحة بمبررك "

مط شفتيه وظهر على وجهه انفعالا مختلفا عن انفعالات زكريا الصارمة الحادة طوال الوقت ،لمحة تأثر مرت فتركت أثرها على ملامحه وهو يقول باضطراب:"كنت طوال الوقت أشعر أنني بلا قيمة ولم أقم بأي انجاز،نظر إلى صالح قائلا بمرارة:دائما كان أبي يشيد بصالح الذي يحذو حذوه في العمل إلى جانب أنه أخذ مؤهلا عاليا لم أستطع أنا أخذه ،حول نظره إلى هارون قائلا :والدكتور هارون الذي لم ينطق أبويه باسمه دون اللقب من أول عام له في كلية الطب فكانت نظرتهما له مختلفة "

نظر إلى أمه الصامتة والدموع متحجرة بعينيها وصمتها ليس ضعفا بل تعبا من طول الطريق مع ألم حاد في قلبها يجعلها تلتزم الصمت وأكمل:"أما يونس فلأنه كان دائما مريض فلم يكن أحد يحمله مسئولية أي شيء لا عمل ولا تعليم أما أنا فكنت الوحيد الذي تشعرونه أنه بلا قيمة"

قالت غالية بصوت مختنق:"انا يا زكريا كنت أفعل ذلك معك أم انك من كنت لا تحب الدراسة واخترت العمل من صغرك؟"
قال بأسف:"حتى لو لم تكوني تقولينها صريحة فنبرة الاعتزاز ونظرة الاعجاب للباقين كانت تفي بالغرض"
قال يونس باستياء وهو لا يستطع التصديق:"دائما بالفعل كنت تغار من نجاح الجميع رغم أنك لم يمنعك احد من اكمال دراستك أنت من تركتها عمدا ولكن ماعلاقة ذلك بأن تورط نفسك في جريمة قتل؟"

قال زكريا دون مواربة وقد أصبحت الأوراق كلها أمام الجميع ولا يوجد شيء ليخفيه:"ربما أردت أن يشعر أبي بالفخر بي وأنني فعلت ما لم يفعله أحد المتعلمين أرباب المدارس والجامعات والشهادات العليا ،مط شفتيه مُكملا :ربما أردت الشعور بالتميز في عيونكم وأن تكون لي مكانة أعلى "

ضرب صالح كفا بكف وهو يكتشف في ابن أبيه وأمه كل يوم أشياء كأنه لم يعش معه عمرا ولم يعاشره

أما يمنة فلم يكن يهمها مما يُقال شيء،كانت تشعر بالأسف أن يظن ابنها فيها ما ظنه فأردفت لزكريا بنظرة حادة :"ولكني لا أسامحك زكريا على ما فعلته بي عمرا كاملا أنت ظلمتني وآذيتني وجعلتني أكره الحياة في بيت أبي مرتين مرة بعد حادثة أبوالوفا وتسببت في تسريع زواجي من محمود فظٌلِم معي دون أن أقصد والمرة الثانية حين أصريت على زواجي من راشد وملئت أذني أبي بأنني لابد لي من الزواج وأشعرتني أنني سأحملكم العار ببقائي دون زواج "

قال زكريا وقد استعاد لهجته الساخرة :"أنا فعلت كل هذا وأنتِ مظلومة"
ذكرته بكلماته المسمومة وأفعاله البشعة وكلماته ترن في أذنيها كأنها كانت بالأمس
..........

بعد ولادة يمنة وانقطاع أخبار محمود
توفت زوجة راشد ابن عمهم وهي تلد مولودها الثاني وكان راشد بحاجة لزوجة ثانية فطلب يمنة من زكريا الذي أسرع لوالده ولن تنسى يمنة هذا اليوم على الاطلاق
جلس زكريا بجوار أبيه قائلا:"راشد أبي يطلب يمنة للزواج ما رأيك؟"
قال عمران الذي بدأ الشعر الابيض يغزو رأسه وكان في أوج قوته:"راشد ابن أخي ليس لدي اعتراض عليه ولكن نشاور البنت "
وحين طلب عمران يمنة في حضور أمها جلست الأولى وعلى ذراعيها معتصم الذي كان ابن عامين وأردف:"راشد يريدك للزواج يمنة"

احتقن وجهها وأردفت:"لا أريد الزواج أبي "
فقال زكريا ساخرا:"تريدين ماذا إذن ؟"
تنهدت قائلة:"أريد التفرغ لتربية ابني"
اعترض زكريا قائلا:"ومنذ متى تبقى نساء لتربية أولاد هل ستعيشين عمرك لتربية الولد "
قالت دون تفكير :"ولم لا ؟"
تدخلت غالية قائلة بقلب الأم واحساسها بالمسئولية تجاه ابنتها:"أنتِ لازلتِ في بداية حياتك ياابنتي وأنا لا أرضى لكِ هذا ولن نعيش العمر كله لكِ أنا وأبوكِ لابد أن تكوني أسرة ويكون لكِ زوج "
قالت برفض وهي تمسد على ظهر الصغير:"لا أريد أمي"
فرد زكريا الذي تحركه نظرية المؤامرة طوال الوقت وهو يوجه حديثه لأبيه بنظرة خاصة:"تتذكر بالطبع أبي ما أقدمت عليه وهي لاتزال بنت بنوت فهل سنتركها بلا زواج وقد سبق لها الزواج ؟"
في عرفهم لا تبقى البنت دون زواج من أجل تربية ابن من زواج سابق بل تتركه في بيت أهلها لتتزوج وتبدأ حياة جديدة
رفضت يمنة في البداية رفضا قاطعا ولكن الجميع أجمع على أنها سبق لها الزواج وفي كل الأحوال لن يأتيها إلا مطلق أو أرمل فكان راشد فرصة جيدة بالنسبة لهم خاصة وهو ابن عمهم وتحت طوعهم أفضل من الغريب
وحين سالت دموعها قائلة لأمها:"ومعتصم أمي لا أستطيع الاستغناء عنه"
قالت غالية بنظرة حنون :"معتصم في عيني يا ابنتي ولكننا لن نقبل أن ينشأ في بيت غريب عنا حتى لو كان بيت ابن عمك ،أشارت إلى البيت قائلة:هنا سيكون بيته أما هناك سيكون ضيفا ونحن لا نقبل له يا ابنتي أن ينشأ ضيفا لا صاحب بيت "
.......

حين سمع معتصم هذا الجزء الذي يخص طفولته أغمض عينيه وقد بلغ تأثره أقصاه فارتجف خافقه حين رأى دموع تأثرها تسيل على وجهها أما يمنة فشعرت بالدموع تخنقها وفيض الذكريات يمزقها وهي تستقيم وتواجه زكريا تشير له بأصابع الاتهام :"جميعكم كنتم السبب فيما عانيته في حياتي ولكنك على وجه التحديد كان تأثيرك الأسوء"

شعر بالضجر من كلماتها الموبخة منذ بداية الجلسة وهو لم يعتاد منها على ذلك ،كانت دائما تتجنبه أما الآن فشعر بها كمن تٌخرِج كل ما بداخلها من غل وغضب فاستقام واقفا وأردف ببرود يتنافى مع حالة تأثره التي كان عليها منذ دقائق وهو يبوح بما في قلبه تجاه اخوته :"وأنا لست نادما على أي شىء فعلته قديما أم أنكِ كنتِ تريدين أن نترك لكِ الحبل على الغارب؟ وإن أعاد التاريخ نفسه سأفعل نفس ما فعلته وإن فعلتي أي شيء خاطيء وأنتِ في سنك هذا أنا من سأكسر رأسك "

همت بالرد عليه ردا لاذعا ولكن في لمح البصر كان معتصم الذي يجلس قبالتها يستقيم ليقف أمامها بينها وبين زكريا فيقول بصوت صلب ونظرة قاتمة وهو يضع ذراعه أمام أمه:"ومن الذي سيدعك تكسر رأسها؟"

لم تكن يمنة تهاب زكريا في هذه اللحظة وقد انفك قيد لسانها وأخرجت كل ما كانت تكتمه لسنواتِ ولكن حركة معتصم الحمائية أصابت قلبها مباشرة وسالت دموعها ولكن ليست دموع قهر أو حزن ولكن دموع تأثر بحمائيته ودفاعه عنها فلامست ذراعه بكفيها وأخذت أنفاسها حين لم يبتعد عنها كعادته بل ظل واقفا يواجه خاله في الوقت الذي أردفت غالية بحزم وإن كان صوتها خافتا قليلا :"اجلس يا زكريا كفاك سوء تصرف اجلس"

فجلس زكريا الذي لأول مرة يجد معتصم بهذه الحالة وتعجب من ردة فعله فأردفت غالية بتأثر لمعتصم الذي لا يزال يقف أمام أمه:"هل ارتحت حين عرفت الماضي كله؟ لم نكن نحب أن يصلك عن أمك شيء سيء لذلك أخفينا هذا الجزء خاصة أنه لم يكن يخصك فيه شيء ،قلتها لك يا بني قديما انت ابن حلال وإن لم تكن ابن حلال لم تكن لا أنت ولا هي بيننا الآن ...أخذت نفسا عميقا واخرجته ببطء واكملت: يمنة لم تخطىء ولم تتعمد تركك قديما بل أنا من تمسكت بوجودك معي لتنشأ صاحب بيت لا ضيف ولكني لم أتخيل أن يؤثر عليك هذا الأمر بالسلب...ارتجفت شفتيها وهي تضع راحتها فوق صدرها قائلة:ربما كنت أنانية قليلا في تمسكي بك ولكن يعلم الله أنني لم افعلها إلا حبا فيك ،حبا وضعه الله في قلبي منذ أن وقعت عيني عليك ولم ارضى لك أقل من أن تُربى في حضني وتحت رعاية جدك عمران،
اقتنعت يا معتصم وصدقت أنك ابن حلال أم ستبحث وتنقب من جديد؟"

صمت قليلا يحول نظره بينها وبين يمنة التي تقف خلفه، بين أم أنجبت وأم ربت ثم أومأ لها برأسه بعينين داميتين وتعب أكثر من شهر مضى يحل عليه فجأة وألم في عضلاته كلها يداهمه وقد وضحت الحقيقة كلها أمام عينيه وضوح الشمس

ولى جدته وأخواله ظهره فكانت يمنة أمامه فربت على كتفها قائلا بصوت مبحوح :"تمام ينتظرك بالمندرة حتى تعودي معه "

لامست أنامله مشددة على كفه وهي تبحث في عينيه عن نظرة تفتقدها منذ زمن وخٌيل إليها أنها لمحت طيفها ولكن التعب الذي حل عليه بعد طول البحث والترحال جعل جفونه تنغلق تلقائيا وابتعد ليفتح الباب خارجا وما إن فتحه حتى وجد عنان أمامه وجهها شديد الاحمرار والدموع تٌغرِق عينيها فانفرجت شفتيه عن شبه ابتسامة وأردف محاولا التهكم:"لا تملين أنتِ ولا تقتنعين بأي مبررات مادامت لا تقنعك "

لامست كفيه بأناملها الدافئة فبعثت في جسده البارد دفئا هو في أشد الحاجة له ولم تستطع النطق وقد غص حلقها بحشرجة البكاء واحمرت عيناها من دموعها التي ذرفتها مما سمعته وخاصة حين عرفت بصراعاته التي كان يدور في فلكها الأيام الطويلة الماضية وحين سمعت صوته الذي كان يُقطِر ألما وحيرة وتيه

شدد على كفيها بأنامله وأردف وهو يكاد لا يرى أمامه :"عنان أريد أن أنام بشدة لي أكثر من شهر لم أذق طعم النوم"

نهاية الفصل


Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-01-22, 07:39 PM   #1580

sunsat
 
الصورة الرمزية sunsat

? العضوٌ??? » 153769
?  التسِجيلٌ » Jan 2011
? مشَارَ?اتْي » 856
?  نُقآطِيْ » sunsat has a reputation beyond reputesunsat has a reputation beyond reputesunsat has a reputation beyond reputesunsat has a reputation beyond reputesunsat has a reputation beyond reputesunsat has a reputation beyond reputesunsat has a reputation beyond reputesunsat has a reputation beyond reputesunsat has a reputation beyond reputesunsat has a reputation beyond reputesunsat has a reputation beyond repute
افتراضي

الف شكر على الرواية

sunsat غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:37 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.