آخر 10 مشاركات
معذبتي الحمراء (151) للكاتبة: Kim Lawrence *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          409 - غدا لن ننسى - تريزا ساوثويك (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          عمل غير منتهي (85) للكاتبة : Amy J. Fetzer .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          في محراب العشق "مميزة","مكتملة" (الكاتـب : blue me - )           »          في أروقة القلب، إلى أين تسيرين؟ (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          تبكيك أوراق الخريف (4) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          روايتي "حمل الزهور ألي كيف أردهُ؟ وصبايا مرسوم على شفتيه" * مكتملة ومميزة * (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          1032- رجل صعب - كاي غريغوري -عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          1031 - الأمان في الحب - ساندرا فيلد -عبير دار نحاس* (الكاتـب : Just Faith - )           »          بركة الدار - (96)نوفيلا- بين جنون العشق وجبروت القدر - سما صافية*مميزة*كاملة&الرابط* (الكاتـب : سما صافية - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree103Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-06-21, 05:21 PM   #61

Wafaa elmasry

? العضوٌ??? » 427078
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 233
?  نُقآطِيْ » Wafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond repute
افتراضي


رواية جميلة و مشوقة و الأسلوب رائع
بالتوفيق


Wafaa elmasry غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-06-21, 10:25 PM   #62

Hager Haleem

كاتبة قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Hager Haleem

? العضوٌ??? » 359482
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,301
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Hager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل التاسع والعشرون

( ثم اهدني بداية لا نهاية لها )
******
( بعد مرور اسبوع )
أنهت لقاء دوامها الدراسي بعقل مشتت ثم خرجت من بوابة المدرسة بعينين غائرتين لا ترى بهما شيئًا غير خيالات لا قيمة لها ..
أصوات متداخلة حولها ذكرتها بما حدث قبل اسبوع مضى ..
حين تناهى إلى سمعها نفس الضوضاء تقريبًا وإن اختلفت المواقف ..
حين ظنت أنها فقده للأبد .. !
ما زالت آثار صدمتها تؤثر عليها .. فأحيانًا تنهض ليلًا مفزوعة بعد كابوس مروع تراه فيه مضرجًا بدمائه على قارعة الطريق بمفرده ..
واحيانًا أخرى تشرد في وضعه والخبر الذي سيتلقاه فور أن يفتح عيناه لتستفيق من شرودها على ألم رهيب فتكتشف أنها اسالت سائل ساخن على أصابعها ..
و أحيانًا تبحث عن ابنته بعينيها بين الاطفال رغم يقينها بتغيبها هذه الفترة .
وقفت أمام سيارتها تزفر بضعف ورغمًا عنها وكأن عقلها مازال لا يستوعب أنه لن يأتي التفتت حولها تبحث عن وجوده لكن الوحشة التي طالت كل ما يحيط بها صفعتها من جديد علها تصدق أنه الآن بين الحياة والموت بمفرده تمامًا وأنها لا تملك أي حق في البقاء حوله كيفما تريد .. !
انطلقت لقاء بسيارتها ليرن هاتفها برقم والدها فاستقبلت المكالمة بصوت حاولت جعله مرحًا وكأنها بذلك تخدعه :
" مأمون باشا ... هل افتقدتني ؟!! "
لكن نبرتها المختنقة فضحتها عنده فهمهم والدها بصوت هادئ :
" أنهيتِ دوامك ؟!! "
زفرت لقاء مدركةً أن الأمر لم ينطلي عليه ثم همهمت بصوت لم تعد تبالي بنبرة الحزن التي ترن فيه :
" أجل يا ابي "
صمت مأمون قليلًا ثم قال بتقرير :
" والآن أنتِ في طريقك إليه بالطبع "
صمتت لقاء لبعض الوقت ثم غمغمت بصوت خافت :
" لا يصح تركه بمفرده يا أبي بعد أن حدث له ذلك بسببي "
كز مأمون على أسنانه ثم قال بعدم اقتناع :
" ألم نجد زملائه حوله في كل مرة ذهبنا فيها لزيارته ؟!! "
" لكن لا أحد من عائلته حوله ، كما أنني....... "
صمتت تبتلع غصتها فحثها مأمون أن تكمل حديثها لتهمهم بصوت متحشرج :
" أريد أن أكون بجواره حينما يعلم بأمر والدته "
استغفر مأمون بعدم رضا من تصرفاتها ثم قال بصوت غاضب :
" وجودك هناك لا يصح ... لما لا تفهمين ؟!! "
ظهرت رغبتها في البكاء جلية في صوتها وهي تتمتم بحلق مختنق :
" ارجوك يا أبي .. اتركني أرد له دينه ، لقد فعلوا به ذلك بسببي "
زفر مأمون بغضب ثم قال بعصبية قبل أن يغلق الهاتف بوجهها :
" أنت ِ حرة .. افعلي ما تريدين "
تركت لقاء الهاتف ومسحت وجهها الذي سالت عليه دموعها ثم ظلت تستغفر طوال الطريق حتى يفك الله كربهما لتصف السيارة أمام المستشفى بعد دقائق طويلة .
تذكرت ذلك اليوم الذي هاتفها فيه ليودعها وكيف انتفض كل عصب فيها برعب لم تجربه من قبل ..
تذكرت صرختها باسمه و التي خرجت من عمق روحها ثم هاتفها الذي سقط منها بعد أن ظنت أنه هو من توفي لتمر عليها دقائق هي من أطول ما يكون .. !
أربعون دقيقة أو أكثر قضتهم منهارة على الأرض تحدق أمامها بعينين فارقهم بريقهما ولم تفارقهم الدموع ..
قلبها ينتفض داخل صدرها وكأنه يصرخ بدوره قهرًا على من فارقه ..
أذنها يسكنها طنين لا يفارقها ورعشة برد تمر بطول عمودها الفقري ولا تفارقه وكأنها تعيش نفس اللحظة مرارًا دون توقف ..
حتى هاتفها الذي أضاء وقتها برقم غريب لم تراه الا بعد وقت فأمسكته تحدق فيه كأنه آلة غريبة عنها ثم تركته يسقط من بين أصابعها من جديد ووجهها لا يعلوه إلا الصدمة .. !
ومن جديد يرن هاتفها بنفس الرقم .. مرة وراء مرة وراء أخرى إلى أن استقبلت المكالمة بأصابع مهتزة تضعه على أذنها دون أن تجد الطاقة حتى تنطق بحرف واحد ليأتيها صوت أنثوي تخبرها صاحبته بنبرة عملية أنها ممرضة في مستشفى ما وأن السيد معتصم تم نقله إليهم بعد تعرضه لحادث مروري وأنها الرقم الأخير الذي اتصل به .
وقتها لم تستطع إلا أن تتفوه بسؤال توقفت عليه حياتها فخرجت نبرتها مهتزة متوسلة :
" هل هو حي ؟!! "
فتجيبها الممرضة باستفاضة :
" أجل سيدتي وهو الآن داخل غرفة العمليات ، الحادث كان صعب وتضمن أكثر من سيارة منهم واحدة توفي صاحبها على الفور "
لم تشعر لقاء بنفسها الا وهي تبكي بانهيار شديد ..
تبكي كما لم تبكي أبدًا بعد أن عايشت فكرة رحيله عن هذا العالم لساعة واحدة جعلتها تفقد روحها وراءه حرفيًا ليأتيها صوت الممرضة من جديد وهي تتمتم بصوت مشفق :
" تمالكي نفسك قليلاً سيدتي .. العنوان هو....... "
سمعت لقاء العنوان بذهن غائب ثم نهضت من جلستها بصعوبة بعد أن خذلتها أعصاب ساقها أكثر من مرة فسقطت لتتحرك نحو غرفتها بعينين مغرقتين بدموعها ثم ترتدي اول ما وجدته أمامها وتطير إليه حرفيًا وقلبها يضرب في صدرها بكل قوته فلا تميز كيف قادت سيارتها ولا كيف وصلت إلى المستشفى ولا كيف علمت بمكانه .. !
كل ما ميزته كان صوت الطبيب الذي أسعفه يخبرها بأنه أصيب إصابات بالغة في رأسه و بطنه نزف على إثرهما الكثير من الدماء وأنهم لن يستطيعون اعطائها تشخيص حالته النهائي إلا حينما يستفيق .
وها هي تنتظر استفاقته منذ أسبوع تأتي إليه يوميًا مرة بعلم والدها ومرة من خلف ظهره ..
تأتي ولا تفعل شيئًا سوى جلوسها جواره فتخبره كل ما يمر بيومها من أحداث ..
تتحدث معه عن ابنته التي تنتظر عودته بدورها بعد أن كذبوا عليها فاخبروها عن سفرة وهمية خرجت لوالدها فجأة ..
وتتجنب ذكر والدته التي ما أن وصل إليها الخبر حتى سقطت مغشي عليها ثم قضت بعدها أربعة أيام في المستشفى ليعلن في النهاية قلبها العليل عن استسلامه فتتوفى وتترك الصغيرة في رعاية جدتها لأمها خالة و حماة معتصم السابقة التي رأتها لقاء مرة أو مرتين منذ أن أتت إلى هنا .
دلفت لقاء إلى غرفته فوجدته على حاله كما تركته بالأمس فتحركت تجلس على مقعدها اليومي الذي يلتصق بفراشه ثم أمسكت بكفه هامسة له بصوت خافت كما تفعل كل يوم :
" مرحبًا .. هل استفقدتني ؟!! "
ثم بدأت بعدها بسرد احداث يومها إليه كما دأبت أن تفعل لتحثه على الاستيقاظ بين كل جملة وأخرى .
****
( في بيت الغانم )
وقف صخر يغمغم بصوت غاضب :
" انا لا ينفعني هذا الكلام ... لقد اتفقنا أنني سأصحبك معي فور انتهاء ترميم المنزل "
زفرت رغدة بقنوط ثم قالت :
" وانا أخبرتك أننا لا نزال في حاجة إلى بعض الوقت قبل أن نعود إلى بعضنا "
لتعود وتستطرد محاولة إقناعه بوجهة نظرها بصوت هادئ سيصيبه بالجلطة عما قريب :
" أنت قلت أننا لم نحظى بفترة خطبة وتعارف طبيعية كما الآخرين وهذا هو سبب شجارنا المستمر وتصادمنا لذا أنا أرى أن نتعامل كخطيبين لفترة حتى تأخذ الأمور مجراها الطبيعي "
تخصر لها صخر ثم قال متهكمًا بغضب :
" وماذا أيضًا يا ست شادية ؟!! .. الا تريدين ( رنجة ) أيضًا ؟!! "
زفرت رغدة بضيق ثم اشاحت بوجهها عنه فيما تغمغم :
" توقف عن السخرية مني "
تقبض صخر قائلًا بأعصاب على الحافة :
" هذا اقل واجب حين تخبريني بكل عته أن نتعامل كخطيبين .. انا زوجك بحق الله "
كادت رغدة أن تتحدث لكن صخر تمتم بتهديد من بين أسنانه وهو يلمح دخول جاسم وزوجته من باب المنزل :
" انا لففت حول نفسي طوال الأسبوع الماضي حتى انهي أمر المنزل بسرعة من اجلك أنتِ وامي لذا الآن ستنهضين وترتدين ملابسك ثم تعودين معي كأي زوجة محترمة و دون نقاش "
صمتت رغدة بعدم رضا ثم آثرت الصمت حين رحبت وصال بصخر بينما مال جاسم يقبلها ويسألها عن حال ذراعها باستفسار مبالغ فيه مثل كل مرة يرى فيها صخر فردت على أسئلته بصبر لتأتي الطامة الكبرى على رأسها بظهور بكر وادم اللذان كانا يضحكان بصخب على شيء ما ثم انتبها سويًا لوجود صخر فرحبا به ثم التفتا إليها قائلين بنبرة مشاكسة في صوت واحد وكأنهما توأم ملتصق :
" عنزتنا .... كيف الحال ؟!! "
نظرت لهما رغدة بشر ولم ترد عليهما ثم اشاحت بوجهها عنهما ليعض صخر شفتيه بغضب لمحته رغدة فنهضت تهمهم وهي تسحب زوجها معها قبل أن يضربهما معًا :
" تعال لنكمل حديثنا في الداخل "
وبالفعل اختفيا وراء باب غرفتها بينما قال جاسم بتحذير لكلًا من بكر وادم :
" لا تدعواها بالعنزة أمامه من جديد "
نظر بكر لادم متصنعًا الدهشة سائلًا باستخفاف :
" هل دعوتها بالعنزة يا ولد ؟!! "
فيرد عليه آدم بنفس النبرة والصدمة :
" لا لم افعل .. ماذا عنك ؟!! "
هز بكر رأسه نفيًا ثم سأله من جديد :
" لا ... ماذا عنك ؟!! "
بدوره هز ادم رأسه ينفي الأمر ليسأل بكر وصال التي تراقبهم مبتسمة :
" هل سمعتينا نقول عنزة يا رويتر ؟!! "
هزت وصال رأسها نفيًا ضاحكةً على ملامح زوجها المغتاظة ليتمتم ادم موجهًا حديثه إلى جاسم :
" برأيي المتواضع يجب أن تتابع حالتك مع طبيب انف واذن "
فيرد عليه جاسم بصوت عدائي مضحك وهو يتركهم ويصعد إلى جناحه :
" برأيي انا اغرب عن وجهي حتى لا اجعلك تتابع حالتك مع طبيب عظام "
كتم الثلاثة ضحكاتهم وهم يراقبون خطواته الغاضبة ليتوقف مرة واحدة ويلتفت قائلًا لوصال بعصبية :
" لما لم تأتي ؟!! "
فتهرول وصال ورائه قائلة بطاعة زائفة :
" ها أنا ذا .. هيا يا حبيبي "
راقبهم الثنائي المشاكس ضاحكين ليغمغم بكر وهو يشير برأسه نحو غرفة بعينها :
" تعال لأهزمك في جولة جديدة "
فيرقص له ادم كتفيه مقلدًا صوت وصال وهو يقول :
" هيا يا حبيبي "
*****
( في غرفة رغدة )
" هل لكِ أن تخبريني ما نهاية هذا الدلال ؟!! "
غمغم بها صخر بملامح ضائقة فدافعت رغدة عن نفسها هاتفة :
" انا لا اتدلل "
لتقطب بعدها ثم تهتف بعصبية مفاجئة :
" ثانية واحدة ، وحتى إن كنت اتدلل .. ماذا فيها ؟!! ... ألا يحق لي الدلال ؟!! "
رفع صخر حاجبيه مصدومًا ثم رد عليها بعصبية مماثلة :
" ومتى منعت عنكِ الدلال ؟!! .. عودي إلى بيتك وتدللي هناك كما تشائين "
كادت رغدة أن تتحدث لكنه قاطعها قائلاً من بين أسنانه بتهديد :
" رغدة .. احزمي امتعتك حتى لا نفتعل مشهد أمام عائلتك أنت ِ في غنى عنه "
رفعت رغدة حاجبًا مستهجنًا ثم نهضت تقترب منه بخطوات غاضبة و تسأله بتحفز :
" هل تهددني ؟!! "
فيقترب بدوره هاتفًا باستفزاز :
" أجل اهددك ، إن لم تعقلي سترين مني وجهًا آخر لن يعجبك أبدًا "
ابتسمت رغدة بتهكم ثم غمغمت باستهزاء وكأنها قد جنت :
" ماذا ستفعل ؟! .. انت لا تجيد سوى التهديد "
اتسعت عينا صخر بجنون ثم مال مرة واحدة وحملها على كتفه قائلًا بصوت غاضب وهو يتحرك نحو الباب :
" انا المخطئ لأنني اتناقش معكِ .. أنت ِ لا تؤخذين إلا هكذا ، ومن سيحاول التدخل سأضربه وأولهم اخيكِ وسأريكِ أنني اجيد أكثر من إطلاق التهديدات الفارغة بكثير "
صرخت رغدة برعب حينما وجدت نفسها ترتفع عن الأرض ثم تُقلب رأسها في الاتجاه الآخر فأمسكت بحافة الخزانة وهتفت باستجداء :
" لا يا صخر هل جننت ؟!! .. أرجوك لا تخرج بي هكذا سيكن منظرنا بشعًا أمام الجميع ، ارجوك أنا آسفة .. والله أنا آسفة .. انزلني بالله عليك يا صخر "
توقف صخر في اللحظة الأخيرة ثم لفها بشكل افعواني وانزلها بشكل مفاجئ ليهاجمها الدوار فتتسع عيناه بقلق حين ترنحت أمامه ويمسك بها قائلاً بصوت ملهوف حين لاحظ شحوب وجهها المفاجئ :
" ما هذا ؟!! ... ماذا حدث لكِ ؟!! "
وكان ردها أنها أبعدته بحدة ثم تحركت بسرعة نحو المرحاض لتفرغ كل ما في جوفها أمام عينيه المتسعتين بقلق بالغ ليهرول ورائها ويدعم جسدها الضعيف قبل أن تنهار أرضًا ثم يبعد خصلاتها عن وجهها ويغسله لها بماء بارد وهو يهمهم بصوت مخطوف :
" ماذا بكِ حبيبتي ؟!! .. هل بردت معدتك ؟!! "
تنفست رغدة بإرهاق شديد واستندت على جسده بتعب واضح فحملها صخر وعاد بها إلى الغرفة ليضعها فوق الفراش بخفة فيما يتمتم بقلق شديد :
" سأطلب لكِ طبيب في الحال "
ثم يعود ويستطرد وكأنه تذكر :
" أليس ابن عمتك ذاك طبيب ؟!! ... سأدعوه ليفحصك أو لنذهب إلى المستشفى "
ارتفع حاجبي رغدة من مبالغته ثم ربتت على ذقنه هامسة بصوت خافت :
" انا بخير لا تقلق "
هز صخر رأسه بعدم رضا ثم تمتم :
" لستِ بخير على الاطلاق "
ليعود و يستطرد بأمر لا نقاش فيه :
" ستعودين معي الآن حتى اهتم بكِ انا كما يجب "
كادت رغدة أن تتحدث فقاطعها بنبرة حازمة :
" لا تحاولي ، لن أتركك بمفردك في هذه الحالة أبدًا "
نكست رغدة رأسها بيأس فاقترب منها وجلس على طرف الفراش جوارها يرتب لها خصلات شعرها بحنان فيما يسألها بنبرة مهادنة :
" ما الذي يقلقك يا هريرة ؟!! .. صارحيني "
زفرت رغدة ثم همهمت بصوت يكاد يُسمع :
" نحن لا نتفق أبدًا "
ابتسم لها صخر بحنان ثم تمتم مشاكسًا بخفة :
" أبدًا .. أبدًا ؟!! "
ثم يستطرد بصوت هادئ :
" وما المشكلة إذا لم نتفق على بعض الأمور ؟!! .. مرة تتنازلين أنت ِ ومرة أتنازل أنا والمركب تسير "
نظرت له رغدة فسألها بخفة :
" ألا تحبينني يا هريرة ؟!! "
اومأت بلا تردد فابتسم وأمسك بكفها هامسًا :
" إذًا حجر الأساس الذي سنبني عليه حياتنا موجود وهذا اهم شيء "
رفع كفها الممسك به فيقبل باطنه مهمهمًا بإغواء :
" ألم تشتاقي لي ؟!! "
توردت رغدة وتشتت نظراتها وهو يقبل باطن كفها بحميمية لكنه أعاد وجهها إليه بكفه الآخر يجبرها على رؤيته فهمهمت بإسمه ترجوه أن يتوقف فغمغم صخر ببؤس زائف :
" أعلم أنك ِ غاضبة مني وانا أريد مصالحتك بشكل مثالي لكنني لن أقوى على فعل ذلك هنا كما أن أمي تنتظر عودتك بفارغ الصبر .. لقد اشتاقت إليك ِ كثيرًا ، ألم تشتاقي إليها ؟!! "
زفرت رغدة باستسلام وهمست معترفة :
" اشتقت لها جدًا ... لم أحدثها منذ يومين "
تصنع صخر الأسف وأكمل دوره :
" على الأغلب أخذت على خاطرها منكِ "
همهمت رغدة ببراءة وقد انطلى عليها الأمر :
" هل تظن ذلك ؟!!! "
اومئ صخر دون تردد فغمغمت رغدة بصوت متأثر :
" حسنًا سأعود معك "
كتم صخر زفرة ارتياح كادت أن تغافله وتخرج منه لكنها استطردت بعد ذلك بنبرة جادة :
" لكن لدي عدة شروط ولن اتراجع عنها "
أولاها صخر اهتمامه متصنعًا ابتسامة كانت تبدو أقرب لتشنج عضلي في ملامح وجهه ورغمًا عنه يلتزم الصمت والصبر مخبرًا نفسه بلا توقف أنه الكبير العاقل وعليه أن يستمع إليها اولًا قبل أن يجهز عليها تمامًا ويرضي ميوله الإجرامية .
******
يقف مستندًا على سيارته وابتسامته تتسع مع كل خطوة تخطوها نحوه ..
ليتها تعلم كم هو فخور بها .. !
ليته يستطيع أن يصف لها مدى سعادته بتلك الخطوة التي خطتها أخيرًا بعد تأخر سنوات .. !
حرير جنته ستعود أخيرًا كما كانت ..
ستتخلص تدريجيًا من كل شوائب الماضي وكل ما يؤثر عليهما بالسلب ..
لمعت عيناه حين تذكر تلك اللحظة التي أخبرته فيها برغبتها في المتابعة مع معالجة نفسية ..
ضحك بخفوت حين تذكر صدمته لأنها استمعت إليه أخيرًا ثم ابتسامته التي تحولت لضحكة فرحة وهو يضمها إليه مغمغمًا بالكثير من الكلمات التشجيعية ووعده لها بأنه سيحجز لها عند افضل طبيبة في اسرع وقت وبالفعل لم يكد يمر أسبوع على حديثهما إلا وقد أوفى بوعده لها خوفًا من أن تتراجع عن الأمر .
لمح على وجهها آثار انفعال وبكاء فتقلصت ابتسامته واقترب منها بسرعة متمتمًا بقلق :
" ماذا بكِ حبيبتي ؟!! "
هزت سندس رأسها بلا شيء وغمغمت بحلق مختنق وكأنها تقبع تحت ثُقل شديد :
" انا بخير لا تقلق "
اعتلى الاستهجان وجهه لكنها لم تلاحظ الأمر وهي تستطرد بخفوت شديد :
" الطبيبة تقول أن هذا الأمر طبيعي في الجلسات الأولى لأنني اتحدث عن الأمر لأول مرة جهرًا "
نظر لها بِشر بإشفاق للحظات مدركًا ما تمر به فربت على شعرها عدة مرات قائلاً بتشجيع :
" أنتِ اقوى بكثير من كل ذلك ، سيمر الأمر وسترين "
ابتسمت له سندس ابتسامة حزينة شاردة فغمغم بِشر وهو يسحبها معه نحو سيارته :
" ما رأيكِ بنزهة في أي مكان تختارينه ؟!! ... أنا اليوم متفرغ لكِ تمامًا "
هزت سندس رأسها رفضًا ثم قالت بإرهاق :
" دعها ليوم آخر .. انا متعبة "
قطب بِشر ثم همهم بعدم رضا :
" ليتني لم أنصت لكِ وحضرت معك الجلسة رغم رفضك للأمر "
ابتسمت سندس دون رد ثم ركبت السيارة جواره فبدأ بِشر يثرثر لها عما مر في يومه بينما شردت هي تمامًا فيما دار بينها وبين الطبيبة ..
تتذكر كيف انهارت في البكاء وهي تتحدث عن لحظة استفاقتها في المستشفى و إدراكها لما خسرته ..
تتذكر لمسها الهستيري لموضع ساقها الفارغ وانكارها الشديد للأمر ..
تتذكر صراخها الذي لم يتوقف للحظة وهي تقرأ حقيقة ما تعرضت له في أعين من حولها ..
تتذكر بحثها عن عينيه وسط العيون ليلطمها واقعها بأنها هي من طردته من عالمها فاختفى عن عينيها دون أن تختفي مخالب خيانته عن قلبها !
ظلت تبكي وتبكي والطبيبة تركتها تفضي بما تريد وتحتفظ بما تريد دون أن تفرض عليها أي سؤال .
اجفلت سندس على أصابع بِشر التي لمست وجنتها بشكل مفاجئ يمسح عنها دمعاتها وهو يتمتم :
" هوني عليكِ يا حرير الجنة "
أمسكت سندس بكفه ثم قلبته لتقبل باطنه وتبلله بدموعها وغمغمت بصوت متحشرج :
" أنا آسفة "
نظر لها بِشر بقلق ممتزج بعدم فهم يسألها بعينيه عما تعتذر عنه لكنها كانت في عالم آخر فتهمهم من جديد :
" لقد تحولت إلى اسوء كوابيسك ، آذيتك كثيرًا وحملتك مسؤولية ما حدث وأنت تحملتني رغم أنك برئ تمامًا من ذنبي "
صف بِشر السيارة أمام المنزل ثم التفت اليها يسحبها إلى حضنه معقبًا :
" لا ، أنا لست بريئًا كما تزعمين .. كل ما مررتِ به لي يد فيه ، كل ما عانيتي منه كان ذنبي .. لو لم أضعف ذلك اليوم لم يكن ليحدث كل ما حدث "
هزت سندس رأسها رفضًا وغمغمت بصوت مختنق :
" لقد أخبرتني عن حربك ضد نفسك وشيطانك قبل ارتباطنا وانا وعدتك أنني لن أتخلى عنك أبدًا لكنني اخلفت بوعدي بكل نذالة و كأنني كنت انتظر سقطتك حتى اعلق لك المشانق "
" كنتِ صغيرة "
" بل نرجسية أنانية ولا أرى غير نفسي .. لقد قلتها اليوم للطبيبة ، أخبرتها بأن انتقامي منك لم يكن من فرط حبي لك كما كنت أزعم بل كان من فرط رفضي وعدم تصديقي أن سندس المنصوري قد تُخان ، سندس التي كان يتحدث الجميع عن جمالها وفتنتها يخونها اول من سلمت قلبها له .. عجرفتي تحكمت بي فأسئت التصرف تمامًا وسقطت بل واسقطتك معي في تلك المعمعة التي دمرتنا سويًا ، كنت العدو الاولى لنفسي في تلك الحرب .. ظننت أنني احاربك واحارب ضعفي تجاهك لاكتشف في النهاية أنه لم يكن هناك سواي في ساحة تلك الحرب .. كنت انا الخصمين و أهلكت نفسي واهلكتك معي وانت تحاول حمايتي مما افعله بروحي ، لهذا انا حقًا آسفة أشد الأسف على كل لحظة جحود مني .. على كل لحظة استخدمت بها خنجر خيبتك من امك فطعنتك به بكل قسوة ، اردتك أن تبتعد ، أن تيأس .. لكنك في كل مرة كنت تعود بوعد اقوى للبقاء مما يستفزني لإيذائك أكثر لأنك وبعكسي صمدت ووقفت وراء وعدك حتى آخر لحظة "
ظلل التأثر عينا بِشر ثم همهم أمام عينيها :
" لأنك ِ لست ِ مجرد وعد ، لأنك ِ لست ِ مجرد حب .. أنت ِ حرير جنتي ، أنت ِ من كنت اهرب إليها من نظرة أمي المتحسرة فتستقبلينني بنظرة منبهرة وكأنكِ تنظرين للرجل الاعظم على الأرض ، كنت مستعد لفعل اي شيء لأفوز بالمزيد من تلك النظرة من بين حدقتيكِ .. انا اخترتكِ نصفًا لي منذ أن كنتِ طفلة رائعة الجمال تركض نحوي مهللة في كل مرة اهرب فيها إلى بيت خالتي وتبكي وتتشبث بي حين يأتي موعد رحيلي ..لا تدركين كم مرة أردت اخذك معي حتى لا افوت دقيقة واحدة بعيدًا عن لذة النظر إلى عينيك ووجهك "
دمعت عينا سندس بينما اعتلت ابتسامة خفيفة ثغرها فاستطرد بِشر وهو يمس شفتيها المرتعشتين بطرف سبابته :
" انا أحبك يا سندس ،احبك أكثر مما تتخيلين بمراحل وكنت أنظر إليك ِ مدهوشًا وغير مستوعبًا في كل مرة تتحدثين فيها عن أخرى قد تلفت انظاري "
مسح دموعها مرة أخرى ثم همهم بصوت واضح وكأنه يُحي الوعد الذي بينهما من جديد :
" انا لا ارى غير سندس ، مشاعري لا تتفاعل إلا مع سندس ، عيناي لا تميز الا سندس .. روحي معلقة بسندس "
تراجع بِشر وهو يستطرد بشقاوة جعلتها تضحك بخفة وخجل :
" حواسي كلها تصرخ الآن لتقبيل سندس لذا يجب أن ندخل إلى منزلنا في الحال قبل أن أفقد نفسي تمامًا في سندس ويقبض عليّ وعلى سندس ويتهموننا بارتكاب فعل فاضح في الطريق العام "
ضحكت سندس وغمغمت وهي تتحرك معه نحو بيتهما :
" لم أكن أعرف انك تحب نطق اسمي لهذه الدرجة "
أمسك بِشر بكفها يسحبها معه إلى الداخل مهمهمًا بعبث واغواء :
" انا احب كل ما يخص سندس "
تضحك سندس من جديد ثم يُغلق بابهما في وجه من يراقبهما عن بُعد بنظرات ذئبيه مخيفة ليسب بلغته الأم ثم يتمتم بنبرة ثلجي :
" وأخيرًا تلاقينا يا سيد بِشر "
******
( بعد منتصف الليل )
قفز بخفة واحترافية إلى داخل المنزل المعتم بشكل جزئي ..
يدرك أن ما يفعله في تلك اللحظة جنون وتهور لكنه أحيانًا يجنح لخرق قواعده بل ويستمتع بالأمر ..
عيناه ببريقها الأزرق هي كل ما يظهر من ملامح وجهه بعد أن أخفاه بقناع أسود مخيف ..
تحوم عيناه في الارجاء بخفة ليلمح حائطًا كبيرًا ممتلئًا بصور متعددة معظمها تخصه !
واحدة تجمعه مع فداء وهما حديثي الولادة ..
وأخرى تحمله فيها أمه ..
وأخرى يجلس فيها على ظهر المدعو بِشر بينما يحمل الأخير فداء بين ذراعيه .
الكثير و الكثير من الصور وكأنها تاريخ مسطور على حائط بارد ..
تاريخ احتفظوا به لكنهم نسوه !
تحرك أخيرًا من أمام الحائط بخطوات فهد غير مسموعة لأحد ليقف أمام أول غرفة قابلته ..
غرفة تركت صاحبتها بابها موارب بعض الشيء فاستطاع أن يراها وهي مستغرقة في النوم تمامًا بينما تحيط بها الكتب الدراسية من كل جانب !
أرتجف قلبه فأدرك أنها هي .. !
توأمته .. نصفه الآخر الذي تركه هنا بعدما اجتثه اللعين الذي انجبه من هنا !
اقترب منها بخطوات شديدة الحذر ولأول مرة ترتعش نظراته حين تقع على أحد عن قرب ..
لأول مرة يسقط قناع الثلج عن عينيه فبقى واقفًا مسلوب الأنفاس يحدق ويحدق في وجهها المتورد من دفئ الفراش ..
جميلة للغاية ودافئة للغاية ووجهها بريء بقسوة تصفعه فتحركه بعيدًا عنها ليلمح طرف صورة متوارية أسفل وسادتها فيمسك بها ينظر إلى وجهه فيها ثم يرفع عيناه بشكل عرضي فيرى انعكاسه في المرآة فتعتلي القسوة ملامحه من جديد ويُعيد الصورة كيفما كانت بالضبط ثم يغادر الغرفة ويدلف إلى غيرها ..
ليجد نفسه أمام وجه آخر ..
وجه أمه التي تخلت عنه من أجل الآخر ..
أمه التي تركته لزهير و روفانا بكل برودة قلب فأهلكوه ..
لكم يتمنى أن يسلب أنفاسها الآن كما فعل في روفانا .. !
ليتها تتعذب وتهلك كالأخرى وإن كان المقابل اعوام أخرى خلف القضبان !
نظر لها آل للحظات ثم غمغم لها بصوت شديد الخفوت :
" صبرًا ... هذه المرة انا من سيذيقك طعم الخذلان "
ليرمقها بنظرة اتقد فيها سعير عيناه ثم يخرج من غرفتها لينزل الدرج بخفة ثم يقف أمام غرفته القديمة على حسب ما يذكر .. !
تحرك أمام الباب جيئًة و ذهابًا لمرتين ثم فتح باب الغرفة بخفة شديدة ليستقبله ظلام الغرفة الدامس فأخرج هاتفه يشعل الكشّاف رغم علمه أن لا أحد يقطن في هذا المنزل إلا أمه وأخته ليُفاجئ بجسد آخر يستلقي على الفراش فأغلق الإضاءة بسرعة لكن بعد أن كانت قد شعرت به صاحبة الجسد فسحبت من أسفل وسادتها سكين لمع نصله في الظلام مما جعل زرقة عيناه تُعتم وتلتوي شفتيه بابتسامة مرعبة مقررًا أن يبدأ هو الهجوم .

نهاية الفصل التاسع والعشرون


Hager Haleem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-06-21, 10:34 PM   #63

Hager Haleem

كاتبة قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Hager Haleem

? العضوٌ??? » 359482
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,301
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Hager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثلاثون
( ولأجلك انجيت نفسي من كل الخراب الذي أحاط بي )
****
كابوس جديد بشع يهاجمها ..
كابوس ترى فيه نفسها مضرجة بدماء ليست لها .. !
ترى بين أصابع يدها اليمنى قطعة زجاج خضراء اللون مكسورة من زجاجة خمر وبين أصابع اليسرى شعر أسود مجعد تشده للخلف بكل قوتها فيظهر العنق أوضح لعينيها فتنحره بلا رحمة مثلما نحرها ومثلما كان ينوي أن يفعل مرة أخرى لولا أنها تصدت له .
لتجد نفسها في لحظة في الوضع ذاته وهناك من يسحب شعرها بعنف شديد ويمسك بخنجر ينحرها به بجبروت لا يختلف عن جبروتها ..
رفعت عيناها الدامعتين تنظر إلى قاتلها ودمائها تسيل على صدرها فلمحت الخنجر بين أيدي أفراد عائلتها وصوت تمتمات بعيدة متوالية تصفها بالفاجرة الخاطئة ليرفعوا بعدها جسدها الذي لم تفارقه الروح بعد ويلقونه بين ألسنة اللهب فتشب بها النيران تلتهمها بلا رحمة .
فتحت عيناها على اتساعهما وكتمت شهقتها حين أُضيئت الغرفة لثانيتين .. !
ثانيتين فقط استطاعت أن ترى فيهم خيال أسود وبريق أزرق مرتاب ..
ثانيتين كانوا لها أكثر من كافيتين حتى تسحب السكين الذي تحتفظ به أسفل وسادتها وأصبحت لا تستطيع إغلاق عينيها قبل الشعور به أسفل رأسها وكأنه تميمة تحميها من المجهول !
انتفضت على قدميها ترفعه نحو من يقف أمامها وهي تكاد لا تميز الواقع من الحلم ..
أهي هلوسة أم أن أحد رجال عائلتها قد قرر تنفيذ وعيده وأتى للتخلص منها ؟!!
حاولت أن تصرخ لكن آل كان قد توقع الأمر فلف من حولها وكمم فمها بكف بينما حاول أن يأخذ منها السكين بيده الأخرى لكنها تلوت بكل طاقتها تحاربه بعنفوان شديد وتشبثت بالسكين بجنون فشتم بالإنجليزية ثم سقط منه هاتفه وأضاء من جديد بينما يتحاربان فالتفتت فضة برأسها تنظر إليه فلم ترى إلا عينين زرقاوتين تُثيرا الرعب في النفوس ..
تقابلت نظراتهم لبرهة قبل أن يضغط آل على ذراعها بعنف موجع ثم يضربه بركبته عدة مرات إلى أن سقط منها السكين أخيرًا ثم أخرج سلاحه بسرعة وضربها على مؤخرة رأسها فسقطت فاقدة لوعيها واستسلم جسدها المتمرد أخيرًا بين ذراعيه.
تنفس آل الصعداء وحملها بسرعة ثم وضعها على فراشها وأخرج قطعة قماش من جيبه وزجاجة صغيرة بها سائل ذو رائحة نفاذة ثم سكب بعضًا من السائل على القماش ومررها عدة مرات أسفل أنفها حتى يضمن أن لا تستيقظ تلك الشرسة إلا بعد وقت طويل ..
تبًا من هذه المجنونة التي تبدو كأنها كانت تنتظر حضوره فجهزت سلاحها معها حتى تقتله ؟!!
انحنى وأمسك بسكينها ينظر إليه عن كثب نظرة متفحصة دامت لثواني ثم وضعه أسفل وسادتها وعقله يُعيد عليه ذكريات قديمة رأى نفسه فيها طفل صغير في مكان قذر ولا يستطيع النوم دون أن يشعر بسكين مثل هذا أسفل رأسه ..
وتلك العادة لازمته حتى هذه اللحظة فأصبح لا يستطيع النوم دون سلاحه أبدًا وكأن شياطين طفولته سيقفزون إلى حياته من جديد ..!
أخرج نفسه عنوة مما يغوص فيه ثم أمسك هاتفه وقام بفتح الكشاف من جديد بقلب مطمئن لينظر إليها عن كثب عله يُدرك هويتها لكنه قطب حينما لمح آثار عنف على وجهها .. !
منظر شعرها غريب كالزغب وكأنها قررت أن تتخلص منه فقصته بشكل عشوائي أو أنها .... تعرضت للتعذيب .
بدا الاحتمال الثاني أكثر منطقية خاصةً مع آثار الضرب الجلية على وجهها ..
ها .. ومن يستطيع تمييز آثار التعذيب والألم مثله !
لا عجب أنها تخفي سكين أسفل وسادتها .. !
هكذا حدث نفسه قبل أن يتراجع ببطء شديد دون أن تحيد عيناه عن جسدها المستسلم فوق الفراش ثم يغادر المكان بخفة شديدة دون أن يشعر به أحد .
******
( صباح اليوم التالي )
وقفت رغدة تنظر إلى واجهة البيت الخارجية بتفحص ثم التفتت إلى صخر الذي كان يُخرج حقيبتها من السيارة بملامح ساكنة وغمغمت :
" غريب ! ... المنزل عاد كما كان بالضبط ، وكأنك جددت طلائه لا أكثر "
عقب صخر وهو يغلق سيارته بعدما اخذ حقيبتها :
" لقد فعلتها بقصد .. أردت أن لا تشعر أمي بأي فرق ، حتى الأثاث الجديد والمفروشات اخترتهم بنفس الألوان والشكل تقريبًا .. يكفيها أغراض أبي التي كانت تحتفظ بها التي ذهبت بلا رجعة "
شعرت رغدة بالسوء على حماتها وداهمتها رغبة قوية بالبكاء فلمح صخر ملامحها المستاءة فهمهم ساخرًا وهو يحثها على الحركة :
" ماذا ؟!! .. هل ستبكين الآن فتظن أمي أنني أتيت بكِ رغمًا عنكِ ؟! "
نظرت له رغدة بطرف عينيها وهمهمت بصوت متحشرج :
" على أي شيء اتفقنا ؟!! "
ضحك صخر بخفة ثم وضع ذراعه حول كتفها قائلًا بتفكه وهو يمسد على ذراعها السليم :
" أتقصدين شرطك الأول ؟!! ... كان ينص على أن أحترم مشاعرك ولا أسخر منها "
همهمت وهي تدلف إلى داخل البيت :
" وماذا تفعل الآن ؟!! "
رفع حاجبيه ببراءة ثم قال :
" أحاول معالجتكِ من المزاج النكد الذي سقطتي فيه في الفترة الأخيرة "
لوت رغدة شفتيها ثم لمحت إيمان تخرج من إحدى الغرف فركضت إليها لتنهرها إيمان هاتفة باسمها ثم قالت بحزم :
" لا تركضي هكذا "
نظر صخر لأمه باستغراب بينما قالت رغدة بمسكنة :
" اشتقت لكِ يا أمي "
ضمتها إيمان إليها ولامست بطنها بحركة خفية حتى لا يراها صخر ثم ابعدتها قائلة بغضب :
" لو كنتِ اشتقتِ كما تدعين كنتِ أتيتِ وبقيتِ معي ولم تتعبي ابني جيئةً وذهابًا كل يوم حتى يطمئن عليكِ وعلى ذراعك "
دمعت عينا رغدة فتأففت إيمان ثم قالت بملل يشبه ملل ابنها :
" لا .. نكد لا "
ثم التفتت وقالت لصخر الذي يراقب امتقاع وجه زوجته بعد تقريع أمه لها بشماتة :
" اصعد يا ولدي و ضع لها حقيبتها في غرفتكما "
ثم نظرت إلى رغدة بعدم رضا واضح واستطردت وهي تنظر إلى ظهر ولدها الذي كان في طريقه للأعلى :
" ولا تتعب نفسك وظهرك كثيرًا "
فور اختفاء صخر اختلفت ملامح إيمان كليًا حيث انفرجت ملامح وجهها واقتربت من رغدة تسألها بصوت هامس متآمر :
" ها .. ما الأخبار ؟!! "
نظرت لها رغدة بعدم فهم فتأففت إيمان بضيق ثم قالت :
" حفيدي .. ما أخباره ؟!! "
اومأت رغدة وطمأنتها هامسة :
" بخير "
نظرت إيمان إلى الأعلى حيث اختفى صخر ثم عادت إلى رغدة هامسة ً :
" هل ستخبرينه اليوم ؟!! "
كادت رغدة أن تتحدث فقاطعها حماتها قائلة ً بتوبيخ :
" لقد جاريتك حينما أخبرتني أنكِ لم ترغبين في إعلان الأمر في تلك الظروف التي كنا نمر بها ، لكن الآن لم يعد لكِ حجة ... صخر سيقتلك إذا علم قبل أن تخبرينه بنفسك "
هزت رغدة رأسها بتفهم ثم قالت :
" حسنًا يا امي سأخبره الليلة "
ابتسمت لها إيمان برضا ثم ربتت على وجنتيها وجلسن على إحدى الارائك لتغمغم بعدها بحزم امومي :
" وأريد منكِ أيضًا أن تتعقلي وتصبري على طباعه ، وإياكِ أن تفكري بترك المنزل من جديد .. أنتِ ستصبحين أم ويجب أن تكوني قدوة "
هزت رغدة رأسها بطاعة بينما وضعت إيمان كفها فوق ركبتها تربت عليها فيما تقول :
" أنا أدرك أن طباع ابني صعبة وأنه شديد الغيرة والتملك خاصًة حين يحب .. بحق الله لقد عانى منه بِشر الكثير بسببي أنا وسندس ، كان يتشاجر معه حينما يجدني أعانقه ويصرخ غضبًا حين يهتف بِشر بطفولية أنه سيتزوج سندس حينما يكبر "
ابتسمت رغدة بينما استطردت إيمان ضاحكةً بحنين :
" لكنه كان يعود ويسترضيه بعدها بدقائق معدودة ... وهذا بالضبط ما يفعله معكِ .. يضايقك بغيرته وعصبيته المفرطة ثم يركض ورائكِ مسترضيًا حين تعلنين عن غضبك منه "
لتعود النظرة المشاكسة تحتل ملامح وجه إيمان فيما تقول :
" وطباعه تلك سنروضها رويدًا رويدًا بتلك الشروط التي طلبت منكِ أن تلقيها في وجهه حين يطلب منكِ العودة "
ضحكت رغدة بتآمر وهي تذكر وجه صخر حين أخبرته بالشروط التي أملتها لها أمه سابقًا ..
فهي كانت قد اتصلت بحماتها فور أن علمت بحملها لتسألها إيمان بعدها عن ما يدور بينها وبين صخر فانفجرت في البكاء وأخبرتها بكل شيء لتطلب بعدها مشورتها لتُفاجئ بعدها حين أخذت إيمان صفها وأخبرتها أن لا تعود معه إلا بعد أن تجعله يدرك طعم غيابها حتى يفكر ألف مرة قبل أن يضيق عليها الخناق من جديد أو يُقلل منها كما أخبرتها !
" انهضي "
" ها ! "
انتبهت رغدة على لكزة حماتها لها لتغمغم إيمان مرة أخرى :
" ماذا تنتظرين ؟!! .. هيا انهضي واصعدي وراءه ولا تنسي ما أخبرتك به ، القليل من التمنع والقليل من الدلال ، نجذب الحبل ونرخيه "
ضحكت رغدة بخجل ثم تحركت بخفة تصعد وراء صخر لتتبدل ملامح إيمان مرة أخرى فور اختفائها وتنظر حولها بحسرة وهي تستعيد بذاكرتها مواضع خسائرها من صور لها برفقة زوجها الراحل وأخرى لمراحل عمرية مختلفة لأولادها والكثير والكثير من الأغراض التي كانت تحمل رائحة زوجها وأغراض أخرى كانت تخص والديها لتزفر بحزن حاولت طرده عنها وهي تحمد الله ألف مرة أن النيران لم تمس أولادها بسوء ثم تعد نفسها بأن تُعيد ملئ المنزل بذكريات جديدة أجمل وأولها سيكون لأول حفيد لها .
****
دخلت رغدة غرفتها لتتسع عيناها بمفاجأة حين رأت صخر يضجع على الفراش بخفة ويحمل على صدره هريرة صغيرة كالتي فقدتها بالضبط فخطت بسرعة نحوه وهي تتمتم برقة :
" هريرتي "
أبعد صخر يده الممسكة بالهريرة عنها فقطبت بعدم فهم ليهمهم هو بسماجة :
" من أخبرك أنها لكِ ؟!! "
رفعت رغدة حاجبًا متهكمًا ثم قالت بسخرية :
" لمن إذًا ؟!! .. هل أصبحت تهوى القطط دون أن أعلم ؟!! "
عض صخر جانب شفته مغمغمًا بصوت خافت مشاكس وهو يرفع القطة الصغيرة إلى مستوى نظره :
" أنا أعشق القطط .. خاصةً تلك البيضاء الصغيرة التي تخرمشني حين تغضب مني والتي تقذفني بكأس العصير مرة و بالكرة مرة أخرى حتى انتبه لها "
اعتلى العبوس وجهها ثم دمدمت بغباء :
" أنا لم أفعل ذلك "
اعتلى وجه صخر تعجب زائف ثم نظر إليها وعقب :
" أنا أتحدث عن القطط "
" لا .. أنت تتحدث عني ، أنا من أسقطت عليك العصير وأنا من قذفتك بالكرة "
التوت شفتي صخر بخبث ثم قال :
" لا حول ولا قوة إلا بالله .. ألم تقولي للتو انكِ لم تفعلي ذلك ؟!! "
" بلى فعلت "
ألقتها رغدة باندفاع غريب فنظر إليها صخر للحظات بتفحص ثم سألها بجدية مفاجئة وهو يضع الهريرة أرضًا :
" ماذا بكِ يا رغدة ؟!! "
رمشت رغدة عدة مرات ثم كررت وراءه :
" ماذا بي ؟!! "
" لستِ على طبيعتك "
كادت أن تتحدث فقاطعها مستطردًا :
" بطبيعة حالك أنتِ مريبة لكنك أصبحتِ أكثر غرابة "
قطبت رغدة بغضب ثم قالت :
" أنا بأفضل حال "
" قلت ماذا بكِ ؟!! "
زعق بها فصرخت فيه بسرعة مهولة :
" حامل "
عم الصمت عليهما للحظات وكل منهم يلهث ويحدق في ملامح الآخر ببلاهة ليهمهم صخر أخيرًا بملامح غير مستوعبة :
" ماذا قلتِ ؟!! "
كشرت رغدة ثم هتفت بعصبية أصبح لا يدرك سببها :
" ماذا ؟!! .. أمر الله ، هل ستعترض على أمر الله أيضًا ؟!! "
ارتفع حاجبي صخر ونظر لها بعدم فهم ممتزج بشيء من الذهول لوقع الخبر عليه فشتمت رغدة ثم حدثت نفسها أمام عينيه المرتابتين منها :
" ما هذا الذي أقوله ؟!! "
رد عليها صخر بنبرة حذرة :
" لا أعلم والله "
نظرت له رغدة فسألها من جديد :
" هل أنتِ حامل حقًا ؟!! "
أومأت له بنفس الوجه المقلوب فاتسعت ابتسامته لثانيتين ثم انتبه وعاد للتجهم وسألها :
" ولمَ تقلبين لي وجهك بهذا الشكل ؟!! "
ليردد نفس جملتها الغبية بمشاكسة خفية وهو يقترب منها بخفة :
" هل تعترضين على أمر الله أم ماذا ؟!! "
أنكرت رغدة بسرعة :
" لا والله .. استغفر الله "
قربها صخر منه بحذر حتى لا يلمس ذراعها المصاب ثم ضمها إليه من كتفيها هامسًا أمام عينيها :
" قولي من جديد "
نظرت له بتساؤل فغمغم وهو يقبل وجنتها :
" أنكِ حامل "
تمتمت رغدة دون فهم لتلك اللحظة العاطفية التي سقط بها و يعيشها بكل حواسه :
" أنا حامل "
مال على الوجنة الأخرى يقبلها بحرارة وغمغم :
" مرة أخرى "
بنفس التبلد همهمت :
" أنا حامل "
يقترب من شفتيها ويهمس :
" مرة أخرى "
رفعت رغدة حاجبيها ثم اقترحت بجدية صعقته :
" هل تحب أن أحلف لك على المصحف ؟!! "
ابتعد عنها صخر ونظر لها ببلادة بعد أن ضربت لحظته العاطفية في مقتل ثم هاجمته رغبة قوية في الضحك فاستسلم لها وقهقه أمام نظراتها المستغربة ليتمتم صخر بصدق من بين ضحكاته :
" والله اشتقت لبلاهتك يا هريرة "
كشرت رغدة ثم قالت ببوادر غضب وهي تحاول الإفلات منه :
" أنا لست بلهاء "
تمسك بها صخر بين ذراعيه واسترضاها ضاحكًا وكأنه يُحادث طفلة :
" أنتِ قمر ، أنتِ ست النساء كلهن "
ليطبع على خدها قبلة خشنة ثم يستطرد :
" أنتِ أم أطفالي "
ابتسمت رغدة أخيرًا على سعادته البادية على وجهه ليميل صخر ويدغدغها بقبلاته فتبتعد عنه وتهمهم بدلال :
" هل نسيت شرطي الآخر ؟!! ... ألم نتفق أننا سنتعامل كخطيبين لبعض الوقت حتى تستقيم الأمور بيننا ؟!! "
ضحك صخر من جديد ثم قال بتفكه :
" لا ... انسي فيلم الزوجة 13 هذا تمامًا يا ست شادية "
تمتمت رغدة من بين شفتيه بضعف وهي تتأمل مروجه الخضراء :
" الشرط ...... "
فيقاطعها وهو يميل بها بنعومة تليق بها :
" صُنع الشرط لنخترقه "
" لكن ..... "
يقاطعها من جديد هامسًا :
" هريرتي "
فتهمهم بخدر :
" ماذا ؟!! "
" أحبك أكثر من أي شيء "
لينتهي بينهما الحوار بابتسامة رائقة لونت ملامحها وعناق امتد لوقت أطول بكثير مما تخيلا بينما يشتمها عقلها على استسلامها له بلا توقف لكنها أصمتت تفكيرها تمامًا وقررت أن تنعم بجنة قربه .
*****
أنهت لقاء درسها لهذا اليوم وخرجت من الفصل تمشي بتثاقل ،وجهها مرهق بشكل واضح وعينيها غائرتين ، تبتسم بفتور لمن تقابله من زملائها بينما تركيزها في اسوء حالاته بسبب الأرق الذي أصبح يلازمها كل ليلة .
رن هاتفها برقم الممرضة التي تمدها بكل جديد يطرأ على حالة معتصم فاستقبلت المكالمة تدعو الله في سرها أن تكون حالته قد تحسنت بعض الشيء بعد كل تلك الأيام التي باتت تحيا فيها على أعصابها وتملئها الكوابيس .
استقبلت المكالمة فتُعرفها الممرضة بنفسها مثل كل مرة تتصل فيها ثم تتمتم بصوت مبتهج :
" لكِ عندي أخبار رائعة ، السيد معتصم فتح عينيه منذ دقائق "
شهقت لقاء ثم دمعت عيناها ولهج لسانها بالحمد لوقت طويل بينما تسارعت خطواتها إليه وقد مُحي من عقلها تمامًا أن عائلته أو بالأحرى عائلة طليقته هم الأحق بأن يكونون حوله في ظرف كهذا .
انطلقت بسيارتها وبسرعة قياسية كانت تدلف إلى المستشفى وتهرول في الممر الذي تقع فيه غرفته لتتباطئ خطواتها تدريجيًا وهي ترى الجمع الذي يقف أمام غرفته ..
بعض من زملاء عمله وآخرون على الأغلب هم أقارب له !
وقعت أعين أحد زملاؤه عليها وميزها بسهولة بعد أن تقابلت طرقاتهم عدة مرات أثناء زياراتها المتكررة لمعتصم فأومئ لها بلباقة ثم اقترب منها تاركًا البقية ينظرون إليها بفضول وتساؤل ..
" كيف حاله ؟!! "
هكذا ألقت سؤالها دون مقدمات أو تحية وقد تلاشت من عقلها كل البديهيات وكل الجمل التي من المفترض أن تلقيها في تلك اللحظة .. !
ابتسم صديق معتصم ابتسامة مدركة ثم طمأنها عليه قائلًا :
" الحمد لله بدأ يستعيد وعيه بمن حوله تدريجيًا وتحدث معي "
لم تستطع لقاء تمالك نفسها وحمدت ربها عدة مرات بصوت متهدج بشكل جذب إليها الأنظار بينما استطرد صديق معتصم بصوت خافت محرج بعض الشيء :
" لقد سأل عنكِ ... أنتِ لقاء أليس كذلك ؟!! "
اومأت لقاء بلهفة دون أن تستطيع قول شيء بينما ضحك هو معقبًا على حديثه :
" التقينا أكثر من مرة ولم نتعارف بشكل مناسب "
قرأ في عينيها لهفتها الممتزجة بعجزها لرؤية معتصم ويبدو أنه كان على دراية ببعض مما كان يدور بينها وبين صاحبه إذ همهم بخفوت وبعض الحذر :
" احم .. طليقته وعائلتها في غرفته الآن ، لكنهم سيغادرون بعد قليل .. إذا .......... "
قاطعته لقاء هذه المرة قائلة بنبرة متوترة :
" هلا تسديني خدمة من فضلك ؟!! "
" بالطبع يا أختاه .. بما تأمرين ؟!! "
ابتلعت لقاء ريقها ثم قالت بصوت خافت متحشرج :
" أريد أن أحدثه عبر هاتفك إن كنت لا تمانع لأنني لن أستطيع البقاء هنا أكثر من ذلك "
" بالطبع "
تبادلا أرقام الهواتف وبعد عدة دقائق كان هاتف لقاء يرن بين أصابعها وهي تنظر إليه بعينين دامعتين بينما تجلس في حديقة المستشفى ففتحت المكالمة بلهفة ووضعت الهاتف على أذنها بصمت تنصت إلى صوت أنفاسه التي ردت إليها روحها وقلبها يضرب صدرها بقوة ليأتيها صوته بعد لحظات بسيطة جدًا بضعف أوهن قلبها :
" أنتِ هنا "
لم تدري إن كان إقرارًا أم سؤالًا ولم تهتم !
فدموعها هطلت بلا رادع وكأنها تحررت للتو من أسرها ..
وجسدها ارتجف بقوة فور أن التقطت أذنيها صوته الخافت ..
حتى صوتها خانها عدة مرات قبل أن تكرر وراءه ببكاء مرير :
" أنا هنا .. هنا "
وصلها صوت زفرته ثم غمغم :
" تعالي لي "
هزت لقاء رأسها رفضًا وكأنه يراها ثم همهمت بعجز :
" لا أستطيع ، عائلتك وأصدقائك حولك وأنا ...... "
قاطعها معتصم هامسًا بإرهاق :
" لقاء ... تعالي ، أرجوكِ "
صمتت لقاء ودموعها لا تنضب فكرر معتصم من جديد :
" أرجوكِ "
واتبعها بـ :
" احتاجكِ "
حاولت لقاء الاعتراض لكنه صد كل محاولاتها لتجد نفسها بعد دقائق بسيطة تقف أمام غرفته المفتوحة تبادله التحديق والهاتف لا يزال يصل بينهما ..
" اقتربي "
أجبرت نفسها على عدم النظر لأي شيء سواه لكنها شعرت بحركة عصبية تغادر المكان فاستنتجت أنها طليقته مما جعل وجهها يمتقع بإحراج لكن معتصم على ما يبدو كان لا يبالي بغيرها ليختفي الزائرين تباعًا من غرفته وآخرهم صديقه الذي أخذ هاتفه ثم اغلق الباب عليهما حتى يحظيا ببعض الخصوصية .
" اقتربي "
وهن صوته وهيئته بذلك الضماد الذي يغطي رأسه يربكانها ويضعفان هامتها فتتمتم بعينين دامعتين دون أن تتحرك من جوار الباب :
" كيف تشعر ؟!! "
هُيء لها أن ابتسامة خفيفة اعتلت شفتيه وهو يجيبها بمراوغة :
" اقتربي حتى أعرف "
تأوهت بإسمه فغمغم :
" كيف كان حالكِ بدوني ؟!! "
ذرفت أول دمعاتها وأجابت بصوت مهتز .. مشوش :
" لا أعلم "
" إذًا اقتربي حتى تعلمين "
إصراره جعلها تتحرك نحوه أخيرًا لتقف أمامه فيرى إنهاك ملامحها بشكل أوضح فيجعد وجهه بمشاكسة كأنه يخفف عنها وهو يتمتم بتعب :
" لا تبدين بخير "
مد لها كفه ببطء فترددت قليلًا ثم أمسكت بكفه فاطبق على كفها هامسًا :
" أنا بخير ، لا تخافي "
هزت لقاء رأسها بطاعة ثم حاولت الانسحاب ليتمسك بها بينما يعتلي الأسى ملامح وجهه وهو يسألها بصوت مختنق :
" هل التقيتِ بأمي قبل أن ....... "
صمت بملامح قاتمة بينما اعتلى الحزن ملامح وجهها وهي تغمغم دون حذر :
" هل أخبروك بهذه السرعة ؟!! "
رفع لها معتصم عينين مجهدتين ثم قال بألم :
" لقد سألت عنها فور استفاقتي ، كنت أعلم أن قلبها لن يتحمل أي صدمة فأردت الاطمئنان عليها قبل أي شيء "
ترحمت لقاء عليها بينما همهم معتصم بترقب وقلبه يؤلمه أنه لم يجد الفرصة لتوديع أمه ودفنها أو تلقي عزائها :
" أخبروني أنكِ قمتِ بزيارتها قبل وفاتها "
نظرت له لقاء فوجدت سؤاله يسطع بين حدقتيه ..
لكن بما ستخبره ؟!!
هل ستخبره بأن أمه وحتى اللحظة الأخيرة كانت تتوهم أن هناك حربًا مقامة بينهن وان معتصم هو غنيمتها ؟!!
هل عليها أن تخبره بأنها حملت بغضها لها معها حتى القبر ؟!!
ليتها فقط تدرك سببًا لهذا المقت والنفور !
ليتها تفهم .. !
شردت لقاء أمام عيناه وصوت أمه شديد الوهن يتردد على مسامعها من جديد وهي تغمغم بأنفاس ذاهبة لكن لا يمكن لأحد أن يُخطئ رنة الكره فيها :
" لقد ربحتِ .. وليس منذ الآن ، لقد ربحتِ منذ وقت طويل ..منذ أن استطعتِ نقش صورتك فوق قلبه فتحولتِ لانعكاس دائم في عينيه ، كنت أراكِ كل لحظة .. في كل نظرة مكتومة الغضب يلقيها لي ، في كل كلمة مقتضبة يوجهها نحوي ، في كل مرة شعرت فيها بحسرته وإن لم يجهر بها وهو يذكرني بوزر انفصالكما .. كنتِ حاضرة في اسم ابنته الذي كان من اختيارك أنتِ ، كنتِ موجودة في كل شجار حتى وإن لم يذكر اسمك صراحةً ،كنت أراكِ في إدمانه على السجائر الذي أبتلي به بعد أن ترككِ ،في غيابه عن البيت ،في طلاقه ، في صمته ووحدته وشروده المستفز طوال الوقت ،في أشعاره التي كان يخطها دون تركيز وكأن هناك قوة خفية تحرك القلم بأصابعه ثم يلقيها بإهمال فور أن ينتبه لما يفعله.. بشكل أو بأخر كنتِ تحيين معنا ... نجحت في إبعادك عن عينيه لكني فشلت كل الفشل في طردك من قلبه "
" ألن تتحدثي ؟!! "
سؤاله المبهم جعلها تنتبه إليه فحاولت أن تتدبر أمر ابتسامة مطمئنة وهي تغمغم :
" رحمها الله .. لم تقل شيئًا "
نظر لها معتصم بعدم تصديق ومرارة كللت ملامحه فنهضت لقاء قائلة بتهرب :
" لقد تأخرت .. يجب أن أغادر الآن "
" بهذه السرعة ؟!! "
نبرته مع تشبث كفه بها جعلوا وجهها يتورد بعد أن كان يغزوه الشحوب طوال الوقت ثم تمتمت وهي تخلص كفها منه :
" أبي ينتظرني يا معتصم وأنا تأخرت اليوم بما يكفي "
أومأ لها بهدوء فنهضت لكنه تشبث بكفها مرة أخرى وقبّل باطنه بحرارة وهو يتمتم بنبرة مرهقة :
" قودي بحذر .. لقد أخبرت زملائي أن ينتبهوا لكِ "
تخصب وجه لقاء بحمرة قانية فتلك المرة الأولى التي يُحدث بينهما فيهما تلامس مباشر فابتسم معتصم لعينيها بإدراك وأعتذار عن تخطي حدوده معها لكنه وبكل بساطة لم يستطع أن يقاوم شوقه لها .
راقب رحيلها بنظرات كئيبة ليتمتم بحلق مختنق فور اختفائها :
" رحمكِ الله يا أمي ، رحمكِ الله وسامحك "
*********
تقف أمام المرآة تمشط شعرها بشرود لتجفل على قبلة حطت على وجنتها بشكل مفاجئ فنظرت إليه بحنق بينما كان هو يضحك بشقاوة وهو يتمتم :
" بما تشردين ؟!! ... بي ؟؟! "
ابتسمت له سندس ابتسامة صافية أصبحت اجمل ما يمر بيومه لتجيبه بعدها :
" لا ، فقط أفكر في حديثي الاخير مع الطبيبة "
كشر بِشر ثم قال بحنق زائف :
" ما هذه الصراحة المتناهية ؟! .. على الأقل جامليني وقولي بلى أشرد بك "
ليتبع بعدها بمسكنة رخيصة :
" جبر الخواطر عبادة يا حرير الجنة "
ضحكت سندس بخفة فمال بِشر و لثم ضحكتها متمتمًا :
" لا حرمني الله من هذه الضحكة "
عانقته سندس بشكل مفاجئ مما جعل حاجبيه يرتفعا باستغراب ثم لف ذراعيه حولها يضمها إليه بدفء لتتمتم دون أن تترك حضنه وكأنها لا تريد رؤية عيناه في هذا الوقت فقالت بعد لحظات احترم فيها صمتها :
" الطبيبة نصحتني أن أصارحك أولًا بأول ولا أحتفظ بأي شيء قد يترك رواسب في نفسي تجاهك من جديد "
غمغم بِشر وهو يمسد على ظهرها بحنان :
" رائع "
ليستطرد بتفهم :
" ما الذي يضايقك من تجاهي ؟!! "
عضت سندس طرف شفتيها وترددت قليلًا قبل أن تحسم قرارها وتهمس :
" فضة "
قطب بِشر ثم همهم بصوت مشدود :
" فضة ليست بيننا من الأساس يا سندس "
تحشرج صوتها وتشبثت فيه أكثر وهي ترد بعجز سطع في صوتها :
" أعلم "
" إذًا ؟؟! "
زفرت سندس وكأنها تقبع تحت ضغط شديد فحاول بِشر إبعادها عنه لكنها تمسكت به وغمغمت بخفوت :
" لا ، لنبقى هكذا لبعض الوقت "
زفر بِشر بدوره ثم ربت على رأسها وسألها مهادنًا :
" قبل اي شيء هل نحن متفقين أن العقد الذي بيني وبينها هو ما يحفظ ماء وجهها بل وحياتها ككل ؟!! "
أومأت سندس دون أن تستطيع النطق ليستطرد بِشر بسؤال آخر :
" حسنًا .. هل لا يزال هناك أي شك أنني قد أخون يومًا ما ؟!! "
من جديد رفضت الكلام واكتفت سندس بهزة نفي من رأسها فقال بِشر :
" إذًا أين المشكلة ؟!! .. ما الذي يثير ضيقك وانا حتى لا اراها إلا وأنتِ بصحبتي ؟!! "
أخيرًا ابتعدت عنه وواجهت عينيه ثم غمغمت بصوت مختنق :
" أنت لا تفهم .. أنت لست امرأة لتفهم ، أنه يؤلم "
أمسك بِشر بكفيها ثم سحبها ليجلسا على طرف الفراش ليقول بعقلانية :
" حسنًا لنبدأ من جديد ... العقد الذي بيني وبينها بطاقة خضراء تتيح لها الكثير ، حبيبتي انا اضطررت لفعل ذلك ، زواجنا الصوري يفتح أمامها الكثير من الأبواب ... أولًا استطعت اخذها خارج الوادي قبل أن يقتلها هؤلاء المعاتيه أقاربها ، ثانيًا أصبح لها صفة تمكنها من البقاء في بيت أمي بلا حرج .. ثالثًا وهذا الأهم حين يأتي يوم لتتزوج فيه ممن تختاره بنفسها ستكون مرفوعة الرأس وستُعامل كأي امرأة قد سبق لها الزواج "
نكست سندس رأسها ثم غمغمت بحذر :
" هل تظن أن هذا اليوم قد يأتي ؟!! "
هز بِشر كتفيه وغمغم :
" لما لا ؟!! ... فضة ستنفض عنها هذا الانكسار في أي لحظة وستبدأ في متابعة حياتها من حيث توقفت، قد تعود إلى الجامعة وقد تقرر بنفسها أنها لم تعد في حاجة إلى دعمي لكن حتى هذه اللحظة أنا لا أستطيع التخلي عنها "
تنهدت سندس بينما تابع هو بإدراك وضيق :
" ما كسر فضة بحق هو تخلي عائلتها عنها بعد ما أصابها ناهيك عن ما تعرضت له ، الفتاة بعد أن كانت تتبختر تحت اسم عائلتها أصبحت فجأة منبوذة من الجانبين وكأنها دنس سقط على أثوابهم البيضاء "
ظلت سندس على صمتها فرفع بِشر وجهها إليه ينظر إلى لؤلؤتيها السوداويتين قائلًا بصوت قوي ،مشددًا على كل حرف :
" ضعي هذا الأمر في رأسك ولا تنزعيه من عقلك أبدًا .. فضة عندي كفداء بالضبط ، فضة ليست سندس لأحبها .. فضة لا تشبه سندس من قريب أو من بعيد حتى التفت لها بشكل غير أخوي .. اتفقنا ؟! "
هزت سندس رأسها مضطرة أن تتعايش مع هذه الحرقة التي تملئ قلبها دون إرادة منها فقبّل بِشر رأسها بتقدير لتغمغم دون تنازل :
" لكن يوم أشعر أنها وقفت على قدميها أو وجدت من يريدها لن تبيت بعدها ليلة واحدة على ذمتك .. اتفقنا ؟!! "
ضحك بِشر بيأس من رأسها الصلد ثم أومأ لها مسترضيًا وبداخله يدعو الله أن تجد فضة طريقها عل وقتها تتحول هذه الغمة لذكرى مشوهة من ماض سحيق لا يستحق الذكر .
رن هاتفه فجلبته له سندس من جوارها متمتمة :
" أنها فداء "
استقبل بِشر المكالمة مبتسمًا بمشاكسة وهو يعبث بشعر سندس بصبيانية وهو يقول :
" مرحبًا بالسكر ... كيف حالك يا عبقرينو ؟!! "
على الجانب الآخر قطبت فداء ثم قالت بضيق :
" مئة مرة قلت لك لا تناديني بعبقرينو تلك "
ضحك بِشر مهمهمًا :
" سأتوقف عن نعتك بهذا اللقب حين تتخلصين من تلك النظارات البشعة التي ترتدينها وقت المذاكرة "
عدلت فداء نظارتها على أنفها بحركة ضائقة ثم قالت :
" لا دخل لك بنظارتي "
ضحك بِشر من جديد ثم قال :
" حسنًا يا مزعجة .... ماذا تريدين ؟!! "
انقلب هزل فداء إلى جدية ثم قالت :
" فضة "
حافظ بِشر على مرح ملامحه ثم نهض من أمام سندس وابتعد عنها لتعلو الجدية ملامحه وهو يسأل باهتمام :
" ماذا بها ؟!! "
زفرت فداء ثم قالت بحذر :
" لا أعلم .. أنها لا تبدو على طبيعتها منذ أتت ، تصرخ ليلًا بفزع ولا تأكل إلا النذر اليسير وترفض الجلوس معنا طوال الوقت لكن صباح اليوم كانت الطامة الكبرى "
توتر بِشر ثم سألها بترقب :
" ما الذي حدث ؟!! "
تنهدت فداء ثم قالت :
" أنها مصرة منذ الصباح أن هناك لص اقتحم المنزل ليلة الأمس "
ارتفع حاجبي بِشر متمتمًا بهلع :
" لص ! "
" لا تفزع هكذا إنها تتوهم .. لم ينقص أي شيء من المنزل و لم يشعر أي أحد بأي حركة غريبة لكنها مصرة إصرار غريب أنها رأته بل وقاتلته أيضًا "
" قاتلت من ؟!! "
هتفت فداء بضيق :
" اللص يا بِشر .. اللص الذي لم يراه غيرها "
استغفر بِشر محاولًا التزام الهدوء وعقله يجنح إلى رجال عائلة والدها ..
رباه .. هل يمكن أن يصل بهم الجنون إلى حد أن يبعثون من يهاجمها في قلب بيته ؟!!
لا مستحيل ...
فضة خرجت من الوادي وهي تحمل اسمه وهذا ما اغلق كل الطرق في وجوه تخلفهم ..
لكن ما ترويه فداء غريب .. !
هل تداخلت كوابيسها في واقعها أم أنها صدمة متأخرة لما مرت به ؟!!
استطردت فداء باستفاضة فانتزعته من لجة أفكاره :
" حين أخبرتني في الصباح قلت لها أنه ربما كابوس أخر من كوابيسها المعتادة لكنها انفعلت علي وظلت تقسم أنها لم تتوهم الأمر وأنها لم تجن بعد وأن هناك من تسلل إلى المنزل ليلة الأمس "
ضحكت فداء بشكل مفاجئ وهي تكمل :
" آه نسيت أن أخبرك أن اللص خريج مدارس لغات "
قطب بِشر ثم سألها عما تعنيه فقالت :
" إنها تقول أنه شتمها بالإنجليزية "
ارتفع حاجبيه بصدمة ثم قال بقلق :
" سأمر عليكم بعد قليل لأرى ما يدور معها "
غمغمت فداء بصوت خافت قبل أن تنهي المكالمة :
" امك قلقة منها وتنظر لها نظرات مريبة ، على الأغلب تظن أن الفتاة فقدت عقلها "
" أغلقي يا فداء "
تذمرت فداء بضيق ثم أنهت المكالمة فالتفت بِشر ليجد سندس تنظر إليه بتساؤل فغمغم باختصار :
" انا سأذهب إلى المطعم وقد أمر على بيت عائلتي "
أومأت له سندس ثم قالت :
" وأنا سأذهب لأراجع بعض الدروس مع رغدة .. لقد حددوا موعد اختباراتنا "
" حسنا تجهزي لآخذك في طريقي "
****
وبعد بعض الوقت كانت فضة تهتف بغضب :
" لا تنظر لي هكذا أنت الآخر .. أنا لم أجن بعد ، والله هناك من تسلل إلى المنزل ليلة الأمس وكان يحمل سلاحًا "
تحلى بِشر بالصبر ثم قال بهدوء :
" حسنًا لا تغضبي ، فقط أخبريني عما حدث معك بالضبط "
كزت فضة على اسنانها بغضب ثم قالت :
" انا لن أكرر حديثي مئة مرة يا بِشر .. قلت لك رأيته وتهجم عليّ "
" كيف كان يبدو ؟!! "
تأففت فضة وبالفعل بدأت تشعر أن كوابيسها قد قفزت الى الواقع فتداخلت التفاصيل مما جعلها تغمغم بتشوش ناقض عصبيتها تمامًا :
" كان يرتدي قناع أسود و كان ... كان .... "
صمتت تنظر إلى بِشر الذي كان ينظر إليها بصبر تشوبه الشفقة فصرخت فيه بانهيار :
" لا تنظر لي هكذا أنا لست مجنونة "
نهض بِشر ثم حاول تهدئتها وهو يتبادل النظر مع أمه وفداء فوضع كفيه على كتفيها قائلًا :
" اهدأي قليلًا يا فضة "
ابتعدت فضة عن لمسته بعنف واضح فرفع كفيه عنها بمهادنة وقال :
" حسنًا أعتذر منك ... فقط اهدأي "
دمعت عيناها ثم همهمت بصوت خافت .. مقهور :
" أنا لست مجنونة يا بِشر "
" أعلم ، والله أعلم "
نكست رأسها ثم جلست على طرف فراشها وهمهمت بخفوت شديد وكأنها تُحدث نفسها بوجع خام واستسلام مفاجئ أكد له أنها بحاجة إلى عناية من نوع خاص :
" حسنًا كما تريدون .. بما أن كل الدلائل تشير إلى أن لا أحد قد دخل إلى هذا البيت لا تصدقوني ، لعلني أهلوس أو أن ما أراه أثناء نومي بات يطاردني في الحقيقة "
اقترب منها بِشر ثم جثى على عقبيه أمام نظرات فداء المشفقة ووالدته الغير راضية ليتمتم بهدوء :
" فضة .. لا تدعي تلك الأفكار تسيطر عليكِ ، أنتِ هنا بخير ، آمنة وأنا لن أسمح لأحد قط أن يمسك أو حتى يقترب منكِ "
أومأت له فضة بطاعة خانعة بينما عقلها يرفض تصديق أن كل ما عاشته البارحة محض هلوسة ابتدعها لا وعيها .
لقد كان الأمر حقيقيًا لدرجة لعينة !
لقد شعرت بأنفاسه تلفح مؤخرة عنقها حين قيدها إليه ..
وشعرت بلهيب لمساته الخبيرة في القتال حين هاجمها ..
حتى صوته كان واضحًا أشد الوضوح وليس مشوشًا كما يحدث معها دائمًا في كل كابوس تراه !
لكنهم لا يصدقون ..
ولن يصدقوها أبدًا على الأغلب ..!
كاد بِشر أن يربت عليها من جديد حين شعر بالحرب التي تدور داخلها لكنه تراجع ونظر إلى فداء التي فهمت ما يوده منها فاقتربت تجلس جوارها وتعانقها بمؤازرة وهي تمازحها علها تخفف عنها .
أما بِشر فقد تركهن واتبع خطوات والدته التي قالت بصوت هادئ :
" يجب أن نعرضها على طبيب "
أومأ بِشر موافقًا ثم قال :
" معكِ حق لكن ليس الآن ... إنها ترفض الأمر تمامًا "
استغفرت سميحة بعدم رضا ثم سألته بعد لحظات بنبرة يائسة :
" ألا يوجد أي أخبار جديدة عن أخيك ؟!! ... أي شيء ؟!! "
ابتسم لها بِشر ثم قال :
" لقد وصلتني أخبار أنه كان يمكث بلندن حتى وقت قريب "
اتسعت عينا سميحة ثم هتفت بأمل :
" حقًا ؟!! .. هل تأكدت أنه هو ؟!! "
أومأ لها بِشر بعينين مشفقتين على حالها ثم قال بحدس قوي وكل تلك الإشارات التي كانت تصله الفترة الماضية تجعله مستبشرًا خير بأنه سيصل إليه عما قريب :
" هذه المرة أشعر انني اقتربت منه للغاية "
نظرت له سميحة نظرات مترجية أن لا يخيب آمالها هذه المرة فأمسك بِشر بكفيها ثم قال بوعد :
" بإذن الله سترين علي في أقرب وقت ممكن ، هذه المرة لن أسمح لآمالك أن تخيب "

نهاية الفصل الثلاثون والأخير



Hager Haleem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-06-21, 01:09 PM   #64

ساندي بيل22

? العضوٌ??? » 382254
?  التسِجيلٌ » Oct 2016
? مشَارَ?اتْي » 525
?  نُقآطِيْ » ساندي بيل22 is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
الديجور likes this.

ساندي بيل22 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-21, 09:47 PM   #65

Hager Haleem

كاتبة قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Hager Haleem

? العضوٌ??? » 359482
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,301
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Hager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النهارده هختم الجزء الثاني باذن الله مع وعد بعرض الجزء الثالث بعد عيد الاضحى باذن الله شكرا لكل من تابعت و اعطتني بعض من وقتها ❤️❤️

الخاتمة
( ولما تلاقينا )
*******
( بعد عدة أسابيع )
( يوم نهاية اختبارات سندس و رغدة )
" والله لولا الملامة لأطلقت الآن زغرودة يصل مداها حيث يقبع أخيكِ و لرقصت التنورة وأنا أردد أنني أنهيت تعليمي يا بشر "
ضحكت سندس على ملامح رغدة المبتهجة بشكل مثير للارتياب لكنها بدأت تعتاد على تطرف ردود أفعالها وحالاتها المزاجية في بعض الأحيان لتهمهم بعدها بمؤازرة خبيثة :
" لو قلقة من لوم صخر سأتولى أنا الأمر ، فلترقصي كما تشائين وارقصي أيضًا بالنيابة عني فأنا كان يجب أن أعيش هذه اللحظة منذ عامين "
أشارت رغدة إلى بطنها التي مازالت مسطحة وقالت بمسكنة :
" وماذا عن حملي ؟!! "
لوت سندس شفتيها وقالت بتهكم ضاحك بينما يغادرن بوابة الجامعة :
" أي حمل يا رغدة ؟!! .. بحق الله حملات التبرع بالدم يوقفونك أنت ِ دونًا عن بقية خلق الله كل يوم حتى تشاركين معهم "
ضحكت رغدة بدورها وقالت :
" وحين أخبرهم أنني حامل ينظرون لي بتكذيب "
" هذا لأن بطنك ليست بارزة ... أنا نفسي بروز بطني أكبر من بروز بطنك رغم أنني لست حاملًا ولا أي شيء "
لوت رغدة شفتيها بعدم رضا ثم قالت ببساطة بعد لحظات :
" ستحملين عما قريب ، لقد رأتكِ أمي تحملين طفلًا في المنام "
ضحكت سندس وغمغمت :
" هل تصدقين أمر رؤى أمي يا رغدة ؟!! .. إنها تبتدع الأمر وتتعمد قول ذلك أمامي أنا وبِشر حتى نسرع ونحصلكم "
وقفن أمام سيارة سندس بينما تتساءل رغدة بغباء ووقاحة :
" ماذا ستفعلون يعني أكثر مما تفعلونه ؟!! "
نظرت لها سندس بعينين متسعتين فتداركت رغدة نفسها وهمهمت وهي تركب السيارة :
" أقصد أن الأمر كله رزق من الله "
كتمت سندس ضحكتها على وجه رغدة المتورد بخجل ثم حاولت الاتصال ببِشر لكنه لم يجيب فلوت شفتيها بنزق ثم ركبت السيارة بدورها وانطلقت لتغمغم رغدة بعد لحظات :
" ستتناولون الغذاء معنا اليوم .. أليس كذلك ؟!! "
هزت سندس كتفيها بجهل ثم قالت وهي تركز عينيها على الطريق :
" لا أعلم .. أنا أحاول الوصول لبِشر لأرى إن كان له خطة أخرى أو أي شيء لكنه لا يجيب "
ابتسمت رغدة ثم قالت بحماس مرح :
" هيا يا سندس ، سأصنع لكم الغذاء بنفسي "
رفعت سندس حاجبيها ثم علقت بصوت ضاحك :
" هل أدخلتك أمي المطبخ أخيرًا ؟!! "
ضحكت رغدة بدورها ثم قالت ببؤس زائف :
" عكس كل الناس .. منذ أن علمت بخبر حملي وهي تصر عليّ في أمور المطبخ ولا تردد سوى أنها لم تخلفني وتنساني أنا وصخر حتى تطهو لنا كل يوم مع أن أم عابد هي التي تطبخ معظم الوقت لكنني لا أجرؤ على قول ذلك أمامها "
ضحكت سندس وغمغمت بخفة :
" بالطبع .. من خاف سلم "
بينما استطردت رغدة تشكو بحزن زائف :
" وكلما تراني تقول لي أنتِ ستصبحين أم ويجب أن تتعلمين لذة إطعام طفلك مما تصنعه يدكِ ، يجب أن تكوني قدوة ، أظل أردد يا أمي رائحة الطعام تقلب معدتي لكنها لا تبالي أبدًا حتى أنهار منها وأفرغ لها كل ما بمعدتي على أرضية المطبخ .. وقتها فقط تقتنع لساعة ساعتين ثم نُعيد الفيلم من بدايته "
ضحكت سندس على تصرفات أمها ثم قالت من بين ضحكاتها :
" أبشري يا رغدة .. أصبح لكِ حماة متسلطة "
قطبت رغدة ثم قالت بدفاع :
" أنها ليست متسلطة .. هي فقط تحاول إعدادي حتى أكون أمًا جيدة "
لتبتسم بعدها وتغمغم :
" تدلك لي رأسي بزيت اللافندر حينما أشكو لها وجع رأسي ، ترقيني كل ليلة قبل نومي مثلما كانت تفعل معكِ .. و بالأمس أعطتني إحدى معاطفها الجديدة حتى تنتهي من حياكة معطف صوف لي لأرتديه وأنا أشاهد معها التلفاز ليلًا في صالة المنزل فقط لأنني أخبرتها أن الجو فيها يكون باردًا "
ضحكت سندس بخفة ثم غمغمت بدفء :
" أحيانًا أشعر أنكِ تحبينها أكثر من صخر نفسه "
فتهمهم رغدة بانتماء صرف ودون لحظة تردد :
" إنها أمي "
ابتسمت لها سندس ثم كررت بشرود :
" إنها أمي "
لتستطرد بعد لحظات من بين أسنانها بغل :
" أمي التي سأجعلها تقتل بِشر الذي لا يجيب هاتفه "
*****
ابتسامة هادئة احتلت ملامحها حين لمحت وقفته المعتادة أمام المدرسة ..
( علميًا هو هنا من أجل ابنته لكن عمليًا عيناه تركض حيث تظهرين .. ! )
كتمت ابتسامتها حين تذكرك تعليق إحدى زميلاتها المشاغبات على والد لامار الذي لا يكف عن الظهور نهاية كل يوم بحجة أخذ ابنته رغم وجود حافلة نقل للطلبة .. !
وكعادته اكمل الخطوات الباقية بينهما دون أن تنزل عيناه من عليها ثم يهمهم بسؤاله اليومي :
" كيف حالكِ اليوم ؟!! "
ابتسمت لقاء ثم تمتمت بخفة وهي تطلع حولها بحرج :
" الحمد لله "
انتبهت لقاء إلى لمار التي تشد طرف ذراع سترتها فيما تغمغم بطفولية :
" نحن سنذهب إلى المطعم وسنتناول الغذاء هناك .. تعالي معنا يا مس "
توترت لقاء وعقلها لا يساعدها في اتخاذ أي قرار يخص علاقتها بمعتصم وكأنه التزم الحياد تمامًا كما فعل والدها الذي يلتزم الصمت الممتعض فقالت بعد لحظات بسيطة تجنبت فيهم النظر إلى معتصم :
" مرة أخرى حبيبتي "
" لقاء "
وندائه الهادئ استوجب نظرة حذرة منها ..
نظرة جعلته يضيق عينيه بعدم فهم لعدم راحتها الواضح معهما فسألها معتصم بشكل مباشر :
" هل يضايقك أحد بسببي ؟!! "
هزت لقاء رأسها بنفي ثم قالت :
" لا ، لكن البعض أصبح يعلق على ...... "
صمتت ولم تكمل لكنه فهم فزفر ثم قال مفسرًا :
" أنا كنت أنتظر مرور بعض الوقت على وفاة والدتي قبل أن آتـ...... "
قاطعته لقاء بوجه محتقن :
" أنا لم أقصد ما فهمته يا معتصم "
" أعلم "
" إذًا ؟!! "
ابتسم باحتواء دام للحظات ثم سأل بمداعبة :
" هل يأذن لي السيد مأمون بزيارة قريبة ؟!! "
تورد وجه لقاء ثم غمغمت بتوتر :
" لا أعلم "
لتستطرد بعدها بصوت خافت وهي تتلفت حولها بضيق :
" هلا نذهب من هنا من فضلك ؟!! "
هز معتصم رأسه بموافقة ثم تحرك ثلاثتهم فيما يغمغم :
" اقبلي دعوة لمار لكِ يا لقاء من فضلك "
كادت أن تتحدث فقاطعها مستطردًا :
" أنا أريد التحدث معك بشكل طبيعي ، يجب أن نوضح كل شيء .. من فضلكِ تعالي معنا "
التقطت لمار رجائه الأخير فقفزت بحماس وهي تكرر رجائها :
" أجل .. ارجوكِ يا مس تعالي معنا ، ارجوكِ "
كرر معتصم رجاءه بعينيه فأومأت لهما لقاء بحرج بينما تقافزت لمار بسعادة لتُخرج لقاء هاتفها ثم تبعث لوالدها رسالة مختصرة بأنها ستتأخر لبعض الوقت .
بعد وقت بسيط كان ثلاثتهم يجلسون في إحدى المطاعم يتناولون طعام الغذاء ثم نهضت لمار حيث منطقة الأطفال وانشغلت بالألعاب المختلفة مما ترك لهما مساحة للتكلم بحرية .
" ما الذي يوتركِ يا لقاء ؟!! "
وكعادته دائمًا سؤاله مباشر وواضح جعلها تتوتر أكثر وهي تغمغم بمراوغة :
" الكثير "
أخرج معتصم علبة سجائره فيما يقول بإصرار :
" مثل ماذا ؟!! "
زفرت لقاء ثم ثرثرت بصوت خافت :
" جلستنا هذه مثلًا ، كلام زملائي عن حضورك كل يوم ووقوفي معك ، وضعي كأرملة لم يمر على وفاة زوجها عام بعد ، ضيق والدي مني و شعوري بأننـ ..... "
صمتت لا تدري كيف عليها أن تصيغ جملتها دون أن تعرف انها ككتاب مفتوح له فأكمل عنها بمرارة :
" بأنكِ تخونين ذكرى زوجكِ الراحل .. أليس كذلك ؟! "
نكست لقاء رأسها بصمت مرير جعله يزفر ثم يصمت بدوره ليقول بعد دقائق :
" هل يرضيكِ أن اؤجل زيارتي لوالدكِ لبعض الوقت ؟!! "
همهمت لقاء برجاء :
" وتتوقف عن زيارتي في المدرسة "
رفع معتصم حاجبًا معترضًا ثم قال بمراوغة :
" أنا آتي لأخذ لمار "
" معتصم "
همهمت باسمه في رجاء مس قلبه فزفر بقنوط ثم قال :
" حسنًا سآتي أربعة أيام في الأسبوع "
" معتصم "
" حسنًا لنجعلهم ثلاثة أيام في الأسبوع "
" معتصم "
" اثنان .. وهذا أقصى ما أستطيع تقديمه ، والله لا أملك أكثر من ذلك "
اطرقت لقاء بوجهها وشتت نظراتها عنه فناداها بعد لحظات :
" هلا تنظرين لي ؟!! "
استرعى انتباهها ثم غمغم بصوت هادئ .. حان :
" أنا أسعى لأن ننجح هذه المرة فهل ستكونين معي ؟!! .. لننتظر حتى نهاية العام ثم سأتحدث مع والدكِ بشأننا من جديد "
" لكن ابـ.... "
قاطعها معتصم قائلاً بصوت مصمم :
" اتركي أمر والدكِ لي يا لقاء ، أنا سأتكفل بإقناعه "
غمغمت لقاء بصوت قلق :
" هل تظنه قد يقتنع مرة أخرى بعد كل ما حدث ؟!! "
" حينما يرى بعينه تمسكي بكِ سيقتنع ويوافق وإن لم يفعل سأحاول معه مرة واثنان وعشرة وسأقفز له في كل مكان إذا لزم الأمر حتى يقتنع بأنني لن أترككِ تتسربين من يدي هذه المرة ... وأنتِ أيضًا عهد عليّ أن لا اخذلك هذه المرة فهل تثقين بذلك العهد ؟!! "
التزمت لقاء الصمت لكن عيناها تكفلت بالرد بلمعة لا إرادية جعلته يبتسم لها مهمهمًا بافتتان :
( مالكة القلب أنتِ تمكثين فيه بلا رادع ..
تبتسمين فتعبثين بتماسكه وتغيرين فيه كل المواضع ..
ترسلين بعينيكِ كلمة له تسبيه فتجعله لكِ خاضع ..
وتتوهجين كملكة آسرة فيرقيكِ من كل حاسد طامع ..
لأجلكِ عاش عمرًا زاهدًا في نفسه ،مهزومًا في ساحته، روحه تنازع ..
يناديكِ بصمت بحزين أن كفى ،عودي فقد جفت كل المدامع ..
فجئتِ وعاد يخفق من أجلكِ بقوة أعتى من كل قوى المدافع
فليتكِ تدركين أنكِ للقلب نبضه ..
وليتكِ لأجله تهزمين كل الموانع )
*****
" يا حبيبتي والله لم انتبه للهاتف "
همهم بها بِشر للمرة الثالثة على التوالي فهتفت فيه سندس بتوبيخ وكأنها لم تسمع شيء :
" لماذا اشتريته إن كنت لن تجيب حينما يرن ؟!! "
ضحك بِشر بيأس من طباعها المندفعة ثم قال بصوت مهادن ضاحك :
" حسنًا يا حرير الجنة .. أعدكِ المرة القادمة سأجيبك قبل أن تتصلي "
" بِشر لا ترفع لي ضغطي "
ضحك بِشر ثم قال :
" ما عاش من يرفع لحرير جنتي ضغطها "
زفرت سندس وكأنها تهدأ نفسها بينما سألها هو عن الاختبار فقالت :
" جيد .. أخيرًا أنهيت دراستي "
ابتسم بِشر ثم غمغم :
" مبارك يا حرير الجنة .. يجب أن نحتفل بهذه المناسبة "
وافقته سندس وقالت بصوت خفيض متآمر حتى لا يصل إلى رغدة :
" سنحتفل سويًا آخر الليل "
هلل بِشر مغمغمًا :
" يا فرج الله .. لعن الله الاختبارات التي كانت توترك وتبعدك عني كل ليلة "
صمتت سندس قليلًا ثم قالت :
" لقد جعلتك تعاني معي "
ضحكة خافتة صدرت عنه ثم قال بصوت حان :
" فداكِ كل شيء يا سندس .. أنتِ دائمًا الأهم "
لمعت عيناها بعشقه وهمهمت بخفوت شديد :
" بل أنت الأهم والأروع .. لولاك ما وصلنا إلى كل ذلك أبدًا ، أنت من تمسّك بكل ما يخصنا حينما تخليت أنا عن كل شيء .. أنت من تعب وحارب حتى نكمل الطريق الذي بدأناه سويًا "
زفر بِشر متمنيًا أن تكون أمامه الآن ليغمغم بعدها بصوت عاشق :
" لأن من مثلكِ تستحق الحرب والحب ، أنتِ رفيقة طريقي ووجهتي يا سندس "
همهمت سندس بحبها له ثم قالت بعدها :
" لا تتأخر على الغذاء حتى لا توبخك أمي "
ضحك بِشر ثم قال بتكبر :
" خالتي تحبني أكثر منكم جميعًا ولن تغضب مني مهما فعلت "
برطمت سندس بغيظ ككل مرة يخبرها فيها بحب خالته وتفضيلها له ثم أنهت معه المكالمة ليقف بعدها ويتابع بعينيه سير العمل والرضا يغمره فيحمد الله مرارًا على ما وصل له ..
وكأن عطايا الرحمن تتدفق عليه تباعًا كالغيث ..
سندس التي كان يعاني معها من آثار ما حدث بينهما فيما مضى أصبحت تتبدل لأخرى أكثر نضجًا كأنها زهرة ندية تتفتح نحو الحياة من جديد ..
علاقته بأمه التي كانت من سيء لأسوء أصبحت تسير نحو الأفضل ببطء وإن لم تكن مثلما تمنى ولكن على الأقل أفضل من لا شيء ..!
والآن ها هو يراقب نجاحه في عمله بينما يستعد المطعم للاحتفال في الأسبوع المقبل بذكرى افتتاح أول فرع من فروع سلسلة مطاعم حرير الجنة .
حلمه الأول الاستثنائي الذي وضع عليه بصمة اسمها في وقت كان يعاني فيه فراقها وكأنه يرفض بكل الطرق تصديق أن ربما يكون هناك فراق قادم كما كانت تلوح في وجهه دائمًا ليكبر الحلم أمامه يومًا وراء يوم والمطعم الواحد يصبح سلسلة من ثلاث مطاعم .
فقط حلم واحد لم يكتمل بعد ..
حلم واحد ينغص عليه فرحته بما وصل إليه ..
حلم واحد لو حققه لن يتمنى بعده شيء .
علي ..
القطعة المفقودة في حياته والتي لن تكتمل فرحته أبدًا طالما لم يجده !
رغم أن هذه المرة كل الدلائل تشير إلى اقترابه من أخيه إلا أن من تذوق مرارة الخذلان في أمر ما أكثر من مرة سيبقى قلقًا ، خائفًا من التشبث في الأمل حتى اللحظة الأخيرة .
" أخبروني أنك تبحث عني "
التفت بِشر مجفلًا ينظر وراءه إلى ذلك الشاب الذي يحدق فيه بملامح جامدة أو بالأحرى ثلجية ..
اضطرب قلب بِشر وسقط بين قدميه محاولًا تكذيب حدسه ..
ثم ابتلع ريقه ببطء وحدق في الشاب بدوره محاولًا سبر أغواره عله يصل إلى إجابة لسؤاله .. !
عيناه كالجليد ووقفته تشي بلامبالاة رهيبة ..
لا مبالاة غير مفتعلة ..
لا مبالاة يشوبها طيف حقد يظهر ويختفي وكأن رغم مهارة الآخر في إخفاء دواخله إلا أن بعضًا منها يتمرد عليه ويعلن عن نفسه !
هذا أول ما سجله عقله ليتحدث الشاب من جديد فيسأل بإنجليزية خالصة وهو يحرك رقبته بملل :
" أنت بِشر ؟!! "
يومئ بِشر برأسه ولسانه لا يسعفه للنطق بشيء بينما قلبه يتقافز بين ضلوعه ككرة مطاطية دون توقف وعيناه تلتهم ملامح الآخر الذي كان يقف هادئًا بشكل مغيظ له فيتمتم بِشر بسؤاله بعد لحظات عصيبة عليه وهو يدعو الله سرًا الا يخذله هذه المرة :
" أأنت ..... علي ؟؟! "
التوت شفتي الآخر ثم هز رأسه ببساطة بينما كاد بِشر أن يترنح في وقفته وهو يجد نفسه في لحظة يقف أمام ما لهث خلفه عمره كله .. !
أهو حلم ؟!! ..
لعلها هلوسة !!
هلوسة رائعة ستجعله يسجد لله شكرًا ثم يذبح الاضاحي لأنه أخيرًا سيوفي بدينه الذي كبل عنقه لأعوام وأعوام ..
أخيرًا سيستعيد نفسه ويخرج من ذلك الفلك الذي كان يدور به بلا توقف .. !
اقترب منه بِشر بلهفة جلية ثم حاول لمس وجه أخيه وكأنه يؤكد لنفسه أنه يقف أمامه حيًا يتنفس لكن الآخر ابتعد بوجهه وعيناه تعتم بنظرة زاجرة فيما يغمغم بلغته الأم :
" ابتعد "
" أنا لا أصدق "
همهم بها بِشر دون أن ينتبه لنفور الآخر وقد انغمس في مشاعره الخاصة نحوه ليجذبه فجأة دون سابق إنذار ويعانقه فيما يتمتم بلا توقف :
" الحمد لله ، أخيرًا وجدتك .. الحمد لله "
تجمد جسد علي للحظة من الصدمة ثم ابتعد عنه قائلًا بتهكم :
" أعتقد أنني أنا من وجدك "
هز بِشر رأسه فيما يغمغم بسعادة غامرة :
" لا يهم .. المهم أنك أخيرًا عدت "
التمعت نظرة المكر في حدقتي آل ليغمغم وراءه :
" بلى ، لقد عدت "
أمسك به بِشر يجره وراءه حرفيًا وهو يغمغم بصوت متأثر :
" تعال .. تعال يجب أن نذهب إلى أمي وفداء "
ليلتفت إليه بعدها سائلًا بعينين متوهجتين :
" هل تذكرهن ؟!! .. هل تذكرني أنا ؟!! "
" أتذكر ما يكفيني "
وكأن ذلك الرد كان لطمة لبِشر الذي التقط أخيرًا برود أخيه لكنه أوعز الأمر إلى سنوات الغربة التي عاشها بعيدًا عنهم فتمتم وهما يتحركان نحو السيارة من جديد :
" لا بأس .. سنذكرك بكل شيء "
ركب بِشر سيارته وانتظره حتى يركب بدوره لكن آل أشار إليه فيما يقول بصوت هادئ :
" انطلق أنت وسآتي خلفك بسيارتي "
" تعالى معي أفضل "
همهم بها بِشر لكن آل تجاهله وذهب حيث صف سيارته ثم ركبها معلنًا بذلك إصراره على موقفه فتنهد بِشر يصبر نفسه بقرب اللقاء الذي عاش عمره كله يتخيله .
*********
" الحمد لله على السلامة .. طمأنوني ، كيف بليتن في الامتحان ؟!! "
غمغم صخر بسؤاله وهو يتطلع فيهن باهتمام فأجابت رغدة مبتسمة :
" الحمد لله .. لقد ضمنت التخرج "
تمتم صخر بالحمد بينما سألت سندس وهي تتجول بنظراتها في المنزل :
" أين أمي ؟!! "
أشار صخر برأسه تجاه المطبخ وهو يجيب :
" تحضر لكن الغذاء "
دخلت سندس إلى أمها بينما ألقت رغدة بنفسها جواره على الأريكة وهي تهمهم بصوت مرهق :
" يا الله ... وأخيرًا انتهينا من الدراسة "
ابتسم لها صخر بحنان ومسد على ذراعها بخفة ليقربها بعد ذلك منه متمتمًا بصوت خافت ونبرة فرحة :
" مبروك تخرجكِ يا هريرة "
رفعت رغدة رأسها وقبلت وجنته بخفة وردت عليه بشقاوة :
" قل مبروك الإفراج "
ضحك صخر بخفة بينما اعتدلت وهي تسأل بحماس :
" أين المفاجأة التي أخبرتني عنها ؟!! "
قرص صخر وجنتها بمشاكسة فيما يقول بصوت ضاحك :
" ألا تنسين أبدًا ؟!! .. لقد وعدتك بها منذ أكثر من شهر "
ضربت رغدة يده التي تقرصها وقالت :
" لا يخصني ، لقد أخبرتني أنك تحضر لي مفاجأة وستخبرني عنها يوم تخرجي .. وأنا من يومها أنتظر على نار "
أومأ لها صخر بموافقة ثم قال وهو يُخرج بضعة أوراق من وراءه :
" أجل وعدتكِ .. وها هي مفاجأتك "
قطبت رغدة بعدم فهم ثم أخذت منه الأوراق تمرر عيونها على السطور بتركيز لتتسع عيناها تدريجيًا ثم تدمع بتأثر لتنظر إليه بعدها متمتمة بخفوت ذاهل :
" حقًا ؟!! ... هل اشتريت هذا المعرض ؟!! "
ابتسم صخر لعينيها الدامعتين ثم أجاب مشاكسًا :
" ألم تثرثري فوق رأسي أكثر من مرة عن رغبتكِ في العمل ؟!! .. لقد اشتريت هذا المكان لكِ حتى تعرضين فيه المصوغات التي تصنعينها "
اتسعت ابتسامة رغدة حتى شملت وجهها كله ثم قفرت عليه بلا حذر وأمطرت وجهه بالقبلات وهي تهتف بالشكر بين كل قبلة وأخرى فابعدها صخر بسرعة والتفت وراءه قائلًا بحرج :
" هل جننتِ ؟! .. أمي وسندس قد يخرجن في أي لحظة "
نظرت رغدة إلى المطبخ ثم قالت بجنون :
" حسنًا لنصعد إلى غرفتنا "
اتسعت عيناه ثم ضحك قائلًا :
" وبما سنبرر اختفائنا يا ذكية ؟!! "
" أنا امرأة حامل ويجب أن أرتاح قليلًا "
لتتبع قولها بإصرار مضحك :
" هيا يا صخر .. أريد أن أقبلك الآن "
قهقه صخر ثم قال بذهول ضاحك :
" لقد انحرفتِ تمامًا .. لقد سمعت أن طباع النساء تتبدل في فترة الحمل لكن ليس لهذه الدرجة ! "
ضحكت رغدة بدورها ثم نهضت تسحبه معها إلى الأعلى فتوقف صخر أمام أول درجة ثم التفت وراءه ليرى إن كانت أمه أو سندس قد انتبهن إلى ما يحدث ثم عاد إلى رغدة وحملها بسرعة ليصعد بها إلى الأعلى مهمهمًا بجملتها السابقة بعبث :
" أنتِ امرأة حامل ويجب أن ترتاحي قليلًا "
كتمت رغدة ضحكتها في كتفه لينزلها في غرفتهما وهو يتمتم بإغواء أمام شفتيها :
" هيا يا هريرتي .. أريني كيف ستشكرينني "
تبتسم رغدة لعيناه ثم تترك لنفسها حرية التحليق في سمائه ، تستمتع بكل لحظة بين ذراعيه وتنهل من شعور أنها مرغوبة ..
فهي قبله كانت مجهولة ، منسية ..
والآن شيدت عالمها في بيته .. فوق صدره وبين ذراعيه ..
صاحب المروج الخضراء الذي أصبح في يوم وليلة أمانها وحارسها ، صخرتها الداعمة ومصدر قوتها التي تنمو في احشائها يومًا وراء يوم .
رفع عيناه إليها يهمهم بنبرة خافتة .. حارة هو يحدق في عينيها المسبلتين :
" هريرتي "
فنظرت إليه لتلتقي نظراتهما وتتشابك بوعد غير منطوق فتتمتم رغدة بصوت شديد الخفوت :
" أحبك يا صاحب المروج الخضراء "
تبتسم عيناه قبل شفتيه وتتحسس أصابعه بطنها وهو يغمغم بدوره :
" وأنا أذوب بكِ يا هريرة "
*******
صف بِشر السيارة أمام منزل والدته فلمحته فداء من شرفتها وركضت حتى تستقبله بينما نظر هو في المرآة الأمامية إلى سيارة علي التي توقفت بدورها وراءه ..
طوال الطريق وعينه لا تنزل عن تلك السيارة وصاحبها وكأنه إذا غفل عنه للحظة واحدة سيضيع منه من جديد وسط الزحام ..
زفر بِشر بأعصاب على الحافة ثم نزل من السيارة ينتظر نزول علي ..
علي الذي وقف يحدق في المكان بنظرة تأملية باردة وكأنه يُعاين مداخل ومخارج المنزل لينتبه إلى بِشر الذي ناداه حتى يقترب فيتحركا سويًا نحو المنزل وقلب كلًا منهما يضرب بقوة لكن لسبب مختلف ..
وفي الداخل ركضت فداء على الدرج حتى تفتح الباب وضربات قلبها تسابقها في الحركة لسبب لا تدركه ..
وكأن خلف طرقات الباب ينتظرها أمر مهول ..
شيئا ً ما يتحرك في قلبها ..
شعور غريب لا تفطن ماهيته ..!
شعور يمدها بطاقة رهيبة تجعلها تسرع أكثر فتلهث ..!
رمشت عدة مرات ثم وضعت كفها بخفة فوق موضع قلبها وكأنها تحاول تحديد موضع نقطة الاختلاف ..
لا تزال طرقات الباب على حالها و لا يزال قلبها يقرع بشكل مختلف ..
ضحكت على سخافتها ثم اقتربت بخفة فراشة تفتح الباب والابتسامة الحلوة لا تفارق ملامحها فيما تتمتم بطفولية ترفض التفريط فيها :
" بِشر ! .. ما هذه المفاجأة الرائعة ، تعال "
شدته اليها لتتسمر عيناها على من يقف خلفه ..!
لم ينطق بِشر بحرف ولم تنبس هي ببنت شفة و قلبها بات يرتج بين ضلوعها بينما عيناها تحدق فيمن يبادلها التحديق باستكشاف ملحوظ ..
وكأنهما انفصلا عن الواقع تمامًا ..
وكلاهما يبحث عن تأكيدات لشكوكه ..
فهو لأول مرة يراها عن قرب ويستكشف ملامح وجهها بحرية ..
حتى تلك الليلة التي تسلل فيها إلى المنزل كان الظلام عائقًا بينهما ولم يكن ليُجازف ويحتفظ بصورة لها معه ..
كلاهما يقف في المنتصف لا يقوى على التراجع ولا حتى على القرب ..
أقدامهما متيبسة موضعها بينما نظراتهما التحمت برباط قديم عمره أكثر من عشرين عامًا ..!
عشرون عامًا كانوا عمرًا يجب أن يعيشونه سويًا لكن القدر فرقهما ..
" من هذا ؟!! "
لا تعلم إذا كان السؤال غادر حلقها أم ظل بموضعه يبحث عن رد .. أو بالأحرى تأكيد ..!
دمعت عينا بِشر تاركًا لها لحظتها الخاصة عل شوقها ولهفتها تصيب قلب الآخر فتذيب بعضًا من جليده .. !
هو ليس بأحمق و قد أدرك جيدًا أن رؤية فداء قد أثرت به إلى حد كبير والدليل صمته التام ونظرته التي توشي بما يرفض هو الاعتراف به .
" علي ! .. هذا علي ؟!! "
ألقت سؤالها بعينين دامعتين وهي تشير إليه بحذر شديد ..
زرقة عيناها بنقاء وطهر السماء ..
وزرقة عيناه بعمق المحيط ..
وبِشر بينهما على الأرض يراقب ويدقق وقد يحمي ويدافع في الوقت المناسب !
فتلك الدقائق التي قضاها بمفرده في طريقه إلى هنا جعلته يستعيد توازنه المفقود من هول المفاجأة ويحلل نظرات علي النافرة منه .
" علي !!!! "
والسؤال الصارخ المهتز هذه المرة بصوت أمه فيبعد عيناه عن إخوته وينظر إليها مقطبًا حاجبيه بوجع فيراها تضع كفها فوق شفتيها تمنع شهقة ألم من الخروج لكن دموعها تعاندها و تسيل مدرارّا فوق وجنتيها ..
تدمع عيناه تلقائياً لكنه يعاند كل جوارحه التي تطالبه بالبكاء وينظر إليها نظرة من أخيرًا أوفى بدينه !
لقد وصل أخيرًا إلى نهاية الطريق بعد حرب دامت لأعوام طويلة استنزفته ..
أما علي فيقف قبالتهم جميعًا لا يبدي أي رد فعل عدا عيناه التي تختلف نظرتها حسب الواقف أمامه ..!
فبعد الارتباك حل الصمت ..
بعد فداء حلت أمه ..
ولكل منهن نظرة تخصها ..
" ماذا هناك ؟!! .. لما تصرخون ؟!! "
ضاع سؤال فضة وسط نحيب سميحة المرتفع التي شدته إليها تعانقه بحرمان سنوات طويلة مرت عليها بدونه ..
فلذة كبدها الذي سُرق منها دون أن تشبع منه !
صغيرها الذي لم ترى أول يوم له في المدرسة ..
لم تدرس له مثلما كانت تفعل مع إخوته ..
لم تختار له ثيابه و لم تشاهد قفزات لعبه !
تأوهت بحرقة وهي تضمه إليها أكثر تمسد على كل جزء فيه بينما ظلت ذراعيه هو موضعها دون أن تتحرك انشًا واحدًا لتلتقي نظراته عرضًا بعينين بنيتين تحدقان فيه باستكشاف تبعه إدراك فتومض عيناه بمكر مدركًا أن الشرسة مجهولة الهوية قد تعرفت عليه من أول مرة تلتقي به فيها فيتأملها هو الآخر بدوره وقد اختفت تلك الكدمات التي كانت تحجب ملامحها عنه المرة الماضية ..
هذه المرة الظلمة لا تفصل بينهما ..
هذه المرة ملامحها واضحة وصافية ..
هذه المرة تغطي شعرها أسفل وشاح اسود يلائم بشرتها الخمرية وعينيها البنية ..
أما هي فكانت تحدق في عينيه الزرقاوتين والأرض ترتج من تحتها ..
إنه هو .. ذلك المتسلل الذي لم يراه غيرها !
نفس العينين المخيفتين ..
نفس العطر القوي ..
فقط لو يتكلم يتكـ...........
قاطع أفكارها بصوت هادئ مستفز وانجليزيته تحضر بقوة وكأنه ادرك ما تفكر فيه فقرر أن يقطع لها الشك باليقين :
" مرحبًا أنا آل "

_ تمت _

إلى اللقاء قريب بإذن الله مع الجزء الثالث من السلسلة
( ولما تلاقينا )

عدو في المرآة
بداية النشر : 31/ 5/ 2020
انتهت : 24 /1/ 2021




Hager Haleem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-06-21, 01:28 AM   #66

Soy yo
عضو جديد

? العضوٌ??? » 390429
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 483
?  نُقآطِيْ » Soy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond repute
افتراضي

رواية رائعة..سلمت يمناك...اسلوب رائع وسلس ...ننتظر جزء التالت على أحر من الجمر موفقه حبيبتي...واستمتعت بمتابعة روايتك ...
الديجور likes this.

Soy yo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-21, 12:22 AM   #67

lodinahle

? العضوٌ??? » 412967
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 393
?  نُقآطِيْ » lodinahle is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hager haleem مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النهارده هختم الجزء الثاني باذن الله مع وعد بعرض الجزء الثالث بعد عيد الاضحى باذن الله شكرا لكل من تابعت و اعطتني بعض من وقتها ❤️❤️

الخاتمة
( ولما تلاقينا )
*******
( بعد عدة أسابيع )
( يوم نهاية اختبارات سندس و رغدة )
" والله لولا الملامة لأطلقت الآن زغرودة يصل مداها حيث يقبع أخيكِ و لرقصت التنورة وأنا أردد أنني أنهيت تعليمي يا بشر "
ضحكت سندس على ملامح رغدة المبتهجة بشكل مثير للارتياب لكنها بدأت تعتاد على تطرف ردود أفعالها وحالاتها المزاجية في بعض الأحيان لتهمهم بعدها بمؤازرة خبيثة :
" لو قلقة من لوم صخر سأتولى أنا الأمر ، فلترقصي كما تشائين وارقصي أيضًا بالنيابة عني فأنا كان يجب أن أعيش هذه اللحظة منذ عامين "
أشارت رغدة إلى بطنها التي مازالت مسطحة وقالت بمسكنة :
" وماذا عن حملي ؟!! "
لوت سندس شفتيها وقالت بتهكم ضاحك بينما يغادرن بوابة الجامعة :
" أي حمل يا رغدة ؟!! .. بحق الله حملات التبرع بالدم يوقفونك أنت ِ دونًا عن بقية خلق الله كل يوم حتى تشاركين معهم "
ضحكت رغدة بدورها وقالت :
" وحين أخبرهم أنني حامل ينظرون لي بتكذيب "
" هذا لأن بطنك ليست بارزة ... أنا نفسي بروز بطني أكبر من بروز بطنك رغم أنني لست حاملًا ولا أي شيء "
لوت رغدة شفتيها بعدم رضا ثم قالت ببساطة بعد لحظات :
" ستحملين عما قريب ، لقد رأتكِ أمي تحملين طفلًا في المنام "
ضحكت سندس وغمغمت :
" هل تصدقين أمر رؤى أمي يا رغدة ؟!! .. إنها تبتدع الأمر وتتعمد قول ذلك أمامي أنا وبِشر حتى نسرع ونحصلكم "
وقفن أمام سيارة سندس بينما تتساءل رغدة بغباء ووقاحة :
" ماذا ستفعلون يعني أكثر مما تفعلونه ؟!! "
نظرت لها سندس بعينين متسعتين فتداركت رغدة نفسها وهمهمت وهي تركب السيارة :
" أقصد أن الأمر كله رزق من الله "
كتمت سندس ضحكتها على وجه رغدة المتورد بخجل ثم حاولت الاتصال ببِشر لكنه لم يجيب فلوت شفتيها بنزق ثم ركبت السيارة بدورها وانطلقت لتغمغم رغدة بعد لحظات :
" ستتناولون الغذاء معنا اليوم .. أليس كذلك ؟!! "
هزت سندس كتفيها بجهل ثم قالت وهي تركز عينيها على الطريق :
" لا أعلم .. أنا أحاول الوصول لبِشر لأرى إن كان له خطة أخرى أو أي شيء لكنه لا يجيب "
ابتسمت رغدة ثم قالت بحماس مرح :
" هيا يا سندس ، سأصنع لكم الغذاء بنفسي "
رفعت سندس حاجبيها ثم علقت بصوت ضاحك :
" هل أدخلتك أمي المطبخ أخيرًا ؟!! "
ضحكت رغدة بدورها ثم قالت ببؤس زائف :
" عكس كل الناس .. منذ أن علمت بخبر حملي وهي تصر عليّ في أمور المطبخ ولا تردد سوى أنها لم تخلفني وتنساني أنا وصخر حتى تطهو لنا كل يوم مع أن أم عابد هي التي تطبخ معظم الوقت لكنني لا أجرؤ على قول ذلك أمامها "
ضحكت سندس وغمغمت بخفة :
" بالطبع .. من خاف سلم "
بينما استطردت رغدة تشكو بحزن زائف :
" وكلما تراني تقول لي أنتِ ستصبحين أم ويجب أن تتعلمين لذة إطعام طفلك مما تصنعه يدكِ ، يجب أن تكوني قدوة ، أظل أردد يا أمي رائحة الطعام تقلب معدتي لكنها لا تبالي أبدًا حتى أنهار منها وأفرغ لها كل ما بمعدتي على أرضية المطبخ .. وقتها فقط تقتنع لساعة ساعتين ثم نُعيد الفيلم من بدايته "
ضحكت سندس على تصرفات أمها ثم قالت من بين ضحكاتها :
" أبشري يا رغدة .. أصبح لكِ حماة متسلطة "
قطبت رغدة ثم قالت بدفاع :
" أنها ليست متسلطة .. هي فقط تحاول إعدادي حتى أكون أمًا جيدة "
لتبتسم بعدها وتغمغم :
" تدلك لي رأسي بزيت اللافندر حينما أشكو لها وجع رأسي ، ترقيني كل ليلة قبل نومي مثلما كانت تفعل معكِ .. و بالأمس أعطتني إحدى معاطفها الجديدة حتى تنتهي من حياكة معطف صوف لي لأرتديه وأنا أشاهد معها التلفاز ليلًا في صالة المنزل فقط لأنني أخبرتها أن الجو فيها يكون باردًا "
ضحكت سندس بخفة ثم غمغمت بدفء :
" أحيانًا أشعر أنكِ تحبينها أكثر من صخر نفسه "
فتهمهم رغدة بانتماء صرف ودون لحظة تردد :
" إنها أمي "
ابتسمت لها سندس ثم كررت بشرود :
" إنها أمي "
لتستطرد بعد لحظات من بين أسنانها بغل :
" أمي التي سأجعلها تقتل بِشر الذي لا يجيب هاتفه "
*****
ابتسامة هادئة احتلت ملامحها حين لمحت وقفته المعتادة أمام المدرسة ..
( علميًا هو هنا من أجل ابنته لكن عمليًا عيناه تركض حيث تظهرين .. ! )
كتمت ابتسامتها حين تذكرك تعليق إحدى زميلاتها المشاغبات على والد لامار الذي لا يكف عن الظهور نهاية كل يوم بحجة أخذ ابنته رغم وجود حافلة نقل للطلبة .. !
وكعادته اكمل الخطوات الباقية بينهما دون أن تنزل عيناه من عليها ثم يهمهم بسؤاله اليومي :
" كيف حالكِ اليوم ؟!! "
ابتسمت لقاء ثم تمتمت بخفة وهي تطلع حولها بحرج :
" الحمد لله "
انتبهت لقاء إلى لمار التي تشد طرف ذراع سترتها فيما تغمغم بطفولية :
" نحن سنذهب إلى المطعم وسنتناول الغذاء هناك .. تعالي معنا يا مس "
توترت لقاء وعقلها لا يساعدها في اتخاذ أي قرار يخص علاقتها بمعتصم وكأنه التزم الحياد تمامًا كما فعل والدها الذي يلتزم الصمت الممتعض فقالت بعد لحظات بسيطة تجنبت فيهم النظر إلى معتصم :
" مرة أخرى حبيبتي "
" لقاء "
وندائه الهادئ استوجب نظرة حذرة منها ..
نظرة جعلته يضيق عينيه بعدم فهم لعدم راحتها الواضح معهما فسألها معتصم بشكل مباشر :
" هل يضايقك أحد بسببي ؟!! "
هزت لقاء رأسها بنفي ثم قالت :
" لا ، لكن البعض أصبح يعلق على ...... "
صمتت ولم تكمل لكنه فهم فزفر ثم قال مفسرًا :
" أنا كنت أنتظر مرور بعض الوقت على وفاة والدتي قبل أن آتـ...... "
قاطعته لقاء بوجه محتقن :
" أنا لم أقصد ما فهمته يا معتصم "
" أعلم "
" إذًا ؟!! "
ابتسم باحتواء دام للحظات ثم سأل بمداعبة :
" هل يأذن لي السيد مأمون بزيارة قريبة ؟!! "
تورد وجه لقاء ثم غمغمت بتوتر :
" لا أعلم "
لتستطرد بعدها بصوت خافت وهي تتلفت حولها بضيق :
" هلا نذهب من هنا من فضلك ؟!! "
هز معتصم رأسه بموافقة ثم تحرك ثلاثتهم فيما يغمغم :
" اقبلي دعوة لمار لكِ يا لقاء من فضلك "
كادت أن تتحدث فقاطعها مستطردًا :
" أنا أريد التحدث معك بشكل طبيعي ، يجب أن نوضح كل شيء .. من فضلكِ تعالي معنا "
التقطت لمار رجائه الأخير فقفزت بحماس وهي تكرر رجائها :
" أجل .. ارجوكِ يا مس تعالي معنا ، ارجوكِ "
كرر معتصم رجاءه بعينيه فأومأت لهما لقاء بحرج بينما تقافزت لمار بسعادة لتُخرج لقاء هاتفها ثم تبعث لوالدها رسالة مختصرة بأنها ستتأخر لبعض الوقت .
بعد وقت بسيط كان ثلاثتهم يجلسون في إحدى المطاعم يتناولون طعام الغذاء ثم نهضت لمار حيث منطقة الأطفال وانشغلت بالألعاب المختلفة مما ترك لهما مساحة للتكلم بحرية .
" ما الذي يوتركِ يا لقاء ؟!! "
وكعادته دائمًا سؤاله مباشر وواضح جعلها تتوتر أكثر وهي تغمغم بمراوغة :
" الكثير "
أخرج معتصم علبة سجائره فيما يقول بإصرار :
" مثل ماذا ؟!! "
زفرت لقاء ثم ثرثرت بصوت خافت :
" جلستنا هذه مثلًا ، كلام زملائي عن حضورك كل يوم ووقوفي معك ، وضعي كأرملة لم يمر على وفاة زوجها عام بعد ، ضيق والدي مني و شعوري بأننـ ..... "
صمتت لا تدري كيف عليها أن تصيغ جملتها دون أن تعرف انها ككتاب مفتوح له فأكمل عنها بمرارة :
" بأنكِ تخونين ذكرى زوجكِ الراحل .. أليس كذلك ؟! "
نكست لقاء رأسها بصمت مرير جعله يزفر ثم يصمت بدوره ليقول بعد دقائق :
" هل يرضيكِ أن اؤجل زيارتي لوالدكِ لبعض الوقت ؟!! "
همهمت لقاء برجاء :
" وتتوقف عن زيارتي في المدرسة "
رفع معتصم حاجبًا معترضًا ثم قال بمراوغة :
" أنا آتي لأخذ لمار "
" معتصم "
همهمت باسمه في رجاء مس قلبه فزفر بقنوط ثم قال :
" حسنًا سآتي أربعة أيام في الأسبوع "
" معتصم "
" حسنًا لنجعلهم ثلاثة أيام في الأسبوع "
" معتصم "
" اثنان .. وهذا أقصى ما أستطيع تقديمه ، والله لا أملك أكثر من ذلك "
اطرقت لقاء بوجهها وشتت نظراتها عنه فناداها بعد لحظات :
" هلا تنظرين لي ؟!! "
استرعى انتباهها ثم غمغم بصوت هادئ .. حان :
" أنا أسعى لأن ننجح هذه المرة فهل ستكونين معي ؟!! .. لننتظر حتى نهاية العام ثم سأتحدث مع والدكِ بشأننا من جديد "
" لكن ابـ.... "
قاطعها معتصم قائلاً بصوت مصمم :
" اتركي أمر والدكِ لي يا لقاء ، أنا سأتكفل بإقناعه "
غمغمت لقاء بصوت قلق :
" هل تظنه قد يقتنع مرة أخرى بعد كل ما حدث ؟!! "
" حينما يرى بعينه تمسكي بكِ سيقتنع ويوافق وإن لم يفعل سأحاول معه مرة واثنان وعشرة وسأقفز له في كل مكان إذا لزم الأمر حتى يقتنع بأنني لن أترككِ تتسربين من يدي هذه المرة ... وأنتِ أيضًا عهد عليّ أن لا اخذلك هذه المرة فهل تثقين بذلك العهد ؟!! "
التزمت لقاء الصمت لكن عيناها تكفلت بالرد بلمعة لا إرادية جعلته يبتسم لها مهمهمًا بافتتان :
( مالكة القلب أنتِ تمكثين فيه بلا رادع ..
تبتسمين فتعبثين بتماسكه وتغيرين فيه كل المواضع ..
ترسلين بعينيكِ كلمة له تسبيه فتجعله لكِ خاضع ..
وتتوهجين كملكة آسرة فيرقيكِ من كل حاسد طامع ..
لأجلكِ عاش عمرًا زاهدًا في نفسه ،مهزومًا في ساحته، روحه تنازع ..
يناديكِ بصمت بحزين أن كفى ،عودي فقد جفت كل المدامع ..
فجئتِ وعاد يخفق من أجلكِ بقوة أعتى من كل قوى المدافع
فليتكِ تدركين أنكِ للقلب نبضه ..
وليتكِ لأجله تهزمين كل الموانع )
*****
" يا حبيبتي والله لم انتبه للهاتف "
همهم بها بِشر للمرة الثالثة على التوالي فهتفت فيه سندس بتوبيخ وكأنها لم تسمع شيء :
" لماذا اشتريته إن كنت لن تجيب حينما يرن ؟!! "
ضحك بِشر بيأس من طباعها المندفعة ثم قال بصوت مهادن ضاحك :
" حسنًا يا حرير الجنة .. أعدكِ المرة القادمة سأجيبك قبل أن تتصلي "
" بِشر لا ترفع لي ضغطي "
ضحك بِشر ثم قال :
" ما عاش من يرفع لحرير جنتي ضغطها "
زفرت سندس وكأنها تهدأ نفسها بينما سألها هو عن الاختبار فقالت :
" جيد .. أخيرًا أنهيت دراستي "
ابتسم بِشر ثم غمغم :
" مبارك يا حرير الجنة .. يجب أن نحتفل بهذه المناسبة "
وافقته سندس وقالت بصوت خفيض متآمر حتى لا يصل إلى رغدة :
" سنحتفل سويًا آخر الليل "
هلل بِشر مغمغمًا :
" يا فرج الله .. لعن الله الاختبارات التي كانت توترك وتبعدك عني كل ليلة "
صمتت سندس قليلًا ثم قالت :
" لقد جعلتك تعاني معي "
ضحكة خافتة صدرت عنه ثم قال بصوت حان :
" فداكِ كل شيء يا سندس .. أنتِ دائمًا الأهم "
لمعت عيناها بعشقه وهمهمت بخفوت شديد :
" بل أنت الأهم والأروع .. لولاك ما وصلنا إلى كل ذلك أبدًا ، أنت من تمسّك بكل ما يخصنا حينما تخليت أنا عن كل شيء .. أنت من تعب وحارب حتى نكمل الطريق الذي بدأناه سويًا "
زفر بِشر متمنيًا أن تكون أمامه الآن ليغمغم بعدها بصوت عاشق :
" لأن من مثلكِ تستحق الحرب والحب ، أنتِ رفيقة طريقي ووجهتي يا سندس "
همهمت سندس بحبها له ثم قالت بعدها :
" لا تتأخر على الغذاء حتى لا توبخك أمي "
ضحك بِشر ثم قال بتكبر :
" خالتي تحبني أكثر منكم جميعًا ولن تغضب مني مهما فعلت "
برطمت سندس بغيظ ككل مرة يخبرها فيها بحب خالته وتفضيلها له ثم أنهت معه المكالمة ليقف بعدها ويتابع بعينيه سير العمل والرضا يغمره فيحمد الله مرارًا على ما وصل له ..
وكأن عطايا الرحمن تتدفق عليه تباعًا كالغيث ..
سندس التي كان يعاني معها من آثار ما حدث بينهما فيما مضى أصبحت تتبدل لأخرى أكثر نضجًا كأنها زهرة ندية تتفتح نحو الحياة من جديد ..
علاقته بأمه التي كانت من سيء لأسوء أصبحت تسير نحو الأفضل ببطء وإن لم تكن مثلما تمنى ولكن على الأقل أفضل من لا شيء ..!
والآن ها هو يراقب نجاحه في عمله بينما يستعد المطعم للاحتفال في الأسبوع المقبل بذكرى افتتاح أول فرع من فروع سلسلة مطاعم حرير الجنة .
حلمه الأول الاستثنائي الذي وضع عليه بصمة اسمها في وقت كان يعاني فيه فراقها وكأنه يرفض بكل الطرق تصديق أن ربما يكون هناك فراق قادم كما كانت تلوح في وجهه دائمًا ليكبر الحلم أمامه يومًا وراء يوم والمطعم الواحد يصبح سلسلة من ثلاث مطاعم .
فقط حلم واحد لم يكتمل بعد ..
حلم واحد ينغص عليه فرحته بما وصل إليه ..
حلم واحد لو حققه لن يتمنى بعده شيء .
علي ..
القطعة المفقودة في حياته والتي لن تكتمل فرحته أبدًا طالما لم يجده !
رغم أن هذه المرة كل الدلائل تشير إلى اقترابه من أخيه إلا أن من تذوق مرارة الخذلان في أمر ما أكثر من مرة سيبقى قلقًا ، خائفًا من التشبث في الأمل حتى اللحظة الأخيرة .
" أخبروني أنك تبحث عني "
التفت بِشر مجفلًا ينظر وراءه إلى ذلك الشاب الذي يحدق فيه بملامح جامدة أو بالأحرى ثلجية ..
اضطرب قلب بِشر وسقط بين قدميه محاولًا تكذيب حدسه ..
ثم ابتلع ريقه ببطء وحدق في الشاب بدوره محاولًا سبر أغواره عله يصل إلى إجابة لسؤاله .. !
عيناه كالجليد ووقفته تشي بلامبالاة رهيبة ..
لا مبالاة غير مفتعلة ..
لا مبالاة يشوبها طيف حقد يظهر ويختفي وكأن رغم مهارة الآخر في إخفاء دواخله إلا أن بعضًا منها يتمرد عليه ويعلن عن نفسه !
هذا أول ما سجله عقله ليتحدث الشاب من جديد فيسأل بإنجليزية خالصة وهو يحرك رقبته بملل :
" أنت بِشر ؟!! "
يومئ بِشر برأسه ولسانه لا يسعفه للنطق بشيء بينما قلبه يتقافز بين ضلوعه ككرة مطاطية دون توقف وعيناه تلتهم ملامح الآخر الذي كان يقف هادئًا بشكل مغيظ له فيتمتم بِشر بسؤاله بعد لحظات عصيبة عليه وهو يدعو الله سرًا الا يخذله هذه المرة :
" أأنت ..... علي ؟؟! "
التوت شفتي الآخر ثم هز رأسه ببساطة بينما كاد بِشر أن يترنح في وقفته وهو يجد نفسه في لحظة يقف أمام ما لهث خلفه عمره كله .. !
أهو حلم ؟!! ..
لعلها هلوسة !!
هلوسة رائعة ستجعله يسجد لله شكرًا ثم يذبح الاضاحي لأنه أخيرًا سيوفي بدينه الذي كبل عنقه لأعوام وأعوام ..
أخيرًا سيستعيد نفسه ويخرج من ذلك الفلك الذي كان يدور به بلا توقف .. !
اقترب منه بِشر بلهفة جلية ثم حاول لمس وجه أخيه وكأنه يؤكد لنفسه أنه يقف أمامه حيًا يتنفس لكن الآخر ابتعد بوجهه وعيناه تعتم بنظرة زاجرة فيما يغمغم بلغته الأم :
" ابتعد "
" أنا لا أصدق "
همهم بها بِشر دون أن ينتبه لنفور الآخر وقد انغمس في مشاعره الخاصة نحوه ليجذبه فجأة دون سابق إنذار ويعانقه فيما يتمتم بلا توقف :
" الحمد لله ، أخيرًا وجدتك .. الحمد لله "
تجمد جسد علي للحظة من الصدمة ثم ابتعد عنه قائلًا بتهكم :
" أعتقد أنني أنا من وجدك "
هز بِشر رأسه فيما يغمغم بسعادة غامرة :
" لا يهم .. المهم أنك أخيرًا عدت "
التمعت نظرة المكر في حدقتي آل ليغمغم وراءه :
" بلى ، لقد عدت "
أمسك به بِشر يجره وراءه حرفيًا وهو يغمغم بصوت متأثر :
" تعال .. تعال يجب أن نذهب إلى أمي وفداء "
ليلتفت إليه بعدها سائلًا بعينين متوهجتين :
" هل تذكرهن ؟!! .. هل تذكرني أنا ؟!! "
" أتذكر ما يكفيني "
وكأن ذلك الرد كان لطمة لبِشر الذي التقط أخيرًا برود أخيه لكنه أوعز الأمر إلى سنوات الغربة التي عاشها بعيدًا عنهم فتمتم وهما يتحركان نحو السيارة من جديد :
" لا بأس .. سنذكرك بكل شيء "
ركب بِشر سيارته وانتظره حتى يركب بدوره لكن آل أشار إليه فيما يقول بصوت هادئ :
" انطلق أنت وسآتي خلفك بسيارتي "
" تعالى معي أفضل "
همهم بها بِشر لكن آل تجاهله وذهب حيث صف سيارته ثم ركبها معلنًا بذلك إصراره على موقفه فتنهد بِشر يصبر نفسه بقرب اللقاء الذي عاش عمره كله يتخيله .
*********
" الحمد لله على السلامة .. طمأنوني ، كيف بليتن في الامتحان ؟!! "
غمغم صخر بسؤاله وهو يتطلع فيهن باهتمام فأجابت رغدة مبتسمة :
" الحمد لله .. لقد ضمنت التخرج "
تمتم صخر بالحمد بينما سألت سندس وهي تتجول بنظراتها في المنزل :
" أين أمي ؟!! "
أشار صخر برأسه تجاه المطبخ وهو يجيب :
" تحضر لكن الغذاء "
دخلت سندس إلى أمها بينما ألقت رغدة بنفسها جواره على الأريكة وهي تهمهم بصوت مرهق :
" يا الله ... وأخيرًا انتهينا من الدراسة "
ابتسم لها صخر بحنان ومسد على ذراعها بخفة ليقربها بعد ذلك منه متمتمًا بصوت خافت ونبرة فرحة :
" مبروك تخرجكِ يا هريرة "
رفعت رغدة رأسها وقبلت وجنته بخفة وردت عليه بشقاوة :
" قل مبروك الإفراج "
ضحك صخر بخفة بينما اعتدلت وهي تسأل بحماس :
" أين المفاجأة التي أخبرتني عنها ؟!! "
قرص صخر وجنتها بمشاكسة فيما يقول بصوت ضاحك :
" ألا تنسين أبدًا ؟!! .. لقد وعدتك بها منذ أكثر من شهر "
ضربت رغدة يده التي تقرصها وقالت :
" لا يخصني ، لقد أخبرتني أنك تحضر لي مفاجأة وستخبرني عنها يوم تخرجي .. وأنا من يومها أنتظر على نار "
أومأ لها صخر بموافقة ثم قال وهو يُخرج بضعة أوراق من وراءه :
" أجل وعدتكِ .. وها هي مفاجأتك "
قطبت رغدة بعدم فهم ثم أخذت منه الأوراق تمرر عيونها على السطور بتركيز لتتسع عيناها تدريجيًا ثم تدمع بتأثر لتنظر إليه بعدها متمتمة بخفوت ذاهل :
" حقًا ؟!! ... هل اشتريت هذا المعرض ؟!! "
ابتسم صخر لعينيها الدامعتين ثم أجاب مشاكسًا :
" ألم تثرثري فوق رأسي أكثر من مرة عن رغبتكِ في العمل ؟!! .. لقد اشتريت هذا المكان لكِ حتى تعرضين فيه المصوغات التي تصنعينها "
اتسعت ابتسامة رغدة حتى شملت وجهها كله ثم قفرت عليه بلا حذر وأمطرت وجهه بالقبلات وهي تهتف بالشكر بين كل قبلة وأخرى فابعدها صخر بسرعة والتفت وراءه قائلًا بحرج :
" هل جننتِ ؟! .. أمي وسندس قد يخرجن في أي لحظة "
نظرت رغدة إلى المطبخ ثم قالت بجنون :
" حسنًا لنصعد إلى غرفتنا "
اتسعت عيناه ثم ضحك قائلًا :
" وبما سنبرر اختفائنا يا ذكية ؟!! "
" أنا امرأة حامل ويجب أن أرتاح قليلًا "
لتتبع قولها بإصرار مضحك :
" هيا يا صخر .. أريد أن أقبلك الآن "
قهقه صخر ثم قال بذهول ضاحك :
" لقد انحرفتِ تمامًا .. لقد سمعت أن طباع النساء تتبدل في فترة الحمل لكن ليس لهذه الدرجة ! "
ضحكت رغدة بدورها ثم نهضت تسحبه معها إلى الأعلى فتوقف صخر أمام أول درجة ثم التفت وراءه ليرى إن كانت أمه أو سندس قد انتبهن إلى ما يحدث ثم عاد إلى رغدة وحملها بسرعة ليصعد بها إلى الأعلى مهمهمًا بجملتها السابقة بعبث :
" أنتِ امرأة حامل ويجب أن ترتاحي قليلًا "
كتمت رغدة ضحكتها في كتفه لينزلها في غرفتهما وهو يتمتم بإغواء أمام شفتيها :
" هيا يا هريرتي .. أريني كيف ستشكرينني "
تبتسم رغدة لعيناه ثم تترك لنفسها حرية التحليق في سمائه ، تستمتع بكل لحظة بين ذراعيه وتنهل من شعور أنها مرغوبة ..
فهي قبله كانت مجهولة ، منسية ..
والآن شيدت عالمها في بيته .. فوق صدره وبين ذراعيه ..
صاحب المروج الخضراء الذي أصبح في يوم وليلة أمانها وحارسها ، صخرتها الداعمة ومصدر قوتها التي تنمو في احشائها يومًا وراء يوم .
رفع عيناه إليها يهمهم بنبرة خافتة .. حارة هو يحدق في عينيها المسبلتين :
" هريرتي "
فنظرت إليه لتلتقي نظراتهما وتتشابك بوعد غير منطوق فتتمتم رغدة بصوت شديد الخفوت :
" أحبك يا صاحب المروج الخضراء "
تبتسم عيناه قبل شفتيه وتتحسس أصابعه بطنها وهو يغمغم بدوره :
" وأنا أذوب بكِ يا هريرة "
*******
صف بِشر السيارة أمام منزل والدته فلمحته فداء من شرفتها وركضت حتى تستقبله بينما نظر هو في المرآة الأمامية إلى سيارة علي التي توقفت بدورها وراءه ..
طوال الطريق وعينه لا تنزل عن تلك السيارة وصاحبها وكأنه إذا غفل عنه للحظة واحدة سيضيع منه من جديد وسط الزحام ..
زفر بِشر بأعصاب على الحافة ثم نزل من السيارة ينتظر نزول علي ..
علي الذي وقف يحدق في المكان بنظرة تأملية باردة وكأنه يُعاين مداخل ومخارج المنزل لينتبه إلى بِشر الذي ناداه حتى يقترب فيتحركا سويًا نحو المنزل وقلب كلًا منهما يضرب بقوة لكن لسبب مختلف ..
وفي الداخل ركضت فداء على الدرج حتى تفتح الباب وضربات قلبها تسابقها في الحركة لسبب لا تدركه ..
وكأن خلف طرقات الباب ينتظرها أمر مهول ..
شيئا ً ما يتحرك في قلبها ..
شعور غريب لا تفطن ماهيته ..!
شعور يمدها بطاقة رهيبة تجعلها تسرع أكثر فتلهث ..!
رمشت عدة مرات ثم وضعت كفها بخفة فوق موضع قلبها وكأنها تحاول تحديد موضع نقطة الاختلاف ..
لا تزال طرقات الباب على حالها و لا يزال قلبها يقرع بشكل مختلف ..
ضحكت على سخافتها ثم اقتربت بخفة فراشة تفتح الباب والابتسامة الحلوة لا تفارق ملامحها فيما تتمتم بطفولية ترفض التفريط فيها :
" بِشر ! .. ما هذه المفاجأة الرائعة ، تعال "
شدته اليها لتتسمر عيناها على من يقف خلفه ..!
لم ينطق بِشر بحرف ولم تنبس هي ببنت شفة و قلبها بات يرتج بين ضلوعها بينما عيناها تحدق فيمن يبادلها التحديق باستكشاف ملحوظ ..
وكأنهما انفصلا عن الواقع تمامًا ..
وكلاهما يبحث عن تأكيدات لشكوكه ..
فهو لأول مرة يراها عن قرب ويستكشف ملامح وجهها بحرية ..
حتى تلك الليلة التي تسلل فيها إلى المنزل كان الظلام عائقًا بينهما ولم يكن ليُجازف ويحتفظ بصورة لها معه ..
كلاهما يقف في المنتصف لا يقوى على التراجع ولا حتى على القرب ..
أقدامهما متيبسة موضعها بينما نظراتهما التحمت برباط قديم عمره أكثر من عشرين عامًا ..!
عشرون عامًا كانوا عمرًا يجب أن يعيشونه سويًا لكن القدر فرقهما ..
" من هذا ؟!! "
لا تعلم إذا كان السؤال غادر حلقها أم ظل بموضعه يبحث عن رد .. أو بالأحرى تأكيد ..!
دمعت عينا بِشر تاركًا لها لحظتها الخاصة عل شوقها ولهفتها تصيب قلب الآخر فتذيب بعضًا من جليده .. !
هو ليس بأحمق و قد أدرك جيدًا أن رؤية فداء قد أثرت به إلى حد كبير والدليل صمته التام ونظرته التي توشي بما يرفض هو الاعتراف به .
" علي ! .. هذا علي ؟!! "
ألقت سؤالها بعينين دامعتين وهي تشير إليه بحذر شديد ..
زرقة عيناها بنقاء وطهر السماء ..
وزرقة عيناه بعمق المحيط ..
وبِشر بينهما على الأرض يراقب ويدقق وقد يحمي ويدافع في الوقت المناسب !
فتلك الدقائق التي قضاها بمفرده في طريقه إلى هنا جعلته يستعيد توازنه المفقود من هول المفاجأة ويحلل نظرات علي النافرة منه .
" علي !!!! "
والسؤال الصارخ المهتز هذه المرة بصوت أمه فيبعد عيناه عن إخوته وينظر إليها مقطبًا حاجبيه بوجع فيراها تضع كفها فوق شفتيها تمنع شهقة ألم من الخروج لكن دموعها تعاندها و تسيل مدرارّا فوق وجنتيها ..
تدمع عيناه تلقائياً لكنه يعاند كل جوارحه التي تطالبه بالبكاء وينظر إليها نظرة من أخيرًا أوفى بدينه !
لقد وصل أخيرًا إلى نهاية الطريق بعد حرب دامت لأعوام طويلة استنزفته ..
أما علي فيقف قبالتهم جميعًا لا يبدي أي رد فعل عدا عيناه التي تختلف نظرتها حسب الواقف أمامه ..!
فبعد الارتباك حل الصمت ..
بعد فداء حلت أمه ..
ولكل منهن نظرة تخصها ..
" ماذا هناك ؟!! .. لما تصرخون ؟!! "
ضاع سؤال فضة وسط نحيب سميحة المرتفع التي شدته إليها تعانقه بحرمان سنوات طويلة مرت عليها بدونه ..
فلذة كبدها الذي سُرق منها دون أن تشبع منه !
صغيرها الذي لم ترى أول يوم له في المدرسة ..
لم تدرس له مثلما كانت تفعل مع إخوته ..
لم تختار له ثيابه و لم تشاهد قفزات لعبه !
تأوهت بحرقة وهي تضمه إليها أكثر تمسد على كل جزء فيه بينما ظلت ذراعيه هو موضعها دون أن تتحرك انشًا واحدًا لتلتقي نظراته عرضًا بعينين بنيتين تحدقان فيه باستكشاف تبعه إدراك فتومض عيناه بمكر مدركًا أن الشرسة مجهولة الهوية قد تعرفت عليه من أول مرة تلتقي به فيها فيتأملها هو الآخر بدوره وقد اختفت تلك الكدمات التي كانت تحجب ملامحها عنه المرة الماضية ..
هذه المرة الظلمة لا تفصل بينهما ..
هذه المرة ملامحها واضحة وصافية ..
هذه المرة تغطي شعرها أسفل وشاح اسود يلائم بشرتها الخمرية وعينيها البنية ..
أما هي فكانت تحدق في عينيه الزرقاوتين والأرض ترتج من تحتها ..
إنه هو .. ذلك المتسلل الذي لم يراه غيرها !
نفس العينين المخيفتين ..
نفس العطر القوي ..
فقط لو يتكلم يتكـ...........
قاطع أفكارها بصوت هادئ مستفز وانجليزيته تحضر بقوة وكأنه ادرك ما تفكر فيه فقرر أن يقطع لها الشك باليقين :
" مرحبًا أنا آل "

_ تمت _

إلى اللقاء قريب بإذن الله مع الجزء الثالث من السلسلة
( ولما تلاقينا )

عدو في المرآة
بداية النشر : 31/ 5/ 2020
انتهت : 24 /1/ 2021


مرحبا بس يا ريت نعرف ايمتى وقت الروايه الجديده ولما تلاقينا بدنا نكمل الروايه لأنها رائعه وشكرا

الديجور likes this.

lodinahle غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-21, 01:52 AM   #68

Hager Haleem

كاتبة قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Hager Haleem

? العضوٌ??? » 359482
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,301
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Hager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة lodinahle مشاهدة المشاركة
مرحبا بس يا ريت نعرف ايمتى وقت الروايه الجديده ولما تلاقينا بدنا نكمل الروايه لأنها رائعه وشكرا
بعد عيد الاضحى باذن الله هبدا تنزيلها

الديجور likes this.

Hager Haleem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-08-21, 12:32 AM   #69

سحر عطية

? العضوٌ??? » 480908
?  التسِجيلٌ » Nov 2020
? مشَارَ?اتْي » 239
?  نُقآطِيْ » سحر عطية is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضووووووووووووووووووووووو ر

سحر عطية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-08-21, 04:30 PM   #70

سمني هجران

? العضوٌ??? » 343275
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 706
?  نُقآطِيْ » سمني هجران is on a distinguished road
افتراضي

اي لعبة سخيفة يلعبها القدر معهم ليظهر لهم ذلك اللعين يوم وفاة خالد ؟!!

عزيزتي الروايه جد رائعه
لكن ارجو ان يتسع صدرك لبعض ملاحظاتي
سب القدر او اي كلام غير مناسب مثل الكلام اعلاه لايجوز حبيبتي لان القدر من الله وكل مابصيب الانسان منه تعالى جل شأنه
فلذلك يجب ان يكون الكلام مناسب
شكرا واتنمنى لك التوفيق


سمني هجران غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:50 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.