آخر 10 مشاركات
484-أحببت عدوي -آن ماكليستر-(كتابة /كاملة) (الكاتـب : Just Faith - )           »          [تحميل] جنون المطر ( الجزء الأول) للكاتبة الراااائعة/برد المشاعر(مميزة) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          484 - أحببت عدوي - آن ماكاليستر ( عدد جديد ) (الكاتـب : Breathless - )           »          117 - توأم التنين _ فيوليت وينسبير ج2 شهر عسل مر ((حصرياً)) -(كتابة /كاملة بالرابط) (الكاتـب : SHELL - )           »          476 - امرأة ورجلان - د.م ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          الغيـرة العميـــاء (27) للكاتبة الرائعة: فـــــرح *مميزة & كاملة* (الكاتـب : فرح - )           »          رواية أسمعُ عواء الهوى (الكاتـب : روز علي - )           »          نعم يا حبيب الروح (17) الجزء1س عائلة ريتشي-للآخاذة أميرة الحب*مميزة -حصرية**كاملة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          فلتسمعي أنين إحتضاري *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : مروة العزاوي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree1548Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-03-23, 10:34 PM   #651

اماني عبيدة

? العضوٌ??? » 455366
?  التسِجيلٌ » Sep 2019
? مشَارَ?اتْي » 17
?  نُقآطِيْ » اماني عبيدة is on a distinguished road
افتراضي


بداية مشوقة جدااا
heba nada likes this.

اماني عبيدة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-03-23, 10:36 PM   #652

heba nada

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية heba nada

? العضوٌ??? » 460821
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » heba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond repute
افتراضي ختام بذور الماضي

السلام عليكم🥰
متابعات بذور الماضي العزيزات
إن شاء الله ختام بذور الماضي هيكون غدا الجمعة في العاشرة مساءً بتوقيت القاهرة
وده اقتباس من الفصل الأخير🌹
***
خيط تلو آخر نسجته وبنت شَرَكها الذي تسلقته فوق عنق كل من اعترض مسار حياتها، بكبرياء واصلت طريقها غير عابئة بشظايا اعترضته حتى سدد ضربته فتقطعت الخيوط أسفل قدميها وهوت ابنة السفير من عليائها.
شخصت الأبصار على صورتها التي ثُبتت على شاشات العرض وكانت أول من استطاع التقاط أنفاسه، أخفضت نظرها الذي تحول من السعادة للذهول والتقطت السكين الصغير عن صحن الكعك تهرول نحوه وقد اشتعل قلبها غلًا لن ينطفئ سوى بثأرها.
ذئب منتصر وقف يراقب الوجوه متشفيًا بعدما ثأر لنفسه وسلم مجده الذي بذل في سبيله كل ما استطاعه وانهار بفعل حية رقطاء ظنها فريسته فازدردته بدم بارد بعدما تغذت على كبريائه والآن ترفع سكينًا تقصد دماءه وهي التي أراقت كرامته أسفل قدميها لسنوات.
قبض ماهر على معصمها يثبته بالهواء وكفها القابضة على السكين بمحاذاة وجهه يشرف عليها من علوٍ مستمتعًا بنظرات حقدها التي تروي ظمأه الطويل للنيل منها والذي حلم به منذ عاد مطرودًا وقد خسر كل ما سعى إليه، لذة انتصاره تزداد وهو يرى ترنحها بعدما أسقط عالمها كما حطمت عالمه سابقًا، أجبر ذراعها على الانخفاض ولا زالت كفه قابضة على معصمها الذي ضربه بركبته فأجبر كفها على الانفراج وإسقاط السكين، ثبّت عينيه بعمق عينيها وهمس دون أن يصل صوته إلى سواهما:
ـ غلط تلعبي بالسكينة
كزت سيليا على أسنانها غيظًا وحاولت تخليص معصمها دون جدوى بينما ماهر لوى ذراعها خلف ظهرها يقرب جسدها إليه بثلجية مغيظة اكتسبها من طول عشرته معها مكملًا وشفتاه تلتوي بسخرية:
ـ تتعوري
والحية التي فقدت اتزانها للمرة الأولى منذ خططت لاصطياده بصقت غضبها بوجهه:
ـ شرقي متخلف!
***
كونوا على الموعد🥰🌹


heba nada غير متواجد حالياً  
التوقيع


أعمالي على المنتدى حسب ترتيب النزول
نوفيلا فرحة
https://www.rewity.com/forum/t467338.html
رواية غصون متأرجحة الجزء الأول من سلسلة بين رحى الحياة
https://www.rewity.com/forum/t472286.html
رواية بذور الماضي قيد العرض الجزء الثاني من سلسلة بين رحى الحياة
https://www.rewity.com/forum/t483345.html

رد مع اقتباس
قديم 10-03-23, 07:28 PM   #653

نهاد رو

? العضوٌ??? » 410522
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 129
?  نُقآطِيْ » نهاد رو is on a distinguished road
افتراضي

مسا الخيرات
بالتوفيق إن شاء الله


نهاد رو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-03-23, 10:59 PM   #654

heba nada

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية heba nada

? العضوٌ??? » 460821
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » heba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الرابع والعشرون والأخير

الفصل الرابع والعشرون والأخير


قد آن لماعت أن تنزع عن عينيها العصابة،
تستقيم البصيرة مع البصر،
وتَرجُح إحدى كفتي الميزان بعدما بزغ نور الحق.



***
خيط تلو آخر نسجته وبنت شَرَكها الذي تسلقته فوق عنق كل من اعترض مسار حياتها، بكبرياء واصلت طريقها غير عابئة بشظايا اعترضته حتى سدد ضربته فتقطعت الخيوط أسفل قدميها وهوت ابنة السفير من عليائها.
شخصت الأبصار على صورتها التي ثُبتت على شاشات العرض وكانت أول من استطاع التقاط أنفاسه، أخفضت نظرها الذي تحول من السعادة للذهول والتقطت السكين الصغير عن صحن الكعك تهرول نحوه وقد اشتعل قلبها غلًا لن ينطفئ سوى بثأرها.
ذئب منتصر وقف يراقب الوجوه متشفيًا بعدما ثأر لنفسه وسلم مجده الذي بذل في سبيله كل ما استطاعه وانهار بفعل حية رقطاء ظنها فريسته فازدردته بدم بارد بعدما تغذت على كبريائه والآن ترفع سكينًا تقصد دماءه وهي التي أراقت كرامته أسفل قدميها لسنوات.
قبض ماهر على معصمها يثبته بالهواء وكفها القابضة على السكين بمحاذاة وجهه يشرف عليها من علوٍ مستمتعًا بنظرات حقدها التي تروي ظمأه الطويل للنيل منها والذي حلم به منذ عاد مطرودًا وقد خسر كل ما سعى إليه، لذة انتصاره تزداد وهو يرى ترنحها بعدما أسقط عالمها كما حطمت عالمه سابقًا، أجبر ذراعها على الانخفاض ولا زالت كفه قابضة على معصمها الذي ضربه بركبته فأجبر كفها على الانفراج وإسقاط السكين، ثبّت عينيه بعمق عينيها وهمس دون أن يصل صوته إلى سواهما:
ـ غلط تلعبي بالسكينة
كزت سيليا على أسنانها غيظًا وحاولت تخليص معصمها دون جدوى بينما ماهر لوى ذراعها خلف ظهرها يقرب جسدها إليه بثلجية مغيظة اكتسبها من طول عشرته معها مكملًا وشفتاه تلتوي بسخرية:
ـ تتعوري
والحية التي فقدت اتزانها للمرة الأولى منذ خططت لاصطياده بصقت غضبها بوجهه:
ـ شرقي متخلف!
همت باستكمال سيل سبابها فلم يمنحها الفرصة، دفع جسدها للخلف فتعثرت بثوبها وكادت تسقط لولا دعم والدها الذي ترك مرافقيه واقترب محاولًا إنهاء الفضيحة التي انطلقت شرارتها بالفعل، دعم جسد ابنته حتى استعادت توازنها دون السقوط بينما ماهر يستدير نحو الحضور مصفقًا باستعراض مسرحي:
ـ العرض انتهى يا حضرات
والحضور كان قد انصرف بعضهم بالفعل بينما الآخر لا زال يتابع المسرحية الهزلية التي تحول إليها العرس الأسطوري، تحرك من بينهم الإمبراطور الذي ساءه ما يحدث على أرض منتجعه، بوجه متجهم اقترب من الزوج الذاهل عن الجميع إلا عروسه التي تتبارى مع طليقها وصورتها المخلة لا زالت معلقة فوق رأسه، وضع يسراه على كتف سويد الأيمن ونطق بتقرير:
ـ اعتبر أي شراكة بينا انتهت من اللحظة دي
نظرات الامبراطور الجانبية الحادة قابلتها عينا سويد المصدومة؛ طوال سنوات عمله سعى لبناء مجده الخاص وبلمح البصر تأتي تلك لتسلبه أهم شريك كان يبسط حمايته على شركاته وعلاقته به صمام أمانه الذي يمنحه حرية التلاعب بثغرات القانون غير عابئ بالعواقب.
انتفخت أوداجه غضبًا بعدما تجاوزه الامبراطور مغادرًا والتفت يقلص المسافة بينه وبين زوجته التي لم يعد لوجودها بحياته معنى بعد فضيحتها على رؤوس الأشهاد، وقف بمواجهتها يطالع ثوبها الملكي الذي كان جزءًا من حلمه بعرس أسطوري يضمن له اللمعان لفترة بين رجال الأعمال ناهيك عن اقترابه من دوائر الحكم بنسب رجل اقترب من مقعد الوزارة لكنه يعلم أن القنوات التي دعاها بنفسه لتغطية الحفل والصفحات التي تبثه على الهواء لن تفّوت فضيحتها التي ستحتل صدارة مؤشرات البحث لفترة ليست بالوجيزة.
زفر فشله المبكر وانحراف مسعاه ولفظها من حياته قبل أن تدخلها فقد بات الاقتران بها عبئًا على رجل يزن كل شيء بالمكسب ولم يجد أمامه سوى ما سيكفل له استرداد بعض مما خسره للتو بسببها:
ـ إنت طالق
واضحة صريحة حرص على وصولها لمسامع الجميع ليمنحهم عنوانًا مثيرًا للحدث فبات رجل الأعمال الذي طلق عروسه ليلة زفافها،
لوت سيليا شفتيها بعدم اهتمام فزواجها من الأربعيني السمج آخر همها بينما نارها التي تأججت بفعل طفيل تغذى على علاقات والدها وحين اكتفى تمرد على ولية نعمته وتجرأ على تعكير صفو حياتها مستغلًا وجودها بمجتمع عقيم فرت من رجعيته طوال عمرها لن تنطفئ سوى بالانتقام، تقدمت خطوة نحوه تود لو استطاعت النيل منه وليحترق العالم بعدها لكن ذراعي والدها اللتين طوقتاها تمنع حركتها إلا بالاتجاه المعاكس رغبة منه بالانسحاب من المهزلة بعدما غادر ضيوفه العرس غاضبين.
انصرفا إلى بيتهما ملاحقَين بالعار الذي حرص السياسي البارز على مواراته عن الجميع ولم يكن بحسبانه افتضاح أمر ابنته بهكذا طريقة، دلفت سيليا تنزع عن رأسها طرحة العروس ولسانها ينطلق بسيل من السباب بالألمانية تارة والانجليزية تارة أخرى بينما بهجت ألقى بجسده فوق أول مقعد قابله يتابع ثورة ابنته وعقله يدور بالمصيبة التي حلت به يبحث عن مخرج لاحتواء تبعاتها القادمة لا محالة والتي أتته بأسرع مما يتخيل باتصال تليفوني من رقم خاص فتحه بأصابع مرتعشة ليستمع إلى جملة وحيدة حاسمة:
ـ استقالتك تكون على مكتبي بكرة الصبح
الجملة التي سقطت فوق رأسه تعلن نهاية مستقبله السياسي بإبعاد يحفظ بعض من ماء وجهه و يعلم أن ذلك أفضل ما قد يحصل عليه، رفع كفه يمسح عرقًا وهميًا عن جبينه بعدما أغلق محدثه الخط دون انتظار جوابه بينما أحد مساعدي الامبراطور يقطع جلستهما بتبليغ يحمل بطياته أمرًا غير قابل للنقاش:
ـ مهران بيه بيبلغكم إن الطيارة الخاصة بانتظاركم
نهض بهجت يومئ برأسه إيجابًا وقد عجز عقله عن إيجاد مخرج بينما ثورة ابنته قد بلغت مداها وهي تصرخ بوجه أبيها معترضة على صمته:
ـ أنا مش همشي من هنا غير لما أوديه في داهية
وبهجت الذي ضاق ذرعًا بصراخ ابنته لم يشعر بنفسه سوى وكفه تهوي فوق وجنتها صارخًا:
ـ اخرسي... كل اللي بنيته في سنين هديتيه في لحظة
وهي لم تكن لحظة بل حياة كاملة غاب عنها الأب الذي لم يرَ يومًا سوى طموحه السياسي، مسدت سيليا وجنتها ورفعت نظرات غضبها لوالدها الذي تجرأ على تعنيفها للمرة الأولى بحياتها وهمست بغيظ:
How dare you -
(كيف تجرؤ)
استند بهجت بكفيه إلى حرف منضدة مجاورة ورأسه تدلت بين كتفيه بندم؛ منذ فرت والدتها الإسبانية مفضلة حياة الحرية مع صديق من بني جلدتها على التنقل معه بين الدول لرعاية طفلة لم تكن قد تجاوزت العامين وقتها وقد وجد نفسه أمام مأزق لم يكن بحسبانه وحرص على عدم تكراره في زيجاته التالية فكما كان يتوقع دائمًا تنتهي الزيجة بنهاية إقامته وربما قبلها فظلت ابنته أولى أزماته وأكبرها رغم حرصه على تنقلها معه بين الدول بمدارس داخلية إن وجدت وبرفقة مربيات في معظم الأحيان، زفر يخرج عقله من الماضي ورفع نظره يشرد بالفراغ هامسًا:
ـ غيري هدومك علشان نسافر
استدارت تجر ثوبها بغضب متجهة إلى الطابق العلوي، توقفت تستند إلى حاجز السلم وتلقي نظرة جانبية على والدها تقطع الخيوط الواهية التي ربطتها بمسخ أب وتُلقي جملتها بثلجية اكتسبتها من برودة حياتها الغربية:
• That’s how things end between us, we are done
بعد دقائق كانت تجاوره برحلتهما الأخيرة إلى مطار القاهرة الذي رفضت مغادرته سوى بطائرة أخرى فالشابة التي لم تذق طعم الهزيمة يومًا أصرت على استكمال رحلتها بعدما لفظتها الأرض التي طالما تنصلت من انتسابها إليها مخلفة خلفها والد فشل سابقًا في اختباره ولازال يأبى الاعتراف بخسارته بينما ابنته قررت وضع حدًا لوجوده بحياتها فبعد فقده لمنصبه انتفت حاجتها لغطائه وبات انصهارها علنًا بالمجتمع الذي احتضنها طفلة واعتنقت عقيدته امرأة أمرًا محتومًا.
***
بمسرح الدمى تتلوى العرائس متراقصة وعلى دقات الطبول تنسج حكاياها، تخال الدمية تحكُّمها بخطواتها وتغفل عن خيوطها بين أصابع مُحركها؛ يُرخي الخيوط فتتوهم إرادتها بينما لن تطأ قدميها موضعًا إلا بمشيئته.
وهو ظن نجاحه بضربته القاضية، حقق انتقامه ممن أهانته لسنوات ونال والدها فضيحة قضت على طموحه مثلما أفقداه فرصته التي عاش لأجلها وفاز بتعويضه عن خسارته بالمنتجع الذي اعتبره بدايته الجديدة للصعود غافلًا عن كونه مجرد بيدقٍ بيد الامبراطور في استراتيجياته طويلة المدى التي طالما ضمنت له الانفراد بالقمة.
دلف ماهر مكتب الامبراطور الذي استدعاه عقب انتهاء الحفل الكارثي وقد أعد دفاعه وعبارات تملقه لشريكه الجديد، طالعه مهران الجالس خلف مكتبه من أسفل وهو يلتقط سيجارًا كوبيًا ويشعله، الأخرق توهم انفراده بالقرار بينما كل حركة وسكنة منه كانت تحت أعين الإمبراطور الذي لم يستحق لقبه هباءً، علم مسبقًا بخطة ماهر وأعطى إشارته الخضراء لرجاله بتنفيذها، جندي أحمق حقق فوزًا لقائده وانتهى دوره، ألقى مهران قداحته فوق سطح المكتب ونطق بلا مبالاة:
ـ أنا استغنيت عن خدماتك، ماشوفش وشك تاني
كبح ماهر ابتسامته الساخرة فليس من الذكاء معاداة الامبراطور، أخرج التنازل الذي حررته مطلقته سابقًا واقترب من مكتب الامبراطور يخفض رأسه في إيحاء بالإذعان لرغبته ثم رفعه يعلن بصوت حرص فيه على نبرة تملقه للإمبراطور عن مكانه الجديد الذي سعى لاحتلاله:
ـ أنا شريك بنسبة 10% في المنتجع ده
دار الامبراطور بمقعده حول نفسه دورة كاملة ودوت ضحكته الساخرة بجنبات الغرفة، نزع سيجاره من بين شفتيه وحاول النطق من بين قهقهاته بصعوبة مشيرًا إلى ماهر بطرف سيجاره:
ـ مسكين
التقط أنفاسه ونهض مقتربًا من الغر الذي خانه ذكاؤه يلقنه درسًا لن ينساه، رفع سبابته بوجه ماهر المتجهم وحدجه بنظرة حادة مؤكدًا:
ـ اشتريت من حد ما يملكش حاجة
دس مهران طرفي سبابته وإبهامه بجيب حلته ورفع عقدًا أمام ماهر الذي ألجمت الصدمة لسانه وهو يمر بعينيه على توقيع مطلقته وتاريخ العقد السابق لتنازلها له عن حصتها بينما كلمات الإمبراطور تدق ناقوس الخسارة بإذنيه:
ـ كان لازم تعرف إنت بتلعب مع مين
انتزع الامبراطور التنازل معدوم القيمة من كف ماهر الذي حاول النطق ففرت منه الكلمات، ألقى الإمبراطور الورقة أسفل قدميه مكملًا:
ـ العقد ده تبله وتشرب ميته وإنت قاعد على الرصيف يا…
سيادة السفير..
بُهت ماهر بمفاجأته وهو يستمع لكلمات مهران الساخرة، رفع عينيه الذاهلة عن العقد الذي أراق الإمبراطور أحلامه معه أسفل قدميه وهمس بضياع:
ـ إزاي
لم يكن يسأل كيف استطاعت الحية خداعه ولا كيف خذله ذكاؤه بل كيف آلت كل تدابيره ضده!
لوى الامبراطور شفتيه باستهزاء يسطر آخر حروف جولة حسبها الآخر لصالحه فانقلبت عليه دون أن يدري:
ـ قدامك ساعة واحدة تخرج من المنتجع ....
صمت يولي الخاسر ظهره ويشير بسبابته مؤكدًا:
ـ وأوعى أقابلك تاني حتى لو صدفة
تهدلت كتفا ماهر وأُسقط في يده، يعلم قدر نفسه وعدم استطاعته الوقوف ضد الامبراطور دفاعًا عن حصة ظنها تعويضًا له عما خسره فتفلتت من بين يديه بلمح البصر، التفت يغادر مكتب الإمبراطور يجر أذيال خيبته وقد انطبقت سماء أحلامه للصعود فوق رأسه، جمع حاجياته بحقيبة سفر وبعقله يدور ألف سؤال بلا أجوبة بينما استقل إحدى عربات الجولف الخاصة بالمنتجع حتى بوابته الرئيسية التي طالعها بنظرة أخيرة وهي تغلق دونه ومعها غادر مودعًا أملًا آخر انضم إلى آماله التي فشل في تحقيقها.
على قارعة الطريق طال انتظاره لسيارة أجرة تُقله حيث موقف الحافلات فافترش الرصيف وقد خارت قواه يأسًا، رفع نظره للسماء فغشيت الشمس عينيه فحجبها بكفه يمسح العرق عن جبينه وألقى نظرة جانبية على الطريق الخالي حتى انتصف عليه النهار وهو لا زال بالانتظار، انهار يلقي جسده مستلقيًا على الأرض؛ ساقاه تقطعان الطريق وجذعه تفترش الرصيف مفرود الذراعين يطالع السماء بخيبة وتدوي ضحكته ساخرة يائسة بعدما بدد كل فرصه الممكنة.
رسب صياد الفرص الذي ظن نفسه ماهرًا فمُني بإخفاق تلو آخر وآل إلى حافة رصيف على قارعة طريق مقفر تلفحه شمس أغسطس الحارقة وقد قارب الخامسة والثلاثون؛ أضاع ماضيه ولم يعد من مستقبل بانتظاره وتلك نهاية عادلة.
***
بجحره كَمَن متحينًا فرصته للهجوم وبين شقوق عشقه الذي تصدع دون إرادته راقب فريسته حتى إذا ما وخزها كان سمه مميتًا، لدغتان حالفه فيهما سوء حظه فلم تكتملا كما أراد، أولاهما ربما استطاع استكمالها والثانية لا بد لها من مناورة جديدة فمثله لا ينسى ثأره ما حيا وعلى من تجرأ وسلبه ملكيتها تحمل عاقبة فعلته.
بمكتبه بوسط العاصمة كان على موعد مع وريث الإمبراطور.
عندما طلب حسام لقاءه مؤكدًا على سرية اللقاء عن أي من كان لم يدخر جهدًا لتنفيذ طلبه؛ ألغى مقابلات يومه ومنح جميع موظفيه إجازة استثنائية مدفوعة الأجر ففرصة التعاون مع وريث الإمبراطور لن تتكرر.
في الموعد المحدد فتح صائب باب مكتبه الخاوي لاستقبال حسام، الذي مر أمامه بثبات ليث حتى استقر على مقعده أمام مكتب صائب، حل زر سترته واسترخى على المقعد فاردًا ذراعه على مكتب صائب المجاور وهو يتابع ترحاب العقرب المتخفي.
فتح صائب علبة "السيجارلو" خاصته يحيي ضيفه فأشار له حسام بالجلوس متجاهلًا عرضه:
ـ أقعد نخلص شغلنا معنديش وقت
مرر صائب تجاهل الآخر والتف ليجلس خلف مكتبه يعقد كفيه أمامه متكئًا بمرفقيه إلى سطح المكتب ويسأل باهتمام حقيقي:
ـ تحت أمرك حسام باشا
رفع حسام ساقًا فوق الأخرى واستند بظهره إلى مقعده موجهًا حديثه الجاد إلى المنتبه أمامه:
ـ في مهمة لو نفذتها صح هتبقى بداية التعاون بينا
سال لعاب صائب على غنيمته السانحة فالعمل مع الامبراطور كفيل برفع أسهمه ناهيك عن المكاسب المادية:
ـ طلباتك أوامر يا حسام باشا
أشهر حسام سبابته بوجهه يطالعه من أسفل بعينين متوعدتين وصوت مُهدد يعلم مدى تأثيره:
ـ بس سواء نفذت أو معرفتش الكلام الي هيتقال بينا لو خرج برة الباب ده....
قطع حديثه بتمرير إبهامه أمام عنقه فازدرد صائب لعابه بعد ما وصله توعده ولم يستطع الاستفسار سوى بنظرة أكمل بعدها حسام وهو يخفض كفه لتستريح فوق كاحله المستند إلى ركبته الأخرى:
ـ عايزك تخلصني من محمود عز الدين
بُهت صائب لسماعه الاسم فاستقام بجذعه قليلًا يحاول مواراة ارتباكه هامسًا بتعجب:
ـ مين!
أجابه حسام بتقرير يفصل كلماته ببطء ووجهه الجليدي يوشي بغيظه:
ـ أخو طليقتك
كز صائب على أسنانه غضبًا من وقع الكلمة التي لم يستسغها يومًا وصحح باقتضاب:
ـ مراتي... هترجع مراتي
زفر حسام رافعًا ذراعه بلا مبالاة من العاشق المتملك:
ـ مش موضوعنا
انحنى بجذعه للأمام قليلًا يستفسر بمكر:
ـ هتقدر ولا أشوف غيرك؟
تدارك صائب نفسه وتخطى ذكر خسارته محاولًا الظفر بثقة وريث الإمبراطور:
ـ هو متهم بالقتل وممكن نظبط شهود يلبسوه القضية
حرك حسام رأسه نفيًا وعلامات عدم الرضى بادية على وجهه:
ـ المحامي بتاعي شاف القضية والادلة ضده ضعيفة
حك صائب ذقنه بتفكير هو أكثر من يرغب بالخلاص منه ولم يتوقع أن تتطابق رغبته مع إمبراطور السوق القادم ولم يستطع منع نفسه عن السؤال:
ـ لكن حضرتك عايز تخلص منه ليه؟
مط حسام شفتيه بامتعاض ورفع سبابته محذرًا الآخر من التمادي:
ـ متجوز طليقتي ومش مسموح لك تعرف أكتر من كدة
أكمل حصاره بذكاء يحكم سيطرته على العقرب السام:
ـ أنا عايزك تقتله
تردد صائب بالإجابة فرغم علم الجميع بطرقه الملتوية إلا أنه يأبى أن يظهر كامل جانبه المظلم:
ـ بس دي مش سكتي
والسمّور الذكي يدرك سم المقابل له وموقن من مناعة جسده ضده، انتفض حسام واقفًا يروض الحشرة غير القابلة للترويض وينهي الحديث:
ـ يبقى نشوف غيرك
تبعه صائب وقوفًا يحاول تدارك رفضه بموافقة مموهة:
ـ طب خليني أحاول أشوف حد ينفذها
عقد حسام زر حلته، أوشكت فريسته على الاستسلام فألقى الاسم رافعًا أحد حاجبيه بخبث وهو مستمتعًا بترنحها:
ـ داغر مثلًا
للوهلة الأولى صُدم المحامي المتلاعب ثم سرعان ما تدارك صدمته وهو يعيد الجلوس فوق مقعده محاولًا إقناع الآخر بجهله:
ـ داغر مين؟
استند حسام بكلتا كفيه إلى المكتب يشرف عليه من علو وعيناه الخبيرة تقرأ اضطرابه:
ـ إنت فاكر إني هجيلك وأنا مش عارف عنك كل حاجة؟
مسح صائب عرقًا وهميًا عن جبهته لم يكن يعلم أن هناك من يدري بعلاقاته المشبوهة فأكمل حسام الطرق على رأس العقرب المترنح:
ـ القواد اللي بعت من عنده مومس تسكن في عمارة محمود
التوى فكه بابتسامة جانبية ساخرة وهو يخرج كل ما بجعبته:
ـ وخليت صبيانه يضربوا جوز طليقتك بالنار
أومًا برأسه وعينيه تؤكد كل كلمة تفوه بها:
ـ متنساش إنت بتكلم مين
واصل المحامي الخبير إنكاره فلم يكن يتوقع انكشاف مخططه؛ كيف علم بل وكيف استطاع الربط بينه وبين القواد الذي تعمد عدم الدفاع عنه في أي موقف بل وعدم الظهور برفقته يومًا:
ـ الكلام ده ما حصلش
اعتدل حسام مرة أخرى والتفت مغادرًا وهو يلقي جملته:
ـ لسة بتلف وتدور
نهض صائب مرة أخرى يحاول التمسك بآخر أمل لتعاونهما:
ـ استنى بس يا حسام بيه
قبيل خروجه التفت إليه مرة أخرى يكمل هجومه الضاري زاعقًا:
ـ أنا بكلمك بصراحة واللي يشتغل معايا لازم يبقى دغري
خطى نحوه خطوة واحدة ودس كفيه بجيبي بنطاله يسأله بحزم متحديه الكذب:
ـ حصل ولا ما حصلش
ضم صائب قبضتيه حتى انغرست أظافره بلحم كفيه وأخفض عينيه هامسًا وقد حُصر بالزاوية:
ـ حصل
رفع نظره إلى حسام يكمل آملًا بنيل رضاه:
ـ لكن داغر بقى كارت محروق هشوف غيره
تقدم إليه حسام مبتسمًا يشد على كفه بكف ويربت على كتفه بالأخرى يعلن بداية تعاونهما:
ـ اتفقنا، هستنى منك التفاصيل
هز صائب رأسه موافقًا ورافق ولي نعمته الجديد حتى باب المصعد حيث ودعه وعاد للمكتب الخاوي يعيد استرجاع اللقاء، يلوم نفسه الخضوع لرغبة الآخر ثم يشد من أزرها معللًا تطابق رغبتيهما ممنيًا نفسه بالقرب من الإمبراطور وصعوده إلى قمة هرم رجال المال.
في القِدم اعتقد المصريون بتحول رع إلى سمّور عملاق يحمي البلاد و يقضي على الهوام بمقاومة جسده لسمومها يترقبها وبمهارته يقتنصها وسمّور اليوم كأجداده ترصد فريسته حتى إذا ما واتته الفرصة ظفر بها وانتهى أمرها.
***
ويحين للتائه أن يهتدي
ويأتي زمان على الظمآن فيرتوي
من بعد طول تضُّور
آن للجوعان أن يكتفي
ككل يوم أنهى عمله ودلف منزله الذي جافاه الدفء منذ غابت روح ساكنته، هي فينوس أحلامه التي اقتحمت وحدته وزينت أيامه بوجودها، أهدته حياة لم يتذوقها قبلًا واستطاعت تحرير نفسه التي سجنها طوال سنوات عمره، أذابت جليده معها وبسطت سطوتها على قلبه فعرف طريقه إلى السكينة التي انتُزعت منهما في غفلة من الزمن، طوال الفترة الماضية اتبع إرشادات المعالج النفسي في الخطو نحوها بروية مكتفيًا برعايتها ومراقبة نمو طفليه برحمها، وكلما عزم على التقدم نحوها جَبُن خشية فقدها فطعنة جديدة لأنوثة فينوس ستكون القاصمة.
دلف غرفة نومهما فوجدها جالسة على الفراش وبيدها كتاب عن حديثي الولادة، جاورها ينحني على كفها يقبله وطالع اسم الكتاب "حياتك بعد الولادة" ابتسم حسام بحنان، زوجته لا تدرك أن طفلين يمتلكان أمًا بحجمها لن يحتاجا سوى لقلبها الذي يعرف طريق سعادتهما بفطرته.
أزاح خصلة من شعرها فظهر له جانب وجهها المتجهم، زفرت قوت وأغلقت كتابها تضعه جوار الفراش، لقد ملت الانتظار وآن لها الاستعداد لتنظيم حياتها المقبلة مع طفليها، ثبتت نظرها بالفراغ وهمست يأسًا من وضعها وقد أوشكت على وضع حملها:
ـ من بكرة هنقل الفيلا بتاعتي
عقد حسام حاجبيه بضيق، يعلم أن مهلته التي طلبها أوشكت على الانتهاء لكنه لا يتخيل حياته دونها:
ـ ولادي هيتولدوا ويتربوا في بيتهم.. هنا
التفتت قوت تطالعه على ضوء ظُلة المصباح الصغير المجاور لها، تشفق عليه وعلى حالها وترغب بإنهاء صراعه الذي يعيشه كل ليلة ويصلها كاملًا:
ـ هنفضل أصدقاء وتشوفهم وقت ما أنت عاوز
وهو يعلم أن وضع طفليه وإن انفصلا لن يضار كثيرًا لكن ما العمل بقلبه الذي اعتاد قربها:
ـ مش قلقان عليهم طالما إنت أمهم
يعلم كم أن طفليه محظوظان بوجودها وما أتعسه إن خسر قلبها، قبض على كفها يتمسك بها ربما للمرة الأخيرة يرجوها البقاء:
ـ أنا قلقان على نفسي
همسها بصدق فاخترقت قلبها وهالك هو إن سمح لها بالمغادرة، مسح على وجنتها بباطن إبهامه يغرق ببنية عينيها التي أخفتهما عنه طويلًا خلف ألوان عدساتها اللاصقة:
ـ لون عنيك أحلى من أي لون لينسز
شبح ابتسامة ارتسم على شفتي قوت لمغازلته التي يلقيها على مسامعها ربما للمرة الأولى بينما هو اقترب يحتويها خوفًا وشوقًا فتوجست قوت من ذكرى مرات مماثلة أراقت كرامتها على أعتاب تردده، حاولت سحب جسدها وإنزال ذراعه التي تطوقها فتشبث بها أكثر يهمس وقد تجسدت مخاوف فقدها جميعًا أمامه:
ـ محتاج لك
رق قلبها لهمسته فاستسلمت تمنحه فرصته الأخيرة التي تعلق بها وشبح حياته المقفرة قبلها يصارع دفء العيش بين ذراعيها، يتمسك بها وفي حقيقته يتمسك بسكينة قلبه التي تذوقها للمرة الأولى بقربها تبارز طول ضلاله بين دروب الدنيا، هي قوت قلبه الذي احتاجه طوال سنواته الفائتة وأنار له طريقًا لم يكن ليسلكه لولاها فتحسس طريقه إليها حبوًا كرضيع يتعلم أولى خطواته ثم يركض إليها جزعًا لفراقها حتى أتم عبوره إليها وللعجب لم يراوده خيال الآخر.
مسح حسام على رأس زوجته المبتسمة براحة بعدما انتصر لها على نفسه وعنه فقد استلقى هانئًا بعدما أمن بقائها وغرق بنومه مطمئنًا بعدما استقرت بهما الحياة.
ساعة وكانت جفناه تنفرجان ذعرًا لصرخة زوجته وفي الثانية انتفض جالسًا على الفراش وهي تكرر صراخها:
ـ بولد
تجمد حسام لوهلة غير مدرك للزمان وفرد ذراعيه جهلًا بما يجب عمله فأشارت قوت المتمسكة بطفليها المتباريان برحمها حيث غرفة الملابس:
ـ هدومي
نهض حسام يحضر ثوبها ركضًا وفور عودته أعادت الإشارة:
ـ شنطة البيبي
ألقى المرتبك الثوب أرضًا وعاد لغرفة الملابس يحضر حقيبة الصغار وعند رجوعه لزوجته أعادت إلقاء التعليمات من بين ألمها مشيرة لثوبها على الأرض:
ـ الفستان
أسقط حسام الحقيبة أرضًا والتقط الثوب يعلقه برأس زوجته التي كبحت إحدى صرخاتها وهي تكمل تعليماتها:
ـ كلم الدكتورة
ترك حسام الثوب الذي فشل في إيجاد كمه والتقط الهاتف يحادث الطبيبة التي طلبت ملاقاتها بالمشفى بينما قوت تحاملت على وجعها وأكملت ارتداء ثيابها ليعود إليها حسام يحمل الحقيبة بيد ويدعم جسدها بالأخرى، عند باب الغرفة توقفت قوت تطالعه وتسأل باستغراب:
ـ هتنزل كدة؟
طالع حسام هيئته؛ حافي القدمين، عاري الجذع بسروال رياضي، تجمد لوهلة ثم أعاد إسقاط الحقيبة يهرع حيث غرفة الملابس يرتدي حذاء ويلتقط سترة أكمل ارتدائها على درجات السلم بيد واحدة بعدما علق الحقيبة الحائرة بكتفه وحرص على دعم زوجته بالذراع الأخرى حتى السيارة.
ثلاث ساعات قضاهم بالمشفى قبل أن يخرج طفليه للنور بعدما قررت الطبيبة إخضاع زوجته لجراحة قيصرية، دقائق وكانت والدتهما تفرج جفنيها بوهن على صورته وهو يطبع قبلة على جبينها ويهمس:
ـ حمد لله على سلامتك يا أم الحياة
أغمضت عينيها مرة أخرى تعود للنوم بفعل المهدئات بينما حسام جلس بين فراشها وسرير الصغيرين، يمناه تحتضن كفها ويسراه تهدهد رأس صغيره تارة والصغيرة تارة أخرى، عيناه تتفحص تفاصيلهما ثم يعود ليلقي نظرة اطمئنان على من كانت سببًا لوجودهما ومصدرًا لسعادته، سترت ضعفه حتى تغلب عليه ووقت قلبه شرور نفسه التي طغت عليه يومًا، أهدته الحياة التي لم يعلم بوجودها يومًا ولم يجل بخاطره كونها ممكنة فاستحقت التربع بحجرات قلبه وتتويجها مالكته دون منازع.
***
أسبوع أعاد فيه تنظيم حياة أمه ببيته دون مساعدة زوجته التي قضته كفترة تعافي مما عانته بعامها الأخير معه مكتفية بصحبة ولديها ومتعتهما دون استطاعتها الاستمتاع وزواجها على فوهة بركان قادر على تحويله إلى رماد في أية لحظة
أسبوع حتى ظن أن أمه اعتادت الاكتفاء برعايته مع الممرضة دون تدخل زوجته فعاد بصحبة أسرته في محاولة للتوازن لا يعلم جدواها ولا قدرته على تكرارها إن فشلت كمحاولاته السابقة.
دلف غرفة والدته بصحبة زوجته والطفلين الذين تقدما لتحية جدتهما بينما تارا تجمدت لا تقوى على ادعاء ود تلاشى تدريجيًا حتى صار هباءً منثورا، رفعت السيدة ثريا نظرها إلى زوجة وحيدها التي اختطفت قلبه وسلبتها حياتها الماضية هامسة:
ـ نورتي بيتك يا بنتي
حيتها تارا برأسها واغتصبت ابتسامة قبل أن يسحب عمرو كفها للخارج يعفيها من لقاء مفتعل لا طائل من ورائه، دلفا غرفة نومهما فأجلسها على الفراش يحتضن كفيها بين كفيه ويملي عليها ما ستكون عليه حياتها القادمة:
ـ مش هتدخلي ليها تاني غير معايا
ضيقت تارا حاجبيها بعدم فهم فأكمل:
ـ الممرضة هتكون موجودة في غيابي وممنوع تمشي تحت أي ظرف قبل ما أرجع
لا تُنكر تارا راحتها للفكرة فحماتها تستغل غياب زوجها في تكدير صفوها لكن السيدة العجوز غير مأمونة رد الفعل فهمست بتردد:
ـ بس...
أوقفها عمرو بإشارة من يده مؤكدًا قراره الذي اتخذه دون رجعة:
ـ ده الحل الوحيد اللي وصلت له
أومأت تارا برأسها إيجابًا براحة ، رغم غرابة الوضع لكنه يعفيها من لذوعة كلمات حماتها التي لا تكف عن بصقها بوجهها كلما انفردت بها.
نهضت تنادي طفليها تساعدهما على تبديل ملابسهما والخلود للنوم وفي الصباح كانوا جميعا على موعد مع أول اختبار لخطة زوجها،
دلف عمرو غرفة والدته يحمل صينية الإفطار ووضعها جوارها ثم انحنى يقبل رأسها:
ـ زي ما اتفقنا يا أمي
أومأت السيدة ثريا موافقة فربت على كتفها وصوت جرس الباب يعلن عن وصول الممرضة، انصرف عمرو وعند الباب همس لزوجته مؤكدًا على التزامها بخطته:
ـ ممنوع تدخلي مفهوم
ودعته تارا وعادت إلى طفليها بعدما اطمأنت من دخول الممرضة غرفة حماتها، فتح عمرو باب بيته وصفعه حتى أصدر دويًا يثق في وصوله لكل من بالبيت، لم يمضِ أكثر من خمسة عشر دقيقة وكان صوت السيدة ثريا يرتفع نداءً باسم كنتها، وصل النداء تارا فتجاهلت الرد ومع تكراره تقدمت بخطوات نحو غرفة حماتها ثم تراجعت عند الباب عازمة على مواصلة التجاهل فاصطدمت بعمرو المتقدم نحو الغرفة بوجه متجهم يشع منه اليأس، تفاجأت تارا برؤيته فسألت:
ـ رجعت ليه؟
زفر عمرو يفشي تمويهه المتعمد:
ـ ما نزلتش
تقدمت تارا تربت على كتفه بدعم، تعلم صعوبة موقفه ولا تدري سبيلًا إلى معاونته سوى بتنفيذ خطته، تخطاها عمرو مرورًا إلى والدته فجذبت ساعده تشفق عليه المواجهة:
ـ لو أنا مردتش هتزهق
تنهد عمرو وربت على كفها وهو يخلص ساعده ويكمل طريقه نحو والدته التي لم تقطع نداءها، فتح عمرو باب الغرفة فنهضت الممرضة معتذرة:
ـ والله يا أستاذ عمرو سألتها عاوزة إيه مرضيتش تقول
انقطع نداء السيدة ثريا مع ظهور عمرو الذي أفسح الطريق مشيرًا للممرضة بالخروج فأطاعته، أغلق عمرو الباب والتفت إلى والدته يحجب غضبه عنها ويستدعي كل هدوء ممكن:
ـ كنتِ عاوزة حاجة من تارا؟
تلجلجت السيدة ثريا وأخفضت نظرها تهمس:
ـ كنت عاوزة الولاد يقعدوا معايا وحشوني
زفر عمرو يأسًا وقد أعيته الحيل في تسيير حياته، جاور والدته وحافظ على هدوء صوته خلاف ما يجيش بصدره:
ـ أنا مانع تارا من دخول الأوضة
صكت السيدة ثريا صدرها وسألت مستنكرة:
ـ هو أنا هاكلها؟
أغمض عمرو عيناه يستدعي رفقه بها متذكرًا كل أيام وحدتهما التي كانت فيها خير داعم يهادنها مثلما فعلت دومًا رأفة بضعفها:
ـ مش عاوز حد يخدمك غيري
ربت على كفها يهدهدها كما هدهدته طفلًا ويكمل مستدعيًا رحمتها به عله استطاع استكمال حياته:
ـ تحبي أسيب الشغل وأقعد معاك؟
أشفقت السيدة ثريا عليه ونفضت كفها تجذبه إلى حضنها تربت على ظهره:
ـ لأ يا حبيبي روح ربنا يوسع رزقك
اعتدل عمرو وسحب كفها عن ظهره يقبله، يعلم تعلقها به وكأنه كل الحياة ويأمل باستجابتها لهدنته مع زوجته إن اطمأنت لقربه:
ـ لو احتاجتي حاجة كلميني أنا أو الممرضة
أومأت السيدة ثريا موافقة وقد رق قلبها لحاله، نهض عمرو بعد أن قرب هاتفها المحمول جوارها واستدعى الممرضة لترافقها بغيابه.
جوار الباب كانت تارا بانتظاره، هالها عبوسه وشرود نظراته فتعلقت بعنقه تضمه إليها بدعم وتهمس جوار أذنه:
ـ كل حاجة هتعدي
ربت عمرو على ظهر زوجته متمنيًا بنفسه عبور أزمتهما دون خسائر، ابتعد يهمس أمام وجهها:
ـ لو حصل حاجة كلمينى
أومأت تارا برأسها موافقة كذبًا فلن تُحمله ما لا يطيق، يكفيه ما ناله حتى الآن ويكفيها تجاهل حماتها إن أعادت الكرة فزوجها الممزق بينهما يستحق التضحية ببعض من سلامها حتى يستطيع قيادة دفة أسرتهما إلى بر الأمان.
***
لو مُهدت سبل الأرض كلها له دونها لما سلكها، ولو جُعلت بيوت الكون موطنًا له ولم تكن بهم لما سكنها، بعدما وجد نصف روحه التي انشقت من ضلعه بتلك الحنون لم يكن ليستبدل سعادته بشيء آخر، تلك الفراشة لا تدرك ما صنعته بعالمه خلال الأسابيع القليلة التي قضتها ببيته، هو الوحيد الذي آنست وحشته برقتها وأضفت على دنياه مذاقها الخاص، شهر مر على زواجهما الفعلي بعد خروجه من المشفى، شهر ينهل من السعادة التي عرفت طريقها لقلبه أخيرًا، لم يتخل بعد عن تثبيت ذراعه يستمتع برعايتها حتى أصبحت ظله وبديل ساعده وكل جميل تمناه من الحياة، رغم عودته إلى عيادته؛ حرص على تقليل أيام عمله استمتاعًا بقربها وانتظارًا لتمام الشفاء.
دلف منزله يفسح الطريق لحارس الxxxx الذي وضع شجيرة صغيرة جوار الباب وانصرف، نادى زوجته فطالعت الشجيرة التي تفوح منها رائحة هي مزيج من رائحة زهور الفل والبرتقال مع عبق الياسمين، احتضنها رائف من الخلف وأسند ذقنه إلى كتفها يخبرها باسم الشجيرة التي وقع في عشقها منذ رآها "موريا" اقتربت غنى تستنشق إحدى زهورها المتفتحة مغمضة عينيها باستمتاع ثم استقامت هامسة:
ـ حلوة قوي
همس رائف جوار أذنها مغازلًا:
ـ شبهك
أدارت غنى وجهها للجانب تطالعه بابتسامة رقيقة لغزله فهمس أمام وجهها مكملًا:
ـ قوية، رقيقة، بأقل رعاية بتزهر وتملى الدنيا سعادة
أخفضت غنى نظرها خجلًا وانحنت تحمل الشجيرة تنقلها إلى الشرفة بينما تستفسر بدهشة:
ـ عرفت منين إني بحب الزرع
ابتسم رائف وتبعها وهي تختار لشجيرتها الجديدة مكانها المناسب، الأمر لم يكن صعبًا فنظرات الطبيبة الشابة تشرد مع كل زهرة عابرة بطريقها بينما سيارتها الخاصة دائمًا محملة بالزهور، اقترب رائف يسحب إحدى خصلاتها البنية يلفها على سبابته ويجيبها مداعبًا:
ـ كنت براقبك
ضحكت غنى باستمتاع لم تكن تتخيل حين ودعت ياسمينتها اليابسة أن قلبها سينال تلك السعادة التي طالما حلمت بها.
جذب رائف كفها ودلف يجلسها على الأريكة ويجاورها يزف إليها خبرًا طال انتظاره:
ـ صائب اتقبض عليه النهاردة
شهقت غنى للمفاجأة تملأ صدرها بالهواء ثم زفرته براحة متسائلة:
ـ عرفت منين؟
أجابها رائف بينما يُخرج هاتفه المحمول:
ـ حسام لسة مكلمني
تبع جملته بفتح أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي وشغّل مقطعًا مسجلًا، انفرجت عينا غنى وهي تستمع باهتمام إلى اعتراف طليقها بمحاولة قتل زوجها والزج بشقيقها في قضية كادت تقوده إلى الإعدام، انتهى المقطع الذي أرسله حسام إلى طبيبه والأخير يوضح:
ـ حسام سجل له اعتراف كامل بإذن من النيابة
انحنت غنى تستند بمرفقيها إلى ركبتيها وتحتضن رأسها المثقلة بكفيها، لم يكن أي من كان يستطيع الإيقاع بالمحامي الخبير إلا باعتراف منه بعدما اتخذ كل احتياطات ممكنة تبعده عن منفذي خططه، أغمضت غنى عينيها بعدما انتهى زوجها من روايته وهمست:
ـ أنا السبب
جذب رائف كفها فرفعت نظرها إليه، يعلم لومها لنفسها ويشفق عليها فابتسم يومئ برأسه إيجابًا ويؤكد جملتها:
ـ بصراحة إنت السبب في حاجة مهمة
استفسرت غنى بنظرتها فأكمل ضاحكًا:
ـ أنا من الصبح ما أكلتش
راقت ملامح غنى قليلًا لمداعبته المقصودة ونهضت تحضر الطعام الذي تشاركته مع زوجها صامتة بينما رائف يراقب شرودها الذي يرفضه ويعلم إلى أي مدى تقودها أفكارها التي يكرهها، أنهى طبقه وطالع زوجته يخبرها بخطوته التي اتخذها نيابة عنها:
ـ أنا قدمت طلب باسمك النهاردة لقطع الإجازة
رفعت غنى نظرها إليه دهشة وجاوبته بضيق:
ـ بس أنا مش عايزة أرجع الشغل
التقط رائف كفها بدعم يعلم الظروف التي دفعتها للابتعاد وليس من شيمه الاستسلام:
ـ هترجعي وهتواجهي كل الناس
يؤمن أن أي منهما لم يرتكب أثمًا للهرب وأن أفضل وسيلة للدفاع عن شرفيهما هي الهجوم بينما غنى تتذكر كل ما عانته واختتام أيامها بالمشفى باتهام طليقها ونيله من شرفها، زفرت غنى تحاول المماطلة:
ـ طيب هقدم طلب نقل
هز رائف رأسه نفيًا، يكره الحلول الوسط ولم يعتد دفن رأسه بالرمال:
ـ هترجعي مكانك، معايا
اسندت غنى ظهرها إلى مقعدها ترفع نظرها للسماء تستجير بخالقها مما عانته وزوجها يكمل ما يؤمن به:
ـ لا أنا ولا إنت عملنا حاجة غلط علشان نهرب وده المهم
يكفيها ما نالها حتى الآن ولا يرى سبيلًا لإخراس أي فم يلوك سمعتها سوى عودتها قوية لا تخشى لومة لائم، نهض رائف يجذبها فتقف تبعًا له، دعم ساعدها بكفه السليمة وأسر عينيها في نظرة بث فيها حبه، ثقته ورغبته في القصاص لكرامتها من كل من أساء الظن بها:
ـ هتواجهي الكل وأنا معاكِ
ابتسمت غنى لنبرته المشجعة وأومأت موافقة، إن لنفسها عليها حق المحاولة ويكفيها ظهور حقيقة طليقها للجميع وامتلاكها لقلب زوج عاشت عمرًا غافلة عنه مغيبة بظلمات آخر لكن قدرها الحسن كان له الرأي الحاسم وأهداها ما تستحقه ولم تكن لتتمنى أفضل منه.
***
ويحدث أن تقضي عمرًا فارًا من الحقيقة، تسجنك أفكارك داخل نفسك وتُخضعك لأشباح ماضيك التي تجلد ضعفك في كل مرة حاولت فيها وأدها، تستسلم للغرق يأسًا ثم من فرط يأسك لا تجد سبيلًا سوى المحاولة، تتلمس أصابعك طريقها نحو الكف التي امتدت إليك علّها تستطيع انتشالك فلم يعد بعد القاع سقوط.
ستة أشهر واظبت فيها على جلسات علاجها المعرفي بين فردية مع طبيبتها أو جماعية وسط من تشاركن مثل مأساتها، ستة أشهر أدركت بعدها كم سجنت نفسها داخل تلك الطفلة المنتَهكة التي منعها ذعرها الحياة وكم كانت مذنبة بحق نفسها وبحق آخر سلبته حقه في حياة سوية وهجرته بأسوأ طريقة ممكنة ولمروءته لم يرد طعنتها بمثلها واكتفى بالابتعاد النبيل.
توقفت رولا أمام باب المشفى الذي يعمل به رائف؛ تدين له باعتذار ولا تدري من أين البداية، ترددت في اتخاذ خطوتها تلك حتى حثتها الطبيبة على مواجهة ذنبها فمثلها لن تستطيع مواصلة حياتها وقلبها مثقل بالماضي، هي وإن كانت ضحية غُيب عقلها بسجنها لكنها خلفت في طريقها ضحية لخوفها، منذ أدركت حجم الجرم الذي اقترفته بحثه وضميرها يجلدها على ما لحق به دون قصد منها، خطت بالرواق المؤدي إلى عيادته وقطعت تذكرة كأي مريض، كادت تفر بعد دقائق انتظار بين المرضى تتذكر محاولاته معها للبوح وكم كان دمثًا بينما ضعفها يدفعها لتحميله ذنوبًا لم يقترفها، نهضت تولي ظهرها لباب العيادة عازمة على الانصراف مهابة المواجهة فارتفع صوت الممرضة تنادي:
ـ دورك يا آنسة
التفتت رولا مرة أخرى وقد أُسقط في يدها تحاول استدعاء كلمات طبيبتها، عليها حث نفسها على المواجهة فتقدمت بخطوات وجلة تدلف إلى عيادته، خطوة فالثانية وكانت بمواجهته، تجمدت قدماها أمام نظرة رائف المتجهمة لرؤيتها؛ منذ مواجهتهما بقاعة المحكمة لم يلتقيها ثانية فما الذي دفعها لمقابلته، أشار بيده إلى المقعد أمام مكتبه يدعوها للجلوس فأطاعته وعيناها مثبتتان أرضًا تفر من نظرته، تجاهل رائف النظر نحوها وثبت نظره على الأوراق فوق مكتبه يسألها بعملية وكأنه لا يعرفها:
ـ حضرتك بتشتكي من إيه؟
ازدردت رولا لعابها بتوتر وحاولت النطق فلم تقوَ عليه، جذبت حزام حقيبتها تلويه دون رد فأعاد رائف سؤالها:
ـ أقدر أساعد حضرتك بإيه؟
رفعت رولا نظرة مترددة إليه؛ يستطيع مساعدتها إن منحها صفحه لكن ارتباكها يلجمها عن طلبه، زفر رائف بملل من الصامتة ونطق يريد إنهاء اللقاء غير المرغوب به:
ـ في مرضى غير حضرتك منتظرين
شهقت رولا تستدعي شجاعتها وتتذكر تدريبات التحكم بالقلق التي تعلمتها من طبيبتها همست رغبة في الخلاص من ثقل ذنب معلق بعنقها:
ـ أنا غلطت في حقك
رفع رائف حاجبيه دهشة فاعترافها آخر ما توقعه منها، لانت ملامحه قليلًا بعدما رأي توترها وهي تكمل اعترافها:
ـ إنت مكانش ليك ذنب في أي حاجة حصلت والمشكلة كانت عندي
اعتراف كانت تحتاجه منذ زمن وتأخر كثيرًا وإن صنع فارقًا بحياتها القادمة لم يعد ذا جدوى له بعد ما كان:
ـ والمطلوب مني
هزت رولا رأسها تنفي حاجتها لشيء سوى التخلص من ثقل همها:
ـ حبيت أعتذر لك بس
أشفق رائف عليها فما رآه سابقًا ينبئ بمأساة عاشتها المسكينة وبعد تلك المقابلة لا بد من كونها قد خضعت للعلاج فابتسم مرحبًا بمحاولتها للاستشفاء وقد تناسى كل ما كان:
ـ ولا يهمك
انفرجت أسارير رولا براحة بعد ما أزاحت عن كاهلها ثقل كان يؤرقها منذ عاد إدراكها، قاطع حديثهما طرقات خافتة على الباب أذن بعدها رائف للطارق بالدخول، دلفت غنى بصحبة آخر وصوتها الرقيق يعلن غافلة عن هوية الجالسة:
ـ الدكتور بيسأل عليك
نهض رائف مرحبًا بحرارة يصافح زميل دراسته الذي نُقل حديثًا لمشفاهم:
ـ سِليمان ليك وحشة يا راجل
صافحه صديقه ولوى شفتيه بامتعاض يصحح له نطقه للمرة التي لا يذكر عددها:
ـ سُليمان زي ما هويام بتنطقها
ابتسم رائف وضرب جبهته بكفه وقد نسيَ مرة أخرى كره صديقه لكسر السين باسمه وتمسكه بنطقه الفصيح، جذب كفه يدعوه للجلوس فاتخذ المقعد المقابل لرولا التي نهضت مرتبكة تهم بالانصراف فلاحظها الضيف:
ـ معرفش إن عندك ضيوف
بُهتت غنى لرؤيتها فلقائهما الوحيد لم يكن موفقًا بينما رولا تذكرتها ولاحظت بروز بطنها؛ حتى تلك التي التقتها لأقل من نصف الساعة حاولت خلالها الطعن فيه لم تصدقها وسارت خلف حدسها الصحيح، الجميع كان يرى علتها إلاها، علقت حزام حقيبتها بكتفها وهمست مبتسمة لغنى:
ـ مبروك
حيتها غنى بهزة رأس بينما هناك آخر يتأمل تفاصيلها، أنف مدبب ناسب قمحية بشرتها وشفاهها المتوسطة الامتلاء مع خصلات سوداء فاحمة جمعتها برباط خلف رأسها وانقسمت إلى قسمين أحدهما تدلى على كتفها حتى لامس حزام ثوبها الرقيق والآخر ينطلق بحرية خلف ظهرها يداعب خصر نُحت بإتقان.
التفتت رولا إلى رائف تشكره حسن استقباله ثم أولتهم ظهرها منصرفة بينما المشدوه لم يستطع منع عيناه من متابعة أثرها حتى غابت عنه فالتفت إلى رائف يسأله باهتمام:
ـ مين القمر الي طالع بالنهار؟
ابتسم رائف لصديقه الذي وقع بأسر صاحبة الخصلات الفاحمة مجيبًا باختصار:
ـ معرفة قديمة
نهض سُليمان يصافح رائف مودعًا وأسرع بالخروج بينما صوته يصلهما ويدفعهما لتبادل الابتسام:
ـ طيب بالإذن ألحق أخليها معرفة جديدة
أنهى جملته وركض في أثرها بعدما اختطفته في غفلة وكأنها جنية أحلامه التي طال انتظارها وتلك سطور حكاية أخرى بدأت أولى فصولها للتو.
***
أمواج الحياة عاتية جذبت من ضل للقاع وزادت من غيه وحين استفاق لطمته فقاومها وعند اقتراب الغرق تمسك بالنجاة حتى أجبرها على الانصياع لإرادته.
فتح محمود باب منزله وتنحى يفسح الطريق لمرافقه الذي تبعه خجلًا، رفع صوته ينادي زوجته التي حضرت وتجمدت لرؤية شقيقها الذي اشتاقته على غضبها منه، ربت محمود على كتف هيثم الذي ثبت نظره إلى الأرض ودفعه نحو شقيقته:
ـ سلم على أختك
تقدم الفتى بخطوات وجلة يشتاق إلى ضمة شقيقته التي حُرم منها على مدار عام كامل بعد ما اقترفه بطيشه، توقف أمامها مباشرة دون أن يقوى على رفع نظره إليها، رمت هند بنظرها إلى زوجها الذي فاجأها بزيارة شقيقها وهي التي كانت تخجل من محاولة معرفة أخباره فابتسم محمود مشجعًا لتجذب شقيقها الذي كان يتوق إلى شارة البدء ليلقى نفسه بين أحضانها، يدفن وجهه بكتفها ويزرف دموع ذنبه بحقها وشوقه إليها، يبكي أيام وحدته التي اجتازها بمفرده بعدما اجتمعت عليه مرارتي الفقد والعَوز، ضغطت هند جسده إليها وقبضتها المضمومة تلكم ظهره شوقًا ولومًا لما أوصلهم إليه وقد فاضت عيناها بدموع الاشتياق.
منحهما محمود فرصتهما الكاملة ثم تقدم يربت على ظهر هيثم حتى استقام يمسح وجهه بكف والأخرى لا زالت متمسكة بشقيقته، ابتسم محمود يدفعه للداخل:
ـ ادخل سلم على ولاد أختك
ربت هيثم على كتف شقيقته التي لا زالت تزرف دموعها ولاحظ استدارة بطنها فداعبها:
ـ هتجيبي لنا إيه المرة دي
مسحت هند وجنتها وبادلته الابتسام تهمس باسم جنينها الذي اختارته:
ـ ضحى
قبّل رأسها داعيًا لها ولجنينها تمام الحمل وأطاع شارة رب البيت الذي التفت إلى زوجته يبتسم للبهجة التي ارتسمت على وجهها بعد مفاجأته، يعلم كم كانت تشتاق إليه وتأبى البوح خجلًا منه بينما كان يتتبع أخبار شقيقها منذ خرج من بيته دون إطلاعها عليها، منحه الفرصة حتى يصحح مساره وما إن اطمأن إلى عودته إلى الطريق القويم حتى ظهر أمامه يعيده إلى شقيقته مرة أخرى بعدما استحق أن يحظى بعائلة تشد من أزره في وحدته، ربت على كتفها وطلب إعداد الطعام ثم عاد إلى هيثم الذي كان يجلس أرضًا يحمل ضيّ فوق ساقه يداعب خصلاتها البنية من حين إلى آخر بينما يشارك ضياء بناء بيت مكعباته.
نهض هيثم يحمل ضيّ ويجاور زوج شقيقته الذي آذاه ويخجل من النظر إليه، يرغب لو استطاع الصفح عنه، همس هيثم وهو يفر بعينيه تجاه ابنة شقيقته وكأنه يحتمي بطُهرها من دنس ماضيه:
ـ أنا مش عارف أقولك إيه
ربت محمود على ساق هيثم، ما رآه بعينيه عدة مرات وتأكد منه بنفسه ينبئ بتوبة نصوح:
ـ أنا عارف كل حاجة
لأول مرة منذ ظهر أمامه بورشة النجارة يرفع هيثم نظره إليه فواجهه محمود بدعم:
ـ ما كنتش هسمح بدخولك البيت تاني غير وأنا متأكد إنك لقيت الطريق
على مدار عام كامل راقب كل تحركاته من خلال صاحب الورشة الذي شجعه على إيوائه عندما طلب هيثم منه ذلك، يعلم استئجاره بعدها لغرفة بأحد المباني القديمة وانتظامه بعمله الذي طالما أهمله بسنوات ضلاله بل وحرصه على الصلاة بمسجد الحي، زفر محمود براحة بعدما منحه الوقت وظن أنه سيمل سريعًا ويعود إلى غيه لكن المجاور له ثبت على توبته فمن يكون هو حتى يرفض عودته إلى طريق الحق، ابتسم يُذكره بآخر مقابلاتهما:
ـ فاكر قلت لك إيه آخر مرة؟
هز هيثم رأسه يتذكر اليوم الذي انقطع فيه كل أمل له بدعم هذه العائلة التي كانت قبس النور الوحيد بحياته:
ـ طريقك هتلاقيه بنفسك وأوعدك لو كان الطريق الصح هتلاقينا مستنيينك
أنهى هيثم الجملة التي حفظها عن ظهر قلب فابتسم محمود يعيد التربيت على ركبة التائب بدعم:
ـ والنهاردة بوفي بوعدي
قاطعهما صوت هند تدعوهما للغداء فنهض محمود ودفع هيثم ليتبعه:
ـ أكيد طبيخ أختك وحشك
انضم هيثم إليهما وقلبه يرقص فرحًا لعودته إلى حضن تلك العائلة التي حُرم منها بذنبه بينما محمود يراقب ملامح زوجته الرائقة بعد رؤية شقيقها وهي التي كانت تحمل همًا على عاتقها يفوق طاقتها دون قدرة على البوح فعجل بجمعهما شفقة بقلبها الذي أرهقه الاشتياق.
أنهوا طعامهم ونهضوا يتشاركون الجلسة التي طال انتظارها حتى أوشكت الشمس على المغيب فطالب محمود زوجته بسرعة تجهيز نفسها والصغار، نهض هيثم يهم بالمغادرة فجذب محمود كفه يعيده إلى جلسته مرة أخرى:
ـ هتيجي معانا عيد ميلاد أخوات ضياء
حك هيثم ذقنه معتذرًا فدائمًا ما كان يخشى لقاء طليق شقيقته حتى وإن تحسنت علاقته بعائلتها الجديدة التي لم يفهمها لكنه يفضل تجنبه، نهض يصر على المغادرة ويصافح الرجل الذي يدين له بالفضل:
ـ اعفيني أنا
خضع محمود لرغبته ورافقه مودعًا حتى باب البيت مؤكدًا على طي صفحة الماضي:
ـ البيت بيتك ومفتوح لك أي وقت
غادر هيثم وقد انزاح عن كاهله عبء ذنبه بعودته إلى أحضان عائلة شقيقته، اكتملت راحة قلبه التي وجدها بالقرب من خالقه بعدما تذوق لذة الكسب الحلال وبمسامحتهما عرف قلبه السكينة في طريقه الجديد الذي اختاره عن طيب نفس ولا زال بعده بالبداية
***
جُبل الكون على الطواف؛ تطوف الكواكب حول نجمها بينما تنجذب إليها أقمارها تتبع المدار في تناغم بينما ذرات الكون تدور حول النواة لا تقوى على تبديل شحناتها، وجميعهم كان يطوف حول قلب لا يعرف سوى النقاء فطافت حوله القلوب أسيرة طهره مستسلمة بسعادة للحب الذي يمنحه لهم دون جهد منه.
تقدمت قوت وزوجها يرحبان بضيفيهما، منذ ولادة توأمهما وحرص حسام على ربط شقيقهما الأكبر بهما فنمت صداقة جديدة بين قوت وهند عنوانها ضياء القلوب.
رحبت قوت بصديقتها بينما حسام حمل بِكره وتوجه حيث المنضدة الرئيسية، كان توأمه يجلسان بمقعدين مرتفعين للأطفال أمام قالب الكعك الكبير احتفالًا باكتمال عامهما الأول بينما المقعد بينهما خاوٍ بانتظار الأخ الأكبر، أوقف حسام بكره بين نجمي الحفل فكان القمر الذي توسطهما بحلة رسمية سوداء ناسبت جسده الصغير وقميص أبيض علته فراشة عنق حمراء وخلفه وقف حسام وعن يساره محمود وعن يمينه زوجته التي صحبت هند وضيّ لتجاورها، بعد ثوانٍ كان رائف وغنى ينضمان للحفل الذي بدأ بأغنية عيد الميلاد الشهيرة اختتمت بقبلتين طبعهما ضياء على وجنتي التوأم الصغير ثم تولى متعهدي الحفل ضيافة الحضور بينما محمود انحنى يحمل طفلة شقيقته ذات الأشهر الستة يغمرها بقبلاته فقد منحته صغيرته صغيرة تشبهها، ود لو اختطفها فتسلل مبتعدًا عن صخب الحفل حتى يستطيع تدليل الصغيرة مثلما يحلو له، أجلسها على ساقه يسند ظهرها بكلتا كفيه ويواجهها مصدرًا أصواتًا بفمه مع تحريك ملامح وجهه في محاولة لإضحاكها وبين تارة وأخرى يقبلها ويهمس:
ـ حبيبة خالو
تهللت ملامح الصغيرة وابتسمت فاستبشر محمود ثم أدرك كون نظرها معلقًا بمن خلفه، التفت فوجد رائف يهز رأسه له نفيًا ويربع ذراعيه أمام صدره يصحح جملته:
ـ حبيبة رائف
انضمت هند وغنى إليهما وصوت هند يعلوا مستفسرًا:
ـ بتعملوا إيه هنا
بسط رائف كفه يشير إلى خال طفلته ومط شفتيه مدعيًا الغضب:
ـ الباشمهندس بيحاول يخطف قلب حبيبة
انحنت غنى تضع كفيها فوق كتفي شقيقها تمنحه قبلة على وجنته ودعمها في منافسته مع زوجها على قلب طفلتها:
ـ حودة يخطف القلوب كلها
انحنى رائف يحمل صغيرته وقد نبتت بذور غيرته عليها منذ ولدت، يهز رأسه رفضًا:
ـ حبيبة رائف وبس
ضحك الجميع لغيرة الأب الواضحة فقد اختبر محمود مثيلتها عند ولادة طفلته والآن يشتاق إلى شقيقتها، احتوى كتفي غنى التي جاورته وقد اطمأن قلبه أخيرًا على سعادتها التي اكتملت بولادة حبيبة وعن يساره جلست هند متثاقلة بحملها تحتضن طفلتها المُنتظرة بكف وتتابع ضيّ التي انضمت للعب مع ضياء والتوأم وباقي أطفال الحفل وقد توسطت قوت منطقة الألعاب تشارك الأطفال اللهو.
لو أن أحدًا أخبرها يومًا أنها ستجلس ببيت طليقها بترحاب من زوجته لظنته أخرق لكن الدنيا طافت بها وبوليدها الأول حتى استقر بهما المقام وقد منحهما القدر أفضل فرصهما للحياة.
النهاية
تلتقون مع خاتمة بعد قليل


heba nada غير متواجد حالياً  
التوقيع


أعمالي على المنتدى حسب ترتيب النزول
نوفيلا فرحة
https://www.rewity.com/forum/t467338.html
رواية غصون متأرجحة الجزء الأول من سلسلة بين رحى الحياة
https://www.rewity.com/forum/t472286.html
رواية بذور الماضي قيد العرض الجزء الثاني من سلسلة بين رحى الحياة
https://www.rewity.com/forum/t483345.html

رد مع اقتباس
قديم 10-03-23, 11:01 PM   #655

heba nada

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية heba nada

? العضوٌ??? » 460821
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » heba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond repute
افتراضي خاتمة

لمحات عن القادم
لكل جهد مبذول بالاتجاه الصحيح فوز مساوٍ له في المقدار وكل طاقة مهدرة في سبيل الهدف تكافئ أخرى تتولد لتقاوم مصاعب الحياة.
بمدرج المسبح الأولمبي لأحد أشهر نوادي العاصمة اجتمعت القلوب لمتابعة تدريب السباحة للفريق الذي يستعد للمشاركة في دورة الألعاب البارالمبية، أنهى ضياء السباق بفارق ثوانٍ عن زميله ليرتفع تصفيق إخوته الأربعة بالمدرجات، عقب نهاية التدريب بادرت ضيّ وضحى بالانسحاب من المدرج وصولًا إلى أخيهم وتبعهم كنان وحياة التي عجّلت من خطاها تختطف ذراع أخيها الأكبر المعلقة بساعد ضيّ، طبعت قبلة على وجنته وقربته إليها معلنة عن رغبتها:
ـ ضياء هييجي معانا
حافظت ضيّ على هدوء أعصابها أمام تلك الفتاة التي لا ترى لها ميزة سوى كونها أختًا لأخيها:
ـ بس ماما معندهاش خبر المفروض نروّح مع بعض
تخصرت حياة متحدية تُصر على كلمتها:
ـ ده أخونا زي ما هو أخوكم وأنا عايزاه معانا
همت ضيّ بالمجادلة فقاطعها صوت كنان الهادئ:
ـ طيب نسأل ضياء
التفت إلى ضيّ مؤكدًا بابتسامة ودود:
ـ ولو ضياء عاوز ييجي هتصل بطنط هند استأذنها
أنهى جملته وابتسم بوجه أخيه يسأله باهتمام حقيقي:
ـ تحب تيجي معانا ولا تروح مع ضي وضحى
وضياء القلوب لا يعرف تعقيداتهم فأجاب ببساطة:
ـ أروح مع ضي وضحى
ابتسم كنان بحب واحتوى كتفيه رغبة بصحبته:
ـ طيب يالا هوصلكم
دارت حياة بنظرها بين الجميع وأعلنت رفضها بوقاحة:
ـ بس كدة العدد كبير على العربية
منحها كنان نظرة عتاب في محاولة لكبح وقاحتها المتوقعة:
ـ مش كبير ولا حاجة
لكن الفتاة المتمردة والتي تكره تواجد هاتين الفتاتين بأماكن لا تحلم مثيلاتهما بدخولها ويستطعن التعامل فيها بحرية فقط لإنهما تمتلكان نصف جينات أخيها الأكبر، قَلبت عيناها للأعلى باستهتار وأكملت وقاحتها:
ـ مبعرفش أقعد جنب حد
تأففت ضحى من معاملة حياة غير المبررة وأنهت النقاش بسحب كف أخيها شاكرة الآخر:
ـ شكرًا يا كنان هناخد أوبر
تبعت جملتها بالتنفيذ حتى اختفى ثلاثتهم عن نظر كنان الذي تبعهما مجبرًا ثم التفت إلى توأمته يلومها سوء تصرفها:
ـ ممكن أفهم بتعامليهم كدة ليه
مطت حياة شفتيها المصبوغة بملل، توأمها رغم تدرجه بالجامعات والمدارس الدولية لا يمانع في الحط من قدر نفسه والحلم بفتاة أقل قدرًا منه:
ـ بعاملهم زي ما المفروض إنت كمان تعاملهم
زفر كنان بتعب من تمرد شقيقته الذي لا يعلم له سببًا فوالديهما على علاقة طيبة بعائلة أخيهم منذ شب بهذه الدنيا ولم يرَ منهما مثل تكبرها:
ـ دول إخواتنا المفروض تعامليهم أحسن من كدة
رفعت حياة سبابتها بوجهه تصحح له متحدية:
ـ إخوات أخونا مش إخواتنا
هز كنان رأسه يأسًا من تعديل سلوك شقيقته وأنهى النقاش الغير مجدي:
ـ طيب يالا علشان أوصلك
داعبت حياة خصلاتها المصبوغة بالأشقر وهي تلقي نظرها للسماء بانتصار بعدما نجحت خطتها في إفساد لقاء شقيقها بغريمتيها:
ـ هقضي باقي اليوم في النادي
كز كنان على أسنانه غيظًا بعدما فطن إلى مكيدة شقيقته، شهق يستدعي هدوءه يضم قبضتيه كابحًا غضبه عن إشعال شجار أمام الجميع، هز رأسه متوعدًا إياها والتفت مغادرًا دون كلمة فتوأمته وضعت إفساد علاقته بالفتاتين نصب عينيها ولن تحيد حتى تنجح أو يوقفها مجبرة.
**
للنفس حاجات لا يفيها سوى بعض من الناس اختصهم الله دون غيرهم بالقرب، هم من القلب كأحد حجراته التي انفصلت بجسد آخر فإن استدعاها يومًا هرولت ملبية نداءه تمسد ألمه وتداوي جراحه التي خلفتها الدنيا، ربما كان أخًا أو صديقًا ونعمة هي إن حظيت بأحدهم.
على امتداد سنوات عمرهما نمت صداقتهما التي شابها الفتور بالبداية ثم اقتربتا حتى صارتا كأختين دون صلة دم لكن صلة روحيهما كانت أقوى بعدما اكتشفتا اشتراكهما في الألم فكلتاهما افتقدت الأب؛ واحدة بصفة مؤقتة حتى عادت لكنفه والأخرى للأبد بعدما غيبه الموت، كلتاهما ربَت بعائلة فقدت إحدى ركنيها إما بموت أو طلاق رغم محاولة ذويهما التعويض لكن الحياة دائمًا ما كانت منقوصة فاجتمعتا على قلب فتاة واحدة بجسدين؛ فتاة تحمل من الخوف ما يفوق طاقتها فكانت كل منهما سندًا للأخرى دون أن تدري حتى بعد انطلاقهما بالحياة وتكوين أسرتيهما ظلت كل منهما جعبة أسرار الأخرى وملجأها حين الضعف.
دلفت نادين المطعم الذي طلبت لمى ملاقاتها به، طلبت المقعد المخصص للأطفال من النادل وأجلست صغيرتها ذات العامين به بعد أن صافحت صديقتها التي أرقها صوتها بالهاتف، طالعت لمى بملامحها الأربعينية المرهقة على غير العادة فصديقتها صاحبة اللياقة البدينة الفائقة منذ الصغر لم تكن يومًا بمظهر غير مرتب لكنها تعلم أزمتها الأخيرة التي فقدت بسببها الكثير من الوزن وهي التي لم تكن بدينة بالأساس، استعصى عليها النوم فعرفت الهالات السوداء طريقها إلى عينيها وأضاف الحزن أعمارًا لبشرتها فوق عمرها، رق قلب نادين لمظهر صديقتها غير المعتاد وسألت باهتمام:
ـ حصل حاجة جديدة؟
هزت لمى رأسها نفيًا وأخرجت علبة التبغ تدس لفافة بين شفتيها وتشعلها، جذبت نادين مقعد صغيرتها باتجاه النافذة حتى تبعدها قدر الإمكان عن مسار الدخان وانتظرت بوح صديقتها التي تمر بأسوأ منعطفات حياتها على الإطلاق دون أن تنبس لمى بكلمة مكتفية بنفث دخانها بعصبية، حاولت نادين حثها على البوح فأعادت سؤالها مرة أخرى:
ـ اتكلمتوا تاني
أعادت لمى النفي بهزة رأس مع إصرارها على الصمت، كلما أنهت لفافة تبغ جذبت أخرى حتى استفذت حمية نادين التي حاولت التغافل بالبداية عن عودتها للتدخين:
ـ إنت جيباني أتفرج عليك وإنت بتنتحري بالسجاير؟
انحنت لمى تستند برأسها إلى كفها، عندما ضغطت رقم صديقتها لم تكن تفكر سوى بحاجتها لمرافقتها فقط لا تريد البقاء وحيدة لكنها لا تقوى على الحديث أو إعادة الشكوى من وضع بات يستنزفها، زفرت دخان تبغها بوجه صديقتها التي تكرهه فسعلت نادين تحرك كفها أمام وجهها في محاولة لتفريقه بينما لمى تعتذر دفعها لها للحضور دون جدوى:
ـ كنت حاسة إن لو فضلت لوحدي دماغي هتنفجر
أشفقت نادين على حالها وسبّت عجزها عن حل معضلتها بينما الأخرى ألقت عَقِب السيجارة المنتهية وسحبت لفافة جديدة تهم بإشعالها فامتدت كف نادين تنتزعها وتسحقها غاضبة وهي تلقيها بالمرمدة:
ـ كفاية سجاير بقى
ضحكت لمى بيأس، هي التي كانت ترفض التدخين يومًا حفاظًا على حلمها الذي فقدته بعدما ابتلعتها الدنيا والآن أصبحت صديقة للتبغ تنفث فيه غضبها بعدما آلت إليه حياتها، طالعت ساعتها فنهضت تودع صديقتها المحتفظة بدهشتها:
ـ الولاد قربوا يرجعوا من المدرسة لازم أمشي
أكملت جملتها واحتضنت صديقتها مودعة، ربتت نادين على ظهرها بدعم فهذا كل ما تستطيع تقديمه لها:
ـ هتصل بيك باليل
تفرقتا بجسديهما لكن قلبيهما المعلقين ببعضهما لا زالتا على العهد فهكذا هما منذ عرفت كل منهما طريقها لقلب الأخرى.
وصلت نادين بيتها بعجالة فطفليها الأكبر وزوجها اقترب وصولهم.
وضعت صغيرتها التي استسلمت للنوم في الطريق بفراشها وأسرعت بإعداد الطعام، كانت تنقل الصحون إلى الطاولة عندما وصلتها رسالة على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي، التقطت الهاتف تفتحها فهالها ما وصلها، القت بجسدها على المقعد المجاور لا تستطيع تصديق ما تقرأه، كبحت دموعها وكفها يمسك بالهاتف والأخرى تغطي بها فمها تمنع نفسها عن الصراخ وعيناها تعيد قراءة الرسالة مرات تلو مرات، شهقت تتمالك نفسها عندما ارتفع جرس الباب يعلن عن وصول طفليها، وضعت الهاتف جانبًا وفتحت تستقبل الطفلين اللذين دخلا بإزعاجهما اليومي وحكايات مغامراتهما بالمدرسة، استعمت لهما نادين بنصف ذهن وواصلت تحضير الطاولة، مع وضع آخر صحن كان زوجها يدلف ليشارك طفليه الغداء بينما نادين تطالع ثلاثتهم مدعية مشاركتهم الطعام، أنهى الطفلين طعامهما سريعًا ونهضا بينما استيقظت الصغيرة وتعلقت بأمها التي حملتها ولا زالت تجاور زوجها الذي يلوك بعض اللقيمات، طالعته نادين بشرود، الفكرة تراودها منذ زمن وتأبى تنفيذها لكن الرسالة الأخيرة كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، لقد سأمت العيش رهن احتمالات وآن لها أن تضع حدًا لخوفها بيديها قبل أن تجبرها يد أخرى على القرار، همست باسم زوجها:
ـ مراد
رفع نظره يوليها اهتمامه فأكملت:
ـ إنت عارف إني بحبك صح؟
ابتسم مراد بحب يعلم حقيقة مشاعرها نحوه ويجد بها كل ما تمناه بزوجته يومًا فأومأ مؤكدًا بإشارته التي زامنت كلمته:
ـ أكيد
زفرت نادين فأفرغت صدرها من الهواء وهي تسأل بتوسل:
ـ طيب ممكن أطلب منك طلب
زوجته رغم طول عشرتهما التي امتدت لأكثر من اثني عشرة عامًا لا زالت تخجل من طلب ما تحتاجه مما يدفعه دائمًا لسؤالها، ابتسم مرحبًا بطلبها الذي لا يعرفه وأكمل طعامه الذي توقف بحلقه وهو يرفع عينيه ذهولًا عندما سمع منها آخر كلمة كان يتوقع سماعها:
ـ طلقني
***
إلى الصديقات
سمر حمدان
فاطمة الزهراء محمود
فاطمة طلحة
أمنية شوقي
شكرًا لوجودكن دومًا
***


شكر وعرفان
متابعات فصول بذور الماضي العزيزات شكرًا لانتظار كلماتي بشغف فلولاكن ما اكتملت الرحلة

تمت بحمد الله
الخميس الموافق 9/3/2023
وإلى اللقاء مع الجزء الثالث
ثمار الهوى


heba nada غير متواجد حالياً  
التوقيع


أعمالي على المنتدى حسب ترتيب النزول
نوفيلا فرحة
https://www.rewity.com/forum/t467338.html
رواية غصون متأرجحة الجزء الأول من سلسلة بين رحى الحياة
https://www.rewity.com/forum/t472286.html
رواية بذور الماضي قيد العرض الجزء الثاني من سلسلة بين رحى الحياة
https://www.rewity.com/forum/t483345.html

رد مع اقتباس
قديم 10-03-23, 11:05 PM   #656

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

مليون مبروك يا هبة
كاتبة مبدعة ومميزة
حبكاتك جميلة وممتعة
وسردك قريب عالقلب ومتعوب فيه
تسلم إيدك وقلبك
ودام إبداعك يارب❤️❤️❤️❤️❤️👏👏👏

Ektimal yasine likes this.

samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-23, 02:55 AM   #657

سمني هجران

? العضوٌ??? » 343275
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 706
?  نُقآطِيْ » سمني هجران is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
واتمنى لك التوفيق


سمني هجران غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-05-23, 02:59 PM   #658

نهى حسام
 
الصورة الرمزية نهى حسام

? العضوٌ??? » 309866
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 294
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نهى حسام is on a distinguished road
¬» قناتك max
افتراضي

رواية رائعة تسلم ايدك

نهى حسام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-05-23, 08:45 PM   #659

صعب تملكني

? العضوٌ??? » 213355
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 570
?  نُقآطِيْ » صعب تملكني is on a distinguished road
افتراضي

بدايه جميله جدا

صعب تملكني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-05-23, 02:24 PM   #660

صل على النبي محمد
 
الصورة الرمزية صل على النبي محمد

? العضوٌ??? » 404607
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,174
?  نُقآطِيْ » صل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

لا تنسوا الباقيات الصالحات

سبحان الله

الحمد لله

لا إله إلا الله

الله أكبر

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


صل على النبي محمد غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا إله إلا الله وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:03 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.