11-09-21, 04:26 AM | #1 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| المسخوط _ د.نبيل فاروق المسخوط أخبروه عنه ، منذ اليوم الأول ، الذى تسلّم فيه عمله ، فى تلك القرية النائية ، فى أقاصى الصعيد ... المسخوط ... لا أحد فى القرية كلها ، يعلم من أين جاء ... ولا إلى أى مكان ينتمى ... البعض يقول : إنه يجوب البلاد ، منذ استطاع السير ... والبعض الآخر يؤكد أنه اختار هذا المكان ، منذ مولده ... اختلفوا فى تاريخ ظهوره فى القرية ... وفى سبب اختياره لها ... ولكنهم اتفقوا على أمر واحد ... كراماته ... الكل يروى فى حماس ، حكايات يستحيل أن يصدقها مثله ، ممن نشأوا وترعرعوا فى (القاهرة). يروون كيف ذهب إليه الحاج (عبد الظاهر) مشلولًا ، وخرج من عنده يسير على قدميه ...!! كانت حكاية تقليدية ، تروى عن كل المحتالين ، من هذا الطراز ... لولا أمر واحد ... فالحاج (عبد الظاهر) رجل تعرفه القرية كلها ، وتعرف بأمر شلله ، منذ أكثر من عشر سنوات ، عندما سقط عن جرّاره الزراعى ... يستحيل إذن أن يتآمر مع المسخوط ... ولا أن يدعى سيره على قدميه ... ولو صحت هذه القصة ، فسيعنى هذا أنه هناك سر ما ، وراء ذلك المسخوط ... ما يصفونه به وحده ، يستحق التوقف طويلًا ... فالكل يصفه بأنه قصير القامة ، فى حجم شاب فى بداية فترة المراهقة ... له رأس ضخم ... وأطراف نحيلة رفيعة ... ولكن أطرافه تنتهى كلها بستة أصابع فى كل طرف ، وليس خمسة ، مثل كل البشر ...!! وهو لا يلتقى بأكثر ممن ينعم عليهم ببركته ... وحدهم يدخل حجرته ، فى كوخه الصغير ، الذى بناه ملاصقًا للجبل ... وهو لا يتقاضى أجرًا على الإطلاق ... لا نقود سائلة ... أو حتى منقولات ... البعض حاول أن يعطيه دجاجًا ، أو دقيقًا ، أو زيتًا ، أو حتى كيسًا من الشاى أو السكر ... ولكنه رفض تمامًا ... وعلى الرغم من أنه لا يغادر كوخه الصغير أبدًا ، فهو لم يطلب طعامًا قط ...!! وهذا ـ فى رأيه ـ أعجب ما فى القصة ... فكل كائن حى يحتاج إلى طعام ... أى طعام ...!! روايات خرافية ، تفوق حكاية الحاج (عبد الظاهر) ، الذى عاد للسير على قدميه ، بعد ساعة واحدة ، قضاها وحده مع المسخوط ... " هناك ما هو أعجب من هذا ..." قالها زميله (هانى) فى حماس ، فالتفت إليه ، وهو ينهى عمل اليوم الممل : ـ مثل ماذا ؟!.. هل ستخبرنى أنه أعاد البصر إلى أعمى ؟!.. هزَّ رأسه نفيًا فى قوة : ـ بل أعاد إلى (حسين) ذراعه . حدَّق فيه ذاهلًا ، قبل أن يهتف فى حنق : ـ هل تسخر منى ؟! أجاب مخلصًا : ـ سل أى مخلوق فى القرية عن هذا ... (حسنين) فقد ذراعه منذ سبعة أعوام ، فى محلج القرية ... وذهب لزيارة المسخوط ؛ لكى يجد له عملًا أفضل ، وفوجىء به الكل يخرج من عنده بذراعين . تساءل فى حذر : ـ هل منجه ذراعًا صناعية ؟! هزَّ رأسه على نحو أقوى : ـ بل نبت له ذراع جديدة . شمله ذهول تام ، وهو يحدق فى زميله ... هذا مستحيل ...!! ذراع مقطوعة ، لا يمكن أن تنبت مرة ثانية ... حتى الأبحاث الطبية الحديثة ، التى تتصوَّر إمكانية هذا ، عبر استخدام الخلايا الجذعية ، مع تعاملات تكنولوجية خاصة ، يستحيل أن تقول : إن هذا يمكن أن يحدث فى ساعة واحدة ... " أريد رؤية ذلك المسخوط ..." قالها فى حماس ، فالتفت إليه (هانى) : ـ لأى سبب ؟! ... إنه يرفض اعتباره طفرة شاذة ، يذهب الكل لرؤيتها فحسب . قال فى اهتمام : ـ أريد أن ينقلنى إلى (القاهرة) . صمت (هانى) لحظات ، ثم هزَّ كتفيه ، قائلًا : ـ بالنسبة إليه ، هذا سبب تافه . قال فى إصرار : ـ ولكنه سبب . واصل (هانى) صمته بضع لحظات أخرى ، قبل أن يقول : ـ فليكن ... سأبلغ (علوان) . تساءل فى قلق : ـ من (علوان) هذا ؟! أجابه بابتسامة باهتة : ـ تستطيع أن تقول إنه مدير أعماله ... تصور أن (هانى) سيكتفى بهذا القول ، إلا أنه استدرك فى سرعة : ـ على الرغم من أنه لم يلتق به سوى مرة واحدة . غمغم فى دهشة : ـ ولماذا هو إذن ؟ حاول (هانى) أن يبتسم ، وهو يجيب : ـ إنه أوَّل من داواه ... كان أحد قطاع الطرق قد سرقه ، وقطع لسانه منذ طفولته . هتف مرتجفًا من الدهشة : ـ لا تقل لى : إن المسخوط أنبت له لسانًا . أومأ برأسه إيجابًا : ـ هذا ما حدث . وتضاعف فضوله ، مع لهفته لمقابلة ذلك المسخوط ... ألف مرة ... وعندما أخبره (هانى) أن (علوان) سيأخذه للمسخوط غدًا ، شعر بجسده كله يرتجف ... إذن فهو سيلتقى به ... والأهم أن المسخوط وافق أن يلتقى به ... سهر لوقت طويل ، ينزل برامج جديدة على هاتفه ؛ لتسجيل ذلك اللقاء ، دون أن يشعر المسخوط بهذا ... إنه يريد وثيقة عما سيحدث ... لا يدرى لماذا ... ولكنه يريد هذا ... وفى الصباح ، طرق (علوان) باب استراحة البنك ، فأسرع يفتحه ، وهو يسأله : ـ الآن ؟! أجابه (علوان) فى برود : ـ نعم ... الآن . سار مع (علوان) لمسافة طويلة ... طويلة جدًّا ... أكثر من ساعة كاملة ، يسيران وسط حقول القصب ، حتى خرجا إلى ساحة واسعة ، عند سفح الجبل مباشرة ، وفى نهايتها ذلك الكوخ الصغير ، الملاصق للجبل تمامًا ... " انتظر ..." قالها (علوان) بنفس البرود ، قبل أن يدخل إلى الكوخ ، دون أن يطرق بابه ... وبقى هو وحده ينتظر ، ويتأمل المكان من حوله فى توتر ... ياله من مكان مقفر مخيف ..!! ترى لماذا اختاره المسخوط لسكناه ؟!.. لماذا ؟!.. " هيا ..." قالها (علوان) بنفس البرود ، وهو يفتح له باب الكوخ ، فدق قلبه فى قوة ، وازدرد لعابه فى صعوبة ، وزفر فى حرارة ... ودخل ... أغلق (علوان) الباب خلفه فور دخوله ، فارتجف جسده ، مع الظلام الدامس ، الذى أحاط به ... " أين أنت ؟! .." هتف بها فى عصبية ، وهو يتلفَّت حوله ، محاولًا اختراق حجب الظلام ببصره ، قبل أن يأتيه صوت حاد رفيع صارم : ـ أنا هنا . استدار فى سرعة إلى مصدر الصوت ، فى نفس اللحظة ، التى غمر فيها ضوء أخضر عجيب الكوخ كله ... وانتفض جسده فى قوة ... فعلى ذلك الضوء ، رآه يجلس أمامه ... المسخوط ... تمامًا كما وصفوه ... جسد ضئيل ... رأس ضخم ... وأطراف غاية فى النحول ... والأهم ... العينان ... عينان واسعتان كبيرتان ، يبدوان وكأنهما يخترقان كيانك كله ... " لماذا أتيت ؟!.." ألقى المسخوط سؤاله ، بصوته الحاد الرفيع ، فازدرد هو لعابه فى صعوبة ، وهو يجيب : ـ أريد الانتقال إلى (القاهرة) . صمت المسخوط لحظات ، قبل أن يجيب : ـ أو أى مكان آخر . غمغم متوترًا : ـ المهم ألا أبقى هنا . قال المسخوط فى حسم وثقة : ـ أضمن لك هذا . هل يعنى حقًا ما يقول ؟!.. هل يمكنه أن يضمن له الذهاب من هنا ؟!.. هل ؟!.. مدَّ المسخوط كفه الصغير ، وفرده أمامه ، فظهرت فى وسطه كرة من الكريستال الأحمر ، وقال بصوته الحاد الرفيع : ـ استنشق هذه . تردَّد لحظة ، وهو يتساءل : ما معنى هذا ؟! لماذا يريد منه أن يستنشق كرة من الكريستال الأحمر ؟!.. راودته فكرة الرفض لحظة ، ثم نبذها فى سرعة ... مع كل العجائب التى يروونها عنه ، ماذا يضير لو نفذ مطلبه ؟!.. لن يخسر شيئًا ، فى كل الاحوال ... انحنى فى حذر ، واستنشق تلك الكرة الكريستالية الحمراء ، وبدت له رائحتها قوية نفَّاذة ، و... وفجأة ... استيقظ ... وبكل ذهول الدنيا ، حدق فى ذلك الواقف أمامه ... لم يكن المسخوط ... ولا حتى (علوان) ... بل كان هو ... كائن بشرى ، هو نسخة طبق الأصل منه ، يرتدى ملابسه ، التى انتبه إلى أنه قد تجرَّد منها ... " ماذا فعلت بى ؟!... من أنت ؟!..." التفت إلى شبيهى ، وهو يقول بابتسامة غير مريحة : ـ أنا أنت .. عينة صغيرة من حمضك النووى ، مع تكنولوجيتنا ، التى تسبق عالمكم بمائة عام على الأقل ، حوَّلتنى إلى نسخة طبق الأصل منك .. قال ذاهلًا ومرتجفًا : ـ تكنولوجيتكم ؟!.. عالمنا ؟!.. ماذا تعنى ؟! سمع صوت المسخوط من خلفه : ـ نعنى أنكم كائنات قوية ، ولكنكم أقل تطورًا منا ... ولدينا من التكنولوجيا ما يتيح لنا استنساخكم فى أجسادنا . حاول أن يلتفت إليه ، وهو يقول فى رعب : ـ أهذا ما فعلته ، مع كل من جاء إليك ؟! أجاب المسخوط : ـ استنسختهم ؟! .. نعم ... ونسخهم كانت تحمل جينات مولدهم ، وليس ما أصابهم .. فالذى فقد ذراعه ، جاءت نسخته مكتملة بذراعين ، والذى أصابه الشلل ، جاءت نسخته صحيحة معافاة ... وحتى من فقد لسانه ، جاءت نسخته ناطقة ... الصفات الموروثة فقط تستنسخ ، والصفات أو العاهات المكتسبة لا تفعل . قال مرتجفًا ، وهو يشعر بالألم ، مع قيود معصميه وقدميه : ـ ولكن لماذا ؟!.. وماذا تفعلون بالأشخاص الأساسية ؟ لم يحب المسخوط هذه المرة ، وإنما أجاب المستنسخ فى هدوء : ـ أجسادنا ضعيفة ، وأجسادكم قوية ... وربما لهذا يفوق حجم رءوسنا رءوسكم ... وكنوز كوكبنا تحتاج إلى أيد عاملة قوية لاستخراجها ، ووجدنا ضالتنا فيكم . هتف فى يأس : ـ سخرة ؟! .. هل قطعتم ملايين السنوات الضوئية ؛ للبحث عن عمال سخرة . أجابه المسخوط من خلفه : ـ ليس للسخرة فحسب . مرة أخرى حاول أن يلتفت إليه ، ولكنه عجز عن هذا ، وسمعه يكمل : ـ ألم تسال نفسك : من أين أحصل على غذائى هنا ؟! ثم برز رأسه أمام وجهه فجأة ، وهو يفتح فمه ، فتظهر أنيابه الشبيهة بأنياب سمك القرش ، مع استطرادته : ـ إننا نستسيغ طعمكم أيضًا . صرخ بكل الرعب ... صرخ ... وصرخ ... وصرخ ... ولكن المسخوط وضع تلك الكرة الكريستالية أمام وجهه مرة أخرى ... حاول أن يكتم أنفاسه ، ولكنه لم يحتمل هذا طويلًا ... واستنشقها ... وبينما يغيب عن الوعى ، أدرك أنه ربما لا يستيقظ أبدًا ... وربما يصبح بعد قليل وجبة شهية ... بين أنياب ... المسخوط . *** د. نبيل فاروق | |||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|