آخر 10 مشاركات
دموع تبتسم (38) للكاتبة: شارلوت ... كاملة ... (الكاتـب : najima - )           »          عيون الغزلان (60) ~Deers eyes ~ للكاتبة لامارا ~ *متميزة* ((كاملة)). (الكاتـب : لامارا - )           »          93- رجل من ورق - كارول مورتمر - روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          خلاص اليوناني (154) للكاتبة: Kate Hewitt *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          شريكها المثالي (50) للكاتبة: Day Leclaire *كاملة* (الكاتـب : Andalus - )           »          حقد امرأة عاشقة *مميزه ومكتملة* (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          عزيزتى لينا (61) للكاتبةK.L. Donn الجزء4من سلسلة رسائل حبLove Letters كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ألـمــــاســة الفــــؤاد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          عزيزى مافريك(60)للكاتبةK.L. Donn الجزء3من سلسلة رسائل حب Love Letters .. كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree11394Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-03-22, 08:52 PM   #561

sarah72
عضو موقوف

? العضوٌ??? » 407216
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,307
?  نُقآطِيْ » sarah72 has a reputation beyond reputesarah72 has a reputation beyond reputesarah72 has a reputation beyond reputesarah72 has a reputation beyond reputesarah72 has a reputation beyond reputesarah72 has a reputation beyond reputesarah72 has a reputation beyond reputesarah72 has a reputation beyond reputesarah72 has a reputation beyond reputesarah72 has a reputation beyond reputesarah72 has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shammosah مشاهدة المشاركة
هنزوجه بالحلال ان شاء الله 😁
من رحمه الرحومه الحنونه الطيبه المحتويه الجميله يارب 🏃🏻‍♀❤❤❤


sarah72 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-03-22, 10:09 PM   #562

فتاة طيبة

? العضوٌ??? » 306211
?  التسِجيلٌ » Oct 2013
? مشَارَ?اتْي » 566
?  نُقآطِيْ » فتاة طيبة is on a distinguished road
افتراضي

شيماء ماعندك نية تسوي جزء ثاني لرواية زخات الحب والحصى يالطيف قد ايش تعلقت فيها مااحصي لك كم مرة اعدت قراءتها من اروع واجمل القصص اللي قرأتها يالله لو تخلينا نشوف عيال يونس وعيال فارس لاكبرو وبنت الشيمي وشهد ومالك انا من جمالها سرت كل من سألني عن رواية حلوة ادله عليها

فتاة طيبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-03-22, 11:50 PM   #563

مُزدانَة
عضو موقوف

? العضوٌ??? » 487815
?  التسِجيلٌ » May 2021
? مشَارَ?اتْي » 1,713
?  نُقآطِيْ » مُزدانَة has a reputation beyond reputeمُزدانَة has a reputation beyond reputeمُزدانَة has a reputation beyond reputeمُزدانَة has a reputation beyond reputeمُزدانَة has a reputation beyond reputeمُزدانَة has a reputation beyond reputeمُزدانَة has a reputation beyond reputeمُزدانَة has a reputation beyond reputeمُزدانَة has a reputation beyond reputeمُزدانَة has a reputation beyond reputeمُزدانَة has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shammosah مشاهدة المشاركة
هنزوجه بالحلال ان شاء الله 😁
إن شاء الله من حلوه الحلوات ، سُكر البنات ، اللطيفة ، الحنونة جداً ، تسوى اللي ما تتسمى وتسوى طوايفها .. رحمه 💜..


مُزدانَة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-03-22, 07:54 PM   #564

رحاب فاضل

? العضوٌ??? » 355742
?  التسِجيلٌ » Oct 2015
? مشَارَ?اتْي » 30
?  نُقآطِيْ » رحاب فاضل is on a distinguished road
افتراضي يا ريت ممكن تحميل الروايه

قرأت سلسله قلوب مغتربه كامله حت سكنت خمائل قلبك جميعها روعه

رحاب فاضل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-03-22, 08:28 PM   #565

بسنت محمود

? العضوٌ??? » 480576
?  التسِجيلٌ » Nov 2020
? مشَارَ?اتْي » 141
?  نُقآطِيْ » بسنت محمود is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور منعنش😌💙
الفصل اللي فات كان يجنن❤️
لم يتسني لي التعليق
نظرا لظروف المنتدي المتغيره اللي مش عارفة هنروح منها فين تاني
يلاا 🙂
بانتظار ابداعك ❤️❤️


بسنت محمود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-03-22, 09:26 PM   #566

سامو احمد

? العضوٌ??? » 404298
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 95
?  نُقآطِيْ » سامو احمد is on a distinguished road
افتراضي

بانتظار افصل اليوم ....يسعد مساكم ياقمرات

سامو احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-03-22, 09:57 PM   #567

Mon abdou

? العضوٌ??? » 449919
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 333
?  نُقآطِيْ » Mon abdou is on a distinguished road
افتراضي

معاكى معاكى شموسة فى الانتظار

Mon abdou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-03-22, 10:01 PM   #568

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل التاسع


يعاندني الطريق
فأدور في مسارات العدم
أحملق في وجه الزمان
فأهجس طيفك آتيًا
أصبر..
حتى تحين لحظة لقاء
كتبها لنا القدر


الفصل التاسع


العاصمة
بعد ساعات

وقف أحمد يتطلع بقلق في رامز الذي يجلس على أحد المقاعد في ممر المستشفى. مرفقاه على فخذيه يحدق أمامه بوجه صلب واستعاد اللحظات الصعبة الماضية حينما كانا في استقبال والد بانة الدكتور عبد الله الخازن وعمها صقر في المطار قبل أن يعلما بأن حماه قد تعرض لأزمة قلبية قبيل هبوط الطائرة مما استدعى طلب الإسعاف وقد تفاجأ كلاهما بما حدث.
المشكلة أن بانة كانت بالبيت مترقبة لعودة والدها وعمها بالدقيقة والثانية وأعدت العدة لاستقبالهما فاضطر لإخبارها بما حدث لأنه لم يجد حجة يسوقها وسط حالة الهلع التي أصابته هو ورامز مع انتظارها لوصولهم البيت.
انتفض أحمد من أفكاره على صوت رخيم غاضب يقول "ماذا تعنين بأنك لا تعرفين متى سيسمح لنا الطبيب بزيارته؟؟"
اعتدل رامز وتطلع نحو مكتب الاستعلامات ثم أسرع هو وأحمد إلى عمه الذي يوتر أعصاب الجميع منذ حضورهم في الوقت الذي احتقن وجه موظفة الاستعلامات وهمت بالاتصال بالأمن قبل أن يقترب رامز منه ويقول بهدوء "صقر ..بالله عليك لا تزيدها علينا"
تطلع فيه باستهجان ونظرات الغضب تشع من عينيه فأحاطه أحمد من الناحية الأخرى يقول بلهجة دبلوماسية "أنا مقدر لقلقك لكن ..."
هتف بضيق "أنا سألت سؤالًا بسيطًا.. أريد أن أعرف متى نستطيع الدخول إليه؟"
"السلام عليكم"
قالها الحاج إبراهيم فالتفت أحمد ورامز خلفهما قبل أن يتحرك الأول لاستقبال والده وتتلاقى نظراته مع سيد الذي أحضر إبراهيم وبانة للمستشفى فالتقط سيد ما يحدث وتقدم نحو صقر الذي يتطلع بعبوس من فوق كتفه نحو الجميع بينما أسرعت بانة تقول لأحمد باكية "كيف حاله الآن؟"
قال لها مطمئنًا وهو يضمها إليه "يقولون بأنه قد تخطى مرحلة الخطر.. لا تقلقي وكفي عن البكاء"
اقترب سيد يمد يده لصقر بالسلام قائلا" سيد صبرة زوج أخت أحمد سماحة"
اعتدل صقر ليواجهه متحكمًا في مشاعره المتوترة ومد يده بالسلام يقول بمزاج عكر "صقر الخازن"
نظر رامز لموظفة الاستقبال بنظرة معتذرة فاحمرت وجنتاها وأعادت سماعة الهاتف مكانها ليسحب سيد صقر معه بعيدًا عن الاستقبال وحاول أن يقنعه بأن يذهبا للكافيتريا لكنه رفض متمسكًا ببقائه حتى يطمئن على أخيه فهمس له رامز بترجٍ "صقر أرجوك لا نريد مشاكل راعي بأننا لسنا ببلدنا"
رمقه غاضبًا وقال باستهجان "أية مشاكل لا أفهم؟"
اكفهر وجه رامز وطحن ضروسه فلم يكن في حالة تسمح له بتحمل تصرفات عمه الغاضبة النزقة ليتدخل سيد قائًلا بلهجة دبلوماسية "لك كل الحق في أن تنفعل أنا شخصيًا في مثل هذه المواقف أكون كالخرتيت الهائج بسبب القلق"
تحرك صقر معه عابسًا ثم وقف عند الحاج إبراهيم يسلم عليه متبادلًا بعض العبارات المقتضبة والتي تحافظ على حد اللباقة فرحب به إبراهيم ودعا لأخيه بالشفاء، ثم اصطدمت عينا صقر ببانة فتسمر مكانه ولم يبادر بشيء.
رفع أحمد المتابع للموقف حاجبه وتابع بانة وهي تمسح عينيها من الدموع وتقترب منه لكن ما لفت نظر أحمد هو ذلك اللين والدفء الذي أضحت عليه نظرات ذلك المتذمر الغاضب والذي يقارب سيد صبرة في الطول والقوة البدنية لكن صقر له وجه عابس ولحية طويلة مشعثة تتخللها شعيرات بيضاء فبدا بجوار سيد عجوزًا رغم أنه لا يكبره إلا بعام واحد.
قالت بانة بحشرجة "كيف حالك يا عماه فرحت حينما علمت بأنك آت مع أبي"
رفع صقر كفه يربت به على وجنة ابنة أخيه وهو يطالعها بنظرات عطوفٍ قبل أن تلقي هي بنفسها عليه فيضمها مما جلب استياء أحمد وهمس ممتعضًا "الرجل كان متحفظًا وكنت قد بدأت أن أحبه.. لماذا يا بانة!"
ضمها صقر يربت على ظهرها قائلًا "لا تقلقي سيكون بخير"
رفعت رأسها عن صدره وسألته وهي تبحث حولها "أين آدم؟"
فتطلع هو الآخر يبحث عنه ثم أشار على صبي يجلس في نهاية الرواق يلعب لعبة على هاتفه فتحركت بانة نحوه ليستقبلها الصبي بوجه يتورد من الخجل.
قالت بانة مرحبة وهي تحيط وجهه بكفيها "ما شاء الله كبرنا وصرنا رجالًا"
ازداد احمرار وجهه فسألته "كم أصبح عمرك؟"
غمغم وعيناه تختلسان النظرات التلقائية منذ أن حضروا إلى المستشفى نحو أحمد الواقف على بعد خطوات والذي يتحدث مع والده "عشر سنوات"
ضمته إليها ثم نادت على زوجها "أحمد هذا آدم"
استدار الأخير وابتسم بمجاملة فأخذت بانة الصبي إلى زوجها فسلم على الحاج إبراهيم وعلى أحمد ليطالعه آدم بنظرات لا تزال تحمل في طياتها الانبهار الطفولي دون أن ينطق بشيء.
في الوقت نفسه اقترب سيد من رامز يسأله "هل أنت إجازة من التصوير اليوم؟"
أجابه بتوتر "للأسف عندي تصوير ولم أستطع الحصول على اليوم كله (ونظر في ساعته) ولا أعرف ماذا أفعل"
ربت سيد على كتفه وقال "ألم تستقر حالته كما فهمت منكم وتخطى مرحلة الخطر؟"
غمغم رامز "هكذا يقولون"
قال الآخر مطمئنًا "إذن لا تقلق عليه.. كلنا هنا لن نتركه حتى تعود، ولكن أنت تعلم بأن التأجيل يكلف الإنتاج مبالغ كبيرة"
صمت رامز يفكر في حيرة ثم هز رأسه وقال بضيق "أعتقد أن عليّ الذهاب "
××××
بعض أخطاء الماضي تبقى كالبقع المستعصية في الثوب لا تنمحي وهو لم يكن ساذجًا كي لا يدرك تلك الحقيقة، لكنه تصور أن النصيب الأكبر من الدَين يخص ماجدة وأنه كان رغم أخطاؤه في الماضي على علاقة جيدة بابنتيه وغفل عن أنهما شاهدتان على أمور كثيرة وأنهما ليستا غبيتين حتى لا تكونا على علم بما اقترفه في حق أمهما.
شعور مؤلم أن يكون المرء مقصرًا في حق أولاده، شعور مضاعف بالذنب مصحوبًا بإحساس بالصغر والضآلة بدلا من أن يكون المثل الأعلى.
مرت ثلاث ساعات وهو يبحث عنها في كل الأماكن التي من الممكن أن تكون بها ولم يجدها. فجاء صوت ماجدة عبر الهاتف تقول بقلق "أتمنى أن تكون كما خمنت أنجيل"
غمغم وهو يركن سيارته أمام ساحة النادي "سنجدها يا ماجدة لا تتوتري هكذا فهي ليست صغيرة"
ارتعش صوتها قائلة "أنا قلقة لأنها كانت في حالة..."
قاطعها وهو يترجل مسرعًا من السيارة "ستكون بخير بالله عليك لا تزيديها عليّ"
كان أكثر من زوجته خوفًا وقلقًا ليس فقط لطبيعته العاطفية، ولكن بسبب ذلك الذنب الثقيل الذي يحمله فوق ظهره؛ فتحرك مسرًعا يدخل مبنى النادي حتى أوقفه الحراس على البوابة.
لهفة الأب هزمت عنجهية الثري فأخذ يبحث بارتباك وتعجل في جيوبه ثم أخرج حافظة نقوده ومنها بطاقة عضوية النادي حتى سمحوا له بالدخول فتوجه بعدها نحو ملاعب التايكوندو حيث خمنت توأمتها.

دخل الملعب الكبير الفارغ إلا من بعض التدريبات الخاصة بالصغار وبحث حوله بتيه في المدرجات الشاغرة حتى اصطدمت عيناه بلوحة اعلانات عملاقة تظهر لميري وهي ترفع إحدى الميداليات الذهبية بسعادة في إحدى البطولات التي فازت بها، هذه الصورة وغيرها عشرات الصور تملأن ذاكرة هاتفه التقطها بنفسه حينما كان حاضرًا للمباراة ليدعمها وكم كان فخورًا بها ولا يزال.
تأمل وجهها الذي بدا سعيدًا في الصورة ولأول مرة يستشعر الألم في عيني ابنته وكأنها تخفي بذلك الانتصار وذلك الجنوح للعنف انكسارًا داخليًا، الآن هو قادر على تفسير أمور كثيرة تخصها، لقد تسبب لها في شرخ داخلي يخص الثقة بالرجال مما دفعها لأن تبحث عن طريقة ترى فيها نفسها في موضع قوة وتنبذ فيه أي شعور بالضعف.
ازداد الألم في صدره وتملكته رغبة في البكاء لكنه تماسك وقرر مواصلة البحث عنها حتى لمحتها عيناه في أعلى صف من المقاعد تجلس وحيدة شاردة فزفر براحة وأسرع بالبحث عن طريق الصعود إليها.

حين اقترب منها كانت جالسة في استكانة تتطلع بوجوم في الصورة العملاقة المعلقة وقد باتت اللوحة الإعلانية من ذلك المكان أكبر وأوضح فتقدم وائل وجلس بجوارها في صمت.
غمغمت دون أن تنظر إليه" كنت أعلم بأن تلك الواشية ستخبركم أين أنا"
رد عليها بهدوء " ومع هذا أخذ الأمر منها بعض الوقت حتى ركزت وشغلت الرادار الخاص بكما كي تخبرنا فقد كانت مثلنا قلقة عليك"
كانت تستند بمرفقيها على فخذيها فنظر ليديها اللتين تفركهما بقوة وهي تتابع التدريبات بالملعب ثم قال بثبات "أعتقد بأن هناك ما أردتِ أن تخبريني به لكنك لم تكملي حديثك"
ازدادت حركت يديها بتوتر فقال "ميري ..أنا كلي آذان صاغية وأريد أن أعرف كل ما بداخلك"
استمرت في فرك يديها بصمت لبرهة ثم رمقته بطرف عينين مغرغرتين بالدموع قبل أن تختلج ملامحها وترتمي على صدره منفجرة بالبكاء وهي تتمتم "أنا آسفة"
ضمها وائل واغرورقت عيناه بالدموع فيا ليتها باحت وأوجعته بالمزيد من الكلمات لربما أشعره ذلك بالتحسن لكنها تشبثت بقمصيه تغرقه بدموعها وهي تتمتم "آسفة جدًا، ولكني.. ولكني ..خفت على أمي.. فهذه المرة ستقضي عليها"
كانت تنطق الكلمات بتقطع وتشهق بين الكلمة والأخرى فكان يشدد من احتضانها إلى صدره في عجز كامل عن الإتيان بأي شيء ليمحو حزنها فما أصعب أن يكون أبًا مذنبًا يشعر بالذنب.

حين هدأ بكائها قال بلهجة هادئة رغم عينيه الدامعتين "أنا أعترف بكل ما قُلتِه يا ميري.. أعترف بأني أخطأت في حق ماجدة وبأني خذلتكن في الماضي ..أعترف بكل أخطائي التي تعرفينها والتي لا تعرفينها ..ولو كانت هناك فرصة لأن يعيد المرء حياته من جديد لكنت تصرفت بطريقة مختلفة ..لكني وقتها لم أكن أعلم ببعض الحقائق عن نفسي يا ابنتي ولم أكن قويًا لمواجهة بعض الأمور التي كان صعبًا عليّ مواجهتها فانهرت نفسيًا وبدأت في رحلة تيه وعذاب تعلقت فيها بالوهم حتى أدمنت الغرق فيه نائيًا بنفسي عن الواقع وما يحدث فيه"

رفعت وجهها المغرق بالدموع إليه وتفاجأت بدموعه بينما أردف وائل وهو ينظر في عينيها "حدثت بعض الظروف الخاصة التي أثرت على طبيعتي الحساسة فلم أحتمل.. صنعت وهمًا عشت فيه كي لا أصاب بالجنون.. وأقصيت ماجدة في أقصى اللاوعي (وأضاف ساخرًا بمرارة) الطبيب النفسي الذي أباشر معه الجلسات يريد أن يأخذ من قصتي الماضية ما يضعه في أحد الكتب التي يؤلفها وكيف نجحت في إقناع نفسي بالوهم كي أتفادى الشعور بالألم.. أنا جبان أمام الألم.. على أية حال أريد أن أخبرك الآن بحقائق وليست أوهامًا؛ أولها أني أحب أمك ..أحبها جدًا جدًا ..أحبها ذلك الحب الذي يتغنى به الشعراء ولا تقوم حياتي معها حاليًا بدافع الشعور بالذنب وإن كان هذا لا يخالف الحقيقة فجانب مني بالتأكيد يشعر بالذنب تجاهها لكن الدافع الأكبر والمحرك الأساسي هو الحب"

رفعت ميري رأسها واعتدلت وقد لمسها الصدق والندم في صوته ونظراته ليضيف وائل "صدقيني.. أندم كل يوم ألف مرة حينما أتذكر كم أضعت من عمري أيامًا وساعات وأنا بعيد عن ماجدة محروم منها وهذا أسوأ عقاب لي، الحقيقة الثانية أني معترف بأخطاء الماضي ولا أنكرها وأحاول قدر استطاعتي أن أعوضكن عما فعلته في حقكن.. أما الثالثة فأنا وعدت نفسي أن أكون قويًا في مواجهة تلك الأخطاء وألا أضعف أو أدعها تفقدني متعة الحياة معكن.. ولن أجعل شعوري بالذنب يمنعني من العيش.. وما دمتُ على قيد الحياة فسأسعى لتصحيح أخطاء الماضي.. فهلا منحتني فرصة أنت وأختك كي أعوضكما؟"

تدفقت عاطفتها تجاه والدها وأشفقت عليه فاندفعت تقول "نحن نحبك يا أبي في كل أحوالك، لم أكرهك أبدًا، ولكني أحب أمي أيضًا ولم أتحمل أن.. (تحشرج صوتها بالألم) أن تخذلها .. كنت أراها سعيدة جدًا منذ أن تحسنت علاقتكما وأضحت على قيد الحياة بعد أن كانت كائنًا يعيش فقط من أجلنا"
أجابها متفهمًا "أنا متفهم لشعورك ورغم كل شيء سعيد لأنك تحاولين حماية أمك وأختك.. أأخبرك بشيء؟ (وأضاف مستدركًا) بل شيئين في الحقيقة وليس واحدًا؛ الأول أنك وأختك كنتما السبب في إنقاذ حياتي مرتين"

تطلعت فيه باهتمام فأردف "المرة الأولى حينما دخلت المصحة النفسية قبل تسعة عشرة سنة بعد زواجي من أمكما مباشرة.. كنت يائسًا وغير راغب في الحياة وحين علمت بأن ماجدة حامل ورغم انكاري في ذلك الوقت لحبي لها كان هذا الخبر هو ما شجعني على تخطي تلك الأزمة والخروج من المصحة.. المرة الثانية بعد استفاقتي من الغيبوبة وخروجي من المستشفى قبل خمس سنوات.. تعرضت لموقف ضاغط لم تتحمله أعصابي وكدت أن أضعف و.... (صمت قليلا يتمالك نفسه ويقيِّم إن كان عليه أن يتحدث بهذه الصراحة مع ابنته ثم غمغم) إنه لشعور مخز أن يعترف أب لابنته بأنه كان ضعيفًا"
اتسعت عيناها وخفق قلبها بعنف وقد فهمت بأنه كاد أن يقتل نفسه فأسرعت بالقول "كلنا نتعرض لمواقف صعبة"

ابتسم ابتسامة حزينة وأكمل "كدت وقتها أن أؤذي نفسي عقابًا لها على ما اقترفته في حق نفسي وحق ماجدة لكني لحظتها رأيت صورًا لك أنت وأنجيل في مراحل مختلفة انفرطت أمامي في عرض سريع وكأنها رسالة إلهية بأن هناك ما عليّ أن أبقى من أجله.. صدقيني هذه الصور هي ما ردعتني عن تنفيذ ما عزمت عليه يومها في لحظة يأس"
اغرورقت عيناها بالدموع وتقوس فمها في قوس حزين فأضاف وائل متنهدًا "الأمر الثاني أني لا أخشى عليكن من بعدي.. ليس فقط لأن عمك أمير وأصدقائي موجودون ولكن أيضًا لأنك موجودة وقوية"
احمرت وجنتاها فأضاف بلهجة ذات مغزى "رغم تحفظي على بعض التصرفات التي تصدر منك ولا تليق بفتاة رقيقة لكن أنا أتحدث عن شخصيتك وصراحتك وحمائيتك"
اختلط شعورها بالإطراء مع الشعور بالخزي وازداد احمرار وجهها ليسألها وائل "هلا منحت والدك الثقة وأعطيته فرصة أخرى يا ميري؟"
قالت بتأثر باكٍ وهي ترتمي على صدره "سامحني يا أبي"
سحب وائل نفسًا عميقًا وغمغم وهو يربت على ظهرها "وأنتِ أيضًا أتمنى أن تسامحيني وأن يسامحني الجميع"
××××
المدينة الساحلية
"هل جننت يا سيلا؟!!"
قالتها صديقتها هبة في الهاتف بصدمة واستنكار فأغمضت الأخيرة عينيها وقد توقعت ردة الفعل وهي تخبرها بما فعلته مع مروان. هي نفسها منذ ذلك اليوم مصدومة من جرأتها في العرض لكنها لا زالت متمسكة بأن هذه الخطة لو نجحت ستغير حياتها للأفضل فقالت بضيق "لهذا لم أخبرك في البداية لكنك لحوحة"
قالت هبة باستنكار "هل تسمين قلقي عليك إلحاحًا يا سيلا! (وأضافت بصوت يخنقه البكاء) ألا يكفي بأني غير قادرة على زيارتك والاطمئنان عليك بنفسي بسبب تلك القيود التي أعيشها"

كانت سيلا تدور في الغرفة بتوتر والهاتف على أذنها فشردت تفكر في حياتها مع مروان إن نجحت الخطة وطمأنت نفسها بأنه ليس كزوج هبة المتحكم في كل شيء في حياتها والذي يمنعها من أن يكون لها حياة خاصة تزور فيها صديقاتها أو تمارس شيئًا يخصها كما أنها ليست مثل هبة، ولن تقبل بمثل هذا إن حدث.
قالت لصاحبتها "أنا متفهمة لظروفك فلا داعي لتأنيب نفسك.. كما أنني لازلت أرفض التواصل الاجتماعي.. اليوم فقط ذهبت لزيارة نرمين"
سألتها هبة بترقب "وكيف سار الأمر بينكما؟"
ردت سيلا متنهدة "بصراحة كانت ألطف من المتوقع، تستطيعين القول بأنها منقسمة على نفسها.. الجانب الأمومي يجعلها متعاطفة معي والجانب المنتقد فيها يجعلها تريد قتلي.. لكنها لم تقل شيئًا بشأن ما حدث وشعرت بأن شرف يلجمها بقوة هذه المرة"
علقت هبة بإعجاب "العم شرف هذا يثبت لي يومًا بعد يوم بأنه رجل رائع"
"مروان يشبهه كثيرًا"
نطقتها سيلا بتلقائية وهي تدلك جبهتها بأناملها بسبب الصداع ثم صمتت تفكر فيما نطقت به لتوجه لها هبة سؤالا مباشرًا "سيلا هل تحبين مروان هذا؟"
عبست متمتمة باستنكار "ماذا تقولين؟!"
تكلمت هبة بلهجة صريحة "أقول بأنني لاحظت أن هناك نبرة خاصة تتحدثين بها كلما أتت سيرة هذا الشاب الوافد.. وفي مواجهتك مع والدك صنعتِ كذبة تنطبق على ظروف مروان ثم جاءتك تلك الفكرة المجنونة وذهبت لتطلبي منه ذلك الطلب الغريب"
انفعلت سيلا تقول "نعم هو طلب غريب لكنه سيغير حياتي إن نجحت في تنفيذه"
"وإن رفض مساعدتك إلى من ستلجئين لتنفيذها؟"
عبست تغمغم باعتراف "لا أحد غيره.. أنا لا أجد سواه مناسبًا"
" ماذا تعني بـ مناسب؟"
ألقت هبة بالسؤال فشعرت سيلا بأنها محاصرة وردت بعصبية "شخص أثق فيه كي أعرض عليه فكرتي الغريبة"
ساد الصمت بينهما لبرهة وسيلا لا تزال تتحرك جيئة وذهابًا لتقول هبة " لمَ لا تنظرين للأمر بأنك تشعرين بالراحة معه وربما تكنين له مشاعر خاصة"
هتفت سيلا برفض شديد اللهجة " هذا مستحيل.. فأنا لا أسمح لنفسي بالوقوع في الحب أبدًا"
"لماذا سيلا؟"
سألتها هبة بنبرة مندهشة فانطلقت سيلا تجيب بانفعال "لأن الحب هذا سبب البلايا كلها.. تكونين فيه الطرف الأضعف، الطرف المضحي.. وتتألمين.. انظري لنفسك كمثال.. ماذا فعلت بحبك لزوجك وهو يستغل ذلك الحب كحق مكتسب ويفرض كل عقده النفسية عليك بينما أنت ضعيفة الشخصية لست قادرة على مواجهته.. ماذا أخذت أمي من الحب سوى الخذلان.. وماذا أخذ شرف من الحب سوى الألم"
علقت هبة بضيق " أنت الأكثر دراية بحياتك يا سيلا فافعلي ما تريدين.. (واختنق صوتها مضيفة) أما فيما يخصني أنا وزوجي فلديك كل الحق فالأمر يعود لضعف شخصيتي كما قلت وليس بسبب حبي له"
انتبهت سيلا لما تفوهت به وسألتها "هل غضبت مني؟"
تمتمت الأخيرة " لا.. لم أغضب، ولكن عليّ الذهاب الآن"
شعرت بالندم على اندفاعها بالحديث دون تفكير فقالت "هبة أنا آسفة.. تعرفين بأني مضغوطة وبأني أندفع بقول أشياء قبل التفكير فيها"
"لا بأس عليّ الذهاب الآن.. سلام"
زفرت سيلا وألقت الهاتف على السرير بعصبية ثم وقفت ورأسها يكاد أن ينفجر من التفكير.. فلا تزال محشورة في عنق زجاجة منذ يوم المطر، غير قادرة على العودة لحياتها السابقة ولا التحرك للأمام، تريد أن تحيا وفق شروطها الخاصة لكنها حتى الآن مكبلة بقوة عن تنفيذ ما تريد.
(لو يوافق مروان على مساعدتها؟)
فكرت فيما قالته هبة..
أمن الممكن أنها تحمل له مشاعر خاصة؟
انتابها الهلع فأسرعت بنفض الفكرة فهي لن تقع أبدا في فخ الحب ولهذا اختارته بعقلها لأنه الشخص المناسب.. المهم أن يوافق.. فغمغمت "هداك الله يا مروان"
××××
العاصمة

دخل وائل بيت والدته عائدًا بميري بعد أن أخبرته ماجدة بأن أنجيل الكبيرة قد علمت باختفاء حفيدتها وانتابتها نوبة من القلق الشديد. فاستقبلت ماجدة ابنتها التي كانت تشعر بالحرج والكل يتطلع فيها وضمتها هامسة بجوار أذنها" لا تقلقي لا يعرف أحد سوى أنك قد تركت البيت غاضبة"
تطلعت ميري في وجه أمها وتبادلتا النظرات المحرجة قبل أن تعود ماجدة لضمها وهي تقول "سنتحدث باستفاضة أنا وأنت فيما بعد"
تدخل أمير قائلًا " نشكر ربنا لأنها بخير.. لا تفعليها مجددًا يا ميري"
قالت أنجيل الكبيرة من جلستها في مقعدها المفضل في صالة البيت وهي تضع بخاخة ضيق التنفس جانبًا "حبيبتي ميري تعالي لجدتك"
تركت الأخيرة حضن والدتها وأسرعت لتحضن جدتها وتغرق في دفئها بينما تطلع وائل في عيني ماجدة يطمئنها بأن كل شيء على ما يرام ثم قال "عليّ أن أذهب للمستشفى فورًا "
عقدت ماجدة حاجبيها وتطلع فيه الجميع بتساؤل فأجاب "كان من المفترض أن يستقبل أحمد حماه في زيارة للبلد اليوم وعلمت الآن بأن الدكتور عبد الله قد تعب ونقلوه إلى المستشفى"
سأله أمير "وكيف حاله؟"
أسرع وائل طمأنتهم قائلًا "إنه بخير (وتحرك قائلًا) هل تريدين شيئًا يا أمي"
قالت أنجيل الكبيرة "انتظر يا وائل ماذا كنتم تفعلون في شقتيّ البنات؟ ولماذا تشاجرتم أريد أن أفهم؟!"
تطلع وائل في عيني زوجته التي هزت كتفيها باندهاش ثم سألت حماتها "كيف عرفت بأننا كنا في الشقة يا أمي؟"
قالتها ثم نظرت لأنجيل الصغيرة التي أسرعت بالقول وقد تورد وجهها وهي تتذكر الحال الذي كان عليه والداها "أنا لم أقل شيئًا"

قالت أنجيل الكبيرة "ما بكم؟ أهو سر حربي لقد أخبرتني سناء جدة مينا"
قالت الجملة الأخيرة وهي تختلس نظرة متسلية نحو حفيدتها ميري التي احتقن وجهها فقال وائل بامتعاض “تشرفنا بالسيدة سناء ولكن ما الداعي للذكر بأنها جدة مينا فنحن لم نسأل!"

تجاهلت أنجيل ما يقوله وقالت بنظرة ماكرة "لا تراوغ يا وائل.. لقد أخبرتني بأن ميري خرجت من البناية تهرول باكية ..وبأنك تزور الشقة أنت وماجدة من وقت لآخر"

نظر وائل لزوجته التي احمر وجهها ثم عاد لأمه يقول باستنكار "وهل هي في الشارع لمراقبة الجيران؟ ما لها؟ ولماذا تتدخل؟"
ردت أمه بتوبيخ " أمرك غريب! المرأة لم تفعل شيئًا أرادت الاطمئنان.. كما أنهم (واختلست نظرة لميري مضيفة) أبدوا رغبتهم في مصاهرتنا كما تعرف"
اندفع يقول بعناد "ما رأيك أني سأبيع الشقتين وأختار مكانًا آخر يا أنجيل؟"
تدخلت أنجيل الصغيرة تسأل "أهما شقتان أم واحدة لا أفهم"
سحبت ماجدة نظراتها المندهشة عن زوجها الذي يغار على ابنته من إعجاب مينا بها وردت على ابنتها "إنهما شقتان متجاورتان اشتراهما والدكما وكتب واحدة لكل منكما وكنا ننتظر لعيد مولدكما لكن راحت المفاجأة"

لاح التأثر على وجه أنجيل الصغيرة وأسرعت لتحضن والدها بينما تطلعت فيه ميري بنظرات مـتأثرة لتقول الأولى "لا حرمنا الله منك يا أبي.. نحن نحبك جدًا"
بينما قال أمير بامتعاض " نشكر ربنا أن كريستين ليست هنا حتى لا تسمع هذا الحديث عن الشقق التي توزع هنا وهناك"

حدجه وائل بامتعاض ثم ربت على ظهر ابنته واستمر في العناد قائلًا وهو يتطلع في عيني أمه "سأبيعهما قريبًا وأشتري في شارع أرقى بعيدًا عن الجيران المتلصصين"

عبست أنجيل وهتفت بصرامة "لا تراوغ يا وائل ماذا كنتما تفعلان بالشقة؟"
تلاعبت ابتسامة متسلية على شفتيه ورد "ما لك أنت ماذا أفعل أنا وزوجتي!"
أشاحت ماجدة بوجهها عن الجميع بحرج بينما قهقهت أنجيل الكبيرة فارتج بطنها العالي ثم قالت بلهجة ساخرة "وهل ما تفعلاه لا ينفع في شقتكم يا حبيب أمك! "
استمرت ماجدة في الإشاحة بوجهها بينما سعل أمير وقال لأبنتيّ أخيه بلهجة حازمة "تعاليا إلى شقتي فالأجواء هنا تنذر بالتراشق بقلة الأدب"

تحركت التوأمتان معه وهما تكتمان الضحك خاصة مع منظر أمهما المُحرَج بينما وقف وائل متخصرًا أمام أمه يقول بلهجة متسلية "أنا حر أنا وزوجتي.. أختلي بها في المكان الذي يعجبني يا أنجيل.. فاستحي على عمرك"
قالت ماجدة هاربة "خذني معك يا أمير لأسلم على كريستين"
تحركت نحو الباب في هرولة وهي تضع يديها على أذنيها وكأنها تتحاشى وابلًا من الرصاص في الوقت الذي قالت فيه أنجيل الكبيرة ضاحكة "استحي أنت على عمرك يا ابن مجدي.. بنتاك صارتا في الجامعة"
تلاعبت ابتسامة ذكورية على شفتيه وهو يقول "أنا لازلت في عز شبابي ولياقتي يا أم وائل ولست بدينًا وطاعنًا في السن أتحرك على عكاز"

وكانت ضحكة أنجيل المجلجلة هي آخر ما سمعته ماجدة ومن معها حيث أسرعت بإغلاق باب الشقة عليهما والذهاب للشقة المجاورة والحرج والخجل يتساقطان منها مع حبات العرق.
××××
العاصمة
مساءً

"كيف حالك يا طيب؟ والدك أفزعنا اليوم فكما أخبرتك من قبل قررنا الحضور إلى هنا كي يريح والدك أعصابه بعيدًا عن الأجواء الحزينة خاصة وأنه مُصر على رفع تلك الدعوى لمعرفة ملابسات موتك فأقنعته أن يحضر معي إلى هنا كي يبقى بجوار بانة بعد أن أوكل المحامي لرفع القضية.. لكنه أفزعنا حينما تعرض لأزمة قلبية قبل هبوط الطائرة.. صدقني لحظتها جاءني هاجس بأنه سيكون نذلًا مثلك ويتركني"

اعتدل صقر في وقفته في أحد الأركان في ساحة المستشفى وسحب الدخان من سيجارته ومجه في الهواء ثم عاد ليحدث نفسه في صمت يتطور أحيانًا لبعض الهمهمات الخافتة دون أن يدري "أشعر بأني نحس يا فراس ..الكل يغادر وأنا كما أنا في مكاني"

توقف قليلا عن الهذي السري وتابعت عيناه وجوه الناس من حوله ثم عاد ليتمتم بخفوت "أتعلم.. أصهار أبيك عائلة محترمة ..وبانة كبرت يا صاح ومتشوق لأن أرى أولادها ..لقد اتفقنا جميعًا بألا نخبرها بشيء عما حدث لك ..وأرجو أن ننجح في ذلك ..أن ننجح في كتم الحزن بداخلنا وإخفائه"

سقط رماد السيجارة على لحيته الطويلة فلم يهتم وهو يتمتم "المهم أن والدك بخير فالأطباء طمئنونا لكنه سيبقى تحت الملاحظة"
دخل رامز من بوابة المستشفى متلهفًا لمقابلة والده فلمح عمه في أثناء ركضه وهو يدخن سيجارة في ركن قصيّ يستند إلى جذع شجرة عتيقة وخيل إليه بأنه يكلم نفسه فاعتصر الألم قلبه واقترب يناديه.

انتبه صقر واعتدل يتطلع في ابن أخيه وغمغم بلهجة مشاكسة "مرحبًا بالنجم الساطع"
سأله رامز رغم أن بانة وأحمد طمأنوه في الهاتف "كيف حال أبي؟"
هز صقر رأسه ورد "عبد الله بخير هو فقط أراد أن يدخل البلاد بطريقة درامية تناسب كونه أبا الفنان"
ابتسم رامز ابتسامة واهنة وربت على كتف عمه قائلًا "هيا معي فأنا متشوق للقائه"

بعد دقائق كان رامز يدخل غرفة والده الذي سُمح له باستقبال الزوار.. فوقفت بانة على باب الغرفة تتابع المشهد بينما وقف رامز على بعد خطوتين من سرير والده ولم تكن تعلم بأنها المرة الأولى التي يتقبلا فيها بعد خبر وفاة فراس.
فوقف رامز يستجمع شجاعته وعيناه تحدقان في عينيّ والده الذي يبتسم له ابتسامة ضعيفة ولم يعرف رامز كيف عليه أن يتماسك كي لا يظهر عليه أي شيء أمام أخته.

غمغم عبد الله " النجم اللامع فخر أبيه"
تغضنت ملامح رامز بينما راقب أحمد الواقف خارج الغرفة زوجته بقلق وبمجرد أن مال رامز على والده يحضنه أسرع بالقول "بانة تعالي"

استدارت إليه فأشار لها وحين خرجت إليه لم يجد أحمد ما يقوله لشغلها فأسرع بقول أول شيء بدر إلى ذهنه وهو يشير على آدم الجالس على أحد المقاعد لا يزال يختلس النظرات نحوه "هذا الولد يحاصرني بنظراته وأشعر بأنه يريد أن يخبرني بشيء لكني لا أعرف ماذا أفعل"

شعر بالراحة حينما نجح في مهمته في تشتيت انتباهها بعد أن تحركت نحو آدم تقول "تعال يا حبيبي"
في نفس الوقت كان رامز قد مال على أبيه واستسلم للبكاء المكتوم في حضن عبد الله الذي كان متماسكًا وربت على ظهره يقول بتشجيع "لا نقول إلا ما يرضي الله .. البركة فيك يا بني.. بارك الله في عمرك"
بالخارج قالت بانة لآدم "أنت ستنام عندنا في شقتنا وليس في شقة رامز ما رأيك؟"
نظر آدم لأحمد وقال "موافق"

تحركت عينا صقر الواقف من بعيد مستندًا على الجدار نحوهم بنظرات غير راضية بينما ربت أحمد على رأس الصبي يسأله متلطفًا في الحديث "هل تحب لعب الكرة؟"
هز الأخير رأسه بالإيجاب فقال أحمد "إذن سنلعب الكرة سويًا ما رأيك"
غمغم أدم بعفوية "بصراحة أنا جئت خصيصًا كي أراك"
رق قلب بانة وأحاطت وجهه بكفيها بينما ابتسم أحمد بعاطفة أبوية لم يدركها إلا بعد أن أصبح أبًا فقال له "إذن اتفقنا"
قالها وهو يمسد على شعره بينما وقف صقر يتطلع في المشهد بحزن شديد.
××××
"رحماااااااه" قالها سيد هامسًا بجوار باب غرفتها وقد تجاوز الوقت منتصف الليل وأردف "هل أنت نائمة؟"
ابتسمت الأخيرة وتركت الكتب التي تملأ السرير وتحركت لتفتح له الباب قائلة "ماذا تريد؟"
قبض على مؤخرة عنقها وسحبها قائلًا بابتسامة شريرة "كل خير.. كل خير"

قالت باعتراض وكلاهما فرِح لتخطيهما الأزمة السابقة بعد رحيل ليزا "أنا عندي مذاكرة وامتحانات يا سيد"
قال وهو مستمر في دفعها نحو المطبخ "دعوة أخيك ورضاؤه عنك ستمنحك البركة لا تقلقي"
غمغمت ساخرة "والله! لم أسمع بهذا من قبل"
رد ببرود "ها أنت قد سمعت الآن"
سألته حينما أصبحت في المطبخ "ماذا تريد أن تأكل؟"
وراقبته وهو يفكر ثم قال بابتسامة جزلة "أي شيء في سندوتش سأكون راضيًا"

شاكسته وهي تفتح المُبرد " ساندويتش واحد؟"
غمغم وهو يسحب مقعده المفضل بجوار الطاولة ليجلس عليه "أنتِ وضميرك"
بعد قليل كانا يجلسان في نفس الجلسة التي اعتادا عليها والتي بدأت كالعادة بالثرثرة العامة ثم ضاقت الدائرة للثرثرة الخاصة فسألها وقد انطفأت ضحكته التي كانت تلاعب شفتيه قبل قليل "لم تتصل بعد؟"

هزت رأسها فقال "توقعت أن تتصل بك أو بآية حتى توقعت أن ترسل لآية بريدًا الكترونيًا كي تكتبه بالإنجليزية بأريحية دون اللجوء للعربية"
قالت رحمة مطمئنة "ستتصل إن شاء الله لا أتصور بأنها قد تنسانا بهذه السهولة"

توقف عن الأكل لبرهة يشرد في طبقه ثم عاد ليسألها "وزهرة هل من جديد؟ أنا أتابع هاتفها من هاتفي لكني أريد أن أطمئن منك"

هزت كتفيها وأجابت "لا جديد لكنها تبدو منطفئة على غير عادتها"
شتم سيد من بين أسنانه مشفقًا على أخته الصغيرة ثم قال "علينا أن نشجعها على التواصل مع والديها فإن كانا مهمليّن فعلينا دفعها هي للتواصل معهما من أجل سلامها النفسي"

هزت رأسها موافقة وقالت "تعرف بأني ذهبت لأبيك اليوم"
لوى شفتيه وقال ممتعضًا "اممم"
فأضافت رحمة "إنه طريح الفراش وشربات تتصرف كما يحلو لها في أغلب الأمور"
لم يرد سيد وإنما قال "دعينا من هذا ولنركز على زهرة أريدك أن تشجعيها على زيارة والديها أما أنا فسأبذل قصارى جهدي في الفترة القادمة لإخراجها من مزاجها المكتئب"
ابتسمت في حنان تقول "لا حرمنا الله منك"
بادلها النظرة الحانية ثم قال" المحل ما شاء الله يبلي بلاءً حسنًا"
اتسعت ابتسامتها بسعادة وتمتمت بالحمد فسألها "ما أخبار الامتحانات؟"
انقلب وجهها وقالت بقلق "بصراحة متوترة جدًا.. أتمنى ألا أرسب في أيٍ من المواد وأحصل على الشهادة"
سألها " وماذا عن تلك المادة؟"
أجابته بزفرة يائسة ثم قالت "اتفقت مع المعيدة التي أخبرتك عنها كي أذهب لبيتها لتشرح لي المنهج"
"لماذا لا تأتي إلى هنا؟"
أجابت رحمة "ستطلب مبلغ أكثر يا سيد.. يكفي المبلغ الكبير الذي تريده من أجل ثلاث أو أربع حصص"
قال بإصرار "لا يهم اعرضي عليها أن تأتي إلى هنا بدلا من أن تذهبي لبيتها ستكونين أكثر راحة"
قالت بتفكير "لا أتوقع أن توافق فهي حامل، لكني سأرى"
تطلع فيها بشفقة ثم قال مشجعًا "لا تحزني يا رحمة مهما كانت النتيجة"
اندفعت تقول بصوت مخنوق بالبكاء "أريد أن أنتهي من الدراسة وأحصل على الشهادة يا سيد.. الحصول على شهادة جامعية هو حلمي وأشعر بالإحباط من نفسي"
ربت على كفها فوق الطاولة وقال مشجعًا "ستحصلين عليها إن شاء الله أليست هذه المادة هي أكثر المواد صعوبة؟"
"تقريبًا"
"وتلك المعلمة جيدة؟"
"نعم.. وقد طمأنتني بأنها ستشرح لي المنهج بطريقة سهلة"
"أهم شيء لا داعي لهذا التوتر"
"سأحاول" قالتها رحمة وهي تشك في أنها ستنجح في ذلك فأكثر مشكلة تواجهها في الامتحانات هي القلق.
××××
بعد يومين
العاصمة

قال عبد الله الخازن بضيق "أنزلوني ما دمنا قد وصلنا"
فقال رامز لعمه الذي أصر على ألا يصعد أخوه على السلم بنفسه وأن يحملاه "انزله معي يا صقر"
رضخ الأخير فأنزل رامز وصقر اللذان يحملان عبد الله على الكرسي الخشبي ووضعاه أمام الشقة التي يسكنها رامز وصعد أحمد خلفهم بعد أن صف السيارة في الوقت الذي كان في استقبالهم على بابها الحاج ابراهيم الذي رحب بالضيوف.

دخل صقر ممسكًا بيد أخيه يسنده فقال الأخير بغيظ وهو يبعد يده "يكفي.. أستطيع السير ولست مشلولًا"
مط صقر شفتيه وقال "الحق عليّ أني لا أريدك أن تضغط على نفسك"
ابتسم ابراهيم لمشاكستهما التي استمرت حتى أثناء رقاد عبد الله في المستشفى فصقر رغم انطوائه الواضح إلا أنه بدا شديد التعلق بأخيه الأكبر وما فهمه خلال الأيام الماضية أن عبد الله هو من رباه فيحتار المتأمل لهما إن كانا أخين أم أب وأبنه.
قالت إلهام التي تقف في صالة الشقة "أنرتمونا وألف لا بأس عليك يا دكتور عبد الله"
غمغم الأخير "النور نوركم يا حاجة"
صاحت شمس مهللة "جدي.. جدي اشتقت إليك"
فأضاء وجه عبد الله بالسعادة وقال وهو يحاول الانحناء إليها "أهلا بقلب جدها"
أسرع أحمد برفع ابنته عن الأرض كي تكون على نفس ارتفاع جدها فما كان منها إلا أن مالت تطبع قبلة على خد عبد الله ليقول ابراهيم بلهجة حزينة مشاكسًا حفيدته "قبلة له وحده!"
اتسعت ابتسامتها الشقية ومالت من فوق ذراع أبيها على خد ابراهيم تطبع قبلة قبل أن ينزلها أحمد أرضًا.
في الوقت نفسه تقدم رامز ليقف بجوار إلهام وهو يقول لعمه "هذه والدة أحمد يا صقر"
هز الأخير رأسه بتحية صامتة بينما قالت إلهام "أهلا يا ولدي"
تدخلت بانة التي لاح عليها السعادة لوجود أهلها تقول "تفضل يا أبي هذه غرفتك"
ليقول إبراهيم وهو يقود عبد الله "تعال لنجلس بالداخل كي تستريح"
قال الأخير بحرج "ليس هناك داع فلنجلس كلنا في الصالة"
سحبه إبراهيم يقول بمحبة "لا تتحرج يا رجل تعالى"
قالت بانة لصقر "وضعت حقيبتك في الغرفة الأخرى يا عماه"
أجابها بلهجة فاقدة للطاقة وهو يتابع شمس بعينيه "لا بأس أي مكان"
حين ذهبت شمس نحو رامز حملها يقول "تعالي لتسلمي على صقر (وأشار عليه قائلًا) هذا عمي اسمه صقر "
لاح تعبير دافئ على وجه الأخير ولانت ملامحه وهو يتطلع فيها لكنها أسرعت بلف ذراعيها حول رقبة خالها وأدارت وجهها عنه فقال رامز باندهاش "ألن تسلمي عليه وتقبليه؟"
هزت رأسها بالرفض فسألها أحمد "لماذا يا شمس؟"
غمغمت "لا أريد.. فشكله مخيف"
ضحك رامز وناظر عمه بتسل بينما قال أحمد بحرج "شمس!"
غمغم صقر بهدوء "لا بأس اتركها على راحتها"
قالها والتقط يدها يطبع قبلة على ظاهرها لينزلها رامز بعد ذلك وتسرع إلى الغرفة التي بها جديّها. بينما وقف صقر محرجًا لا يعرف أين يذهب فتدخلت إلهام تقول "ولكني عاتبة عليك يا صقر"
تفاجأ الأخير وسألها "لماذا يا حاجة"
لاحظت إلهام نظراته التي لم يرفعها إليها سوى بضع ثوان وأعادها للأسفل وهي تقول " لأنك لم تأت للمبيت هنا اليومين الماضيين"
غمغم في حرج "لا تؤاخذيني لم أستطع ترك أخي وحده"
قالت بابتسامة حانية "لا حرمكما الله من بعضكما.. ورد إليكما فراس ..قادر يا كريم"
ازداد عبوس صقر فتدخل أحمد قائلًا "وصِلي عمك لغرفته يا بانة"
قالت الأخيرة وهي تقود عمها " تفضل معي يا عمي من هنا"
رن هاتف أحمد فخرج يرد عليه بينما تابعت إلهام صقر بأنظارها وهو يدخل مع بانة الغرفة ثم قالت لرامز بلهجة آسفة "قلبي موجوع عليه.. من يتحمل ما تعرض له أن يفقد زوجته وأولاده في الحرب"
نظر رامز في أثره ولم يجد ما يعقب به فسألته إلهام بفضول "لماذا لا تدعوه بعمي؟"
ابتسم يرد "لم ندعه قط بأي لقب.. هو صقر فقط .. فقد تربينا معًا إنه يكبرني بسبع سنوات فقط ولم أعتد على معاملته كعم بصراحة"
عبست تفكر "سبع سنوات!.. كم عمره؟"
أجابها رامز "اثنان وأربعون تقريبًا"
ضربت على صدرها تقول "يا حبيبي! إنه يبدو أكبر من هذا بكثير "
صمت رامز ولم يرد فاستمرت في استجوابه "منذ متى فقد عائلته؟"
أجابها وذكريات الحرب التي يهرب منها تتدفق في رأسه "تقريبًا عشر سنوات"
قالت بضيق "عشر سنوات ولم يتزوج مرة أخرى!.. كان لابد أن تشجعوه على الزواج كي لا يأكله الحزن بهذا الشكل"
لم يعرف رامز كيف يخبرها بأنه هو بالذات لم يكن موجودًا معه لسنوات طويلة حتى يقنعه بشيء، بل كان في السجن ليقول أحمد الذي انتهى من الاتصال والتقط طرف الحديث "أمي ألن نأكل"
نظرت إلى ابنها الذي يطالعها بنظرات عاتبة وقالت بعبوس "قلبي يؤلمني عليه"
ثم نظرت لرامز تقول بلهجة موبخة "وأنت أيضًا.. هل يعجبك حالك؟ "
ابتسم الأخير فأضافت "أ كُلما تحدثت معك في أمر الزواج تمنحني هذه الابتسامة! (وأشاحت بيدها تقول بضيق وهي تتحرك نحو باب الشقة) عمومًا أنت حر لقد نبهتك بأنك تضيع زهرة شبابك وربي يشهد علينا"

اتسعت عينا أحمد وهو يتطلع في أمه بينما قالت إلهام لبانة "تعالي بنيتي كي نحضر الطعام من الطابق الثالث (وأبعدت أحمد الواقف في طريق الباب تقول) ابتعد ولا تقف هكذا في وجهي كالباب، بل اصعد خلفنا كي تحمل الطعام"
هتف أحمد باستهجان "ما ذنبي أنا لتنفعلي عليّ.. أنا تزوجت وأنجبت والحمد لله!"
لم ترد إلهام وغادرت الشقة فلحقها رامز بصوته يقول ضاحكًا وهو يتحرك نحو الباب "وأنا أيضا قادم لأحمل معك الطعام يا ست الكل"

في الغرفة الداخلية خلع صقر سترته ببطء وألقاها بإهمال على أقرب مقعد ثم جلس على السرير وتطلع في النافذة نحو ضوء النهار متمتمًا "خرج والدك اليوم من المستشفى يا صديقي نحمد الله على سلامته.. وانتقلنا للشقة التي يعيش فيها أخوك.. أشعر برغبة في استئجار غرفة في فندق للاختلاء بنفسي، لقد زاد ميلي للوحدة أكثر من ذي قبل، خاصة وأنني لن أطيل البقاء مثل أبيك الذي شجعته على إطالة الإقامة هنا مع رامز وبانة.. أما أنا فهي مجرد بضعة أيام أنتهي فيها من أمر الصفقات التجارية التي أحضرتني إلى هنا من الأساس وأذهب لذلك المشوار الذي تعرفه وبعدها أعود.. لكني أعرف بأن أباك لن يرضى عن استئجاري لغرفة بفندق فذلك سيحرجه أمام أصهاره كما أنهم سيحزنون.. لقد أفلتُ بصعوبة من عرض أصحاب أحمد عليّ أن يدبروا لي سيارة خاصة تصاحبني في مشاويري خاصة خارج العاصمة، وأصريت على أن أذهب بالقطار"

وصمت قليلًا ثم أضاف "تُرى كيف سيكون ذلك المشوار يا صاح؟ أريد أن أعترف بأني متوتر ومترقب بشكل لم يحدث لي منذ فترة كبيرة.. عموما لننتهي من ذلك الأمر حتى أنزعه من رأسي تمامًا فكما تعلم حين نقترب من الصورة تفقد بريقها"

بعد قليل فتحت بانة الباب بهدوء حين طرقت ولم تجد إجابة وتطلعت في عمها الذي يتمدد على السرير دون أن يبدل ملابسه، ذراعه يغطى عينيه. فنادت عليه لكنه لم يرد فعادت لتغلق الباب مندهشة من استغراقه في النوم مع الجلبة التي تأتي من الخارج بتجمع العائلتين على مائدة واحدة في الوقت الذي قال فيه إبراهيم لعبد الله "كان من المفترض أن تحضر ابنتيّ وعائلتيهما لكنني طلبت منهما تأجيل الأمر حتى تسترد عافيتك أولًا"

ربت عبد الله على ساقه بمحبة بينما قالت بانة وهي تتخذ لها مكانًا بجوار زوجها عند طاولة السفرة "يبدو مستغرقًا في النوم"
استاءت الهام تقول "دون أن يأكل؟!"
قال عبد الله "اتركوه فلم ينم الأيام الماضية طوال ملازمته لي بالمستشفى"
قالها وأطرق برأسه والهم يحاصره من كل جانب حتى أخرجته شمس من حالته حينما سحبت كرسيها فسألها أحمد "إلى أين؟"
قالت وهي تحشر الكرسي بين جديها "سأجلس بينهما حتى لا يتشاجران من منهما أجلس بجواره"
نظر أحمد لبانة ضاحكًا بينما ربت عبد الله على ظهرها يقول "ما شاء الله على حفيدتي الذكية"
××××
المدينة الساحلية

دخل نزار مكتب عابد في الفيلا وبديا لأول وهلة مرتبكين وهما ينظران لبعضهما ويتبادلان سلامًا بدافع المحبة قبل أي شيء وكل منهما يريد أن يخبر الآخر بأمر ما.
سأله عابد "متى سيأتون؟"
تطلع نزار في ساعته قائلًا "على وشك الوصول"
لم تمر دقائق حتى طُرق الباب ودخل أحد حراس عابد يعلن عن وصول الضيوف، وأعقب ذلك دخول عدد من الرجال من بينهم معتصم الذي يخفي شعوره بالخوف في صحبة شركائه الحاضرين معه لذلك اللقاء.
اللقاء الذي أذلهم عابد الصواف حتى وافق عليه واشترط أن يكون في بيته، ورغم تخوف معتصم من أن يتصرف عابد معه بأي تصرف عنيف إلا أن ضغط شركائه عليه لكي يصلح ما أفسده بفعلته مع بنت الصواف حتى يستطيعوا الافراج عن شحنتهم المحجوزة في الميناء لأسباب غير واضحة والذي يعرضها للفساد إن لم يتم الإفراج عنها قبل وقت محدد كل هذا أجبره على الحضور ولا يعلم كيف سيمر اللقاء. لكنه لم يكتف بإحضار شركائه معه، بل أحضر عددًا من رجال الأعمال الذين سبق وأن توسطوا بين الطرفين لعلهم يكونون شفعاء له عنده.

دخل الجميع وأمر عابد الحراس بألا يقترب أحد من المكتب إلا بعد أن يرسل في طلبهم ثم أغلق بنفسه الباب واستدار كالطلقة وقبل أن يستوعب أحد انقض على معتصم مقتنصًا إياه من بين كل الواقفين حوله، فأسرع البعض بالوقوف بينهما ليقول أحدهم "اهدأ يا عابد هذه ليست بداية جيدة للنقاش"
أحكم عابد قبضته على تلابيب معتصم بينما وقف نزار بالقرب منه في وضع استعداد يناظر الأخير بنظرات نارية وهو يقول "اسمح لي أنا يا عماه بتأديبه"

تكلم أحد الشركاء بتذمر "هذا لم يكن اتفاقنا يا نزار جئنا لنحل لا لنعقد الأمور يا جماعة"
تكلم عابد من بين أسنانه "ليس قبل أن أكسر يد هذا الحقير التي تجرأ بها على ابنتي"
"لم يحدث.. أقسم لك لم يحدث" قالها معتصم صارخًا فهدر عابد بعينين جاحظتين بالغضب "هل تعني بأن ابنتي تبتلي عليك؟"

انتفض من الرعب وقال بتأتأة "أقصد.. قصدت أن الأمر هو سوء تفاهم لا أكثر.. هي ربما فسرت الأمر بشكل خاطئ واعتقدت بأني أتحرش بها ..ولم أقصد بالطبع أنها تكذب"

كان عابد متأكدًا من أنه يكذب ومتوقعًا أن يختلق قصة ما كي يُخرج نفسه من التهمة بدلًا من الاعتذار.. ولم يتوقع اعتذارًا من الأساس؛ فهو يعرف خصمه جيدًا ويعلم أن إجباره على الحضور إلى هنا هو قمة الانتصار عليه ليضيف معتصم بضيق "ألا يكفي ما فعله أخوك ضاحي!"

تفاجأ عابد لكنه لم يسمح لملامحه بأن تحيد عن الجمود ليضيف معتصم والواقفون لا يزالون يحاولون إقناعه بإطلاق سراحه "لم يكتف بأن أرسل لي ذلك الوافد الذي ضربني، بل جاء معه وضربني هو الآخر (ورفع يده المربوطة بالرباط الأبيض وأضاف) عندي تقارير تثبت ما أقوله وكان من الممكن أن أتوجه بها للشرطة وأشتكي أخاك ورجُله لكني آثرت السلام ولم أرغب في أن أوسع من دائرة الخلاف"

التقط أحد الشركاء العبارة وقال "بالضبط يا عابد بك.. هذا هو مقصدنا بالمجيء قبل أي شيء آخر.. فض أي خلاف"
على مضض ترك عابد ملابس الرجل بعد أن حدجه بنظرة مخيفة زادت من انكماشه وتحرك مبتعدًا حتى وقف خلف مكتبه فتدخل أحد الوسطاء قائلًا "جئنا لنفض الخلاف يا عابد بك ونطلب منك أن تأمر بالإفراج عن شحنة معتصم وشركائه"
وضع عابد يديه في جيبي بنطاله ووقف بشموخ قائلًا ببرود وإنكار أتقنهما "مالي أنا ومال بضاعته التي بالميناء؟!"
اختلس الواقفون النظرات لبعضهم البعض إلا نزار الذي وقف يتعلم من مثله الأعلى ليقول أحد الشركاء بمراوغة "أنت لك معارف كثيرون في كل مكان وخاصة في الميناء يا عابد بك.. والشحنة إن لم يفرج عنها خلال أيام سنخسر كثيرًا.. فلو تخدمنا بالوساطة.."
ناظرهم عابد من تحت جفنين مسبلين يقول ببرود "لكني لا أتوسط في أي شيء مخالف"
أسرع آخر يقول "أبدًا والله.. الشحنة سليمة مئة بالمئة وكل ما يرضيك سننفذه"
انقلبت مقلتي عابد ينظر لمعتصم فقال ثالث "لقد أخبرك بأن هناك سوء فهم قد حدث"

هتف عابد "والمنشورات التي كتبتها زوجته؟"
قال معتصم موضحًا "مسحتها بعد تلك الليلة التي جاءني فيها أخوك ورجُله الوافد.. طلبت منها أن تمسحها وفعلت"
تكلم عابد بغضب "بعد أن أطلقت لسانها بالباطل على ابنتي!!"
تكلم معتصم يجاهد لتبرير ما حدث "كانت تعتقد بأنها تدافع عني.. أنت تعرف النساء حينما يتدخلن في الأمور يفسدنها"
لكزه شريكه المجاور له فتطلع فيه بغباء لثوان ثم عاد لعابد يقول بلجلجة "ليس كل النساء بالطبع.. ليس كل النساء"
تدخل آخر لاختصار الموقف "أخبرنا بما يرضيك يا عابد بك كي ننهي هذا الأمر للأبد"
تكلم الأخير بغطرسة "كما أثار اللغط حول ابنتي يتصرف ليغلق الأفواه عنها"

اقترح أحدهم "ما رأيك في أن يكتب معتصم بك منشورًا يُكَذِّب فيه أي ادعاء يخص ابنتك؟"
صمت عابد يتطلع فيهم ويقلب الأمر في رأسه فتدخل آخر يشجعه على الفكرة "يتحدث دون أن يذكر اسم الطبيبة صراحة.. ويوضح أن الأمر سوء فهم ما رأيك؟"

بعد ساعة كان عابد يتطلع في هاتفه يقرأ المنشور الذي كتبه معتصم على حساباته على مواقع التواصل والذي شرح فيه مثلما اتُفِق عليه بأنه قد حدث سوء فهم للمنشور الذي نشرته زوجته عن إحدى الطبيبات وظن البعض أنها ابنة رجل أعمال شهير، ولكن هذا أمر عار تمامًا من الصحة، واعتذر فيه عن أي سوء فهم تسبب فيه منشور زوجته بالإضرار إلى سمعة الطبيبة.

كما تطلع عابد في ذلك المنشور الذي أُرغِمت على كتابته زوجة معتصم والتي بدا في حديث زوجها معها على الهاتف ليقنعها بكتابته في حضورهم أنها لم تكن راضية لكن الأمر انتهى بالضغط عليها من زوجها وشركائه فكتبت نفس المضمون على صفحتها.
أخرجه نزار من متابعة التعليقات بعد انصراف الضيوف حين سأله "هل تريد مني شيئًا يا عماه؟"
"أجل انتظر (قالها بلهجة منهكة وأضاف وهو يضع الهاتف على المكتب الذي يقف بجواره) نريد أن نتحدث في أمر الخطبة"
وضع نزار يديه في جيبي بنطاله وقال بهدوء "كلي آذان صاغية"
تكلم الآخر بلهجة عملية "كما تعلم أني حاولت كثيرًا اقناع سيلا بالزواج منك لإعجابي بك بشكل شخصي لكن بعد الذي حدث لن أستطيع أن أستمر في الضغط عليها"
تحكم نزار في شعور بالهزيمة يخنقه وقال بلهجة متفهمة "طبعا الأمر مفهوم"
أردف عابد وهو يشعر بالضيق " وأتمنى أن تظل علاقتنا كما هي وأن نمضي في قرار الشراكة بين الشركتين بعيدًا عن أمر الزواج"
ابتسم نزار ابتسامة باهتة وغمغم بلهجة صادقة "شرف كبير لي يا عمي بأن تكون معجبًا بي فأنت مثلي الأعلى.. أما بالنسبة لأمر الشراكة فأعطني بعض الوقت ليس لشيء، ولكني أريد أن أرتب أوراقي وأفكاري"

هز عابد رأسه وغمغم "لا بأس وإن لم تشعر براحة من أمر الشراكة أو كانت لك حسابات أخرى فليس هناك مشكلة ستظل في مقام ابني"
ابتسم نزار ابتسامة ضعيفة وسلم عليه باحترام ثم استأذن للرحيل فشيعه عابد بأنظاره وشعور بالحسرة يملأ صدره ثم عاد لذلك المنشور الذي بدأت تتناقله مجموعات النميمة على مواقع التواصل ورغم الصدى الجيد له في الدقائق الأولى من نشره، ورغم أنه قد أذل الرجل وأخضعه لتنفيذ ما يريد، لكنه لم يشعر بأنه قد أشفى غليله، وتمنى للحظة ألا يكون محاطًا بكل قيود وتعقيدات العالم المخملي حتى يأخذ حقه وحق ابنته كما يرضى فأحيانًا قوانين الغابة تكون مناسبة مع بعض الناس.
××××
في الوقت نفسه كان ضاحي يقف في ساحة بيته يتحدث مع سندس ليطمئن عليها ويؤلمه قلبه لأنها أضحت في الشقة وحيدة بعد وفاة قريبتها فسألها "هل تشعرين بعدم الراحة من بقائك وحدك في الشقة؟"
غمغمت بصوت هادئ كئيب "لا تقلق عليّ أنا بخير"
لم يعرف ماذا يقول لها وبم يقترح عليها ولن تسمح له كرامته أن يكرر طلبه للمرة الثالثة كما أنه، حتى لو جن وفعلها فالوقت غير مناسب أبدًا لمفاتحتها بالأمر.

شرد عنها لثوان وهو يتذكر عَيّاد الذي رآه في مراسم الدفن والعزاء يتصرف وكأنه المسؤول عن سندس وما يخص قريبتها المتوفاة أمام الجميع مما اضطر ضاحي للتدخل والوقوف في وجهه متخليًا عن حرصه في عدم اظهار اهتمام زائد عن الحد والذي تسمح به علاقته بسندس لكنه يومها وقف أمامه يحذره بأسلوب شديد اللهجة بأن يلزم حدوده وألا يسيء لها بهذا الاستعراض الفج بتولي ما يخصها، ورغم أن عياد حاول المراوغة تارة والسؤال بمواربة عن سبب تدخل ضاحي تارة أخرى إلا أنه نجح في ردعه وإجباره على عدم تجاوز حدوده والعودة إلى حجمه الطبيعي.
أخرجه من شروده اللحظي مكالمة أخرى فنظر في هاتفه وعاد يقول لها "تمام يا سندس سنتحدث فيما بعد.. متى ستنزلين للعمل؟"
قالت الأخيرة "غدًا بإذن الله.. فلن يفيد البقاء في البيت في شيء.. أنا فقط كنت استقبل المعزين من النساء"
قال بهدوء "تمام سأطمئن عليك (وقبل أن تغلق هتف) سندس" قالها ببعض الجدية وأضاف "أنا موجود لأي شيء.. لست بحاجة لقول ذلك"
جاءه صوتها تقول بامتنان "بارك الله فيك وأسعدك في الدارين يا رب"

اضطر لأغلاق الهاتف كي يرد على أخيه الذي يلح في الاتصال فأجاب بلهجة منزعجة "نعم عابد يكفي اتصال واحد وسأعود للاتصال بك.. ألم يخبرك الهاتف بأن معي مكالمة؟!"

لم يكن الآخر في حالة تسمح له بالتروي فانطلق قائلًا بعصبية "هل ضربت الرجل يا عابد؟ ذهبت إليه مع بلطجي وافد من بلد أخرى كي تضربه؟!"
لم يكن ضاحي بحاجة للسؤال عما يتحدث فهو عادة لا يلجأ لأمور العنف إلا نادرًا فأجابه بغضب مماثل "وهل كنت تتوقع أن أنتظر لمخططاتك كي ترد للعائلة كرامتها التي أهدرها ذاك الحقير؟"

هتف عابد بعصبية "يا ضاحي ..كان من الممكن أن يُبلغ الشرطة ويجرك أنت ورجُلك إلى السجن ويتسبب في فضيحة أكبر للعائلة"
رد الأخير بعناد "لا يهمني.. المهم أن أؤدبه"
تمتم الأخر باستياء "لا حول ولا قوة إلا بالله! لو صبرت حتى أتصرف أنا، لقد أجبرته قبل قليل على كتابة منشور يكذب فيه أي شيء ادعته زوجته وجاءني مستعطفًا كي لا أنتقم منه"
وصمت يستعيد الأحداث في رأسه ثم هتف قائلًا بذهول "انتظر.. هل البلطجي الوافد هو ذلك الشاب الذي يسكن ببيتك؟"
رد ضاحي بحمائية "اسمع.. مروان ليس بلطجيًا إنه مهندس وشريكي"
"شريك!! (هتف بها عابد بعدم فهم وأضاف) ماذا تعني بأنه شريك؟ متى حدث هذا؟"

تطلع ضاحي عبر البوابة الجانبية في مروان الذي تحرك من وقفته الصامتة عند البحر وبدأ يسير جيئة وذهابًا على الشاطئ كحاله منذ ذلك اليوم الذي سمع فيه حديث سيلا معه وأجاب وهو يستدير ليدخل البيت "حدث قبل فترة قصيرة"
"ومن أين أتى بالمال ليشاركك؟ أهو ثري؟"
رد ضاحي وهو يجلس على الأريكة في بهو الفيلا "إنه شاب وحيد فقد عائلته كلها في الحرب وأتى خالي الوفاض ليبدأ حياته هنا"
"من أين إذن.."
قاطعه ضاحي موضحًا "كان هذا نصيبه من تطوير مشروع المصائد السمكية"
مط عابد شفتيه وجلس على مقعده خلف المكتب يقول وهو يحل رابطة عنقه "شاب وصولي تقصد.. يحاول إثارة إعجابك وإعجاب ابنتي"

رد ضاحي مدافعًا "هو ليس بحاجة لفعل ذلك.. ولو كان يقصد ذلك فقد نجح.. هل يعتبر الذكاء هذه الأيام تهمة؟"
ساد الصمت فسأل ضاحي بحرص "لكن ماذا عن سيلا لم أفهم؟"
رفع عابد حاجبًا وسأله "ألا تعرف؟"
رد ضاحي "لا أعرف ماذا تقصد؟"
قال الثاني بمكر "لماذا توقعت بأن سيلا المقصودة إذن ما دمت لا تعرف؟.. فأنا لدي ابنتين"
هدر ضاحي بضيق "لا تراوغني يا عابد"
"ألم تخبرك سيلا بسرها؟!" قالها عابد بلهجة ساخرة فغمغم ضاحي عابسًا "أي سر؟"
ازدادت لهجته سخريةً وهو يقول "لا أرجوك لا تقل هذا وإلا سأشعر بالإطراء أن ابنتي اختصتني بسر لم تخبرك به"
أحس ضاحي بما يعتمل في صدر أخيه من غيرة فرد بهدوء " عليك أن تشعر بالإطراء إذن.. فلم تخبرني سيلا بشيء"
ساد الصمت وعابد يقلب المعلومات في رأسه فهتف ضاحي بلهجة صارمة "ماذا قالت سيلا عنه يا عابد؟"

أوضح الأخر "أخبرتني بأنه السبب في عدم رغبتها في الزواج لأنها تحبه وتعرف بأني لن أوافق عليه ورغم أنها لم تفصح عن الاسم لا أتوقع بأنها تعرف مهندس وافد غيره"
شتم ضاحي ابنة أخيه المحتالة في سره بينما أضاف عابد بمرارة "هي غالبًا أخبرتني لتحرق دمي ولتتحداني هذا سبب أنها لم تخبرك"
تكلم الآخر بلهجة صريحة مشفقًا على أخيه "اسمع يا عابد.. أنا لا أعرف لماذا تشعر بالضيق من علاقة سيلا بي، يا غبي أنت في موقع القوة وستظل والدها الحقيقي.. ومهما فعلت أنا لها لن أعوضها عنك"

علق الثاني بلهجة مُرة "لا ..أنا فقط في حياتها جلاد.. هكذا أخبرتني.. أني أفسدت حياتها وأوصلتها إلى مرحلة من التوتر النفسي"
لم يستطع أن يكمل العبارة واختنق صوته بتأثر فأشفق عليه أخوه قائلًا " أنا أرى بأنكما مختلفان في أمور جوهرية وأساس الخلاف هو عدم فهمك لها"
قال الآخر بلهجة ساخرة "وأنت من يستطيع فهمها أليس كذلك؟!"
زفر ضاحي وازداد ضيقه فقال من بين أسنانه بلهجة متألمة "يا غبي.. فكر فيما تملكه بالفعل.. لماذا لا تقنع أبدًا بما في يدك وتتطلع إلى ما يقع في يد غيرك"
رفع عابد رأسه وأسنده على ظهر الكرسي قائلا بابتسامة ساخرة "عدنا للمحاضرات فحتى بعد أن صرت في هذا المركز الاقتصادي، وبعد أن أوصلت نصيبي من ورث أبي إلى ما أنا عليه الآن لا زلت تراني بعين الصغر"

جز أخوه على أسنانه يقول "لا حول ولا قوة إلا بالله! (ثم أضاف بلهجة صادقة) أنا لم أرك أبدًا في هذه الصورة يا عابد، بل أنت من تُحمل نفسك فوق طاقتها.. أنت من تنافس كل من حولك وتخاف من الفشل لكن ربي يشهد على ما أقول.. لم أرك أبدًا فاشلًا أو صغيراً أو غير موفق في شيء.. فدومًا أنت الأذكى، والأكثر تعليمًا واطلاعًا وثقافةً.. نجحت في بناء امبراطورية من الصفر بينما أنا بنيت على حرفة أبي وعلاقاته ونصيبي من ثروته.. من منا أذكى إذن؟"

كان يدفع أخاه لينهض من كبوته النفسية فأحس عابد بالحرج أمام أخيه الأكبر ورد بصدق" لكنك أضعت الكثير من شبابك في سبيل أن تعيد لأبي ما خسره وتسبب في أن يصبح مريضًا مقعدًا لسنوات حتى مات .. أنت من أخذت على عاتقك إعادة ثروة العائلة التي خسرها في صفقة أطاحت بها.. لهذا فأساس ثروتي الحقيقة من كدك وتعبك أنت"
أضاف له ضاحي "وأنت كنت تساعدني"
تنهد عابد يعترف "لكني لم أنشغل عن حياتي مثلك"
أسرع ضاحي بإنهاء الموضوع بالقول "عمومًا لا داعي لهذا الحديث الآن.. أريد فقط أن أقول إني لا أحاول أن أسرق منك أولادك.. أنا فقط (وصمت يتطلع في سقف الغرفة وأضاف بحشرجة) أعوض ما حُرمت منه حينما أعتبر أولادك وأولاد ماهر مثل أولادي.. لكني لا أعلم لماذا سيلا بالذات من تستاء من علاقتها بي"

اعترف عابد بهدوء "ربما لأني لا أستطيع فهمها مثلك"
أوضح ضاحي "هي ببساطة تشبهك يا عابد، سيلا تحمل الكثير من صفاتك وكلاكما مُتعِب بصراحة لمن حوله"
مط الآخر شفتيه ثم قال "المهم.. لم تخبرني عن هذا الزفت الوافد"
عاد ضاحي ليرد بضيق "اسمه مروان.. وكما أخبرتك لا أعرف شيئًا عن مشاعر سيلا التي حدثتك عنها"
هز عابد رأسه مفكرًا "إذن هي تريد أن تبقى عندك كي تكون على علاقة بالباشا"
عبس ضاحي يقول باستنكار "ما الذي تقوله يا عابد؟ إن كنت لا تعرف ابنتك فأنا أعرفها جيدًا"
استمر الآخر في نسج تخيلاته وقال "ما أدراك أنت بأنهما لا يتخطيان الحدود في غيابك"

هدر ضاحي محذرًا "عابد.. تعقل.. أنا أثق في سيلا وفي مروان"
قال الثاني باستهجان "كيف تعرفه؟ إنه لم يظهر في حياتك إلا قبل بضع سنوات!"
"ومع هذا أعرفه.. فالعبرة ليست بعدد السنين فها أنت تعتقد في ابنتك بأنها ستوافق على علاقة مع شاب دون موافقتك"
أوضح عابد وجهة نظره "سيلا توقع منها أي شيء يا ضاحي بعد الجنون الذي باتت تمارسه وتلك الانفجارات العصبية والتصرفات الغريبة توقع منها أن تتزوجه من دون موافقتنا (وأردف من بين أسنانه متوعدًا) ووقتها سأقتلها بيدي هاتين"
رغم اعتراف ضاحي بأن سيلا في حالة ليست مستقرة نفسيًا لكنه قال " اهدأ يا عابد.. اهدأ أنت تفترض أشياء ليست حقيقة"
غمغم الثاني "استمر في الدفاع عنها حتى تبتلينا بتلك المصيبة "

زفر ضاحي قائلا "اسمع يا عابد.. دعنا نفكر بالعقل.. أنت قلت بأنها أخبرتك بمشاعرها تجاه مروان.. وترى بنفسك مشكلتها مع الزواج.. وقد حاولنا جميعًا دفعها للزواج، بل والضغط عليها وها أنت ترى النتيجة.. سيلا تحتاج للمتابعة مع طبيب نفسي وهذا أنا سأحرص بنفسي على أن تفعله.. لكنها بحاجة أيضًا لأن تعيش بدون توتر.. فبعد ما حدث آخر مرة لا تأمن من ردة فعلها إن ضغطنا عليها.. لماذا لا تفكر بجدية في أمر مروان؟"
هدر الثاني باستنكار شديد "ما الذي تقوله! هل جننت؟ مَن مروان هذا كي أزوجه ابنتي!!"
مط ضاحي شفتيه وقال بلهجة ساخرة "رحم الله أباك الصياد يا ابن الصواف"
رد عابد مبررًا "كان هذا في الماضي.. وكان أبي يعرف حجمه جيدًا.. وحين فكر في الزواج..."
"تزوج من امرأة من بلد أخرى وحارب من أجل موافقة أهلها وإقناعهم بأن تعود معه لبلده ومن أجلها دفع الغالي والنفيس للحصول عليها" قالها ضاحي مقاطعًا أخيه فقال عابد بعدم تصديق "إذن أنت تبارك علاقتهما؟!"

فضل ضاحي التروي لدراسة الوضع كله من كل الجوانب فقال بمراوغة "لا أرى أن هناك علاقة من الأساس ربما كان الأمر من طرف سيلا"
تكلم عابد مقارعًا "لا أتوقع.. فلم تخبرني بصيغة حب من طرف واحد.. أشعرتني بأني أنا العقبة في الموضوع"
عاد ضاحي ليقول بلهجة منطقية بعيدًا عن حسابات ابنة أخيه "كما قلت لك.. فكر في الأمر.. فكر في أن سيلا هذه المرة تختار عريسها.. أي أن ذلك الرهاب من الزواج سوف تتغلب عليه"

صاح عابد بانفعال " أنا لم أكِد وأتعب طوال هذه السنين كي تتزوج هي في النهاية من وافد متوسط الحال وليس له عائلة"
جادله أخوه "أنت تعبت كي تحقق لها السعادة يا عابد.. وما دامت سعادتها معه فلماذا لا تفكر في أن تمنحها مباركتك!"
هتف الأخر برفض شديد "هذا جنون وأنا لا أقبل به"
تمتم ضاحي باستسلام "حسنا كما تريد"
ليعود عابد لعناده فيقول مؤكدًا "وسيلا لابد أن تعود للبيت خاصة مع هذا الوضع فلا يصح أبدًا أن تبقى في نفس البيت معه"

"قلت لك أنا أثق فيهما.. ابنتك مجنونة لا أنكر ذلك لكنها ليست عديمة الأخلاق"
أصر عابد على رأيه مغمغمًا "مهما يكن.. فالمثل الشعبي يقول (لا تضع البنزين بجانب النار)"
تنهد الثاني يقول بقلق "لا أعرف.. أخشى من أن نضغط على أعصابها لقد أصبحت أكثر هدوءً منذ أن حضرت إلى هنا"
"هل هذا هو التهديد الجديد الذي ستلوي ذراعنا به؟"
قالها عابد باستنكار فغمغم ضاحي وهو يفرك رأسه بأصابع يده "أنا متعب يا عابد لنتحدث في وقت أخر بعد أن نفكر"
هتف الثاني "أنا لا أحتاج للتفكير.. أحتاج لتنفيذ ما أريد وهو أن تعود سيلا"

"ألم تستوعب الدرس بعد؟ (قالها ضاحي بعصبية وأضاف) هي تريد البقاء هنا أيًا كانت أسبابها.. وإن كنت لا يهمك أن تنهار أنا يهمني وسأقف في وجهك"
"كيف تقبل بأن تبقى مع ذلك الولد في نفس البيت؟"
رد ضاحي موضحًا "مروان في مكانه ولا يقترب من الفيلا.. وإن كانت هذه هي المشكلة سأدبر له مكانًا آخر هل هذا مريح؟"

قال عابد وقد شعر بالغيظ "من هذا الذي تدافع عنه وتوفر له مكانًا لتأويه وتدخله شريكًا معك في العمل وتتصرف معه كذراعك اليمين؟.. حتى أنك أدخلته البيت ذلك اليوم وتركتني بالخارج"

رد ضاحي بلهجة قاطعة "مروان في مقام ابني يا عابد.. وهذا ليس له علاقة بسيلا.. لو كان الله رزقني بالأولاد كنت سأرزق بابن مثله"
ساد الصمت لأول مرة منذ بداية المكالمة وصدم عابد بما يقوله أخوه وحتى لو كان يجادله لغرض الجدال فهو في قرارة نفسه يصدق في حكم ضاحي على الناس مما أشعره بالحيرة ليأتيه صوت ضاحي مردفًا بلهجة بدت كئيبة "أعرف بأن ما أقوله قد يبدو عاطفيًا وربما أنا كذلك فقد كبرت بالعمر وأصبحت كالذئب العجوز الذي يبحث عن أنيس.. وربما شعوري بتقدم العمر يشعرني بالخوف من أن أكون وحيدًا فأتمسك به لكني صادق في مشاعري تجاهه"

لان قلب عابد لأخيه وأشفق عليه فأسرع بالقول "لا تقل هذا.. نحن جميعًا معك.. أعرف بأني مقصر معك لكن ليس عن عمد.. لكني بصدد إعادة النظر في الكثير من الأمور في حياتي لذا لا تقول هذا أنا معك وماهر رغم أنه على بعد قارات لكنه معك وأولادي أولادك كما كنت تقول قبل قليل"
ابتسم ضاحي ابتسامة ضعيفة وقال "عشت يا حبيبي.. عمومًا بعيدًا عن هذه الدراما.. مروان شاب ممتاز وأنت تعرف نظرتي في الناس جيدًا"
رد عابد بإنهاك "أنا متعب ومرهق وسيلا توشك على أن تفجر المتبقي من عقلي ولا أعرف كيف أفكر.. اذهب الآن لكن اعلم بأني لن أتحمل هذا الوضع كثيرًا"

أغلق ضاحي الخط بعد قليل وأخذ يفرك رأسه بين يديه بقوة وكأنه يريد بذلك أن يوقف صخب الأفكار التي تزن في رأسه منذ ذلك اليوم الذي سمع سيلا ومروان يتحدثان، وابنة أخيه تعرض عليه ذلك العرض الجريء لكن خبر وفاة قريبة سندس ألجمه ومنعه من أن تفلت أعصابه ويخنقها بين يديه في رد فعل لحظي لكن ما حدث أعطاه فرصة لكي يفكر في الموضوع ويحلل موقف سيلا.
ما هو أكيد منه أن مروان يكن مشاعر قوية لسيلا، مراقبته له خلال السنوات الماضية أكدت له ذلك ولن ينسى ذلك اليوم الذي شاهد فيه اللوحة المرسومة لوجه سيلا عنده والتي أسرع الآخر بإخفائها بارتباك فأخضعه ضاحي بعدها لأكثر من اختبار ثقة حتى تأكد بأنه شاب عفيف وأمين وأن ما يكنه لسيلا هي مشاعر ليس له يد فيها وهو الأكثر دراية بذلك الشعور لكنه كان مدركًا بأن ما يتمناه مروان صعب التنفيذ ليس لشيء إلا لعقلية عابد وشخصية سيلا لكن بعد الذي سمعه ذلك اليوم أعاد النظر في الوضع.

شرد يرتب أفكاره بما توصل إليه بعد تفكير عميق؛ سيلا تبدي اهتمامًا بمروان بشكل خاص منذ ظهوره في حياتهم وتتصرف معه بأريحية وتلقائية لا تفعلها إلا مع القليلين، كما أنه قد تأكد من ذلك الرهاب الذي تعانيه من الزواج بعد ذلك اليوم الخاص بفستان العرس وبعد عدد المرات التي تعرضت فيها لنوبة هلع وهذا يجعله يفكر في أن ذهاب سيلا بقدميها واختيار زوج والإقدام على الخطوة حتى لو بشروطها فهو أمر يستدعي الكثير من التأمل والتحليل سواء لمشاعرها تجاه مروان أو لما قد يفيد ذلك في حل عقدتها من الزواج.
وهذا ما يجعله ينتقل للفرضية الأخرى التي وضعها أمامه وهي أن سيلا لا تكن أية مشاعر خاصة لمروان وأنه مجرد شخص تثق به، ولكن زواج سيلا منه سيكسر لديها رهاب الزواج ويجعلها تتخطى تلك العقبة في حياتها كما أنه سيحقق لها ما تريد بأن يدعها عابد لتعيش هنا في البيت وهو – ضاحي- لن يقبل إلا بأن يكونا تحت ناظريه حتى يطمئن بأن علاقتهما جيدة وقتها ستبتعد سيلا عن الضغط ويشجعها على جلسات العلاج النفسي ولربما استطاع مروان وقتها مصارحتها بمشاعره ونجحت العلاقة.

عقد حاجبيه يتأمل ما توصلت إليه أفكاره وبأنه يبني الفكرة على أنهما سيتزوجان بالفعل ولمعت عيناه وهو يفكر في هذه النقطة ووجد بأنها رغم صعوبة تنفيذها بسبب أخيه لكنها فكرة جيدة، بل ومفرحة بالنسبة له أن يعيش معه أحب اثنين عنده ويقترن مروان بالفتاة التي يريدها وتجد سيلا الاستقرار الذي تريده والنجاح لشيء تمنته لربما انعكس ذلك عليها واعتدل حالها.
وهذا يقوده لنقطة أخرى عليه أن يفكر فيها جيدًا: ماذا لو فشل زواجهما لأي سبب من الأسباب وهذا نسبة حدوثه واردة وكبيرة؟ فكر ضاحي بعقلانية ثم أجاب نفسه بأن سيلا وقتها ستخرج من التجربة وقد هزمت الكثير من عُقدها ورغم إيجابية الفكرة طلب من نفسه عدم استباق الأحداث فلا يعرف ما الذي سيفعله مروان فالأخير يحمل في عينيه كلامًا كثيرًا يريد أن يخبره به ولا يزال لا يملك الشجاعة على فعلها كما أن عابد لن يستسلم بهذه السهولة.
عند هذه النقطة تخلى عنه ذلك القدر من الأمل الذي رافقه اللحظات الماضية وسحبه اليأس من جديد إلى لجة الأفكار بأنه قد لا ينجح في توفيق كل الأطراف ولهذا عليه أن يفكر في حل بديل من أجل مصلحة سيلا.
××××
العاصمة

وقفت زهرة بجوار باب الشقة بترقب حتى سمعت صوت المفتاح فاندفعت لتفتحه فتفاجأ بها سيد وتطلع فما ترتديه قائلًا باستنكار" لماذا تقفين بجوار الباب بهذا الشورت القصير؟"
ردت بعصبية "وما دخل الشورت في وقفتي؟ هل أقف به على قارعة الطريق! أنا في داخل البيت فهل هناك فرق إن كنت بجوار الباب أم بعيدة عنه!"
قال بغيظ "وماذا لو لم يكن أنا وكان شخصًا غريبًا على الباب؟"
هتفت باستنكار " وهل الشخص الغريب سيفتح الباب بالمفتاح يا أذكى أخواتك!"
جز على أسنانه وقبض على مؤخرة عنقها يقول من بين أسنانه "يا رب صبرني على لسانها حتى لا أقطعه من جذوره"
هتفت بغيظ مماثل وهي تحاول الإفلات من يده " بالله عليك هل هذا ما أحضرتك من أجله!"
ترك رقبتها وسألها وهو يتطلع بالداخل باهتمام " أين هي؟ وماذا حدث بالضبط؟ إنها لا ترد على الهاتف"

همست زهرة وهي تنظر نحو المطبخ "لا أعرف.. كانت تبكي في غرفتها قبل قليل.. ولكن لا تخبرها بأني وشيت بها"
بعثر شعرها في طريقه إلى داخل الشقة فزفرت وقالت حانقة "أووووف قلت لك لا أحب هذه الحركة"
لم يرد عليها وإنما دخل إلى المطبخ فاستدارت إليه رحمة بابتسامة باهتة ولاحظ سيد عينيها المتورمتين من البكاء بينما عادت رحمة لتكمل ما كانت تفعله بتصفية أصابع البطاطس المقلية من الزيت.
سألها "ماذا حدث؟ ما بك؟"
كبشت من البطاطس ووضعتها في الزيت فأحدثت فورانا وهي ترد "لا شيء"

اقترب منها وأمسك بذراعها يديرها إليه قائلًا بقلق "انطقي يا رحمة ماذا حدث؟ هل كان الامتحان صعبًا"
هزت رأسها نافية فظل يترقب الإجابة حتى تدفقت الدموع التي لا تريد أن تتوقف منذ أن علمت بالخبر وقالت "المعيدة التي كانت ستساعدني في شرح المنهج وضعت اليوم مولودها قبل ميعادها بشهر وطفلها في الحضانة"
مط شفتيه وقال بضيق "ولم تجدي سوى امرأة حامل كي تعتمدي عليها يا منحوسة!"
قالت باكية "وكيف لي أن أعرف بأنها ستلد قبل موعدها؟!"

تطلع فيها فلم تتحمل التوتر وانفجرت في بكاء مكتوم ليسحبها سيد إلى صدره ويقول مهدئًا "لماذا البكاء حتى لو رسبت فيها"
رفعت رأسها إليه تقول "هذه أخر فرصة يا سيد لابد أن أنجح.. لابد.. وليس أمامي سوى بضعة أيام قبل امتحان هذه المادة فهي الأخيرة"
قال مازحًا "لولا أنك تتعثرين في خيالك كنت نصحتك بالغش"
توقفت عن البكاء وطالعته بوجهها الذي تحول من الأبيض إلى الأحمر مصدومة فأضاف سيد بلهجة ماكرة "أكتبي المنهج كله على شريط ورق صغير.. لا أعرف هل اخترعوا وسائل حديثة للغش حاليًا أم لا لكننا كنا نفعل ذلك في زماننا"

قالت باكية "أنا لا أعرف في مثل هذه الأشياء ولا أحب الغش يا سيد (وعادت للبكاء في صدره وهي تقول) أنت تؤكد لي بأني فاشلة بهذا الاقتراح"
تنحنح وقال بلهجة ذات مغزى وابتسامة متلاعبة تتراقص على ثغره "ليس كل من يغش فاشل يا رحومة.. فهناك من لم يجد وقتًا للمذاكرة.. وهناك من تكاسل وأسباب أخرى كثيرة"
غمغمت في صدره "كف عن المزاح يا سيد ألا ترى حالتي!"
أبعدها عنه يسألها بجدية "ألا يوجد غيرها؟"
ردت وهي تمسح دموعها "لا أعرف أحدًا.. وليس لي علاقة بالدفعة فهم أصغر مني كما تعرف.. ولا يوجد وقت"

تطلع فيها بتعاطف ثم سألها "ذكريني أية مادة هي؟"
تمتمت "مادة الإحصاء"
مط شفتيه مفكرًا ثم قال "سأرى أحمد أو عمرو كانا بارعين في مادة الرياضيات"
تطلعت فيه ورمشت بدموعها المبللة عدة مرات ثم دفنت وجهها بين كفيها وهي تقول "يا الهي سأشعر بالحرج الشديد"
عبس يقول "ولا حرج ولا شيء سندبرها إن شاء الله المهم لا تبكي"
عادت للبكاء فرفع قبضته يقول مهددًا سأشوه وجهك يا بنت إن لم تتوقفي عن النحيب فما كان من رحمة إلا أن انفجرت بالبكاء أكثر.
××××
المدينة الساحلية

استمر مروان في وقفته عند البحر يحاول السيطرة على بركان فجرته سيلا بداخله بعرضها الغريب، فلم يتصور أبدا في أكثر خيالاته جموحًا أن يقترب من الحلم، أن يدنو من الفراشة المضيئة، أن تدعوه لمرافقتها فيستنير بوجودها بدلًا من أن يقضي الوقت يترقب الضوء كلما رضت عنه واقتربت.
لو الأمر يتوقف على موافقته فهو يوافق بكل ما تعنيه الكلمة من معنى منطوق ومحسوس ومفعول رغم ذلك التأنيب الشديد من ضميره بسبب تلك الأخرى التي تحتل جانبًا من رأسه لكنه قرر ألا يوقف حياته خاصة وأن فرصة معرفة من هي تتضاءل مع مرور السنين وهو لا يستعيد ذاكرته.

أهو مجنون ليرفض عرضًا سخيًا كهذا بمرافقة سيلا حتى ولو لفترة من الوقت؟ أن يرفض دعوة للغرق في صخبها وبهائها اللذين يملآن فراغ قلبه وعتمة ذاكرته؟ لكن تنفيذ ما تقوله يدرك بأنه أمر غاية في الصعوبة، فحتى لو أقنع ضاحي وطلب منه الدعم فكيف سيقنع والد سيلا بالموافقة؟!
كما أنه فكر فيما لو حظي بالرفض من والدها وهذا وارد جدًا هل ستنفذ سيلا تهديدها وتبحث عن رجل أخر أكثر ملاءمة لما يريد والدها وتعقد معه ذلك الاتفاق؟

تأججت نيران ذلك البركان الذي فجرته سيلا بداخله، كان يعرف بأنه لو تخطى حدودًا معينة معها كانت تبقيه في منطقة آمنة سيفقد عقله، وها هي قد اخترقت هذه المساحة وفجرت ذلك البركان الكامن بداخله بذلك العرض، ورغم شعوره بالغيظ منها لأنها اخرجته من مساحته الآمنة ومن هدوء عالمه وقذفت به إلى منطقة عالية الأمواج، لكنه يعترف بأنه ليس أمامه سوى التجربة والسعي حتى لا يجلد نفسه فيما بعد بسياط الندم لأن الفرصة قد جاءته وتخاذل في اقتناصها.
ورغم أذرع اليأس التي التفت حوله تعتصره بقوة تحرك مروان مقررًا أن ينفذ أول خطوة يفرضها المنطق وهي التحدث مع ضاحي.

في الوقت نفسه كان الأخير لا يزال جالسًا في بهو البيت لم يبرح مكانه مستسلمًا للأفكار المعقدة يبحث عن طريقة لحلها فأقترب مروان ولمحه عبر الباب المفتوح وتنحنح، لكن سرعان ما أصابه الارتباك وهم بالعودة لأدراجه لولا أن انتبه له ضاحي وسأله "هل تريد شيئًا يا مروان؟"

ازداد ارتباكه وقال "أممم.. نعم ..لا ..أقصد نعم"
سأله ضاحي "نعم أم لا؟ ما بك؟"
وقف عند الباب يقول " لا شيء فقط أشعر بالحيرة من بعض الأمور التي تخصني"
سأله الآخر بلهجة جاهد كي تكون خالية من أي تعبير "هل تحتاج للمساعدة في شيء؟"
قال مروان بترج صادق "أحتاج لنصيحتك كأخ كبير"

أجابه الثاني بنفس الصدق "وهل بخلت عليك بها يومًا"
غمغم معترفًا "أبدا والله.. لكن هذه المرة ربما يكون لك رأي خاص"
شجعه قائلًا "ماذا هناك؟"
بلع ريقه بصعوبة وتكلم "أنت بالطبع تعرف ظروفي وتعرف كل شيء عني"
"نعم"
"هل تعتقد بأني لو فكرت بالزواج أكون قد ظلمت من أتزوجها.. تعرف بأني لا أعلم هويتي الحقيقة ولا أذكر من أنا"

أجابه ضاحي بما هو مؤمن به "أنت ما أنت عليه الآن لا من كنته يا مروان.. أخبرتك بهذا من قبل.. فحتى من يملكون ذاكرتهم يختلفون في أحيان كثيرة في حاضرهم عن ماضيهم"
تجرأ أكثر وسأله "لو كانت لديك ابنة ورغبت أنا بالزواج منها هل كنت لترضى بي؟"
ابتسم ضاحي لسعيه لإيقاعه في فخ باقتناص وعد منه وكاد قلب مروان أن يكسر عظام صدره بجنون دقاته وهو ينتظر أية رد فعل منه حتى أجابه ضاحي بعاطفة صادقة " أعتقد بأن الشاب الذي آويته ببيتي وحزنت حينما علمت برغبته بالسفر وسعيت لأن أربطه بجانبي سيسعدني أن أوثق الروابط بيننا بمصاهرته وبالتالي إن كانت لي ابنة فسيسعدني أن أزوجها لك إن وافقت هي"

خفق قلبه بسعادة واستمر في اسئلته بحذر "ماذا لو كانت الفتاة من عائلة ثرية وذات شأن.. هل تعتقد بأن أهلها قد يقبلون بظروفي؟"
أجابه الثاني بواقعية "أتوقع بأن الأمر في هذه الحالة سيكون صعبًا"
أطرق مروان برأسه وغمغم بلهجة حزينة "هذا منطقي طبعًا.. فلسنا في عالم وردي كي يحدث ذلك"
تكلم ضاحي بلهجة لينة يخفف من ضيقه "أفهم من ذلك أن هناك من تريدها بهذا اليأس؟"
رفع إليه مروان وجهه يقول بلهجة تملؤها العاطفة "أريدها إلى حد أكاد أفقد عقلي بسببه.. ولا أعرف ماذا أفعل في حالي"
أشفق عليه وقال "أتريد النصيحة؟"
تمتم بيأس "أرجوك"
"اسع خلف ما تريد بكل ما أوتيت من قوة فإن كان مقدًرا لك ستفوز به وإن لم يكن لن تشعر أبدًا بالندم لأنك لم تفعل"
أطرق مروان برأسه يقول وقد نزع اليأس براعم الأمل بداخله "تمام ..ليس لدي ما أفعله غير ذلك"

ساد الصمت واحتار ضاحي كيف يتصرف فالأمر ليس بيده ليسأل مروان بلهجة متألمة "ماذا لو رُفِضت؟.. كيف أتحمل ذلك الألم؟ أشعر بأن حجابًا كان يحجبني عن الألم قد مُزق وبِتُ لا أتحمله"
شعر ضاحي بالشفقة عليه واستاء من سيلا، بل غضب من إدخاله لدائرة مشاكلها رغم ثقته في أنها لا تعلم شيئًا عما يكنه لها فقال لمروان بعد أن تنهد بألم "هذا الوضع بالذات لا أملك فيه نصيحة أخبرك بها رغم أني الأكثر دراية به لكنها أقدار وأمر خارج عن إرادتنا"
هز الثاني رأسه وغمغم "شكرا لك"

استدار ليغادر أمام عيني ضاحي المشفقتين لكنه توقف على بُعد خطوتين وعاد يقول بلهجة مباشرة "سؤال أخير: لو علمت بأن من أتمنى الزواج منها هي .. هي الدكتورة سيلا فهل ستنصحني بأن أحاول وأسعى قدر استطاعتي رغم أننا نعلم بأن الأمل ضعيف؟"

شاكسه ضاحي قائلًا " أهذا طلب خطبة رسمي أم طلب نصيحة من أخ كبير؟"
تحدث بلهفة "الاثنان"
تنهد ضاحي يجيب "الإجابة هي نعم.. لو كانت سيلا موافقة سأتوسط لك عند أخي ولنرى إن كنا سننجح في إقناعه بالأمر أم لا فلا نملك إلا المحاولة"

رغم الأمل الضعيف قال مروان بسعادة "حقا.. تقول الصدق؟"
قال ضاحي بلهجة ماكرة متقنًا عدم معرفته لما يدور بينهما " إن وافقت سيلا"
سأله ليتأكد "ستدعمني عند عابد بك؟"
رد بتأكيد "لكني لا أضمن النتيجة"
أراد أن يستمد منه القوة فلا يملك غيره في هذا العالم فقال "أنت قلت نسعى أليس كذلك؟"
"نعم"

رغم كل شيء نجح بصيص من الفرح في التسلل إليه فقال مروان بتأثر "شكرًا لك.. شكرًا جزيلًا يا رَيِّس ضاحي.. لم تخذلني أبدًا وكرمك يغمرني من رأسي حتى أخمص قدميّ.. أتعلم؟.. أحيانًا أقول ربما كانت لي أسرة طيبة تدعو لي كثيرًا لهذا وضعك الله في طريقي"
رد الثاني بثقة "هذا أنا مؤمن به.. ومؤمن أيضًا بأن شخصيتك لم تختلف عن الماضي"
"حقا؟!"
قال ضاحي مؤكدًا "أجل (وأشار على القلب مردفًا) هذا هو الفيصل وليس هذا في رأيي (وأشار على رأسه) فذكرياتنا ومبادئنا وما تعلمناه كلها تصب من العقل للقلب ثم تعود لتخرج من القلب في سلوكنا وتصرفاتنا.. وما نمحنه للكون من حولنا وحتى لو اضطربت أفكارنا أو تشوشت أو أصابها بعض الجنون تبقى قلوبنا محتفظة بهويته.. فلا أصدق بأن شخصًا يمكن أن يتحول فجأة من الشر إلى الطيبة أو العكس"
أطرق مروان برأسه وغمغم "أنا عاجز عن التعبير عن مدى شعوري بالامتنان لرأيك هذا"
ساد الصمت ليسأله مروان مجددًا وكأنه لا يستوعب بعد "هل ستدعمني عند والد الدكتورة؟"
كرر ضاحي الإجابة بنفس المكر "إن وافقت سيلا أم أنك تعلم برأيها؟"
اتسعت عيناه ثم قال بهلع "أنا؟ لا .. (وارتبك حائرًا يشعر بالاستياء من الكذب عليه فقال بلهجة أصدق) لا أعرف"
ابتسم ضاحي وأعجبه رده فقال "سأسأل سيلا ولنرى رأيها أولًا"
هز الأخير رأسه وتحرك مبتعدًا وهو يغمغم "ليفعل الله ما يريد"
راقب ضاحي ابتعاده وأحس بتأثر مروان الشديد بعرض ابنة أخيه وأشفق عليه من القادم خاصة وهو يعرف بمدى صعوبة المهمة.. وازداد استياؤه من سيلا التي ربما تسببت في إيذائه دون أن تعي بإحياء أمل كان بعيد المنال عنه ورغم هذا تمنى من كل قلبه أن تنجح خطتها.
××××
العاصمة
مساء

"يا بني افهم ما قلته.. حينما يأتي عمرو اسأله إن كان متفرغًا"
قالها أحمد بعصبية وهو يجلس أمام سيد المطل عليه من علو فقال الثاني بغضب "ولماذا ليس أنت؟"
نظر أحمد لوائل ثالثهما في الخن وقال " هل هذا غبي أم يعاني من الصمم؟"

ضحك وائل فعاد أحمد ليرفع أنظاره لسيد ويقول "ألم تفهم ما قلته ..أصهاري أتوا من سفر ..وأنا مشغول بتسليم طلبية مهمة في الورشة ولن استطيع في الفترة الحالية أن أستقطع من وقتي من أجل شرح المادة لرحمة.. بانة أيضًا أظن بأنها ستكون مشغولة مع والدها المريض.. ربما يستطيع عمرو ..لا أعرف.. ولكن عليه أن يطلع على المنهج أولًا ليقرر إن كان سيقدر على الإلمام بجوانبه بهذه السرعة أم لا.. أنت تتحدث في مسألة أيام"
ازداد انعقاد حاجبي سيد وتطلع فيه لبرهة ثم استدار لوائل الجالس على الناحية الأخرى وقال "وأنت يا عم وائل؟"

وضع الأخير الكتاب بإهمال على طاولة أمامه ورد " أنت تعلم بأنه ليس لي صبر على المذاكرة والشرح.. من الممكن أن تسأل عمرو كما قال أحمد"
هتف الأخير بغضب "وماذا لو اعتذر عمرو؟ هل ستدعون أختي تفشل؟!"

قالها وهو يستدير نحو أحمد الذي قال في صبر ليس من شيمه "يا حبيبي أنت تطلب مني أن أتذكر مادة درستها قبل عشرين سنة.. وأعيد شرحها في وقت قصير ..كيف أفعل ذلك؟!"
سألهما بضيق "هل تعرفان معلمة لشرح هذه المادة؟"
هز وائل كتفيه وأجاب "أنا لا أعرف، ولكن سأسأل البنات"

هتف سيد بقرف "والله أنتم لا فائدة منكم"
"السلام عليكم" قالها عمرو وهو يدخل من باب الخن فاندفع سيد نحوه مما جعل عمرو ينكمش في توجس لحركته المفاجئة ليقول سيد بترجٍ وهو يسد عليه فرصة المرور بذراعه "أنت ستكون منقذنا إن شاء الله"

حرك عمرو مقلتيه يمينًا ويسارًا نحو أحمد ووائل الذين طفقا يكتمان الضحك وقال بتوجس "الله سبحانه هو منقذنا جميعًا من كل البلايا التي قد تقع فوق رؤوسنا"
تكلم سيد موضحًا "أريد منك خدمة جليلة لن أنساها لك طوال عمري"
قال عمرو حانقًا "شيء يخص إحدى أخواتك؟"
اتسعت عينا سيد وسأله "كيف عرفت؟ (ونظر لصاحبيه مردفاً بلهجة معجبة) هل رأيتم؟ نبيه ..طوال عمري أقول أن عمرو هو الأكثر ذكاء فيكم"
انحنى الأخير ومر من تحت ذراع سيد ثم قال باعتراض بعد أن أفلت منه "لااااااا.. على جثتي.. ابحث لك عن شخص أخر"
استدار سيد عابسًا وتوجه إليه يقول بلهجة مهددة "عمرو ..لا تختبر صبري.. ألست صاحبي؟"
هتف الأخير باعتراض "وماذا عنهما؟ خياليّ مآته!"
رد سيد يحاول استمالته "قلت بأنك الأذكى فيهم"

استمر عمرو في عناده الطفولي فأشاح بوجهه عنه وهو يقول "ابحث عن شخص آخر "
مد سيد يده وقبض على عنقه يناظره بغضب فصرخ عمرو حانقًا "لماذا أنا بالذات؟"
قال وائل ضاحكًا "ألن تعرف المهمة أولًا قبل أن تعترض"
أجابه عمرو بضيق "الفكرة نفسها مرفوضة"
"عمرو!!!"
قالها سيد بصوت مخيف وهو يضغط على رقبته أعقبه ضحك مكتوم من الآخريّن فصاح عمرو في أحمد ووائل "هل ستتركاني بين يديه يا أنذال!"
حين لم يأتيه سوى الضحك المكتوم عاد لسيد يقول باستعطاف "أنا حبيبك يا هولاكو.. دعنا نتفاهم بالعقل وليس بالمطرقة التي تلبسها في ذراعك"
ترك الأخير عنقه وقال "نتفاهم بالعقل"

ضرب عمرو كفه فوق الآخر وأطرق برأسه يقول باستسلام "تفضل أي مهمة خاصة تريد؟"
أجابه سيد "مهمة بسيطة جدًا جدًا.. ستشرح لرحمة أختي مادة الإحصاء"
"نعم ؟؟"

قالها وهو يتطلع فيه باستنكار ثم في الاثنين الباقيين فأضاف سيد وهو يلتقط الكتاب من على المنضدة "أنظر، نحتاج لحصتين أو ثلاثة لجمع المنهج"
أمسك عمرو بالكتاب يقول "بما تهذي أنت؟ كل هذا المنهج في حصتين أو ثلاثة؟"
أجابه الثاني "المعلمة التي كانت ستُدرسها المادة كانت تنوي على ذلك"
أجابه عمرو مشيرًا بالكتاب في يده "المعلمة تحفظه عن ظهر قلب، لكن أنا إن فعلت سأحتاج لوقت لأتعرف عليه واستعيد المعلومات القديمة"

عاد سيد للغضب فقال بلهجة تهديد "عمرو تعاون معي ولا تستفزني"
صاح الأخير باستنكار "لماذا عمرو بالذات؟ أحمد كان الأشطر في هذه المادة"
رد أحمد ببرود "أحمد ليس متفرغًا لديه أشغال"
ليقول عمرو باستنكار "وعمرو هو العاطل عن العمل بينكم !!"
كتم وائل وأحمد الضحك من جديد فهتف سيد بضيق "يا جماعة الوضع حقًا لا يحتمل المزاح.. لابد أن أتصرف في معلم لمادة الإحصاء فوراً"
"من يريد مدرسًا للإحصاء.. أنا ملك الإحصاء"
قالها رامز وهو يدخل من باب الخن فعم الصمت واستدار سيد يتطلع فيه متفاجئًا فنظر رامز حوله بتساؤل ثم قال "من يريد درسًا في الإحصاء هذه مادتي المفضلة"

رد وائل بابتسامة "سيد يبحث عن معلم بشكل عاجل"
قال رامز "أنا عينيّ لسيد.. ولكن لمن الدرس؟"
تكلم سيد بهدوء وهو يقلب الأمر في رأسه "لرحمة.. لأختي رحمة"
تفاجأ رامز وصمت بحرج بينما قال أحمد "ها قد وجدت المعلم أذهب عنا بعواصفك ودعنا نجلس في هدوء"

نظر سيد لرامز يقول مشيرًا بالكتاب في يده" ولكننا نريد أن نجمع المهم في هذا المنهج في حصتين أو ثلاثة فامتحانها خلال أيام هل تستطيع؟"
اقترب رامز يأخذ منه الكتاب ويتفحص فهرس الموضوعات سريعًا ثم قال" لا بأس إن أردت أنا في الخدمة"
لم يجد سيد مفرًا فتمتم " تمام سأخبر رحمة كي تستعد.. المهم ألا نعطلك عن التصوير"
أجابه رامز " لقد انهيت مشاهدي في المسلسل اليوم"
سأله وائل "حقاً؟ صورت المشهد الأخير لكريم تايجر؟"

استدار لوائل وهز رأسه بالإيجاب وأجاب "وكنت متأثرًا وكأني أودع شخصية حقيقية"
"مبارك يا رامز"
قالوها تباعًا فهز رأسه بابتسامة ليسأله أحمد "لماذا لم تحضر صقر معك إلى الخُنْ؟"

هز الأخير رأسه بيأس وأجاب "لا يريد.. لديه مزاج انطوائي بعض الشيء"
وعاد يتطلع في الكتاب بين يديه ثم سأل سيد "في أي مجال تدرس رحمة؟"
"كلية الخدمة الاجتماعية"
هز رأسه متفهمًا وعاد ليتطلع في الكتاب فسأله سيد "هل أعتمد عليك؟"

رد رامز مؤكدا "بالطبع (وأضاف بلهجة ساخرة) أنسيت بأني كنت معيدًا بالجامعة أي أن التدريس مهنتي الأساسية"
تنحنح سيد وقال "ولكن هناك شيئًا عليك معرفته"
تطلع فيه رامز ليضيف الأخر "رحمة لديها مشكلة كبيرة مع هذه المادة.. وللأسف رسبت فيها أكثر من مرة وهذه فرصتها الأخيرة للنجاح فيها"
رفع رامز حاجبيه وقال مندهشًا "لهذه الدرجة!"
ليقول سيد مؤكد "صدقني الأمر عندها يمثل مشكلة كبيرة"
قال رامز مطمئنًا "لا تقلق.. بعون الله ستجتازها.. هل تسمح لي بأخذ هذا الكتاب معي؟ سأسهر عليه طوال الليل لأقرأ محتوياته"
طالعه سيد لبرهة ثم قال "طبعا تفضل"

فغمغم رامز وهو يتحرك ليجلس على أحد المقاعد ويستمر في التقليب في الكتاب" إذن توكلنا على الله"
××××
اليوم التالي
المدينة الساحلية

ما بين انحسار شديد من الحياة وانفعال مشتعل الأفكار أضحت تحيا، إما غارقة كليًا في نوم قلق لا تخرج منه إلا بعد وقت طويل كمن يعوم في إناء من العجين، أو أن تقضي الوقت في يقظة تعاني من فرط التفكير وكأن رأسها محشو بالمفرقعات. ولم تجد ما يساعدها على الاسترخاء لا القراءة ولا مشاهدة التلفاز، حتى الجلوس مع ضاحي لم تفعل، بل التزمت غرفتها تحبس نفسها مع أفكارها المجنونة.
لكن ما كانت تصارعه بحق شيئين أولهما أن تحجم لهفتها للاتصال بمروان لمعرفة رأيه، فكانت تستنكر من نفسها أن تتصرف بهذا الالحاح لمحاولة الضغط عليه والثاني هو عودة تلك اللهفة بداخلها لتناول قرص من الأقراص كي يشعرها بالتحسن لكنها نجحت في مقاومة اللهفتين وهذا ما أجهد أعصابها بشدة.

تنبهت من أفكارها وهي تقطع الغرفة جيئة وذهابًا حينما رن هاتفها ووجدت اسم (الوغد اللطيف) فهمت بالرد من أول ثانية لكنها حجمت اندفاعها وسحبت نفسًا طويلًا وأخرجته بهدوء ثم تنحنحت وردت بما يخالف تلك اللهفة "نعم مروان"
"هل من الممكن أن نتحدث قليلا؟"
كان صوته جادًا أكثر من اللازم مما أشعرها بالقلق لكنها قالت "طبعًا أين أنت؟"
" سأنتظرك عند البحر"
"تمام"
أغلقت الخط وأسرعت بارتداء ملابسها في عجلة والترقب يزيد من توتر أعصابها.
بعد قليل كانت خطواتها تغوص في رمال الشاطئ وهي تقترب منه ببطء وعيناها تتأملان طوله ووقفته موليًا ظهره لها يديه في جيبي بنطاله، في الوقت نفسه ترك مروان أفكاره التي تتصارع بين المد والجزر واستدار وكأن الريح قد وشوشته باقترابها.

كانت ترتدي فستانًا طويلًا حين اقتربت وجده منقوشًا بورود حمراء صغيرة وشعرها الأسود معقود في ضفيرة عشوائية تدلت من فوق كتفها الأيمن وبدت أمام عينيه أصغر عمرًا دون أية مساحيق تجميل لكن حجريّ العقيق الأسودان في عينيها كانا يشعان ببريق أخاذ.

حين وصلت إليه وقفا أمام بعضهما وكان البحر شاهدًا والنسمة لا تكتفي بمداعبة ما يرتديانه من ثياب التحفظ، بل عزفت لحنًا دافئًا بخفقان القلوب المتبادل بينهما بسرية وتكتم. فأوعزت سيلا ما يعتريها من انفعالات لترقبها لمعرفة ما الذي يريد أن يخبرها به بينما كان مروان مدركًا لحالته، السبب والنتيجة، فسألها بهدوء وهو يتأمل وجهها الذي يطل عليه بعد أيامٍ عجاف "كيف حالك؟"

هزت رأسها تدعي أنها بخير ولم تكن كذلك فلم يعرف مروان من أين يبدأ فأمامه عدة طرق كلها باتت تؤدي إليها، لكنه مرتبك في اختيار الطريق الأنسب.
قال بلهجة مباشرة "قبل أن أسألك هل لا زال العرض مستمرًا عليّ إخبارك ببعض الأمور"
صمت، فطالعته سيلا باهتمام وهي تلمح وميض الألم في عينيه ليردف مروان بعد ثوان "أنت تعرفين بالطبع بأني فاقد لذاكرتي لما قبل حضوري إلى هنا فأنت وضاحي فقط من يعرفان بهذا السر"

أبعدت بعض الخصلات التي تلاعبت بها الريح بعيدًا عن وجهها وهي تقول "نعم أعرف"
"وتعرفين بأني قد خضعت لفحص طبي أكثر من مرة بعد حضوري إلى هنا مباشرة فلم يكن هناك ما يشير لمشكلة طبية في رأسي ورجح بعض الأطباء لأن يكون الأمر صدمة نفسية"
"نعم أعلم"
"تعلمين أيضًا بأن الهوية التي أحملها ليست هويتي الحقيقية "
اتسعت عيناها وقالت بصدمة "ماذا تعني؟ هذا الكلام أسمعه لأول مرة!!"
هز مروان رأسه وقال "هذه هي الحقيقة.. مروان ليس اسمي الحقيقي"
غمغمت بارتباك "وهل تعرف اسمك؟"
هز رأسه بالنفي فعبست ثم سألته بعدم استيعاب "ومن أين حصلت على تلك الهوية إذن؟"
أجابها بكل ما يعرفه "لا أعرف، حين استفقت من غيبوبتي في مخيم اللاجئين على حدود بلدي مع بلد أخرى لم أعرف من أنا.. وجاءني من منحني هذه الهوية وطلب مني السفر وعدم العودة"
اتسعت عيناها وسألته بتعجب "وهل ذكر السبب؟"
"سألتهم من أنا ومن يكونوا ولماذا يساعدونني ولماذا يحرصون على إبعادي عن البلد فلم أتلق إجابة.. وحين ألحيت أكدوا لي أن عليّ أن أهرب لأني مناضل سياسي ومعارض للنظام ومطلوب للمحاكمة"
صدمت ونظرت له من رأسه حتى أخمص قدميه وهتفت باستنكار "أنت؟.. مناضل سياسي؟؟؟"
رفع حاجبًا وقد تلاشت جدية اللحظة وكآبتها وقال لها بامتعاض "لماذا تنظرين إلى هكذا؟!"
قالت بغير تصديق "لا أعرف.. لكنك لا تبدو لي مناضلًا سياسيًا أبدًا"

استفزته فسألها "وهل المناضلون يحملون مواصفات شكلية معينة؟!"
هزت كتفيها وأجابت ببساطة "لا أعرف.. لكني لا أتوقع أنك شخصية ثورية"
أجابها يعود لجديته "هذا ما حدث.. ولهذا لم أذهب بهويتي المزورة لمفوضية اللاجئين مثلا.. فما أدراني أن يكتشف أمري رغم أن من أعطوني الهوية أكدوا لي أنها سليمة في ملفات الدولة رغم زيفها .. ولا أعلم ما الذي خلفته ورائي في الوطن ومن هو الشخص الذي كنته لهذا أحببت أن أخبرك بهذه الحقيقة"
سألته بفضول "وهل تنوي البحث عن ماضيك؟"
سحب نفسًا عميقًا وأجابها بصدق " بصراحة لا أريد المغامرة في أمر لا أعرف مدى خطورته"
قالت بلهجة صريحة "إذن ليس هناك مشكلة في أن تبدأ حياتك الجديدة، ربما عادت إليك ذاكرتك في يوم من الأيام وتذكرت هويتك الحقيقية، وإن لم يحدث فعليك ألا تبحث خلفك كما قلت فهذا أسلم"

ساد الصمت وتعلقت النظرات ببعضها ليقول مروان بعد برهة "هناك أمر آخر أريد أن أخبرك به"
ردت بلهجة متهكمة "لا تقول بأنك مطلوب من الانتربول؟!"
لم يشاركها المزاح، ولكنه تكلم بمباشرة "قد أكون متزوجًا من أخرى"
هتفت باستنكار "ها؟ ماذا قلت؟"
أسرع بالتوضيح "قلت ربما"
ارتبكت وأوشك عالم كانت تبنيه في رأسها على الانهيار وهي تسأله "ماذا تعني بهذا الكلام؟ وكيف عرفت؟ هل تتذكر شيئا بهذا الخصوص؟!"
"لا"
ناظرته بعبوس شديد فأفصح مروان موضحًا "منذ ما حدث لي وهناك فتاة معينة تزورني في أحلامي وتلح عليّ بألا أتركها وبأنها بحاجة لمساعدتي"
سألته باستهجان "فتاة؟ في أي عمر؟"
أجابها "فتاة شابة لديها وجه جميل"
هتفت بانفعال دون أن تدري "لم أطلب وصفًا لوجهها يا مروان طلبت تحديد عمرها"
"لا أعرف"
قالت بإلحاح "بالتقريب"
حاول التركيز ثم قال "أعتقد في بداية العشرين من العمر"
زمت شفتيها بضيق فأضاف "ولا أعرف من تكون هل هي زوجة، حبيبة، قريبة، لا أعرف وغير قادر على تحديد مشاعري نحوها، لكني تمنيت أن أنساها حتى أرتاح من المشاعر المرهقة التي تلاحقني خاصة وأني لن أسعى في نبش الماضي للأسباب التي تعرفينها بالإضافة لأني لا أملك أي خيط يوصلني لأي معلومة حقيقية سواء عني أو عنها ولهذا شعوري بالذنب تجاهها يعذبني"

صمتت تشعر بالضيق الشديد، بل إن رغبة في البكاء انتابتها وهي تتطلع فيه وعقلها يفكر فيما تكون هوية تلك الفتاة كي تطارده بهذه القوة كل هذه السنوات فأضاف مروان بارتباك مستغرقًا في البوح بأفكاره" أحيانا ينتابني شعور بأن هناك من خلفته ورائي ويحتاجني"
سألت بحقد "وهذه الفتاة هي من تعتقد بأنك تركته؟"
"غالبًا"
كانت إجاباته المقتضبة تستفزها فسألته "ولا تعلم من تكون بالضبط؟"
أجابها مؤكدًا "نعم، لهذا أخبرك بأنه قد تدور بنا الدنيا وأقابلها يومًا وربما كانت زوجتي وتنتظرني و..."
"فهمت"
قالتها بضيق فصمت يتطلع فيها حين تكتفت وأطرقت برأسها تفكر فوقف أمامها في ترقب يوبخ نفسه لأنه أخبرها بهذا الأمر الذي لم يفصح به لأحد حتى لضاحي.

وتوقف قلبه عن الخفقان في انتظار قرارها وذلك التعلق المؤذي بالأمل في أن تتاح له الفرصة للاقتراب منها يهدده بمرارة الإحباط وكأن موافقتها هي العقبة الوحيدة في الطريق المؤدي لخطتهما لكنها تعني له الكثير رغم علمه بأنه بالنسبة لها مجرد مخرج من أزمتها ومع هذا هو مستعد للقبول بأن يكون رفيق مؤقت للفوز بذاك القرب المنشود.
رفعت إليه وجهها تقول بتصميم "لا بأس.. نحن من الأساس قلنا إنه زواج صوري.. وحين أخبرتني بأنك تريد الزواج من أخرى زواجًا حقيقيًا أخبرتك بأني لن أعترض فهذا حقك ولهذا أنا متفهمة لما تقول"
لا يعلم لماذا اختلطت فرحته بالحزن من كلامها ولم يدر بأن سعيها المستميت لإنجاح الفكرة لم يسمح لها بأن تعطي لنفسها فرصة للتفكير فقال مروان وقلبه يخفق في صدره وهو ينظر في عينيها "إذن دعينا نعيد الأمر إلى مساره المتعارف عليه (واعتدل في وقفته وتكلم فتهدج صوته دون إرادة منه وخرج مختلطًا بصوت هدير البحر بجوارهما بينما النسيم يداعب شعره وهو يقول) سيلا الصواف، هل توافقين على الزواج من هذا الشخص الماثل أمامك والذي لا يتذكر من كان بالماضي لكنه سيسعى لأن يكون شخصًا جديرًا بك في الحاضر.. وأن ترافقيه في طريقه في السراء والضراء مع إمكانية أن يطلب أحد الطرفين في أي وقت الانفصال فيتم ذلك بالتراضي؟"
خفق قلبها في صدرها وهمست ضاحكة بارتباك "يبدو لي عرض زواج حقيقي"
كان غرضها المزاح من العبارة لتخفف من تلك المشاعر المجهولة في صدرها والتي سرقت أنفاسها حينما تكلم لكن مروان أجابها بجدية "إنه كذلك سيلا.. حقيقي.. فلابد أن يكون حقيقيًا أمام الله بنية بناء حياة سويًا.. واتركي أي تفاصيل في التنفيذ لحينها.. أنت قلت بأنك تثقين بي أليس كذلك؟"

هزت رأسها بالإيجاب فأضاف "وهل هناك شيء أغلى وأهم من الثقة بين الطرفين؟"
أحمرت وجنتاها بلا سبب تدركه ثم قالت "وأنا أوافق مروان"
اتسعت ابتسامة على شفتيه جعلته وسيمًا أمام عينيها فاندفعت تقول "ولكن هناك شيئًا أريد أن أخبرك به أنا أيضًا"
لم يستطع إيقاف طبول الاحتفال في صدره وهو يعيش اللحظة بكل معناها، حتى لو كان الأمل في تحقيقها ضعيفًا لكنه قال "تفضلي"

تقبضت تواجه نفسها بالحقيقة قبل مواجهته وقالت "هناك أمر لا يعرفه عني سوى المقربين (وبلعت ريقها وأضافت) أنا أعاني من رهاب يخص الزواج"
عبس وزم شفتيه فبدى أمامها طفولي الملامح فأردفت مفسرة "تنتابني حالة من الهلع كلما سمعت ألحان الزفاف التقليدية وأواجه صعوبة في التنفس، ربما سمعت عن نوبات الهلع من قبل (وابتسمت بمرارة مردفة بلهجة ساخرة) تعرف بأني سيلا الصواف ولأني لست عادية فلابد أن يصيبني شيء غير عادي"
سألها بعبوس "وهل تعرفين مصدر هذا الرهاب؟"
ارتجف صوتها وهي تجيبه "مؤخرا حاولت الغوص في نفسي وأعتقد بأني قد توصلت للسبب لكني لست متأكدة منه"
فكر قليلا ثم سألها "وهل هذا ما جعلك في تلك الحالة ذلك اليوم؟"

أجابته باختناق "نعم، لم أتحمل ارتداء فستان الزفاف.. ولم أكن في وعيي، ولهذا عزفت عن فكرة الارتباط وأكره موسيقى الزفاف وفساتين الزفاف.. على أيه حال لقد بدأت في التردد على طبيبة نفسية.. صحيح لم أذهب إلا مرة واحدة وانهارت حياتي بعدها كما رأيت لكني أنوي بأن استأنف العلاج إن شاء الله .. أحتاج فقط لبعض الوقت للملمة أشلائي بعد ذلك اليوم"
دون أن يمنح نفسه أي فرصة للتفكير هز مروان رأسه وقال "لا بأس"

تطلعت فيه وأطالت النظر، كانت تائهة في تفسير مشاعر غريبة عنها تأسرها اللحظة، لكنها تقاوم أي تفكير من الممكن أن يصيبها بالرعب إن أوعزت ما تشعره به لأي أحاسيس تكنها لمروان؛ لهذا حاولت جاهدة أن تتجاهل كما تفعل مؤخرًا مع أي شيء يربكها ولم يكن مروان أقل منها ارتباكًا وافتتانًا بتلك اللحظة بينهما وأخذ رأسه يحلل المعلومات الجديدة فوجد في إقدامها على طلب الزواج منه مبررًا لحالتها ووجد فيه سعادة أيضًا لأنها تثق فيه، لكن سؤالاً ظل يلح على عقله ولم يستطع كبحه فغامر بالتفوه به رغم خوفه من أن تنسف الإجابة سعادته الحالية "من كان التالي على اللائحة؟"
عقدت حاجبيها تسأله "أية لائحة؟"
أجابها موضحًا" قلت لو لم أوافق أنا على تنفيذ فكرتك ستلجئين لشخص أخر.. أهو نزار؟"

لا يعرف كيف حشر اسمه بينهما في هذه اللحظة لكن قلبه يحترق كلما جاءت سيرته خاصة منذ أن اخترقت تلك المساحة الآمنة بينهما فقالت سيلا وقد أزعجتها السيرة "وهل لو كان نزار موضوعًا على أي قائمة غير قوائم الأوغاد كنت هربت ذلك اليوم يا ذكي!"
لم يطلق سراح النفس الذي يحبسه في صدره في انتظار بقية الإجابة فوقف صامتًا حتى أضافت وهي ترمقه بجانب عينيها متحاشية النظر في عينيه اللتين تربكان دواخلها "بصراحة لم يكن هناك أية قائمة .. وبالطبع لن أجد الشجاعة لعرض فكرتي المجنونة على وغد من الأوغاد ..وإن لم توافق أنت فلن أجد شخصًا غيرك أثق به"
زفر بارتياح ثم تكلم بغيظ من بين أسنانه "كنت تهدديني إذن!"
رمقته بنظرة أخرى من جانب عينيها وردت ببساطة وهي تهز كتفيها "من الطبيعي أن أستخدم ذكائي"
ابتسم في سعادة ثم قال "عمومًا أنا فاتحت الريس ضاحي في الموضوع "
تفاجأت بما قاله وكأن الكهرباء قد صعقتها فالتفتت إليها لتواجهه قائلة "ماذا؟!.. متى؟ كيف؟ وماذا قال؟ تحدث بسرعة ما الذي قلته بالضبط؟"
أشاح بجذعه للخلف قليلا وتعجب وهي تكاد أن تقفز أمامه من التوتر المفاجئ ثم قال مهدئًا "أخبرته بأني أريد الارتباط بك"

سألته لتتأكد "لم تخبره باتفاقنا ولا بما قلته أليس كذلك؟"
مال برأسه قليلًا يسألها بمشاكسة "ما رأيك أنت؟ هل تظنيني قد أفعل ذلك؟"
توردت واسترخت حين فكرت في الإجابة ثم عادت للتوتر تسأله "قل بسرعة ماذا قال ضاحي؟"
غمغم بتأثر لم يغادره منذ أن فاتح ضاحي "قال بأنه ليس لديه اعتراضًا على شخصي وبأنه سيسألك عن رأيك ثم يتوسط لي عند والدك"

"Yes ..yes.. yes " قالتها بانتصار وفرح وهي تنظر للسماء بامتنان فابتسم لجنونها ثم سألها "هل أنت مدركة لأن نسبة نجاح خطتك ضعيفة"

كشرت فجأة ورمقته تقول من بين أسنانها "يا عدو الفرح.. أعطني دقائق كي أحتفل بنصر صغير"
عاد ليبتسم فعادت لجديتها تقول "أعلم بأن الأمر لن يكون سهلًا.. لكني سأحارب من أجل تحقيقه"
سألها وهو يتمنى ألا تنتهي اللحظة وهي تقف أمام ناظريه "ماذا لو رفض في النهاية؟ ماذا ستفعلين؟"
صمتت تفكر ثم قالت "سأتخذ ذلك الرفض حجة لعزوفي عن الزواج.. فلا أحد منهم يصدق بأني لا أريد أن أتزوج"

أقلقه مشاعرها الخاصة بالزواج فرفعت سبابتها أمامه تقول بتهديد "إياك أن تخلف وعدك بعدما علمت بأنك المرشح الوحيد على القائمة"

أسعدته عبارة (المرشح الوحيد) فأجابها بمشاكسة وقلبه يرفرف كالطير السعيد في صدره "وماذا لو تراجعت؟"
ابتسمت ابتسامة شريرة تقول مشيرة بإصبعها بتهديد "افعلها وستندم طوال عمرك لأنك تلاعبت بسيلا ..فأنت لا تعرف جنوني بعد"
قال ساخرًا "كل هذا ولم أعرف!!"

حركت سبابتها أمام وجهه بالنفي فكانت كالمايسترو توجه قلبه الذي يعزف الألحان بإصبعها وهي تقول "لا لم تعرفه بعد"
فغمغم مروان والابتسامة تزداد اتساعًا على شفتيه "أسترها يا رب"

أفلتت منهما ضحكة عفوية عزفت على اختلاجات القلب لحنًا سريًا قبل أن تتحرك للخلف وتنسحب سيلا من أمامه وهي تقول "إذن .. اتفقنا يا باشمهندس مروان .. وسنرى ماذا تخبئ لنا الأيام القادمة"
ورفعت يدها بالوداع ثم استدارت مهرولة تعود إلى البيت قلبها يخفق في صدرها، ذهبت وأخذت معها كل مظاهر البهجة وتركته يعود للفراغ الموحش الذي يعيشه حينما لا تكون بالجوار وينتظر موعدًا آخر تطل عليه فيه.
××××
المدينة الأجنبية

تطلعت ليزا حولها بسعادة وقامت بترتيب السرير ثم خرجت إلى الصالة الصغيرة وأسرعت إلى الحمام لتغتسل. لقد انتقلت من الفندق ليلة أمس بعد أن نقلت حقيبتها إلى هنا وباتت ليلتها الأولى. الشقة صغيرة بالطابق الأرضي تطل على حديقة صغيرة وتعترف بأن الشقة قديمة وتحتاج لبعض التجديد لكنها مريحة بالنسبة لها وأوفر من الفندق ويكفي بأنها بجوار المطعم ومن فيه.
لم تتركها ظاظا ليلة أمس قبل أن تتأكد أنه لا ينقصها شيء، تحب شهامة العرب وكرمهم يؤثر فيها.
خرجت من الحمام بعد قليل تلف الروب حول جسدها وأخذت تبحث في حقيبتها الصغيرة عن شيء ترتديه وهي تفكر في أن أول شيء عليها أن تهتم به هو أن تضع قائمة بالأشياء التي تنقصها وما ينقصها كثير لكنها سترتبه حسب الأولوية كما أن هذه الشقة ستحتاج للكثير من الإصلاحات.
بعد أن ارتدت ملابسها وملأت الكوب الحافظ للحرارة بالقهوة السريعة وغطته أخذت هاتفها والكوب وقررت أن تتجول حول المكان لتتعرف عليه فخرجت من الشقة وتطلعت في طريقها على السلم الجانبي المجاور للباب والذي يؤدي للطابقين الثاني والثالث وانتابها الفضول في أي طابق يعيش ذلك الطبيب ريان بعد أن علمت بأن الشاب الأخر مالك الشقة التي تسكن فيها طبيب هو الأخر لكنه مقيم في مدينة أخرى ولا يأتي إلا كل فترة كي يزور صديقه ومعارفه.

قطعت حديقة البيت وقطعت الشارع أيضًا لتتحرك على الرصيف المقابل فوضعت سماعتيّ الهاتف في أذنيها وبعد أن ابتعدت عدة خطوات أدارت وجهها لتتطلع من بعيد في المبنى الذي تسكن فيه وبالتحديد الطابقين العلويين وهي تتساءل إن كان ريان قد عاد من المستشفى أم لم يعد بعد؛ فقد أخبرتها مارثا بأنه يبيت بالمستشفى منذ يومين.
جاءها صوت من جانبها يقول بالإنجليزية "صباح الخير"
فانتفضت ليزا ونظرت بجوارها لتتفاجأ بريان الذي يمارس الجري في المكان فغمغمت بحرج" دكتور راين!"
ابتسم وقال مصححًا "ريااان"
هزت رأسها فقال ريان بالعربية مشاكسًا وهو ينهت من المجهود "لماذا لم تتفُلي في ملابسك؟"
عبست بدون فهم فتحرك ليواجهها وهو مستمر بالجري في المكان وقال لها وهو يمسك برقبة التيشيرت الرياضي الذي يرتديه ويتفل فيه "لماذا لم تفعلي هكذا حينما افزعتك"
التمعت عينا ليزا وقالت "أهااااااا ..فهمتك ..رأيتها في فيلم عربي لكني علمت بأنها عادة قديمة"
رفع حاجبيه وقال ساخرًا "حقا؟ وماذا عن .."
وضرب كفيه ببعضهما وأشاح بهما يقلدها فعبست تسأله "هل أصبحت هذه أيضًا عادة قديمة"

توقف أخيرًا عن الهرولة ثم مال يضع يده على ركبتيه ويلتقط أنفاسه فتوقفت ليزا بالتبعية وهي تسأله "هل أنت معتاد على الجري صباحًا أعتقد بأنك لم تنم بعد؟ (وأسرعت بالقول محرجة) مارثا أخبرتني ليلة أمس بالصدفة"
هز رأسه بالإيجاب ثم اعتدل واقفًا يسألها "متى انتقلت للشقة؟ لقد كنت في المستشفى اليومين الماضيين"
"ليلة أمس"
تحرك قائلًا "مبارك"
سارت بجانبه ترد "شكرًا"
فنظر ليدها يسأل "هذه قهوة؟"
تطلعت في الكوب وغمغمت "أوه، نعم"
سألها بسماجة "هل تسمحي؟"
ارتبكت تقول "بالطبع " وهي تمنحه الكوب وراقبته وهو يفتح الغطاء ويشرب منه بأريحية ثم عادت ونظرت أمامها تمنع نفسها من البحلقة فيه وهي تشعر بدقات قلبها التي أخذت في الازدياد.
كانا يسيران على الرصيف والمدى أمامها واسع يرحب بهما للسير لمسافات طويلة فتطلع ريان حوله يبحث عن شيء قبل أن يصفر ويقول "رُوىّ.. أين ذهبت؟"

تطلعت ليزا حولها باندهاش بينما خرج روى من خلف السور القصير الموازي للرصيف ووقف فوقه فاتسعت عيناها متفاجئة بينما ربت ريان على ساقه عدة مرات يقول للكلب "تعال"

تحرك روى أمام عيني ليزا المبتسمتين حتى وصل لصاحبه وراقبت ريان وهو ينزل إليه ويداعبه فسألته "هذا كلبك؟"
هز رأسه وربت على الكلب يقول "هيا ..سلم على ليزا"
رفع الكلب لها يده فضحكت ومالت تسلم عليه وهي تسأل بالإنجليزية "ما اسمه؟"
تحركت حدقتيه لثوان نحو خصلات شعرها التي مالت معها فأصبحت بجوار وجهه وأجاب وهو يرصد ذلك الانجذاب الذي يتزايد بداخله نحوها "رُوىّ "

قالت بالإنجليزية "أها.. تذكرت الفيلم العربي عن الرجل الأعمى والفتاة الممرضة"
رفع رأسه إليها يقول بصدمة "هل تعرفين الفيلم؟"
هزت كتفيها بأنوثة غير متعمدة وردت بفخر "شاهدت أكثر الأفلام العربية شهرة ولا زلت احتفظ بقائمة طويلة لأفلام سوف أشاهدها "
ظل يطالعها من مكانه حتى بعد أن اعتدلت واقفة وازداد فضوله ليعرف من تكون هذه الفتاة ذات المزيج العجيب وما قصتها لكنه تحكم في تلك الرغبة وسألها وهو يستقيم وقفًا " ليزا سابرا هل تناولت فطورك؟"

تفاجأت بالسؤال وردت "لا.. لم أفطر بعد"
قال لها غامزًا بعينه "ما رأيك أن أدعوك على فطور عربي مفتخر تعويضًا عن القهوة التي شربتها"
غمغمت " ولكن مطعم زازا لا يعمل في الصباح"
أجابها بلهجة العارف " أنا خبير بخريطة المطاعم الشرقية في الدولة كلها.. اتخذيني كمستشار في هذه الأمور"
ضحكت فخفق قلبه لضحكتها الرقيقة لتقول ليزا بعربية ركيكة " أنا أشتاق لفطور عربي"
مد كفه أمامه كي تبدأ في السير معه وقال " إذن هيا بنا (ونظر لكلبه آمرًا) هيا يا رُوىّ"

سارا بجانب بعضهما وروي خلفهما ليميل ريان عليها قائلًا "بالمناسبة عليّ أن أعترف بأن هذه الدعوة ليست دعوة لأغراض بريئة"
انكمشت وناظرته تسأله بتوجس "ماذا تعني؟"
اتسعت ابتسامته وهو يراقب القلق في عينيها العسليتين الصغيرتين وانقلبت لهجته لطفولية حانقة وهو يجيب "بصراحة لن أنام بسبب الفضول إن لم أعرف حكايتك يا ليزا سابرا.. أيرضيك أن يحدث لي هذا بعد ثمانية وأربعين ساعة بدون نوم؟"
تطلعت فيه باندهاش ثم انفجرت ضاحكة فتمتم واختلاجة قلب لم تحدث له منذ فترة كبيرة تخفق في صدره " أشرقت الأنوار يا فندم"
××××
المدينة المجاورة للمدينة الساحلية

وقف صقر يسأل أحد الأشخاص" هل تعرف أين أجد الحاج عبد الودود الراجي؟ لديه محلًا للخياطة والتفصيل"

قبل أن يجيبه الرجل التقطت أذنا صقر صياحًا عصبيًا لصبي يلعب الكرة في الساحة القريبة وميز لهجة بلده بوضوح من بين اللهجة المحلية فترك الواقف أمامه دون أن يوجه له أي كلمة وتحرك نحو الملعب عيناه مثبتتان على الصبي الذي يتحدث غاضبًا تارة باللهجة المحلية وتارة بلهجة بلد صقر ويشيح بيديه مصرًا على أنها ضربة جزاء قبل أن يضع الكرة في الأرض ويقف ليمسح عرقه في كمه ثم يثبت عينيه عليها ويركلها بقوة فتخطت الكرة حارس مرمى الفريق الآخر وارتفعت في اتجاه صقر الواقف خلفه، توجهت نحوه بشكل مباشر ودقيق.
التقط صقر الكرة واحتفظ بها بين يديه وعيناه تحدقان في نوح الذي تحرك نحوه ثم توقف أمامه يرفع إليه وجهه ويقول شاهقًا بانبهار شديد " يا إلهي أنت تشبه المارد!"
××××
نهاية الفصل التاسع
مع حبي
شموسة




Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 04-03-22, 10:03 PM   #569

حفصه العزام

? العضوٌ??? » 498373
?  التسِجيلٌ » Jan 2022
? مشَارَ?اتْي » 29
?  نُقآطِيْ » حفصه العزام is on a distinguished road
افتراضي

جاااري تسجيل الحضور لا اروع كاتبه يحبها قلبي
الحماااااااااس وصل 1000مستنينك بشوووق شموستنا


حفصه العزام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-03-22, 10:45 PM   #570

Samraus

? العضوٌ??? » 447439
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 240
?  نُقآطِيْ » Samraus is on a distinguished road
افتراضي

فصل يجنننننننن بالله شيماء نزلي لنا فصلين بعد هالمرة وربي الرواية تأخذ العقل ماينشبع منها 😭😭😭😭😭😭 🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺
MerasNihal, Shammosah and Amira94 like this.

Samraus غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:00 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.