آخر 10 مشاركات
138- إذا كان له قلب - آن هامبسون - ع.ق (كتابة أكملتها strawberry )** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          سينابون(90)-قلوب شرقية-للرائعة نرمين نحمدالله-حصرياً-مميزة*مكتملة&الروابط* (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          رواية عشقني عفريت من الجن ..بقلم بدر رمضان**مكتــــملة& الرابط** (الكاتـب : سما نور 1 - )           »          171- لو لم تسافر - لينسي ستيفنز - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          أترقّب هديلك (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          1112-الإستسلام - شارلوت لامب ج6 -د.ن (كتابة /كاملة )** (الكاتـب : Just Faith - )           »          عروس المهراجا (163) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree1971Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-06-22, 03:24 PM   #221

أسماء رجائي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية أسماء رجائي

? العضوٌ??? » 445126
?  التسِجيلٌ » May 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,640
?  نُقآطِيْ » أسماء رجائي is on a distinguished road
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة libyan voice مشاهدة المشاركة
*بعد شروق الشمس بساعتين*

تسللت من منزل أهلها بهدوء، تتجنب الجميع كما خرجت من الحي بخطوات سريعة لتتوجه إلى العمل وفكرها يشغله أمرين اثنين، شبل وياسمين!
صديقتها التي لا تعلم كيف تصلح ما فسد بينهما ورئيسها الذي لا تعلم كيف تخرجه من رأسها، تفكر بأنها جنت بالتأكيد أو على طريقها للجنون.
لمحت واجهة محل بلورية تعرض أحذية الكعب العالي مع حقائب مرافقة فتوقفت قدماها تتأمل عشقها السري الذي لا يعرف عنه سوى صديقتها ياسمين وعند ذكرها تنهدت مرة أخرى بوجوم تتفقد المعروضات قبل أن تقرر الدخول لعل مزاجها الكئيب يعتدل قليلا، فالتهت بلمس الأحذية وكعوبها إلى أن لفت انتباهها أصوات نسوة وكأنهن يتجادلن بنبرة غالبا يعتقدن بأنها منخفضة: يا هبة اسمعي رأي وخذي الكعب العالي قد يحن عليك بسنتمترات زائدة تظهر قامتك الموشكة على الاختفاء!
لم تكترث بداية تستشعر ملمس قماش القطيفة المغلف لحذاء أزرق بينما التي اسمها هبة على ما يبدو تجيبها بحنق ونزق ظاهرين بنبرتها المكتومة: هل تنعتينني بالقصيرة؟ مجددا يا أماني! لم أنسَ لك لقب *الأوزعة* الذي انزلق به لسانك المرة الماضية ثم يا حبيبتي الأنوثة كمالها بالقصر والنحافة وليس بالطول والعرض.
شهقت التي توقعت ريفان بأنها أماني ولحدود تلك اللحظة لم يدفع بها الفضول لترك شعورها المنعش المستمد من ملمس ومرأى الأحذية الخلابة للب قلبها، تكتفي بالإصغاء: هذا جزائي لأنني أنصحك بما يناسب قدك لتبرزي جمالك وتعجبي زوجك ابن سهير! ثم يا حبيبتي الطول والعرض من سمات الجمال الطبيعي واسألي عن صحة ما أقوله! على الأقل يجد الرجل بوجهه التي يحدثها ولا يضطر إلى البحث عنها كل حين وإطراق رأسه حتى يؤلمه عنقه فيمل منها ويضجر!
أصدرت الأخرى شهقة أكبر فمالت ريفان بجذعها لتنظر إليهن، واحدة قصيرة تجاورانها اثنتان، واحدة بوزن ملحوظ لكن ليس زائدا وأخرى نحيفة على نحو رشيق وكانت تلك الأخيرة من تدخلت تفصل بينهما بطريقة استدعت البسمة على شفتي ريفان المستغربة: لا إله إلا الله، صلوا على النبي يا *خوانا*! أنت وهي ملكتا جمال بطولكما وقصركما، دعونا نشتري ما جئنا من أجله لقد تأخرت على البيت ولدي أشغال كثيرة!
التقطت عينا ريفان كيف تكتفت كل واحدة منهما تتبرمان بشفتيهما بينما الثالثة تضحك بارتباك تحثهما برجاء: ما النظام؟ ألن نجرب الأحذية لنسرع! هل تذكران البيت والاشغال؟
زفرت التي اسمها اماني تواجهها بعبوس حانق: أنت دائما مسرعة يا أم زياد لا تفكرين سوى بالبيت والأولاد حتى يوم تسوقنا اليتيم معا.
ولم تكد تنهي حديثها حتى تدخلت هبة تناصرها بنفس العبوس: أماني محقة يا أم زياد! هذا اليوم خططنا له طويلا وتكدرينه علينا بهذا الكلام عن السرعة والأشغال.
أشارت أماني لهبة بينما ترمق أم زياد بنظرة ذات معنى، فنظرت إليهما الأخيرة بالتتابع قبل أن تعقب بملامح جامدة: أماني محقة يا هبة؟ وأنت تشيرين إليها وأنا التي أكدر عليكما اليوم؟ ... هل تعلمان؟ أنتما محقتان وأنا المخطئة لأنني أتحمل جنونكما وتبدل مزاجيكما المتذبذب أكثر من إبرة قياس الزلازل!
ثم همت بالمغادرة فلحقتا بها تمسكان بذراعيها كل واحدة منهما تخاطبها برجاء ولطف: أم زياد لا تغضبي أنا أماني حبيبة قلبك..
:وأنا هبة صديقتك واليوم ذكرى يوم ميلادي، لن يرضيك حزني أليس كذلك؟
توقفت ثم نظرت إلى هبة تجيبها برفعة حاجب: لقد كدرت يومك وأنتهى الأمر!
كانت على وشك الرد حين سبقتها الأخرى تلومها: لا تصغي إليها، واعتبري أقوالها مثل قامتها نصف متر!
:ماذا يا أم لسان بطول قامتك؟
هتفت الأخرى مجددا بغيظ فصاحت أم زياد بقنوط واختناق: لا إله إلا الله! اللهم صبرني قبل أن أنفجر فيهما!
فصمتتا ترمقانها بنظرات مذنبة حتى تنفست ام زياد بعمق وحين همت احداهما بالتحدث رفعت كفها مشيرة إليهما بتهديد مضحك: لا تفتح احداكما فمها إن كنتما لا تريدان أن أغادر حالا!
لكن أماني حاولت فقاطعتها أم زياد بتهديد جاد: ولا كلمة!
زمت أماني شفتيها وهبة تهم بدورها بفتح فمها فأشارت لها ام زياد بحزم: ولا نفس!
فغطت هبة فمها ترمقها بقلة حيلة ثم اتجهت ام زياد الى الأحذية تلتقطها لتعود اليهما تأمرهما بحزم يبدو انه الحل الوحيد لتحافظ به على السلام بينهن: هيا ...ارتدي أنت طويل الكعب كما قالت لك أماني لأنه يناسبك، فأنت قصيرة القامة وهذا خلق الله لا اعتراض! وأنا وأماني سنرتدي منخفض الكعب حتى لا نبدو كنخلتين وهذا أيضا خلق الله والحمد لله.
تابعت ريفان ما يحدث بين الصديقات بشرود أنساها ما كانت تفعله إلى أن وقفت جوارها عاملة من عاملات المحل تسألها إن كانت تريد مساعدة قبل أن تلاحظ ريفان تدقيق العاملة بها وتفحص ملامحها الذي دفع بها إلى سؤالها بنفاد صبر: ماذا يا آنسة؟
أومأت الفتاة بإحراج وتراجعت تسحب هاتفها تطالع شيئا ما وتنظر إليها بطرف عينيها ولم يطل الأمر حتى سمعت حوارا هادئا بين تلك الصديقات بخلاف ما سبق: هل رأيتما المقطع الذي انتشر هذا الصباح؟
:أجل، لم أعد أصدق تلك الأمور فلقد حدث نفس الأمر مع شرطية من قبل، فرت بعدها لأمريكا بعد أن سبقها زوجها، هاربين من الفضيحة وفي النهاية اتضح بأن المقطع مفبرك!
لم تستطع ريفان التحرك تصغي للنساء وتحدق بالفتاة العاملة التي تظن بأن نظراتها المسروقة نحوها خفية عنها: إنا لله وإنا اليه راجعون، الناس لا يخشون الله وإن كان حقا حدث وشخص ما وقع بخطيئة، لماذا نتتبع عورات الناس ونفضحهم؟ ألا يعلمون بأن الله يفضح من يتتبع عورات الناس في عقر داره؟
: هؤلاء لا يخشون الله يا هبة!
:يا ام زياد! حتى الكفار لديهم شيء معروف باسم الكارما، العاقبة الأخلاقية يعني أي سوء يفعله المرء يدفع ثمنه.
وكأن قدميها لا تسعفان أوامر عقلها بالتحرك وشيء ما يقبض قلبها بقبضة مؤلمة وقوية تصغي للصديقة التي اسمها اماني تدلي بدلوها وما تصدق بأنه الحقيقة: هذه تصفيات حسابات يا حبيبتاي، حين يدخل شرطي نزيه في هذه البلاد أنفه في ما لا يخصه أو يخصه لا فرق مادام يزعج أهل الفساد والباطل يدبَّر له مكيده كطريق سريع يرسلونه عبرها الى الجحيم.... جحيم أفواه الناس التي لا ترحم وتقولين خشية الله! ثم يتساءلون لماذا الله خلق العذاب ولماذا سيغضب يوم القيامة غضبة لم يغضب قبلها ولا بعدها مثلها... لو بيد مخلوق لمسح من عليها منذ زمن لأننا نتجرأ على الله بغير خجل ولا رحمة بأنفسنا فنحن لا نضر الله بشيء من سوء وشر أعمالنا.
أومأتا بتفهم والعاملة متسمرة مكانها وكأنها تفكر هل تتقدم لتتحدث معها أو لا، فنجحت أخيرا بتحريك قدميها بثقل وحديث الصديقات يرج أذنيها: أنت محقة يا اماني لكن لنقل الحق كاملا الفتيات عليهن الحرص واتقاء الشبهات وإن أردتي رأى الخاص الشرطة حاليا وفي عصرنا هذا تحديدا ليس للنساء بصفة عامة، لأنه حلبة صراع وقتال وأخطار، وأكبر ما تملكه الفتاة سمعتها وعفتها لا تعرضهما للقيل والقال ثم تبكي على اللبن المسكوب لاحقا انما تحصن نفسها باتقاء المشاكل والمخاطر وإن حدث واتهمت في سمعتها او شرفها رغم ذلك حينها عليها الصبر وتدرك جيدا بأنه بلاء.
وكان اخر ما سمعته قبل ان تغادر المحل تلجم نفسها عن التأثر، فكل ما يقلنه لا يخصها وستبحث عن المقطع لاحقا، لترى أي شرطية يقصدن: هو بلاء على أي حال لكن الفرق أن الفتاة مهما كانت قوية لا تستطيع مجابهة الطعن بشرفها وسمعتها، انه شيء مجبول عليه النساء والرجال على حد سواء إن كان الرجال يتظاهرون بالتجاهل وعدم الاكتراث على عكسنا نحن النساء قد يدمرنا الأمر نفسيا .



***هذا المشهد 👆👆هدية للجميلة هبه نور الله مع صديقتيها المقربتين، بارك الله في عمرك يا جميلة***
صعبت عليا ريفان🙂🙂🙂استر يارب


أسماء رجائي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-06-22, 08:03 PM   #222

بوفرديا

? العضوٌ??? » 435866
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 251
?  نُقآطِيْ » بوفرديا is on a distinguished road
افتراضي

واش هذا الابداع ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
فصل رائع وجد مشووووووق
واخيرا انقشع بعض من الضباب لنفهم القصة


بوفرديا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-06-22, 07:50 AM   #223

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسماء رجائي مشاهدة المشاركة
صعبت عليا ريفان🙂🙂🙂استر يارب
طبعا حتصعب عليك مش حبيبتك ولا عزاء للحبكة هههههههه


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بوفرديا مشاهدة المشاركة
واش هذا الابداع ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
فصل رائع وجد مشووووووق
واخيرا انقشع بعض من الضباب لنفهم القصة
انت الرائعة غاليتي يارب لاخر كلمة ينال اعجابك


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 07-06-22, 12:46 AM   #224

بوفرديا

? العضوٌ??? » 435866
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 251
?  نُقآطِيْ » بوفرديا is on a distinguished road
افتراضي

واخييييييييييييييييرا الثلاثاء غدا 💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃

بوفرديا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-06-22, 07:14 PM   #225

بوفرديا

? العضوٌ??? » 435866
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 251
?  نُقآطِيْ » بوفرديا is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور في انتظار الفصل 🥰🥰🥰🥰😁

بوفرديا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-06-22, 08:15 PM   #226

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل 16

*روسيا*
ترجل من السيارة مرهقا من الرحلة الطويلة ولحق بخاله جعفر بينما يتلفت حوله يفحص المكان بنظرة شاملة، بناية على طول الشارع من طابقين بواجهات محلية في الطابق الأول وشقق للسكن على ما يبدو في الطابق الثاني.
أشار له جعفر قبل أن يدفع باب محل تبين له بأنه محل لبيع الملابس، فدق قلبه بعنف وبلع ريقه عبر حلقه الجاف، يبحث بعينيه قبل خافقه عبر المساحة العارضة لملابس للأطفال الصغار، حتى ظهرت له فتاة في مثل عمره تعرّف إليها منذ أن أطلت عليهما باسمة تهرول لتضم خاله ثم التفتت إليه لتتجمد لكن ليس بصدمة وكأنها كانت متوقعة حضوره، إنما مترددة ومتوترة كمن ينتظر الرفض أو الإعراض.
ظل يحدق بها ويحاول العودة في الذاكرة لسنوات يراها طويلة ويشعر بها قلبه قريبة، قريبة جدا لكنه فشل في استرجاع وجهها في ماض دحره بقهر ليتفادى نار الوجع، لكن ظهور إمرأة أخرى أكبر بالعمر شلت أطرافه وأثقلت قدميه! إنها كما يذكرها بحجابها المحيط بوجهها الطويل وعينيها الواسعتين وأنفها المعقوف قليلا، إنها كما يذكرها بملامح تمزج بين قسماتها البسمة الحزينة والكثير من العاطفة تشع من نظراتها حتى دون مجهود بذكر.
:ولدي!
كانت قد وصلت إليه تضمه بشدة تتشمم رائحته وتئن بألم ووجع السنين التي حرمت فيها من ابنها، تلك السنوات التي تجلدت فيها بصبر يوازي ثقل الجبال بينما تختار أهون الشرين وأيهما كان عليها أهون؟ لقد تعذبت وما تزال إلى أن لمحته! ابنها وفلذة كبدها الذي حرمت منه ولسنوات احترق بفراقه قلبها المكلوم... آه من ألم الفراق وعذاب الحرمان!
سالت دموعها بينما تدس وجهها بحضنه وهو جامد لا يتحرك، فنظرت الفتاة إلى خالها بحزن وتساؤل فهز كتفيه بقلة حيلة حين رن هاتفه بدخول رسالة، سحبه ليطالعها توقعا لأمر ما في العمل لكنه هو الآخر تجمد وشحبت بشرة وجهه مما استرعى انتباه الفتاة التي اقتربت منه تمسك بذراعيه، تسأله بنبرة شبيهة بخاصة أمها وبلغة أمها، لغة وطنهم وكان ذلك تفكير همام الذي نظر نحوهما مقطبا يرنو خاله المختنق يحل رابطة عنقه وعينيه لا تحيدان عن شاشة الهاتف: ما بك خالي جعفر؟ هل أنت بخير؟
تركته والدته فشعر بصقيع موجع أعاد إليه شعوره الأليم حين وجد نفسه مرة واحدة قد انتزع من أحضانها الدافئة، مجبور على العيش بعيدا عنها محروم من عطفها وحنانها.
:ما بك يا أخي؟
بلع الرجل ريقه وحرك رأسه مرات عدة قبل أن يتمكن من النطق بتقطع: يقو... ل... بأن ر.... ح...يل ...ابني... قد يكون حيا!
راقب همام ملامحها كيف تشنجت وتغيرت من حزن غائر إلى صدمة شحب لها وجهها هي الأخرى تعقب بذهول: ماذا؟ من أخبرك وهل الخبر صحيح؟
مسح على وجهه وشعر بنفسه سيقع على الأرض في أي لحظة لا يصدق ما يقرأه فيعود إلى قراءة الرسالة المقتضبة من رجل يعلم يقينا بأنه لن يكذب عليه أبدا ولو على رقبته.
:جمال...ذاك الرجل الذي لم أراه منذ تسعة عشر عاما... جمال الأبيض أرسل لي رسالة يبلغني بأن ابني قد يكون حيا ويجب أن أعود للوطن.
انتبه همام للاسم فتحرك لسانه بعد أن ظن بأنه فقد تحكمه به، يستفسر بجهل وريبة: تعرف جمال الأبيض؟ العميد جمال الأبيض؟
لم يجبه أحد، منشغلين بصدمتهم والفتاة تسأل خالها بذهول: تقصد ابنك رحيل الذي اختطف في صغره وقتل؟ كيف يكون حيا؟
وكأن ترجمة الكلمات لحروف من لسانها أيقظ جعفر من صدمته، يجيب همام المتابع لهم بملامح مرتابة وحائرة: أعرف جمال الأبيض وعائلة الأبيض ويجب أن أسافر للوطن!
لاحظ الجميع تلون نظراته بشجن وعذاب رق له قلب شقيقته التي لمست جانب خده تواسيه بحنو: تمهل يا جعفر! اتصل به أولا لتفهم.
كان جعفر غارقا بصدمته يتجرع مرارة الغدر والظلم بها، غدر وحوش البشر وظلم قلوب الحجر حين سأله همام بنفاد صبر: هلا أخبرني أحدكم بما يحدث هنا؟ أنا لا أفهم شيئا!
مسح جعفر مجددا وجهه وكأنه يحاول الحفاظ على وعيه صاحيا بذلك، ثم رد عليه بنبرة مكتومة، فتبدو السنوات المضاعفة من عمره مكتسحة لوجهه في الدقائق الأخيرة فقط: رحيل يكون ابني الذي اختطف في صغره مع ابن خاله أثناء لهوهما انتقاما من عثمان الأبيض، الضابط النزيه الذي قهرهم بصدقه وأمانته فقرروا الانتقام منه بالتضحية بابنه في عملية استخراج للكنوز...
رفع إليه أنظاره الغائرة بالأسى بينما يسترسل في النطق بما ذهل له همام : لكن ابنه عاد وابني أنا قتل هناك على أيدي المجرمين!
حينها تدخلت شقيقته تنوه لمعلومة عمدا وبأسف: والسيد عثمان قتل هناك يا جعفر لا تنس ذلك!
زم شفتيه بينما يشيح بوجهه لا يستطيع مواجهة ذلك الهم مجددا، لماذا لا يتركونه لحاله كما هو، هائما على وجهه يدّعي الحياة إلى أن يدنو أجله؟ لماذا يطعنونه في جرحه الذي لم يلتئم يوما؟ إنه لأمر موجع ومؤلم...
:هل تقصد أن الضابط عثمان الأبيض الذي قتل في الجنوب هو خال ابنك الذي اختطف وقتل في نفس العملية؟ هل تقصد عثمان الأبيض والد شبل الأبيض، وجمال الأبيض عم الضابط الممتاز شبل الأبيض؟
سدد إليه جعفر نظرة مدققة قبل أن يعقب ببسمة ليس لها محل من الإعراب: أنت تعرفهما أليس كذلك؟ لابد من أنك تعرفهما بالتأكيد.
غشاهم الصمت يحفهم جميعا ببرودته وهمام يحدق بخاله غير مصدق لما يسمعه وغير قادر على تحليل الأمور بعقلانية تساعده على تفهم ما يدور حوله.
****

يتبع

soha, ToOoOmy, yasser20 and 18 others like this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 07-06-22, 08:17 PM   #227

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

.
****
تلقت مكالمة قبل وصولها للعمل من ممرضة أوصتها آنفا بإبلاغها حين حضور ياسمين من أجل المراجعة، فنسيت أمر ثرثرة النساء في المحل وأسرعت إلى المستشفى مقررة حل مشكلتها مع صديقتها، لن تدع الأمر يطول أكثر من هذا بينهما.
كانت ياسمين جالسة على أحد كراسي بهو الانتظار، شاردة عن المحيطين بها تغرق ببؤسها الذي يتضاعف كلما أجبرت على الخروج ومواجهة العالم، تفتقد للهمة والقوة لتبادل حوار متحضر بسيط كما تفتقد للهاتف الذي لم تحضره معها لتلهي به نفسها.
:سأحضر بعض المياه، جف حلقي وأنا أنتظر أخذ العينة لتحليل الكورونا وفي النهاية اكتشفت بأنه سهل، لا أعلم لماذا الناس يكثرون الحديث والاشاعات، يعشقون ترهيب بعضهم البعض.
تسمع صوت أمها الساخر منخفض النبرة، فتهز رأسها بخفة دون أن تلتفت إليها تشعر بها تنهض من مكانها بينما تكمل قبل أن تبتعد: أدعو الله أن يسلمنا جميعا، لن أتأخر حبيبتي، الطبيب على وشك الوصول.

لحظات وشعرت بأحد ما يجلس جوارها ولقد تعرفت عليها قبل أن تلقي عليها السلام بنبرتها المعتادة بحماسها الذي لا يفتر حتى أثناء لحظات هدوئها: السلام عليكم.. كيف حالك ياسمين؟
نظرت إليها ياسمين وشيء ما يبتهج داخلها لرؤية صديقتها لولا ما استسلمت له من كآبة ونقمة دفعا بها للرد عليها بقسوة: وكأن حالي يهمك.
تأهبت ريفان تحاورها ما أمكن بهدوء تفشل في الحفاظ عليه أغلب الوقت: كيف تقولين ذلك ياسمين؟ تعلمين بأنني أهتم وحالك يهمني، بالله عليك صديقتي! ألن تتقبلي اعتذاري إليك؟ لم أكن أعلم بأنك ستلاحقين ذاك الشاب، لو أخبرتني....
قاطعتها ياسمين برد جاف لا تفهم نفسها ولا منبع قسوتها تلك، تبحث عن مشجب بائس مثلها تعلق عليه فشلها الذريع، يبدو ذلك أهون وأبسط من مواجهة أخطائها: لم تكوني لتعلمي بينما أنت غارقة بعالمك الخاص، أنت أنانية لا تهتمين إلا بما تتطلعين إليه وتفكرين به وبعد ذلك يأتي الطوفان، لم تكوني لتعلمي وأنت منشغلة بتحقيق مجدك الخاص لتحققي أهدافك التي وضعتها وفقا لعقدك، تسعين إليها بهوس مريض!
فغرت ريفان فمها مجفلة من قسوة كلماتها تشعر باهتزاز الهاتف المستمر في جيب سروالها دون اكتراث به، تتلقى برودة حقد صديقتها الواضح فتنطق بعدم تصديق: ياسمين!
تألم قلب ياسمين بمقالة لسانها وبدلا من أن تنصاع للفطرة الآدمية داخلها تمعنت بإيذائها عساها تفلح في إبعادها هي الأخرى، فتعيش منزوية ومنغلقة على نفسها بعيدا عن أي مخاوف أو توقعات: هل صدمك قولي؟ هذه حقيقتك ريفان، معقدة تحاول جاهدة التخلص من ماضي والدها البشع بأنانية دون جدوى، فتزدادين شراسة وأنانية ونهم للانتقام كل يوم عن الذي قبله!
اهتزت دواخلها بفعل إهانة جارحة لم تنتظرها من أقرب الناس إليها، إنها ياسمين فضل الله رفيقتها لسنوات في المدرسة وخارجها ثم بعدها في التكوين والعمل، ما الذي يحدث معها؟
:واجهي حقيقتك ريفان!
أضافت ياسمين بنبرة ناقمة تضغط على ضميرها الذي يؤلمها بتأنيبه، فزمت ريفان شفتيها وحركت رأسها تلجم دموعها بقوة ومشقة تحرق ضفاف مقلتيها الغامتين ثم ردت عليها بسخرية قاتمة: هذا ما أفعله كل يوم، أواجه حقيقتي وعقدي وكنت أحاول جاهدة جعل هذا العالم مكانا أكثر عدالة لمن هم مثلي، على الأقل هذه نيتي... ماذا عنك يا صديقتي؟
لم تستطع ياسمين النظر إليها تلمس الألم في نبرة صوتها: بما أنك قررت فتح حوار مصارحة، هل واجهت حقيقتك مؤخرا؟ أم ما تزالين حبيسة قوقعة التناقضات؟
أدركت ياسمين بأن ما سعت إليه قد يتحقق وتبعد صديقتها بالفعل لكن لم تحسب حساب بوابة النار التي ستفتحها في وجهها قبل رحيلها : ماذا عن عقدك أنت ياسمين؟ تأرجحك بين إيمانك ورغباتك؟ أليست تلك أيضا أنانية؟ أم أن حب الضابط الممتاز يشفع لك؟
رفت ياسمين بجفنيها وقلبها يدق كطبل يصم الآذان بينما ريفان تكمل بجمود: كل واحدة منا لديها نقاط ضعفها وإخفاقاتها الخاصة، هذا ما أسميها يا صديقتي ولا أسميها عقد وأنانية لذلك لم أسألك يوما ما دمت أكثر إيمانا مني ورغبة في ارتداء الحجاب وترك الميدان وتجنب ما لا يجوز وتتذمرين منه طوال الوقت، ما الذي يجبرك على البقاء على حال لا يريحك ويثير ضيقك ومقتك كل يوم؟ بل كل لحظة ولسنوات؟
ازدردت ياسمين ريقها تحدق بالفراغ يكاد وجهها يحاكي شحوب الأموات وريفان لا ترحمها، تفضي ساخرة بما يشفي القليل من ألم صدرها الذي تسببت به صديقتها بكل قسوة: أنا سأمنحك جوابا تواجهين به حقيقتك يا صديقتي، لأن الضابط الممتاز همام لديه والد لا يؤمن بكل ما تحملينه داخلك من عقيدة وقناعات بل ويحاربها ويستهزئ بها... ربما هذا ما كان يدفع بك لتأجيل ما يريحك ويذرك حبيسة قوقعة التناقضات... اسألي نفسك ما الذي تنتظرينه تحديدا يا صديقتي وأنت تتابعين مقالاته ومنشوراته؟
ثم نهضت وغادرت غافلة عن نظرات بنفسج المتوجسة ونظرات بعض الناس الملاحقة لريفان.
:هل ستشرحين ما سمعته ياسمين؟
أجفلت ياسمين ورفعت وجهها المصدوم الى والدتها في نفس اللحظة التي التقطت أسماعهما تهامس الناس جوارهما ورنين هاتف بنفسج التي ردت على مخاطبها الذي لم يكن سوى ضرغام يطمئن عليهما ويخبرها بما يخص ريفان.
:ماذا تقول يا ضرغام؟ لقد كانت هنا قبل قليل!
تلون وجه ياسمين بالريبة تحدق بوالدتها التي أنهت المكالمة مع زوجها تحوقل وتسترجع بينما تطالع شاشة هاتفها عابسة المحيا فلم تستطع الصبر أكثر تستفسر منها: ماذا هناك يا أمي؟
زفرت بنفسج بقنوط وجلست قربها لتريها المقطع المنتشر على الشبكة العنكبوتية، فتجمدت ياسمين للحظات قبل أن تنظر إلى والدتها تخاطبها بذهول: تعلمين بأن ريفان لا تفعل ما يوحي به المقطع!
مطت بنفسج شفتيها تجيبها بضيق: أعلم ولهذا أريد معرفة حقيقة ما سمعته منها قبل قليل!
توترت ياسمين تفكر بحال صديقتها وما تعانيه وربما جاءت إليها باحثة عن بعض المواساة أو الدعم فتخلت عنها بقسوة.
:ياسمين فضل الله الطبيب في انتظارك.
نهضت بتثاقل ترافق والدتها التي أرجأت كل شيء الى حين عودتهما إلى البيت.
****
يتبع

soha, ToOoOmy, sweethoney and 18 others like this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 07-06-22, 08:20 PM   #228

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

****
يدس همام كفيه بجيبي سرواله بينما يقف متصلب الجسد، يحدق بخاله الذي يجادل مخاطبه في الهاتف بملامح مسودة، يبدو على وشك قتل أحدهم أو قلب الدنيا على عقبها وكم يختلف هذا الرجل عن الذي قابله الساعات القليلة الماضية وبعد فراق دام لسنوات طويلة حتى أوشك على نسيان ملامحه. فكره في فوضى عارمة ولا يسعه إلا التصرف بطبعه والتمهل في تنظيم أموره، لا يحب استباق الأحداث والقفز الى النتائج ويعالج كل مشكلة على حدة، فعلى قدر تألمه بينما يدرب نفسه على النفس الطويل والصبر على قدر استفادته حين نجح بذلك لذا سيدع أمر علاقة القرابة بين صديقه وخاله جانبا ويتعامل مع عقدة حياته المتمثلة في المرأة التي صمتت تحدق به دون لحظة ملل أو كلل، تحترم صمته في حين تكلفت شقيقته بالتعامل مع بعض الزبائن ثم غلق المحل عليهم ... *هناء* كم يبدو ذلك الاسم ضائعا عبر وادي الزمن السحيق، توأمه التي لا يذكر من طفولتهما سوى القليل، لقد اختار النسيان يغذي به التشوش الذي ألم به كمهرب من وجع الفقدان حتى فقد بالفعل تفاصيل كثيرة من طفولته ما خلا دفء حضن والدته.
:همام بني!
فتحت فمها أخيرا فنظر إليها يوجه لها السؤال المصاحب له طوال حياته، يعبر عنه بحروف مقتضبة: لماذا؟
تجلدت بقوة وصبر اكتسبتهما خلال ما واجهته في حياتها من عقبات تغلبت عليها بقرارات رجت الله كثيرا أن تكون صائبة ما دامت نيتها صائبة: هل أخبرك والدك يوما بسبب انفصالنا؟
لمح بطرف عينيه شقيقته هناء ترتب حجابها يتوقعها حركات متوترة تشغل بها نفسها بينما تنظر إليه بين الفينة والأخرى بحماس تحاول إخفاءه لكنه واضح له وضوح الشمس ثم رد عليها بنبرة جوفاء: أخبرني بأنك ستلحقين بنا ثم بعد مدة قال بأن المنية وافتك كأختي هناء ولا شيء بعد ذلك وأنت تعرفينه ولستُ في حاجة وصف سعيه لتحقيق ما يريده... لقد زور شهادة وفاتك.
أومأت بإشفاق وتقدمت خطوة لتقف بمحاذاته تحدق به بملء عينيها ولا تشبع، غافلة عما ينبثق داخله بتصرفها ذاك من جوع يكشف عن نهمه الشديد إلى المزيد مما تمنحه بحبها وشوقها إليه : إنه مصعب حين يعند برأسه اليابس يتحدى الجدار الحديدي كثور أهوج ولا يتوقف حتى يقتل نفسه.
: لماذا؟
نطق مجددا بنفس الملامح المحافظة على واجهة هادئة وإن اتسمت بالجدية، فتنهدت تفعل ما وعدت به نفسها حين اللقاء به، أن تخبره بكل شيء علّه يتفهمها ولا يغضب لاضطرارها الى التخلي عنه: كنت متخرجة من الثانوية حديثا حين التقيت بوالدك في شركة اتصالات قصدتها من أجل السؤال عن معاملات تركيب هاتف منزلي، كان خالك جعفر حينها أنهى الجامعة لتوه ووجد عملا في شركة نسيج، فبدأ وضعنا المادي يتحسن قليلا... ما يهمك أن والدك تقدم إلي وأهلي وافقوا عليه وأنا أيضا أعجبت به، فقد سألوا عنه وتبين لهم بأنه رجل جيد يصلي ويتصرف باحترام ويملك سمعة حسنة وسط حيه ومكان عمله وبعد الزواج بسنة أتيحت لنا فرصة الهجرة إلى السويد، فالعرض كان مغريا جدا وفرصة جيدة لبناء حياة ميسورة، وككثير من الناس قررنا الهجرة وكنت حينها حاملا بك وبشقيقتك.
تلكأت تنظر إلى ابنتها التي فهمت والدتها وأسرعت تحضر لها كرسيا جلست عليه ثم أحضرت لها ماء وكرسيا آخر أشارت لهمام إليه ببسمة تأثر بها قلبه رغما عنه وجلس يصغي لوالدته بعد أن ارتشفت من الماء، فتغيم مقلتاها بشرود واجم: أنجبتكما هناك وكانت حياتنا مستقرة إلى أن انقلب كل شيء على رأسه يوما حين دق موظفين حكوميين مع أفراد الشرطة باب بيتنا وأخذوا شقيقتك بقرار حكومي رسمي والتهمة، جريمة شرف.
جعدت ذقنها ساخرة تكمل أمام نظرات همام الساكنة: اتهموني بالتطرف في معاملتي مع طفلتي لأنني أحرص على ارتدائها ملابس غير مكشوفة وأن لا تختلط بأولاد، ومرات تحب تقليدي فترتدي الحجاب لذا هم قرروا انتزاعها مني تفاديا لجريمة قد ارتكبها مستقبلا في حقها ولكي يحرروها من تطرفي الذي أمارسه عليها...
لم تذرف الدموع ولم تكن في حاجة لذلك، فقد كانت ملامحها عنوانا للقهر والاحساس بالظلم: كنت سأفقد عقلي وأنا أدق كل باب أعرفه مع والدك وكل مرة نعود فيها خائبين محملين بيأس من استعادة ابنتنا وخلال معركتنا لاسترجاعها، اكتشفنا بأننا لسنا أول أسرة تختطف منهم الحكومة السويدية أبناءهم باسم القانون لنفس الحجة وغيرها من الحجج الواهية ثم يودعونهم لدى أسر سويدية الأصل، وهناك من أخذوا منهم أولادهم جميعا بحجة تافهة كتفويت موعد طبيب الأسنان وكأنهم يتابعون جميع الأسر المسلمة المغتربين لديهم، يخططون لجرائمهم بتدقيق وكم من أم توقف قلبها بعد معاناة مع الظلم ووجع فقدان فلذة أكبادهن.
توقفت للحظة اقتربت فيها هناء لتجاورها تربت على كتفها وتدعمها لتقوى على الاسترسال بحديثها: لكننا لم نستسلم وفعلنا كل ما باستطاعتنا خلال ثلاث سنوات أصبح فيهن عمركما بالتاسعة، ثلاث سنوات أراقب فيهن ومن بعيد، ابنتي تتربى لدى أسرة غريبة عنها بكل شيء، وأنا حية أرزق أتقلب في عذاب الحرمان منها، أضحيت حزينة طوال الوقت واهتمامي بك تحول إلى هوس أراقب كل تحركاتي وتصرفات والدك حتى لا يأخذوك مني أنت أيضا ولم نستطع العودة إلى الوطن وترك ابنتنا بالسويد ....
صمتت مجددا لتشرب من الماء تبلل حلقها كلما جرحته نبرتها العميقة ثم تعود للحديث الواجم: كان والدك يسعى إلى إيصال شكايتنا إلى مسؤولين في حكومة وطننا بمساعدة خالك جعفر الذي طلب مساعدة من أنسبائه الذين فعلوا ما بوسعهم أيضا وكلما ظننا بأننا على وشك تحقيق نتيجة مرجوة قوبلنا بإخفاق محبط، يتأكد لنا زيف وعودهم، وذات يوم اتصل جعفر بمصعب وأخبره بالحرف أن أنسباءه بلغوه بالحقيقة الخفية وهي أن لا أحد مهما بلغت أهميته في الوطن يستطيع فعل شيء على أرض السويد بموجب اتفاقيات مبرمة تحافظ على تبادل المنافع أو بصريح العبارة للحفاظ على المصالح .... لا تتخيل كم غمرتنا الخيبة والحزن وكأنه يوم عزاء نصبناه لابنتنا التي يجبروننا على اعتبارها ميتة وهي حية.
ثبتت أنظارها عليه بينما تستدرك: مر عام آخر تملك فيه الحقد من والدك نحو وطنه وجميع من خذلوه وقرر الاستسلام والعودة لينتقم، قالها بالحرف، بأنه سيعود إلى الوطن ليفضح حقيقتهم المجردة، عبدة الغرب والمصالح أهل النفاق، وأنا أضحيت ممزقة ميتة حية أرفض الرحيل وترك ابنتي خلفي....
زمت شفتيها ولمعت مقلتها التعبتين حين أضافت بصوت بدا كشهقات جارحة: جهز مصعب معاملات السفر وأنا رافضة مصممة على رأيي وحين هددني بالطلاق والرحيل بك، ضعفت ورضخت فطلبت منه الذهاب لرؤية ابنتي خفية ومن بعيد كما نفعل عادة وحين ذهبت الى منزل تلك الأسرة وجدتهم خارجين فلحقت بهم...
أمالت رأسها وسالت دمعة واحدة من عينها اليمنى بينما تعبر عن ألم احتراق أحشائها وحنايا قلبها المكلوم: قصدوا ديرا قريبا من حيهم، وظللت متوارية أراقبهم كيف يعلمون الأولاد في عهدتهم دينهم وشاهدت ابنتي وهي تتعلم شريعة غير شريعتنا، فلم أستطع.... أقسم بالله لم أستطع... شيء ما داخلي تكسر لآلاف الشظايا الحادة تنهش أحشائي كطعنات غادرة حارقة وهناك قررت بأنني لن أرحل! مهما حدث لن أتخلى عن ابنتي!... لذا عدت إلى مصعب وأخبرته بقراري، احتد غضبه وأقسم بأنه إن غادر من دوني سيطلقني ويخبرك بأنني ميتة وسيلغي وجودي وكل ما يخصني بحياتك وسيسعى لتحقيق ذلك مهما كلفه الأمر.
أخذ همام أنفاسا متتالية وجزء داخلي طفولي فيه يصرخ بلوم؛ 'اخترت التخلي عني أنا ولم تحاربي من أجلي أنا'؛ لكن خشيته خالقه تلجمه بنخوة الرجال، يرى في اختيارها الصواب والمشقة تحسب لها في ميزان تضحياتها.
لم تمسح تلك الدمعة وتركتها لتجف لحالها كما تركت الجروح تلتئم بالوقت ومروره، فسبحان من رزق العباد نعمة النسيان والتعود: بعد رحيله مباشرة طلقني وفي نفس ذلك العام اختطف فيه طفل أخي جعفر وقتل، فقرر الهجرة ليقف إلى جانبي هاربا هو الآخر من ظلم أبناء وطنه من الفاسدين وهاربا من ضعفه أمام زوجته وغاضبا يهيم على وجهه حزنا وتجاهلا موجعا ... لقد كانت سنوات صعبة عشناها ندعم بعضنا ونعمل بجهد لنحقق ذواتنا ونبحث طوال الوقت عن حل لاسترجاع ابنتي.
مالت نحوه لتسحب كفه تربت عليها بينما تخاطبه بحنو: كنت أتابع أخبارك لكن بتقطع، فلم تكن الظروف مساعدة، أعيش أنا وأخي بين العمل الدؤوب والخطط لرؤية ابنتي ولقائها خفية نستغل أي فرصة غفلة من الأسرة الحاضنة حتى لا تنساني أو تنسى أصلها ... كنت مستعدة لمتابعة الحرب إلى أن تكبر ولم أكن لأفتح باب اليأس أبدا... إلى أن التقى جعفر في مقر عمله برجل من الوطن كان في رحلة عمل بدول عديدة في أوربا قصد دار الأزياء التي يعمل بها جعفر من أجل بذلة رجالية وحين أدرك بأنه من وطنه ثرثر معه ثم تحولت الثرثرة إلى صداقة وكلما زار السويد قصد نفس الدار ليلتقي به وهكذا تطورت العلاقة بينهما ورآني مرة برفقته.
تلكأت قليلا ثم أكملت ببعض الحرج الذي احمر له وجهها وكأنها فتاة صغيرة لم يسبق لها الزواج لمرتين: وحين علم بأنني شقيقته تقدم إلي وأنا طبعا رفضت، فلم أكن أفكر بزواج وهدفي كان واضحا، لكنه كان أكثر إصرارا مني وأغراني بحل مشكلتي... لم أصدق حينها وهو يخبرني بأنه سيعيد إلي ابنتي لكن سيكون علي الرحيل معه والاستقرار في روسيا حتى لو كان هو يتنقل بين الدول... وافقت وكل ما أفكر به استرجاع ابنتي إلى أحضاني ولم أتزوج منه إلى أن أوفى بوعده وأعاد الي ابنتي، اختطفها كما اختطفوها مني وهربها الى روسيا حيث تزوجت منه واجتمعت بابنتي أخيرا. .. كان علي التخفي وتزوير هوياتنا ولسنوات حتى كبرت ابنتي وأضحت بالغة ومسؤولة قانونا على نفسها وخلال تلك المدة تغير الكثير، فأخي جعفر تطورت أعماله كما أنشأ صداقات مع شخصيات مهمة من الوطن وخارجه من خلال خدماته التي يقدمها لهم حين يقصدونه من أجل ملابسه المشهورة بجودتها واستعانته بمصممين مشهورين.
شربت ما تبقى في الكأس تتجرعه كما تجرعت مرارة الماضي، فقرر التحدث معلقا بكلمات مقتضبة يخشى بها الإمعان بجرحها، مستشعرا ومقدرا ما مرت به هذه المرأة قبالته ولا تزال صامدة لا تنحني: بوعياد مجرم هارب.
ضغطت شفتيها لبعضهما وتركت يده بينما ترد عليه باستياء: كان علي إدراك ذلك من طريقة إعادته لابنتي، لكن كنت أكثر فرحا وانتشاءا من التفكير بعقلانية، لولا جعفر الذي راوده نفس الشك فتحقق منه لمدة من الزمن حتى تأكد له شكه فواجهه وطلب منه أن يطلقني لكنه رفض وحين علمت من أخي طلبت منه الطلاق أيضا ورفض وظل يرجوني لأبقى إلى جانبه، أشفقت عليه فهو من أعاد الي ابنتي ويعاملني بلطف واحترام وكنت أتأمل أن يتوب عن معاصيه فأنا لا أفهمه، يصلي ويصوم ويوحد الله ثم يتورط بأعمال تهريب وتبييض الأموال لذا أول ما فعلته توقفت عن أخذ أي مال منه واكتفيت بما أكسبه من عملي مع أخي والحمد لله العمل ازدهر ولست بحاجة لأحد ليصرف علي وعلى ابنتي، وكل مرة يزورني فيها أظل أنصحه وأدعو الله له بأن يستقيم كما كنت ولا زلت أدعو لك بالصلاح والحفظ من الحرام وشياطين الإنس والجن بكل سجدة ووقت استجابة.
مالت شفتاه ببعض البسمة الساخرة بينما يعقب على قولها: ما حاربتِ لأجله وحرصت على تعليمه لابنتك كان طليقك يحارب ويحرص على محوه من رأس ابنك.
تلون وجهها بالحزن والكآبة بينما تجيبه بحسرة: وا أسفاه على مصعب، خسر في بلائه وفقد نفسه، لكن الله رحيم بي وأجاب دعوتي ولم يفلح في تشويه فطرتك.
بلل شفتيه وبدا لها مخنوقا وهو يجاهد ليخرج صوته من بين أحشائه المتشنجة: وكيف تكونين متأكدة؟
هزت رأسها رافضة تجيبه بينما ترفع كفها لتضعه على قلبها وقد سالت الدموع حارقة ومدرارا على وجنتيها أخيرا: هذا متيقن من خالقي الرحيم، لن يخيب رجائي به أبدا.. إنه رب رحيم بعباده وبقلوب الأمهات، فهو أحن عليك مني ولن يضيمني فيك أبدا، هذا ظني به جل في علاه وأنا به مؤمنة وبقضائه وأقداره راضية.
خذله ثباته وشهق يلهث بأنفاسه ثم نظر إليها يستفسر منها بحرج وارتباك بالغ: وهل يقبل من فتى صلاته في الحمام خوفا من عقاب وضرب والده!
شهقت بفزع والتياع ونهضت تضمه بقوة تبكي بحرقة في نفس اللحظة التي عاد فيها خاله وقد أنهى مكالمته يحدق بهما بذهن مشغول وفكر مشتعل بينما هناء تمسح دموعها الغزيرة لا تصدق ما تسمعه، هل ذاك هو الأب الذي ظلت تحلم بلقائه يوما ما ليشعرها بحبه ودلاله كما ترى عليه الآباء مع بناتهم؟
استسلم همام أخيرا يرفع ذراعيه ليضم والدته بنفس القوة يتشبث بها كطفل صغير يشكو إليها حرقة قلبه : أخبره والده بأنه يفضل إحضاره كل ليلة من المخافر والخمارات على أن يراه يصلي أو يدخل مسجدا، لم يستطع الفتى ترك الصلاة وفقدان صلته بربه الذي يحقق المعجزات كما علمته والدته.. كان يخشى ويرتعب من فقدان أمل الدعاء أيضا .... أن يدعو ربه عودة والدته... ربه مجيب الدعوات كما علمته والدته.... لكن عقاب والده كان مؤلما ومُذلا، لذا حين فقد الأمل في إقامة الصلاة حتى في غرفته التي كسر قفل بابها أقامها في الحمام... فهل قبلها الله منه؟
تبكي بينما تشده إليها أكثر وترد عليه بنحيب حارق: لقد قبلها يا بني، أجاب دعواتك وها أنت في أحضاني مجددا، أنت هنا معي ومع شقيقتك وهذا من رحمة الله بنا بني.
:أماه!
نطقها بحرقة فشهقت والدته مجددا تئن بوجع سنوات الفقد.
:اهدئي يا أمي!
تدخلت هناء تخشى على والدتها ارتفاع الضغط بينما تربت على ظهرها بحنو وإشفاق: لا ترفعي ضغطك أمي، أرجوك.
نظر إليها همام بقلق ثم أبعد والدته، يسألها بينما يتفحص ملامحها التعبة: هل أنت مريضة؟
ضغطت على ذراعيه بكفيها تجيبه ببسمة حزينة: أنا بخير الحمد لله، لم أكن أفضل يوما من قبل يا ولدي.... أحمد الله وأشكر فضله علي.
هز رأسه بتفهم ولم يغادره القلق بعد ليتدخل جعفر مقاطعا اللقاء المؤثر الذي مر أفضل مما تمنى، ولو لم ينزل عليه خبر حياة ابنه الصاعقة لاحتفل مع شقيقته وخطط لطريقة تجمعهم في مكان واحد، لكن الآن لا يستطيع التفكير إلا بما سمعه من جمال الأبيض قبل قليل: يا جماعة أنا يجب أن أغادر، عميل لي حجز لي تذكرتين على أقرب رحلة إلى بريطانيا ومن هناك سأحجز إلى الوطن.
هتفت شقيقته بأسى: تذكرتين؟ هل ستغادر يا همام؟
مسد همام جبينه، لم يحسب حساب هذا الذي حدث وجعفر يعفيه من الرد: ابنك شرطي ولقد سافر بتوصية وأحضرته هنا بأخرى ويجب أن يعود لعمله وأنا سأفكر في طريقة لأعيدك إلى الوطن، لا فائدة من بقائك هنا يا نسيمة.
تجلت الحيرة على وجوههم جميعا تسافر بكل واحد منهم الى مكان بعيد، فعادت نسيمة إلى ضم ولدها بعد أن سحبت ابنتها لتحقق حلمها وتجمعهما بين ذراعيها فيقر قلبها وتهنأ روحها حامدة ربها على كرمه وفضله.
****
لا تعلم كم من الساعات تجولت في الشوارع دون هدف الى أن زمجرت بغضب بينما تسحب هاتفها ولا يزيد استمرار اهتزازه إلى عصبيتها إلا اشتعالا، تستغرب ذاك الكم الهائل من المكالمات الواردة من والدتها وخالها أمين وبعض من زملائها.
ومضت الشاشة برقم أمها مجددا، فردت عليها بنبرة لا تعكس ما يجيش به صدرها: نعم أمي ماذا هناك؟
:أين أنت يا ابنتي؟ وما هذا الذي نشر عنك في الهواتف؟
قطبت ريفان وشيء ما يعود ليطوق قلبها بقبضة مؤلمة تتساءل بريبة: ماذا تقصدين يا أمي؟
وكان من رد عليها خالها أمين الغاضب كما لم تتعود منه يأمرها بحزم: افتحي الانترنت واكتبي اسمك لتعلمي عن ماذا نتحدث، فأنت التريند لليوم وتعالي حالا إلى البيت يجب أن تحدث!
توقفت وسط الشارع مذهولة وقبل أن تفعل ما طلبه منها خالها ومضت شاشة هاتفها برقم رئيسها شبل الأبيض، فردت عليه بسرعة وقلبها يكاد يتوقف من فرط تعبه وتنقله بين المشاعر المرهقة : أين أنت يا مفتشة؟ لماذا لست في المديرية؟
أمسكت بعنقها تجيبه بارتباك: أ.. نا...
:تعالي حالا!
أغلق الخط فرفت برموشها وبسرعة شغلت الشبكة واستدعت محرك البحث حيث كتبت اسمها تشعر بالبلاهة وما إن رأت ما نشر عنها اشتدت العروق بوجهها تتابع العناوين الرنّانة تجذب الفضول كما تنجذب الفرشات للضوء.
احتد تنفسها وأشارت لسيارة الأجرة تتجه الى المديرية قبل أن تعود لبيتها الذي لابد من أن محكمة عائلية قد نصبت على شرفها المهدور على يد المجرمين.
****
تفقد حمزة الساعة وقرر بأن الوقت قد حان ليغادرا، فتقدم إليها وربت على كتفها لتنتبه إليه تغيم نظراته حزنا وشفقة على حالها وهي تسند رأسها إلى بلور النافذة هكذا ومنذ مدة لا تمل وتكل، تموت رغبة في الدخول وأخذ والديها بحضنها فتسيل دموعها صامتة ودافئة على وجنتيها المحمرتين.
:يجب أن نغادر يا آية، يكفي إلى هذا الحد.
بلعت ريقها تمسح دموعها فتستسلم متنهدة بتعب ثم نظرت للمرة الأخيرة عبر بلور النافذة لتشير لوالدتها التي لوحت لها بدورها من سريرها وقد تمكنت منها الحمى هي الأخرى، لكن ما يطمئنها استقرار حالتهما رغم نوم والدها المتواصل بسبب وهن جسده المحموم، فتحمد الله وتسأله الشفاء العاجل.
مرت بمنزل أهلها لتحضر كتبا تحتاجها، فهي لن تضيع مجهود والديها وستحرص على فعل كل ما جاهدا ليربياها عليه وسيكون ذلك أقل شيء تقدمه لهما كاعتذار عن خطئها السابق، ليعافيهما الله ويعدهما سالمين إليها وستحرص على اسعادهما وطاعتهما.
فتح عمها باب منزله ولحقت به قبل أن تتوقف وسط البيت حين نادت عليهما زوجة عمها: حمزة، آية! نحن هنا في غرفة الجلوس.
رد عليها حمزة قبل أن يستأنفا خطواتهما نحو الحمام القريب: نغسل أدينا أولا يا سهى!
حين توجهت لغرفة الجلوس كان عمها خارجا منها ليأوي إلى غرفته، فبادلته بسمته الداعمة بأخرى ممتنة وتجاوزته حيث لمحت زوجة عمها وابنتيها برفقة ورد التي تبسمت لها بود فنبض قلبها بقوة تحمد الله على الكمامة مجددا تخفي تعبيرات وجهها: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ألقت السلام بخفوت مرتبك فرددن عليها السلام وناريمان كالعادة تسحبها من كفها لتجلسها جوارها بينما تثرثر بنبرتها المرحة: أخبرنا أبي بأن حالة والديك مستقرة الحمد لله سعدنا لسماع الخبر، تمم الله شفاءهما سريعا.
أمنت بخفوت لا يفارقها الارتباك، تشعر بنظرات ورد تحاصرها باهتمام لم تفقه كنهه بينما عائشة تتدخل معقبة بلوم مزعوم: يا حمقاء كأنك تستعجلين شفاء والديها لتعود إليهما، ستفكر بأنك تطردينها بأدب.
قفز حاجبا ناريمان بدهشة وفتحت فمها تجيب بحرج: طبعا لم أقصد ذلك! هل فكرت مثل ما قالته؟
أومأت آية نفيا بارتباك، فقالت لهن ورد بمرح: أنتما تحرجان الفتاة بتسليتكما على حسابها.
ثم وجهت لها الحديث بلطف: حمدا لله على سلامة والديك، أسأل الله لهما الشفاء العاجل.
تمالكت نفسها وردت عليها بامتنان: آمين، سلمك الله من كل شر.
ظلت ورد تتأمل الفتاة بفضول تبحث عن أي شيء فيها يدفع بابنها للاهتمام بها، ليس أنها تطري ابنها لكنها تعلم بما ينجذبون إليه الشباب عادة، لكنها تعود وتنفي فكرتها فهذه الفتاة لم تجذبه بهيئتها التي لم يراها علي قبل الأمس إنما هي شخصيتها، تتمنى أن تتواصل معها لتتعرف إلى ابنة تامر وسعيدة، تامر الملتزم الذي حقق صلاحا مبهرا بالمقارنة بماضيه، ترجو الله ان تكون توبته أفضل مما تظهر عليها وسعيدة التي فقدت سائر أفراد عائلتها، لكنها في نفس الوقت لا تريد إخافتها كما لا تريد السعي في طريق تعلم يقينا بأن زوجها لا يحبذه ولا حتى ابنها ليست متأكدة من مشاعره خصوصا بعدما حدث، لذا ستدع الأمر لتصاريف الأقدار وتكتفي بهذا القدر من القرب والغيب في علم الله.
****
يتبع

soha, ToOoOmy, yasser20 and 17 others like this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 07-06-22, 08:21 PM   #229

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

كانت تلهث من فرط توترها وهرولتها حين دخلت مكتب رئيسها، متجاهلة الأنظار الحائمة حولها بمختلف أنواعها، المتعاطفة والخبيثة والشامتة والطامعة، لم تجد أحدا هناك فعادت أدراجها تبحث عن رئيسها وحين لمحت أحد أفراد فريقها همت بسؤاله لكن نبرته الحادة لفتت انتباهها فلمحته يشير لها قرب مدخل القسم الخاص بمكافحة الجريمة الإلكترونية، فأسرعت إليه جامدة المحيا وهو ينتظر وكأنه يدقق بها أو يبحث عن شيء ما، قبل أن يستدير داخلا فلحقت به تصغي لسؤاله الجاف: لماذا لم تأتي مباشرة بعد رؤيتك للمقطع؟
ردت عليه بينما تتفقد القاعة الفارغة إلا من المهندس كرم العابس بغضب لم تراه عليه كثيرا خلال مدة عملها بالمديرية: لم أعلم به إلا قبل اتصالك بي بدقيقتين...
رماها بنظرة مستغربة، فهزت كتفيها تبرر: لست من هواة الانترنت ولم أجب على المكالمات باكرا.
نهض كرم يخاطبها بأسف ومواساة: حافظي على هدوئك ولا تفقدي أعصابك.
هزت رأسها تجيبه ممتنة رغم الغضب المحرق لأعصابها: شكرا لك... هل علمتم من وراء نشر المقطع؟
:ليس هذا المهم حاليا!
قاطعها شبل وقد أضحى وجهه كقطعة صخر من شدة العبوس والاكفهرار، فنظرت إليه بحيرة والمهندس كرم يؤيد قول رئيسها: إنه محق، علينا القلق بشأن تهديدهم إن كان حقيقيا أم مجرد ورقة لإجباركما على التنحي عن قضية ما تحققان بها تقدما يضر بهم.
غامت ملامحها بجهل تعقب بريبة: لا أفهم، لقد فضحوني بالفعل وبالرغم من أنني غاضبة جدا والى درجة لا يتخيلونها وليس لدي أدنى فكرة عما سأفعله أو أبرر به أمام عائلتي لكن لن نستجيب لتهديدهم بعد كل هذا الدمار؟
لمحته يضحك باستهزاء، بل قهقه ببرود ساخر وهو يميل قليلا على إحدى طاولات مكاتب القاعة المليئة بالحواسيب وأجهزة أخرى: دمار!
غمغم بالكلمة أمام نظراتها المرتابة وفمها المفتوح جهلا فضم كرم ملامحه إشفاقا، ليستدرك شبل بنفس النبرة الساخرة: إذا كنت تعتبرين ما نُشر دمارا لا أعلم كيف ستتلقين ما لا تعرفينه بعد؟
ارتفعت كف كرم يتخلل بها شعره بضيق مما يجب أن يقوم به ثم أشار لها لتقترب بينما يفسر لها: اسمعي يا آنسة ريفان، سأحاول تبسيط الأمر لك لتفهميه، المقطع المنشور الذي رأيته لم يكن هو التهديد الحقيقي بل هو فتات ألقوه بطريقنا وهم يعلمون جيدا بأننا سنحقق بالأمر ونتتبع مصدره لذا خبأوا في طريق بحثنا الإلكتروني التهديد الحقيقي الذي بعد رؤيتكما له أنتما تحديدا، ستحددان حجم ما يهددونكما لأجله.
ازدردت ريقها تستشعر مصيبة أكبر من خلال حالة رئيسها المختلفة عن كل ما تعودت عليه منه ثم إعراضه عنهما بينما كرم يجهز مقطعا ما على شاشة أحد الحواسيب، فيبتعد قليلا يوليهما ظهره كما فعل كرم خجلا بعدما علمها كيف تشغله: اضغطي هنا من فضلك وحاولي الحفاظ على هدوئك، فنحن نعلم بأنه مزيف مئة بالمئة.
بسطت كفها التي ارتعشت وكادت تعود بها لكنها بلعت ريقها ومضت في أمرها وليتها كسرت يدها قبل أن تقوم بتشغيل المقطع! ليتها اندثرت واختفت قبل أن ترى ما رأته وتراه! ليتها كما تمنت مرات عدة لم تولد قبل هذا الذي يحدث أمام عينيها!
لا تصدق! شل تفكيرها وكل شيء بها توقف عن العمل!
هذه الفتاة هي وليست هي!
تلك الشخصية بالمقطع هي بملامح وجهها وشعرها و... لكن رباه! كيف وهي متأكدة من عفتها؟ كيف هذا؟ هل هناك تزييف للحقائق بهذا الاتقان؟ رباه ما هذا الذي تراه؟
:يكفي هذا القدر!
اختفى المقطع من أمام عينيها ولم يختف من خيالها، جامدة على وضعها كجسد تحجر مكانه تطالع شاشة الحاسوب، فلم ترى وجه كرم المسود ولا إعراضه أثناء غلقه للمقطع، غير متحمل فكيف ستتحمل هي؟ يكفيه اضطراره للتعامل مع المقطع لتفكيكه وفحصه لإثبات زيفه، لقد طلب من رئيس قسمه أن يتولى أمر المقطع لوحده بما أنه من وجده أثناء تتبع المقطع السابق الذي أدرك منذ أول نظرة بأنه حقيقي بخلاف هذا الذي تمت فبركته ببراعة متقنة.
:كما تريان هذا المقطع متقن الزيف والذي عمل عليه أولاه أهمية كبيرة واستعمل برنامجا متطورا .. من الصعب عليهم تزييف تسجيل بهذه البراعة بصورة وجه عادية.
استدار إليهما شبل دون أن ينظر إليها يلمح بطرف عينيه وضعيتها، يصغي لحديث كرم المسترسل: أجزم بأنهم راقبوكما ولمدة كافية حتى حصلوا على تسجيلات وافية لجميع تحركاتكما أثناء العمل والتدريب والضحك والتبسم والتعب... ليبدو المقطع بهذا الإتقان يجب أن يكون لديهم تسجيلات وافية لكما ...لأن هذه التقنية تعمل بطريقة شديدة البساطة إذ يقوم الذكاء الاصطناعي بتخزين الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بالشخص الذي تريد إنتاج فيديو بوجهه، وكلما زادت جودة وعدد هذه الصور والمقاطع زادت قدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج مقاطع فيديو أكثر إقناعًا للجميع.
هز شبل رأسه يعترف بنفس النبرة الجافة: أعترف بأنهم حققوا الهدف وسأطلب إجازة.
رفعت رأسها تنظر إليه بنظرات ميتة، فزم شفعيه وتكتف يكمل ببرود: حذرتك من قبل ولم تصغي إليّ وإن كنت ستكملين رغم هذا فأنت حرة وسأصفق لك بحرارة إذ تثبتين عدم اكتراثك لسمعتك وسترك أكثر مني أنا الرجل ومن يفترض به وسط المجتمع المتغاضي عن ذكوره بكل سيئاتهم.
نكست رأسها مجددا ولم تقو على الاستقامة، تشعر بهبوط يكتسح دماءها، فتتجلد بقوة حتى تتمكن من الفرار أو الاندثار إن استطاعت.
:أظن بأن كليكما عليكما أخذ إجازة حتى نجد حلا لهذه المصيبة.
كان ذلك اقتراح المهندس كرم، فدس شبل كفيه في جيبي سرواله يتنفس بصخب بينما ينظر إليها ويفكر بأنه عليه الابتعاد وادعاء الجبن والرضوخ، فما يخططون له أكبر وهذا مناسب له في الوقت الحالي، لكن هذه الفتاة تشكل له الآن عائقا اكتشف لتوه أنه تجاوز حد العمل والرسمية بينما قلبه ونخوته يقفان باتحاد ليبذل نفسه وجهده لإنقاذها ... لكن كيف؟
تحركت تجر أذيال خسارتها، لقد خسرت! خاب مسعاها وأخفقت!
تعلم يقينا بأنها كما تعقدت أحشاؤها بأفعال والدها واحتقار الناس لها شيء ما تكسر داخلها أكبر من عقدها بمجرد رؤيتها للمقطع الفاضح، لن تتحمل إن نشر ذلك المقطع بين الناس، أولئك الذين احتقروها ستتأكد أقوالهم وتوقعاتهم بأنها شبيهة والدها وأولئك الذين يحترمونها ويحبونها سينضمون إلى صفوف المحقرين لها، ستفقد احترام الجميع، عائلتها وزملائها ... الجميع! ستموت بعدها ولن تستطيع الاستمرار بالحياة!
:يا مفتشة!
وعت من شرودها على ندائه فادركت بأنها خارج القاعة وخاطر ما يومض بعقلها، لذا عادت إليه تسأله بنبرة كنظراتها ميتة: هل... رأيت الم...!؟
شل لسانها فتشنجت ملامحه بينما يهز رأسه إيجابا بخفة.
نظرت حولها تفكر بالعدد من الرجال الذين رأوه بالإضافة الى شبل والمهندس كرم، فأمسكت بصدرها موضع قلبها تحديدا تدعم قلبها المسكين وتتوسل إليه الصمود حتى تغادر ولتمت بالشارع أو ببيت أهلها.
:المهندس كرم مضطر لفحصه بدقة وإيجاد المقطع الأصلي ليبرز زيفه.... ولن يراه سواه أما أنا فلم أطل النظر.
لقد تفهم خوفها ورعبها، فرمته بنظرة ملؤها الرجاء بطريقة مثيرة للشفقة هز لها رأسه يؤكد لها ما يشعر بأنها في حاجة إليه اللحظة: أؤكد لك، والمهندس حذفه من المكان الذي وجده فيه وحين يجد المقطع الأصلي سيحتفظ بصور مفككة كدليل على الزيف ويحذف النسخة التي يفحصها أيضا.
ويظل السؤال المرعب ماذا إن نشروه هم؟ حتى وإن نشر معه خبر زيفه مع الدليل، كيف سينسي الناس رؤيتهم لها واسمها متورطة بتلك القذارة؟!
جف فمها ونبتت الأشواك بحلقها فخطت مبتعدة يشيعها بنظرات واجمة، يتساءل عن القادم كيف سيكون؟ ولم يستطع مفارقة ظلها الراحل حتى توارى عن مرأى نظره ولأول مرة يشعر بخواء قعر صدره، فارتفعت كفه بتلقائية كما فعلت هي قبل قليل لموضع قلبه وإن كان دافعه هو يختلف عن دافعها في تلك اللحظة، فقطب حاجبيه يتساءل بهمس حزين: ماذا يحدث معي؟
******
بثبات يتماسك، يشعر بغضب يشتعل بحنايا صدره فتشتد عضلات جسده كلها في موجة واحدة تهدد بجرف الجميع، لا يسمح لذاك البريق من الأمل بأن يراود الجزء المعذب فيه بنسمات مواسية توحي له بسر مبهج، رحيل قد يكون حيا يرزق! لا! لن يرضخ لإغراء الأمل ولذة تحقيق الأمنية الحالمة لأن الصدمة بعدها بحقيقةٍ مرة فظيعة ستكون هي القاضية لا محالة!
:رحيل!
أجفل فالتفت إلى جوسيف يرد عليه بملامح متصلبة ممتزجة بشرود واجم: لست رحيل!
استغرب جوسيف مقالته وحالته الثائرة بمشاعر حارقة تنتفض بها هيئته، فيجيبه بمراعاة بينما شيشيك تراقب بتمعن واهتمام تود لو تغتاله في صدرها قبل أن يلتهمها فتخسر الكثير كما يلح عليها جانبها الفخور بنفسه، وما هي عليه كمدافعة ومحاربة لأجل أهداف تعدها سامية بعيدا عن أمور العواطف التي تضعف الهمة من وجهة نظرها وتركن القلب للسلام واللين.
:أعلم بأن رحيل ليس اسمك ولكن أنت رفضت مشاركتنا معلومات عنك مع أنني فهمت بأن اسمك الحقيقي فراس الأبيض لكن ذكر رحيل الأصيل مرات شوش علي فهمي لما بادلتموه من حوار في ذاك المخزن.
التقط نظراتها تلك، فاستدار يمسح وجهه ويتنفس بعمق قبل أن يمسك بطرف ظهر الكرسي وسط بهو شقتهم الصغيرة، لابد من أنه جن وهو يشعر بحاجته لشيء ما منها، كيف ذلك؟! يود لو يحصل على مواساة منها أو ربما احتواء، ربتة على الظهر أو الكف، فيجمح به خياله المتمرد لما أبعد من ذلك إلى ضمة دافئة، لن ينكر جنوح صميم قلبه لخيال مماثل، فيزجر نفسه وسط تلك العاصفة الغارق بها.
لقد قرر ومنذ مدة بأنه يفقد السيطرة والآن يقف عاجزا عن تفسير ما يلم به من عاصفة جارفة لا يرى فيها يديه، فكيف يستوعب فيها ما يشعر به تحديدا؟
:شيشيك يجب أن تبدأ بالخطة، هل نرحل؟
بلل شفتيه ثم بلع ريقه مرات عدة، وتلك معضلة أخرى، على قدر رغبته في إنهاء تلك المهمة الأصعب على نفسه، على قدر نفوره وشعوره ولأول مرة بثقل وخوف من الأمر برمته وذلك في حد ذاته يثير المزيد من الغضب في نفسه المتهَمة أمام عقله الساخر، يرجع خوفه ذاك لضعفه الوليد نحو تلك ال شيشيك بدل أن يفوقه رعبه على طفل عمه من الهلاك مثل رحيل! رحيل الذي قد يكون حيا ويهدم أساس سنوات العذاب الماضية.
استدار إليهما يشد جسده بقوة كما عبس ومقلتيه تلمعان بضراوة بينما يخاطب جوسيف بدلا منها: يجب أن تكون حريصة بما أنها قفزت إلى الجحيم دون تردد، فابن عمي طفل غالي علي مثل والده، وإن حصل له مكروه لن أسامحها.
نظر إليه جوسيف مليا يبلع ما يريد البوح به من رأي يكتمه بصدره يرجئه لوقت لاحق ثم قال له بمهادنة: سنتابعهما ونؤمنهما بحرص، نتوكل على الله وهو سيوفقنا.
هز رأسه ثم رد عليه مستمرا بتجاهلها، فيثير غضبها المتزايد بصدرها بتجاهله ذاك: أتمنى أن تلتزم بالتعليمات ولا تنصاع لعنادها وتهورها، فالوضع لا يحتمل أي غرور أو جنون!
وقبل أن يفتح جوسيف فمه تقدمت بخطوات صاخبة وتوقفت أمامه تحاصر نظراته رغما عنه، فيشهق بعمق غير ملاحظ، يتلقى اشتعالها المنعكس بصفحة مقلتيها المتلألئتين بشعور نابض بالحياة والاصرار مع لمحة شجن أضفت عليها انكسارا مبهرا في حزنه الممزوج بعاطفة قوية عميقة يصعب عليها إخفاؤها بين أوتار صوتها المجروح :كلمني هنا لست خيالا تتجاهله! وصدقا لا أفهمك ولا أفهم غضبك مني، لست عدوك بل أنا حليفتك والمحاربة إلى جانبك لنتخلص من عدونا المشترك.
ابتسم ببرود يبدو كأنه يستفزها بينما في الحقيقة هو يستفزها ويستفز جوسيف الذي عبس بغير رضا أرضاه، وينتظر انفجارا يحتاج إليه حاليا وبطريقة تأجج من عصبيته: عزيزتي أنت تطرين نفسك كثيرا، وفخرك هذا بقدراتك ما يقلقني ويثير عصبيتي فالوضع لا يحتمل أي غلطة أو إخفاق.
تكتفت تتحداه بسخرية مسحت كل شيء قبل ذاك البرود المكتسح لوجهها بينما تعقب: حقا؟
زوى ما بين حاجبيه يرمقها بملامح مغلقة رافضة، فتبادله نظراته تلك بأخرى متحدية تكتم ما بصميمها من عاطفة غير معلنة حين تدخل جوسيف بينهما ينظر إليهما بالتناوب، ويفكر بصحة ما كان يخطط له سابقا: يجب أن نتفق لأن الوقت يداهمنا وكلما أسرعنا كلما ربحنا وقتا أكثر لندرس ما نحن مقبلون عليه.
تلكأ ثم أكمل بملامح مترقبة: لننتهي من هذا الأمر ونفترق كل واحد منا يعود إلى حياته!
أجفلا على حديثه ونظرا إليه في لحظة وجيزة خاطفة، خطفت منهما تعبيرا غريبا مشبعا بالإحباط واليأس، لكنها لحظة تلاشت واندثرت بسرعة وتباعدا عن بعضهما كما تباعدت نظراتهما بعيدا تبحث عن المرسى لعواصفهما العاتية.
رن هاتفه فاستله ليرد على زميله الذي خاطبه بنبرته المرحة كالعادة: لم تدعُني يا بخيل رغم علمك بحبي للسياحة وها أنا أتيت رغما عنك.
قطب رحيل بحيرة يجيبه بريبة: ماذا تقصد؟
ضحك الآخر قبل أن يرد عليه بينما جوسيف وشيشيك المرتبكة يراقبانه بترقب وحيرة ألمت بهما أيضا: لا أنكر رغبتي العارمة بالتجول بين زقاق هذه البلدة لأكتشف ما تخفيه من جمال لكن أنت تعلم حين أجوع لا أستمتع بأي شيء وأتحول إلى غول قد يفترس من يظهر أمامي.
رف فراس بجفنيه غير مستوعب بعد إلى أن تابع صديقه بمرح: هيا! افتح الباب يا رجل أو أقتحمه لا مشكلة لدي، سأقوم بالعد إلى ثلاثة... واحد ... اثنان... ث...
كان فراس قد تقدم ليفتح الباب وأمارات الريبة تكتسح محياه ليجد صديقه والبسمة تملأ وجهه المرح أغلب الوقت، يفتح ذارعيه مستدركا بتسلية ومزاح: ألم تشتق لتوأم روحك كيرال؟
ضغط فراس شفتيه إلى بعضهما بضجر يهم بالرد عليه وسؤاله عن سبب قدومه، لكن كيرال كان قد التقط هيئة جوسيف وشيشيك الواقفين خلف صديقه، فأضاف هامسا بنظرة ماكرة انقبض لها قلب فراس، فاشتد عبوسه مجددا يحدق به بوجوم وجمود: الآن فقط فهمت سر غيابك الطويل هذه المرة! يبدو أن رحلتي ستكون بالنهاية ممتعة مع أنني لم أكن أشك في ذلك سابقا.
***
انتهى الفصل

soha, romiakoke, ToOoOmy and 21 others like this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-06-22, 07:37 AM   #230

فايوليت س

? العضوٌ??? » 476647
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 258
?  نُقآطِيْ » فايوليت س is on a distinguished road
افتراضي

مررررة روعة الفصل عجبني... حزنتي ريفان تلاقيها من ياسمين صاحبتها أو من الإشاعات و التهديدات اللي في عملها..... همام أيضا هو عائلته قصتهم صعبة جدا و مؤلمة كيف يأخذوا البنت من أهلها عشان أفكارهم ما اع ف أوصف الصراحة من النذالة و الحقارة فيهم
جزاك الله خير الفصل رائع جدا صراحة لنفسي كان جائزة لي بعد المذاكرة.


فايوليت س غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:34 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.