آخر 10 مشاركات
ثارت على قوانينه (153) للكاتبة: Diana Palmer...كاملة+روابط (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          وعانقت الشمس الجليد -ج2 سلسلة زهور الجبل- للرائعة: نرمين نحمدالله [زائرة] *كاملة* (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          مرايا الخريف -ج3 سلسلة زهور الجبل- للكاتبة المبدعة: نرمين نحمدالله *كاملة & بالروابط* (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          رواية المخبا خلف الايام * متميزه و مكتملة * (الكاتـب : مريم نجمة - )           »          قيود ناعمة - ج1سلسلة زهورالجبل - قلوب زائرة - للكاتبة نرمين نحمدالله *كاملة&الروابط* (الكاتـب : noor1984 - )           »          و أَمَةٌ إذا ما ابتُلِيَت في شرَكٍ ما جنتَ *مميزة* *مكتملة* (الكاتـب : فاطمة عبد الوهاب - )           »          كل مخلص في الهوى واعزتي له...لوتروح سنين عمره ينتظرها *مكتملة* (الكاتـب : امان القلب - )           »          7 - غراميات طبيب - د.الأمين (عدد حصري)** (الكاتـب : سنو وايت - )           »          الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )           »          قلوب تحترق (15) للكاتبة الرائعة: واثقة الخطى *كاملة & مميزة* (الكاتـب : واثقة الخطى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree12256Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-05-22, 08:07 PM   #231

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile21 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثامنة: القسم الأول


القصاصة الثامنة
(نبضات تتسكع بأزقة الذكريات)


جرح غائر أصاب الصدر.. لا هو يندمل ويبرأ.. ولا حتى تنمو قشرته تاركة ندبة جافة على السطح تخفي تحتها وجعا أكبر وتشوها أقبح..
بل يظل هكذا مفتوحا يئن ببطء رغم محاولات تطبيبه، فلا يختفي الألم ولا تزول الذكرى.. ثم نخوض غمار الحياة، فنتوه بين الصخب والزحام وأعباء الحياة.. ونبتهل أن ينسى الجرح طقسه اليومي بإيلامنا والذي أقسم عليه دون نية للحنث..
وحين يشتعل لهيب الذكريات أسفل رماد الشوق، تتسكع نبضاتنا بين الأزقة باحثة عن نغمها الرتيب الذي كانت تعرفه حينما غلبت السكينة الوجع، فيعزف ترنيمة سلام تهدئ الصخب الهادر بين ثنايا وأروقة الروح..




بعد انتصاف النهار بقليل، حطت الطائرة القادمة من دبي في مطار القاهرة الدولي، لتترجل ضمن ركابها شقيقتان عادتا للوطن يأسا من واقع جاف وصمهما بالخذلان، بعد أن أمضتا خارج حدود وطنهما نحو خمس عشرة سنة أو يزيد، ترتحلان من دولة لأخرى لتستقرا في دبي كآخر محطة لهما قبل أن تقررا العودة للوطن..
لم تكن نية العودة قد نثرت بذورها في أفكار مرح وشذى والي أبدا، حتى بعد رحيل والديهما تباعا، حيث أصرتا على الاستمرار في إقامتهما هناك، لكن الارتماء في أحضان الوطن والالتحاف بهوائه بات فرضا بعد أن قست عليهما الغربة ولم تعودا قادرتين على تحمل أوجاعها..
لكن على غير توقعاتهما بعودة هادئة أقرب للعملية المفرطة بدلا من لقطات درامية تذيب القلوب على أرض المطار، تعرضت الشقيقتان لأولى مفاجآت العودة، بغياب من كانت منوطة باستقبالهما في هدوء..
خرجت مرح وشذى من بوابة المطار، تدفعان عربتين من المعدن تمتلئان بعشرات الحقائب هي حصيلة سنوات الهجرة التي عادا منها بخيبة مريرة برغم النجاح المهني والأمان المادي..
أخذتا تنظران في المحيط تبحثان بين عشرات الأشخاص الذين كانوا يتحركون بين شغف وحنين، لكنهما لم تجدا وجها مألوفا اشتاقتا إليه، فهتفت شذى التي لفحت رطوبة الجو وجهها برغم انتصاف فصل الخريف تقريبا في القاهرة: "أين Mu-Ji؟"
ردت مرح بتوتر : "لا أدري.. أراسلها ولا ترد عليّ"، فأمرتها شذى بنفاذ صبر أن تهاتفها، والنتيجة لم تختلف..
لا رد..
تسلل القلق لشذى، التي اقترحت باضطراب محاولة أن تفرض على عقلها عدم التفكير في احتمالات مرعبة: "اتصلي بـــــــ Shades"، ليأتيها الرد وجلا من أختها: "لا أريد أن أقلقها"..
تهاوت شذى بتعب على إحدى الحقائب التي حوّلتها لمقعد متنقل، ثم هتفت بنبرة تمزج بين القلق والإجهاد: "ربما تعرضت سيارتها لعطل مفاجئ.. ماذا سنفعل الآن ؟ كيف سنعود لبيتنا بكل تلك الحقائب؟ أنا حتى لا أتذكر العنوان كليا"
أخذت مرح تفكر قليلا، ثم هتفت: "سأتصرف"، لتسارع بعدها بالعبث بهاتفها حتى وجدت رقم صديقها تامر الذي سبقهما بالعودة للاستقرار في القاهرة قبل أشهر، فهاتفته عبر تطبيق Google Duo، وحين جاءها الرد، هتفت فيه بلهفة غريق يحتاج لطوق نجاة: "تامر.. لقد وصلنا للقاهرة، ولكن ابنة خالتنا لم تتمكن من الحضور للمطار في آخر لحظة.. أحتاج مساعدتك.. يجب أن"..
قبل أن تكمل مرح، أوقفها تامر هاتفا بنزق: "اهدئي وخذي نفسا عميقا تتحدثين بسرعة ولا أفهم شيئا.. ما بها ابنة خالتك؟"
مطت مرح شفتيها بانفعال، ثم ردت: "يبدو أن سيارتها قد تعطلت، ولا ترد على هاتفها.. كانت الخطة أن تقوم بتوصيلنا لبيتنا حتى نضع بسيارتها بعض الحقائب ثم نتحرك خلفها بسيارة مستأجرة مع باقي الحقائب.. لا أريد أن نقسم الحقائب على سيارتين أجرة.. فبعضها يحتوي على مصوغات ذهبية وأشياء ثمينة.. أريد نقلها بسلام.."
رد تامر موبخا بمزح: "تستغلين صداقتنا أسوأ استغلال.. كل هذا لأنني وافقت على أن أتخذكِ أختا صغري كوني نشأت وحيدا بلا أخوة.. لا بأس.. سأحضر سيارة نقل صغيرة تخص المطعم، وسأحضر لكما لنقل الحقائب خلف السيارة التي ستقلكما.. أو حتى يمكنكما الركوب معي في مقدمتها"..
شكرته مرح التي سارعت بإرسال رسالة لبحر ، تطمئنه أنها قد تصرفت في عملية نقل متاعهما، كي يركز أكثر في البحث عن سبب اختفاء أمواج ثم يطمئنها..



(لقد حطت بنا الطائرة في مطار القاهرة.. لكن أمواج لم تحضر لاستقبالنا وتوصيلنا إلى شقتنا.. وهي لا ترد على الهاتف.. وبدأت أشعر بالقلق بالفعل)..
لا يعرف بحر كيف حافظ على تماسكه ظاهريا برغم ارتجافه داخليا، فور أن قرأ كلمات الرسالة المشؤومة التي أرسلتها له ابنة خالته مرح، وبدلا من أن تتحول لحظة وصولها وشقيقتها شذى لأرض الوطن إلى احتفالٍ مبهجٍ بعودتهما، صارت اللحظة التي عاود بحر شعور الذعر الذي زاره مرة من قبل وزلزل كيانه بصورة لم يُشفى منها حتى الآن..
شعور لن ينساه للأبد، خاصة وأنه قد تكرر هذه المرة، ولكن مع نصف روحه..
وإن كان في المرة السابقة قد تحمّل السقطة لأنه كان مقيدا، وهو نفسه الواقع في الخطر، إلا أنه الآن لن يبقى مكتوف الأيدي وحبيبة عمره في خطر، لذا نهض بقوة، والعزم يسري بأوردته كجرعة منشطة من إكسير الحياة التي حرص على أن يخدر كل إحساس بها بداخله حتى ينأى بنفسها عن مشاعر تطابق تلك التي يعيشها الآن..
الحياة التي تغاضى عنها عرضا لسنتين، اكتفى خلالها بالسير على هامشها لا يهتم بتفاصيل ولا يتأثر بأي شعور بعد أن استسلم لذبول روحه واستكان لحالة الجمود العام التي ظن أنها ستحميه من أي وجع أو قلق..
أما سفيان، فقد تبعه بنظراته القلقة وهو يستشعر أن أمرا جلل قد حدث، لذا أنهى اجتماعه مع مهندس الديكور بكلمات مقتضبة ثم تحرك للخارج في إثر بحر الذي وجده يسند بكفه الأيسر على الحائط، بينما يعبث بأنامل كفه الأيمن على شاشة هاتفه التي تعلقت بها عيناه وكأن ما يبحث عنه سيتجسد إذا حافظ على تحديقه لفترة كافية، ولهاث أنفاسه المتوترة يكشف حالته بوضوح..
سأله سفيان بنبرة هادئة: "ما الأمر؟"، وكعادة جندي يتبع قائده ليستلهم منه الإرشاد، قدّم بحر تقريرا سريعا ولكن شاملا لصديقه الأكثر خبرة في الحياة، والأكثر سيطرة على أعصابه في تلك اللحظات..
ولم يخيب سفيان ظنه، إذ قال موجها: "استمر في مهاتفتها، ربما كان هاتفها على وضع الصامت ولمحت الشاشة تضيء باسمك.. وأنا سأسأل ابنة عمها شادن.. سأحاول أن أستخرج منها المعلومات دون أن أقلقها"..
وعلى الفور تبادل سفيان مع شادن مجموعة من الرسائل كشفت له من خلالها أنها تتوقع أن تكون أمواج حاليا في طريقها للمطار لكي تستقبل مرح وشذى وتقلهما إلى منزل عائلتهما، لكنها اعترفت أيضا أن أمواج كانت معتلة الصحة والمزاج منذ الأمس، وأصيبت بنزلة برد خفيفة، لذا تركت طفليها لدى زهو كيلا تنقل إليهما العدوى، ولتحصل أيضا على بعض الراحة قبل أن تتوجه للمطار..
في ذات الأثناء، هاتف بحر مرح يسألها بقلق: "لم أفهم شيئا من تلك الرسالة.. متى كان ينبغي أن تقابلك أمواج تحديدا؟ ولماذا ليس لديّ علم بهذا الأمر؟ على الأقل كنت أساعدكما في الانتقال لمنزلكما"..
حمحمت مرح بتوتر، ثم أخبرته بتفاصيل اتفاقها مع أمواج، ولمّا ظل بحر صامتا دون تعقيب، أردفت بحرج وتوتر: "لقد تدبرنا أمر التحرك من المطار بحقائبنا الكثيرة.. سيأتي صديق ليقلنا.. لقد أرسلت لك رسالة منذ قليل أخبرك بالأمر.. لكنني قلقة على أمواج ولم أرد أن أكلم خالتي فايزة كيلا أقلقها"..
في وقت آخر، كان بحر ليوبخها للاستعانة برجل غريب بدلا من اللجوء إليه مباشرة، لكن ذهنه الآن كان مشغولا فقط باكتشاف ما جرى لأمواج، لذا هتف ببعض الانفعال: "فعلتِ جيدا بعدم الاتصال بخالتنا.. أنا سأجد أمواج وأطمئنكم.. حمدا لله على سلامتكما.. وسنتحدث لاحقا عن عدم إخباري بموعد عودتكما.. أخبري شذى أنني سأحدثها.. وسأوبخها بعنف"، لينهي المكالمة معاودا الاتصال بأمواج من جديد دون أن يتلقى ردا..
أما سفيان، فقد أنهى مراسلاته مع شادن بأن أخبرها أن أمواج فقط ترفض الرد على رسائل بحر لذا شعر ببعض القلق عليها، ثم توجه إلى صاحبه وهتف يحثه على الإسراع بالتنفيذ: "اذهب فورا إلى بيتها.. ربما ازداد المرض عليها وسقطت فاقدة للوعي أو ما شابه.. إذا وصلت لبيتها ووجدت سيارتها مصفوفة، فهذا معناه أنها لم تغادر المنزل من الأساس.. أي أنها لم تقع ضحية حادث لا قدر الله.. لذا أول شيء نفعله حاليا هو الاطمئنان إلى مكان تواجدها.. وإذا لم تكن سيارتها هناك، فسأكلم فورا واحدا من أصدقائي في شرطة المرور"..
تحرك بحر مسرعا لدراجته النارية وقادها بأقصى سرعة ممكنة صوب منزل أمواج غير عابئ بسلامته الشخضية، متمتما بالشكر لله كونه حاليا في نفس المحافظة.. بل نفس التجمع السكني ولا يفصله عنها سوى كيلو مترات قليلة سيقطعها خلال ربع ساعة على الأكثر..
حين وصل بحر للبناية التي كانت يوما تحتضن منزله الذي يأنس به مع أسرته الصغيرة، لاحظ سيارة أمواج – سيارته سابقا – مازالت مصفوفة في مرآب البناية إلى جوار سيارات أخرى، تعرّف هو إلى واحدة من بينها، تخص زهو جارته سابقا وأرملة نبيل صديقه الشهيد ..
على الفور، كتب رسالة سريعة لسفيان يخبره أن أمواج على الأرجح في شقتها، وأنه سيصعد ليطمئن عليها..
ورغم أن قلبه اطمأن قليلا أن أمواج لم تتعرض لحادث سير كما كان يخشى، إلا أن اضطراب نبضاته لم يهدأ، خوفا من أن يكون قد حدث لها شيء سيء منعها من الرد على كل تلك الاتصالات والرسائل..
بالكاد، منع نفسه من التركيز في الأفكار المرعبة التي كانت تتواتر على عقله بسرعة جنونية، وتحرك صوب مدخل البناية قاطعا الحديقة الأمامية الصغيرة..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-05-22, 08:10 PM   #232

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثامنة: القسم الثاني

في طريقه لمدخل البناية، قابلته الجارة نرمين التي كانت تجلس على مقعد محشو بغطاء جلدي مريح وأمامها طاولة صغيرة مربعة ملونة، تضع عليها زجاجة من طلاء الأظافر، بينما مدت ساقيها بجوار الزجاجة، تصب تركيزها كليا في وضع الطلاء بعناية، لينقطع تركيزها تماما عندما لمحته، فهبّت من مكانها تقف باندفاع، تاركة الفرشاة لتسقط على الأرضية العشبية للحديقة المواجهة للبناية، وبحركة ظنتها غير ملحوظة سحبت الطرف السفلي لكنزتها ذات الياقة الواسعة لكي تبرز أنوثتها السخية، ثم ركضت نحوه بخطوات مسرعة، وهي ترحب به ببهجة غير عادية: "مرحبا بحر باشا.. نورتنا"..
رد عليها بحر بتهذيب مقتضب متحركا في طريقه متجاهلا النظر إلى حيث حثته هي بتصرفها المستتر، لكنها تبعته كقطة فضولية وهي تسأله بنبرة خبيثة: "لم نرك منذ أشهر طويلة.. هل جئت لترى أمواج؟"..
رفع بحر حاجبه ضيقا، غير راغب في منحها آية دقيقة من وقته بالرد على ثرثرتها الفضولية، فتابعت قاصدة إحراجه: "لماذا جئت في هذا التوقيت؟ كيان مازالت في المدرسة.. آه فهمت.. ربما أردتَ الانفراد بطليقتك"..
التفت بحر نحوها، وقال بضيق: "ما شأنك؟ لقد جئت لابنة خالتي وأم طفليّ لسبب يخصنا.. هل سأحتاج لإذنك؟"، ثم انطلق نحو الدرج يقطعه متعجلا بقفزات رشيقة قاصدا الطابق الثاني بدلا من المصعد، كونه لن يطيق الوقوف في هذا الصندوق الضيق ليترك الأفكار تأكل ما تبقى من ثباته الانفعالي في الدقائق التالية..
حين وصلت بحر لباب الشقة، أخذ يطرق عليه ويضغط على زر الجرس.. ولمّا لم يأتيه رد من الداخل، ازداد القلق بدواخله عاصرا أحشائه بقبضته القاسية، فسحب ميدالية مفاتيحه، ليختار مفتاحا معينا، لامسه بتردد يمتزج بشوق لم يفلح في إنكاره، قبل أن يضعه بقفل الباب ويحركه ببطء..
حين انفتح الباب أمامه، سيطر بحر على الحنين الذي بدأ يذيب الجليد المحيط بقلبه مستعيدا جموده المعتاد في حضورها، ثم دلف للداخل بخطوات واثبة، وهو يهتف باسم صاحبة البيت..
أخذ يدور في المكان.. وصل إلى المطبخ.. ثم غرفة المعيشة فغرفة الطفلين.. حتى الشرفة الخارجية.. وفي النهاية، تحرك صوب غرفة النوم بخطوات قلقة مترددة، ورأسه تدور بها عشرات الأفكار المزعجة، ولسانه يتمتم بالدعاء ألا يكون مكروه قد أصابها..
لن يحتمل.. أبدا لن يحتمل
ما إن وصل لداخل الغرفة وضغط مفتاح الإضاءة، حتى وجدها متدثرة في فراشها تكمش أطرافه بيديها.. ليست نائمة تماما، ولكنها تبدو في عالم آخر وغير واعية لوجوده أساسا..
هرول نحوها وجلس على طرف الفراش، ممسكا بكفها الأقرب، ليجده ساخنا مرتعشا، فوضع يده على جبتها المتعرقة، فتأوهت هي بصوت متعب لا يكاد يخرج من بين شفتيها المتيبستين، قبل أن تسعل بألم..
أسرع بحر بإرسال رسالة صوتية لسفيان ينقل له وضعها الصحي، ويخبره بحاجته لطبيب فورا.. ثم نهض يضع يديه بخصره مفكرا..
تحرك نحو الحمام، ليخرج من خزانة الأدوية قرصين من الدواء، ثم ذهب إلى المطبخ، وعبث ببعض الأدراج حتى عثر على صندوق المشروبات العشبية، ليخرج عبوة تحتوي على أكياس معبأة من الينسون والزنجبيل والليمون، فقام بغلي بعض الماء، ثم صنع مشروبا عشبيا محلى بالعسل الأبيض، وأحضر طبقا بلاستيكيا صغيرا تستخدمه عادة لنقع الفاكهة، ووضع بعض الماء الفاتر به، وعاد للحمام وحمل منشفتين صغيرتين للوجه، ثم جمع كل الأغراض على صينية عريضة وتوجه نحو غرفة النوم..
بدأ بعمل الكمادات على جبهتها ورقبتها وكفيها، وهي تتململ أحيانا وترتعش أحيانا، ثم أجلسها بشكل جزئي واضعا بعض الوسادات خلفها، وبدأ يساعدها في ارتشاف المشروب حتى أنهت نصفه كونها لم تكن في وعيها كليا بتأثير الحمى، بعدها منحها اثنين من أقراص الدواء الخافض للحرارة، ثم دثرها من جديد، وتركها بالفراش لحين زيارة الطبيب الذي سيأتي به سفيان..
توجه بحر بعدها نحو المطبخ الذي كان ممتلئا بالأطباق والأكواب المستعملة متسائلا منذ متى وهي تعاني من تلك الحمى..
بدأ بحر على الفور بترتيب بعضها في غسالة الأطباق، ثم نقع مقلاة وإناء وصينية فرن، ليعود لغسلهما لاحقا..
طالع المطبخ حوله باحثا عن شيء ليطعمها كي تستعيد بعضا من عافيتها، فلم يجد سوى بقايا طعام الأمس مخزنة في الثلاجة، فأخرج دجاجة من المجمد، ووضعها في الميكروويف لفك تجميدها، ثم أخرج بعض الخضراوات من الثلاجة وشرع في تقطيعها إلى أن رن جرس الباب، فتحرك بخفة لفتحه، ليجد سيدة شابة قدمت نفسها على أنها الطبيبة المرسلة بواسطة سفيان مرتجي، فأرشدها إلى غرفة النوم ووقف هو بجوار الباب مبعدا ناظريه عنهما حتى انتهت الطبيبة من توقيع الكشف الطبي عليها، لتخبره أنه أحسن التصرف بمنحها الدواء الخافض للحرارة، ثم كتبت وصفة علاجية لأجلها مؤكدة أنها تعاني من نزلة برد شديدة، لكنها تبدو هزيلة وبحاجة لتغذية صحية لتستعيد مناعتها قوتها وتقاوم الحمى، وأخبرته أنها إذا لم تتحسن سريعا بعد تناول الأدوية، فإنها قد تطلب منها عمل بعض التحاليل للاطمئنان، موضحة أنها وصفت لها أيضا بعض الفيتامينات لتتحسن مناعتها في مواجهة المرض..
مع مغادرة الطبيبة، هاتفه سفيان يطمئن على أمواج، ثم طلب منه تصوير الوصفة العلاجية بهاتفه وإرسالها له، لكي يتدبر طلب الأدوية من الصيدلية الموجودة بالتجمع والقريبة من البناية التي تقطنها أمواج، ثم ذكّره بأن يراسل مرح يطمئن على وصولها لبيتها ويخبرها بوضع أمواج، فسارع بحر بالتنفيذ معتذرا لها عن الموقف برمته، وأخبرها أنه سيحضر في نهاية الأسبوع برفقة أمه وأخيه فرات لزيارتهما في بيتهما والترحيب بعودتهما..
عاد بحر من جديد لإعداد الحساء، ثم استلم الدواء من فتى التوصيل الخاص بالصيدلية..
كان يشغل وقته منذ دلف إلى داخل الشقة كيلا يستسلم لما هو على وشك فعله الآن.. إذ بدأ يتحرك ببصره ملقيا نظرة عامة على الشقة، وهو يقاوم بشدة إلحاح أفكاره باستعادة ذكرياته في هذا المكان..
يفتقد المكان كثيرا.. يفتقد دفئه وحيويته، لكنه لن يعترف أبدا بذلك..
لماذا لم يعد طبيعيا بعد سقوطه بالجحيم، لكي يهنأ برفقة زوجته وطفليه؟
لماذا تمتلئ رأسه بندوب غير مرئية لا يستطيع الفرار منها بدون اللجوء لحيله الخاصة التي يعرف جيدا أن ضررها أكبر من نفعها؟
رن جرس الباب، فتحرك لفتحه، فوجدها زهو تحمل ابنه الصغير كنان الذي كان غافيا مسندا رأسه على كتفها باستكانة، ورموشه الطويلة المرتخية على وجنتيه تطالبه بأن يبدد اشتياقه لصغيره بعشرات القبلات، بينما تمسك بيدها ابنته كيان التي التمعت عيناها ببهجة خاصة حين شاهدته، فاهتزت مقلتاه شوقا لها، فمنحها ابتسامة شبه مبتور ة، قبل أن يرفع عينيه لزهو من جديد، ليرحب بها ويدعوها للجلوس..
تحركت كيان نحو غرفة الألعاب، بينما وضعت زهو كنان على الأريكة الواسعة بين وسادتين لحمايته من السقوط، ثم قالت: "أخبرتني نرمين أنك جئت لزيارة أمواج.. وكنت أعلم أنها من المفترض أن تستقبل ابنتيّ خالتها اليوم، لذا شعرت بالقلق وجئت لأطمئن عليها.. هل كل شيء بخير؟"
رد بحر بحرج: "نعم.. لقد أخبرتني مرح أنها لم تصل في موعدها، فجئت لاستكشاف الأمر ووجدتها شبه فاقدة للوعي بسبب ارتفاع شديد في درجة الحرارة، لكنني أحضرت لها الطبيبة وهي الآن نائمة.. سأنتظر حتى تستيقظ وأطمئن عليها ثم أغادر"..
قالت زهو بقلق: "لقد كانت تعاني من التوتر العصبي مؤخرا، ولم تكن تأكل أو تنام جيدا منذ فترة"..
أصابته كلمات زهو بالحيرة والاضطراب، لكنه رفض الانزلاق وراء ذلك الشعور كيلا يجلب عليه المزيد من الأحاسيس التي وأدها بداخله منذ وقتٍ طويل، لذا سارع بسؤالها باهتمام حقيقي: "هل أنتِ بخير؟ هل تحتاجين شيئا؟"..
فوجئت زهو بسؤاله واهتمامه الواضح، ثم تذكّرت أن مشكلة بحر ليست مع الجميع.. بل بينه وبين أمواج فقط، لذا فقد ردت بصدق: "الحمد لله..الآن أفضل من قبل"..
قال بنبرة مشجعة: "أعلم أنني لم أكن خير معين لكِ في الفترة الماضية.. ولكنني الآن عدت للإقامة بالقاهرة.. فإذا احتجتِ شيئا.. لا تترددي في إخباري وسأحرص على أن ألبيه من أجلك أنت وساري"..
منحته زهو ابتسامة ممتنة، محاولة إخفاء الشفقة التي تطل من عينيها على حاله، فتساءلت تغيّر مسار الحديث: "هل أعد لك شيئا لتتناوله مع كيان؟"
قال مستدركا: "سأطعم أنا كيان.. لقد أعددت حساء من أجل أمواج.. وسأجهز طبق مكرونة بالكفتة من أجل كيان.. هل تريدين الانضمام إلينا؟"
شعرت زهو أنه بحاجة للمكوث مع ابنته لفترة أطول، لذا نهضت تقول: "إذًا لأترككما تطبخان معا وتتسامران قليلا، وسآخذ كنان معي ليسليني قليلا ريثما ينهي ساري واجباته.. سأعيده لأمواج فور أن تتحسن صحتها.. سأهاتفها مساء على كل حال"..
تحركت زهو للخارج بعد أن حملت كنان الذي تعلقت عينا والده به للحظات دون أن يقدم على معانقته أو تقبيل جبينه، فأدارت وجهها كيلا تصيبه بالحرج بعد أن لاحظت معاناته الشديدة بالنسبة لصغيره الرضيع، لكنها تحركت للخارج وهمست في نفسها دهشة: (هذه أطول محادثة تجمعني ببحر منذ عودته من أفريقيا.. ربما في القريب العاجل يعود كما تعودنا عليه.. من أجل عائلته)..
مع رحيل زهو، التفت بحر مترددا نحو كيان، وسألها بحذر: "هل أنتِ جائعة؟"
أومأت كيان، ثم قالت متحمسة: "أريد تذوق ما ستصنعه لي يا بابا"..
قال بحر بتردد: "اتبعيني إلى المطبخ ولكن ستنفذين ما سأقوله حرفيا.. لن تتحركي حولي وتعرضي نفسك للخطر"..
تحركت كيان بطاعة مغايرة لطبيعتها الحيوية المائلة إلى المغامرة يقودها شوقها إلى والدها، فوضعها بحر على مقعد طويل عند أحد الأركان بعد أن لفه ليكون مواجها له، فتستطيع ابنته متابعة ما يفعله..
بدأ بغلي الماء من أجل سلق المكرونة، ثم أخرج كرات الكفتة المجمدة وأدخلها الميكرويف من جديد لفك تجميدها، ثم باشر يقطع بعض الخضراوات وهو يسأل ابنته بحذر متصنعا ثرثرة بلا هدف: "كيف حالك في المدرسة؟ هل يضايقكما الأطفال أنتِ وساري؟"..
قالت كيان ببراءة: "بعض الأوقات.. إنهم يعلمون أن ساري ليس لديه بابا.. لذا يضايقونه.. وأنا أتدخل وأدافع عنه"..
هتف بحر مشجعا: "حسنا.. وكيف تدافعين عنه؟"..
ردت كيان: "أحيانا أخبرهم أنني أيضا بدون بابا فيسكتون.. وأحيانا يضايقونني أيضا فأضربهم"..
تجمد بحر في مكانه لوهلة عندما سمع كلمات ابنته، لكنه تدارك الأمر مخفيا تعبير الحسرة الذي ارتسم على وجهه..
لا يحق له لومها.. هو من تخلى، لذا قال ممازحا: "كأب يفترض بي أن أخبرك ألا تضربي أصدقاءك.. ولكنني لن أمنعك من الوقوف أمام من يحاولون إيذاءك والتصدي لهم.. لكن لا تخبري والدتك أنني قلت لكِ ذلك"، ثم غمزها بعفوية، لترد هي عليه بتواطؤ بغمزة مشابهة..
أخرج بحر كرات اللحم من الميكروويف، وبدأ في طهي الكفتة داخل المقلاة مع شرائح الجزر والفلفل الملون ثم أضاف إليها صلصة الطماطم، وبعد قليل وضع المكرونة المسلوقة وبدأ يمزج الخليط جيدا، قبل أن يسكب محتويات المقلاة في طبقين، وضع أحدهما أمام ابنته، ثم بدأ في تناول طعامه من الطبق الآخر، ليعاود سؤال ابنته: "كيف تعبت والدتك؟"..
قالت كيان: "كانت تريد الاستحمام وسخان الماء لم يعمل.. لم أفهم ما حدث تحديدا، لكنها حين شعرت بالتعب قالت إن سخان الماء هو السبب"..
شرد بحر متفكرا، ثم قال: "لا بأس.. سألقي عليه نظرة"..
عارضته كيان قائلة: "أمي هاتفت مركز الصيانة وسيأتون لإصلاحه"، ليعود بحر للشرود من جديد مفكرا هذه المرة: (هل لم تعد عائلته بحاجته بعد كل هذا الوقت من التخلي؟)..
حين أنهيا تناول الطعام، وسارع بحر بغسل الأطباق، قالت كيان بنبرة مستعطفة كانت تستخدمها معه حين كانت في الثالثة من عمرها، وقت أن كانت المخلوقة الأقرب لقلبه فيتركها تتدلل عليه كما تشاء: "احكِ لي قصة يا بابا"..
قال بحر: "بشرط.. أن تساعديني في تنظيف غرفتك.. لقد تفحصتها قبل قليل وتبدو بصراحة كشارع شميس قرب موسم رمضان"..
ارتسمت علامات الحيرة على وجه كيان التي سألته بفضول: "ما شارع شميس هذا؟"
قال والدها بفخر: "أشهر شوارع السويس.. سآخذك إليك عندما يحل رمضان القادم وأشتري لكِ فانوسا عتيقا مزينا بالزجاج الملون"..
صفقت كيان بفرحة، فحملها والدها وتحرك بها صوب الغرفة، وتحركا معا بتناغم دافئ لجمع الألعاب وترتيبها في رفوفها، ثم ساعدها والدها في إتمام واجبها المدرسي البسيط، وهو يكتم سؤالا يعلو بداخله (لماذا لا أكون موجودا هكذا من أجل أسرتي؟ ما الصعب في الأمر؟)، فيعتصر أسنانه بانزعاج مبتلعا غصة تذكّره بالسبب الذي دفعه لهجرة أمواج وابنيه قبل نحو عامين..
أخرجت كيان والدها من شروده، حين هتفت بإلحاح: "هيا يا أبي.. حان موعد القصة"..
وضعها بحر على السرير، ثم تمدد إلى جوارها مسندا ظهره على مسند السرير ومستسلما لحركة عفوية من ذراعه الذي تمدد حول طفلته لكي يحيطها بقليلا من حنانه الذي حرمها منه قسرا، ثم قال بنبرة مترددة: "أخبريني أولا.. هل أنتِ غاضبة من بابا؟"..
ردت كيان بصدق: "لا.. ماما قالت ألا أغضب منك لأنك مريض بمرض مزمن"..
عقد بحر حاجبيه بدهشة، ثم سألها بضيق: "هل تعلمين ما معنى مزمن؟"
مطت كيان شفتيها قليلا، ثم أجابت بعد تفكير: "قالت إنه يستمر لوقت طويل.. سنين كثيرة"، ثم باعدت ما بين ذراعيها وكأنها تقيس المدى الزمني بالمسافة بينهما، ثم تابعت بعد أن أنزلت ذراعيها: "لكنها أخبرتني أنني إذا دعوت كثيرا سيشفيك الله من مرضك.. لكنها.."، وأطرقت صامتة دون أن تكمل..
سألها بحر بإلحاح: "لكنها ماذا؟"
ردت كيان بحزن: "ماما تبكي كثيرا.. خصوصا في المساء حين تظن أنني لا أراها"..
قال بحر مخففا من شعورها المفاجئ بالحزن، بالرغم من شعوره بالاحتراق داخليا لما تسبب به لعائلته: "تعالي لنحكي القصة.. سأحكي لكِ اليوم حكاية الذئب والقطة"..
ناظرته كيان بفضول، وقالت بنبرة مندهشة: "الذئب والقطة؟ لم أسمع تلك القصة من قبل"..
ضحك بحر، وقال: "ألا تعرفين حكاية الذئب الذي تزوج القطة؟.. استمعي إذًا.. كان هناك ذئب شجاع يظن نفسه ملك الغابة، لأنه وُلد بقلب الماء"..
عاودت كيان السؤال باهتمام: "وهل يتزوج الذئب القطة؟"
رد بحر: "هذا الذئب فعل.. لقد نشأ في البحر وتربى بين صخور الكهوف.. ظل تائها لا يعرف له هدفا في الحياة.. ولم يجد السكينة إلا حين عشق قطة ماكرة بعيون ساحرة متقلبة يتغير لونها وفقا لحالتها المزاجية.. لكنه تاه"
سألته كيان بتحفز: "كيف تاه؟"
رد الأب مخفيا الأسف الذي كلل مقلتيه: "سقط بحفرة مظلمة فأصابته علة.. لكنه حين خرج منها، تعامل مع المحيطين به على أنه زعيم القطيع الذي يعرف كل شيء ولا يريد شفقة من أحد"..
قاطعته كيان متسائلة: "ما معنى شفقة؟ وهل كان يعرف كل شيء حقا؟"
رد بحر بتردد متجاوزا سؤالها الأول: "كان يظن ذلك، ولما اكتشف أنه لا يعلم شيئا عن الحياة.. طلب من قطته اللطيفة الرقيقة الابتعاد مقتنعا أنه يفعل الصواب"..
قاطعته كيان مندفعة: "لا أحب أنه قد ترك قطته اللطيفة.. أكمل يا أبي.. ماذا حدث بعد ذلك؟"
همس بحر لنفسه: (القطة أيضا لم تحب ذلك إطلاقا.. وأقسمت أن تجعله يندم)، لكنه تابع بصوت أعلى كي تسمع ابنته باقي الحكاية: "لكنه لم يفطن لأن القطة مهما كانت ناعمة لا يؤتمن غدرها، فتظل قادرة على أن تخمشه بمخالبها وتنهشه بأنيابها فتكون ضربتها قاصمة حتى لذئبٍ مثله، خاصة إذا شعرت بالظلم"..
قالت كيان: "لا أفهم"..
حمحم بحر، ثم تابع بحرج: "ما أقصده أن القطط الرقيقة يا صغيرتي تظل متقلبة.. تماما كالأمواج"..
هتفت كيان بحماس: "مثل أمي".. ليهز بحر رأسه بتأييد وبداخله يقسم أنه لا توجد مثلها في الدنيا، ثم هتف بحماس زائف: "إلى هنا تنتهي القصة"..
تساءلت كيان: "لم أفهم.. القصص لا تنتهي هكذا.. هل تصالحا؟ هل عاشا في ثبات ونبات؟"
هز الأب كتفيه عاجزا عن الرد، ثم قال مشتتا تركيزها: "سأتحرك لأجهز لوالدتك الطعام وأمنحها الدواء.. يمكنك اللعب قليلا بالمكعبات ولكن بلا ضوضاء.. ماما متعبة"..
بعد قليل، توجه بحر من جديد إلى غرفة نوم أمواج حاملا صينية، فأيقظها برفق، ثم وضع الصينية جوارها على السرير، وقال بنبرة عملية باردة: "لقد حضّرتُ لك حساء.. كنتِ متعبة وفحصتك الطبيبة.. كلي وخذي الدواء"..
قالت أمواج بإعياء: "أتذكر وجود الطبيبة.. لكن التفاصيل غير واضحة.. لا أشعر بالقوة الكافية للحركة ولا أدري ماذا حدث.. يا إلهي.. مرح"..
حين صرخت بضعف كلمتها الأخيرة، رد مطمئنا: "لقد تدبرت أمرها وعادت لبيتها مع أختها.. اسمعي.. تناولي طعامكِ وخذي الدواء.. وهذا ريموت التحكم لتشاهدي التلفاز إذا أردتِ.."، ثم وضع على الكومود إلى جوارها إبريقا حراريا وكوبا من البورسلين، وقال: "وهذا مشروب الينسون بالليمون.. انتهي من طعامك وخذي الدواء وناديني"..
غادر بحر الغرفة بحركة متيبسة، لا يريد الابتعاد ولا يريد البقاء بقربها أكثر مما يجب..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-05-22, 08:11 PM   #233

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثامنة: القسم الثالث

الوضع كله مشتت ويثير حفيظته واشتياقه لأيام سعيدة كانت في المتناول قبل أن يضيّعها من بين يديه بعد لطمة من القدر أفقدته توازنه..
جلس في غرفة المعيشة يشاهد ابنته وهي ترص المكعبات محاولة صنع ما يشبه الإنسان الآلي..
آه.. رجلٌ يشبهه.. متيبس بلا مشاعر ولا أحاسيس.. لكنه أفضل حالا منه.. فذلك الآلي لا يمتلك ذكريات تؤرقه ولا خيبات توجعه..
أما أمواج، فقد تناولت الحساء سريعا وسط حالة من عدم التصديق، لا زالت تحاول استيعاب أن بحر قد صنعه بنفسه، وأنه موجود هنا معها.. كما كان من قبل.. ولا يفصل بينهما سوى بضعة أمتار..
تملّكها الأمل، فدبت الطاقة في جسدها لتنهي طبقها كله، ثم تناولت دواءها سريعا، ونهضت تشعر بتيبس عضلات كتفيها وإجهاد عام بجسدها، لكنها تحاملت على نفسها وحملت الصينية إلى المطبخ، ولما دلفت إليه وجدته نظيفا ومرتبا..
لا تذكر أنها قد تركته على هذه الحالة..
لقد كانت ستقوم بتنظيفه في المساء، ولكنها شعرت بتكسر في عظامها وارتجاف بجسدها، فتدثرت بفراشها لتأخذ قيلولة قصيرة كي تذهب بعدها لاستقبال مرح وشذى..
هكذا كانت الخطة..
لكنها لا تذكر شيئا عما حدث بعدها سوى وجود بحر أمامها ومناولته الدواء لها، ثم امرأة غريبة تفحصها بسماعة طبية..
صوت نزول الماء من الصنبور بشكل متواتر، أخرج أمواج من شرودها، فرفعت رأسها، لتنظر لاتجاه الصوت، فوجدت بحر قد ترك صنبور الماء مفتوحا يجري إلى أن امتلأ الحوض، بينما هو نفسه شارد في الفراغ يطالع نزول الماء بجمود أقرب إلى الصدمة..
كان بحر قد دلف للمطبخ قبل قليل لكي يشرب بعض الماء، لكنه حمل كوبا لكي يملأه، فشرد يطالع رسم القطة المطبوعة عليه، لتأسره عيناها بلونهما الأزرق، فتسحبانه إلى بقعة سوداء في عمق ذاكرته، لم يستطع الفرار منها إلا بعد أن هزت أمواج ذراعه ليتخطى جموده ويفلت الكوب الذي سقط وتحطم تماما..
لم يبادلها النظر، ولم يغلق الصنبور.. فقط تحرك آليا كي يحضر المكنسة لتنظيف بقايا الزجاج، وهو يأمرها بكلمات مقتضبة أن تظل في مكانها بعيدا عن الزجاج خاصة وأنها كانت حافية القدمين..
حين انتهى من جمع الشظايا، تحرك لغسل يديه بالحوض، لكن اندفاع الماء المفاجئ وصل لوجهه فدخل القليل من الماء بأنفه ليصيبه باحتباس مؤقت لأنفاسه، فظل يشهق ويزفر ببطء صاخب مثيرا خوف أمواج التي ظلت واقفة تخشى أن تخرجه من تلك اللحظة فيزداد عنفا وجنونا، وتخشى أن تتركه ضحية لها فتسلبه المزيد من اتزانه، إلى أن جاءت كيان من خلفه تهتف: "بابا.. أغلق صنبور الماء.. لقد امتلأ الحوض"..
بيد مرتعشة وبعد أن التقط نفسا طويلا وأخرجه ببطء، سحب بحر منشفة وجفف بها وجهه بعصبية، ثم قذفها بعنف إلى جانب الحوض، وأغلق الماء، فيما أمرت أمواج ابنتها بلطف بمغادرة المطبخ.. وبعدها خاطبته بتردد محاولة تبديد لحظات التوتر المرعبة بتغيير اتجاه أفكاره: "لم يكن عليك تنظيف المطبخ.. كنت سأفعل بنفسي بعد أن أتحسن قليلا"..
رد هو بلا مبالاة بصوته المبحوح: "ومع ذلك غسلتهم فلا تشغلي بالك.."، ثم شعر أن آوان المغادرة قد حان، فهتف بكلمات متلاحقة: "اسمعي.. لا ترهقي نفسك وإذا لما تتحسني غدا.. خذي راحة ولا تذهبي لعملك.. اطلبي من شادن أو زهو رعاية الطفلين.. واحرصي على تناول أدويتك بانتظام"..
بعد حالة الجمود التي أصابته مؤخرا أمام الحوض، وكأنه قد عاد بذكرياته إلى تلك البقعة التي تعرض بها لأهوال لم يروها لأحد أبدا، كان شعورها بالقلق تجاهه يزداد، فتحرّك جانبها الأمومي، لتهتف تتوسله: "بحر.. ابقى قليلا"، ثم تذرعت بحاجة ابنته للجلوس معه كي لا يلتقط شفقتها عليه، فأردفت: "اجلس مع كيان وشاركها اللعب، فهي تشتاقك بشدة"..
طالعها بحر بنظرة ميتة فعلمت أن توسلاتها لن تأتي بالنتيجة التي ترجوها، لكنه فاجأها بكلماته التالية بنبرة نارية تكسوها أشواك أحرفه: "أجلس مع كيان وأشاركها اللعب؟ هل تظننين أني شفيت من (مرضي المزمن) بهذه السرعة؟؟"..
فغرت أمواج فمها بذهول، فتابع هو بنفس الأحرف السامة: "إلى متى ستظلين تركضين خلفي وتتطاردينني؟"..
أغمضت أمواج أجفانها بيأس، لا تدري كيف ترد بينما ذهنها لا يزال غير صافٍ بفعل المرض والأدوية التي تناولتها قبل قليل، فاستغل هو الفرصة ليردف بعد أن منحها ابتسامة سخيفة وكأنه يهزأ من كل محاولاتها لإخراجه من حالته تلك: "إلى هذا المدى فقدتِ كل حيائك وكبريائك؟ تتصنعين المرض وفقدان الوعي لتحضريني إلى هنا راكضا؟ أفيقي يا أمواج.. هذه التصرفات عفا عليها الزمن وأصبحت مكشوفة للغاية ولا تليق بكِ"..
مازالت أمواج تقف مكانها كتمثال من قش ينتظر من يضرم فيه النيران ليشتعل ثم يستحيل رمادا فيتلاشى إلى العدم..
ولم يشفق عليها بحر رغم نظراتها الزائغة ووجها المحتقن من المرض والصدمة، فأجهز عليها بكلماته الأخيرة: "لكن ماذا أقول؟ علمتِ أنني سأستقر في القاهرة من جديد.. فظننتِ أن الفرصة قد جاءتك على طبقٍ من ذهب لكي تتوددي إليّ وتحاولين إغوائي مرة أخرى.. لم أعهدكِ رخيصة إلى هذا الحد"..
حين أنهى بحر جملته الأخيرة، عرف حتما أنه قد تخطى مستوى الحماقة وقفز مباشرة إلى مستوى الكارثة.. أي أن ما فعله لن يُغفر له..
لقد حفر لنفسه حفرة عميقة ورمى نفسه بداخلها ولن يجد من يمد له حبلا ليساعده على العودة للحياة من جديد.. وهذا ما أكدت نظرات أمواج التي توحشت بغضب مستعر بدّل لونهما الأزرق لدرجة غريبة ما بين الأخضر والرمادي الفاحم، وكأن اندفاع الدم لرأسها قد كسا عينيها بألسنة دخان شيطانية تنذره بالويلات بلا كلمة تهديد واحدة..
ناظرها بحر مليا بصمت محاولا تغليف نظرات الاعتذار بعينيه إلى نظرة تحدٍ لا مبالية، لكنه لم يجد في نفسه ما يمكّنه من التلاعب بها من جديد، فأمعن النظر إليها محاولا استقراء رد فعلها التالي، فلمح تقلّب عينيها بسرعة من الضعف للغضب للتحدي.. ثم التسليم.. وهنا شعر بحر بالبرودة تتسلل إلى ظهره..
إن كانت أمواج سترد عليه.. فهي ستبتلع شواطئه بالكامل وتحطم قلاعه الرملية لتحولها لذرات تراب مبللة بدموع خسارته القادمة لتنضم لسلسلة خسائره الفادحة..
ألم تلسعه ألسنة انتقامها المستعرة ذات مرة؟
ابتلع بحر ريقه، ووقف مستقيما بصمود منتظرا وصلة توبيخ حادة أو حتى ركلة مغتاظة معتادة من قدمها إلى ساقه، لكن أمواج اكتفت فقط بهزة واحدة من رأسها من اليمين إلى اليسار .. فلم يفهم إن كانت حركتها تلك يائسة أم وداعية أم مجرد شعور بالألم نتيجة مرضها..
وقبل أن يستقر على تفسير واحد، باغتته هي بالنظر إليه بجمود، لتقول بنبرة عازمة غير آسفة: "أنت لا تستحقني"..
لم تبدو كتوبيخ.. لم تبدو كإهانة.. بل كانت قرارا..
هنا علم بحر أن كل ما فات بينهما في مواجهات سابقة من سجالات كلامية قد انتهى، وأن التالي سيكون أفعالا..
أمواج ستتصرف مع تصرفا جذريا لتهزمه كما لم يُهزم من قبل..
(أنت لا تستحقني)
لقد سمع ذلك الإقرار على لسانها من قبل.. وكانت نبرتها أيضا على نفس الدرجة من الحسم..
وآه من تلك الذكرى..
فهل سيقدر على مجابهة قرار أمواج؟


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-05-22, 08:13 PM   #234

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثامنة: القسم الرابع

في مركز تجاري قريب من مقر إقامتها بنفس التجمع السكني، كانت في اجتماع جديد مع المهندس شريف أسامة مندوب شركة الأجهزة الطبية والمسئول عن الجانب العلمي والتقني لحملتها الدعائية التي تتولى هي الدعاية لها في عدة مقاطع مصورة تتولى الشركة عرضها في الأوساط والمواقع الطبية..
كانت ذكرى ممتنة كثيرا لدعم المهندس شريف لها خلال أزمة تداول المقطع الصوتي الذي نشره والدها بغرض إحراجها وتأليب متابعيها ضدها، حتى أنه نجح في إقناع مديره بعدم إلغاء التعاقد معها، لذا قررت أن تدعوه على العشاء خلال هذا الاجتماع..
بعد أن انتهيا من مناقشة القسم الجديد من الحملة، ومواعيد تسجيلها للمقاطع المطلوبة، أخذا يتناولان العشاء وسط حديث لطيف لم يخلو من المجاملات، غير ان المهندس شريف أصر على عدم التطرق إلى ما دار بين طليقها ومديره بشأن استبعادها من الحملة، بناء على تعليمات مشددة من الأخير..
قاطع جلستهما اثنان من معارفها القدامى.. الدكتورة شيرين وزوجها الدكتور كريم، والأخير صديق طليقها الدكتور آدم عزازي، بينما كانت ذكرى تعمل تحت إمرة الدكتورة شيرين في المستشفى العام خلال دراستها بكلية التمريض، فتحولت علاقتهما الودية إلى شبه صداقة بعد زواجها من آدم عزازي..
كان الثنائي يتناولان الطعام على طاولة مجاورة، وعند انصرافهما لاحظا وجودها، فطلبت شيرين من زوجها أن تتوقف عند طاولتها لتحيتها..
حين لاحظت ذكرى اقترابهما من طاولتها، مسحت يديها بمنديلها، ثم نهضت لكي ترحب بهما، فقابلتها شيرين بحميمية كانت تميزها دائما في اللقاءات التي حضرتها ذكرى برفقة زوجها، خلال المناسبات الاجتماعية المختلفة..
وكيف تنساها؟ وهي من القلائل الذين تعاملوا معها كإنسانة كاملة فيما كان الأغلبية يتصرفون معها على أنها المرأة غير المناسبة في المكان المناسب..
لطالما كانت نظرات غالبية الأطباء تجعلها تشعر أنها لا تستحق أن تكون زوجة آدم عزازي.. حتى الدكتور كريم الذي يقف أمامها الآن برفقة زوجته.. كان يناظرها دائما باستصغار موجع.. نفس النظرة التي يطالعها بها الآن.. مع نظرة أخرى تقييمية محاولا استشفاف سبب جلوسها مع رجل آخر على العشاء، رجل لا يزال في عمر الشباب ويرتدي بدلة فاخرة، ليرفع فضوله لأعلى درجاته..
وردا على سؤاله غير المنطوق، قالت ذكرى موجهة كلماتها التالية لشيرين: "دعيني أعرفك.. هذا المهندس شريف أسامة مسئول الدعاية لشركة med.. انتهينا من اجتماعنا للتو وقررننا تناول الطعام معا"..
هتفت الدكتورة شيرين بإعجاب: " كنت معجبة دوما بطموحك يا ذكرى.. تستحقين تماما ما وصلتِ إليه.. وأرجو أن تحققي المزيد من تطلعاتك.. أنا فخورة بكِ صدقا"..
أما الدكتور كريم زوجها، فقد غمغم بكلمات ترحيب باردة تجاه المهندس شريف، ثم انسحب برفقة زوجته، لتطلب ذكرى أيضا الانصراف بعدهما بوقتٍ قليلٍ متعللة بحاجتها لصرف الممرضة الملازمة لوالدتها خلال أوقات عدم تواجدها بالمنزل..
وكأن وجود كريم قد ذكّرها بآدم ومجتمعه.. وكل الأسباب التي عملت على التفريق بينهما، فتحولت أجواء الجلسة الودية إلى شيء آخر.. مؤذٍ..
حين وصلت إلى منزلها وصرفت الممرضة، جلست ذكرى قليلا مع أمها تحكي لها عن يومها وتحثها على الحديث رغم أن الأزمة الصحية الأخيرة قد زادت حالتها ترديا وجعلت نطقها صعبا عن ذي قبل..
كانت والدة ذكرى تبدو مهمومة مثقلة بأفكارها التي لا تُفصح عنها لابنتها، ولم يكن بمقدور الأخيرة سوى تخمين السبب الذي يجعل والدتها بهذه الحالة..
ذكرى ليست غبية لتتجاهل حقيقة أن مرض والدتها الأخير تزامن مع انتشار مقطع والدها المسيء عبر منصات التواصل..
يبدو أن الأخبار السيئة لا يمكن منعها أبدا.. فالكثيرون لا يجدون متعة إلا في تبادل الشائعات والموضوعات المشينة..
ورغم أنها حرصت على إخفاء الأمر عن أمها، إلا أن الأمر وصل إليها بطريقة ما.. ربما من خلال إحدى الممرضتين اللتين تستعين بهما لمجالسة والدتها خلال الأوقات التي تنشغل فيها بالعمل أو بأداء بعض المهام أو جولات التسوق الضرورية..
في كل الأحوال، كان شبح والدها يخيّم على حياتها من جديد، فما وصل إليه حال والدتها مؤخرا لا يعنى سوى أنها تفكر الآن أن ابنتها باتت وحيدة بلا حماية في مواجهة أبيها..
ولكي تبعد عن والدتها أي شعور بالقلق، رسمت ذكرى دورها بإتقان، وأقنعت والدتها أن الأمور كلها بخير، وأنها لم تتأثر مطلقا بتصرف والدها، كما لم تأتي على ذكر المحادثة النصية المخزية التي جمعتها مؤخرا بآدم بعد تسريب صورتهما، لكنها أخبرتها عن زيارته للمستشفى للاطمئنان عليها، لأنه بالرغم من كل شيء، هي متأكدة أن آدم فعلا يحب والدتها كثيرا ويدعو لها بالشفاء، كما أن مشاعر أمها تجاهه مماثلة، وخبر زيارته للمستشفى سيرفع من معنوياتها كثيرا..
لكنها لم تفصح عن رسائله التالية التي كان يمطر هاتفها بها بشكل شبه يومي كي يطمئن على كليهما، وهي كالجبانة أصرت على تجاهل الرد عليه تماما..
لا تريد صداما جديدا معه تخرج منه مهانة جريحة..
لا تريده أن يشغل أي حيز من حياتها التي بنتها بكدها وتعبها بعد طلاقهما..
بأي صفة سيعود على أي حال؟ هل ستكفيه حيزا ضيقا من الحرية قد تسمح له بها؟ هل سيقبل أن يكون له في حياتها دور أقل من.. مالك قلبها؟؟
غادرت غرفة والدتها بعد أن استسلمت الأخيرة للنوم، فقررت أن تطارد أفكارها بحمامٍ دافئ، فتحركت نحو حوض الاستحمام، وملأته بالماء الدافئ وسائل الاستحمام ثم استرخت به لعدة دقائق، أخذت خلالها تعبث بهاتفها وهي تدخن من سيجارها الإلكتروني، لتنفث مع دخانها بعضا من الأثقال التي تجثم على صدرها..
في تلك الأثناء وصلتها سلسلة من الرسائل الصوتية من آدم، الذي كان يتحدث بنبرة شبه صارخة يسألها عمن كانت برفقته في دعوة العشاء..
يحدثها بتأنيب.. وكأن له الحق
يطالبها بتفسير.. وكأن له الحق
يصرخ بحرقة.. وكأن له الحق
من هي بالنسبة له؟
لا شيء..
من جديد، تجاهلت الرد عليه، وفتحت تطبيق موسيقي، لتختار أغنية أم كلثوم (فات الميعاد)، لينساب صوتها عبر جنبات الغرفة..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-05-22, 08:15 PM   #235

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
1111 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثامنة: القسم الخامس

بعد بضعة أيام، كانت شادن غارقة في العمل بروضتها، استعدادا للحفل الذي قررت إقامته كبديل لحفل الهالوين..
كان بعض أولياء أمور الأطفال الأجانب قد عارضوا في البداية رفضها لفكرة ارتداء أولادهم لملابس مخيفة أو أزياء الأبطال الخارقين، ولكن عندما شرحت لهم وجهة نظرها، تقبلوا الأمر بصدر رحب وبدؤوا بالفعل في إعداد ملابس تنكرية لأطفالهم مستوحاة من المهنة التي تجذبهم، لربما كانت مهنتهم في المستقبل..
ورغم ذلك ما زالت تُجري اجتماعات سريعة مع أولياء الأمور كلما اقترب موعد الحفل، بسبب أسئلتهم المتكررة حول الأزياء المطلوبة، وكذلك لحاجتها لتطوع بعض أولياء الأمور من أصحاب المهن المتعددة لكي تقنعهم بالحضور والحديث للأطفال عن أعمالهم..
كان جدولها مضغوطا بشدة، لكنها كانت تشعر بالسعادة لقدرتها على تنظيم الحفل كما تريده، ونجاحها في تذليل العقبات التي كانت تظهر أمامها واحدة تلو الأخرى..
وحين وصلت الدكتورة شروق رحيم لتسلم ابنتها فجر مع ابنيّ صديقتها الدكتورة حنان، عرجت لمقابلة شادن لكي تطلب مساعدتها..
قالت شروق بعد تحية صاحبة الحضانة: "لديّ مشكلة بسيطة.. فجر تريد أن تكون شيف"..
سألت شادن بفضول: "وما المشكلة؟"
ضحكت شروق وقالت بعدم تصديق: "البنت تصر أن يحضر معها والدها ويرتدي زي الشيف.. فهي مقتنعة أن بسام زوجي شيف وليس رجل أعمال"..
شاركتها شادن الضحك، وقالت: "هل شرحتما لها الفارق؟"
ردت شروق: "والدها شرح الأمر بالتفصيل.. لأنه لا يريد أن يأتي لذلك الحفل من الأساس.. هو يفعل كل شيء من أجل ابنتيه.. لكنه لا يحب التواجد في الأماكن العامة.. ناهيكِ عن أن يكون محور الأنظار.. وأن يتحدث عن مهنته التي هي ليست مهنته في الحقيقة بل مجرد هواية"..
سألتها شادن باهتمام: "ورغم هذا لم تقتنع بعد أن تلك ليست مهنة والدها الفعلية"..
شبّكت شروق أصابعها أمامها، لتسند كفيها على حافة المكتب، قبل أن تشرح: "بسام أمسى يقضي مؤخرا ساعات طويلة في المطبخ خاصة بعد أن كبرت مديرة منزلنا في العمر ولم تعد قادرة على مجهود الطهي اليومي بمفردها.. ونحن لا نريد استبدالها.. هي بمثابة أمي وجدة الأطفال.. لذا فإن بسام يساعدها كلما سمح وقته.. فأنا كما تعلمين لا علاقة لي بالطهي من قريب أو بعيد"..
أنهت شروق كلماتها الأخيرة بحرج، لكنها استرسلت تتابع مع من تعتبرها صديقتها: "المهم مهما حاولنا اقناعها بالأمر، فإنها لا تقتنع.. البنت عنيدة للغاية.. وبسام يرفض الحضور للحفل بصفته طاهٍ.. يقول إن ابنته عليها أن تعلم مهنة والدها الحقيقية بدلا من أن نخدعها ونساير توقعاتها الوهمية "..
قالت شادن: "وجهة نظره سليمة.. لا بأس سنحل الأمر.. فقط جهزي لها مئزرا وقبعة شيف لطيفة مثلها.. وأنا سأجعل معلمة الصف تتحدث عن الفرق بين الهواية والمهنة.. كما سأبحث عن شيف بين أولياء الأمور ليأتي يوم الحفل ويتحدث عن مهنته بدلا من زوجك..كنت سأطلب منكِ الحضور للعرض التقديمي كطبيبة، ولكن حملك أنقذك يا دكتورة.. أرجو أن يمر حملك بسلام وتضعي مولودا يقر عينيكِ"..
وضعت شروق يدها بحنو على بطنها البارزة، ثم هتفت: "لقد دخلت في شهري السادس يا مدام شادن.. إذا وقفت لأتحدث لهؤلاء الأطفال.. لن تكون أسئلتهم عن مهنتي إطلاقا.. وتلك الأسئلة لن تعجب زوجي أبدا"..
ضحكت شادن كثيرا، ثم ردت: "لهذا عرضت الأمر على الدكتورة حنان وقبلته بكل سرور"..
لم تكد الدكتورة شروق تغادر غرفة المكتب، حتى أعلنت سلمى أن المقدم سفيان يطلب المقابلة، فأذنت له وهي تحفز نفسها لمقابلته، خاصة بعد أن تجنبت التواصل معه بآية صورة منذ أن أرسل لها الطعام قبل عدة أيام..
حين دلف سفيان إلى الغرفة، تبدلت الأجواء كما يحدث كل مرة في وجوده، حيث تحرص شادن دائما على أن تكون في أفضل صورة لها أمامه، حتى أنها تضفي على سلوكها بعضا من خيلاء لا تتسم بها أساسا، ولكنها تستخدمها كسلاح دفاعي في وجوده..
تعلم أنها تحتاجها بشدة، وفي غيابها ستكون كوردة ذابلة تدعسها الأقدام دون أدنى شعور بالذنب..
حين أشارت له بالجلوس أمامها، لم يخبئ سفيان تفحصه لها محاولا استكشاف حالتها المزاجية اليوم، فهو قد جاء ليخبرها صراحة أنه لا يريد إحضار توأمه لهذا الحفل، ولا يريد أن ينقل لها الخبر بطريقة فظة كعادته معها كلما تقابلا..
سألته شادن بهدوء: "ما الأمر يا سفيان؟"
قال بنبرة حاسمة: "لن يحضر مالك وملك حفل (مهن المستقبل) ذاك.. لا أحب الفكرة"..
سألته بغيظ: "ماذا إذا كانا هما متحمسين للأمر؟"
رد هو بدفاعية: "لا أريد أن أزرع بداخلهما أفكارا محددة حول مستقبلهما.. هل سيتحدد مستقبلهما من الآن؟"
رفعت شادن حاجبيها، ثم قالت بهدوء: "ولهذا نقيم الحفل.. ليس الهدف ارتداءهم زي معين وتحديده كهوية للمستقبل.. بل الهدف أن يتعرفوا على عرض لمختلف المهن.. وأن يتعرفوا على ما يجذبهم أكثر من غيره ليحددوا حلمهم على أساسه.. والذي قد يتغير بالمناسبة في المستقبل.. لا شيء ثابت.. ولكن هدف الحفل هو شحذ خيالهم وتحريك تفكيرهم في أكثر من اتجاه.. مثلا مالك قد يتمنى أن يصبح معلما"..
هتف سفيان مصححا بانزعاج: " Winter Soldier"..
بغباء ناظرته شادن تسأل: "ماذا؟"
رد سفيان مغتاظا: "جندي الشتاء.. في الحقيقة هو نطقها وينتاصويدا.. ولكنني فهمت مقصده.. شكرا لإيلاف وزرعه حب الأبطال الخارقين بعقله وتوأمه"..
هزت شادن رأسها، ثم تابعت: "لا بأس.. يمكن لملك أن تكون رسامة"..
قاطعها سفيان من جديد: "Iron Man"..
هتفت هي منفعلة: "ماذا؟"
منحها سفيان ابتسامة سخيفة، ثم رد: "آيرونمان.. الرجل الحديدي.."، ثم زفر ببطء..
ناظرته بحنق، وهي تهتف: "لكن هذا ليس الهدف من الحفل.. الهدف أن نحوله ليوم تعليمي في سياق ترفيهي.. أن نستمتع بحفل تنكري مفيد دون أن نقلد ثقافات مستوردة لا تناسب مجتمعنا".
قال سفيان شارحا: "لا أعتقد أنهما يريدان ارتداء أزياء أبطال خارقين.. أظن أنهما اختارا شخصيتان تشبهان والدهما نوعا ما"، ثم أشار نحو ذراعه التعويضية المعدنية، لتستنتج شادن من أين آتيا بفكرتهما..
نهضت شادن من مقعدها ثم جلست إلى المقعد المجاور له، وسألته بتفكر: "لماذا أشعر من كلماتك ببعض التحفز تجاه اتخاذ طفليك لك كقدوة لهما للمستقبل؟"
رد سفيان بنفس اندفاعه: "ماذا تتوقعين يا شادن؟ أن أرقص فرحا أن طفليّ يريدان نفس مجال العمل الذي تسبب في كارثة لوالدهما وأقرب أصدقائه؟"
أطرقت شادن برأسها، وبلعت غصة استحكمت بجوفها عندما تذكرت شقيقها الراحل، ثم رفعتها من جديد وهي تهتف: "ما حدث لك ولنبيل وبحر كان قضاء من الله.. ابتلاء للجميع.. لكنه ليس عقابا.. وليس النهاية.. أتفهم؟"..
حدّق سفيان بعينيها مستفهما، فتابعت هي: "حتى موت نبيل ليس النهاية.. ابنه امتداده في الحياة حفظه الله لنا وجعله خير خلف لوالده.. أما أنت فلا يجب أن تحرم طفليك من التجربة كونك تخشى النتيجة.. فالنتيجة لن تكون واحدة في كل الأحوال.. سيكون لهما حياتهما الخاصة واختياراتهما وتبعاتها.. ولا أظنك ستغلق أمامها الطريق منذ الآن.. تعلم جيدا يا سفيان أن كل مهنة بها مخاطرها.. صحيح الخطر أكبر بالنسبة للمقاتلين.. حراس الأمن وحماة الأوطان.. ولكن في النهاية تبقى مشيئة الله هي ما ترسم الأقدار.. ولا راد لقضائه"..
قال سفيان بنبرة متألمة حاول إخفاءها خلف صرامته: "لا أريدهما أن يتخذاني قدوة لهما.. أنا رجل فاشل"..
هتفت شادن بحمائية: "هراء.. ما تقوله محض هراء يا سفيان.. وقد أخبرتك من قبل.. أنت لم تكن مسئولا عما حدث لبحر أو نبيل.. لقد مر عامان بالفعل وأنت تضيّع حياتك بسبب نفس الفكرة.. إذا راجعت نتيجة ما حدث ذلك اليوم.. ستجد أنكم قد قمتم بعملٍ جليل في حماية آلاف الأبرياء من أبناء تلك البلد من الوقوع تحت سيطرة المتمردين.. وحتى حميتم مئات الأرواح من الموت الجماعي بالانفجار الذين كانوا يخططون لتنفيذه بداخل المطار"..
سألها سفيان باندفاع: "إذا ماذا أفعل؟"
ردت هي بعد تفكر: "لن أخبرك بما يجب أن تفعل.. لكن إذا كان طفليك يريدانك أن تحضر لذلك الحفل ببدلتك العسكرية لتشرح أمامهما تاريخك البطولي.. ستكون فرصة رائعة لهما ولغيرهما من الأطفال الذين لم يعودوا يعرفون شيئا عن حب الوطن من وسائل الإعلام، لكي يتعلموا شيئا أو اثنين.. حتى ساري سيسعد كثيرا برؤيتك تجسد مخيلته عن والدته وتذكّره أن والده قد رحل كبطل يدافع عن أبرياء"..
نهض سفيان منفعلا، وهمس بنبرة غير مسموعة: "يجب أن أحادث الدكتورة مارية"، ثم غادر تاركا شادن في حالة من الترقب..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-05-22, 08:16 PM   #236

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثامنة: القسم السادس

مضى بضعة أيام منذ مواجهتها مع بحر، أو بالأحرى ارتطام أنوائه معها بعد دخوله في دوامة عنيفة..
وبخت نفسها طويلا على وقوفها صامتة أمامه وقت طفت كلماته المسننة على سطح مائه الراكدة، لتصطدم بها فتخدشها بجروح جديدة قبل حتى أن تبرأ ندوبها القديمة..
أخذت وقتها تماما لتُشفى من نزلة البرد، وبعدها بدأت تفكر جيدا في ردها..
هي لن تتركه هكذا بلا رد، وهو لم يعد يستحق شفقتها أو تغاضيها عن هفواته التي تحولت مع الوقت إلى خطايا..
واليوم ستبدأ طهي وجبة انتقامها على نيران هادئة حتى تنضج تماما في أوانها فتتلذذ بتناولها على مهلٍ، ذلك حين تنحسر الأمواج نهائيا عن شطآنه فتتركها عارية.. مجرد حفنة من الرمال المتشققة..
لكلٌ منا طقس شخصي يلجأ إليه عندما يريد صرف تفكيره عن أمر يؤرقه أو التخلص من ضغط عصبي معين، لذا فقد بدأت يومها بحملة تنظيف لشقتها..
ستحاول أن تجردها من أي شيء لا يزال عالقا بها فيذكّرها به..
ستتخلى عنه خطوة خطوة.. حتى تنساه كليا..
تماما كما يريد هو.. فليهنأ بوحدته ويلزمها للأبد..
وحين باشرت بتنظيف غرفة طفليها، اكتشفت صندوقا معدنيا صغيرا يلمع على الأرضية أسفل السرير.. كان شكله مألوفا، فمدت يدها لتتفحصه، فوجدته علبة السجائر الفضية الخاصة ببحر..
ضحكت بشدة وهي تمسك بالعلبة كمن أمسك كنزا ثمينا، فهي تعرف جيدا أن بحر لا يُفضل ماركات السجائر المعبأة مسبقا، بل يفضل شراء التبغ ولفائف الورق والفلاتر الاسفنجية لكي يقوم بعمل لفافاته أولا بأول، لقناعته أن التبغ المستورد بدون تعبئة جودته أعلى من ذلك الموجود باللفافات الجاهزة..
حدّثت أمواج نفسها قائلة: "أرجو أن تكون قد عشت أيامك الماضية في حالة هياج عصبي لافتقادك لسجائرك الأثيرة يا بحر.. أو أن تكون قد اضطررت للسفر للسويس خصيصا لإحضار مخزونك من التبغ"، ثم حملت العبوة لتضعها بحقيبة يدها كيلا تصل ليد ابنتها..
بعد أن انتهت أمواج من تنظيف الشقة بالكامل، توجهت إلى المدرسة لإحضار كيان، ثم أخذتها وشقيقها لبيت جدتهما حيث سيبيتان ليلتهما..
وفي مكالمة مرئية مع قريباتها وصديقاتها، حدّثت أمواج الجميع تحثهم على الحضور للمركز الرياضي من أجل تدريب اليوجا، فاعتذرت مرح وشذى، كونهما ما تزالان تحاولان الاستقرار في بيتهما الجديد ولم تنهيا بعد تخزين أغراضهما التي تملأ حقائبهما.. كما تعللت ذكرى بحاجتها للجلوس مع والدتها، لكن أمواج استخدمت أسلحتها الإقناعية كافة، حيث خاطبت مرح وشذى قائلة: "أنتما بحاجة لتنسيا قليلا أعباء ترتيب أوضاعكما في المنزل الذي لم تغادراه منذ جئتما للقاهرة.. خذا راحة لبضع ساعات.. وأنتِ يا ذكرى.. بإمكانك الحضور لساعة واحدة للتدريب.. لقد أمضيتِ الشهر الماضي كاملا في رعاية والدتكِ وتلبية بعض مواعيد العمل.. أنتِ بحاجة لهذا التمرين أكثر من أي شيء حتى تشحني طاقتكِ من جديد"..
وقبل أن يعارضنها مجددا، هتفت بحماس: "كما أنني أنوي اصطحابكن جميعا لمركز التجميل.. سأصبغ شعري.. أريد أن تحصل كلا منكن على بعض التدليل.. تسريحة جديدة.. طلاء أظافر.. لون شعر جديد.. لنجعله يوما للبهجة والأنوثة قبل حفل الروضة.. وأنتِ يا شادن ربما عليك أن تغيري لون شعركِ حتى تتألقي في هذا الحفل.. تعرفين أن المرأة القوية المستقلة عليها أيضا الظهور بأفضل هيئة مهما كانت بارعة في عملها.. الصورة المثالية الكاملة يا صديقتي.. لا تنسي"..
كان هذا قبل ساعات عدة، والآن خرجن جميعا من مركز التجميل كلوحة حية للجمال..
كانت شادن قد صبغت شعرها البني إلى درجة الأحمر الداكن القريب من لون شعرها الأصلي ولكن بدرجة أكثر حيوية وأنوثة.. أما زهو، فقد صبغت بعض خصلاتها الأمامية البنية باللون العسلي، ليصبح شعرها مزيجا جذابا بين اللونين العسلي والبني..
وعن شذى، فقد حصلت على غرة أمامية ناعمة وقصت أطراف شعرها ليبدو أكثر غزارة وحيوية.. فيما رفضت أختها مرح صبغ شعرها الأسود المنسدل، واكتفت فقط بتدريم أظافر يديها وقدميها وطلائهم على الطريقة الفرنسية الناعمة..
وذكرى التي أصرت أمواج على حضورها، كانت الأولى على قائمة "الطلة الجديدة" حتى تغادر مبكرا لوالدتها، وبالفعل تركت المركز فور أن قصت شعرها الأسود الناعم ليصل حتى الكتفين مع غرة جانبية لافتة..
وأخيرا، تخيرت أمواج إطلالة بها بعض المجازفة، لكنها ناسبتها تماما، حيث أصرت على أن تصبغ أطراف خصلات شعرها باللون الأزرق المائي المتموج، ليبدو شعرها وكأنه ستار ليلي من المخمل يعانق شاطئ البحر..
نشرت أمواج صورتها بإطلالتها الجديدة عبر حسابها على تطبيق "انستجرام"، مرفقة بتعليق قالت فيه: " Wicked Witch Mood Activated تم تفعيل حالة الساحرة الشريرة"..
تلك الصورة التي شاهدها فرات، فأعاد إرسالها إلى شقيقه بحر عبر رسالة مصورة بلا تعليق، ليتفحصها الأخير بحاجبين مرفوعين وأجفان مذهولة وشفاه فاغرة، وكأنه تعرض لصعقة برق كهربية ضربت رأسه من المنتصف، فابتلع ريقه وهو موقن أن القادم.. أسود..
بلون أفعاله الغبية، لكنه لم يملك أن يهتف بحنق: "ما هذا القرف؟ هل نحن في لندن؟"

في عيادة الدكتورة مارية، كانت سفيان جالسا في مكانه المفضل على الأريكة الوثيرة، يلقي على مسامعها تفاصيل كثيرة تخص خطوات علاجه مع الاستشاري النفسي السابق، وكيف أنها وصلت به إلى نقطة تحمسه للعمل، لكنها ما زالت تحرمه الانخراط الطبيعي مع المحيطين به لشعور داخلي بالخزي يسيطر عليه، خاصة في محيط الأقربين..
طفق سفيان يقول: "ما يُفترض أن أفعله هو الذهاب لذلك الحفل بملابسي الرسمية التي يزينها نوط الشجاعة العسكري وأن أقف أمام الجميع وأتحدث عن بطولاتي الخارقة.. أن أبيعهم الوهم وأنا أعلم كم أنا فاشل"...
قاطعته الدكتورة مارية قائلة: "مشكلتك يا سفيان أنك لا تقوم بأي عمل إلا بنسبة نجاح تصل إلى مائة وخمسين بالمائة.. هناك من يتمم عمله بنسبة جودة تصل إلى تسعين بالمائة.. فيحتفل أيما احتفال لأنه قد تميز بالفعل في عمله وفقا للمقاييس الطبيعية.. ولكنك لا تكتفي بنسبة المائة بالمائة حتى.. تريد نجاحا مظفرا لم يسبقك إليه أحد.. تسعى للكمال وما بعده.. وما عدا تلك النتية لا يساوي شيئا أمام توقعاتك.. لهذا تفضل الرياضات الفردية على مستوى الهوايات أيضا.. فأنت عندما تمارس التايكوندو والرماية لن تعتمد سوى على نفسك.. وبالتالي لن تحملّها نتائج الآخرين، ولن تعتمد على أحدٍ سواك"..
عبس سفيان ثم غمغم ببطء: "لا أفهم شيئا.. إلامَ ترمين تحديدا؟"
ردت مارية: "مقاييس النجاح الطبيعية للبشر هي مائة بالمائة.. هناك من يقوم بإنجاز عمله بنسبة مائة بالمائة وفقا لقدراته، فيحقق هدفه بالكامل، غير أنه قد تحدث بعض الخسائر خلال رحلة وصوله للهدف.. وهذا أمر خارج عن إرادته ولا يعني أبدا أنه مقصر.. إذا راجعت أحداث ذلك اليوم.. حتى مع استشهاد نبيل واختطاف بحر.. فأنت لم تقصر أبدا.. بل حميت كتيبة كاملة ولم تتوقف عن القتال إلا بعد إصابتك الخطرة.. لقد أنقذت أنت وزملاؤك أمة كاملة من الانهيار والوقوع بين براثن جماعة مسلحة كانت ستحيل حياتهم إلى جحيم.. أنقذت مئات الأرواح من انفجار مستودعات الوقود في المطار.. أوقفت كارثة انسانية وبيئية.. لذا يجب أن تتخلص من شعورك الذاتي بالتقصير وأن تفخر بما فعلته.. وأثق أن ملفك المهني مليء بالأعمال البطولية الأخرى"..
زفر سفيان بتعب، ثم مرر أصابعه في خصلات شعره الأمامية يرسل إليها بعض الدماء التي تحتقن عند صدغيه لتزيد من شعوره بالصداع، فتابعت هي بكلمات متحفزة: "عندما تهاجمك تلك الأفكار السلبية.. تذكّر شيئا واحدا.. القوات المسلحة والأمم المتحدة لم يكرماك لأنك فاشل.. بل لأنك أظهرت بسالة وجسارة وبطولة بشكل استثنائي.. كنت خير قائد لزملائك.. فافخر بجهودك يا سفيان وتوقف عن لوم نفسك عما حدث"..
هز سفيان رأسه وبدا غير مقتنع كليا بكلامها، لكنه همس بتردد: "هناك شئ آخر"..
حين أومأت له الدكتورة مارية صمتا ليتابع، قال: "إذا ذهبت لهذا الحفل.. سأقابل زهو أرملة نبيل"..
قالت الدكتورة مارية بحماس: "وهذا أمر جيد وفي وقته.. إنه خير تدريب لك على تخطي الانفعالات السلبية التي تصيبك في حضرتها وتتسبب لك في حالة من الجمود والرغبة في الانسحاب من المكان.. إذا لم تستطع النظر لعينيها فلا بأس.. يمكنك أن تلوح لها عن بُعد .. أو تلقي عليها التحية فقط.. لا تطل الحديث معها إذا كان الأمر ضاغطا ولكن عليك أن تأخذ خطوة أولى يا سفيان في سبيل استعادة نفسك.. هذا ما عملنا لأجله كل الأسابيع الماضية.. لا تضيع مجهودك سدى"..
أومأ سفيان بطاعة، فاختتمت مارية كلامها تمتدحه قائلة: "انظر كيف تطورت الأمور بينك وبين شادن.. في البداية كنت ترفض تواجدها في محيطك.. والآن صرت تتحدث إليها بشكل شبه طبيعي"..
غادر سفيان مكتب الدكتورة مارية وأفكاره تتأرجح بين علاقته المتطورة مع شادن وشعوره بالراحة في حضرتها، وبين تحفزه وتوتره للحفل المنتظر بروضتها..
في النهاية، لم يملك سوى أن يهمس لنفسه وهو يقود سيارته متجها لمقر شركته: "يبدو أن كل التطورات المقبلة في حياتي ستنطلق من عندكِ يا سيدة الجدائل"..

يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-05-22, 08:19 PM   #237

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:jded: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثامنة: القسم السابع

في صباح يوم الحفل، خرجت أمواج برفقة طفليها كيان وكنان، وبصحبة صديقتها زهو وابنها ساري بقصد التوجه للنادي لتمضية وقتٍ ترفيهي مع الأطفال كمكافأة لهما بعد أن تحسن سلوك كيان في مدرستها، وكذلك اندماج ساري بشكل أكبر مع أقرانه في الصف..
كانت أمواج وزهو قد قررتا عدم إرسال الطفلين للمدرسة اليوم، وقررتا اصطحابهما إلى النادي للهو قليلا وتناول الإفطار قبل التوجه للروضة لحضور فعاليات الحفل التنكري..
في طريقهما لسيارة أمواج، قابلا الجارة نرمين قاطنة الطابق الأرضي، والتي قصدت أن تختال أمامهما بإطلالتها الجديدة، وكأنها شعرت بالغيرة من تحول طلات جاراتها بعد أن غمرن حساباتهم عبر منصات التواصل بصورهن..
قالت نرمين بتباهٍ: "ما رأيكما في إطلالتي؟ لقد غيرت شكل حاجبيّ بتقنية المايكرو بليدنج، يبدو طبيعي تماما.. أليس كذلك؟"
ردت أمواج بنفاد صبر: "لا أرى تغيرا كبيرا يا نرمين.. كانت حواجبك بالأساس ثقيلة.. لا أفهم لمَ جربتِ تلك التقنية؟"..
عضت نرمين شفتها بغيظ، ثم قالت: "أردت أن يتماشى شكلهما مع شفتيّ.. انظرا.. لقد ملأتهما بحقن الفيلر ليبدو بروزهما مغويا.. وكذا قمت بعمل شد للتجاعيد المبكرة بحقن ملء الخطوط الدقيقة حول الشفتين وفي الجبهة وجانبي العينين.. لقد أصبحتُ غاية في الجاذبية والإثارة وكأنني عدت في الثامنة عشرة من عمري"..
ردت زهو: "أنت مازلت صغيرة لكي تخضعي لكل تلك التعديلات.. كما أن الجاذبية تنبع أساسا من الإحساس.. هي حالة داخلية تنعكس على الملامح وليست تعديلات شكلية مؤقتة"..
هتفت نرمين بانفعال: "أنتِ آخر من تتحدثين عن الجاذبية"..
فغرت زهو فمها دهشة، فصاحت أمواج تنهرها بعنف: "تهذبي يا نرمين.. ماذا بك؟"
قالت نرمين: "وأنتِ لمَ تتدخلين.. ألا تملك هي لسانا للرد عليّ.. لكن ماذا أقول؟.. أنتِ أصلا لا تمتلكين أي حياء من الأساس وأنت تستقبلين طليقكِ في منزلك بمفردك"..
اقتربت منها أمواج ببطء وعيناها تشعان غضبا، ما جعل نرمين تتراجع للخلف خوفا، قبل أن تهتف بها الأولى: "إذا تجرأتِ مرة أخرى بالحديث عما لا يخصك.. سأقطع لكِ لسانكِ هذا.. لا تتحدثي فيما لا تفهمينه"..
هتفت من خلفها زهو قائلة: "عندما زارها بحر.. كنتُ موجودة معهما أنا وساري.. كانت أمواج مريضة وكنا نعودها.. وأحضر بحر طبيبة من أجلها.. ولمّا اطمئن عليها، غادر المنزل.. وبالمناسبة، بحر هذا ابن خالتها.. أي أن سمعتها من سمعته وهو أول من يحافظ عليها.. لذا لا تتفوهي بالهراء لمجرد أنكِ لا تجدين منا تجاوبا مع ثرثراتك عديمة القيمة"..
تحركت زهو وأمواج تضعان الأطفال في المقعد الخلفي على الكراسي الواقية المثبتة به، قبل أن تتحركا للمقعدين الأمامين، استعدادا لبدء يومهما، فشيعتهما نرمين بنظرات مكفهرة، وهي تهتف بغيظ: "لا أفهم كيف تترك امرأة غبية مثل أمواج رجلا مثل بحر لتأتي وتتفوه بالترهات أمامي؟.. وتلك الأخرى التي تشبه جوال القطن تتجرأ وتهينني.. لولا أنني أترك ابني فهد في رعاية شادن بالروضة، لكنت فضحت تلك المجنونة بكل أنحاء التجمع السكني.. لكن لا بأس.. سيأتي يوم قريب أجعلها فيه أقل من حشرة أدعسها بقدميّ"..
أما أمواج وزهو، فقد استمتعتا كثيرا بيومهما مع الأطفال في النادي فتناولا الإفطار، ثم صاحبا الأطفال لحديقة الألعاب..
وحين انشغلت أمواج بمساعدة كيان على الاتزان على إحدى الألعاب التي تفوقها عمرا بسبب إصرارها على تجربتها بعناد ورثته عنها، اقترب رجل أربعيني من زهو، وبدأ يحادثها بنوعٍ من الود: "مرحبا يا مدام زهو.. هل تتذكرينني؟ أنا المهندس ابراهيم سليمان الذي توليت إعداد ديكورات منزل المرحوم نبيل الحلواني قبل زفافكما"..
ابتسمت زهو له بتحفظ، ثم قالت: "آسفة لا أتذكرك"..
رد المهندس ابراهيم محاولا المحافظة على استمرار المحادثة التي بدت زهو وكأنها على وشك إنهائها: "كان الرائد نبيل رحمه الله يتحدث عنكِ دائما، وكان يصر على اختيار ديكورات بيتكما على ذوقك.. اسمحي لي أن أعبر لكِ عن إعجابي بذوقك الرفيع واختياراتك المذهلة للألوان"..
قالت زهو بنبرة جافة رافضة الاسترسال: "في الحقيقة أغلب الألوان كانت اتفاق مشترك بيني وبين نبيل.."..
تجاهل ابراهيم تعليقها ثم قال بنبرة ودودة: "هل لي أن أتشرف بدعوتكِ اليوم على الغداء؟"..
"في الحقيقة، علينا أن نغادر بعد قليل.. لدينا موعد هام".. كانت تلك كلمات أمواج التي سمعت جانبا من الحوار بعد أن انتهت من مساعدة كيان وتركتها لتهبط من اللعبة بسلام، فقد شعرت أن صديقتها لا تشعر بالراحة في وجود هذا الرجل وأرادت أن تعفيها الوقوف معه لفترة أطول..
غادر الرجل بعد أن منح زهو نظرة جريئة حرّكها ببطء على معالم أنوثتها البارزة بسخاء، ما أشعرها بعدم الراحة..



في موعد الحفل، بدأ أولياء الأمور يتوافدون على الروضة استعدادا للعرض التقديمي، حيث بدأت شادن في الحديث مع المتطوعين من أصحاب المهن المختلفة لتتفق معهم على ترتيب صعودهم للمنصة والحديث عن أعمالهم، إلى أن دخلت مرح وشذى والي، وبرفقتهما شاب وسيم يبدو في منتصف الثلاثينات، تبدو ملامحه أوروبية بشعر ه الأحمر ولون عينيه الأزرق، ولكن بطريقة ما هناك شيء بهيئته يشي أن دماءه شرقية..
كان الشاب يحمل بإحدى يديه حافظة ملابس بلاستيكية شفافة بداخلها معطف أبيض يخص الطهاه بدا وكأنه قد تم كيه بعناية، بالإضافة لصندوق آخر بيده الأخرى..
فغرت شادن فمها بدهشة، ثم سألته: "هل أنت الشيف تامر؟"
أومأ برأسه، وقبل أن يرد، قالت مرح ممازحة: "لم تدعيني حتى أقدمه إليكِ.. هذا صديق الغربة وفي مرتبة أخ.. الشيف تامر جميل.. مصري اسكتلندي"..
أرشدته شادن لمقعده بانبهار، بعد أن حددت له موعد صعوده على المسرح، ليخرج هو من صندوقه كومة من ورق الملاحظات التي انهمك في مراجعتها استعدادا على ما يبدو لاحتلال المنصة بعد قليل..
وقبل أن تنغمس بالحديث مع مزيد من الضيوف، اقتربت منها زهو وأمواج وذكرى، لتهمس الأخيرة بانشداه: "تامر جميل جدا"..
وأيدتها أمواج تقول بنبرة منغمة: "جميل فعلا"..
ضحكت مرح لتقول: "أنتن مشكلة"..
سألتها شادن بعدم تصديق: "كيف لم تتزوجي هذا الجميل؟ إنه مسلم.. أليس كذلك؟"، لكنها قطعت كلامها حين لاحظت علامات الصدمة على وجه مرح التي لم تتمكن من الرد عليها، إذ سبقها صوت نحنحة صدرت من خلفها، فالتفتت لتجد سفيان واقفا في مواجهتها..
فغرت شادن فمها حتى كاد فكاها أن يتمزقا، فقد بدا أمامها بكامل هيئته.. إذ أطل ببدلته الرسمية المزينة بنياشين، وقبعته العسكرية تغطي رأسه.. أما الشارات على كتفيه فكانتا تشير إلى..
"عقيد؟.. هل تمت ترقيتك؟"..
همست شادن بسؤالها بدون تفكير، فكانت ابتسامة جافة هي أول رد فعل من سفيان قبل أن يقول: "حين تم تكريمي بعد عودتي من البعثة الأخيرة.. تمت ترقيتي إلى رتبة عقيد قبل إعفائي بالطبع من الخدمة نتيجة إصابتي.. كما حصل بحر على رتبة رائد قبل طلبه الإعفاء أيضا.. وبالطبع تعلمين أن المرحوم نبيل حصل على رتبة المقدم.. جميعها كانت ترقيات استثنائية لنا فضلا عن أنواط الشجاعة من الدرجة الأولى التي تلقاها كلٌ منا"..
كان سفيان يتحدث بجفاف، وكأنه لا يعترف بتلك التكريمات، فهزت شادن رأسها، ثم قالت: "نعم.. لقد حضر أبي ونادر الحدث التكريمي، لكنني وقتها لم أكن واعية لكل ما يحدث.. حتى زهو.. لا أظنها قد استوعبت ما حدث إلا بعدها بعدة أشهر"..
سألها سفيان برتابة: "إذًا متى سأقدم العرض التقديمي الخاص بي؟"..
تمالكت شادن نفسها وسيطرت على شرارات الإعجاب التي كانت تظلل تصرفاتها فتعيدها مراهقة، لتهتف بنبرة عملية: "دورك هو العرض الثاني.. عقب الشيف تامر جميل يا سيادة العقيد"..
ناظر سفيان الشيف تامر بنظرة محتدة غير مفسرة، لكنه عاود النظر لشادن، وقال: "لا تناديني برتبتي مرة أخرى.. ناديني سفيان كما تفعلين"..
توافد أولياء الأمور المتطوعون على تقديم بعض المعلومات المبسطة عن مهنهم، وقام مصور مستأجر بالتقاط عدة صور لكل طفل مع صاحب المهنة التي يحلم أن يكونها في المستقبل، بإطلالته اللطيفة المستوحاة من طبيعة تلك المهنة.. كما تم إهداء كل طفل كتيب تلوين صغير به بعض المعلومات المبسطة عن تلك المهنة..
وبعدها، تم عرض الفيلم التعليمي القصير الذي سجلته بصوتها زهو الصاوي، وأعده حمزة الرافعي الذي حضر الحفل برفقة شقيقته الدكتورة حنان وزوجها الكاتب حسام عبد القادر بالإضافة لعائلة بسام الزين، بعد أن أقنعت الدكتورة شروق رحيم زوجها بالحضور ومشاهدة ابنته فجر متنكرة بهيئة شيف لتلتقط بعض الصور مع الشيف تامر جميل..
حين انتهى الحفل وبدأ الضيوف بالانصراف، كان سفيان يحمل ابنته ملك، بينما كان إيلاف يمسك كف مالك، وأخذا يتبادلان الحديث مع عدد من أولياء الأمور، وذلك حين لاحظ أحد الأطفال الكف المعدني لذراع سفيان التعويضي ظاهرا أسفل كم بدلته، فهمس محادثا والده: "لماذا يبدو ذراعه هكذا يا أبي؟"، لكن سؤاله وصل لمسامع سفيان وأسرته الذين كانوا يقفون على مقربة..
وقبل أن يرد والد الطفل، كان مالك يهتف بفخر صاخب: "لأن أبي بطل مثل (وينتاصويدا)"..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-05-22, 08:23 PM   #238

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
New1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثامنة: القسم الثامن

بعد نهاية الحفل، تحركت النساء صوب منزل مرح وشذى في حي حلمية الزيتون، والذي كان سكن والديهما قبل ما يقارب أربعين عاما..
كانت مرح وشذى قد قررتا استقبال أمواج ابنة خالتهما، بالإضافة لابنة عمها شادن وأرملة شقيقها زهو، واللتين كانتا تجمعهما بهما علاقة صداقة منذ ما قبل هجرتهما إلى الخليج..
وقد أصرت أمواج على اصطحاب ذكرى معهن أيضا، رغم أن الأخيرة عارضت الأمر بقوة لرغبتها في البقاء برفقة والدتها، لكنها اضطرت للاستجابة لإلحاحهن بعد أن هاتفت والدتها وأصرت عليها الأخيرة بالبقاء معهن على أن تبيت معها ممرضتها هذه الليلة..
تناولت الفتيات غداء متأخرا من الشطائر وشرائح البيتزا من أحد مطاعم الوجبات السريعة، حيث أخذن يتبادلن الحديث عن انطباعات الشقيقتين بعد عودتهما الدائمة لمصر، عقب ما يوازي عشرين عاما من الغربة..
قالت شذى: "لم يكن اندماجنا مع الحياة هنا صعبا.. في النهاية كنا نعيش في دولا شقيقة، وأسلوب الحياة قريب منا.. والفترة التي قضيناها بلندن كانت في مرحلة متقدمة من عمرنا فلم نتأثر كثيرا بأسلوب الحياة الغربية"..
ردت مرح: "الأمر أصبح مرهقا بعد رحيل والدينا تباعا.. كنتُ قد صممت على البقاء في دبي بعد زواج شذى كيلا أتركها وحيدة.. لكن بعد طلاقها.. لم يعد بصراحة هناك مبرر للبقاء هناك.. الحمد لله لدينا إرثنا، وشهاداتانا العلميتان تسهلان لنا الحصول على عمل هنا.. أفكر في افتتاح عيادة متخصصة.. أو أبحث عن طبيب آخر أو اثنين ونفتح مركز متكامل لعلاج الأسنان"..
قالت شادن بنبرة مشجعة: "يمكنكم افتتاح المركز داخل تجمعنا السكني أو بالقرب منه وأن تأتي وشقيقتك للإقامة بالقرب منا"..
ضحكت ذكرى وقالت بتواطؤ: "أو نخرج نرمين تلك من بنايتنا وتأتيان للإقامة معنا.. ستكون الحياة أفضل للجميع"..
علقت أمواج بغيظ: "لا تذكريني بتلك الخبيثة.. والله أظن أنني سأفقد أعصابي مرة وأسحبها من شعرها وأبعثر كرامتها في كل الأركان"..
سألت زهو بحماس: "لمَ لا تأتيا للإقامة بمدينتنا السكنية؟"
قالت شذى: "نحتاج للبقاء قليلا في بيت والدينا رحمهما الله لنشبع شوقنا إليهما.. ثم نحدد ماذا سنفعل لاحقا.. كما أن الحي هنا مليء بالحياة والجيران ودودون للغاية، وليس منعزلا تماما مثل وحدات التجمع.. أنتن محظوظات لأن صداقتكن قوية"..
عاودت أمواج أسئلتها الفضولية، فقالت وهي ترفع حاجبيها: "ماذا عن تامر الجميل.. ما قصته؟"
ردت مرح بصدق: "تامر إنسان محترم وخدوم جدا.. تعرفت عليه في دبي حين جاء لعلاج أسنانه في الوقت الذي توفيت فيه أمي رحمها الله"..
سألتها شادن باهتمام: "ولمَ لم تتحرك شرارات الحب في الأجواء؟"
قالت شذى بغيظ: "هل كل امرأة تتعرف على شاب في نطاق عملها أو محيط صداقاتها ستقع في غرامه؟"
أشارت مرح صوب صدرها، ثم همست بإحباط: "كان هذا القلب قد تعلّق قبلًا بالفعل"..
هتفت أمواج باندفاع: "احكي فورا"، ثم ناظرت شذى وقالت: "وأنتِ.. ألن تعترفي بما حدث بينكِ أنت ومازن بعد قصة حبكما؟"
أطرقت شذى رأسها بأسف، بينما حركت مرح كتفيها بنزق..
هتفت أمواج: "هذه الجلسة تبدو مدجنة للغاية لهذا الحديث.. انتظرن"، ثم نهضت تبحث عن حقيبتها حتى وجدتها، فأخرجت منها صندوقا معدنيا صغيرا وقداحة، وهتفت بنبرة عابثة: "لندخن بعض السجائر.. لقد تركها الوغد بحر خلفه.. وبصراحة أنا في مزاج لبعض الانحراف المقنن.. وتلك السجائر من أفخر أنواع التبغ.. ومصنوعة يدويا.. لذا لم أرد إهدارها برميها في سلة المهملات"..
قالت شذى ممازحة، وهي تناظر أختها: "أووبس.. سنفسد أخلاق الطبيبة الملتزمة"..
همست مرح بصوت يغطيه مسحة من الحزن: "لقد فسدت أخلاقي وانتهى الأمر"..
لم تنتبه الفتيات لنبرتها، فصفقن بصخب، قبل أن توزع أمواج سيجارة على كل واحدة، لكن ذكرى رفضت وأخرجت سيجارتها الإلكترونية وأشعلتها ليبدأن في نفث الدخان ليشكلن لوحة عبثية مضببة تطرد من قلوبهن الحزن مع الهواء الملوث..
بعد قليل، أخذت زهو تضحك بصخب بطريقة غير طبيعية، بينما كان الحديث قد توقف.. ما أثار ذهول الفتيات، قبل أن تزيد هي الوضع ترديا بقولها بكلمات أحرفها مفككة: "هذه أجـــ..ـمل سيـــــ..ــــجارة أدخـ..ـنها في حــ..يا..تي"..
هذه أجمل سيجارة أدخنها في حياتي
ردت أمواج ساخرة: "وهل دخنتِ من قبل؟ أنت الأكثر تحفظا من بيننا يا بنت"
هتفت شذى باستيعاب مفاجئ بعد أن عقدت حاجبيها: "هذه ليست سيجارة عادية حتما"، ثم سحبتها من بين إصبعي زهو وأخذت تنفثها، ثم سعلت قليلا، قبل أن تقول: "هذه السيجارة تحتوي على الحشيش"..
شهقت أمواج، ثم سألتها: "هل أنتِ متأكدة؟"
أومأت شذى برأسها قبل أن تسحب نفسا آخر منها، قبل أن تمنحها لأمواج التي سحبت نفسين متتالين، وهي تهتف بعد أن شعرت بالقليل من الانتشاء: "وكيف استطعت تمييزها؟ هل دخنتِ الحشيش من قبل؟"..
أومأت شذى من جديد عدة مرات كمن لا تستطيع التحكم في رأسها، ثم ردت بمرارة لم تملك السيطرة عليها: "مرة وحيدة"..
قربت أمواج السيجارة من ذكرى، لكنها رفضت أن تشاركهن تدخينها، حيث قالت: "أنا لا أدخن سوى الـ(vapor) وحين أكون متوترة فقط.. كما أنني لن أبيت معكن وسأتحرك بعد قليل لمنزلي.. لذا يجب أن أظل متنبهة.. وأنتن الآن تحتجن لمن تراقبكن، فربما أصيبت إحداكن برد فعلٍ عكسي.. فتعاطي الحشيش لا يترك نفس رد الفعل لدى الجميع"..
سحبت مرح السيجارة، وأخذت نفسا، ثم قالت: "هل تسمين هذا تدخينا؟ إننا نتشارك سيجارة واحدة بالله عليك.. لن يصل تأثيرها لأكثر من ساعة على الأرجح"، قبل أن تعطيها لشادن التي سحبت نفسا، وأطلقت عدة ضحكات متتالية لم تستطع إيقافها، لتقول بعدها: "لا أصـ..دق كم كان سووووفـ..يااااان وسيمااااااا اليوم"..
لا أصدق كم كان سفيان وسيما اليوم
حركت أمواج رأسها بدهشة وقالت بنبرة متثاقلة وكأن لسانها قد أصابه الخدر: "ثبتـ...ت إعدااا..دااااتك على سوووفـ.ياااان هذذا مـ...نذ سنـ..ااا..وااات ولم نســـ....تطع ضبـ...طك بعدها.. وأنــ..تِ يا مـ..رح.. لـ..ستِ عـ..لى طبييييـ...عتكِ.. أنتِ لا تطيـ..ـققين را..ئحة الدوو..خان من الأ..ساس.. ما..ذا تفـ..ـعلين بالله عليكِ؟"..
ثبتت إعداداتك على سفيان هذا منذ سنوات ولم نستطع ضبطك بعدها.. وأنتِ يا مرح.. لستِ على طبيعتكِ.. أنتِ لا تطيقين رائحة الدخان من الأساس.. ماذا تفعلين بالله عليكِ؟
ردت مرح بضيق، وبنفس النبرة المتثاقلة: "أعــ..رف أننـ..ـي سأ..نددم.. غـ..ـدا.. وأوووو..ببخ نفـ..ـسي لـــكـ..ن".
أعرف أنني سأندم غدا وأوبخ نفسي.. لكن
قاطعها صوت بكاء صاخب انطلق فجأة، فأخذن يحركن رءوسهن صوب مصدر الصوت، ليجدن زهو منهمرة في البكاء وهي تهتف بنبرة محترقة: "اشتقتُ إلى نبيل.. متى سيأتي؟"
سعلت أمواج وهي تنفث آخر أنفاس السيجارة قبل أن تطفئها، وهي تمنح صندوق السجائر الصغير لشذى تسألها بأمل: "افحـ..صي تلللك السجا..ئر.. روو..بما كان هناك وا..حدة أخـ...رى تحـ...توي على الحشـ..يش.. لن نشـ...عل الـ..مززز..يد.. يكـ..ـفي"..
افحصي تلك السجائر، ربما كانت هناك واحدة أخرى تحتوي على الحشيش.. لن نشعل المزيد.. يكفي
أخذت شذى تتشمم تبغ السجائر المتبقية، لتهز رأسها نافية وجود واحدة يختلط بها التبغ مع عشبة الحشيش.. ورغم ذلك، وزعت سيجارة أخرى على كل واحدة، وأخذن ينفثن دخانهن، لكن ذكرى نهضت من موقعها وجمعت لفافات التبغ من بين أصابعهن، ثم رمتها في المرمدة وسكبت عليها الماء حتى أتلفتها، ثم عادت لتفتح النافذة على مصراعيها، قبل أن تجلس جوارها على مسافة بعيدة نسبيا عنهن، متجاهلة صياح البنات المعترضات..
ساد الصمت قليلا، وسط نظرات الغضب من الفتيات، فقالت ذكرى بامتعاض: "ستندمن جميعا غدا لكنني لا أملك منعكن.. لستُ وصية على أيكن.. جربن أن تفعلن شيئا آخر ليمر الوقت حتى تستعدن وعيكن، فأغادر بعد أن أطمئن عليكن"..
هتفت أمواج بنبرة عابثة برغم تحسن صوتها المتثاقل نوعا ما: "لنلــ..ـعب لـ..ـعبة"..
سألتها شادن بتلكؤ: "مااذذذا سنلـ..ـعب الآ..ن؟ لاااا أسسستطـ..ـيع حتى الووو.قوف على سا..قي.. أشـ...ـعر أنننــــ.. ـهما صا..رتا من الاســـ .. الاســـ ــفنج"..
ماذا سنلعب الآن؟ لا أستطيع حتى الوقوف على ساقيّ.. أشعر أنهما صارتا من الاسفنج..
قالت أمواج بنبرة بطيئة: "لنأكل.. بعض.. المثلجات.. إذًا"..

نهضت ذكرى وجلبت للجميع أطباق المثلجات من ثلاجة المطبخ، فبدأن يتناولنه وسط مزحاتهن الصاخبة بكلمات متعثرة بطيئة، إلى أن استعدن الكثير من وعيهن بالفعل بعد مرور بعض الوقت، قبل أن تهتف بحماس: "ماذا كنا سنلعب؟"
قالت أمواج موضحة بصوت أكثر وعيا ولكنها تحدثت ببطء عن طبيعها: "لنلعب لعبة (ما هو الأسوأ؟).. ولنبدأ بـ (ما هو الأسوأ من... الطلاق؟"..
ناظرتها الفتيات بعدم فهم، فرفعت كفيها في الهواء تحركهما كمن تشرح مسألة فيزيائية، قبل أن تقول: "كل واحدة تقول ما هو الشيء الذي تظنه يؤلم أكثر من الانفصال، والفائزة عليها أن تختار اللعبة التالية.. وأنا سأبدأ"..
حرّكت سبابتها على خدها تفكر، ثم هتفت بيقين: "الأسوأ من الطلاق.. هو إعداد حلة من لفائف (محشي الكرنب).. أقسم أن من اخترع هذه الطبخة يكره النساء ويريد دفننا أحياء في المطبخ"..
ضحكت الفتيات بعشوائية، قبل أن تقول مرح: "أسوأ شيء قد أمر به هو أن أسهر لأيام لمذاكرة مادة، وحين أذهب للجنة الامتحان، أكتشف أن الاختبار المقرر في مادة أخرى غير تلك التي كنتُ أعسكر أمام مراجعها وملخصاتها ساهرة كل ليلة حتى الصباح"
ناظرتها شذى بتعاطف وكأنها تفهم مقصد شقيقتها جيدا، ثم تدخلت تقول: "بالنسبة لي، أصعب شيء هو التسوق في متاجر الماركات الشهيرة وأنت لا تمتلكين نقودا لاقتناء أحدث منتجاتهم.. هذا هو العذاب بعينه"..
ناظرتها ذكرى بحدة، ثم هزت رأسها بعدم تصديق، بعدها قالت بأسف: "ليس هناك أسوأ من أن يخذلك من يفترض به حمايتك"..
ربتت شادن على ظهرها، ثم عانقتها بحمائية ومنحتها قبلة صاخبة على وجنتها، قبل أن تقول: "الدور عندي.. الأمر الذي يؤلم أكثر من الطلاق بالنسبة لي هو أن أضطر لتمشيط شعري الخشن بعد أن تجاهلته لأسبوعٍ كاملٍ بسبب إصابتي بنزلة برد شديدة كنت أرقد خلالها بالفراش، لا أنهض سوى للحمام.. هذا بالتأكيد أكثر شيء يمكنه أن يعذبني"..
قالت زهو بنبرة تعيسة: "ليس هناك أصعب من التسوق دون أن تجدي مقاسك بين التصميمات التي أعجبتك.. والأسوأ أن تتبعي حمية غذائية قاسية لمدة شهر كامل وحين تصعدين إلى الميزان تجدين أنك قد اكتسبت وزنا اضافيا"..
ساد الصمت قليلا، وتبادلت الفتيات نظرات آسفة حزينة، قبل أن تسأل شذى بعدم إدراك: "مهلا.. لماذا كنا نلعب تلك اللعبة؟"
طالع الجميع أمواج يبحثن عن إجابة، فصرخت هي بحماس: "هيا نصنع محرقة"..
نهضت ذكرى من مكانها مذعورة، وتحركت نحوها وأخذت توبخها بصرامة: "هل جُننتِ يا أمواج؟ أي حريق تريدين إشعاله في البيت؟"
هزت أمواج رأسها لتسيطر على تشوشها، ثم قالت: "لن أحرق شيئا في المنزل.. أريد أن أحرق الرجال"..
سألتها شادن بنبرة متعلثمة، برغم التماع عينيها بتحفز من أعجبتها الفكرة: "وكيف ذلك؟"
قالت أمواج موضحة: "سنحضر أوراقا وأقلاما.. وتكتب كلا منا كلمات تخنقها وتريد إرسالها لشخصٍ أغضبها أو جرحها، ثم نجمع الأوراق ونضعها في مرمدة أو وعاء ونحرقها ، لتلتهمها النيران ونتخلص من بؤسنا مع رمادها"..
هتفت شذى بحرقة: "موافقة جدا"..
قالت زهو: "لكن نبيل لم يجرحني عمدا"..
علقت شادن: "اتركي له كلمة خاصة إذًا"، ثم ناظرت صديقتها وقالت: "وأنتِ يا ذكرى.. لم تشاركينا التدخين.. ولكن ستشاركينا الحريق"..
ردت باستسلام: "سأشارك، وسأشرف على اللعبة كاملة"، ثم تحركت صوب منضدة عليها مجموعة من الأدوات المكتبية، فأحضرت دفترا وبعض الأقلام وقصت عدة ورقات ووزعتها على الجميع وخصت نفسها بواحدة..
كتبت ذكرى في ورقتها: (يا مدللا ظن أنني لعبته الأثيرة، فتركتُ لك خيوطي تحركها كيفما تشاء، فلا أرقص إلا على إيقاع نغماتك المغوية.. لكن رقصتي لم تكن سوى رقصة وجع مزقت قدميّ وأنهكت خصري.. غير أنني لم أسقط.. فقط تعثرت ثم نهضتُ مجددا وعاودت الرقص على لحني الخاص.. تطلّع إلي وقد لامست السماء.. ارتقيت فوق كل عثرة وخذلان.. وفي النهاية تربعت وحدي على القمة)..
همّت بإغلاق الورقة، ووضعها في المحرقة، لكنها شعرت أنها لم تنتهي مما يثقل صدرها، ففتحت الورقة مجددا، وخطت بحروف عصبية: (عشقك هوائي بلا جذور متينة.. تحمل الهوى بين راحتيك وتتركه للظروف تحركه كيفما تشاء دون مقاومة أو حماية، فأنت لا تحب المواجهات.. ترتكن إلى منطقة الأمان وتتسلى بألعابك.. وتختبئ حين تشتد الرياح، فتمر الصعاب.. لتعود بعدها يحدوك الأمل في الاستمرار من نفس النقطة.. دون أن تزرف الخسائر وتجرب الهزائم)..
أما شادن فقد كتبت: (أحببتك صمتا ووليتك ملكا على عرش قلبي وصنعت لك تمثالا من زهور في بستان روحي، وقدمت فراشاتي قرابين لحلمٍ رويته أنت بسهام كلماتك المدببة التي مزقت الوتين من القلب دون حتى أن تنتبه.. والآن حرقت سفني كيلا أتردد وأقدم على الاقتراب منك فتحرقني نيرانك.. فلتحترق بنار الذنب.. حتى وإن لم تكن تذكر خطيئتك الأولى.. لا تقترب.. بداخلي ندوب ترسم طريقا للآلام.. وإذا قررت السير فيه، قد تخسر نفسك)..
وفي ورقتها، خطّت أمواج: (كأننا روح واحدة، ارتفعت على قمة جبل وانتشت بعليائها فضربتها صعقة بارقة شطرتها لنصفين ونفت كلٌ منهما إلى طرفٍ قصي، فأضحى على كلينا أن نعاود السعي من جديد حتى تلتئم روحنا المشطورة.. لكنك لم تعد بحري الساكن.. غمرتك بقعا زيتية حالكة، أفسدت توازنك وحجبت عنك الشمس.. وما لم تسمح لي بملامسة شواطئك وتنظيفها، ستختنق الحياة بداخلك تماما.. أريد أن أحفر قلبك وأقتلع تلك البقعة الزيتية السوداء، لكنك تضع مئات الدروع وآلاف المتاريس.. وتظن أنك تحميني.. تبا لك)، ثم طوتها ووضعتها في المحرقة..
أما مرح، فقد كتبت بعد تفكير طويل: (كنتَ بمثابة الشخص الخطأ في التوقيت الصحيح.. لمَ عزفت عن التغير لأجلي؟ لمَ بعت حلمنا بثمنٍ بخس؟ حذرتنا حكايات الخيال من انجراف الملاك خلف إغواءات الشيطان، لأنه سيتركها عالقة بين الجنة والجحيم.. لا هي عادت لعليائها ولا هي ارتشفت لذة المغامرة لآخر قطرة.. لكنني فقط لم أفهم)..
وظلت زهو تفكر كثيرا فيما تريد أن تكتب، حتى كتبت أخيرا بحروف ناعمة: (وكأن الحياة توقفت بعدك، وفقدت الدنيا ألوانها وبهجتها، لكنني سأبحث عن السعادة من أجل زهرتنا كما أوصيتني.. اشتقت إليك)..
وأخيرا، كتبت شذى في ورقتها التي طوتها بعنف: (جئت إليك وردة ناعمة، فتركتني بروح يائسة وقلب محطم.. بعيون ذابلة وكيان مهشم خائف.. شاركتني السقطة، لكنك تركتني أتحطم بمفردي.. لا بأس.. أعرف كيف أنهض مجددا وأعود أقوى.. أنا لا أُهزم.. أما أنت.. فيلعنك الله على أيام الوحشة التي بانتظارك)..
أمسكت ذكرى بالقداحة، وأشعلت النيران في الأوراق المبعثرة من دفاتر عشقهن داخل المحرقة، ثم حملت حقيبتها وودعت الفتيات، وتحركت صوب سيارتها كي تعود إلى شقتها تتنسم رائحة والدتها وتأنس إليها، تاركة كل واحدة من صديقاتها غارقة في همها، وكأنهن بعد تلك الجلسة صرن أكثر حزنا من ذي قبل..



بعد عدة أيام، كانت أمواج قد انتهت من إحدى جلسات اليوجا الخاصة بها مع عدد من المشتركات، وعندما تحركت في طريقها للخروج من الجيم بعد أن بدلت ملابسها، أوقفها طارق سامي مدرب "الكارديو"، حيث رحب بها قائلا: "مرحبا كوتش أمواج.. هل أنتِ متفرغة يوم الخميس في الخامسة مساء؟"
أجابته أمواج بفضول: "نعم.. متفرغة.. ما الأمر؟"
قال طارق بنبرة مغلفة بالأمل والحرج بنسب متساوية: "هل تمانعين أن نخرج سويا يومها؟ لنشاهد فيلما في أحد دور العرض؟"
فكرت أمواج لدقيقة واحدة، ثم أجابته بابتسامة عريضة: "لا أرى ما يمنع ذلك.. لقد قبلت"..


نهاية القصاصة
قراءة سعيدة
انتظر تعليقاتكم بشغف


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-05-22, 09:43 PM   #239

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 38 ( الأعضاء 8 والزوار 30)
‏مروة سالم, ‏awttare, ‏قلوب نابضة بالإيمان, ‏yasser20, ‏وردة فضية, ‏مكاوية و الخطوة ملكية, ‏Moon roro, ‏jehan

🤔🤔🤔


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-05-22, 11:16 PM   #240

قلوب نابضة بالإيمان

? العضوٌ??? » 484184
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 67
?  نُقآطِيْ » قلوب نابضة بالإيمان is on a distinguished road
افتراضي

فصل جميل سلمت يمناك
اخر الفصل مفاجاة في انتظار انتقام الامواج


قلوب نابضة بالإيمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:16 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.