آخر 10 مشاركات
تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          5 - الرجل السراب - جانيت ديلي - أحلام القديمة ( كتابة / كاملة ) (الكاتـب : gasmin - )           »          إشاعة حب (122) للكاتبة: Michelle Reid (كاملة) (الكاتـب : بحر الندى - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          الوصــــــيِّــــــة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          جنون الرغبة (15) للكاتبة: Sarah Morgan *كاملة+روابط* (الكاتـب : مستكاوى - )           »          48 - لا تقل وداعا - ساندرا ماراتون (الكاتـب : فرح - )           »          قــصـــة قــــســـم وهـــــرة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : عيون الرشا - )           »          موسم الورد* متميزه * مكتملة (الكاتـب : Asma- - )           »          الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5261Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-02-23, 11:47 PM   #1251

فاتن نبيه
 
الصورة الرمزية فاتن نبيه

? العضوٌ??? » 487008
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 1,431
?  نُقآطِيْ » فاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورهان الشاعر مشاهدة المشاركة





أشكر فاتنة قلبي الجميلة على التصميم الذي أخذ قلبي...
هدية للفصل الأخير




هه علاما تشكريني حبيبتي
ليته يرقى لجمال كلماتك 💋❤


فاتن نبيه متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-02-23, 11:51 PM   #1252

نورهان الشاعر
 
الصورة الرمزية نورهان الشاعر

? العضوٌ??? » 477398
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,761
?  نُقآطِيْ » نورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond repute
افتراضي




الفصل الأخير





كانت الغرفة غارقة تماما في أمواج الظلام السوداء،تبتلع كل أركانها و قد أرخت بديجورها ليستعمر كل مكان خدله النور، مغادرا بغير رجعة و قد سكنت أشباح الشر الكاحلة كل مكان،فلم تكن ملامحها التي نكسها السواد واضحة أبدا،غير أن أماني أبصرتها بروحها،من أول خطوة لها داخل الغرفة،علمت بأنها لاتزال كما كانت،دون أن يمسها أي إختلاف يديها تحسست المنضدة القريبة من الباب،فكانت بمكانها مع الإطارات، بيداء و لسبب لا يعلمه إلا الله لم تغير شيئا في البيت كاملا!ألم تجد وقتا لذلك؟!أم هي ببساطة تتمتع بإستلائها على بيت أختها و تشعر بالتشفي و هي تتذكر ذكراها في كل مكان من القصر؟إمرأة بتلك السادية لا يمكن أن تتكهن بتصرفاتها أو دوافعها،هي مخلوقة من شر كرست نفسها للشيطان،و صارت منبعا لكل القبح و السفالة،و لم تكن هي بفطرتها النقية لتفهم ما يجري في صدور جهنمية إستوطنها الشر!
كانت روحها ترتجف رهبة و هي على أعتاب غرفة الحبيبة التي غادرت دون رجعة تاركة جراحا لا شفاء لها،عاد كل كيانها للنحيب و هي بين أحضان ذكرى التوليب،قريبة جدا منها قرب الهواء الذي تستنشقه،بعيدة جدا عنها بعد السماء التي تظللهما،شذى التوليب العطرة،برائحتها المميزة التي لم تصل لسرها يوما،كانت تنبعث من كل أرجاء الغرفة،تعانق أثاثها الحزين،و بيدين دافئتين تربث على ظهور الأركان المنتحبة،و كأن روح أمها إختبأت هنا تواسي المكان الذي ضمها عمرا طويلا و صار من بعدها وحيدا.
في جنبات الظلمة الدهماء،كانت تغرق في حنينها المشتعل على ضفة الذكريات،تقف في أحضان أطياف الماضي،تلقي عليها السلام من زمن غابر لم يعد له مكان إلا في ذاكرتها. وقفت بألامها و جراحها الجسيمة على باب نسيم التوليب الذي كان دوما سلوى و دواءا لروحها.
مدت يدها المرتعشة ككل كيانها تحطها على مفتاح النور حتى تشعله،للحظة ألم الضوء عينيها و قد إعتدتا الظلام فإضطرت لغلقهما لثوان قبل أن تفتحهما ببطئ شديد و كأنها ستبصر النور لأول مرة،فالظلام إستعمر كل أركانها و أنساها إشراقة الضوء كيف تكون،حنين و ألم ضرب قلبها و هي ترى غرفة أمها لاتزال كما كانت و كأنها غادرتها صباحا لتعود إليها في المساء،الفراش مرتب بنفس الطريقة التي تحب نظيف و معطر.و كأنه لازال يحمل أثار أناملها الحنونة،همست بألم وإشتياق
_أمي!
إرتفع صوتها مع إرتفاع نشيجها و هي تصرخ بلوعة تمزق نياط القلب و قد بدت طفلة يتيمة رميت على ناصية الطريق يوم وفاة أمها.
_أمي!
ركضت بلهفة إلى السرير و كأنها تركض لحضنها الحبيب،لتجلس على ركبتيها قربه تمرغ رأسها في ثناياه،ورائحة العطر التي كانت أمهما تواضب كل يوم على وضعه في السرير تجتاحها أكثر.غرقت فيه و كأنها تغرق في حضنها الحنون،تضم الشراشف إليها، تعانقها و تقبل فيها نسيم التوليب الحبيب،و قد غسلت الدموع وجهها تشاركها رثاءها المتألم،ظلت تبكي بألم و النحيب يمزق صدرها،يخيل لها أنها بين أحضان حبيبتها تحس بها و تسمعها،و كم كانت في أمس حاجتها لها حدثتها بحرقة جعلت الحروف كومة وجع تراصت لتشكل من نزيف القلب كلمات دامية.
_أمي!أمي!...لماذا يا أمي؟!لماذا يحدث لنا كل هذا؟!يا أمي هذه الحياة مُرة!مُرة جدا بدونك فلما ذهبتي؟!أمي!أمي!أمي!يا همي ووجعي ببعدك يا نبض قلبي!ما عدت أقدر يا غالية تعبت،أرهقت نفسي و ما عاد بصدرك أي قوة أستند لها!تعبت حبيبتي و أنا أدرك كم أنا ضعيفة جدا من دونك،ليس بي غير الضعف و الألم بعدك،يا أمي يا نبع الحنان و الأمان، نحن نحترق!لهيب يأكل روح إبنتيك! هجرت قصرا من البيت و من مدينتي،نفيت بعيدا عن أختي و عائلتي يا أمي!و ظننت بعودتي أن كل شيء سيعود كما كان،ظننت أن روحك الطيبة سترفقنا وتحرسنا هنا،لكنxذلك لم يحدث غاليتي وقد بدأ الأمر بمرض عمي أدم ثم إغتصاب بيلسان و الآن....
توقفت وكأنها لم تستطع الإعتراف بكل هذا لأمها،لكنها أكملت بولع أكبر و الوجع يهلكها،و يدك روحها دكا.
_أمنية!...أمنيتك يا أمي...صغيرتك المدللة حبيبتي قابعة الآن تحت رحمة الأطباء هي و زوجها...صغيرتك الرقيقة تعرضت لحادث عنيف،صغيرتك الآن بين الحياة و الموت... صغيرتك فقدت للأبد أي فرصة لتكون أما!
توقفت قليلا لتضرب صدرها و هي تقول بألم و صوتها يتمزق ألما
_وأنا وأنا يا أمي.بيدي هاتين وقعت على ورقة حرمانها من الأمومة!..إبنتك الصغيرة يا أمي لن تصبح أما أبداً..
تحشرج صوتها و ماتت الكلمات على شفتيها في حين ظل وقعها المؤلم يشنق روحها بلا رحمة.
إقترب منها فراس ليضمها إلى صدره يحاول تهدئتها بينما يجلس بجانبها قرب الفراش، يضمها و كأنه يريد غرسها في ضلوعه عله يأخذ ألامها ليحشرها في صدره و يخلصها من عذابها الذي يقتله!همس لها بحنان و قد تهدرج صوته من الألم بينما يقبل رأسها.
_أرجوك حبيبتي أنت تقتلنني!..إهدائي يا عمري!إهدائي يا حياة قلبي!أنا هنا معك و سأظل معك أنت لست وحيدة.لست وحيدة أبداً.
رفعت رأسها عن حضنه تنظر إليه برجاء و عينيها مليئتين بالدموع،وجهها و أنفها محمران من البكاء،عيونها العسلية الواسعة قد زادت إتساعا و لمعانا.بينما عسل عينيها قد غرق في دوامات حمراء حاواطتها الدموع،و عروق دقيقة تلتف بهما آلمه منظرها!آلمه حد البكاء.شاهد شفتيها ترتجفان قبل أن تهمس بصوت مهزوز يحمل الكثير من الرجاء الذي شاهده بعينيها
_فراس ستظل معي صحيح؟!أنت لن تتركني!لن تقدر على ذلك؟فراس أنا سأموت إن تركتني!و الله سأموت من دونك.....
_شوو!
منعها من الإسترسال في كلامها و هوx يضع يديها على شفتيها المرتجفتين،همس بينما يكفف دموعها بيديه.وقد خرج صوته متحشرجا،بينما لم يستطع أن يمنع عدة دمعات من النزول و قلبه يتلوى ألما على حال حبيبة قلبه.
_أصمتي أرجوك لا تذكري كلمة الموت على لسانك مرة أخرى أنت تقتلينني بها.أماني انت حقا كل حياتى عمري!أنت الهواء الذي أتنفسه، الأيام التي كنتي فيها بعيدة عني كدت اصاب بالجنون!انا لن أقدر على بعدك أبداً حتى لو أردت!انا أعيش بك و لك.
تعلقت عينيها بعينيه و هي ترى مسار تلك الدمعتين التي إنحدرتا على وجهه الرجولي الوسيم بلحيته الخفيفة.وجهه الذي يشع حباو حنانا،رفعت يديها المرتجفتين لتمسح دموعه بيدها و هي تنظر بعشق و إحتياح إلى عينينه،مسحها لدموعه،جعل دموعه تسيل أكثر،بموازات مع دموعها و كأنها بلمستها حررت ألامه!هو الأخر كان محتاجا إليها كطفل صغير فقد أمه.إبتسامة متألمة زينت ثغرها و هي تنظر لعينيها الحبيبتين تنظر لها بحب جارف يوازي الحب القائم بين جنبات صدرها،نطقت إسمه بشوق و هي ترنو إليه بعشق شديد
_فراس!
خرجت حروفها مشتعلة بلوعة و هي تتحر من أعماق قبلها العاشق،قبل ان تشد وجهه إليها لتطبق شفتيها على شفتيه،تقبله بشوق و حاجة مستعرة لقربه،بادلها هو القبلة بنفس الشوق و الجنون وهوx يطوقها بيديه يشدها إليه أكثر،حتى إنطبقت ضلوعهما،يدها إنتقلت من وجهه إلى رقبته،تتعلق فيه و تزيد من عمق قبلاتها و كأنها تريد الإندماج معه،لم يدريا كم من الوقت مرا عليهما بينما يتبدلان القبل بكل جنون!ينهمان من الحب بجوع شديد يقتتان نبضاته و جنونه عله يشفي جراحها،تتوحد روحيهما الممزقة لتصل الكلام،كان مشتعلان بجنون الحب و الألم يبحث كل من هما على سلوى في الأخر!أنهت القبلة كما بدأتها بعد أن هدها التعب لتسند جبينها على جبينه بينما صدرها يعلو و يهبط بجنون و هي تلهث بقوة،هو أيضا حالته لم تكن مختلفة عن حالتها أبدا،صدره يعلوا حتى يلامس صدرها،و دقات قلبه تضرب بجنون. همست بتعب و هي تجول بيديها على ظهره تشده إليها أكثر و قد خرج صوتها ممزقا من بين شهقاتها
_فراس...لا تترك يدي...أرجوك.لا تتكرني حبيبي.
قبل جبينها بينما يمسك وجهها بيده.و هو يهمس لها بحنان و قد خرج صوته متحشرجا مرهقا.
_أنا أبداً يا روحي لن أتركك أبداً حبيبتي!
إبتسمت بإرتجاف و هي تنظر إليه،مسحت دموعها بيديها قبل أن تقول له بإبتسامة و قد ملأها قربه بسلام مريح،لثم جروحها و خنق ألامها.
_دعنا نذهب.
نهظ ليوقفها معه،بينما يرتب خصلات شعرها المشعتة بيديه،قبّل جبينها بحب ليهمس لها برقة و هو يرنو لعينيها الحبيبتين.
_هيا حبيبتي دعنا نذهب.
أمسك يديها ليخرج بها من الغرفة، لكنها أوقفته قبل خروجها تهمس بلهفة.
_إنتظر.
تركت يديه لتتوجه إلى طاولة الزينة الخاص بأمها،حملت إيطارا صغيرا،يحمل صورتها هي وأمنية حين كانا في الخامسة من عمرهما تتوسطهما امهما وهي تضحك بإنتعاش رغم أن الضحكة لم تصل إلى عينيها اللتان عشش الحزن بهما لسبب لا تدريه و مر العمر دون أن تدريه.مسحت على الصورة بيديها و رفعتها إلى شفتيها تقبلها بعمق،بينما إنحدرت دمعتان صامتتان من عينيها.إلتفتت إلى فراس قائلة بحنين و إبتسامة مرتجفة تستقر على شفتيها.
_هذه غرفة أمي.
حرك رأسه و هو يجيبها بحنان
_أدركت ذلك.
عادت إليه تضم الصورة لصدرها و تندس في حضنه حين لف هو خصرها بيديه،يقبل رأسها برقة،يسندها و يستند إليها،خرجا معا من الغرفة،لتطفئ النور و تغلق الباب وراءها دون أن تلتفت وراءها!
خرجت من مخضع أمها ليس كما دخلته أبداً.حتى في بعدها ستظل دواءا لروحها.

_________________
دخل إليها في جناحها،كان متعبا و مرهقا تماما فقد أنهكه كل ما مر و يمر به،أرهقه حتى ما عاد يتحمل أبداً!كل هذه التعقيدات التي ملأت حياته أصبحت تخنقه!ألا يستحق أن يعيش حياة طبيعية مثل الناس؟!
رغم تعبه إبتسم وهو يرى وجهها الملائكي الذي كان دوما مصدر الإطمئنان و الراحة بالنسبة إليه،جر الكرسي ليجلس بجانبها قرب الفراش،قبل جبينها قائلا بهمس دافئ
_إشتقت لك يا جميلتي إشتقت لك جدا.
تنهد بتعب و هو يمسك يديها البيضاء الباردة بين يديه،يديها الموصولة بالأسلاك الطبية،و كأنها سلاسل إلتفت على جناحي الحمامة تمنعها من التحليق،بينما كلها كانت غارقة في بياض الفراش،وبياض كل شيء من حولها في هذه الغرفة،بياض يخنق روحه المتعبة،و قد بدى أنه أعدم كل لون،ليغرق المكان به كاتما عنه ألوان الحياة،فيخنق الروح بعما حليبي يذهب البصر،كم تمنى من كل قلبه في لحظة شتاته هذه أن يسمع صوتها الحبيب،بدلا من الصوت الرتيب للأجهزة الطبية ذو الرنات الحادة التي تخترق روحه كسيوف مسننة،و تطبق على صدره بثقلها خانقة أنفاسه.كم تمنى أن تكون صاحية الأن و هو يلقي لها بأشد همومه وطأتا.
قبل يديها ليتحدث بصوت واهن متعب.
_اه يا غالية كم أتمنى أن تكوني واعية الآن و أنا أخبرك و أفضي لك بمكنونات صدري،أصارحك بالذنب الثقيل الذي يقسم ظهري، ليتك كنت صاحية لتخففي عني هذا الهم، ليتك كنت هنا معي لتمسكي بيدي و ترشديني إلى الطريق الصحيح.الذنب يقتلني، يقتلني ويشعرني بالحقارة،يطعنني ويشعرني بالصغر،أشعر أنني إنسان أناني جدا لا يستحق السعادة في حياته،أنا لا أستحق سرور القلب التي أحبتني بنفسها الملائكية،لا أستحقها أبدا ما كان علي توريطها مع شخص مثلي،لقد تسرعت لكنني لن أستطيع التراجع، لن أستطيع كسرها الآن!سارة لا تستحق ذلك أبدا هي إنسانة عظيمة مثلك تماما.
مسح دمعة فرت من عينيه بينما يقول محدثا النائمة على السرير
_لك أن تتصوري إحساسي حين ذلك و كأنني أخير بأن أحرق بالنار أو أحترق من النار.ألقى إلى الجحيم مكبل اليدين،فماذاx كان بيدي أن أفعل،حيرة ألم صدمة،و مشاعر لا تسمى أبدا،كم شعرت بالقهر بالصغر بالعجر،بالظلم!
نعم شعرت بالظلم وأنا ألقى في دوامة لا قرارة لها،شعرت أنني لا شيء،فلما كتب علي كل هذا؟!اااه كم تمنيت لحظتها لو كنت معي،اااه!كم تمنيت لو ترشديني تقفي بجانبي لتخرينني أن كل شيء سيكون بخير،لكنك لم تتمكني من ذلك،فمتى تستيقظين لتزيحين هذا الهم عن صدري؟!
صمت قليلا ليكمل و هو يربث على خصلات شعرها الحريرية بإبتسامة يهمس بإرهاق شديد و قد غامت عينيه بالدموع.
_لو تعلمين كم إشتقت لك يا أمي،كم أتمنى ان تضميني لصدرك الذي حرمت منه لسنوات طويلة،كم أتمنى أن نكون جميعا معا فينتهي كل هذا الألم،لطالما كنت كالبلسم الطيب تعالجين كل الجروح و الألام وجرحك ليس له دواء،عندما كنت قريبة مني أعود كل يوم لأعتني بك في بيتي،كنت مرتاح البال كثيرا،أسف يا غالية لأنني تركتك وحيدة هنا،لكن رغما عني،لمصلحتك كان يجب أن تبتعدي،هنا ستتلقين عناية أكبر و ستكونين بأمان،لن يمسك سوء هنا،لن أعيش دوما في رعب بأن أعود للبيت و لا أجدك.حتى أنني لا أستطيع إخبار سارة بالحقيقة!الأمر صعب علي جدا،وأن أخبرها بالحقيقة يعني أن أعرضها وأعرضك للخطر!سارة طيبة جدا و قد تتصرف بتهور إن عرفت!و هم لا يرحمون أبدا.
حين توقف عند ذكر حبيبة القلب،ظهرت إبتسامة عاشقة على وجهه و هو يقول
_حبيبتي إشتقت إليها أتعلمين أنها تخاصمني؟!منذ أتيت إلى هنا و هيx لا ترد على مكالماتي.تخاصمني بصمت دون أن تنطق.حتى في خصامها جميلة و مميزة.
تنهد بتعب و هو يكمل بألم
_أستحق غضبها و مخاصمتها،أي فتاة تريد أن تعرفx كل شيء عن حياة حبيبها و زوجها لكنها لا تدرك أني لست أي رجل!فماذا كان بوسعي إخبارها؟!هي لا تعلم أنني أكثر منها أتمنى البوح لها بكل شيء،أتمنى أن أشارك معها كل همومي و أثقالي،لكني لن أستطيع،لن أستطيع لأجلها!لا أريدها أن تعيش على صفيح من نار كما أعيش أنا،لا أريد للحيرة و الإضطراب أن يمزقانها،سارة لا تستحق هذا أبدا،سارة لم تخلق لتحزن أبدا!فماذا بوسعي أن أفعل؟!
أعاد نظره إلى وجهها المسترخي،كمن نام بعد تعب يوم طويل جدا.سألها و كأنه يريد عونها مع علمه أنها لن تتجاوب معه.
_ماذا علي أن أفعل الآن؟!كيف سأصالحها؟x هي طيبة القلب و تسامح بسرعة لكنني جرحتها جدا،لو كانت المجنونة تدري كم أحبها لما إهتمت بأي شيء أخر!
_الوقت المخصص للزيارة إنتهى دكتور هو موعد دوائها الآن.
إلتفت نائل للممرضة الشقراء التي فتحت باب الغرفة،متحدثة بلغتها الأجنبية،أومأ لها برأسه و هو يجيبها بصوت مبحوح
_حسنا،شكرا لك.
خرجت الممرضة و تركته،لينحني هو مقبلا جبينها ثم وجنتيها و هو يهمس لها برقة.
_إلى اللقاء يا غالية وقت الزيارة قد إنتهى أيتها الأميرة فما عندنا إلا أن نزورك بموعد.
ضحك قائلا بمرح فيه غصة مؤلمة.
_تتبعني عروسة غاضبة علي مصالحتها،و أميرة نائمة تبخل عنا بنظرة من عينيها
عاد ليقبل جبينها مودعا إياها هامسا برقة.
_إلى اللقاء يا غالية.
خرج من الغرفة ليتنهد بتعب مغلقا الباب وراءه

______________

ظلت تنظر إليه بحزن و هو يستلقي على السرير الطبي،المرض قد بدأ يترك أثاره الواضحة عليه،جسده الرياضي قد صار نحيلا و المرض يتغذى على عافيته،حتى بشرته السمراء النظرة أصبحت شاحبة مصفرة،ليل شعره الذي كانت تعشق بعثرته بأناملها و زادت عشقا له كلما غازته شعرة بيضاء جديدة ما عاد موجودا،لا بسواده و لا فضيته، لتعوضه ضمادات طبية مزعجة،مزعجة كإزعاج الألات الطبية المحيطة به التي لا تتوقف عن الرنين الذي يصم الأذنين!رائحته الحبيبة قد حشرت بين روائح الأدوية و المعقمات التي تخنقها،مرهقة من التحاليل الكثيرة و جلسات العلاج الكيميائي الطويلة، يضيق صدرها من كل شيء هنا!إلتفت إليها ليبتسم بحنان و هو يمد يده إليها يطالبها بالإقتراب،أحست في هذه اللحظة برغبة كبيرة في البكاء على صدره،كأنها ما كانت تريد أن تزيده حملا أخر و ثقلا أخر فوق كل هذا الثقل الذي يكسر ظهره،أمسكت يده الممدودة حين وصلت إليه،إبتسم لها بعشق أضاء وجهه المرهق بينما يقول
_عصفورة قلبي أين كنت تحلقين تاركة إياي وحدي.
إبتسمت لتنحني إليه تطبع قبلة خفيفة على جبينه،وحين أرادت الإبتعاد منعها و هو يقربها إليه ملتهما شفتيها بحب و شوق،حتى شفتيه قد نال منهما المرض فأصبحتا متشققتين جافتين،غير أنهما كان يمثلان بدفئ العالم بالنسبة إليها،بادلته قبلته بنفس الحب والجنون،لتبتعد عنه و هي تحس بتنفسه العنيف بينما تهمس له بنبرة متحشرجة و أعين دامعة.
_لا ترهق نفسك أرجوك يا حبيبي.
إبتسم بتعب و هو يقول لها مازحا بوجع فاض من عينيه.
_تبخلين عني بقبلة،يبدوا أنني فقدت رجولتي تماما!و ما عدت أليق بك!
شهقت بإستنكار بينما تعاتبه و قد فرت دمعة من عينيها.
_هل جننت؟!ما هذا الذي تقوله؟أنت يا حبيب قلبي سيد الرجال،المرض لم يزدك إلا رجولة و لم يزدني إلا حبا و إحترما لك.
تبسم بحب و هوx ينظر لملامحها الجميلة، ليرفع كفه يداعب وجنتيها بيده التي نحلت كثيرا وأصبحت باردة دوما في حين كانت قبلا دافئة وكأن الموت يرخي بظلاله عليه لا يتركه لحظة من صراعه الطويل مع هذا المرض الخبيت،قبلت باطن كفيه بحب تبث فيه من دفئها و هي تهمس له بحب جارف.
_أنا أعشقك يا سيد الرجال.
نظراته زادت حنانا و حبا بينما يقول
_و أنا أهيم بك يا عصفورة قلبي،وأتقطع ألما بسبب كل ما جعلتك تعانيه.
عادت لتقبيل كفيه بقوة بينما تقول
_كل المعانات جنة و أنا معك،أفديك بروحي يا كل روحي.
إبتسم لها برقة و هو يلثم كفها بشفتيه هامسا بدفئ
_و روحك غالية جدا علي يا عصفورة قلبي!
إبتسمت له بحب لتخفض رأسها متوسدة صدره،بدوره قد تقوست شفتيه بإبتسامة حنونة و هو يربث على ظهرها،ليهمس لها بصوت متحشرج
_صدقيني حبيبتي كل شيء سيمر بإذن الله. كل هذا لن يبقى إلا ذكرى!
_______________

كان يراجع أجوبتها حين جلست هي أمامه تنظر إليه بترقب بينما تفرك يديها ببعضهما، تحاول أن تستشف شيئا من ملامحه التي ظهرت عليها الجدية،كان يعقد حاجبيه الشقراوين بينما زرقة عينيه تمشط أجوبتها، للحظة شردت في جماله الغريب بالنسبة لها،ففي المكان الذي تربت محبوسة فيه لم تعلم بوجود أناس ملونين في الحقيقة،لم تشاهد في حياتها رجلا في وسامته،هو جميل جداً وقريب من القلب!عضت شفتيها تؤنب نفسها على أفكارها المتطرفة التي لا تعرف من أين أتتها.عادت لتراقب القلم الأحمر الذي يمر على سطورها فزاد توترها رغما عنها!بدى لها الوقت طويلا و هو يتجول بين السطور و يقلب الصفحات،حتى سمعت نبضات قلبها تخفق في أذنيها من شدة توترها!
بعد مدة حسبتها دهرا رفع رأسه بملامح غير مقروءة ينظر إليها بتركيز،لتسأله بتوتر.
_ألم يكن صحيحا؟!
إتسعت إبتسامته بحنان و قد تألقت عينيه الزرقاوين وهو يرد عليها بينما يحتوي وجهها الجميل بنظراته.
_هنا يحضر المثل القائل التلميذ غلب الأستاذ. سأخاف على نفسي منك!
قالها فرات بمداعبة لتضحك هي بخجل و سعادة،فبدت في عينيه كطفلة صغيرة.بل هي حقا طفلة صغيرة حلوة،لا يشبع من النظر في في براءتها الفريدة،و صفاء روحها الذي يجعلها ملاكا.حمرة خديها منحتها سحرا عجيبا فتمنى أن يلثمهما بشفتيه،هذه الصغيرة تخلق فيه مشاعر عجيبة أشدها أن يحتويها بين ذراعيه كما لو كانت طفلته!يتمنى تبنيها و حشرها بين ضلوعه،كي لا يمس شيء رقتها،التي فاقت رقة الأزهار. طعضت شفتيها توترا من نظراته لتسدل أهدابها الكثيفة،تظلل بهما عينيها الجميلتين، أحب رفع الحرج عنها و هو يرى توترها الذي نطق به كل جسدها،حتى أنه أحس بتحريكها لرجليها تحت الطاولة و شاهد تشنج رقبتها و هي تبتلع ريقها،كل تفاصيلها كانت جميلة تشده إليها بشدة و تسحبه لدنيا غريبة لم يعرف بوجودها،و كأنها نزلت من السماء لتحمله بين جناحيها صاعدة به إلى عالمها الملائكي المخفي وراء السحاب،كانت هي ملاكه الجميل الذي أتى له بأنوار الحياة!إنحنى قليلا بجدعه إليها و هو يقول لها بدفئ
_أنت تلميذة مجتهدة جداً.
أرجعت خصلات شعرها الفاحم وراء أذنها و هي ترفع وجهها المليح إليه والخجل يرسو على ملامحها يزيدها فتنة بعينيه!إبتسمت إبتسامة رقيقة و هي تجيبه بحروفها الخجولة.
_أنا كنت دوما أعشق الدراسة،كنت أحلم أن أكمل تعليمي.
ظهر الألم على عينيها يخنق ذاك النور الدافئ الذي يسكن ليالي عينيها فيجعلها كونا نورانيا تسكنه روحها الملائكية،مر حزنها المكبوت على ممالك النور و كأنه غيوم سوداء شتت بريقه و إنحنى رأسها و كأن ثقل الهم كسره بينما ترد عليه بصوت يكسوه الشجن.و قد بدت رقيقة حتى في حزنها و قهرها.
_لكن والدي لم يشأ ذلك،فالتعليم بالنسبة لهما خاص بالذكور فقط!بل كل الحياة خاصة بهم و نحن لسنا إلا جواري لخدمتهم.لا حياة لنا..يجب أن نكون مخلوقات مطيعة،صبورة لا تبدي أي ردة فعل و إلا عذبنا.
كم قهره حزنها.و أحرقه عذابها الساكن بين طيات روحها الصافية،قد أشعل به براكين غضب خامدة و كره لمجتمع أحرق أساسه بجهله و قتل نصفه القوي ليغرق في بحور الظلال والفتنة!ثم أفرغ كل ويلاته على إمرأة سلبها كل حقوقها و قوتها ليملأها ضعفا ممزقا كل حيلها!كظم غيظه لأنه يعلم أن هذه البريئة ليست قادرة على مواجهة هذه الأفكار الحارقة و المؤلمة،فهي لم تخلق إلا للإحتفاظ بها بين جنبات القلب و حمايتها من النسيم.
أغمض عينيه لثوان يدفن ذكريات بعيدة شكلت طفولته الممزقة،ليفتح عينيه يرنوا إليها بدفئ يتشرب براءتها لتطفئ نيرانه الحارقة،همس لها بحنان و قد إحتضنها بروحه
_و أنت تدركين الآن،أن كل هذا الكلام خطأ لا اساس له من الصحة.صحيح يا آمال
تنهدت بتعب و هي لاتزال مطرقة رأسها للأسفل تلهوا بأصابعها في توتر قائلة بألم.
_بعد ماذا؟!دوما كنت غير راضية بداخلي على كل هذا،دوما كنت أتألم بسببه،لكني أعلم أنني لا أملك حق الرفض أبداً!كنت أضطر للخنوع و أنا أحس بنفسي لا شيء،غير مهمة أبداً!غرسو أفكارهم في عقلي فصار التحرر منها مؤلما و كأنها قيود حديدية كبرت مع جلدي و لحمي،و التحرر منها يعني أن اقص جزءا مني!هو حقا مؤلم جدا!حتى التحرر صار قاتلا!
كانت تطرق برأسها للأرض و قد خنقتها عبرات عالقة بين أهدابها تمنعها من النزول،نظر لها فرات برقة،ليحادثها بصوته الحنون
_آمال إرفعي رأسك.
رفعت وجهها إليه فشاهد عينيها الدامعتين،و قد ألهبت دموعها صدره،و أقسم بينه و بين نفسه أن يكرس عمره ليسعد هذا الملاك الذي طل عليه من بين جنبات السماء ليسكن قلبه و وجدانه،إبتسم لها برقة و هو يتابع كلامه قائلا بحنان.
_آمال. هذا الألم الذي تتحدثين عنه هو ثمن حريتك،لن يكون سهلا أبداً،لن تستطيعي التخلص من كل هذا ببساطة كأن شيئا لم يكن!إن تطلب شفاؤك بتر عضو منك أبتريه!فما يجلب لك منك!آمال هناك كثير من العادات و التقاليد الخاطئة التي تكرست في مجتمعنا بسبب الجهل،وجعلوها حقائق و مسلمات كونية لا يعلى عليها،الله وهبنا عقلا لنميز بين الخطأ و الصواب،فطرتنا السليمة قد إحتوت على كل الحقائق التي زوروها و دمغوها بترهاتهم غوصي في نفسك يا آمال ففيها كل المعاني الحقيقية،داخلك خاف ركام ما لقنوه لك هناك الحقيقة،فإبحثي لتصلي إليها،لا يجب أن ننتظر أراء الأخرين الخاطئة التي تصب دوما في مصالحهم المتناقضة لنعرف من نكون!آمال أنت إنسانة رائعة جدا، لك قدرة عجيبة لجذب الناس إليك،و هذه ميزة ربانية قد خصك اللهx بها،سارة تحبك و تخاف عليك كثيراً،السيد محمود يعتبرك إبنتهجهنا لديك أسرة تحبك كثيرا قد لا يكون رابط الدم ما يجمعكم،لكن الحب و الإنسانية تفعل،لا تربطني أي رابطة دم بأبي الذي رباني لكن احبه كثيراً وما كنت لأحبه اكثر لو كان من أنجبني،و هو أبي ليس لأنه ساهم في تكويني بيولوجيا و الخلق خلق الله،بل لأنه أنجبني رجلا و غرس بي المعاني الحقيقية، هو أبي و لا أحد غيره،فالأبوة لم تكن يوما بمتعة أدت للحمل،هناك علاقات روحية تسموا عن كل الصلات التي جمعت أصلنا البشري، حاولي بناء مفاهيمك الخاصة و لا تتوقفي من البحث عن الحقيقة،صغيرك جود متعلق بك كثيراً،و يحتاجك قوية معه،تعلمينه الأسس الحقيقية للحياة،و أنا أيضا ستجدينني دوما إلى جانبك.
سكتت الكلمات و لم ينتهي الحوار بينهما، تعلقت عينيهما ببعض تكمل حوارا ينبعث من أعماق الروح،حوار سلس سري المعاني، تحتضنه الروح و يصدق عليه القلب،كان يبتسم لها بحنان حين تعلقت عينيها به في ضياع و كأنها تتشبت به من داخل الأمواج التي تغرقها،جرى بينهما حوار أخر لا يعرف إلا الصدق و يصيب دوما كبدة الحقيقة،همست بصوت خافت،سؤالي كان ليبدوا غريبا بين أكوام الكلام الذي تبادلاه،لكنه إستطاع فهمه بسهولة و قد وصلت أرواحهما لأقسى درجات التفاهم
_حقا؟!
أومأ لها برأسه مجيبا بتأكيد و صبحه الأزرق يعانق ليلها الساحر
_بكل تأكيد سأكون دوما معك.
تراجع قليلا في جلسته و هو يقول ضاحكا ليقطع تلك التيارات الغريبة التي تجول بينهما في المكان،فرقتها تحتاح كل التمهل!
_أرأيت لقد نسيت أن أخبرك بالجديد.حقا صارت ذاكرتي سيئة جدا
إبتسمت بخجل و هي تسأله ناظرة إلى وجهه الوسيم.
_ ما هو؟
أجابها برقة.
_لقد قمنا بتسجيلك أنا و سارة في إحدى الجمعيات التي ستساعدك على إجتياز الإمتحانات لأخذ شهاداتك واحدة،واحدة و مستقبلا إن شاء الله ستدخلين إلى الجامعة التي تريدين.
اطرقت برأسها بخجل و هي تقول بإبتسامة متوترة
_سأكون كبيرة جدا حينها.
ضحك بخفة قبل أن يجيبها مداعبا برقة.
_المشكلة أنك لا تكبرين ابدا،مهما مرت السنين تظلين مجرد طفلة صغيرة.
إبتسمت،قبل أن يظهر على وجهها بعض الحزن و هي تسأله بتوتر و لا تعرف لما شعرت بالإختناق في صدرها من الفكرة.
_هذا يعني أن هذه أخر حصة لي معك؟!
إبتسم هامسا بدفئ و صبحه يظلل روحها.
_تحلمين سأظل أراقبك كأب صارم يتتبع كل تطورات إبنته في الدراسة،حصصنا معا ستظل كما الآن.
إبتسمت بسعادة و هي تقول بحماس طفولي
_ليتك كنت أبي حقا!
إبتسم بحنان و هو ينحني إليها قليلا ليجيبها برقة
_و كم سأكون محظوظا بإبنة جميلة و رائعة مثلك.
أكملت بنفس الحماس و قد أعجبتها الفكرة و أمتعت روحها.
_ربما وقتها كنت لأملك عينين زرقاوين مثلك.
ضحك بشدة حتى أدمعت عينيه،حين إنكمشت هي خجلا تعض على شفتيها بحرج و هي تعاتب نفسها عللى تهورها.حين توقفت ضحكاته الرقيقة التي إرتجفت لها روحها.إبتسم لها برقة و هو يناديها.
_آمال.
رفعت له وجهها الخجول رغما عنها،ليسألها برقة.
_أتحبين الأعين الزرق؟!
زاد إحمرار خدها و هي تحاول الهرب من نظراته تجيبها بتلعثم.
_أنا..فقط...يعني...أقصد..نعم..
إبتسم لها بحنان و هو يرد عليها برقة.
_لا داعي لكل هذا التوتر..قد فهمتك.
ثم غمز لها قائلا بمداعبة
_لكن من يعرف ربما في المستقبل ملكت أطفالا بأعين زرق.
عقدت حاجبيها تود الإستفسار منه لكن سرعان ما اتسعت عينيها و توهج وجهها بحمرة قانية و هي تطرق برأسها في خجل شديد،جعلها على وشك الإنصهار في مكانها، بينما ظل هو يتأملها و الإبتسامة لاتزال عالقة في شفتيه.وجد نفسه ينطق فجأة بعد لحظات من الصمت و كأن لسانه خرج عن إرادته.
_آمال في الحقيقة سأحتاج مساعدتك.
رفعت رأسها إليه و هي تسأله بإستغراب
_مساعدتي أنا؟!
كان وقت التراجع قد ولى ليتمم الحديث الذي فرضه عليه قلبه الذي يتوق لقربها بأي طريقة.و قد وجدها فرصة لإشغالها عن خجلها و هو يدرك أن روحها كروح الأطفال تنسى بسرعة.
_في الحقيقة أبي سيعود اليوم.
إبتسمت له قائلة برقة
_أرجعه الله بالسلامة.لكني لم أفهم ماذا سأفعل أنا؟
تحدث بتوتر قائلا
_بالطبع يمكنك الرفض إن شئتي.الخالة عائشة مدبرة المنزل متعبة قليلا و طلبت مني إحضار مساعدة لها من أجل إعداد وليمة لعشاء الليلة خصوصا أننا سنستضيف العم محمود و عائلته،و في الحقيقة أنا لم أعرف لمن أستطيع أن ألجأ غيرك،بالتأكيد كما أخبرتك في الأول يمكنك التراجع إن لم يعجبك الأمر.
إبتسمت و هي ترد عليه برقة
_في الحقيقة سأكون سعيدة جدا إن تمكنت من مساعدتك،دوما أنت تقف بجانبي و تساعدني و إن إستطعت أنا الوقوف بجانبك لمرة واحدة سأكون في غاية السرور.فأنا ممنونة لك جدا!
أمسك يدها بين يديه و هو يقول
_صدقيني أنا الممنون حقا بتواجدك معي.
إحمرت وجنتيها و هي تخفض عينيها للأسفل بخجل،لا فائدة هذا الخجل اللذيذ،لن يستطيع جعلها تتخلص منه أبدا.و كم يعشق أن يذوق حلاوته الفريدة،رفعت رأسها إليه لتقول بتوتر
_لكن....
إبتسم و هو يقول
_لا تقولي لي أنك تراجعتي،أسحب كلامي إن كان السبب.
إبتسمت و هي تحرك رأسها بنفي بينما ترد عليه ببعض التوتر.
_بالتأكيد لا.لكن....
سألها يحتها على المتابعة
_لكن ماذا أيتها الجميلة.
عضت على شفتيها بينما تلعب بأصابعها بتوتر لتقول
_هل أستطيع إحضار جود؟!ليس لدي مكان أتركه فيه وسارة كما قلت مدعوة للعشاء.
عقد حاجبيه و هو يقول بجدية
_بالتأكيد لا،إبحثي أين تتركينه.
شحب وجهها و هي تنظر إليه،لينفجر ضاحكا و هو يقول
_أيتها المجنونة هل هذا سؤال؟!بالتأكيد جود مرحب به حتى قبلك،من سيؤنسني و أنت مشغولة بالطبخ،جود سيكون ضيفي أنا و سنستمتع باللعب معا.أنت لا تعلمين غلاوته عندي.
سألته بخجل و هي تنظر لملامحها الوسيمة ابتي تشع دفئا.
_تلعب؟!و عملك؟!
رد عليها بإبتسامة و هو يضيق عينيه
_عملي،..أنا أعمل لكن لا أعيش بالعمل هل تتخيلني آلة مثلا لا وظيفة لها في هذا العالم غير العمل؟!
إحمرت بحرج و هي تقول.
_كلا.لكن نحن نأخذ كثيرا من وقتك.
إبتسم بحنانا مجيبا اياها
_كلي لك سيدتي.
ثم تابع بمداعبة حلوة
_إذن أنا أتضور جوعا.قد أكلك أنت إن لم أتناول طعاما الآن.هل نذهب لتناول شيء ما؟!
إبتسمت و قد توردت وجنتيها بخجل بينما تجيبه بهمسها الرقيق.
_حسنا لكن دعني أذهب عند سارة لأحظر جود،هي تصر دوما على تركه معها في وقت إستراحتي كي أركز على الدروس.
إبتسم و هو يقول
_حاضر يا مليحة أحضري البطل الصغير لنذهب ثلاثتنا.
إتجهت للباب الجانبي الذي يفصل الملحق عن المبنى الكبير للمستشفى من خلال ممر قصير، توقفت قبل أن تخرج لتلتفت إليه تناديه بصوتها الرقيق الشبيه بهمس الملائكة.
_فرات.
رفع وجهها لينظر إليها ينتظر ما ستقول، إبتسمت بينما قالت بإمتنان
_شكرا جزيلا فرات،أنا جد سعيدة بوجودك معنا.
بادلها إبتسامتها بإبتسامة حانية و هو يرد عليهابحنان
_أنا الأسعد يا مليحة.
____________

جلست على مكتبها غارقة في شرودها، تتلاعب بقلم الحبر و هي تضغط على زره، لتفتحه و تغلقه بينما يصدر صوتا رتيبا، عينيها تتجه بين حين و أخر لتطمئن على الصغير جود الذي يخربش على بضعة أوراق أعطتها له،يبتسم لها حين تقع عينيه على عينيها فتبادله الإبتسامة بنفس الشرود،لتعود للغرق في أفكارها من جديد عينيها لا تبصر ما أمامها،و كل تفكيرها يجرفها إليه و يهز سلامها هزا،تشعر بالضيق و القلق،لم تستطع التوقف عن التفكير منذ ذلك الغذاء التعيس، الذي دمر الكثير من حالميتها و أيقظ العديد من المخاوف و الوساوس داخلها،ما الذي يخفيه نائل و يجعله فيحا تلك الحالة من التوتر،؟و ما السبب الذي جعله يقرر السفر فجأة؟!إكتشفت أن غموضا كبيرا يلف حياته، غموض يخيفها كثيرا،كم ألمها أن تكتشف و قد مر ما يقارب العامين على تعرفها عليه،و قد كانت حتى قبل مصارحته بحبها تظن نفسها تعرفه جيدا،لتكتشف فجأة أنها لا تعرفه أبدا!تحس بتعب و تشوش و بحاجة كبيرة إلى والدها الحبيب لتلجأ إلى حضنه الحاني،ذلك اليوم و حين عادت للبيت كانت مشوشة تماما،دخلت بتعب لترمي حذاءها على الأرض دون تهتم بوضعه في مكانه، وصل إليها صوت ضحكات حسناء و فؤاد و هما يشاهدان برنامجا ما على التلفاز،إبتسمت بتعب و هي تفكر،سبحان مغير الأحوال،قبل خروجها فقط و قد كانت في قمة نشاطها و حماسها كان كل من فؤاد و حسناء في حالة أغرب من الأخر،حسناء الحانقة و المنزعجة، فؤاد المتوتر و المتعب،و ها هي الآن تعود لتجدهما في قمة النشاط و السعادة،بينما هي في قمة بؤسها و قلقها!
كيف تدور دواليب الحياة بين لحظة و أخرى،دورانا يسحق معه كل شيء،و يتأرجح من الأقصى إلى الأقصى الأخر،كانت تحلق فوق السحاب،تعانق أحلامها الحياة،لتسقط فجأة إلى القعر تتقلب بين أشواك الشك و الخوف!تحبه فوق الحب،و تثق به،لكن رغما عنها لا تستطيع أن تخرس هذا الصوت المزعج الذي يقلق راحتها،و يسلب منها طعم الفرحة التي إنتظرتها طويلا!الشفافية و الوضوح أساس كل علاقة،و هو يصر أن يبدأ علاقتهما في العتمة و الضباب،حين يستر عنها حياته الماضية و يترك بينهما أسرار!
_خالتي سارة.
إنتبهت سارة لجود الذي يناديها لتبتسم له محاولة الخروج من أمواج أفكارها العاتية و هي تسأله
_نعم حبيبي.
أجابها مشيرا للباب المغلق.
_هناك من يطرق الباب.
عقدت حاجيبيها بإستغراب،تجيبه بإرهاق و هي تحاول المحافظة على إبتسامتها
_صحيح؟!لم ألقي بالا كنت شاردة قليلا.
رفعت صوتها تأذن للطارق بالدخول،لتظهر آمال من وراء الباب بإبتسامتها الجميلة،جرى الصغير ليرتمي في حضن أمه بينما رفعته هي لتقبل وجنتيه بحب و صوت ضحاكتها يرتفع كموسيقى حلوة،هذه الجميلة الحيوية المتوردة و المنفتحة،لا تشبه أبدا طيف المرأة التي إنتشلتها من ذلك البيت الكريه و هي فاقدة الوعي مدرجة بدمائها،لا تشبه أبدا تلك المستسلمة و المكسورة التي كانت نائمة لمدة طويلة على فراش المشفى،أصبحت كما لو أنها ولدت من جديد،صحيح أنها لاتزال تحتفظ بنفس الرقة و الحنان الفطري،لكنها تبدوا أكثر قوة و أكثر أملا.
إبتسمت سارة و هي تقول لها برقة
_كم مرة علي أن أقول اهدخلي دون أن تنتظري إذني
أحنت آمال رأسها بخجل و هي تجيبها و قد توردت وجنتيها ببعض الحرج.
_أقول من الممكن أن يكون الدكتور نائل موجودا لذا ليس جيدا دخولي عليكما دون إذن.
إبتسمت دون معنى و قد أحست بألم في قلبها و كل شيء يفقد مذاقه فجأة لتجيبها بتعب.
_تعريفين أن نائل مسافر منذ ثلاثة أيام.
أرجعت خصلة من شعرها للوراء و هي تشد صغيرها إليها قائلة بصوت حاني و قد توردت وجنتيها.
_ربما يعود فجأة و يكون معك لهذا فمن الأنسب أن أدق الباب قبل دخولي.
هزت سارة رأسها قائلة بإبتسامة
_حسنا سيدتي كما تشائين،إستراحتك لم تنتهي بعد هل تريدين شيئا؟!
أجابتها و قد زينت إبتسامة جميلة وجهها و لمع بريق مميز في عينيها.
_أتيت وراء جود فرات دعانا إلى الغذاء.
إبتسمت سارة و هي تجيبها برقة
_شهم جدا السيد فرات.
أومأت آمال برأسها مؤكدة و قد زاد البريق في عينيها لمعانا و كأنه أضحى بحرا من النجوم.
_أكثر مما تصورين.
إبتسمت لها سارة من قلبها و هي تترجى الله أن تنال هذه الطيبة حظها من الحياة فقد أحست أن علاقة خفية ربطت بينها و بين ذلك المحامي الذي دخل أسرتهم مع والده فغير حقا الكثير بهم!أجابتها برقة و هي تحييها برأسها.
_حسنا شهية طيبة،بلغي سلامي له.
إبتسمت لها آمال و هي تخرج مع طفلها مجيبة
_مبلغ إن شاء الله.
_______



يتبع.........


نورهان الشاعر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-02-23, 12:10 AM   #1253

نورهان الشاعر
 
الصورة الرمزية نورهان الشاعر

? العضوٌ??? » 477398
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,761
?  نُقآطِيْ » نورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond repute
افتراضي




-2-






زفر بتعب و الخط ينقطع للمرة العاشرة دون أن تجيبه!منذ سافر و هو يتصل بها دون أن ترد و كأنها تخاصمه بصمتها،بل هي تخاصمه حقا،منذ ذلك الغذاء الكارثي الذي أخذ فيه حوارهما منحى لم يكن يريده أبدا حتى إنتهى بإخبارها أنه سيأخذ إجازة لأيام ليكمل عملا في الخارج،لم تسأله عن ماهية هذا العمل بل إكتفت برسم إبتسامة دون معنى على شفتيها و إلتزام الصمت طوال النهار، حتى عندما أوصلها للمنزل إكتفت بوداع جامد و هي تغلق الباب وراءها بهدوء مستفز دون أن تلتفت إليه أبدا،!و على عكس باب السيارته التي أغلقتها بهدوء فقد أغلقت باب البيت بعنف مبالغ فيه!
لم يكن يريد أن تصل الأمور بهما إلى هذه الدرجة،كيف له أن يشرح لها أن الأمر صعب جدا،كلامه قد يودي بحياة شخص بريء،بل بحياة أهم شخص عنده،كم تمنى لو إستطاع إخبارها بكل شيء،هو حقا يتمنى الكلام و الفضفضة عن مكنونات صدره يشاركها مع شخص يثق به حتى يرتاح قليلا،لكنه لا يستطيع،لا يستطيع ألن تفهم ذلك؟!و بعد هذا الضغط الذي تعرض له و الصمت يقتله ما كان بإمكانه اللجوء إلا للإنسانة التي فهمته دوما حتى قبل أن ينطق،الإنسانة التي كانت دوما أمانه وإحتوته بكل حب و حنان،هي لن تسمعه الآن،لن تتجاوب معه،لن تداعب شعره بأناملها الرقيقة التي تشبه أنامل عازفة البيانو،بينما تشعره بإبتسامتها الحانية أن كل شيء سيكون على ما يرام!لن يحصل على أي من هذا منها لكن يكفيه أن يمسك بيديها و يقضي لها بمكنونات صدره،داخل الدوامة و مع الأمانة التي يحملها فوق كتفه،لم يكن الوقت مناسبا أبدا ليقع في الحب،فحياته صارت كحقل ألغام قابل للإنفجار في أي لحظة،هو لا يعرف أين يحط رجله بعد ذلك اليوم الذي إنقلبت فيه حياته يعيش في حالة من التوجس و الخوف من القادم،و قد إستعد لكل شيء إلا أن يقع في حب يزلزل كيانه و يخترق كل حصونه،فكيف له أن يزيد على عاتقه أمانة أخرى يخشى عليها من هذا العالم المظلم الذي دخله فجأة دون أن ينوي ذلك أبدا!تلك الراقدة خلف الأصوار المرصودة للمستشفى هي روحه!هي الأم التي أغدقته بحنانها و عطائها،هي من جعلته يتجاوز عقدته،ورعته بقلبها وروحها في حب مليء بالعطاء،هي من ساندته و ربته رجلا و تركته يحقق الحلم الذي بدى بعيدا جدا و بفضلها صار طبيبا،هي أنقظت حياته و منحته عمرا جديدا،فكيف لا يفعل المستحيل من أجلها!سارة هي قلبه و نبضه و حبه،لكن تعلقه بهذه السيدة النائمة،مختلف تماما فهو لحد الآن لا يزال ذاك الطفل المنطوي الذي يحتاج لإحتوائها!زفر بتعب يطرح الهواء الذي أصبح مثقلا بأحزانه و همومه،ليلتفت مخفضا رأسه يمر في أروقة المستشفى،كان شاردا في غيابات همه فلم ينتبه للشخص الذي إصطدم به.إعتذار عفوي قد صدر منه بلغته الأم لتعيده بالإنجلزية و هي ترفع رأسها إليه إبتسمت بفرح و هي تناديه و قد إتسعت عينيها بمفاجأة
_دكتور نائل
شحب وجهه تماما و هو ينظر لها بصدمة و قد تراجع رغما عنه خطوتين للوراء!
_______
عادت سارة إلى شرودها مع إنغلاق الباب،و هي تشعر بإرهاق نفسي متعب،أرجعت رأسها للخلف تستند به على ظهر الكرسي،بينما تتحرك بمقعده الدوار،و الأفكار تدور و تدور في رأسها كدوامة لا نهاية لها،تسحبها معها لعتمة لا تستطيع تحملها أبداً،فتحت عينيها و كأنها تريد نفض السواد الذي إكتسى روحها بنفض الظلام عن عينيها،مع فتحها لعينيها إرتفع صوت الطرقات على الباب،يجتاحx وحدتها و يخرجها من أفكارها،إستقامت في جلستها تضغط بأصابعها بين عينيها و قد رفعت صوتها المرهق الذي بحت نبراته و هي تقول
_أدخلي يا آمال.
فتح الباب ليظهر منه هيثم مبتسما إبتسامة لم تصل لعينيه و هو يقول بمرح
_و إن كنت هيثم فل أدخل؟!
إبتسمت و هي تعتدل في جلستها قائلة برقة
_بالطبع هيثم أدخل.
دخل مغلقا وراءه الباب،ليجلس على الكرسي المقابل لها بأريحية و هو يرفع إحدى قدميه ليضعها على رجله الأخر بمشاغبته التي إعتادتها منه،غير أنه بدى مختلفا تماما عن أول مرة عرفته،رغم أنه يجلس نفس الجلسة،حمل القلم الذي كانت تعبث به قبل قليل ليتلاعب به بين أصابعه،أدركت ألمه الذي لم يفلح في إخفائه و قد فاض مجتاحا اياه بلا رحمة،و قد كان يحاول مداراته بضحكاته،رأت عينيه الممتزجة بعسل أخضر تصرخ بالقهر و العذاب،رفع وجهه إليها ليقول لها مبتسما و قد حاول التشبت ببعض ثباته و هو ينظر إلى وجهها الصبوح الذي يبعث الإطمئنان في القلب.
_مبارك خطبتك يا سارة،لم تسمح لي الفرصة بأن أبارك لك مباشرة و قد باركت لنائل.
إهتزت حدقتي عينيها قليلا لكنها حافظت على إبتسامتها و هي تومئ برأسها مجيبة اياه.
_بارك الله فيك.
فترة صمت قد تخللت الحوار الذي لم يحدث بعد،ليكون هيثم أول من قطعه قائلا
_سمعت أن أخاك أيضا قد خطب و هو ينتظر عودة أبيكما ليعقد قرانه.
لم يخبرها أنه لم يسمع بل فؤاد بنفسه تكرم و أتى لإخباره و حذره من الإقتراب إلى حسناء بأي طريقة كانت،هو لا يدري أنه إتخذ قراره بالرحيل حتى قبل أن يأتي إليه،ليترك قلبه الجريح هنا و يرتحل بعيدا عنه،يبدوا أنها لم تلاحظ تخبطه أو لاحظته و قررت تجاله فقد بدت هي الأخرى في حالة غير طبيعية،و كأن الراحة غادرت روحها لتتركها فريسة للضياع و التشتت.أجابته بصوت مبحوح و قد شردت بعينيها بينما تتلاعب بأصابعها دون أن تنظر إليه
_صحيح فؤاد سيعقد قرانه على حسناء بمجرد عودة أبي.
أومأ برأسه مجيبا إياها
_مبارك،تمم الله زوجهما بألف خير.
خرج صوته المقهور ميتا تماما فرغم أنه كان يعنيها حقا غير أنه ما كان يستطيع التخفيف من الألم الذي يحرقه.و لا بيده قتل مشاعره و دفنها فهي جزء من قلبه!إبتسمت له سارة مجيبة
_شكرا لك و العقبة لك أنت أيضا.
إبتسم بإسهزاء و هو يفكر هل تسخر منه و هي تعرف بالتأكيد حبه لحسناء؟رد عليها بصوت حمل سخرية مريرة و كانت الحروف ممزقة بألمه.
_إن شاء الله.
نادته برقة حين شاهدت إطراقة رأسه و ضغطها الشديد على القلم الذي إنكسر في يده دون أن يشعر.
_هيثم.
رفع وجهه التائه إليها محملا بعذاب و ألم لايستطع إخفاءه و ما كانت له طاقة لفعل ذلك.لتبتسم له بحنان قائلة برقة و هي تنظر لعينيه
_أنت تستحق كل خير يا هيثم،لا تعرف ما يخبئه لك القدر،ليس دوما تجري الرياح بما تشتهي السفن،لكن دوما هناك هدية من القدر تنتظرنا.ليست قلوبنا بيدينا هي بيد الله يزرع فيها حب من يشاء،من زرع بك حبها قادر على إستأصاله و منحك حبا أقوى و أكبر يريح قلبك و تسكن إليه نفسك.لا تتعجل الأمور الله كريم جدا،لن يضيع شخصا بطيبتك تأكد أنه خبأ لك الأفضل،و كان في هذا الأمر خير للجميع.
تنهد بتعب دون أن يقول شيئا إكتفى بوضع القلم المكسور كقلبه على المكتب و هو يطرق برأسه للأرض يمسكه بين كفيه مستندا على ركبته،نظرت له بإشفاق دون أن تعرف كيف لها أن تخفف عنه أو تريحه،نظرت له بعجز و هي ترى فيها صور معاناة كل القلوب المكسورة بالحب،ترى إحتضار الروح حين يغيب عنها حبيبها،أوليست محظوظة جدا أن بادلها من أحبت حبها؟فلما ترهق نفسها الآن؟!شردت في أحزانها الكثيرة و هي تتطلع على أفعال الحب فينا و قسوته،أين رحمته و أين حضنه الحاني،لما تهزم ألامه دوما أفراحه؟!رفع هيثم رأسه بعد لحظات و بعد لحظات لينظر إليها قائلا بصوت غلب التعب نبراته.
_عموما ليس هذا الموضوع الذي أتيت من أجله.
إبتسمت قائلة برقة
_خمنت ذلك تستطيع إخباري بما تريد يا هيثم،تعرف أنني أعتبر كل من في المستشفى عائلتي و أنت غدوة أخي الآن.
إبتسم لها هيثم قائلا بصدق
_أنت إنسانة رائعة جدا يا سارة،نائل محظوظ جدا بحبك.حفظكما الله لبعضكما و أسعدك به.
إبتسمت سارة بألم دون أن تصل الإبتسامة لعينيها و هي تنبس بصوت خافت.
_آمين.بارك الله فيك.
إبتسمت في وجهه و هي تكمل
_إذن هاتيني ما لديك.
وضع ملفا كان بيده و هي لم تلاحظه أبدا على سطح المكتب ليقول بعملية و هو يتهرب من النظر إليها
_جئت لأقدم إستقالتي.
صدمت و هي تنظر للملف أمامها قائلة بإستنكار
_هل أنت جاد حقا يا هيثم؟!لا يمكنك التسرع في هذه الخطوة.هذا المستشفى صار بيتك أنت أيضا.
أجابها بجدية
_أنا جاد تماما يا سارة و متأكد من قراري.
هزت رأسها و هي تقول بصدمة
_لكن لما؟!ألا ترى أنك تسرعت؟!لا داعي للوصول بالأمور إلى هذه الطريق،أنت لك مرضاك هنا و الذين يحتاجون لك كثيرا،كما أننا سنفتقدك و لن نقوى على فراقك!
إبتسم لها قائلا بدفئ من بين زمهرير أحزانه
_أنا أيضا سأشتاق للجميع لا أنكر اني قضيت وقتا رائعا هنا لن أنساه طوال حياتي،و أنا لن أذهب من هنا حتى أتمم عملي.
سألته مباشرة و دون موارات.
_هل فؤاد أزعجك بأي طريقة؟!هل تكلم معك بحدة تلك المرة؟!نستطيع تجاوز الأمر،أتمنى أن لا يؤثر ذلك على عملك معنا.فؤاد شخص طيب جدا صدقني!
وضع يده على المكتب لينظر إليها قائلا
_سارة أنت إنسانة رائعة و أنا أحترمك جدا، لكن أنا إتخدت قراري و لن أتراجع عنه أتمنى لكم كل التوفيق،و كما أخبرتك سابقا أنا لن اذهب حتى أكمل كل عملي.
إبتسمت سارة و هي ترفع كتفيها مجيبة بقلة حيلة
_على راحتك.لن نتمنى لك إلا كل خير و بالتوفيق.
نهظ من مكانه ليصافحها قائلا بإبتسامة ممتنة
_شكرا جزيلا لك سارة،سأقول إلى اللقاء.لا نعلم ما يخبؤه لنا الأيام.
نهظ من مكانه متجها للباب ينوي الخروج حين نادته هي قبل أن يخرج.
_هيثم.
إلتفت لها متسائلا حين نهظت هي من مكانها،لتتجه إلى إحدى الشتلات الموضوعة في مكتبها،تحمل زهورا صغيرة في اللون الأبيض،إقتربت منه و منحته له قائلة بإبتسامة.
_هذا زهر البيلسان،هو ورد رقيق و ناعم،إن إعتنيت به جيدا سترتاح روحك.حافظ عليه جيدا،فمن يعتني بمخلوق رقيق كهذا سيعتني الله به،إعتبره فأل خير،ضعه في مكتبك الجديد.وإسقيه بالحب و الإهتمام.
إبتسم لها قائلا بإمتنان و هو يمسك منها الشتلة الجميلة.
_شكرا جزيلا لك يا سارة.أسعد الله قلبك كما تسعدين الجميع.
إبتسمت له برقة لتمنحه بطاقة صغيرة و هي تقول
_هذه تعليمات للإعتناء بها،أرجوك لا تهملها. فقد قالوا عنها أنها زينة المجالس ومتعة الأنيس و الجالس،فى البيلسان منافع للناس وفى زهره الابيض العريض زينة وجمال وكأنما يقول بإسمه للناس:أنا احمل اليكم الطيب و النفع.
رد عليها برقة و هو يأخذ البطاقة يضعها في جيبه.
_سأعتني بها بروحي.و أنت ايضا أيتها الوردة الجميلة نائل سيعتني بك جيدا،هو يحبك فوق ما تتصورين.و نائل إن أحب يفدي بروحه.حبه قوي رهيب قادر دوما على إحتواء دوما من يحب.
إبتسمت له دون أن تضيف شيئا حين ودعها هو خارجا من المكتب.
عادت إلى مكانها تجلس فوق كرسيها ثم أرجعت رأسها للخلف بتعب تغمض عينيها هامسة بألم
_لا شيء كما نريد!دوما الحياة قادرة على التنغيص علينا!
رن هاتفها لتظر إليه بلا روح و رقم دولي ينير شاشته،لكنها تجاهلته ظلت تنظر إليه بتشفي و كأنها تحقق إنتقاما وهميا حتى خبى الرنين تماما،إنقطع يائسا و كأنه تعب من مناجاة من لا يسمعه،لتقف هي من جلستها و تترك الهاتف وحيدا موضوعا على المكتب،بينما تخرج من الغرفة لتكمل باقي عملها و هي تحاول التناسي و لو قليلا!
___________

حينما لم يجبها بدرت بالتعريف بنفسها و قد ظنت أنه لم يتذكرها
_يبدوا أنك لم تذكرني أنا نارين
شحب وجهها قليلا و ظلل الحزن عينيها الخضرواتين و هي تخفظ رأسها قائلة بوجع و قد حمل صوته غصة لا شفاء لها.
_لقد كنت أنت الطبيب الذي عاين حالة توليب رحمها الله،توليب التي كانت أختي و كل عائلتي،كما جئت إلى البيت لتفحص أمنية بعد إنهيارها،هل تذكر؟
و هل ينسى؟!أكان ما حدث ينسى أو يتجاهل؟كيف له أن يتجاوز و ينسى الحدث الذي قلب كل حياته و هو لحد الآن غير قادر على التخلص من شعوره القاتل بالذنب!لن ينسى طوال حياته ذلك المنظر الذي يدمي قلبه و يرجع له ذكريات شنيعة،بينما هو يخرج من غرفة الأم ليلقي خبر وفاتها على إبنتيها!ذلك الألم و التحطم و عدم التصديق الذي ظهر على الفتاتين بطريقة مختلفة،لن يستطيع أبدا محو مراره.إبتسم مبعدا كل تلك المشاعر السلبية بينما يقول بإبتسامة لم تصل لعينيها.
_بالتأكيد أذكر،أخبريني كيف حال الآنسة أمنية لقد كانت تعاني من مرض في القلب،عندما تركتها لم تكن حالتها جيدة حينها و الآنسة أماني كانت قلقة جدا عليها.
إبتسمت نارين و كأنها تذكرت شيئا جميلا وسط كل المرار الذي تعيشه
_أمنية والحمدلله تعافت بعد أن أجرت عملية زراعة قلب ناجحة،و هي الآن في شهر عسل طويل جدا.
سألها بنوع من الإستنكار خرج منه مرغما
_هل تجاوزت حزنها؟
ظهرت نظرة شاردة في عيني نارين الشفافتين و كأنها تبصر بعدا أخر لا يعرفه سواها بينما تقول بأمل ممزوج بالألم.
_الجرح لن يندمل أبدا لكنها ستتعلم العيش مع ندبه البشع. لكن الحمدلله عوضها الله بزوج رائع.
أومأ نائل برأسه يرغم نفسه على الإبتسام و هو يجيبها بصوت لا معنى فيه
_هذا جيد أكيد السيدة توليب رحمها الله ستكون مرتاحة من ناحيتها،و الأنسة أماني كيف حالها؟
إبتسمت برقة رغم الحزن الذي يشع في عينيها بينما تقول
_أماني أيضا لم تعد أنسة لقد تزوجت،لكن بأي ثمن،المسكينة عانت كثيرا بعد وفاة أمها!
عقد حاجبيه بتزجس و هو يسألها بقلق
_ماذا تقصدين؟!
تنهدت نارين بتعب و وسط غربتها قد أحست قرب هذا الشاب بألفة عجيبة جعلتها تلقي ببعض همومها إليه دون تفكير.
_القصة طويلة و متعبة بإختصار خالتهما إستولت على كل أملاكهما و إضطرت أماني لفعل المستحيل للحفاظ على حياة أختها،حتى أنها نفيت عنا لمدة طويلة جدا!
لم تفطن للتغير الذي حل به و كأن ماردا من الغضب قد تلبسه،إحمرت عيناه و عض على شفتيه يكتم أنفاسه النارية بينما يضم قبضته بقوة محاولا إخفاء مشاعره عنها.و هو يحاول الحفاظ على ثباته حتى لا يكشف كل شيء.تحدث محاولا تغيير الموضوع حتى لا يكشف غضبه الجنوني القادر على حرق المستشفى بأكمله هذه اللحظة
_إذن سيدة نارين بما أن أمنية بخير لم تخبريني ماذا تفعلين هنا؟
ظهر الألم و الحزن على ملامح وجهها،بينما إنحنت كتفيها بطريقة غريبة و كأنها تحمل فوقهما هموم العالم.خرج صوتها بعيدا متحشرجا مشبعا بالألم
_أنا هنا مع زوجي يتعالج من ورم سرطاني خطير،بعد أن إستعصى على أطباء البلد.
سألته بسرعة و كأنها لا تريد التحدث أكثر في الموضوع و قد بدى عليها واضحا كمية الوجع الكبير الذي تعانيه من هذا الحدث.
_لم تخبرني يا دكتور هل أصبحت تعمل هنا؟
حرك رأسه بنفي بينما يجيب بسرعة و كأنه هو الأخر لا يريد الحديث في الموضوع.و قد كان يقف أمامها مشتت النفس.
_بل جئت لأزور أحد أقربائي.
إبتسمت نارين و هي تعرض بعفوية و راحبة صدر قد خرجت صادقة من قلبها الذي يعيش بالعطاء.
_ينزل هنا؟!تستطيع تعريف عليه فأنا في الأصل شبه مقيمة في هذا المستشفى ربما إحتاجني يوما.
لم تكن لتلاحظ الشحوب الذي غزى وجهها بينما يجيبها بإقتضاب.
_لا داعي لإتعابك عمة فقريبي خارج اليوم. أستسمحك،علي الذهاب،أتمنى الشفاء لزوجك.
كاد يذهب لتجاوزها لكنها نادته فجأة تمنعه من الإنسحاب.
_نائل.
إنتفظ جسده رغما عنه حين نادته بإسمه دون ألقاب و قد كانت في لهجتها شيء غريب!إضطر ليستدير إليها و هو ينظر إليها منتظرا ما ستقول.حين رنت إليه بعينيها الخضراوتين و قد غلفتهما طابقة من الدموع،و نظراتها كانت تحمل شوقا و ألما!إقتربت منه لترفع كفها تمسح على لحيته و هي تقول بحنان.
_أنت هو نائل!
إبتلع ريقه بقلق و هو يحاول التراجع للوراء،مجيبا إياها بإضطراب في حين يتهرب من النظر لعينيها.
_لم أفهم قصدك سيدتي!..أعني أنا..
قاطعته ثائلة برقة
_كبرت جدا يا نائل!كيف لم أذكرك حقا!لون عينيك المميز كان يكفي أن يفعل،فكيف غفلت عنه و أنا أحس بملامحك المألوفة؟ربما الحزن العظيم الذي كان يحيطنا جميعا قد أعمى أبصارنا كما عطل كل شيء فينا.
أخفض رأسه للأرض يحاول التهرب منها قائلا
_أنا حقا لا أعرف....
أوقفته عن الكلام و هي تضع إصبعها على شفتيه
_شوه!لا داعي للإدعاء الآن أنا عرفتك.أنت إبن توليب المدلل الذي إعتنت بك منذ كنت صغيرا،حتى إبتعدت عنها لما ذهبت لإتمام دراستك في الخارج!قد صرت طبيبا كما تمنيت أنت وسعت هي.كنت تحب الإلتصاق بها دائما و ترفض الإحتكاك مع أي أحد حتى أنا!
و كجبل عظيم إنهار إنفجر نائل في البكاء مرة واحدة!في حين جذبته هي لصدرها تضمه بحنان و هو يبكي بقوة كطفل صغير،يبكي بمرارة و هو يتشبت بها كما لو كان يتشبت في ذكرى توليبه الحبيبة،ضمته إليها بقوة و هي تشاركه بكاءه بينما تمسح على شعره بحنان كما كانت تفعل أمه الحبيبة توليب!بكى طويلا بمرارة كما لم يفعل قبل!إنهار تماما و كأن كل ما فيه إنفجر كبركان من الحمم!ظلت هي تهدهده كطفل صغير و دموعها لا تتوقف عن الإنهمار.
للحظات لم يعرف كم طال الوقت و هو على حالته تلك،لكن حين هدأ قليلا سحبته معها،لتجلسه في أحد كراسي الإنتظار و تجلس بجانبه،مدت يديها لتمسح دموعه و هي تقول برقة.
_لما يا صغيري عشت حزنك وحدك و لم تشاركنا فيه؟نحن كنا عائلتك فلما هربت في وقت كنا في أمس الحاجة إليك.أنت الآن أخ أماني و أمنية.ألن تنتهي يوما حساسيتك هذه التي جعلتك تغترب بعيدا عن الأسرة التي أحبتك؟!
أطرق برأسه أرضا و قد سالت عبراته من جديد و هو يقول
_لم أكن أستحق أن أنال دعمكم!لم أكن أستحق شيئا!
هزت رأسها و هي تردد بإستنكار.
_ماذا تقول يا نائل لا يعقل أن تحمل نفسك ذنبا لا علاقة لك به قد كان قضاءا و قدرا!
أجابها بقوة و قد توحشت عينيه
_لم يكن قضاءا و قدرا!بل كان جريمة!جريمة شنيعة من قلب لا رحمة فيه!
شحب وجه نارين تماما و هي تسأله بإرتجاف.
_م..ماذا تقصد يا نائل أتدرك حقا ما تقوله!
هز رأسه بتأكيد و هو يقول لها.
_أجل ما حدث لها كان مدبرا!قتلها كان متعمدا!
هزت رأسها تهمس بإستنكار و عدم تصديق.
_أأ..أتدرك فضاعة ما تقول يا نائل!...لكن لما لم تتكلم!إن كانت جريمة و قد صرت أتكهن بفاعلتها فلما صمت ألا تعرف أن صمتك يعتبر مشاركة بالجريمة!
لما يا نائل بالله عليك؟!
نظر إلى عينيها و كأنه يحاول النفاد إلى عمق روحها قبل أن يجيبها.
_لأنقذ حياتها!
حركت نارين رأسها بصدمة و هي تهمس.
_لـ....لكنها ماتت و إنتهى الأمر!
إبتسامة مرهقة قد رسمت على شفتيه و هو ينظر إلى عينيها الخضراوتين قائلا.
_بل هي لاتزال حية!هي هنا على بعد خطوات منك!
عادت ذاكرته للوراء إلى اليوم المأساوي الذي قلب كل حياته وقت كان ينظمها أملا في بداية جديدة لحياته مع الأشخاص الذين أحبهم قلبه.
"كانx يرتدي مئزره الطبيّ بعجالة وسط مكتبه،و قد تأخر اليوم كثيرا عن العمل بسبب الحادث الصغير الذي تعرض له و هو لازال الآن في بدايات عمله في المستشفى هنا بالبلد و لم يتم تعيينه رسميا حتى،وجد المستشفى في حالة تأهب ما إن وصل،و قد كانوا في إنتظاره،أخبرته الممرضة أن السيدة قد أتت في حالة خطيرة للمستشفى بعد إختنقها بسبب تسرب غاز سام،كان قد إنتهى من إرتداء مئزره ليفتح باب مكتبه فجأة،عقد حاجبيه و هوx يرى دخول سيدة أربعينية مبهرجة المنظر،تضع الكثير من مساحيق التجميل على وجهها،رائحة عطرها النفادة قد أشعرته بالإختناق،كانت تمشي بثقة و غرور بينما تطرق الأرض بكعب حذائها العالي،شعر بالإنزعاج و هو يرها تدخل لتغلق وراءها الباب بكل ثقة!و كأنها ملكت العالم طوع يديها،و كم كره دوما هذا النوع المتعالي على الخلق.ينظرون إلى كل البشر و كأنهم عبيد عندهم!تحدث معها بحدة و قد رمقها بنظرات غاضبة،و هو يحاول مرغما التشبت ببعض اللباقة.
_عفوا سيدتي لا يمكنك الدخول بهذه الطريقة،هذا ليس متجرا مفتوحا بل مكتبا خاصا.
إبتسمت بإستهزاء و هي ترمقه بنظرات تقييمية قبل أن تقول بصوت أحسه كفحيح الأفاعي.
_دكتور نائل تبدوا إنسانا مهما جدا،من يظن أن شخصا مثلك خريج دار أيتام؟!لولا أيدي اصحاب الخير الذي ساعدتك للدراسة في الخارج،لكنت الآن تتعاطى المخدرات في الأزقة و الشوارع،أو ربما تعمل لحساب عصابة ما.
ظهر الإنزعاج و الغضب على وجهه بينما يصرخ بها و قد فقد إتزانه تماما.
_من أنت و ماذا تحسبين نفسك لتكلميني بهذه الطريقة؟!ستخرجين الآن من مكتبي أو أنادي على الأمن!
لم تعبأ بتهديده بل إتسعت إبتسامتها و هيx تقول
_ليس هكذا يا دكتور هذا ليس جيدا على صحتك.
جلست على الأريكة الموضوعة في المكتب لتضع ساقا فوق الأخرى بينما تكمل كلامها.
_عموماx أنا سأذهب أصلا فقط سأخبرك بما أتيت من أجله.
صمتت قليلا و هي تعبث بأحد أقلامه،قبل أن ترفع رأسها إليه و هيx تقول بنبرة مرعبة و قد إلتمعت عينيها ببريق قاسي و كأن شر الدنيا جمع بهما.
_المريضة التي نقلت لكم اليوم بسبب حادث إختناق يجب أن تموت!
نظر لها بصدمة غير مستوعب لما قالته ليتأجج غضبه ما إن تجاوز حالة الذهول،أمسكها بقسوة من ذراعها و هو يصرخ بها
_ستخرجين الآن من هنا وإلا سأبلغ عنك بتهمة التحريض على القتل!لا شك أنك جننت لتملكي كل هذه الوقاحة كي تطلبي مني أن أقتل!
إبتسمت بإسفزاز و هي تنظر إليه دون أن يرف لها جفن.لم تهتز بها شعرة و لهيب الحقد يحرق في نفسها الأثمة و هي تقول بكل وقاحة
_أولا أنا لا أطلب بل أأمر فقط!ثانيا لا يجب أن تلعب معي فقبل أن تبلغ بي سأكون قد لفقت لك تهمة تقضي على مسارك المهني و تعيدك إلى حياة الشوارع!أنا لا أخطوا خطوة دون تخطيط و ما كنت لآتي لديك بالضبط إلا و قد أتممت كل أموري لتصير طوع يدي و توليب الفارسي لن يبقى لها أثر على وجه هذه الأرض و بالتأكيد أنا لن أترك أثرا ورائي و ستلحقها أنت سريعا،ربما الحادث البسيط الذي أخرك لن يكون بسيطا أبداً!
حاول كتم غضبه و صدمته بينما يردد الإسم الذي علق في مخيلته و جنبات قلبه.و قد كانت هي من أتى هنا من أجلها يخطط لمفاجأتها فأي مفاجأة رسم له القدر؟!سألها يحاول كتم غضبه ليستطيع التفكير بمنطقية.
_توليب الفارسي؟!هذه هي المرأة التي تريدين مني قتلها؟!لكن لما؟!لما إخترتيني أنا؟!
إبتعدت عنه بعدما خفت قبضته عليها لتجيبها بنبرتها البغيضة
_كان يفترض أن تموت مباشرة بعد تسرب الغاز و هذاx التدبير كان مجرد إحتياط.أيها الصغير المدلل لا تظني جاهلة بقربك منها،لكن إفعل ما في مصلحة الجميع و لا تشتري شري!
توجهت للباب لتخرج منه قائلة.
_كن ذكيا في إختياراتك المرأة قد إنتهى عمرها في الأصل،فإلعب في الجهة الصحيحة و أنجو بحياتك.
إنهار على الكرسي ما إن خرجت و هو يضع رأسه بين يديه،في حياته لم يتخيل أن يمر بموقف كهذا!لقد عاد حديثا للوطن و كان متشوقا للعمل به حتى يظل بقربها لكنه ما كان يظن في أسوء كوابيسه أن تنزل عليه هذه المصيبة متمثلة في مرأة بلا ضمير فماذاx بيده أن يفعل؟! "
__________

وحدن بيبقو متل زهر البيلسان
وحدهن بيقطفو وراق الزمان
بيسكرو الغابي
بيضلهن متل الشتي يدقوا على بوابي
يا زمان يا عشب داشر فوق هالحيطان
ضويت ورد الليل عكتابي
برج الحمام مسور و عالي
هج الحمام بقيت لحالي لحالي
يا ناطرين التلج ما عاد بدكن ترجعوا
صرخ عليهن بالشتي يا ديب بلكي بيسمعو
وحدن بيبقو متل هالغيم العتيق
وحدهن وجوهن و عتم الطريق
عم يقطعوا الغابي
و بإيدهن متل الشتي يدقوا البكي و هني على بوابي
يا زمان
من عمر فيي العشب عالحيطان
من قبل ما صار الشجر عالي
ضوي قناديل و أنطر صحابي
مرقوا.فلوا بقيت عبابي لحالي
يا رايحين و التلج ما عاد بدكن ترجعو
صرخ عليهن بالشتي يا ديب بلكي بيسمعو

التعب!التعب و الإرهاق هما أخر ما صارت قادرة على الإحساس بهما،كل المشاعر ماتت بالنسبة لها و هي تتكئ وحدها على ظهر كرسي المشفى أمام غرفة العمليات حيث ترقد أمنية ورائد بين يدي الله لا أحد قادر على التنبئ بأي مصير ينتظرهما خلف هذه الأبواب،لا تدري كم من الوقت مضى على ذهاب أماني و فراس معا،فقد فقدت القدرة على عد الوقت،و كأنها أحتجزت في قوقعة ماتت فيها كل المعاني،تضم نفسها لنفسها و هي تستمع لكلمات أغنية فيروز بصوتها الملائكي القادم من صدر السماء و كأنه ترانيم لأهلها ففيه إعجاز يسموا بالروح لأفاق بعيدة تمد يديها في السرمدية و تفرشها بورود تداعب الروح،تذكر حب والديها لهذه الأغنية،حتى أنهما قاما بأخذ إسمها منها،و كم أحست أنها تشبه هذه الأغنية أكثر بهذه اللحظة!كانت تبحث بين كلماتها عن مؤنس يضمد جروحها،تغمض عينيها و ترتجف بردا من صقيع عشش في أعماق روحها و هي تتلحف بذلك الصوت الدافئ،ترتشف فيه أكوابا من حنين،علها تكون ترياقا لروحها.كانت تمر من ذكرياتها و هي تهفوا على سحاب تلك الكلمات،فترى نفسها غريبة،غربة تماما عن كل ما يخصها،روحها قد تشوهت فما عادت قادرة على تذكر نفسها!كانت كمن تعرض لحرق كامل طمس معالمه و حين وقف أمام المرآة وجد نفسه غريبا!
تقبض قلبها و رائحة منفرة تسللت لحواسها،رائحة تذكرها جدا إرتبطت بأسوء الذكريات في حياتها،بدأ صدرها يعلوا و ينزل بعنف رغما عنها!و لازالت يديها تشدان على حقيبتها بشدة،و قد إرتفعت دقات قلبها المتوجس حتى خشيت قفزه من صدرها لشدة جنونه،اغمضت عينيها بشدة تحاول الخلاص من ذاك الشعور الخانق الذي يفتك في روحها،تحاول الهروب لذكريات أخرى حتى و إن كانت أشد ألما،علها تتخلص من ذلك العطر الذي جلب لها الغثيان!أحست بكره لكامل جسدها و تمنت لو كانت تمزقه ممزقة معه أي ذكرى!غصة بكاء قد تحشرجت في حلقها لكنه إبتلعتها كالشوك!تحاول الثبات و هي تذكر نفسها في الراقدين داخل الغرفة، تكوي نفسها بالألم علها تنسى،ترمي نفسها في النار على الإحتراق يطهر روحها التي تلوثت!تذكرت أنها في لحظة جنون تمنت حرق نفسها بعدما لم يعد الماء قادرة على تطهيرها، لكنها لم تفعل ذلك من أجل أحبتها فقط!دوما كرهت أن تكون ثقلا على من تحب فتفضل أن تموت ألما و لا تؤلم!ضمت نفسها أكثر و ذاك العطر يزيد من توغله داخل أحشائها كسم قاتل يمزق فيها!فترت كلمات الأغنية
لتسحب معها غطاءها الدافئ الذي كانت تتدثر به فتترك روحها للعراء،ترتجف بين تنهيدات الزمهرير، غادرت الأغنية التي من شدة ضعفها تشبتت بها تختبئ وراءها كأنها حصن سيحميها من الأعداء!إنسحبت و ظل ذاك العطر البغيض أقوى!أقوى بكثير يخنق كل حياة بها!أحست بظل يحجب عنها الضوء، لكنها لم تكثرت رغم جنون قلبها،كانت تغمض عينيها أكثر و قد سمعت سيلان الدم في عروقها!
_تبدين مغرية جدا و أنت متكئة على الكرسي بهذا الخمول.
إنتفضت و هي تنهظ من مكانها بصدمة،و قد إتسعت عينيها و زادت إرتجافتها و هي تجده واقفا أمامها!صوته البغيض بتلك النبرة الكريهة التي تشع شهوة تطن في أذنيها،تزيد من إرتجافها!يديها شدتا على يد الحقيبة حتى ابيضت مفاصلها،صدرها يعلو و يهبط بعنف و هي تراه بمنظره الطفولي الذي قد يدل على العبث،لكنه لن يدل أبدا عن الخبث! لقد كان شيطانا يقبع تحت غلاف ملاك!و هي إنبهرت بتلك الصورة التي أظهرها و ما علمت مع من وقعت!
دوما!دوما يجيد إختيار الوقت بدقة متناهية فلا يظهر إلا بعد إلقائها لكل حصونها!لا يقف أمامها إلا و هيx متجردة من كل دفعاتها، كانت تقف أمامه بقدمين مرتجفين يسندانها بمعجزة!الذكريات عادت لتهجمها قوية جدا، صاعقة جدا،كل ما حاولت الهروب منه طوال المدة الماضية أتى ليضربها الآن دون رحمة.
يجلدها بسياطه الناري،و كل الذكرى صارت حية بطريقة مؤلمة جدا!رأته يقترب منها ببسمة تراها الآن شيطانية كما ترى كل شيء فيه يعبق بالشر و القذارة،تراجعت هي للوراء أكثر،تسمع ضربات قلبها المجنون و صدرها يعلو و يهبط لكنها تحاول التشبت في تلبيب قوتها كي لا تنهار أمامه.و كل ما فيها يخور مطالبا بالإنهيار!همست بصوت خرج باردا جدا و هو يرتفع مبحوحا من أعماق روحها المعذبة
_أنت؟!
إتسعت إبتسامته البغيضة تكشف عن أسنانه اللؤلئية و هو يهمس بلهجته الشهوانية الكريهة.
_ألم تشتاقي لي؟!في الحقيقة أنا إشتقت كثيرا لك يا حبيبتي،إشتقت لكل جزء فيك.
قالها و هو يتفحص كل إنش من جسدها بقذارة و كأنه يعريها من ملابسها و نظراته تنفد لأعماقها،رفعت يديها تغطي صدرها المغطى أصلا،كانت ملابسها فضفاضة جدا لكنها لم تحجبها عن نظراته التي زادت إشتعالا!كانت تحاول دون جدوى حماية نفسها من نظراته التي تأكلها دون أن تعرف كيف! إنفجر هو بالضحك قائلا.
_ماذا تحاولين أن تخفي عني الآن؟!أنسيتي أني رأيت كل شيء قبلا؟!كل شيء يا بيلسانة
تراجعت بيلسان للوراء أكثر و هي تحرك رأسها بنفي دون أن تعلم ماذا تنفي بالضبط! كانت في حالة رعب سرقت كل منطقها و هي تراه متجسدا أمامها أبشع من كوابيسها،إقترب هو منها ليمسكها من رسغها بقوة و هو ينحني ليهمس في أذنها بصوت كأنه شواذ من لهيب حارق.
_بلا يا بيلسانة!بلا يا حبيبتي أنت الآن لي، لي وحدي،لن تصلحي لأي رجل بعد الآن. لكنني سأكون رحيما هذه المرة و أطلبك للزواج.!سأتزوجك لأستر عليك و أستر على فضيحتك رغما أني غير مجبر على ذلك،هكذا لن يعلم والداك بشيء،أرأيت كم أنا عادل يا بيلسانة!
كلماته التي خرجت منه كفحيح الأفعى و أنفاسه المسمومة تلفح بشرتها دون رحمة كانت الفتيل الذي فجر الغضب بداخلها،يمن عليها؟!بعد جريمته يأتي هكذا دون ذرة من الحياء أو حتى الخوف ليطلب منها بكل غرورها أن تتزوجه،!بل يمن عليها بذلك؟!و كأنها أقل مرتبة من أن يرضى بها شخص مثله؟!
من منح المجرم هذا الحق؟!من أعطاه هذه الميزات ليفتخر بها!من أجل الضحية لجلادها! من بالله قد حرق حقوق كل أنثى لأنها أنثى!و منح للرجل كل الحق حتى في نجبر لأنه رجل!اهكذا يخلق مجتمعنا الطغاة و نحن مجبرون على الصمت!
دفعته عنها بكل قوتها الذي عززها غضبها! دفعته و هي تصرخ به تضربه بكل قوتها فوق صدره،تفعل ما تمنت طويلا أن تفعله!حقا لقد كان كريما،كريما جدا بعرضه هذا فقد أعطاها أخيرا الفرصة التي تمنتها كل هذه الأيام، صرخت به بقهر و غضب،و قد تهدرج صوتها من الأوجاع التي تمزقها.
_أيها الحقير السافل من تحسب نفسك؟!... من أين أتتك الجرأة؟!من أين أتتك الجرأة لتأتي بعد كل ما فعلت عندي و كأن شيئا لم يحدث؟!....أي نوع من البشر أنت؟!...لما أتيت الآن لما؟!
أمسك يديها الإثنين بعد أن تركها تخرج شحنة غضبها و هو ينظر لها بإستمتاع.كبل يديها بعنف و هو ينظر إليها بإبتسامتها الكريهة هامسا بصوته الشبيه بالفحيح
_إهدئي يا بيلسانة.إهدائي يا حياتي الكل ينظر إليك هنا،ستفضحين نفسك فقط أتفهين.أنت المرأة إذن أنت الملامة دائما،أما أنا فرجل.أتسمعين أنا رجل.هذه الكلمة السحرية تمنحني الحرية لأفعل ما شئت دون أن ألام من أحد؟
حاولت تحرير يدها منه و هي تركله برجلها بعنف بينما تصرخ به بجنون و قد كان يشعل كل حطب غضبها.
_حشى أن تكون رجلا يا عديم الرجولة!لست إلا مسخا مشوها فخورا بذكورته!لا يهمني المجتمع في شيء!لا تهمني أقواله الظالمة و أفكاره البالية!فل تحترق أنت و هو في نار جهنم!فل تحترق فيها عليك اللعنة!فلتحترق!تحترق!تحترق!
لم يبدوا عليه التأثر أبدا،بل بدا مستمتعا جدا بالمنظر،مقاومتها تزيده جوعا إليها،إنحنى ليهمس في أذنها و قد لفحها نفسه المسموم،و هو يجدبها لصدره بعد أن كبل يديها وراء ظهرها،
_هكذا أحبك يا بيلسانة،نارية مشتعلة، تحرقينني بلهيبك،تلسعينني بشواضك،ذلك يجلعني في قمة نشوتي،في قمة إستمتاعي،! تلك المستسلمة التي كانت بين يدي لم ترضيني،لم ترضي رجولتي أبدا يا بيلسانة،لم ترضيها حلوتي.
رفعت ركبتها لتركله في بطنه بقوة جعلته يبتعد عنها متأوها.كانت تلهث بقوة و قد إحمر وجهها من الغضب.
_مالي و مال حيوانيتك لأرضيها أيها السافل. مالي و مال أي شيء يخصك؟!فليحرقك الله! فلتحترق!
كان لا يزال يمسك ببطنه ببعض من الألم، ليقترب منها و يهمس في أذنها.
_صبرا علي يا بيلسانة،صبرا علي يا ناريتي، ستكونين ملك يميني يا حياتي.و الأيام بيننا.ربما بيننا أكبر مما تظنين!عل إبننا يكبر بين أحشائك!حينها أنت من ستأتي لتترجينني!
صفعتها جملته الأخيرة بقوة!لترتد للوراء و كأن خنجرا مسموما قد غرس في قلبها،و عينيها إتسعت بصدمة!و قد احيى شكوكا أخرستها و حاولت تناسيها!إكتفى بذلك ليمضي مغدارا و كأنه لم يأتي،بعد أن إتسعت إبتسامته بإنتصار و قد وصل لمبتغاه تماما و هو يهمس.
_إلى اللقاء يا بيلسانة!يا أم طفلي!
و إختفى تماما لتنهار هي على الأرض تبكي بألم يقطع القلوب و هي تشد على بطنها بقوة!إنهارت على ركبتيها و قدمها لم تمكنها حتى من الوصول إلى الكرسي!بكت بصوت مرتفع كما لم تبكي يوما و قد فاض بها الكيل في تلك اللحظة
_بيلسان!
صوت أماني المرعوب وصلها يخترق سجونها،و قد ظنت أنها إنقطعت عن العالم تماما،خطواتها السريعة و هي تقترب منها لتجلس بجانبها مرمية على الأرض تحرك رأسها بعدم تصديق و هي تهمس بصوت مرتجف.
_كلا يا بيلسان.قولي لي أن أمنية بخير هل حدث لها شيء؟!هل حدث شيء لرائد؟!
حركتها بقوة و هي تصرخ بها ببكاء.
_أجيبي يا بيلسان!ما بها أختي؟!أجيبي سأجن!
إقترب فراس منها ليبعدها قائلا.
_إهدئي حبيبتي،ليس بهذه الطريقة ألا ترين حالتها؟!
ساعد بيلسان على الوقوف و هو يسألها إن كانت بخير،حركت رأسها دون معنى بينما نظرات أماني تتجول بين غرفة العمليات و بيلسان المنهارة،ساعدها فراس في الجلوس على الكرسي،ليناديها برفق قائلا.
_بيلسان
رفعت عينيها المرتجفتين إليه و قد سكنهما رعب أرعب قلبه هو،!بينما لايزال تنفسها عنيفا.نظراتها جاحظة تماما كمن شاهد شيئاً فوق التصور البشري!
_هل حدث شيء سيء في غيابنا....هل أمنية و رائد بخير؟!
حركت رأسها بنفي و هي تقول من بين نشيج بكائها بصوت متقطع
_ل...لم يخرج...الطبيب...لا شيء.!
سألها بحنو و هو ينظر لعينيها برقة
_إذن ما بك يا بيلسان؟!ما الذي أوصلك لهذه الحالة.
بلعت ريقها قبل أن تجيب بإرتعاش و قد إنهمرت دموعها صامتة.
_لقد كان هنا.
عقد حاجبيه دون فهم يسألها
_من كان هنا يا بيلسان؟!
أجابته بنفس الإرتعاش وهي تهذي بوجع
_هو...هو..قال أنه يريد أن يتزوجني كي يستر علي!ق..قال...
عظ فراس شفتيه بغضب و هو ينهظ من قربها يمسح على شعره و هو يشتم بغض جنوني
_السافل الحقير!
إقتربت أماني الباكية منها لتضمها إليها و هي تهمس بإعتذار متألم!
_أسفة...أسفة يا حبيبتي.سامحني أرجوك،أنا مشوشة تماما،حادثة أمنية أرهقت أعصابي، سامحيني غاليتي أرجوك!...يااه اناحقا آسفة!
ربثت بيلسان على ظهر أماني وكأنها هي من تواسيها لا العكس.و عقلها لازال عالقا في ذلك الشك الذي جذبه هو للحياة،تحتضن أمانيxجاحظة العينين وكل ما بها يرتجف! إنفتح باب غرفة العمليات ليبتعدا عن بعضهما و يتجهوا جميعا و كأن قوة واحدة حملتهما إلى الطبيبين الخارجين من الغرفة.
كان الإرهاق باد عليهما،أماني و بيلسان كانتا متشبتتين ببعضهما وكأنهما جسد واحد. فراس وحده من إستطاع الحديث ليسأل الطبيب بصوت ظهر عليه القلق.
_ما الأخبار؟
تكلف أحد الطبيبين بالحديث بينما إبتعد الأخر.
_تعدنيا مرحلة الخطر.
تنهد الثلاثة براحة قبل أن يكمل الدكتور بعملية يعود لخنق الراحة التي لامستهم لهنيهة.
_لكننا لا نعلم ما سيحدث الآن،هما في يد الله،لم تكن عملية إستئصال الرحم سهلة على السيدة،و نحن نتوقع أضررا جانبية لضربة السيد رائد.
سأله فراس بفلق
_ماذا تقصد بالأضرار الجانبية؟!
رفع الطبيب كتفيه قائلا بلهجته العملية.
_نحن أيضا لا ندري فقدان ذاكرة،عمى لا قدر الله،شلل...كل هذه إحتمالات و قد لا يحدث أي واحد منهما!
سألته أماني هذه المرة بصوت مرتجف
_و إن حدث ذلك فما الحل؟!هل سيكون الأمر مؤقتا؟أم أنه.....
لم تستطع الإكمال لكن الطبيب أجابها بعملية.
_لا نستطيع الجزم قد يحدث الضرر كما قد لا يحدث،قد يكون مؤقتا يتجاوزه مع العلاج و قد يكون دائما يحيى به طوال حياته، نجاتهما من هذا الحادث بحد نفسها معجزة!
قالها و هو يبتعد عنهم،لحقت به أماني تسأله بترجي
_هل يمكننا ان نراهما؟.
رفع يده يجيبها دون أن يستدير إليها
_سينقلان إلى غرفة عادية حينها يمكنكم رؤيتهم.لا داعي للبقاء الآن أمامكم أيام عصيبة من الأفضل أن تذهبو للبيت لترتاحو.
تراجعت للوراء كمن أغلق بابا في وجهها لتشعر بحضن فراس يحتويها و هو يهمس لها.
_كل شيء سيكون بخير حبيبتي.إذهبي لبيلسان هي تحتاجك!
___________
ستفتش عنها يا ولدي في كل ما كان
وستسأل عنها موج البحر
و تسأل فيروز الشطأن
و تجوب بحرا و بحرا
و تفيض دموعك أنهارا
و ستعرف بعد رحيل العمر
بأنك كنت تطارد طيف دخان"
وقف يتأمل البحر الواسع،الذي يبدوا عليه الغضب في هذا الوقت من السنة و هو يتخذ لونا أزرقا غامقا بينما تتلاطم أمواجه بقوة ليتضاعف حجم الزبد الأبيض حين يرتطم في الصخور الكبيرة فترتفع قطرات الماء لتتناثر شظاياه على وجه محمود الواقف في علو أمامه،تبدوا كأنها شظايا حلمه المنكسر قادمة من جنبات الماضي،يبعث برودها الرعشة في روحه و كل قطرة تهطل مع ذكرى،و كأن عبق التوليب قد غرس أسراره في كل جنبات الكون،لتستيقظ ما إن يقف أمامها تضمه بيد و تشعله بالأخرى.
حفيف الأشجار الخضراء و الرياح الشتوية تحركها قد عزف لحنا مريبا ضاعف من كل هذه المشاعر الغريبة التي تجتاحه،و كل صوت في الحياة يردد ذكرى التوليب بين رناته و كأنها اليد الخفية التي تحرك كل شيء في حياته،روحها منثورة هنا يكاد يلتمسها و يبصرها،قربها يستلقي على أطراف قلبه، و يسكن في أرجاء روحه،لكنها مع القرب بعيدة جدا!كان عاشقا و كل الكون محراب لحبه، فمن سكنت قلبه هي إمرأة بالدنيا و ما فيها..لا يعلم هل الطبيعة من سكبت كل سحرها و أسرارها في تلك الروح الأثيرة،أم أنها هي من سكبت سحرها في الطبيعة،فصار كل موجود ينطق بها و يتوشح بدفئها،فهو لا يرى شيئا إلا وطيفها الحبيب يعانقه،فيرى الهلال بسمتها المنيرة،و يلمح النجوم أنوار ضحكاتها،تطلع الشمس فيرى عينيها المشرقتين بكل الدفئ و الأسرار الساكنة بين عالمها النوراني،يمر الريح فيخاله أنفاسها العذبة تداعب صدره،يسمع تغريد العصفور فيلمح نبراتها بين طيات صوته،يرى البحر فيبصرها في كل جنباته بأسرار عشقها المليء بالذرر،ثم يشاهدها بين ذرات الرمال الذهبية بدفئها ونعومتها التي تطوق روحها،يلمح الشجر متراقص الغصن،فيتذكرها و هي تتهدى في مشيتها المليئة بالحياة رفيعة القد مليئة بالحب و العطاء تتفتح أغصانها لتظلل الروح و تثمر من جنباتها زادا لها.في الغروب سر من أسرارها يتعانق فيه الليل و النهار متشاركين قبلات الأيام يمتزجان في نقطة سحر تهد كل التناقضات،و وقت الشروق يراها كطلوع النور تنشر أشعتها الذهبية على الكون.كخصلاتها السحرية التي كان يستيقظ على دفئها.يبصر الورد فيرى به كل رقتها و جمالها البهي الذي يخطف قلبه،يرى خضرة التلال ليلمح ربيعها الدافئ الذي نشر الحياة في روحها..و حين يصير القمر بدرا تنعكس صورة وجهها المليح على صفحته فيراها مرأى الموجود متبسمة الثغر متهللة الملامح..يهطل الثلج فيرى بياضه نقاء روحها و صفاء قلبها،يرنو إلى الجبال فيراها بعلوها و إرتفاعها تحمل تلك الروح التي لم تخلق إلا للسمو.
كل الطبيعة قد حملت منها..و هي حملت الطبيعة جمعاء داخل كونها الفسيح...توليب قلبه كانت كونا لا حدود له..يمتد في الأبدية يحفظ نفسه من الفناء..!
و بعد طول هذه السنين أتى إلى هنا!رجع وحيدا لأول مرة يتربص طيفها في الأرجاء التي ضمت أجمل أيام الحب بينهما،هذا المكان الشاهد بكل تفاصيله على حبهما الأسطوري،منذ كان بذرة صغيرة تتفتح على النور بخجل إلى أن كبر و أصبح شجرة عملاقة ممتدة الفروع،و ما كبر غير ظهوره،فهو في الأصل خلق عظيم بالأبدية، هنا إحتفل بزفافه معها،هنا قضيا أفضل أوقات الغرام،هنا تشاركا أحلامهما تطلعاتهما و مخططاتهما للمستقبل،هنا ضمها إلى صدره و جلسا معا يتأملان البحر،هنا إعترفت له مرارا بحبها فأفقدته صوابه و هو ينحني ليقبلها كل مرة ويسرق الكلمة السحرية من بين شفتيها،هنا تعالت ضحكاتها تنعش قلبه،في هذا المكان جلسا لتقطرأ له كتابا بصوتها العذب، هنا و هنا و هنا.....الذكريات كثيرة لكنها بعيدة جدا...يراها أمامه متراقصة مع النسيم وكأنها ألحان قادمة من زمان غابر...
_محمود.
إلتفت محمود لصديقه توفيق دون أن ينطق بكلمة و كأنه لغة البشر قد فنت من روحه و لغة حبها تقيم الحروب داخل كيانه،ينتظر من صديقه أن يبادر بالحديث و قد كان صعبا عليه أن يفتح فاهه بالكلام.نظر له توفيق قليلا قبل أن يقول
_لقد كنت تخطط للقدوم إلى هنا قبل العودة للمدينة لتفتش عن ذكراها،لهذا أعطيت الأولاد وقتا أخر غير وقت قدومنا صحيح؟!
رد محمود بشرود و الألام تتلاطم في صدره كالأمواجه المجنونة التي تنثر عليه ماءها.
_ليتني كنت أنال أكثر من الذكرى.
سرعان ما فترت كلماته و كأنها مجرد رعشة خرجتx من أعماق روحه و عادت للخمود مجددا و كأنها لم تكن،وجه نظره إلى البيت الخشبي أو المطعم الصغير الحميمي الذي كان دائم التردد عليه كل ما ذاق به الحال إلى أن صا مأوى لحبه و شاهدا على ميلاد عشق فاق حجم الكون،تذكر السيد جورج،ذلك الرجل الإيطالي الكبير الذي كان يعاملهما كوالد لهما، تذكر إفتخاره بحبهما دوما،جلوسه معهما لبعض من الوقت و هو يعطيهما نصائح حياتية،و يعلمهما من أخطائه كي لا يقعى فيها،و قد كان بدوره عاشقا بئيسا جلده الفراق بسياطه بعد أن سرق الموت منه حبيبته للأبد.كان يعلمها دوما كيف يصمدان في وجه العوصف،و يتحدا معا كيانا واحدا لا يهتز كي لا يذوب حبهما في نار الواقع،ترى ماذا كان إحساسه و قد إختفيا فجأة و إنقطعا عن زيارته،هل أتت توليب بعده إلى هنا لتتربص بذكرياتهما كما يفعل هو الآن؟! هل ظلت دائمة المجيء إلى هذا المكان،حتى بعد أن هجرها هو؟لا يعلم لما لم يمتلك الشجاعة بعد ليخطوا داخل الكوخ الخشبي الصغير؟
هل يخشى أن يجد شيئا تغير هناك و فيأكد له أن ما فات مات بكل تفاصيله؟بل هو يخشى أن يجد أن كل شيء تغير فلا تظل له حتى تلك الذكريات و الواقع يهدها بما فيه!أيخاف أن يلقى خيبة أمل جديدةxوهوxيعلم أن لا رابط ظل يجمعها مع هذا المكان،و قد طمرته في جنبات الماضي و تخلت حين لم تلقاه!أم ببساطة يخشى أن يدخل بدونها؟ ربما كل هذه المخاوف قد تجمعت في صدره تكتم نفسه و تخنقه و هو لا سبيل له في تغيير الواقع!
_ستظل تحدق هكذا بهذا الكوخ دون أن تملك الشجاعة لدخوله؟!هل ضيعنا كل هذا الوقت و قد كنا سنكون الآن في بيوتنا كي تقف أنت هنا مترددا حائرا خائف من أن تخطو خطوة صغيرة؟!
إلتفت محمود لصديقه ينظر إليه بضياع و هو يستجدي منه دفعة يحتاجها حقا و هو كالغصن الهش تقدر الريح على إيمالته حيث شأت!وضع توفيق يده على كتفه قائلا
_هيا يا صديقي العمر يمر و التردد يضيع أجمل اللحظات.
أعاد محمود نظره إلى الكوخ الصغير و من الدخان المتصاعد من المدخنة علم أنه ليس فارغا،ماذا إن لم يجد السيد جورج؟!هل يمكن أن يكون....
_أدخل يامحمود وإقضي على شكوكك هذه. الشك يقتل أكثر حتى من الأمر الذي نخافه!
إنصاع لأمر رفيقه و قد كان يتصارع مع أماله و ألامه،و هو يخطو أتجاه أطلال ماض هو كل الحياة بالنسبة إليه،إقترب بخطوات مترددة إلى المتزل الخشبي صعد الدراجات القليلة التي أصدرت تحت قدمه صوت صرير أهاج ذكرياته و هو يتذكر صوت كعب حذائها يطرق الأرضية الخشبية حين كانت هي تتشبت بذراعه،وصل أخيرا إلى الباب،قد أتاه صوت عبد الحليم الحزين يغني من الداخل
"شوف بقينا فين يا قلبي
شوف بقينا فين
و هي راحت فين يا قلبي..و هي راحت فين
شوف سابتنا فينا يا قلبي..."
إرتجفت أوصاله و تغريد العندليب يزف ألامه في كلمات لخصت ضياعه و عرت كل أحزانه، لتنشرها أمامه لحنا شجيا يذيب القلب بلوعة الحنين، وضع يده على مقبض الباب و قلبه يضرب بعنف و إضطراب قد غلى كبركان على وشك الإنفجار يتلوى في لهيبه الحارق الذي يرجع لسنين بعيدة،يضرب و يعربد بعنف الذكرياته التي تجلده دون رحمة،أغمض عينيه ليفتح الباب بسرعة قبل أن يغلبه تردده،و هو يطلب العون من أطياف الماضي التي ترافقه أين ما إرتحل،رنين الجرس المعلق على الباب زاد من إهاجة ذكرياته،و روحه تتوسل عودة يوم من الماضي يعيش فيه طول عمره و بعدها فليفنى جسده دون عودة!رقص قلبه حنينا و هوx يفكر نفس الرائحة لاتزال تملأ المكان،نفس الرائحة و كأن يوما واحدا لم يمر!قلبه إزداد عنفا وهو لحد الآن لم يفتح عينيه!ببطئ،ببطئ شديد فتح عينيه وروحه تبتهل أن يجد نفسه في زمان أخر تكون هي منه،أو يجد أي شيء لها في المكان!فتح عينيه فتخيل للحظة أن أمنيته تحققت!ليتجول بهما في أرجاء المكان،لا شيء تغير،لا شيء تغير أبدا غير الزمان!من بعيد شاهد السيد جورج،مقوس الظهر يجلس قرب المدفئة يحمل كتابا بين يديه،بل هناك ما تغير!إنه السيد جورج، السنين لم تتمكن من تغيير المكان الذي حافظ على عراقته،وظل يحمل نفس الرائحة الجميلة و العبق المميز،لكنها تمكنت من تغير معالم وجهه الذي زاد إنكماشا أكثر بكثير من ذي قبل،غزت التجاعيد كل إنش من وجهه حتى طمست معالم جماله القديم،شعره الذي يظهر من قبعته أصبح أبيضا بلون الحليب،و قد كانت تخطه فيما يذكر قديما خصلات شقراء،و كما لو أحس بأنه مراقب،رفع جورج رأسه عن كتابه،ظل ينظر إليه مصدوما للحظات و كأنه لم يستوعب وجوده!محمود أيضا لم يتمكن من التحرك أبدا،وقد إلتمعت عيناه بالدموع و كأنه أصبح طفلا صغيرا في حضرة والده،أنزل جورج الكتاب من يده ليقف على قدميه متوجها إلى محمود بخطوات أثقلها العمر و هو يهمس بصوت دافئ قد بصمته لكنته المميزى
_ولدي!
قالها ما إن إقترب إليه و هو يرفع له وجهه بعينيه الزرقوتين المليئة بالحنان،لقد أصبح أقصر مما مضى!أكل الزمان من قامته كما أكل من صحته،فجأة وجد محمود نفسه يجهش في البكاء و هو يرتمي في حضن الرجل،ربث جورج على ظهره و هو يضمه إليه بشدة، يحتويه كأب وجد فلذة كبده بعد طول هذه السنين!ضمه بشدة و قد سالت دموعه و هو يهمس بصوت متحشرج من بكائه ووجعه، صوت قد بصم العمر عليه سنينه.
_يا حسرتي عليك يا ولدي!يا حسرتي عليك و قد ظلمتك السنين.ما الذي أبعدكما... ما الذي أوصلكما لهذه الحالة...؟كنت متأكدا أن الموت فقط هو القادر على تفرقتكما!..فما هو الشيء الذي كان أعتى من الموت وأبعدكما عن بعض؟من ذا الذي شتتكما جبروته يا ولدي!!
لم يكن محمود في هذه الحال بقادر على أن يتحدث بل إستمر في البكاء كطفل صغير.
بعد لحظات كان يجلس مع السيد جورج على طاولتهما الخاصة،ينظر إلى مقعدها الفارغ من فينة لأخرى،بينما يرتشف من كوب الشاراب الساخن الذي أعده له السيد جورج،كما أعد طعامهما المفضل ورغم إعتراض محمود عن أكل أي شيء غير أن السيد جورج أجبره بحزم على أكل كل الطعام،بينما يستمع إليه بصمت و هو يحكي له كل القصة المأساوية، التي تسببت في إنكسار أكبر أسطورة حب!
_أتعلم أن لا أحد بعدكما جلس على هذه الطاولة؟!
كان محمود شاردا ليوقظه صوت السيد جورج من أفكاره،نظر له بعدم فهم في اللحظة الأولى،و قد غيب الحزن منطقه و أذهبَ كل ذراته التي غرقت بعتمته التي لا يشوبها نور،فتطلب الأمر منه مجهودا حقيقيا قبل أن يستوعب ما قاله،ضرب قلبه بعنف عندما أكمل الرجل بإيمان لا يشوبه شك و هو ينظر لأعماق عينيه مكملا كلامه بصوته الدافئ الذي صاحب الحكمة حتى صارت جزءا منه بعد طول هذه السنين.
_كنت متأكدا كما أنا متأكد الآن مهما طال الزمن أو قصر ستعودان إلى هنا معا إلى هنا هذا ما أخبرتها حين أتت إلى هنا منهارة تماما عند إفترقكما.
تلعثم قليلا و هو يسأله بتردد و قلبه يوجعه من أن يعرف حقيقة بدل أن يظل كل ذلك مجرد الشك
_كيف كان حالها؟
نظر جورج إلى عينيه قائلا بجدية
_متأكد أنك تريد أن تعرف؟
أخفض محمود وجهه للأرض قبل أن يرفع و هو يقول بإرهاق شديد و قد بدى على حافة الإنهيار،لكنه يقاومه بكل ذرة فيه
_أجل أريد أن أعرف.
صمت جورج قليلا و هو ينظر لملامح محمود المرهقة التي أقام عليها الحزن و الألم مدنه الوعرة،يحاول إبصار ذاك الشاب المحب الحالم بين ثنايا الوجه الذي غير الزمن بصمته،يشفق عليه من واقعه و مما لازال ينتظره،قد ذاق لوعة الفراق و هو ملم بوجعها القاتل،فها هي سنين طويلة مرت دون أن يحالفه الحظ لتسرقه الموت معيدة إياه لحبيبة قلبه،لازال العمر الطويل الثقيل يجره بين دروبه الوعرة دون أن يملك حقا إلا في إلتماس طيفها بين طيات ذكرياته التي أرهقتها الشيخوخة.إبتسامة مريرة تأرجحت بين الحنين و الأمل.
_كانت منهارة تماما،جثة بلا روح،تتأرجح في خطواتها كأنها ما عادت تجيد المشي،و صار جسدها المطعون ثيقلا لا تقوى على حمله، وقتها لم تتوقف عن النظر إلى مكانك كما تفعل الآن،اتت لترتمي على طاولة و كأنها غريقة أبصرت خشبة نجاة فتعلقت فيها بكل رغبتها في الحياة،عينيها كانت تحملان الكثير و الكثير من الألم و الحزن و خيبة الأمل و الخسارة،لقد حاولت الإنتحار هنا!حاولت قطع شراينيها لولا أن لحقتها صديقتها في اللحظة الأخيرة.لتنهار باكية في حضنها،وعدتها حينها أن لا أحد غيركما سيجلس على هذه الطاولة، تعهدت لها و أنا متأكد طال الزمان أو أقصر ستعودان معا إلى هنا،لا أستطيع ضمن عمري لكنني متأكد أن حبكما الكبير سيكون أقوى من كل شيء.
لم يسمع محمود الكلمات الموالية أبدا توقف عقله بعدم إستعاب عند تلك الكلمة البغيضة التي مزقت قلبه بخناجر مسمومة،شحب وجهه تماما و جحضت عيناه بينما يردد مصعوقا.
_توليب حاولت الإنتحار....يا إلهي!أنا كنت سأقتل حبيبتي بيدي!ألكل هذا اليأس اوصلتها!
نظر إلى يديه المرتجفين بألم يخال له أنه يبصر دماءها فيها بينما يردد و كأنه غرق في الهلوسات.
_كنت سأكون السبب في موت روحي... بيدي هاتين كنت سأقتلها!...يا رب!ماذا فعلت أنا؟ماذا فعلت يا إلهي؟
ربث جورج على كتفه و هو يقول
_لم تمتلك خيارا فعلت ذلك من أجل إبنتك.
حرك محمود رأسه بنفي و هو يقول
_بل كنت غبيا أنانيا لم أفكر إلا في مصلحة إبنتي!كان يمكن أن أخبرها بكل شيء،و نقوم بالتمثلية معا،كان يمكن ذلك لكنني إخترت التضحية بها!لم أحكم عقلي و أنا أترك نفسي بيدقا في يدهم..فعلوا بي ما شاءوا!و هي من دفعت الثمن!حبيبة قلبي و روحي!...اه من هذل الوجع ما سأفعله به!أأموت من الفراق أو أحترق من لهيب الذنب!أأكون شهيدا في الحب للإشتياق أم أصير قتيل تأنيب الضمير!...لطفك يا الله الوجع يقتلني!
صرخ بجملته الأخير في وجع قاتل بكت له الجدران وأنت الرياح على صداه،قد زلزل التراب وأيقض الطيور من مخدعها،و جنن ألمه البحر الذي إرتفع نواحه المكلوم،رثته السحب في عليائها و بكت عليه الأسماك في مخبئها.
نزلت دموع الجالس أمامه صامتة و كأن العمر سرق منه الصوت،نظر إليه بوجع و هو يرى بئيس لفضه الحب من جناته فصار يلتوي على جمر النيران تحرقه بلا رحمة، تنهد تنهيدة مثقلة بهموم تراكمت عبر السنين و هو يخفضي رأسه أرضا يشد على يديه قبل أن يرفع عينيه ينظر إليه قائلا بثبات.
_تحسرك هذا لن يعيد ما فات،كفاك تشبتا في أطلال الماضي،الأخطاء التي فاتت لن تصلح!إسعى لتصحيح خطواتك الآن، فكر فقط في المستقبل!فكر كيف ستعوضها عن كل ما فات،فكر كيف ستبني سعادتها من جديد. لا تضيع ما تبقى لك في الندم إنه محرقة لن تعيد ما فات لكنها ستبيد القادم تماما.
تنهد محمود بحرقة و هو يقول
_ااه!و هل ذلك يمكن أن يعوض؟ما فعلته بها لن يصلح أبداً.!
إبتسم جورج و هو يقول له بتأنيب ظهر في مقلتيه الزرقاوبن.
_لاتزال متشبتا في نفس الخطأ الذي جعلك لا تجدها طوال هذه المدة،الطريقة تكون خاطئة حينما لا تصلنا إلى ما نريد أكثر من مرة و بالتالي من الحمق أن نستمر في إستعمالها كل مرة و نرجو حدوث معجزة تغير النتائج! المعجزات لا تولد من الفراغ
بل نحن من نصنعها!غير طريقك لتصل!و أنا أخبرك الآن بيقين أنه ما بقي أقل!أنت تقترب الآن،أنت على وشك إيجادها.
لكن محمود تحدث بيأس يقتات الوجع عليه
_لقد دمرتها،دمرتها تماما حتى حاولت إنهاء حياتها!فهل أستحقها حقا بعد هذا!
أجابه بإبتسامة صادقة و هو يحتويها بحنان أبوي لم يحصل عليه إلا من هذا الرجل الغريب عنه في دمائه بأنتمائه و دينه،لكن الحب قد جمع دوما كل متناقض و وحد الإنسانية دينا للأجمعين
_جميعنا نتخذ قرارات متهورة حين نكون تحت تأثير صدمة أقوى منا،لكني متأكد حتى لو لم تصل صديقتها و تنتبه لمحاولتها لتراجعت في اللحظة الأخيرة.هي ما كانت لتوقف حياتها أبداً!
عاد محمود لينظر إلى مقعدها الفارغ بألم يمزق نياط قلبه و يفتت روحه المكلومة،عقد حاجبيه بتركيز قبل أن ينهظ من مكانه، لامس السطح الخشبي للطاولة و هو ينظر بعدم تصديق لبقعة سوداء قاتمة،عائدة لدماء جافة قديمة فوق المكان الذي حفرت عليه إسمه و إسمها،رفع رأسه إلى جورج بوجه شاحب كالأموات بينما يقول بصدمة و قد خرج صوته ضعيفا مرتعشا
_دمها.
صمت جورج و لم يجب،ليعيد محمود بجنون و هو يتلمس البقعة
_يا إلهي دمها!دمها الذي خسرته بسببي دمها!
أجابه جورج مشفقا على حاله و هو يراه يكتوي بنيران الحزن و اليأش.
_كان جرحا سطحيا.
لم تكن جملة جورج الهادئة لتهدئ من جنونه أبداً،جلس على ركبتيه و خبأ وجهه بين ذراعه و هو ينام بها على الطاولة،بالضبط فوق بقعة الدم،و بكى.بكى بإنهيار غريب،و جميع جسده يهتز معه،ذرف دموعه كالنهر على تلك البقعة السوداء،بكى حتى هاجره البكاء، بكى حتى نضبت دموعه،بكى حتى ما عاد قادرا على ذلك،أحس بيد صديقه توفيق توقفه من مكانه،نظر لوجهه بعينيه الحمراوتين التي تقطران ألما،ضمه توفيق إليه بينما يقول بوجع و قد تحجرت دموعه في عينيه حتى اصبحت كشظايا زجاج مكسور تجرحه و تدميها
_كن أقوى يا صديقي!توليب ستحتاجك قويا و لا تنسى إحتمال أنك تملك إبنة أخرى لم تعرفها أبدا في حياتك،لا تنسى أنها و إن صدقت نبؤتك ستكون قد كبرت بلا أب و ستحتاج إليك بجانبها،!أمامك مهمة طويلة و يجب أن تكون قويا،قويا من أجل من تحب.لا تستلم بعد طول هذه السنين أرجوك.
إبتعد توفيق عنه بينما يضرب على كتفه المنكسة قائلا
_هيا يا محمود إذهب وإغسل وجهك،و إمشي شامخا لا تحني ظهرك أبدا،من أجلهم جميعا، من أجل توليب سارة فؤاد و إبنتك المحتملة، لا تعيد غلطة الماضي و تستسلم بجبن!
إلتفت محمود إلى جورج الذي لازال يجلس في نفس المكان،إبتسم له الرجل العجوز قائلا
_هيا يا ولدي.فكر جيدا في كلامي و كلام صديقك،كن رجلا فهذا ما ستحتاجه نور.
إبتسم محمود بوهن ليتجه بخطوات متعبة إلى الحمام،يغرق وجهه بالماء البارد رغم برودة الجو،يضع كامل رأسه تحت صنبور الماء و يتركه ينهمر على رأسه كما يشاء لقد تعب،تعب كثيرا و ما عاد قادرا!
حين خرج من الحمام أخيرا و قد إستعاد القليل من ثباته بعد إنهياره ذلك،وجد جورج واقفا في إنتظاره ليقول له بإبتسامة عذبة.و هو ينظر لعينيه.
_عندي لك أمانة قد أحضرتها لك و تركتها عندي أملا أن تأتي لتجدها هنا.
نظر له محمود مصعوقا و قد عاد الأمل ليزور قلبه! و هو يسأله بلهفة.
_هل عادت هنا حقا؟!ه..هل داومت على زيارتك!أخبرني أرجوك!
إبتسم له و يومئ برأسه قائلا.
_قد داومت على المجيء كل عام في عيد زواجكما..لكنها لم تأتي منذ عامين!
تشبت فيه يسأله بلهفة.
_هل قالت لك شيئا عنها!هل تعرف مكانها أين هي أرجوك أخبرني!
حرك الرجل رأسه بنفي قائلا.
_أقسم لك أنني لا أعرف شيئا و إلا ما بخلت عليك به.كانت تأتي هنا.لتجلس في المكان حتى ينقضي اليوم ثم ترحل بصمت بعد أن تترك لك ظرفا تضعجه في صندوق خصصته لها.
سأله بلهفة شديدة و هو يقاوم بكاءه.
_كيف كانت و كيف صارت...و..وو لما تغيبت في العامين الأخيرين..ه..ههل يعقل أن مكروها أصابها؟!
أجابه جورج بإبتسامة
_لست أدري سبب تغيبها لكنني أترجى أن يكون خيرا..ام عنها فظلت كما هي لم تتغير إلا عينيها التي اصبحت مرقدا للحزن و الألم و غادرتها الإبتسامة دون أن تعود.
ربث على ظهره قائلا بإبتسامة مواسية
_سأحضر لك الصندوق ربما كان فيه الجواب الذي تبحث عنه.
إبتعد عنه حين نقل محمود نظره لصديقه بأمل أشرق في عينيه لكن إنقباضا شديد قد كتم قلبه دون أن يعرف له سببا!أومأ له توفيق بإبتسامة يحاول التخفيف عنه،حين أحضر له جورج صندوقا خشبيا تفوح منه رائحة الماضي و قد كان من الخشب الطبيعي زخرفت حوافه بطريقة فنية،يدى كما لو خرج من متحف!أمسكه بلهفة بيدين مرتجفتين كما لو كان يمسك جزءا من معشوقته،ضمه لقلبه بشدة و كأنه يعانقه.ليرفعه لوجهه يستنشق عطرها المختبئ هناك!كان أكيدا أنه شمه!
تراجع للوراء ليعود للجلوس على طاولتهما و هو يضع الصندوق الخشبي أمامه.لم يكن يطيق صبرا ففتحه بيدين مرتجفتين و نبض قلبه الصاخب يطرق في أذنيه.أصدر الصندوق صريرا قبل أن ينفتح،فإرتج قلبه و عينيه تتلهفان لرؤية محتوى الصندوق.كان أول ما أبصره هو ورد توليب مجفف.ثم جوارب صوفية صغيرة من اللون الأبيض!
فتح الصندوق بلهفة ليحمل اول رسالة وقعت على يديه و قد كان تاريخها قريبا جدا من تاريخ إفتراقهما.فتحها بأيد مرتجفة ليقرأ خطها الحبيب و قد سالت عليه دموع إمتزجت بالمداد!
"محمود حبيبي!....أنا حامل..أنا أحمل طفلنا يا روحي...بل أحمل طفلتين!.....إنهما توأم!"
سقطت الرسالة من يده قبل أن يكملها و قد أوشك على الإنهيار تماما...حين لمح أمامه صورة جمعتها مع فتاتين بجمال البدر يشبهانها كثيرا...واحدة هي التي قابلها و ضيعها!



إنتهى الجزء الأول من ذكرى التوليب
❤❤
إلى اللقاء في الجزء الثاني
كل حبي و ودي........



نورهان الشاعر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-02-23, 12:18 AM   #1254

فاتن نبيه
 
الصورة الرمزية فاتن نبيه

? العضوٌ??? » 487008
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 1,431
?  نُقآطِيْ » فاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الأخير

و لأنه الفصل الأخير لم يجدر بك أن تجعليه بكل هذه الروعة و التشويق..
كيف تسرقين منا الكلمات فلا نستطيع التعبير
و تغرقينا في بحر لجيُ نسبح مع الأعاصير
يا ملكة الرومانسية يا ربيعية
ختمت على قولبنا بكلماتك الذهبية
فإلى أين تجرفينا في بحر الحب العتيق
رفقا بنا،x صرنا كالغريق

فصل دسم محمل بالمشاعر
حزن و فرح..x سعادة و غبطة... هم و تشاؤم..x ضحكات و دمعات
و قد تشاركنا جميعا متعة الغوص دون قرار

نائل
خلفه سر كبير..x و لغز محير..x حبه لتوليب الغائبة بذهنها حاضره بتأثيرها القوي.. لم يتعارض مع حبه العظيم لسرور قلبه.. لكنه لم يستطع التوفيق.. بل ربما لا يستطيع ان يصارع نفسه ليصارح غيره..x حسنا توليب تبنته على ما يبدو..x و بعد تهديد الأفعى الملونة تصرف بذكاء فانقذ نفسه و انقذ روح حبيبته...x تاركا ارواحا مشتته و قلوب تحترق و لازالت بجمر الاشتياق ...x هو لا يستطيع الاعتراف بهذا الأمر لسارة.. يخاف عليها و يخاف من تهورها.. فلو شمت بيداء رائحة خبر ان توليب على قيد الحياة ستفنيها.. واحدة مثلها ليس لها لا ذمة و لا ضمير.. و لا قلب!
نادين عرفت أن توليب حيه..x صديقتها التي شاركتها أروع اللحظات.. و عاشت في بعدها أسوء الأوقات..x على قيد الحياة.. روحها لم تغادر عالمنا..!!

لا يأتينا الماضي الا برفات ذكريات.. صور و احاديث مبتورة درجت طي النسيان.. لكن أثرها يظل عابق بالقلب و الروح.. و الوجع يظل خالد.. فمن قال أن الندوب لا تؤلم.. انها تشبه تشوة في الروح..x غير مرئي لكنه موجود..x فكيف بالألم و الآسي المصاحب لفراق أغلى الناس..
و أماني فقدت والدتها.. و بعدت عنها فذاقت المرار بعدها..x و عندما رجعت الى بر أمانها..x و مرساها.. تدفقت ذكرياتها تحتضنها و رائحة الغالية خالدة و كأنها تعلن عن وجود صاحبتها،x تكاد تصرخ و تقسم أن حاملتها فوق الثرى بعد

كنان لهذا فقد الشعور بالانسانية..كيف يتبجح بفعلته الشنعاء بكل هذا البرود و الغرور و كأنه مجرد جرح بسيط.. ام انه جاء ليتفشى بها كما تريد بيداء.. يريد ان يراها ثائره مكسورة منحنية الهمه... و قد زرع بقلبها الشكوك باحتمال وجود ولد.. حقا بلا ضمير
امنية و رائد رغم تعديهم مرحلة الخطر الا ان المستقبل معهم ضبابي 🥺

هيثم قرر الفرار بما تبقى بروحه من ركام حب منقوص..تاركا كل شيء وراءه.. قرر الاستقاله من المشفى و كم كان المشهد مؤثرا.. لكن ربما يكون بعد للقرب..فهل زهر البيلسان اشارة على شيء ما 😏

آمال...
رغم خروجها من تلك البؤرة اللعينة.. الا انها لم تستطع تجاوز الأمر
فما نحن الا نتيجة افكار من حولنا.. و تجارب نخوضها أو نراها..هذا ما يزرع و يرعرع عقل الانسان..
و من شب على شيء شاب عليه
لذا من الصعب ان تغير معتقداتها بين اليوم و الليلة و بالتأكيد ستأكذ وقت للتعوظ على التغير الحزري الذي حدث بحياتها...
تتابع دراستها و ترتفع بسقف طموحاتها.و فرات معها يدا بيد..و روحا بروح

محمود
من زمن سحيق برزت له الذكرى و طاف الحنين.. فقرر زيارة ذلك المكان الذي شهد على تدفق الحب من عينيها.. و الذى رأى مقدار الحب الرابط بين هذين القلبين..كما شهد بعدها العذاب الموحش في البعد
و قد أتت رسالة من سنين مضت تطفيء لهيب روحه و السؤال العامر بها..
لديه طفلتين..
فهذا امل جديد يعيش عليه في الفترة القادمة و قد باتx متأكد أن أمنية ابنته


صدقا حبيبتي فصل رائع.. سلمت يداك الغاليتين
لا أتصور أن الرحلة وقفت الى هنا..
ننتظر اعلان الرحلة القادمة بفارغ الصبر حبيبتي 💋💋❤


فاتن نبيه متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-02-23, 12:59 AM   #1255

نورهان الشاعر
 
الصورة الرمزية نورهان الشاعر

? العضوٌ??? » 477398
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,761
?  نُقآطِيْ » نورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاتن نبيه مشاهدة المشاركة
الفصل الأخير

و لأنه الفصل الأخير لم يجدر بك أن تجعليه بكل هذه الروعة و التشويق..
كيف تسرقين منا الكلمات فلا نستطيع التعبير
و تغرقينا في بحر لجيُ نسبح مع الأعاصير
يا ملكة الرومانسية يا ربيعية
ختمت على قولبنا بكلماتك الذهبية
فإلى أين تجرفينا في بحر الحب العتيق
رفقا بنا،x صرنا كالغريق

فصل دسم محمل بالمشاعر
حزن و فرح..x سعادة و غبطة... هم و تشاؤم..x ضحكات و دمعات
و قد تشاركنا جميعا متعة الغوص دون قرار

نائل
خلفه سر كبير..x و لغز محير..x حبه لتوليب الغائبة بذهنها حاضره بتأثيرها القوي.. لم يتعارض مع حبه العظيم لسرور قلبه.. لكنه لم يستطع التوفيق.. بل ربما لا يستطيع ان يصارع نفسه ليصارح غيره..x حسنا توليب تبنته على ما يبدو..x و بعد تهديد الأفعى الملونة تصرف بذكاء فانقذ نفسه و انقذ روح حبيبته...x تاركا ارواحا مشتته و قلوب تحترق و لازالت بجمر الاشتياق ...x هو لا يستطيع الاعتراف بهذا الأمر لسارة.. يخاف عليها و يخاف من تهورها.. فلو شمت بيداء رائحة خبر ان توليب على قيد الحياة ستفنيها.. واحدة مثلها ليس لها لا ذمة و لا ضمير.. و لا قلب!
نادين عرفت أن توليب حيه..x صديقتها التي شاركتها أروع اللحظات.. و عاشت في بعدها أسوء الأوقات..x على قيد الحياة.. روحها لم تغادر عالمنا..!!

لا يأتينا الماضي الا برفات ذكريات.. صور و احاديث مبتورة درجت طي النسيان.. لكن أثرها يظل عابق بالقلب و الروح.. و الوجع يظل خالد.. فمن قال أن الندوب لا تؤلم.. انها تشبه تشوة في الروح..x غير مرئي لكنه موجود..x فكيف بالألم و الآسي المصاحب لفراق أغلى الناس..
و أماني فقدت والدتها.. و بعدت عنها فذاقت المرار بعدها..x و عندما رجعت الى بر أمانها..x و مرساها.. تدفقت ذكرياتها تحتضنها و رائحة الغالية خالدة و كأنها تعلن عن وجود صاحبتها،x تكاد تصرخ و تقسم أن حاملتها فوق الثرى بعد

كنان لهذا فقد الشعور بالانسانية..كيف يتبجح بفعلته الشنعاء بكل هذا البرود و الغرور و كأنه مجرد جرح بسيط.. ام انه جاء ليتفشى بها كما تريد بيداء.. يريد ان يراها ثائره مكسورة منحنية الهمه... و قد زرع بقلبها الشكوك باحتمال وجود ولد.. حقا بلا ضمير
امنية و رائد رغم تعديهم مرحلة الخطر الا ان المستقبل معهم ضبابي 🥺

هيثم قرر الفرار بما تبقى بروحه من ركام حب منقوص..تاركا كل شيء وراءه.. قرر الاستقاله من المشفى و كم كان المشهد مؤثرا.. لكن ربما يكون بعد للقرب..فهل زهر البيلسان اشارة على شيء ما 😏

آمال...
رغم خروجها من تلك البؤرة اللعينة.. الا انها لم تستطع تجاوز الأمر
فما نحن الا نتيجة افكار من حولنا.. و تجارب نخوضها أو نراها..هذا ما يزرع و يرعرع عقل الانسان..
و من شب على شيء شاب عليه
لذا من الصعب ان تغير معتقداتها بين اليوم و الليلة و بالتأكيد ستأكذ وقت للتعوظ على التغير الحزري الذي حدث بحياتها...
تتابع دراستها و ترتفع بسقف طموحاتها.و فرات معها يدا بيد..و روحا بروح

محمود
من زمن سحيق برزت له الذكرى و طاف الحنين.. فقرر زيارة ذلك المكان الذي شهد على تدفق الحب من عينيها.. و الذى رأى مقدار الحب الرابط بين هذين القلبين..كما شهد بعدها العذاب الموحش في البعد
و قد أتت رسالة من سنين مضت تطفيء لهيب روحه و السؤال العامر بها..
لديه طفلتين..
فهذا امل جديد يعيش عليه في الفترة القادمة و قد باتx متأكد أن أمنية ابنته


صدقا حبيبتي فصل رائع.. سلمت يداك الغاليتين
لا أتصور أن الرحلة وقفت الى هنا..
ننتظر اعلان الرحلة القادمة بفارغ الصبر حبيبتي 💋💋❤










فاتنتي الجميلة...يا عصفورة قلبي....
و لأنه الفصل الأخير اشعر بالحنين...و على قدر حبكم و دعمكم سأسارع للجزء الثاني....هو جميل في عيونك حبيبتي...ياااه لا أحب النهايات لكن وراءنا بداية جديدة لن تظل بها ان شاءالله توليب ذكرى بل واقعا حيا....
المهم لازم شوية تشويق.....طبعا....
نائل قد أضطر لإخفاء توليب لأنه لم يكن هناك حل أخر...فبالتأكيد كان ليكشف أنها لا تزال على قيد الحياة لو زارتها بناتها...و بيداء لا تقبل أبداً الخسارة!
احم..احم...لما أراك تقولينها واثقة بصدر منفوخ أن كنان يوهمها بوجود الولد؟!...من قال أن الولد غير موجود....ااااه...ربما هي حامل....لم أقل شيئا 🏃🏃🏃
اااه و ما سألتني شو راح يصير لرائد...هل أعمى أو مشلول أو سينسى أمنية ااااه....
محمود إقترب شروقه...رغم الصدمة التي تتنتظره بخبر موتها المزيف


نورهان الشاعر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-02-23, 01:10 AM   #1256

ريم s

? العضوٌ??? » 454551
?  التسِجيلٌ » Sep 2019
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » ريم s is on a distinguished road
افتراضي

تسلم أناملك مبدعة ومتميزة ما شاء الله ♥️♥️♥️

ريم s غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-02-23, 01:41 AM   #1257

فاتن نبيه
 
الصورة الرمزية فاتن نبيه

? العضوٌ??? » 487008
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 1,431
?  نُقآطِيْ » فاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond repute
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 16 ( الأعضاء 6 والزوار 10)
‏فاتن نبيه, ‏بسمة ابتسام, ‏نورهان الشاعر, ‏Moon roro, ‏زهرة الشتاء المتقطع, ‏ريم s




أتمنى لكم قراءة ممتعة ❤


فاتن نبيه متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-02-23, 04:26 PM   #1258

نورهان الشاعر
 
الصورة الرمزية نورهان الشاعر

? العضوٌ??? » 477398
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,761
?  نُقآطِيْ » نورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريم s مشاهدة المشاركة
تسلم أناملك مبدعة ومتميزة ما شاء الله ♥️♥️♥️





حبيبتي تسلملي على كلماتك و الله أسعدت قلبي جداااا
شاهدتك عنت لي الكثير...
بركت ❤❤


نورهان الشاعر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-02-23, 06:16 PM   #1259

Stella1

? العضوٌ??? » 452012
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 125
?  نُقآطِيْ » Stella1 is on a distinguished road
افتراضي

موفقه
لك مني أجمل تحية........


Stella1 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-02-23, 09:56 PM   #1260

نورهان الشاعر
 
الصورة الرمزية نورهان الشاعر

? العضوٌ??? » 477398
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,761
?  نُقآطِيْ » نورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة stella1 مشاهدة المشاركة
موفقه
لك مني أجمل تحية........





أنرتيني....أسعدني مرورك...
كل ودي


نورهان الشاعر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:32 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.