آخر 10 مشاركات |
|
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
29-08-22, 03:13 AM | #1 | |||||||||||||||||||
مراقبة،مشرفة عالمي..خيالي,الوثائقية،البحوث والمعلومات،روايتي كافيه،(قاصة ولؤلؤة ألتراس،لغوية،حارسة السراديب، راوي)،نشيطة،تسالي،متألقةومحررة جريدة الأدبي، صحافية فلفل حار،كاتبة عبير
| لكل دين خُلق وخُلق الإسلام هو الحياء الإيجابى لا السلبى؟! حياء.. لا خجل خُلُقٌ عظيمٌ حَثَّ عليه الشّرع، وجعله خُلُقَ الإسلام، ومن شُعَب الإيمان؛ فقد ثبَتَ في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((الإيمانُ بِضْعٌ وستُّون شُعْبةً، والحياءُ شُعْبةٌ من الإيمان))؛ رواه البخاري. حدثنا آدم: حدثنا شُعبة، عن قتادة، عن أبي السوار العدوي قال: سمعت عمران بن حصين قال: قال النبي ﷺ : (الحياء لا يأتي إلا بخير). فقال بشير بن كعب: مكتوب في الحكمة: إن من الحياء وقاراً، وإن من الحياء سكينة. فقال له عمران: أحدثك عن رسول الله ﷺ وتحدثني عن صحيفتك. حدثنا أحمد بن يونس: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة: حدثنا ابن شهاب، عن سالم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: مر النبي ﷺ على رجل، وهو يعاتب أخاه في الحياء، يقول: إنك لتستحيي، حتى كأنه يقول: قد أضر بك، فقال رسول الله ﷺ : (دعه، فإن الحياء من الإيمان). حدثنا علي بن الجعد: أخبرنا شُعبة، عن قتادة، عن مولى أنس – قال أبو عبد الله: اسمه عبد الله بن أبي عتبة – سمعت أبا سعيد يقول: كان النبي ﷺ أشد حياء من العذراء في خدرها. [ش أخرجه مسلم في الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها..، رقم: 37. (بشير) العدوي البصري، تابعي جليل، رحمه الله تعالى. (الحكمة) أي في كتب الحكمة، وهي التي تبحث في أحوال وحقائق الموجودات، ولعلها ما يسمى الآن بعلم الفلسفة والأخلاق. (وقاراً) حلماً ورزانة. (سكينة) هدوءاً وطمأنينة]. [ش (يعاتب) يلوم ويعظ. (أضر بك) سبب لك الحياء ضرراً لكثرة ما تستحي]. الحياء لا يأتي إلا بخير عن عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ" فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: أَنَّ مِنْهُ وَقَارَا وَمِنْهُ سَكِينَةً. فَقَالَ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صُحُفِكَ؟ وفي رواية لمسلم: قَالَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم "الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ" قَالَ أَوْ قَالَ: "الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ". أولاً: ترجمة راوي الحديث: هو عمران بن حصين بن عبد الله بن خلف الخزاعي يُكنى أبا نُجيد، أسلم عام خيبر، وغزا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-عدة غزوات، بعثه عمر بن الخطاب رضي الله عنه -إلى البصرة، ليفقه أهلها وكان من فضلاء الصحابة، قال محمد بن سيرين: "لم نر في البصرة أحدًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-يفضل على عمران بن حصين" كان مجاب الدعوة، ولم يشهد الفتنة، مرض لعدة سنين، توفي في البصرة سنة اثنتين وخمسين رضي الله عنه -وأرضاه. [انظر أسد الغابة (4/ 281)]. ثانياً: تخريج الحديث: الحديث أخرجه مسلم، حديث (37)، وأخرجه البخاري في "كتاب الأدب" "باب الحياء"، حديث (6117). وأما رواية "الحياء خير كله" أو قال "الحياء كله خير" فانفرد بها مسلم عن البخاري، وأخرجها أبو داود في "كتاب الأدب" "باب في الحياء" حديث (4796). ثالثاً: شرح ألفاظ الحديث: (بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ): بشير بضم الباء أحد كبار التابعين وفضلائهم. (الْحِكْمَةِ): هي في الأصل إصابة الحق عن طريق النظر الثاقب والعلم. (أَنَّ مِنْهُ وَقَارَا وَمِنْهُ سَكِينَةً): أي أن الحياء منه ما يحمل صاحبه على أن يوقر غيره، ويتوقر هو في نفسه، ومنه ما يحمل على أن يسكن عن كثير من المنهيات والمكروهات والأشياء التي لا تليق بذي المروءة. رابعاً: من فوائد الحديث: • الفائدة الأولى: الحديث دليل على فضل الحياء وأنه محمود على كل حال وهذا الحياء الشرعي حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-" الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ " و" الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ ". فإن قيل: هناك من الحياء ما يمنع صاحبه من قول الحق أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكيف نجمع بينه وبين كون الحياء لا يأتي إلا بخير وأنه خير كله؟ والجواب: أن هذا الحياء ليس هو الحياء الشرعي الذي هو خير كله، بل هو خجل وخور وعجز ومهانة وسمي حياءً مجازاً وتشبيهاً لأنه يشترك مع الحياء الشرعي في معنى الانكسار والانقباض وتعارف عند الناس أنه حياءً لكنه ليس حياءً شرعياً وإنما سمي حياءً فهو حياء مذموم ليس مقصوداً في الحديث لأنه ليس شرعياً. • الفائدة الثانية: اختلف في سبب إنكار عمران بن حصين وغضبه على بشير بن كعب حينما قال له: " إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: أَنَّ مِنْهُ وَقَارَا وَمِنْهُ سَكِينَةً "، اختلف فيه على عدة أقوال: فقيل: لأن بُشيراً قال " أَنَّ مِنْهُ وَقَارَا وَمِنْهُ سَكِينَةً " و(من) للتبعيض فيفهم منه أن من الحياء ما ينافي الوقار والسكينة ولذلك أنكر عليه، ويؤيده رواية مسلم الأخرى "فقال بشير بن كعب: إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقاراً لله، ومنه ضَعْفٌ فغضب عمران". وقيل: إنما غضب لأن بشيراً قال ذلك في معرض من يعارض كلام الرسول بكلام غيره، ويؤيده آخر الحديث حيث قال عمران " أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صُحُفِكَ؟". وقيل: إنما غضب لأنه خاف أن يخلط السنة بغيرها فسد ذريعة ذلك بالإنكار عليه. • الفائدة الثالثة: تقدم تعريف الحياء وتقدم أنه على نوعين: غريزي ومكتسب، ومن مباحث الحياء أيضاً ما يلي: 1- الحياء والاستحياء من صفات الله تعالى، وهي صفة خبرية ثابتة بالكتاب والسنة و(الحيي) من أسماء الله جل وعلا. ودليله من الكتاب: قوله تعالى: ﴿ إنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيي أَن يَضْربَ مَثَلاً مَّا بَعوضَةً فمَا فوْقَهَا ﴾ [البقرة: 26] وقوله: ﴿ وَ الله لاَ يَسْتَحيي مِنَ الحَق ﴾ [الأحزاب: 53]. ومن السنة: حديث أبي واقد في الصحيحين وفيه: "وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه". وحديث سلمان مرفوعاً "إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين" رواه أبو داود والترمذي. [انظر صحيح الجامع (1757)]. وحياء الرب جل وعلا ليس كحياء المخلوقين الذي هو تغير وانكسار بل هو حياء يليق بجلاله يكون فيه ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه فلا يفضح عبده إذا عصاه وجاهر بذلك بل يستره استحياء من هتك ستره، قال ابن القيم في نونيته: (2/ 80) وهو الحيي فليس يفضح عبده
[انظر كتاب صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي السقاف ص 147]. أعظم صور الحياء من الله فمن استخف بالأوامر والنواهي الشرعية دل ذلك على عدم إجلاله لربه وإعظامه وعدم حيائه منه جل وعلا، وأدل دليل على ذهاب الحياء من الله عند بعض الناس أن تجده ضابطاً لسلوكه وأقواله وأفعاله عند من يحترمهم من البشر، ثم هو إذا خلا منهم ولم يطلع عليه إلا رب البشر وجدته يتصرف بلا قيود، وعن سعيد بن يزيد الأزدي أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-"أوصني قال: أوصيك أن تستحي من الله عز وجل كما تستحي من الرجل الصالح" رواه أحمد [في الزهد (46)] والبيهقي [في شعب الإيمان (6/ 145)] والطبراني [في المعجم الكبير (7738)] وصححه الألباني [في الصحيحة (741)]. قال المناوي: "(أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة وأبين دلالة بأوجز إيجاز، وأوضح بيان، إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح، وذوي الهيئات والفضل أن يراه وهو فاعله، والله مطلع على جميع أفعال خلقه، فالعبد إذا استحى من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه تجنب جميع المعاصي الظاهرة والباطنة، فيالها من وصية ما أبلغها وموعظة ما أجمعها" [انظر فيض القدير (3/ 74)]. ولقد كان الرعيل الأول أشد الناس حياءً من الله تعالى حتى تعدى حياؤهم لشيء لابد لهم منه ففي صحيح البخاري سئل ابن عباس عن قول الله تعالى: ﴿ أَلا إِنَّهُمْ يثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [هود: 5] فقال: " أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم" ويفضوا إلى السماء أي ليس هناك ما يحجبهم من سقف ونحوه. وكان أبو بكر الصديق يقول: "استحيوا من الله فإني أذهب إلى الغائط فأظل متقنعا بثوبي حياءً من ربي". وكان أبو موسى إذا اغتسل في بيت مظلم لا يقيم صلبه حياء من الله عز وجل. [انظر فتح الباري لأبي رجب (1/ 52)]. المعاصي تذهب الحياء: قال ابن القيم: "من عقوبات المعاصي ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب الخير أجمعه فقد جاء في الحديث الصحيح "الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ". [انظر مزيداً أيضا الداء والدواء ص 131]. الحياء أصل كل شيء: قال ابن القيم: "فمن لا حياء له ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق لم يقر الضيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤد الأمانة، ولم تقض لأحد حاجة، ولا تحرى الرجل الجميل فآثره، ولا القبيح فتجنبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع من فاحشة وكثير من الناس لولا الحياء الذي فيه لم يؤد شيئا من الأمور المفترضة عليه".[ انظر مفتاح دار السعادة (277)]. 2- من أقوال السلف في الحياء: تقدم فعل أبي بكر وأبي موسى رضي الله عنهما. قال عمر رضي الله عنه: "من قلَّ حياؤه قل ورعه، ومن قلَّ ورعه مات قلبه". وقال ابن مسعود: "من لا يستحيي من الناس لا يستحيي من الله". وقال الحسن البصري: "الحياء والتكرم خصلتان من خصال الخير لم يكونا في عبد إلا رفعه الله بهما". وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجه: ((إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلامِ الْحَياءُ))، ومعناه: إنَّ كل دين له طَبْع وسَجِيَّةٌ؛ وإِنَّ طبع هذا الدِّين وَسَجِيَّتَهُ التي بها قِوامُهُ: الحياءُ. وفي الحديث أيضًا: ((الحياءُ والإيمانُ قُرِنا جميعًا، فإذا رُفِعَ أحَدُهما رُفِعَ الآخرُ))؛ صحيح الجامع. والسرُّ في كون الحياء من الإيمان: أن كلًّا منهما داعٍ إلى الخير مُقَرِّبٌ منه، صارِفٌ عن الشرِّ مُبْعِدٌ عنه، فالحياءُ خُلُقٌ يَكُفُّ العَبْدَ عن ارتكاب القَبائِح وَالرَّذائِل، وَيَحُثُّهُ على فعل الجَمِيل، وأحَقُّ مَنْ يُستَحيى منه هو اللهُ سبحانه وتعالى، فإذا خفي الإنسان عن أعين الناس، وتيسَّرت له أسبابُ المعصية، تذكَّر أن الله يراه فاستحيا منه، ولم يجعله أهونَ الناظرين إليه، وإذا رأى غيره قد سبقه إلى فعل الطاعات استحى أن يكون في مؤخَّرة الركب؛ عَنْ سَعِيدِ بن يَزِيدَ الأَزْدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: ((أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحييَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحيي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ))؛ رواه الإمام أحمد، وصحَّحه الألباني. قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة وأبْيَن دلالة بأوجز إيجاز، وأوضح بيان؛ إذ لا أحد من الفسقة إلَّا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح، وذوي الهيئات والفضل؛ أن يراه وهو فاعله، والله مُطَّلِع على جميع أفعال خلقه، فالعبد إذا استحيى من ربِّه استحياءه من رجل صالح من قومه، تجنَّبَ جميع المعاصي الظاهرة والباطنة، فيا لها مِن وصية، ما أبلغها! وموعظة ما أجمعها!"؛ انتهى.
ثم يأتي الحياء من الناس، وقد نصَّب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحياء حَكَمًا على أفعال المرء، وجعله ضابطًا وميزانًا؛ فقال: ((ما كرِهت أن يراه الناس، فلا تفعله إذا خلوتَ))؛ حسَّنه الألباني. وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "لا خير فيمن لا يستحيي من الناس". وإذا كبرت عند العبد نفسُه، فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره؛ قال بعض السلف: "من عمل في السرِّ عملًا يستحيي منه في العَلانية، فليس لنفسه عنده قَدْر". قال الراغب الأصفهاني رحمه الله في "الذريعة إلى مكارم الشريعة": "حقُّ الإنسان إذا همَّ بقبيح أن يتصوَّر أجلَّ مَنْ في نفسه حتى كأنه يراه، فالإنسان يستحيي ممن يكبر في نفسه؛ ولذلك لا يستحيي من الحيوان، ولا من الأطفال، ولا من الذين لا يُميِّزون، ويستحيي من العالم أكثر مما يستحيي من الجاهل، ومن الجماعة أكثر ما يستحيي من الواحد. والذين يستحيي منهم الإنسان ثلاثة: البشر، وهم أكثر من يستحيي منه، ثم نفسه، ثم الله تعالى، ومن استحيى من الناس ولم يستحي من نفسه؛ فنفْسُه عنده أخسُّ من غيره، ومن استحيى منها ولم يستحي من الله، فلعدم معرفته بالله، فالإنسان يستحيي ممَّن يُعظِّمه، ويعلم أنه يراه أو يسمع نجواه، فيبكته، ومن لا يعرف الله فكيف يُعظِّمُه؟! وكيف يعلم أنه مُطَّلِع عليه؟!"؛ انتهى.
ومن الحياء أن نستحيي من الملائكة؛ قال بعض الصحابة: "إن معكم مَنْ لا يُفارقكم، فاستحيوا منهم، وأكرموهم". معك ملائكة لا يتركونك ليلًا ولا نهارًا، يحصون أنْفاسَكَ وحركاتك وسَكَناتك، يرصدون كلَّ ذلك في صحيفة أعمالِكَ. تخيَّل لو علمت أن هناك من يعيش معك يُراقبك، ويُسجِّل جميع أعمالك، ويُقدِّم عنها تقريرًا لمديرك، يا ترى كيف كان سيكون حالُكَ؟! ولكن هذا الخُلُق الكريم استبدله بعض الناس في زماننا بالجرأة التي قد تصل أحيانًا إلى حدِّ الوقاحة، فنرى المعاصي تُرتكَبُ جهارًا عيانًا دون حياء من الله ولا من الناس، وما غاب الستر عن النساء إلا حين نزَعْنَ ثوبَ الحياء، وما تجرَّأ الابنُ على أبيه وأُمِّه إلَّا حين غاب الحياءُ، وما ضاعت مَكْرُمةٌ أو ظهرت فاحشةٌ إلَّا حين فُقِد الحياءُ من مرتكبها. قال صلى الله عليه وسلم: ((إن ممَّا أدركَ الناسُ من كلام النبوَّة الأولى: إذا لم تستحي فاصْنَعْ ما شئتَ))؛ رواه البخاري، وهذا الحديث يحتمل معنيين: أحدهما: أنه أمْرٌ بمعنى التهديد والوعيد، والمراد: إذا لم يكن حياء، فاعمَل ما شئت، فإن الله يُجازيكَ على ما صنعْتَ. والآخر: أنه أمر بمعنى الخبر، والمراد: أنَّ من لم يستحي صَنَعَ ما شاء؛ فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياءٌ، انهمَك في كل فَحْشاء ومُنْكَر. ولا منافاة بين الحياء وقوة القلب وشجاعته؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشْجَعَ الناس، ومع ذلك كان أشدَّ حياءً من العذراء في خِدْرِها! ولم يمنعه حياؤه عن قول الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والغضب لله إذا انتُهِكَتْ محارمُه. وأكثر من اشتَهر بالحياء عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولأجل عِظَم هذه الخصلة الحميدة التي لا تأتي إلَّا بخير، كانت الملائكة تستحيي منه، ما لا تستحيي من غيره. وعلى النقيض من الجرأة يأتي الحياء المذموم أو الخجل، والخجل معناه ليس الشائع الدارج وهو الكسوف بل إن الخجل لغةً؛ يعني: الإحراج أو الشعور المؤلم المصاحب للذنب، واصطلاحًا: هو حالةٌ من الضَّعْف النفسيِّ؛ ويعني: عدم قيام الفرد بأفعالٍ معينةٍ عاديةٍ نتيجة الخوف من الناس. فمن الحياء أن يمتنع الشخص عن فعل كل نقيصة أمام الناس؛ لكنْ من الخجل انكماشه وانطواؤه وتجافيه عن ملاقاة الآخرين؛ إذًا الخجل هو ذلك الحياء الذي يحُول بين المرء وبين قول الحق وفعل الخير، فقد يصدُّه عن طلب العلم الواجب، ويجرُّ صاحبَه إلى فعل المحرَّمات والوقوع في الكذب، ويجرُّ إلى ترك الواجبات والفرائض؛
وقال البخاري في صحيحه في كتاب العلم: "وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "لا يَتَعَلَّمُ العِلْمَ مُسْتَحْيٍ وَلا مُسْتَكْبِرٌ"، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: "نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ". وكانت أم سليم رضي الله عنها تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسائل دقيقة من أحكام النساء، وتستفتح سؤالها بقولها: "يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق". فإذا خجل المتعلِّم من سؤال ما أشْكَلَ عليه، والمناقشة فيما خفي عليه ليتَّضِح له، فلن يتعلَّمَ ولن يُرفَع عنه الجهل، وقد يقع في مُحرَّم، أو يفوته ثوابٌ عظيم بسبب خجله ذاك. جاء في سير أعلام النبلاء أن ابن عباس رضي الله عنه، قال عن نفسه: "إن كنتُ لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"، وكان عمر رضي الله عنه إذا ذكر ابن عباس قال: "ذلك فتى الكهول، له لسان سؤول وقلب عقول"؛ فليس من الحياء الامتناع عن طلب العلم وتعلُّمه، وليس من الحياء الخجل الذي يُفوِّت على صاحبِه خيرًا ونَفْعً نسأل الله أن يهب لنا ولأزواجنا وأبنائنا وجميع المسلمين حياءً يدفعنا للمحاسن وفعل الخيرات | |||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|