آخر 10 مشاركات
أهل الكتاب فى عهد النبى (ص)فى القرآن (الكاتـب : الحكم لله - )           »          125 - الضوء الهارب - جينيث موراي (الكاتـب : حبة رمان - )           »          سيد الجحيم (32) بقلم: lossil (كاملة) تم اضافة روابط التحميل (الكاتـب : متمردة - )           »          وهـ الشك يقتلني ـاهـوئ (الكاتـب : مجهولة. القدر - )           »          خائف من الحب (161) للكاتبة : Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          عاصفة الحب (45) للكاتبة jemmy *كاملة* (الكاتـب : Jamila Omar - )           »          93- رجل من ورق - كارول مورتمر - روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          رغبات حائرة (168) للكاتبة Heidi Rice .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          [تحميل] ارادة رجل ، للكاتبة/ قلب الجبل (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree347Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-10-22, 06:26 PM   #51

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام حبيباتا مشاهدة المشاركة
التكملة كما اتخيلها
لأني اكره اشباهه من الآباء...
لأنني أهتم لأمرك.....
لأنني أحبك....
لأنني أ..
كلنا شوق لتكملة ما بعد الألف من الإبداع
💐💐💐💐💐

يسلم تخيلك 😍
تخيلك احسن من اللي كتبته ❤
شرفتيني بوجودك وسعيدة بمتابعتك ❤


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-10-22, 10:48 PM   #52

روزنامة

? العضوٌ??? » 506290
?  التسِجيلٌ » Aug 2022
? مشَارَ?اتْي » 75
?  نُقآطِيْ » روزنامة is on a distinguished road
افتراضي

اسلوب ساحر وسلس في سرد مشاعر الابطال بالتوفيق حبيبتي استمري

روزنامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-10-22, 08:48 AM   #53

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روزنامة مشاهدة المشاركة
اسلوب ساحر وسلس في سرد مشاعر الابطال بالتوفيق حبيبتي استمري
أشكرك حبيبتي دا من ذوقك.. شرفتيني ❤


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-10-22, 06:54 PM   #54

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
:jded: الفصل الثالث والعشرون

الفصل الثالث والعشرون
" لأني أحتاج للتحدث إليك "
تبادل كل منهما النظرات للحظات كانت كفيلة لحسم كل منهما أمره تجاه الآخر..
فقد تيقن يونس أن لا غنى له عنها.. حتى و إن حاول..
حتى و إن أنكر..
حتى و إن كان ماضيه أسودا.. لا يُشرفه أبدا التحدث عنه..
أو التفاخر به..
أما هي..
فقد تيقنت من إحساسها..
أن الغرق في يونس النويري ليس سهل النجاة منه..
بل النجاة منه أمل لا تريد الوصول له..
أغمضت عيناها للحظات قبل أن تفتحهما قائلة بأمر أنعش روحه ..
" انتظرني بالداخل حتى أبدل ملابسي و نجلس في أقرب مقهى من البيت "
ابتعد عنها برأسه ثم ناظرها بعينيه و تلبسته العبثية كما هو مُتوقع..
" هذا القميص... اممم لا أعرف "
رغم عدم وضوح عبثيته إلا أنه استطاع أن يحفز أنوثتها بالإشارة لقميصها..
" ماذا به؟ "
قالتها بتحدٍ برقت معه عيناها كما تحفز جسدها بردة فعل عنيفة لانتظارها نقداً يخص قميصها البيتي المبجل..
ولكنه هدم كل توقعاتها حين مال تجاه وجهها قائلا..
" يُحفز للأكل "
و المعنى وصلها واضحا.. كاملاً..
عابثاً ..
جعل خداها يتلونان بحمرة إثارة لذيذة لا تشعر بها سوى معه..
و لم تشعرها قبله ..
يونس النويري هو الوحيد الذي أزاح عثرات روحها واحدة تلو الأخرى..
الوحيد الذي هدم كل ما حاولت بناءه خلال سنوات عمرها الماضية..
ازدرت ريقها بصعوبة ثم أزاحته عن طريقها بعد أن دفعته في كتفه ليساير حركتها مُبتسما و صوتها المتذمر يصله متبرما بأشياء لا يعلم ماهيتها..
و بعد أن ابتعدت هتفت دون أن تلتفت له..
" اذهب لتطمئن على صفا حتى انتهي "
ظل ينظر لها قليلا.. مُدركا خطورة الخطوة التي سيتخذها معها..
و لكنه لا يملك إلا أن يخطوها ..
كما هو مدرك تماماً أن أوان الرجوع للوراء أصبح من المستحيل..
****
و داخل غرفة صفا كان يجلس أمامها.. على الكرسي الذي كانت تجلس عليه چود.. يناظر صفا بإشفاق..
" كيف حالك صفا ؟"
ابتسمت بامتنان فيونس حقا لم يتركهما منذ ما حدث..
حتى عملها اقترح عليها أن يقوم به و لكنها رفضت و أخبرته أنها من سيقوم به..
يونس الذي أرسل إليهما بعض من مستلزمات البيت في اليوم التالي لعودتهم دون أن يصعد ..
يونس الذي تكفل بعلاجها و لم يوافق بأن يأخذ ما صرفه من كشوفات و أدوية مخبراً إياها أنها كأخته و من غير الطبيعي أن يأخذ ما صرفه على كشف لأخته..
يونس الذي هاتفها في اليوم التالي يسألها إن كانت تحتاج لأي شيء آخر..
و كأن يونس بوجوده يعوضها عن كل شخص في حياتها كانت تحتاج إليه و لم تجده..
" بخير يا يونس "
لمعت عيناها بدموع لم تسمح لها بالظهور أكتر.. ثم تابعت..
" و شكراً لك على كل ما تفعله "
" لم أفعل شيئا.. هذا واجبي "
لا تعلم لماذا تشعر بمحاولته نكران أهمية ما يفعله.. و كأنه لا يطيق لصق صُنع جميل له..
" و القليل منك جميل يا يونس "
كلماتها التلقائية جعلته يتململ في جلسته غير راغب في سماع تلك الكلمات المادحة.. و كأنه!!..
و كأنه لم يتعود على سماعها.. و هو فعلا لم يتعود على سماعها..
يونس بما يفعله ليس مِنة منه.. بل هو في أشد احتياج لما يصنعه..
و كأنه في اشتياق ليونس آخر تمنى ظهوره طوال السنوات الماضية و لم تسمح له الظروف بذلك..
نبرة الشجن في رد صفا جعلته يستشعر وجود خطب ما..
" ألا تريدين قول شيء؟ "
و ارتباكها أكد له ظنه حيث هناك ما تداريه بالفعل.. و هو على يقين بأن مواجهتها مع الحكيم هي السبب في حزنها المرسوم على ملامحها..
" ليس هناك شيء لأقوله "
صمت قليلا مستشعرا تهربها و لذلك كان حديثه المقصود..
" أتعلمين.. لم يأت شاهر للشركة بعد عودتنا و حاولت الاتصال به خلال اليومين الماضيين و لكنه لم يرد..
حتى مساء أمس أجاب اتصالي و أخبرني باقتضاب أنه مشغول "
انسحاب الدماء من وجهها كان كفيلا بتوضيح الصورة بأن العلاقة بينها و بين الحكيم لا تتسم بالهدوء..
لا يعلم سبباً لذلك.. و لكنه كان يرجح ذلك لطبيعة الحكيم المنفرة للبعض رغم هشاشة روحه التي استشعرها بنفسه في عدة مواقف..
قد لا يكون على وفاق مع صفا.. و قد تكون صفا لا تستسيغ التعامل معه خارج حدود العمل.. هو حقا لا يعلم..
لم تجب على كلامه إذ كان لا رد لديها تجاه اختفائه..
فلقد اكتفت من الخذلان و علمت مقدار نفسها في نظره.. و هي لن تتحمل تحقيرا لها منه.. منه هو بالذات..
لقد اكتفت..
و ستكتفي بلحظات قليلة جمعتهما.. تعتقد أنها لن تنساها..
" صفا "
ناداها لينتشلها من شرودها و حين رفعت وجهها إليه وجدته يميل بجسده مستندا بمرفقيه على الطاولة بينهما..
" لو أساء لكِ الحكيم بأي شكل أستطيع التحدث معه "
انتفضت في جلستها متوترة..
" لالا يا يونس.. أرجوك.. لا تتحدث معه "
و نظرة واحدة لوجه يونس جعلتها تتيقن من الفخ الذي وضعها به يونس بسؤاله..
فتنهدت منكمشة في جلستها..
" أرجوك يا يونس.. لا تتحدث معه في شيء.. الأمر لا يستحق صدقا "
نظر لها بعمق للحظات و قبل أن ينطق.. كانت چود تدلف للغرفة هاتفة..
" لقد انتهيت "
نظر لها زوجان من العيون أحدهما بلا معنى.. قبل أن تعود و تنظر ليونس الذي كان ينظر لچود بتوق لها.. و إثارة من شكلها الرائع و الجذاب ببنطال من الجينز و سترة أنثوية باللون الأحمر.. و تحتها قميص بلون أبيض بفتحة صدر مثلثة الشكل و يزينها عقد من اللؤلؤ تتدلى منه قلادة باللون الأحمر الناري..
كل ما فيها من تفاصيل قادر على الإطاحة به بكل سهولة..
عاد بنظره إلى صفا قائلاً.. مُنهيا الحديث قبل أن يغادر بصحبة النارية..
" صفا.. أنا موجود متى احتجت شيئا"
أهدته ابتسامة باهتة.. ممتنة.. قبل أن يصلها صوت صديقتها..
" لن أتأخر.. "
ابتسمت لها صفا هي الأخرى ممتنة حقا لوجودهما بحياتها..
فإن خسرت الحكيم.. و معه قلبها..
فبالتأكيد كسبت يونس كصديق رائع.. و جود صديقتها منذ سنوات..
و رغم هذا.. و رغم الوجود..
و رغم المكابرة..
فإنها حقا وحيدة.. الوحدة ليست مادية.. ملموسة..
بل هي داخلها.. معنوية.. و يا ليتها ملموسة لتستطيع مد أصابعها لنثرها كحبات رمل ملوثة.. تبعدها عن روحها.. و لكن ما يزيد عذابها حقا أنها لا تستطيع إبعاد تلك الوحشة من داخلها..
أغمضت عيناها للحظات ثم فتحتهما متنهدة بغير راحة فالأيام أصبحت ثقيلة..
دارت بعينيها يمينا و يسارا لتقعا على مُسجل إذاعي بسيط كانت قد جلبته معها من الوطن.. فتمد يديها ناحيته تتلمسه بكلتي يديها.. تحاول تشمم ماضيها عبره.. ليس كل ماضيها بالطبع فهناك ماضٍ و أشخاص أسقطتهم من حساباتها.. دار سبابتها حول المؤشر لتديره فيصدح بعض التذبذب السمعي متسائلة داخلها هل ستجد إذاعة عربية تعمل هنا بهذه البلد أم لا..
ظلت تحاول بغير جدوى.. حتى صدحت موسيقى ناعمة جذبت انتباهها.. بل جذبت روحها لأي شيء متعلق بكينونتها..
" شكرا عارف على إيه
ع البرد اللي ف حضنك حسيت بيه "
صدحت الكلمات لتسمرها مكانها برعب..
كلمات كانت كالمواجهة المنتظرة.. و التي تتمناها..
" على قلبي دا اللي بنالك تمثال
و يوم عن يوم بتشوه فيه "
تركت أصابعها المسجل ليسقط على الطاولة أمامها بصوت ضعيف لقرب المسافة بين يدها و سطح الطاولة..
" إياك تستغرب من قلب ضعيف
منك كان بيعدي كلام سخيف
إياك تستغرب لو دمعك سال
لما عاملك كده زي الضيف "
يا الله هو كلامها.. كلام رددته في لياليها وحيدة فوق وسادتها.. كلمات كانت تتردد متخيلة وجوده أمامها لتثبت له أنها تخطته..
أنه أساء لها ظُلما و بهتانا..
" إهمالك ليا شكرا قوّى قلبي المكسور
لو حُبك سجن عشقته وأنا باكية بهد السور
انا راضية أبقى فراشة وقتلها حب النور
ولا أعيش قلبي مقهور "
شهقت بعنف لتدرك أنها كانت تكتم أنفاسها انفعالا..
لا تصدق.. لا تصدق ما تسمعه..
و كم تتمنى المواجهة فعلا لتستطيع تخطيه.. على الأقل لتستطيع تخطي كونه كان بحياتها يوما..
بأنه كان قريبا يوما..
بأنه!!! .. قتلها يوما..
" إهمالك ليا شكرا قوّى قلبي المكسور
لو حُبك سجن عشقته وأنا باكية بهد السور
أنا راضية أبقى فراشة وقتلها حب النور
ولا أعيش قلبي مقهور "
تنفسها يزداد.. و عيناها تذرفان دموعا لا تعلم كيف توقفها.. كيف السبيل لمسح ما حدث من عقلها..
تفكيرها..
من داخل روحها..
" أيوة أنا مش حاسة معاك بأمان
مبقاش ينفع نرجع زي زمان
لو روحي في إيدك أرميها و أروح
أنا مش عايزة يجمعنا مكان "
كانت تومئ برأسها انفعالا و كأنها تصدق على الكلمات التي تسمعها..
" اهمالك ليا شكرا قوّى قلبي المكسور
لو حُبك سجن عشقته وأنا باكية بهد السور
أنا راضية أبقى فراشة وقتلها حب النور
ولا أعيش قلبي مقهور "
و قبل أن تُعاد الكلمات كانت تغلق المسجل بانفعال و شهقاتها تزداد..
تُصم أذنيها فتمد كفيها تغلقهما ضاغطة بكل قوتها تمنع ترديد كلماته داخل عقلها..
جفناها مغلقان بانكماش قاسٍ لتمنع رؤيتها له محتضنا إياها بين ذراعيه..
يقبلها بكل توق..
بكل تلك المشاعر الجميلة والمؤذية التي عاشتها..
ثم فتحت عيناها بقوة و هي تصرخ من بين شهقاتها ..
" ليتني ما عرفتك يا شاااااهر.. ليتني ما عررررفتك "
و ظلت تبكي و تبكي حتى تحول بكاؤها لشهقات خفيضة.. متمنية لحظات..
لحظات فقط من السلام النفسي..
أخرجها من حالتها رنين هاتفها برقم لم يكن مسجلاً باسم..
و لا تعلم لمَ انقبض قلبها بشكل مفاجئ وكم تمنت ألا تجيب..
ولكن جزءً منها أراد الإجابة.. دون معرفة السبب..
رفعت الهاتف تنظر للرقم للمرة الأخيرة قبل أن تجيب ..
" ألو "
و الهمسة كانت مفاجأة..
" صفا "
****
و بالمقهى..
كان يجلس بتحفز و سيجارته بين إصبعيه يحرقها بتنفسه لها..
كم يغريه الهروب الآن ..
الهروب من أمامها و العودة ليونس القديم.. الغير مبال.. الوقح دائماً و أبداً..
العربيد و الفخور بما فيه دون البحث وراء ماهية ما يفعله..
وجوده الآن.. أمامها.. و بناءً على رغبته هو..
كان أكبر مواجهة لنفسه..
و ما يريده..
و ما يرده يونس في هذه اللحظة ألا يبتعد عنها ثانية..
" هل جئت بي لتُسمعني صمتك ؟"
كانت نداً له.. و لكنها ند مُحبب.. لطيف.. أنثوي رائع ..
تجعله دائما على صفيح ساخن.. و في نفس الوقت يكون أكثر حرية بصحبتها ..
و سيكون شجاعا و يعترف أن يونس معها..
أكثر إنسانية..
و هذا بالضبط ما يجعله يعشق التواجد معها..
يحب ما أصبح عليه..
رأى تململها على مقعدها و كأنها لا تطيق جلوسها..
ثم و بدون إنذار باغتها ليسمرها مكانها..
" لمَ يعاملك والدك بهذا الشكل؟ "
رأى ملامحها تكتسي بالغضب للحظات ثم الهدوء باللحظة التالية المصاحب لقولها المتهكم..
" هل جئنا لنتحدث عني.. أم لتُسمعني ما تريد قوله؟ "
لم تهتز به شعرة نتيجة تهكمها بل تابع نظراته المدققة لها..
" أجيبيني چود "
سمع زفرتها المثقلة بالكثير.. ثم قولها الخافت..
" ظننت أنك سمعتنا في المرتين "
مشيرة للمرتين اللتين حضر بهما مواجهتها مع والدها..
" و سمعت بالفعل "
ليفاجئها بقوله الهادئ عكس النيران المستعرة بين الحروف..
" و لمَ سؤالك إذاّ ما دمت تعلم؟ "
لتجيبه من بين أسنانها كارهة أن يضعها في تلك الخانة و كأنه يحقق معها..
أو بجعلها تُعري شيئا من روحها هي لا تريد الكشف عنه.. يكفي ما عرفه.. و ما رآه.. و ما كان..
" و لماذا لم تتركِي البيت و تستقلي بحياتك؟ "
أغمضت عينيها للحظات ثم فتحتهما و قالت دون أن تنظر له..
" لأنني حتى الآن مازال داخلي جزء من شرقيتي أحاول الحفاظ عليه رغم أني لا أجد سببا يدفعني لهذا من الأساس .. "
لاعبت بأصابعها أطراف المفرش الصغير الموضوع تحت الفازة الموضوعة على الطاولة أمامها.. ثم تابعت حديثها..
" و أيضا مازال داخلي ذلك الجزء الصغير الذي يجعلني لا أريد أن أُعرضه للخزي كرجل شرقي كما أخبرني في مواجهة من المواجهات.. "
ابتسامة حزينة متهكمة علت جانب شفتيها قائلة و هي تتذكر ذلك الموقف الذي تشير إليه..
" أخبرني صراحة أنه لن يسمح لي بأن أجعل رأسه بالطين عارا.. "
كان ينظر لها و كم يتمنى إزاحة تلك الطاولة التي تفصل بينهما و جذبها لأحضانه مواسيا لها.. مقسما أنها مدعاة لكل فخر..
ثم يذهب لوالدها الخسيس هذا منهالا فوقه بالضرب مزينا وجهه بلكماته و ضرباته معيدا تشكيل تفكيره عله يستطيع النظر إليها أبعد من تلك الأفكار في رأسه..
" ثُم "
حثها للمتابعة فرفعت نظراتها له تنظر إليه ترغب في رؤية عينيه و هي تقول..
" أنا حصيلة ليلة حمراء "
تغضنت ملامحه بألم لم يسيطر عليه.. و عقله دون إرادة منه يتذكر موقفا مماثلا عاشه..
بينما صوتها يتابع..
" كان ببلد سياحي و تعرف على أمي.. كان الأمر لم يتعد كونه ليلة وانتهى و لكنها فاجأته بكونها حاملا "
أغمض عيناه هو هذه المرة و كأنه يأبى السمع..
و كأنه يأبى الإنصات لبشاعة تصرفاته بمردودها الحالي..
بحرام غرق فيه برغبته.. بإرادته..
حرام أصبح بين قوسيه بالفعل..
لا خلاص له..
ولا نجاة..
فلماذا الرهبنة مادام أخطأ و أصبح منغمسا بين مقادير الحرام و أحد مكوناته.. معجونا به..
رأت ملامحه و إغماضه لعينيه بشكل جعلها تهتف تناديه..
" يونس "
فتح عيناه ناظرا لها بعينين يملؤهما الخزي و الكسرة.. عينان محمرتان غضبا موجها لنفسه قبل أي أحد آخر..
" ماذا بك ؟"
ليفاجئها مبتسما بتهكم..
" أفكر بالشبه بيني و بين والدك "
قطبت ما بين حاجبيها بعدم فهم..
" ماذا تعني ؟"
ليتدارك فورا ما قاله ثم يستعيد ثباته منحيا كل ما يعتمل داخله جانبا..
و يتهرب من الإجابة قائلا..
" لا شيء.. تابعي "
لوحت بيدها و كأنها اكتفت بما قالته..
" لا شيء.. لم يكن ليضحي بمستقبله المهني بعد أن نال وظيفة مرموقة..
فقرر إتمام زواجه و الحفاظ على الجنين الغلطة كما أسماه و بعدها سافر هو و والدتي بادئا حياة مليئة بالمصالح.. و لم يكن هناك مناسبة أو موقف لم يذكرني فيها أنني نتاج تلك الليلة.. ناهيك عن إلحاقي بالمدارس الداخلية حتى الإجازات كنت أقضيها بصحبة الخادمات بسبب سفره و غياب أمي و غرقها بحياتها "
عيناها مخفضتان بخزي كان سببه ما بثه والدها داخلها..
" كان دوما يواجهني أني لن أكون سوى نسخة منها "
سلط نظراته عليها غير قادر على إبعادها عنها.. يحتضنها بعينيه..
بينما صوتها يتابع..
" كان دوما ينتظر مني الوقوع في الخطأ و تسليم نفسي لرجل في غير النطاق الشرعي ليثبت لنفسه و لي تفكيره بشأني..
و لكني كنت أخيب ظنه في كل مرة "
أرفقت كلماتها بضحكة متهكمة جعلته يتحفز في جلسته متخيلا تنفيذ كلماتها..
التخيل فقط جعله و كأنه على صفيح ساخن..
و كم يريد جذبها الآن دافنا لها بين أحضانه ملقيا على مسامعها أنها مِلكه هو.. هو فقط.. ليس لها أن تُسلم نفسها لأي شخص سواه..
هو فقط المسموح له..
و لكن لحظة!!
" هل هذا ما جعلك تطلبين مني عدم التقرب منك ؟ "
أومأت برأسها دون أن تنظر إليه..
بينما داخله!! ..
يا الله داخله عواصف نكراء تريد إبادة كل ما يحزنها..
عواصف تريد العصف به و بها و عجنهما ببعضهما ليصبحا كيانا واحدا بروحين لا يفترقان أبداً..
طرقت بأطراف أصابعها فوق الطاولة تقول منهية الحوار من جهتها..
" و هكذا.. أظن أني لم أُضف لك شيئا بحديثي فلقد سمعت
ما قلته من قبل "
نعم سمعه.. و لكن ليس بهذا الألم بداخله..
لم يكن متورطا فيها بهذا الشكل..
على الأقل بالمرة الأولى التي سمع فيها مواجهتها مع والدها..
أما الآن فهو ليس متورطا فقط.. لا..
يونس أصبح على مقدرة من رؤية ذلك الخيط الرفيع الذي يربط بينهما دون أن يشعرا..
هو رآه.. استشعره في عدة مواقف من قبل.. و لكن الآن..
الآن بالذات.. يونس أصبح غارقاً فيها و لا يريد النجاة..
حضر النادل ليوقفهما عن الحديث و بعد لحظات كان يغادر تاركا لهما متواجهين..
ظللهما الصمت للحظات قطعه يونس قائلا و راغبا في مبادلتها ما حكته..
" أبي لم يكن يريدني أنا أو أختي "
سكنت الدنيا حولهما في تلك اللحظة.. چود تحاول استيعاب هذا الوجه الجديد..
و يونس سكت مدركا حجم ما ألقاه أمامها..
صمْت يتخلله صوت زوار المكان من حولهما..
صوت الشارع .. الشجر والعصافير المتنقلة من غصن لغصن حيث كان المقهى بمكان مفتوح.. مطل على حديقة رائعة..
و أصوات الطبيعة من حولهما تأسر السمع..
" ماذا.. تعني؟ "
ابتسم متهكما لردة فعلها المصعوقة ثم أجابها..
" أعني أنه تزوج بأمي لتربي ولده.. و لكنها فاجأته و حملت بي كما يعتقد..
كما أنني سمعته بنفسي و وقتها عمري لم يكن يتعدى السبع سنوات يخبرها أنه لم يكن يريد أطفالا"
مالت بجذعها تجاه الطاولة.. تمد يدها لتمسك يده الموضوعة على سطح الطاولة في محاولة منها لمواساة لم يكن يريدها بل يحتاجها..
" يونس.. أنا آسفة اا.. "
ابتسم متهكما.. و الحزن يتخلل نبراته..
" آسفة لأي شيء يا چود.. "
ثم يتابع بعد أن قرب السيجارة من فمه ينفث منها دخاناً يضاهي حريق داخله..
" آسفة لعدم رغبته فينا.. أم آسفة لتفضيله ابنه علينا؟.. "
" تمام!! .. "
كان استفسار منها و لكنه كان كفيلا بإشعال النار في رماده الذي قارب عُمره ثلاث أرباع عُمر يونس نفسه..
فضرب بقبضته على الطاولة بينهما قائلا من بين أسنانه بعربية لن يفهمها زوار المكان و تحمد الله على ذلك ..
" نعم تمام.. نعم هو تمام.. أخي الأكبر صاحب المكانة العليا و المرموقة في المجتمع الآن..
تمام الابن البار.. العاقل و المُطيع.. "
ثم أضاف و صوته يكتسي بالغضب..
" تمام صاحب المال الذي فضله أبي ليكتب له كل ما يملكه مقررا حرماني من حقي "
" وهل حرمك من حقك فعلا؟ "
قالتها بهدوء ناقض ثورة بركانه..
قالتها و لا تعلم سببا لذلك.. و لكن كل ما شعرته أن هناك دوما حلقة مفقودة بين كلماته..
الغل الذي تحدث به يونس منذ لحظات يناقض تماما همساته التي تخص أخاه حين علم أنه رُزق بطفلته الوليدة..
يونس يكن المشاعر لأخيه و لكنه ينكر ذلك..
أو يتعمد عدم الاعتراف به حتى و إن كان بينه و بين نفسه..
توتره و تذبذبه وانسحاب الدماء من وجهه كان دليلا على تفكيرها..
" ما.. ماذا تعنين؟ "
لوت شفتيها بلامبالاة قائلة..
" أعني أنك تسرد عليّ ما حدث من وجهة نظرك أنت.. أما والدك أو شقيقك.. فأعتقد أن وجهة نظرهما عكس ما تقوله "
ارتخى في جلسته بجمود.. و صوته رغما عنه يخرج متشحا بالسواد..
" كرهته "
همسته مؤلمة و أصابت قلبها.. فمن غيرها سيكون قادرا على الشعور بمعاناة يونس..
" كرهت مَن؟!.. "
ثم أضافت بقصد..
" والدك أم أخاك؟ "
فجاءها الرد قاطعا كخنجر مسموم..
" كلاهما "
نظرت له بتدقيق و الطعم المر لحديثه يتسرب لها و لكنها لا تملك مواساته.. ليس و هما محط مراقبة الموجودين.. و نظرات الاستهجان تحاوطهما من كل صوب و حدب..
" هيا بنا "
قالتها تستقيم من مكانها تمسك بحقيبة يدها و هاتفها..
" إلى أين؟ "
ناظرته من عُلوها و مازال هو على جلسته..
" سنذهب لمكان لا تطاردنا فيه نظرات الاستهجان بسبب همجيتك "
توبيخها أنعشه.. و جعله يشعر بالندية حقا.. نديتها المجابهة له بكل عفويتها طاردة السواد من داخله..
و التي يقابلها بعبثيته كالعادة..
" لم أكن أعلم أنكِ تريدين الانفراد بي واستغلالي كـ شاب بريء.. غِر ساذج لأغراض وقحة تريدينها مني "
مع ترديد كلماته كانت عيناها تزدادان اتساعا بذهول غير مصدق لما اتهمها به..
فاستدارت عنه بغيط و هي تقول..
" أنا المخطئة أني مهتمة بسماعك "
تجمد مكانه للحظات بعد همستها المتذمرة.. الغاضبة..
اللذيذة جدا... جدا جدا..
ثم سرعان ما انتقض من مكانه مسرعا ورائها و حين وصل لها أمسك كفها قابضا عليه بأصابعه الغليظة..
هامسا بجوار أذنها بصوت مبحوح بالتأثر..
" وأنتِ لا تعلمين ماذا يفعل بي اهتمامك هذا "
و قبل أن يُعري روحه أمامها أكثر.. تحرك فاتحا لها باب سيارته يدفعها برفق لتجلس مكانها ثم يدور حول السيارة ليجلس مكانه و أهداها غمزة شقية قبل أن يقول..
" هيا بنا إلى مكان تستطيعين فيه الانفراد بي كما يحلو لكِ "
و لم يكن ردها سوى ضربة على كتفه نالها من شدة غيظها منه..
****
عودة لأرض الوطن..
ببلدة العمايري
كانت دلال تقف أمام المرآة.. ترسم على ملامحها ابتسامة هادئة..
بثبات انفعالي تدربت عليه طوال الشهور الماضية..
تحديدا من وقت عودتها لجاسم.. و هي أقسمت ألا تفكر في أي شيء..
أقسمت ألا تترك نفسها للشعور..
أقسمت ألا تنتظر..
و لكنها مخادعة..
هي تشعر..
تشتاق..
تحتاج..
تعيش هدوء مزيفا..
و كأنها على وتر رفيع تجاهد ألا تنظر للأسفل لإدراكها أنها إن
نظرت وقعت..
و هي لا تريد الوقوع..
هي لا تريد البعد عن جاسم..
فإن أرادها مرتاحة.. ستكون..
ستعطيه إحساسا بالراحة التي يريدها أن تتسلح بها..
و إن أرادها لا تفكر.. لن تفكر..
ستعطيه الهيئة التي يريدها بالضبط..
لكن داخلها هي مقتولة..
و قاتلها الوقت.. أو الانتظار بمعنى أوضح..
غادرت جناحها متجهة للأسفل.. و على عتبة باب المطبخ وقفت تنظر للجميع بابتسامة أجادت رسمها..
" صباح الخير "
التفت لها رؤوس العاملات ...امرأتان إحداهما الخادمة التي كانت السبب فيما حدث لها.. و امرأة أخرى.. و زينب..
حياها الجميع بمثل تحيتها ثم هتفت زينب مبادرة..
" هل تحتاجين لشيء يا ست دلال ؟"
تحركت دلال لداخل المطبخ متجهة لخزينته و هي تقول..
" لا.. شكرا يا زينب.. سأعد فنجانا من القهوة فقط "
و قبل أن تزيد حركة أخرى فاجأتها زينب قائلة..
" سأعدها لكِ "
نظرت لها دلال بريبة.. و طالت النظرات للحظات ثم في النهاية رضخت قائلة..
" حسنا.. أنا بالحديقة الخلفية "
و لكن قبل أن تتحرك عادت تسأل..
" أين الشيخ عثمان ؟"
و كانت الإجابة أيضا من زينب..
" الشيخ عثمان بالمزرعة "
أومأت دلال برأسها ثم تحركت لتخرج من الباب الخلفي للمطبخ و المطل على الحديقة الخلفية للبيت و من ورائها زينب تعد القهوة سريعا قبل أن يلفت نظرها إحدى المرأتين و التي لم تكن سوى حُسنية.. تخرج وراء دلال مرتبكة
و لم تنتظر زينب أكثر إذ خرجت ورائها بهدوء متعمد حتى لا تشعر بها..
****
" ست دلال "
قالتها حسنية بخفوت و صوت متأثر.
نظرت لها دلال بخزي من نفسها قبلا و لكنها سيطرت على مشاعرها جيدا قبل أن تواصل حسنية الحديث..
" لم أستطع الحديث معك قبل ذلك.. إذ كنت لا أستطيع رفع عيني في وجهك.. أعلم أني السبب فيما حدث لك و أنـ "
قاطعتها دلال قائلة.. متخلية عن جمودها للحظات..
" حسنية.. لا تحملي نفسك فوق طاقتها.. أنت لم تجبريني على شرب ذلك المشروب .. أنا من ألغيت عقلي و لم أفكر في مدى ضرره.. كما أني لم أشغل تفكيري بالبحث عن ماهيته .. "
صمتت المرأة قليلا قبل أن تقول بتردد..
" هل.. هل ستخبرين الشيخ عني؟ "
ناظرتها دلال بشفقة في حين تابعت باكية..
" لو عرف سينقطع رزقي هنا.. هل يرضيك؟ "
أغمضت دلال عينيها للحظات ثم فتحتهما ثانيةً قائلة..
" لا تقلقي يا حسنية لن أخبره بشيء.. و لكن عديني بشيء "
" أي شيء يا ست.. أي شيء "
واقتربت المرأة تمسك يدها تحاول تقبيلها باندفاع و لكن دلال أوقفتها مستنكرة..
" ماذا تفعلين يا حسنية؟.. لا تفعلي هذا "
رفعت المرأة وجهها لدلال و عيناها تذرفان دموع خوف من نتيجة فعلتها ثم قالت..
" سأعدك بأي شيء "
نظرت لها دلال بشرود متذكرة وضعها الصحي الذي كانت فيه.. و الأيام المريرة التي عاشتها في وحدة ببيت أهلها..
" لا تنصحي أي أحد بشيء تجهلين نتيجته "
أومأت المرأة الأكبر سناً ثم تابعت دلال كلامها..
" لقد مرت المرة الماضية على خير.. لا تعلمين ماذا سيحدث المرة القادمة.. و هذا العطار الذي أخبرتني عنه ليس بطبيب حتى يصرف وصفات علاجية لأشياء تُعالج طبيا.. "
أومأت المرأة برأسها بانفعال قائلة..
" حسنا يا ست.. أعدك بذلك "
ابتسمت لها دلال بود ثم غادرت المرأة من أمامها غير واعيتين لمن سمعت الحوار كاملا ثم تحركت سريعا للمطبخ قبل أن يراها أحد..
بعد عدة دقائق كانت تخرج لمكان دلال تحمل بين يديها فنجان القهوة الذي طلبته دلال منذ قليل..
" كل هذا الوقت يا زينب.. لقد نسيت أني طلبته "
حمحمت زينب بحرج ثم قالت..
" عذرا يا ست دلال.. لقد التهيت قليلا قبل الشروع في صنع القهوة "
تناولت دلال فنجان القهوة من بين يدي زينب التي ما زالت على وقفتها..
" لماذا تقفين هكذا؟ "
سألتها دلال لتجيب الفتاة..
" حتى إن احتجتِ لشيء أكون موجودة "
لوحت دلال بكفها قائلة و هي تشرب قهوتها..
" لن أحتاج شيئا "
لتفاجئها زينب قائلة..
" سأظل موجودة تحسُبا لأي شيء "
أدارت عينيها بسأم ثم قالت
" حسنا.. "
ثم أرفقت سؤالها..
" كيف حال دراستك؟.. أتحتاجين لشيء؟ "
طأطأت رأسها قليلا ثم أجابتها بعد أن رفعته..
" لا شكرا يا ست.. إن احتجت لشيء سأخبرك "
ابتسمت لها دلال تومئ برأسها ثم أنهت قهوتها واستقامت مكانها قائلة.
" سأذهب للإسطبل "
لتتحرك زينب تباعا قائلة..
" سأرافقك "
لتتوقف دلال عن الحركة تناظرها بغيظ قائلة..
" إلى أين سترافقينني؟ "
لتجيبها الفتاة ببديهية و هي تناظر دلال بتعجب و كأنها قادمة من المريخ..
" إلى الإسطبل "
لتعيد دلال سؤالها التعجبي..
" لماذا ؟"
لتجيبها الفتاة بنفس التعجب..
" حتى لا تكونين بمفردك "
فتكتف دلال ذراعيها فوق صدرها قائلة بتهكم..
" و منذ متى هذا الحديث؟ "
لتلوح الفتاة يدها قائلة و كأنها تهادن طفلة..
" طوال الفترة الماضية لم أتركك و كنت دائما بصحبتك
حتى إن احتجت لشيء "
الغبية كشفت نفسها بسهولة.. فتسألها دلال بجمود مستشعرة حقيقة إحساسها الذي أصبح يقيناً..
" و من طلب منك هذا؟ "
فتدرك الفتاة حقيقة الفخ الذي أصبحت فيه..
فتتلجلج قائلة..
" لـ.. لـ.. لم يطلب مني أحد.. "
ثم تضيف تكسب حديثها بعض الثقة..
" أنا.. أنا من أرغب بعدم تركك ما زلتِ مريضة و يراودك الدوار من آن لآخر.. "
تناظرها دلال بصمت للحظات و كأنها لم تقتنع بما يقال..
" ليس لك دخل يا زينب.. إن شعرت بأي شيء سأعود للبيت.. "
و غادرت بالفعل تاركة زينب مكانها تتابعها لا تعلم.. هل تخبر الشيخ بما سمعت.. أم لا..
****
و على هضبة عالية..
" ها أخبرني.. ماذا بعد أن كرهت والدك و أخاك "
استند بجذعه على مقدمة السيارة التي أوقفها في هذا المكان ليستطيع من مكانه النظر للمدينة أسفله..
صامت.. بملامح غير مقروءة..
أنفاس دخانية تغيم فوقه لتزيد الهالة الغامضة حوله..
و فجأة صوته يخرج ثقيلا.. مُثقلا بالكثير..
" هل تتخيلين طفلا عمره سنوات قليلة يسمع بأذنيه والده يقول صراحة أنه لم يكن يريد أطفالا مُكتفيا بولده الأكبر من زوجته المتوفاة؟ "
دون أن تنظر إليه أجابته بهدوء ممتصة كل الألم بين حروفه..
" ليس مبررا لكرهك له يا يونس "
تحاول جاهدة تبسيط الأمر أمام عينيه حتى يتمكن من إيجاد زوايا أخرى لما حدث..
" و إن أخبرتك أني سمعته يتحدث مع محاميه يخبره أنه تزوج من أجل طفله.. و أنه يحب زوجته و لن يحب بعدها.. "
يا الله يا يونس كم قاسيت أنت الآخر..
التفتت له تناظره من فوق غيومه الرمادية..
" أعتقد أنك تتجنى على والدك.. "
و كم كانت مخطئة في تبسيط الأمر..
انتفض في وقفته ناظرا لها بغضب.. ممسكا بمرفقها بين أصابعه هامسا بكل ألم و غِل السنين..
" و أن أراه و هو يضربها.. "
اتسعت عيناها بإدراك رغم تحفزها لكسره القشرة الخارجية لشخصيته التي دفنها تحت العبثية و اللامبالاة والتي كانت على يقين بوجودها..
بينما يونس يتابع و مازالت أصابعه قابضة على مرفقها..
" ضربها من أجله.. من أجل طفله في نفس اللحظة التي أخبرته أنها تريدنا أنا و أختي إن لم يردنا هو.. أتتخيلين؟ "
و إدراكها لمعاناته جعل قلبها يصرخ ألما من أجله..
فهتفت بتلعثم..
" يونس.. أنا.. اا "
و لكنه لم يترك لها فرصة الحديث إذ تابع هو بعد أن ترك مرفقها و عاد مسترخيا في وقفته مستندا لمقدمة السيارة مرة أخرى ممسدا جبهته براحة يده بإرهاق رسم ملامحه ..
" حاولت.. قسماً بالله حاولت أن أتخطى كل ما فعله..
و كنت أحاول دوما أن أثبت له أني أستحق اهتمامه.. "
سكت ينظر لها و عيناه تنضحان بالألم.. و صوته يتمم..
" أني أستحق كوني ابنه.. "
تنهد بثقل ثم التفت برأسه ينظر أمامه يتابع مشهد المدينة مقسما أنه لا يرى أمامه سوى أيام مضت.. ماضٍ ظن أنه دفنه.. و لكنه عاد مبعوثا ليُحيي فيه ما مات..
" حتى تعليمي تميزت فيه لفترة فقط من أجل.. "
سكت لحظة مستشعرا الغصة التي ملأت روحه..
" من أجل نظرة فخورة منه.. يا الله كم كنت أتخيل يوم ظهور نتيجة امتحان و أنظر اليه و أنتظر و أنتظر لأرى الفخر في عينيه تجاهي.. "
ابتلع غصته.. و الألم داخل صدره يشعر به يشل كيانه كله.. بينما صوته يخرج متحشرجا..
" و لكنه أبداً لم يفعلها.. "
سكت للحظة ثم تابع بحسرة..
" لم أحصل على تلك النظرة أبداا..
دوما كان هو المميز..
هو مصدر فخره الوحيد و كأنه لم ينجب غيره.. "
ثم دون وعي منه اكتسى صوته بالثبات و لو قليلا..
" حتى حين أعلن أنه لن يُكمل تعليمه.. فرحت..
تشفيت فيه.. و شمت.. "
مسح بكفيه على وجهه شاعرا بالخزي من كل تلك المشاعر السوداء التي كانت يتغذى عليها كيانه ..
" و بيني و بين نفسي كنت أقول أخيراً سأكون مميزا عنه بشيء..
و لكن حتى انتصاري الصامت هذا حوله لي لهزيمة.. "
ابتسم بتهكم متابعا و شعوره بالخسارة يملأ روحه ..
" فلقد كان خير سند و داعم لأبي وقت أزمته الاقتصادية و التي كانت سببا في بداية مرضه.. "
سكت متذكرا تلك الفترة تحديدا.. فترة لم تكن سهلة أبداً على نفسه..
" و ماذا فعلت أنت ؟"
انتشلته من هوته السحيقة التي ابتلعته للحظات معيدة له لأرض الواقع بصدمة كهربائية شعر بها نتيجة سؤالها البسيط..
" أنا.. أنا.. ماذا تقصدين ؟"
حينها دارت لتقف أمامه تواجهه بثبات قائلة..
" أقصد ماذا فعلت في حين كان أخاك يواجه أزمة والدك الاقتصادية و مرضه؟.. "
ارتبك و ارتباكه أغاظه فهاجمها مبتعدا عن وقفتها..
" إلى ماذا ترمين بكلامك هذا ؟"
التفتت تنظر لظهره المبتعد عنها بفارق خطوتين..
" لا أرمي يا يونس.. أنا أواجهك بتصرفاتك..
أخبرتني أنك لم ترث شيئا.. أظن أن إجابتك على السؤال الأول ستكون إجابة للسؤال الثاني.. فهيا أخبرني ماذا كانت ردة فعلك؟ "
ألقت كلماتها دفعة واحدة مما جعله يلتفت ناظرا لها بغضب قائلا من بين أسنانه..
" أتحققين معي؟ "
أشارت لنفسها قائلة باستنكار مزيف لم يقرأه..
" أنا!!.. "
ثم تابعت مبتسمة بسخرية جعلت عيناه تضيقان..
" أنت من أتى إليّ يا يونس.. أتتذكر؟ "
ثم لوحت بيدها مستديرة عنه قاصدة..
" و إن كان كلامي يُزعجك بهذا الشكل سأعود "
و تحركت بالفعل لتتخطى سيارته و لكنها وجدت نفسها ترتد للوراء بفعل أصابعه التي أمسكت مرفقها يوقفها و يمنعها تخطيه..
و برجعتها كان ظهرها يرتد بصخب لجسم السيارة من ورائها.. تنظر له برعب سرعان ما انقضى ليحل محله الإشفاق بمجرد لرؤيتها الصراع على ملامحه.. و صوته يخرج متمزقا..
" لقد.. لقد.. تعمدت تعنتي تجاههما..
أغمض عينيه للحظة يريد حجب الصور المتقاذفة داخل عقله..
و صوته يتابع..
" تعلمت كيف أكون متمردا.. "
فتح عينيه ينظر لعمق عينيها المتسعتين بإدراك مشارك لحاله..
" ساء مستواي الدراسي.. كنت أتعمد الطلبات التعجيزية مُستغلا تعمد والدي تنفيذ كل ما أطلبه إسكاتا لضميره تجاهي.. "
توتر فمه قليلا وهو يتابع..
" كنت أشعر بهذا.. أشعر أنه يُلبي طلباتي فقط من أجل أن يثبت لنفسه و لي أنه ليس أباً سيئا و لكنه كان سيئا بالفعل..
عاد مغمضا عينيه ثم تغضنت ملامحه بانفعال جعل رغبتها في مد أصابعها لتمسح على ملامحه علها تخفف الألم عنه و لكنها لم تفعل.. بل تركته يزيح كل ما بداخله.. و لم يتأخر..
" لم أكره شخصا بحياتي كما كرهته..
كنت أتخبط في غربتي و كم كان هناك أوقات كثيرة أرغب فيها بالعودة..
العودة لهما و إخبارهما أني أحتاجهما .. و أرغب فقط بقربهما .. و لكني لم أستطع.. "
" لماذا؟.."
سألته بخفوت جعله يفتح عينيه ضاحكا بتهكم..
" لأن عندها كان والدي قد توفى و علمت أنه كتب كل ما تركه لولده.. "
تابع مصححا و مازال على تهكمه ..
" لأخي.. لابنه من زوجته الأولى.. "
ثم قست ملامحه و هو يتابع..
" كل احتياجي لهما تبخر.. و أزيدك من الشعر بيتا.. "
أرفق كلمات بابتسامة خبيثة ظهرت على جانب شفتيه..
" لقد تهجمت على أخي و اتهمته بالسرقة.. "
سكت.. و سكتت للحظات متشربة كل ألمه.. كل احتياجه.. كل غربته..
و سؤالها الخافت.. المهزوز خرج دون حساب..
" و هل سرقك حقاً؟.. "
ترك ذراعها بعنف لم يكن موجها لها.. و سؤاله الغاضب المستنكر خرج موشحا بألآمه..
" لا أعلم إلى أي جنب أنتِ "
رفعت يدها تمسك بمعصمه و همسها يجيبه..
" إلى جانب الحق "
شعرت بتشنج جسده تحت أصابعها .. و سؤاله يخرج بخزي..
" ماذا تقصدين؟ "
تشد بأصابعها على ذراعه و كأنها ترفض تركه لهوته التي تكاد تبتلعه..
" الآن.. سأعطيك الإجابة الثانية يا يونس..
أنت تطالب بنصيب لم تتعب عليه.. فلماذا تقرر حقا لك به؟ "
يلتفت لها جاذبا لمعصمه من تحت أصابعها..
" لأنه حقي.. "
لم تتأثر بهجومه في حين أنها أومأت بهدوء..
" حقك بالفعل في حين لم تفعل شيئا للحفاظ على حقك هذا.. "
ناظرها بغرابة و كأنها كائن فضائي تقول كلاما لا يفهمه.. في حين تابعت هي..
" هل ساندت أخاك وقت أن كان هو بمفرده يحمل هم شركة والدك أثناء الأزمة التي تخبرني عنها؟ "
ليجيبها بانفعال من بين أسنانه..
" كنت صغيرا بحق الله "
لتناوره قائلة بهدوء عكس النار التي تنشب داخله..
" و حين كبرت؟! "
نظر لها دون إجابة فتابعت..
" أنت ببساطة كنت تعطيهما أسبابا تجعلهما لا يحتاجان لك..
أنت أخبرتني قبلا أنك هربت من وطنك.. إذاً لم يكن لك وجود في أي نهضة صنعها شقيقك.. "
لوح بيده قائلا..
" بوجودي أو عدمه لم يكن بحاجة إليّ "
لتجابهه كطفل صغير تحاول إقناعه..
" و من أخبرك؟.. هل سألته؟.. "
ليجيبها ببديهية يحاول إقناع نفسه قبلها..
" و لمَ أسأله.. إن كان يكرهني؟.. "
تنظر له للحظات طويلة و كأنها تسأله بنظراتها قبل لسانها..
" حقا!! .. و هل يكرهك أخاك حقا يا يونس؟ "
السؤال ظل يدور بين خلايا عقله متذكرا كلام أخيه.. تعامله..
طلباته التي ينفذها تمام دون الحاجة لذلك..
الأموال التي يرسلها بشكل دوري حتى و إن كان لا ورث له..
الشقة.. السيارة..
تذكر المواجهة الأخيرة بينه و بين شقيقه قبل السفر..
تمام في ذلك اليوم
الصدق الذي همس به
( أنا موجود دائما إن اِحتجت شيئاً)
اهتمامه بالسؤال عن أحواله..
كل هذا كان وجها آخر من أخيه لم يره قبلا..
أو هو لم يهتم بأن يراه..
همسه الشارد المتوتر يخترق صمتهما..
" لا.. لا أعلم.. "
لتقرر عنه ما يجب عليه فعله..
" إذاً عليك أن تعلم يا يونس.. و وقتها أعتقد أن نظرتك لكل الأمور من حولك ستتغير.. "
تتغير؟!.. كيف.. كيف ستتغير الأمور بعد ما وضعه به يونس..
يا الهي كيف ستزال الحدود بينهما بعد ما فعله يونس..
يا الله لقد كان زوجا لزوجته..
رأت الدماء تنسحب من وجهه دون مبرر فسألته بعد أن لامست ذراعه..
" ماذا هناك يا يونس؟ "
نظر لها وعيناه تتسعان برعب هامساً دون وعي و كأنه يحادث نفسه ناسيا من تكون بجواره ..
" يا الهي.. لقد كنت زوجا لزوجة أخي "
****
****
كم مر على زواجها.. يوم..
اثنان..
أسبوع.. لقد مر أسبوع..
أسبوع كان كالجحيم.. و كأنها سقطت سقطا داخل جحيم لم تتخيله..
لم تتخيل أن تذوق مثل هذه المهانة..
مثل هذا السواد
أدارت رأسها يمينا و يسارا لتكتشف وجودها بمفردها داخل الغرفة..
استقامت من نومتها متأوهة..
تشعر بكل جسدها ينهار.. يئن وجعا و ألما..
نظرت لجسدها من تحت الغطاء الخفيف لتدرك ما يخفيه الغطاء من علامات زرقاء و بنفسجية اللون..
ضربات لم توجع جسدها فقط..
بل كانت سياطا من جحيم على روحها..
نظرت حولها و عيناها تغشاهما دموع حزينة..
منكسرة..
مهزومة..
فلقد فعلها سامي مساء الأمس و ضربها بعد أن حاول مراراً أن يتم زواجه بها و لكنه فشل..
كما فشل ليلة زفافهما..
و كما فشل في اليوم التالي.. و الذي يليه.. و الذي يليه..
حتى أمس!! ..
حين عرضت عليه بشكل عرضي أن يذهبا للطبيب فقد يكون كل هذا بسبب ضغط نفسي لديه..
و وقتها و كأنها ضغطت على بالون مملوء بغاز قابل للاشتعال ..
إنهال عليها ضربا مُتهما إياها بالبرود..
كما اتهمها بعدم الحياء.. و التسيب..
ابن خالتها سندها و عزوتها كما أخبرها يوما..
ابن خالتها الذي كان يخبرها دوما أنها بالنسبة إليه نجمة بالسماء..
ابن خالتها الوحيد الذي وجدت منه دعما معنويا في حين كانت مفتقدة الدعم من أهلها بسلبيتهم..
والداها اللذان كانا دوما يخبرانها أن تفعل ما تريد و لا تطلب منهما شيئا..
فيكفيهما حِمل إخوتها.. و تلبية طلباتهم..
حتى حين أخبرتهما انها ستعمل أثناء دراستها لم تجد ردا سوى
( افعلي ما تريدين و لا تطلبي منا شيئا )
أحرقت الدموع عينيها.. بل تشعر بالحرقة تتسرب لكامل أطرافها..
نار تشب بكامل جسدها..
حطت عيناها على القميص الممزق و المرمي على الأرض بكل أسف.. لقد اقتطعت من مصروفها بالجامعة و قامت بشرائه..
و يا حسرتها عليه و على مالها الضائع..
و ألف حسرة على أمان نشدته و لكنه كان هباءً منثورا..
استندت على طرف الفراش ثم استقامت لتجذب مئزر القميص المأسوف على عمره..
غطت جسدها ثم خرجت من الغرفة قاصدة الحمام لتنفض عنها تلك النار التي تدشن رحلتها عبر خطوط جسدها..
ولكنها توقفت يتناهى لسمعها صوت همهمة من داخل غرفة الصالون..
خطت للباب المقفول ثم توقفت ليصلها الصوت واضحا..
" ماذا فعلت ؟"
و هذا السؤال كان بصوت خالتها ليجعلها تتساءل عن مقصدها.. و لكن صوت سامي وصلها بخفوت مخزٍ..
" لم أفعل شيئا يا أمي .. "
لتصلها ولولة خالتها و هي تقول..
" ماذا تعني؟.. "
ثم تضيف بعد أن شهقت منفعلة..
" لماذا لم تستخدم أي وسيلة؟.. "
آخر كلام خالتها جعلها تدرك محتوى الحديث.. و تتسع عيناها مع إدراكها الذي أكده سؤال زوجها..
" مثل ماذا يا أمي بالله عليكِ ؟.. "
فتجيبه متهكمة..
" بالطريقة البلدي يا عين أمك.. "
فتتسع عينا صفا بإدراك لمقصدها من الطريقة البلدي..
تلك الطريقة المقززة التي كانوا يستخدمونها قديما لفض غشاء بكارة العروس يدويا..
مع إدراكها للتفسير كانت عيناها تتسعان و لكن تلك المرة برعب مما يخططان له.. همت لتبتعد و لكن صوت همس زوجها جذب انتباهها ..
" لم أستطع فعلها يا أمي .. "
فتصلها ولولة صوت خالتها مصاحبة لقولها..
" يا خائب الرجا.. و أين هي الآن؟.. "
و صوت إجابة زوجها يصلها..
" تركتها نائمة بالغرفة.. "
ثم صوت خالتها..
" هل ضربتها كما أخبرتك؟.. "
إذاً أمه تعلم.. أمه تعلم بحالته من البداية و هي من اقترحت عليه أن يضربها..
كان هذا التفسير الوحيد لحوارهما..
" نعم.. لم أخطط لفعلها و لم يمر سوى أسبوع.. و لكني لم أستطع التحمل حين أخبرتني أن نذهب للطبيب.. "
انقطع الصوت تماما للحظات ثم صوت والدته يصدح و تكاد صفا تقسم أن خالتها تبتسم..
" حسنا و ماذا فيها؟.. دعنا نذهب للطبيب.. "
ثم صوت زوجها المتذمر..
" كيف يعني؟.. و ماذا سأقول للطبيب؟ لم أكن رجلاً و لم أستطع إتمام فض غشاء بكارة زوجتي.. "
ازداد تنفسها اشمئزازا من الكلام الصريح بفجاجة.. و كان ما جعلها تشعر بالغثيان هو حديث حماتها.. التي هي خالتها..
" لا يا حبيبي سنتدبر الأمر مع طبيب نعرفه .. و سنخبره بأنها لا تسمح لك بالاقتراب منها مهابة للموقف.. حتى و إن اضطررنا إعطائه مبلغا أكبر من المال ليستطيع التعامل مع الأمر جيدا.. "
يسود الصمت للحظات مترقبة رد فعل زوجها.. الذي اختارته دونا عن الناس.. و لم يتأخر عليها فتزداد الطعنات طعنة أخرى..
( و البقية تأتي )..
" وكيف سنقنعها بذلك؟.. "
و صوت والدته يخرج متآمرا..
" ستسايرها أنك ستذهب للطبيب بصحبتها.. و هناك "
سكتت للحظة ثم تقول منتصرة ...
" سيتعامل الطبيب "
****


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-22, 05:21 PM   #55

صل على النبي محمد
 
الصورة الرمزية صل على النبي محمد

? العضوٌ??? » 404607
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,174
?  نُقآطِيْ » صل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

لا تنسوا الباقيات الصالحات

سبحان الله

الحمد لله

لا إله إلا الله

الله أكبر

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


صل على النبي محمد غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا إله إلا الله وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
رد مع اقتباس
قديم 25-10-22, 05:36 PM   #56

ام حبيباتا

? العضوٌ??? » 476018
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 334
?  نُقآطِيْ » ام حبيباتا is on a distinguished road
افتراضي

قلبي معك صفا فيما عانيته وتلك الخالة التي لاتستحق ان تكون خالة وابنها....... دعيها في نفسي
يونس بدأ يخرج مافي نفسه وهذه خطوة للعلاج..
دلال الحُسن رجاء لا تخيفينا عليها.....
سلمت يداك روووعة وفي انتظار ابداعاتك💐💐💐💐💐


ام حبيباتا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-22, 07:19 PM   #57

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
افتراضي الفصل الرابع والعشرون

الفصل الرابع والعشرون
الوقت قد تعدى منتصف الليل..
لقد تأخر الليلة بسبب سفره لبلدة مجاورة لحضور جلسة عرفية لمُصالح كان بينهما عدة مشاكل قد تصل للدم..
كانت الجلسة متعبة أشد تعب..
و لكن كله يهون في سبيل درء و وقف سبيل لجريان دماء بين عائليتين سيكون ضحيتها أشخاص ليس لهم ذنب..
يا الله كم يشعر بالتعب و كم يتوق لنيل قسط من الراحة..
و كم يشتاق لزوجته.. حبيبته..
و على سيرة زوجته لاعبت أصابعه أطراف الكيس الذهبي و الخاص بالهدايا الذي يحمله بيده..
متمنيا أن يسعدها و لو قليلاً .. متذكرا جلستها ببيت تمام حاملة لطفلته وقتها قرر أن يفعل شيئا ليسعدها و هداه عقله لتلك الهدية متمنيا من الله القبول..
" شيخ جاسم"
التفت مجفلا للنداء فالوقت أصبح متأخرا و لم يظن أنه سيجد أحدا مستيقظا.. و لكنه تفاجأ بها..
" زينب!! .. ماذا تفعلين خارجا في هذا الوقت؟.. "
لتجيبه الفتاة بخفوت متآمر أضحكه..
" كنت أنتظر عودتك "
ابتسم رغما عنه من طريقة إلقاء الصغيرة لكلامها..
" لماذا ؟.. ماذا هناك؟.."
والانتظار لهذا الوقت ليس له معنى إلا سيئا..
فيسألها بتوجس مضطرب..
" هل أبي و دلال بخير؟ "
أتم سؤاله و لم ينتظر الإجابة إذ بادر لمعرفتها بنفسه.. فتحرك ليدخل للبيت و لكن كلامها أوقفه..
" الجميع بخير.. و لكن "
و يعاجلها بفراغ صبر..
" لكن ماذا؟.. أخبريني "
" أنت أخبرتني بمراقبة الست دلال و إخبارك إن كان هناك شيئا.. "
سكت متطلعا إليها بجمود و كأنه لا يراها.. بينما عقله سرح به إلى العديد من السيناريوهات.. فيسألها بنفس الجمود..
" ماذا هناك؟ "
طأطأت رأسها بخزي مما ستقوله و أنها ستُعرّض دلال لموقف كهذا بل و تعتبر أنها تخون ثقتها.. و لكنها حقا خائفة عليها..
" المرأة الجديدة التي حضرت للعمل هنا منذ شهور.. "
قطب ما بين حاجبيه بعدم فهم قائلا..
" ماذا بها ؟"
ترفع وجهها إليه قائلة بهمس..
" سمعتها اليوم تتحدث مع الست دلال و أخبرتها أنها لم تقصد و كما فهمت من الحديث الدائر بينهما و الذي كان يخص وصفة ما.. "
زادت حيرته للحظات سرعان ما زاره الإدراك مكررا كلمتها..
" وصفة!! "
لتجيبه الفتاة متابعة إسهابها..
" نعم يا شيخ.. و الخالة حُسنية أخبرتها أنها لم تقصد.. "
حسنا الآن أصبح شكه يقينا..
" و ماذا أيضاً؟ "
لاعبت الفتاة بأطراف أصابعها قماش فستانها بتوتر .. ثم تابعت..
" أخبرتها الست دلال ألا تلجأ للعطار لحاجة تستدعي تدخلا طبيا "
زفر براحة لا يتخيلها.. و داخله يشعر بقليل من الطمأنينة.. فمن الواضح أن زوجته تعلمت درسها جيداً..
سأل الشيخ بثبات.. و عن قصد..
" و ماذا فعلت حسنية؟"
لتجيبه الفتاة سريعا..
" بكت بشدة و طلبت منها ألا تُخبرك حتى لا ينقطع عملها هنا "
سكت يستدرك ما سمعه.. و بعد لحظات قال منهيا الكلام..
" حسنا يا زينب.. راقبي تلك المرأة و إن شعرتِ بأي شيء تجاهها أخبريني "
ثم التفت مُتحركا .. و لكنها أوقفته قائلة..
" يا شيخ "
التفت لها ثانية دون كلام.. فتابعت الفتاة قائلة بنبرة لم تخلو من التوسل..
" أنت.. لن تخبر الست دلال أني أخبرتك.. أليس كذلك "
ابتسم لها ثم ربت على رأسها بأبوة حنونة..
" لن أخبرها .. كما أريد أن أخبرك أنتِ أمراً مهما يا زينب.. "
أومأت الفتاة دون كلام.. فتابع الشيخ..
" أنا طلبت منك إبلاغي إن رأيتِ شيئاً غريباً.. و أن تتابعي تصرفات دلال ليس عيبا فيها أو قلة ثقة بها.. و إنما حماية لها يا زينب.. "
أومأت الفتاة برأسها ثانية فتابع الشيخ..
" خوفا عليها فلن أحتمل أن يُصيبها مكروهاً مرة أخرى "
اومأت الفتاة مبتسمة شاكرة له .. فلن تتحمل نظرة ازدراء تجاهها من زوجة الشيخ أو أن تتغير معاملتها معها..
****
خطى إلى داخل الغرفة ليجدها جالسة على فراشهما مستندة بظهرها لمسنده من خلفها.. تمسك بين يديها كتابا ما.. مرتدية تلك المنامة الصفراء الحريرية الملمس ذات الحواف الزرقاء و المطعمة بورود أطاحت بتعقله في ليلة ما من فترة زواجهما الأولى..
ظل ينظر لها قليلا و كم تمنى استطاعته النظر لداخلها كما خارجها..
يعلم أنها تغيرت.. لقد لمس هذا بنفسه.. و لكن التغير مخيف..
يرى قوتها بأم عينيه.. و لكن ليس هذا ما يريده..
كل ما يرغبه أن تكون هي.. و كفى..
هي كما هي.. كما عرفها.. و كما عشقها و جُن بها..
لا يعلم هل تداري ضعفها و حاجتها وراء تلك الثقة المزيفة أم بالفعل سلمت أمرها لله..
يخشي الانفجار في أي لحظة قادمة.. و لكنه لا يستطيع لمس بواطن منبع ثورانها المرتقب..
و لا يستطيع توقع ميعاده..
كل ما عليه أن يكون جوارها..
رفعت عينيها إليه لتهديه أهدأ ابتسامة رآها بحياته..
" حمداً لله على سلامتك "
أهدته كلماتها لتمحي عذاب يومه.. خبأ ما يمسكه بيده تحت طرف عباءته السمراء فيبادلها ابتسامتها بأخرى..
" سلمك الله من كل شر.. "
جلس بجوارها على الفراش ناظرا لها..
" ماذا تفعلين ؟"
ضاقت ابتسامتها قليلا ثم لوحت بالكتاب الساكن بين يديها..
" كنت أقرأ قليلا.. "
رفع يده التي تجاورها مملسا على جانب وجهها متسائلاً بحذر..
" ماذا فعلتِ اليوم ؟"
نظرت له مطولا دون الإتيان بأي تعبير يُذكر.. فلن تنسى حوم زينب حولها من وقت رجوعها للبيت و لكنها نحت كل هذا جانبا ملتمسة له العذر و لو قليلا.. تثق أنه لا يريد سوى سلامتها..
" لم أفعل شيئا مُهماً .. جلست بحديقة البيت.. ثم ذهبت للإسطبل و بعدها عدت .. "
داعب جانب شفتيها بإبهامه قائلاً بصوت أجش..
" اشتقتُ لك "
ابتسامة صغيرة علت شفتيها وهي تجيبه..
" و أنا أيضاً.. اشتقت إليك "
ساد الصمت للحظات و داخل كل منهما حرب ذهنية و نفسية كفيلة بالإطاحة بكل منهما.. و لكنهما يتجاهلانها ببراعة يُحسدان عليها..
" جلبتُ لكِ هدية.. أتمنى أن تُعجبك "
ابتهجت ملامحها بسعادة أنعشت روحه و هي تنتفض في جلستها تقترب منه..
" حقا؟!.. ما هي ؟"
ابتسم هو الآخر و كأنه يستمد كل حيويته من ابتسامتها الجذابة هذه..
رفع يده الممسكة بالكيس الذهبي من جانبه يمده لها فأمسكته بلهفة مترقبة فتحها.. و كأنه شعر..
" افتحيها "
و كأنها هي الأخرى كانت في انتظار أمره لتمد يدها داخل الكيس المخصص للهدايا.. تخرج علبة ملفوفة بعناية و بشكل جذاب.. خطف أنفاسها و عيناها تحللان ما تريانه فكانت العلبة ملفوفة بورق بني اللون حاوطها من كل جانب خيط خيش بنفس لون الورق و في منتصف سطح العلبة ختم بسائل شفاف و داخله ورق من الورد المجفف و يتدلى من طرفه ورقة معلقة بخيط رفيع ذهبي اللون..
أمسكت الورقة بين أصابعها تطالع الكلمات المكتوبة ثم تنظر له و قلبها يدق بعنف بين جنباتها.. و لسانها يردد..
" لنا حق التمنّي.. و لله سر الإجابة "
أدمعت عيناها تأثرا و خانتها دمعاتها لتترقرق دمعتين مد يده يمسحهما سريعا و هو يأمرها..
" تابعي فتحها "
فتابعت أصابعها فتح العلبة لتطالعها علبة كرتون مخصصة للهدايا فتحت غطاءها ليطالعها ورقة..
ورقة!!..
رفعت عيناها إليه و كأنها تستنجد به فأومأ مُشجعا.. لتضع العلبة ثم تخرج الورقة تفتحها ناظرة لها و عيناها تتابعان الكلام المكتوب مما جعلهما تجحظان و هي ترى اسمها كاملا مكتوبا أعلى الورقة المخصصة لـ..
" لا أفهم.. أقصد لماذا ؟"
أمسك ذقنها بأطراف أصابعه ليجعلها تنظر له و هو يقول..
" هذا سهم تبرعات باسمك وضعته لك كصدقة بإحدى المستشفيات المخصصة لعلاج الأطفال "
تحشرجت أنفاسها بينما تابع هو مبسطا الأمر..
" تعلمين أن الله يحب الصدقات.. فهي من أفضل القربات التي ترضي الله و تمنع غضبه و تزيد فضله.. و هذا ما فعلته "
تنظر له بتأثر فلا يعلم ما فعلته كلماته سواء المكتوبة على الورقة .. أو كلماته التي قالها.. أو نظرات عينيه الحنونة العطوفة.. أو لمساته التي تَشعرها نعيما بحد ذاته.. بينما صوته يتابع منهيا ما قضى على ثباتها..
" صدقة هي بنية نيل رضى الله و تحقيقا لما تتمنينه"
أنهى حروفه لتشهق ببكاء منفعل.. متأثر.. موجوع..
فلم يتردد في جذبها لأحضانه دافنا لها بين ذراعيه يهدهدها كالأطفال..
ماسحا على ظهرها بطمأنينة و كأنه يقول لها
أنا هنا
و كأنه يخبرها دون كلام..
أنا أشعر بكِ
و هي الأخرى أرادت أن تخبره كم تحبه دون كلام..
فلفت ذراعيها حول جذعه تطوقانه بلهفة..
بحب وصل له جيدا..
تخبره دون كلام أنها آسفة..
آسفة على كل وجع سببته له..
آسفة على كل موقف شعر فيه بخسارتها فتألم..
آسفة على كل ما بدر منها في سبيل رغبة ليست بيده و لا بيدها..
بل هي بيد رب العباد فإن شاء أعطى و إن شاء منع وامتحن..
آسفة هي لتقصيرها في حقه و حق نفسها و قبلهما حق ربها..
آسفة هي على كل مرة غلبتها لهفتها لينتصر تذمرها و عدم رضاها..
آسفة لأنها لم تحبه كما يستحق..
كما يستحق الحفاظ عليه ليس لتحديه..
" أحبك "
همستها من بين شهقاتها مع خاطرها الأخير فشعرت بذراعيه تشتدان حولها و لسانه يقول بصوت أجش مدركاً سر قولها هذا..
" أعلم هذا "
و هي الأخرى تعلم أنه فهم فشدت ذراعيها حوله وهمسها الأخير يخرج مفعما بالرضى.. والامتنان.. بالحب كما أخبرته..
" شكرا لك.. شكرا على كل شيء "
لم يتحدث بل ملس على ظهرها بمودة يجيب شكرها بالفعل لا بالكلام..
***
خارج حدود الوطن
في صباح اليوم التالي
كانت ترتدي ملابس عملها.. و تتباطأ متعمدة في انتظار الذي أمرته بالأمس بكل استبداد أن يمر ليأخذها صباحا مطالبة إياه بفطور فيخبرها بكل طاعة موافقته واعداً إياها بفطور دافئ لا تعلم ماهيته.. و كيف دافئ لا تعلم..
هل هناك فطور دافئ و فطور بارد..
لا تعلم..
تعتقد أنها إن جربت الفطور الدافئ وقتها ستعرف الإجابة..
كما أنها في انتظار معرفة كيف يشبهها الفطور كما فسره لها..
شردت حركاتها كما شرد عقلها للأمس..
لمواجهتهما..
للحرب الكلامية التي دارت بينهما..
للصاعقة التي حلت فوق رأسها عندما هتف..
( لقد كنت زوجا لزوجة أخي )
الجملة كانت لها كالخنجر الذي أصاب قلبها..
لا تعلم أي فرصة تنتظرها مع يونس و لكنها لم تستطع تجاهل هذا الألم الذي شعرت به..
هذا و إن دل على شيء دل على أنها تحبه
يا إلهي إنها تحب يونس النويري..
إنها تحبه و كم شعرت بنار الغيرة حارقة حين قال ما هتف به ..
تعلم أن ماضيه مخز ..
و تعلم أنها ليست أول امرأة بحياته.. لم ينطقها على الأقل ..
و لكنها رغم هذا أحبته..
تسلل تحت جلدها.. لأنفاسها.. لنظراتها..
إنها لا تتخيل حياتها دونه..
كل خيالاتها و كل تخطيطها يتضمنه..
و هذا يرعبها..
يا إلهي كم يرعبها ما تشعره تجاهه..
مدركة أنها إن تألمت بسبب ما تشعره..
فلن يكون الألم هينا أبداا.. أبداً أبداا..
تتذكر انتفاضتها في وقفتها و هي تتراجع خطوة عنه بعد ما هتف به..
كانت تنظر له مصعوقة.. كما كانت عيناه متسعتان بغير تصديق و كأنه هو الآخر قال ما قال دون وعي منه و دون إدراك لوقوفها أمامه و وقع ما هتف به عليها..
حينها كانت تهتف بغير استيعاب و هي تنظر له..
" كيف؟.. لا.. أنت لا تقصد أنك اا "
و كأن كلماتها كانت الإفاقة له ليدرك ما تفوه به دون وعي منه..
ليهمس متأسفا دون نطقها..
" چود "
الألم رسم ملامحه رسما.. بل خطها ليجعله لوحة سريالية من المعاناة و العذاب و خاصة و هو يلاحظ الخطوة التي خطتها بعيدا عنه..
همس ثانية و يده ممدودة تجاهها بعذاب..
" چود.. أرجوكِ "
ناظرته و عيناها تترقرقان بدموع لن تسمح بانطلاقها.. في حين تابع و هو يقترب أكثر منها يتوسلها ..
" چود.. أرجوك لا تحكمي عليّ أنتِ الأخرى قبل أن تسمعيني"
ناظرته بضعف يملأها تجاهه.. بينما تابع هو..
" أقسم حين تزوجتها كل ما كنت أنشده هو كسره.. كسر أخي.. لم أكن لأتابع تلك الزيجة أبداً .. هو من اضطرني لأتابعها فقط من أجل هز صورته أمام والدها لأنه كان شريكاً له بالعمل.. چود "
ناداها حين لاحظ زيغ عينيها عنه فنظرت إليه ليتابع ..
" چود.. أقسم لك لم أكن لأتمم هذا الزواج.. أنا حتى لم أرها إلا مرة واحدة و بعدها بعدة أيام كنت أرسل لها وثيقة طلاقها و ذلك أيضا من أجل هز صورة أخي "
فتسأله غير مستوعبة لكم هذا السواد تجاه شقيقه.. فلقد وجه حقدا تجاه الشخص الخطأ..
" لماذا؟.. أخاك ليس له ذنب فيما فعله والدك "
يغمض عينيه بخزي مدركاً لحقيقة ما تقول..
" نعم أعلم هذا.. و لكنه كان وسيلتي الوحيدة للانتقام من أبي فيه "
ثم تابع ممسكا بشعره يشده بعنف..
" كنت أرغب في مواجهته يوما.. يا إلهي كم كنت أتوق إلى مواجهته و لكن الموت سبقني إليه"
أدركت أنه يقصد والده.. بينما يتابع..
" كنت أراقب أفضليته و سُمعته اللامعة.. لأدرك أني الخاسر الوحيد.. كنت.. كنت أريد أن.. "
سكت لا يجد لفظا مناسبا لما أراده و لكنه حاول إيصال الصورة..
" لم يجبرني على الموافقة.. لم يكن ليفعلها تمام مهما حدث..
و لكن أنا.. أنا من وافق على الخطبة حين علمت أنها ابنة شريكاً له..
وقتها وافقت على أساس أنها مجرد خطبة مخططا أنني لن أذهب فتسوء صورته أمام الناس و لكن من الواضح أن الوضع أخذ منحى آخر.. فبعد أقل من أسبوعين هاتفني تمام يخبرني برغبة والدها لعقد القران.. و أيضاً لم أذهب رغم إخباري لهم أني سأحضر.. و فاجأت أخي بتوكيل لعقد القران الذي لم أحضره متخيلا أن والدها حين يعلم سيفض العمل معه مما سيضره بالتأكيد و لكن أيضا عقد القران
تم لأصبح زوجا لزوجة لم أرها.. "
ناظرها بعينيه يتوسلها الشعور به.. يتوسلها لمس ضياعه لتبدده..
" جود.. أعلم أني أخطأت.. و لكن سوادي وقتها كان يغذيني بأسباب لأذيته مما يفتح مجال التفكير أمامي لكل الوسائل المشروعة و غير المشروعة.. "
لتسأله متخيلة وضع من كانت زوجته..
" و ما ذنبها هي؟ "
ليهز رأسه بانفعال..
" أعلم.. أعلم.. أعلم أن ليس لها ذنب و أني ظلمتها حقا في حربي مع أخي.. و لكن كما قلت لك.. كنت أستخدم الوسائل المشروعة و غير المشروعة في حربي ضده.. "
ثم يضيف و الندم يغزل حروفه..
" ندمت.. أقسم بالله ندمت على الإساءة لها.. "
" و هو؟ "
فتباغته چود على حين غرة.. ليطالعها بذهول و كأنه لا يستوعب سؤالها..
فتعيده مؤكدة..
" و أخاك.. ماذا عنه ؟"
فيتوتر موليا إياها ظهره متهربا..
" أنا.. أنا لا أعلم.. و لكن.. "
فتقاطعه تلتفت له تقف أمامه بدعم يحتاجه..
" بالعكس يا يونس.. أنت تعلم.. فقط عليك اتخاذ الخطوة الأولى و التي ستكون أول خطواتك لهدم كل العوائق بينكما.. أنا متأكدة أن أخاك لا يحمل أي ضغينة تجاهك أبدا.. أنت فقط تحتاج لبداية "
ناظرها بغير تصديق و كأنه لا يصدق الإشارات التي ترسلها إليه..
هل حقاً يستطيع البداية.. هل يستطيع هدم كل ماضيه مع أخيه و البدء من جديد..
" هل نعود؟.. لقد تأخر الوقت "
أخبرته ملتقطة ضياعه.. مدركة أنه يحتاج حتما لهدنة ليصفي ذهنه..
كما يحتاج أن يحدد أولوياته في الفترة القادمة..
و قبل أن تتحرك أمسك مرفقها يقربها منه فتكاد تلتصق به..
و سؤاله المعذب خرج ملتاعا..
" أنتِ .. لن تتركيني.. أليس كذلك؟ "
اغرورقت عيناها بدموع مدركة هاجسه الأعظم.. لتبتسم متوترة ثم تمد يدها تلامس بأطراف أصابعها كفه الممسكة بمرفقها تدعمه كما يحتاج..
" أنت لن تتخلص مني بسهولة يونس النويري و سأنتظرك غدا لتقلني صباحا للعمل و عليك أن تدعوني للفطور "
هل يمكنه تقبيلها الآن..
حسنا.. هل يمكنه جرها لأحضانه دافنا إياها بين ذراعيه..
ودافنا روحه داخل روحها..
ابتسم لها مجاريا محاولتها.. واعدا إياها..
" سأدعوك لفطور شهي.. لذيذ.. دافئ يشبهك.. "
فتطالعه بعينيها مرددة..
" يشبهني! "
يهز رأسه يمينا و يسارا..
" نعم.. سيأسر روحك كما أسرتِني "
فتتوتر بحمرة لذيذة زادت رغبته في تقبيلها الآن..
و لكنه لن يفعلها.. لن يفعلها بعد أن أفضت له بسرها..
سحبت مرفقها من بين أصابعه بخفة ليشاكسها قائلا..
" وليكن بعلمك.. انا حين أشعر بالجوع لا أرى أمامي فقد أبتلعك أنت
شخصيا .. فلا تتأخري عليّ صباحاً .. "
انتشلها صوت جرس الباب.. كالعادة..
فتحركت باتجاه الباب تفتحه و إذ بفتى الورد ككل يوم أيضاً..
" صباح الخير "
حياها بلطف مُهديا إياها ابتسامة شغوفة و مثيرة و نظرات الإعجاب في مقلتيه لا تخطئها..
" صباح الخير.. ورد كل يوم "
ابتسمت له ثم تناولت الباقة منه و شكرته قبل أن يغادر مكانه..
أما هي فدخلت باتجاه غرفة صفا بعد أن وضعت باقة الأزهار على الطاولة بمنتصف الصالة..
و حين دخلت لتجد صديقتها ما زالت نائمة فتناديها بشقاوة..
" صفا.. صافي "
تململت صفا في نومها قبل أن تحثها چود مرة أخرى..
" استيقظي يا أميرة واعطفي على رعاياك المساكين "
لتعبس صفا و هي تجيبها بنزق..
" ماذا هناك يا چود؟.. لما هذا الإزعاج في الصباح الباكر؟ "
لتصطنع چود العبوس و هي تقول..
" حقك أن تقولي أكثر من هذا فأنتِ من سيظل يتنعم بهذا الفراش طوال اليوم
بينما أنا أدور و أدور في العمل "
لوحت صفا بيدها بنزق قائلة..
" لو كنت تعلمين كم أتوق للدوران من هنا لهنا لما قلتِ هذا "
استشعرت چود وجود خطب ما فسألتها باهتمام..
" ماذا هناك ؟"
لتتنهد صفا بتعب و هي تجيبها..
" لا شيء.. قليل من الأرق "
لتنظر لها چود بتدقيق و كأن ردها لم يقنعها.. ثم جلست بجوارها على طرف الفراش تعاود سؤالها..
" ماذا بك؟.. "
لتصر صفا على حجب نفسها فليس هناك مجال للضعف ثانية..
" صدقا ليس هناك شيء.. "
ناظرتها چود بغير اقتناع فتنهدت صفا بتعب و هي تقول..
" بعض الذكريات السيئة ليس إلا.. "
لتناظرها چود بتدقيق و هي تسألها بحذر..
" هل حدث شيء جديد؟.. "
فتهز صفا رأسها نفيا ثم تجيب
" لا لم يحدث.. و لكن تعلمين أني لن أنسى ما حدث بسهولة.. فبين حين و آخر تداهمني الذكريات ببشاعة "
تلوح چود بيدها و هي تقول داعمة صديقتها..
" لا تشغلي بالك.. و هيا انهضي .. سأصنع لكِ بعض الشطائر و سأتركهم بجوارك و بركن الغرفة هناك "
ثم أشارت لطاولة بجانب النافذة ..
" وضعت لك أدوات المشروبات الساخنة من غلاية الماء و بعض عينات الشاي و أكياس القهوة السريعة حتى أعود.. "
ثم استقامت من مكانها متجهه نحو باب الغرفة و هي تتابع حديثها..
" و دوائك على الطاولة بجوار الفراش.. تناوليه في ميعاده.. "
ثم التفتت لها منتفضة قبل أن تخرج..
" ااه كدت أنسى "
رفعت صفا لها رأسها في انتظار تتمة حديث صديقتها التي لم تتأخر بل قالت ملاعبة حاجبيها..
" العاشق الولهان أرسل ورد كل يوم "
لتتأفف صفا بنزق هاتفة..
" أووف يا چود.. لن أنتهي من سخافتك..
هيا.. اذهبي لعملك واتركيني و أتمنى ألا ترددي هذا الحديث على
مسامع أحد "
لتجيبها چود ملوحة بيدها..
" سأغادر.. ليس لشيء و إنما من أجل يونس الذي على وشك الوصول
و سيجن إن لم يجدني في انتظاره.. و قد يبتلعني كما هددني..
فحين يجوع لا يرى أمامه.. "
قالت ما قالت دفعة واحدة باستياء مصطنع مما جعل صفا تقهقه من ورائها قائلة..
" حسنا اذهبي قبل أن نستلمك منه آخر اليوم دون ذراع أو ساق.. "
غادرت چود تاركة صفا لبؤسها.. و فراغها القاتل
فراغ روحي و ليس فراغ مادي..
فراغ تشعره داخل صدرها..
فراغ يحاول الآخرون سده دون حتى أن يعلموا بوجوده..
چود و يونس يسدان فراغ الأهل..
مجد باتصالاته التي بدأت بالأمس ثم وعده أن يهاتفها يوميا للاطمئنان عليها.. يحاول سد فراغ لن يملأه أبداً.. ليس عيباً به..
و إنما عيبا بها .. فمن الواضح أنها هي..
كـ صفا..
غير صالحة لأن تحب..
انتشلها من بؤرة بؤسها رنين هاتفها و الذي لم يكن سوى المُرشح لسد فراغ غيره..
فتحت الاتصال ليصلها صوته قائلا بخفوت..
" صباح الخير "
فتجيبه بتردد..
" صباح.. الخير "
فيسألها بروتين كرهته..
"كيف حالك اليوم؟.. "
فتجيبه بنزق لم تقصده و لكنها سعيدة بإظهاره..
" بخير مجد.. شكرا لك "
ساد الصمت للحظات قطعه مجد قائلاً و كأنه يختلق الحوار..
" وصلك ورد اليوم "
لتجيبه بحنق واستياء واضحين لمسامعه..
" نعم وصل و أتمنى أن تكف عن هذا "
فيصمت قليلا متأخرا في الرد.. ثم يسألها..
" أيزعجك ؟"
لتدرك سوء تصرفها معه و هو ليس له ذنب فيما تشعره.. فتحاول تحسين ما هتفت به..
" ليس.. بهذا المعنى "
ليصر هو على تكملة الحوار و خلق مزيد من المساحة بينهما..
" بأي معنى إذاً ؟"
" مجد.. لا تسيء فهمي.. و لكن ما لزوم باقة ورد يومية؟.. "
ضحك بتوتر استطاعت استشفافه بسهولة من بين حروفه..
" ألستِ مريضة.. سأكف عن إرسال الورود حين تشفين و تعودين للعمل.. مع أني لن أعدك بألا تجدي وردة على مكتبك من حين لآخر "
فتناديه بخفوت يائس..
" مجد "
ليقاطعها بثبات قائلا..
" اسمعيني صفا..
أنا لا أفرض شيئا عليك.. و لكن دعينا لا نستبق الأحداث ما رأيك؟.. "
سكتت لا تجد من الحروف ما يعينها..
و إن وجدت !!.. ماذا ستقول له..
" صفا.. "
كرر ندائه الخافت و حين لم تجب أعاد آمره بتسلط رجل يدرك ما يفعله .. و ما يريده جيدا..
" صفا أجيبيني "
لتجيبه بنفس الخفوت.. و لكن هذه المرة كان مصحوبا بالاستسلام.. ليس بمعناه السلبي.. و لكن بمنظور المشتاق للراحة فهو يعني أول قبس من شعاع السلام النفسي..
" نعم.. "
" فقط كوني بخير و بعدها سنتحدث .. "
***
و بالأسفل كان يقف مستندا على مقدمة سيارته في انتظار جنيته النارية..
تلك التي بناريتها أشعلته..
أحيت يونس لم يكنه يوماً و لكن تمناه.. بل توق للظهور..
للحياة..
يونس الواقف في انتظارها الآن لا يعرفه.. و لكنه يحبه..
بل لا يريد غيره..
" يا إلهي "
همسها و هو يفرك وجهه بأحد كفيه و ما حدث بالأمس لم يذهب عن باله..
بل لم يجعله يغمض عينيه منذ الأمس..
لم يغمض عينيه لحظة واحدة.. ليس تعبا أو إرهاقا..
و لكنه عدم تصديق.. ذهول..
فرحة.. بل حياة..
لأول مرة في حياته يفعل ما تمناه..
و كم تمنى فعلها..
و فعلها بالأمس..
لقد هاتف أخاه برضاه.. برغبة في وصاله و سماع صوته..
و كم نَدِم أنه لم يفعلها قبلا
شرد بتفكيره لما هتفت به قبل تركها هنا في نفس المكان الذي يقف به الآن.. قبل أن تغادر سيارته تحديداً..
وقتها التفتت له قائلة..
" عليك أن تقيم مشاعرك تجاه شقيقك يا يونس.. لعل علاقتكما و الود بينكما يذيب أي عوائق قد تتخيل وجودها "
و غادرت السيارة بعدها..
و حين أصبح في بيته..
ببهو شقته..
يجيء و يذهب بغير هدى..
كلماتها تتردد داخل عقله..
غضبها..
سخطها..
انفعالها..
هذيانها..
ثم صدمتها العظيمة فيه..
ثم نصيحتها التي كان في أحوج ما يكون لها و كأنه طفل صغير ينتظر من يوجهه للاعتذار للأكبر..
و بصور متلاحقة على رأسه كانت كلها تخص تمام..
تمام يجلب له حلواه المفضلة فيرفضها..
تمام يهرع إليه بعد وقوعه و جرح ركبته فينهره..
تمام يستقبله بابتساماته و بشاشته فيعبس بوجهه..
تمام يناديه أخي فيسبه رافضا مناداته و تودده..
تمام يترك الكل و يذهب ليلعب معه بعد أن يرفض باقي أصحابهما السماح له باللعب.. فيوبخه أنه لا يريد اللعب معه..
تمام..
تمام!!
يا إلهي..
تمام يذهب إليه أثناء مذاكرته حاملا له كوبا من العصير الطازج أو الحليب الدافئ ليستطيع التركيز..
كيف..
كيف لم يتذكر كل هذا سوى الآن..
كيف أعمى عينيه عن كل ما كان شقيقه يفعله..
كيف تغاضى و كيف تناسى..
كيف لم ينظر لهذا الجانب من أخيه..
هو بالأساس لم يكن هناك جوانب أخرى..
دوما تمام كان هكذا و لم يتغير..
لم يتغير تمام إلا حين نعته بالسارق..
حين اتهمه أنه تواطئ مع والدهما ليكتب كل ما تركه من تركة باسم تمام..
يا إلهي..
ماذا فعل لأخيه حقا..
ازدرد ريقه مفكرا إن كان تمام سيسمح له بالقرب منه إن هو حاول ذلك..
عاد مذكرا نفسه أن تمام نفسه أخبره ذات يوم أنه موجوداً إن احتاجه..
و هو الآن يحتاجه..
يحتاج دليلا ملموسا أنه يستطيع التقرب حقاً من أخيه..
مد يده لجيب بنطاله برهبة لم يشعرها قبلا..
و حين لامست أصابعه الشاشة ليظهر بعد ضغطات اسم شقيقه..
ظل ينظر له قليلاً و كأنه يستحلفه أن يعطيه الدليل الذي يريد..
ضغطة أخيرة ليُعلن بداية الاتصال ثم رنين..
رنين ثقيل..
ثقيل على روحه..
ثقيل على قلبه برهبة..
هل تراه يرد..
هل تراه يجيب
هل تراه..
" الو "
ثلاثة أحرف ليتنفس الصعداء و عيناه تحرقانه بسحابات تأثر مختنق..
" يونس "
و النداء كفيل بجعل دمعاته تخونه ليمسحها فورا بعنف يضاهي عنف مشاعره في هذه اللحظة..
" تمام "
و الصوت كان متحشرجا مما أوجع قلب الأخ الأكبر بقلق..
" ماذا بك؟.. هل أنت بخير؟ "
و اللهفة كانت كفيلة للقضاء على البقية المتبقية من ثبات يونس ليغلق الاتصال شاهقا بعنف لم يتحمله.. لتطال يده الأخرى مزهرية على سطح الطاولة القريبة من وقفته فيمسكها بِغل موجه لنفسه راميا لها لترتطم بالجدار أمامه و في اللحظة التالية كان هاتفه يصدح برنين مشمل بعبق الوطن..
عبق الأخوة..
لقد عرف هوية صاحب الرنين قبل أن ينظر لشاشة هاتفه..
الآن فقط علم أي أخ هو تمام..
أي أخ يمتلك..
فتح الاتصال بأصابع مرتعشة ليصله صوت تمام القلق..
" يونس ماذا بك؟.. لماذا أغلقت الاتصال؟.. ماذا هناك ؟"
ساد الصمت بينهما للحظات جعل قلب كل من الأخوين في حال مضطرب
و همس يونس يخرج متحشرجا بانفعال..
" أنا.. أنا بخير "
فيأتيه سؤال تمام القلق..
" لماذا أغلقت الاتصال ؟"
فيجيبه يونس متهربا.. مراوغا.. كاذبا..
" لم.. لم أغلقه .. أعتقد أنه سوء في شبكة الاتصال "
عاد الصمت يلفهما للحظات قطعه تمام و هو يسأله..
" لماذا اتصلت من البداية؟.. هل تحتاج شيئا؟؟. هل تحتاج أموالا؟ "
اللعنة عليك يا تمام لماذا أنت هكذا..
لماذا تفعل بي هذا..
دار الحديث داخل يونس دون الإفصاح به فبالفعل لم يكن يهاتف أخاه إلا طلبا لأموال أو للإساءة إليه..
" لا.. لم أتصل لحاجتي لشيء "
" لماذا اتصلت إذاً؟ "
سأله تمام مستشعرا وجود خطب ما.. فما كان من يونس إلا قول أول ما خطر على باله..
" لقد علمت أنك رُزقت بطفلة "
سكت للحظة يبتلع غصته ثم تابع..
" فأحببت أن أبارك لكَ "
ساد الصمت للمرة التي لا يعلمان عددها بينما صوت تمام يقول بثقل فَرِح..
" سأحكي لها عنك حتى تأتي و تراها "
هل سيذهب فعلا.. هل سيرى ابنة أخيه..
الشعور بها بين ذراعيه يحملها..
يلاعبها.. يشتري لها حلوى كما فعلها أخاه معه من قبل..
يشعر بنفسه ينزلق في لُجة من المشاعر التي لم يحسب لها حسابا يوما..
يشعر و كأن عالمه كله انقلب رأساً على عقب..
" لا.. أعلم "
سمع تنهيدة شقيقه تخترق أذنيه و كأنه كان في انتظار لتأكيده أنه سيذهب.. و هذا بالفعل ما انتظره تمام..
" حسنا يا يونس.. كلنا في انتظارك وقتما تقرر "
ماذا يحدث معه بالضبط..
هل يتحدث إلى أخيه حقا..
تمام!!
تمام دون غيره!!
و ما هذه البساطة التي دار بها الحوار..
كيف يحدث هذا!!
" يونس "
انتشله صوت أخيه مناديا له.. فلم يجب إذ كان مازال داخل دوامة مشاعره العجيبة الغريبة ليزيدها تمام عليه و هو يقول..
" شكرا لك "
عاد من شروده على صوتها الذي اقتحم وقفته..
" صباح الخير "
لينحي كل مشاعره جانبا فور رؤيتها متلبسا شقاوته ومشاكسته لها..
" تأخرتِ.. انتظرتكِ لخمس دقائق كاملة "
فتهز كتفها بدلال متفاخر..
" و تنتظرني العمر كله أيضاً "
ليجيبها لكونها الإجابة الطبيعية..
" صدقتِ "
لتتسمر في مكانها تنظر له بذهول متعجب و كأنها لا تصدق ما سمعته..
فتسأله التوضيح..
" ماذا.. تعني؟ "
فينظر لها قليلا هو الآخر مُدركا أي هوة وقع فيها..
مدركا ما المطلوب منه في تلك المرحلة من مشاعر لا يفقهها و عطاء لم يخضه يوما..
" لا شيء.. هيا بنا "
و الجمود الذي غلف ملامحه في اللحظات الماضية تحت نظراتها لم يفتها.. يونس لا يعلم أبجديات تلك المرحلة من علاقتهما..
يونس لم يخض علاقة طبيعية أبداً في حياته..
سواء على المستوى العاطفي أو المستوى العائلي..
فجهله بتلك الطقوس هي تدركه جيداً و لذلك لم تعد تعليقها بل تجاوزته
تهز كتفيها بلا معنى قائلة..
" هيا.. إلى أين ستأخذني ؟"
ليتحرك هو الآخر لمكانه وراء مقود سيارته و هو يقول..
" فطور دافئ كما أخبرتك "
ناظرته ترفع إحدى حاجبيها دون كلام.. ليضحك متناسيا كل ما يعتمل داخله مؤقتا..
" سيعجبك المكان لا تقلقي "
و بعد قليل كان يصف سيارته قُرب الميدان الأثري الذي قابلها به أول مرة وقت أن عالجت جرح يده..
" أتتذكرين هذا المكان ؟"
ضحكت بمرح مستعيدة ذلك اليوم.. كما استعادت كلماته الوقحة..
" نعم أتذكر كما أتذكر ما أردته يومها "
ليسألها بعبث..
" و ماذا أردت ؟"
لتتسع عيناها إحراجا تنهره ..
" يووونس "
يلملم أشياءه من مفاتيح و هاتفه و يده تمتد لعتلة الباب بجواره يقول و هو يفتحه..
" لعنة الله على يونس حتى ترتاحي.. انزلي "
اصطنعت الحنق ثم غادرت السيارة تنتظره..
" إلى أين ستأخذني.. و هل سنجد هنا فطورا دافئا"
يجيبها بعدما أغلق السيارة..
" هيا و لا تتعجلي "
كانا يمشيان سيرا على الأقدام متجاورين.. و كل منهما مشغول البال..
فچود مدركة إدراكا تاما أن الخطوات القادمة مع يونس سيكون عليها حسابها جيدا..
أما يونس فلم يبارح ما حدث معه بالأمس عقله..
و ما سيكون مُطالبا به في القادم..
و لكنه على يقين أنه لا يمكنه التخلي أو الاستغناء عمن بجواره..
و تأكيدا على يقينه مد يده ممسكا بكف يدها التي بجواره محتويا كفها بحاجة إليها قبل أن تكون بحاجة منها إليه..
تنفس بعمق قبل أن يوليها جل اهتمامه في حديث مشاكس..
هادئ في ظاهره..
مشاغب قليلا.. مع الكثير من العبثية..
وصل بها إلى شارع جانبي.. ضيق.. البيوت فيه متقاربة من بعضها..
أبواب خشبية ثقيلة.. أرضية الشارع مرصوفة بشكل متعرج
المكان بالفعل دافئ.. و كأنه عاد بالمار منه لحقبة زمنية ماضية..
" ما هذا؟.. ومن أين تعرفه؟.. "
ليجيبها بتفاخر رجل علّامة في التشرد كيونس..
" من أين أعرفه.. هذا تقليل من قدراتي لا أسمح به.. "
فتبتسم رافعة أحد حاجبيها.. ليجيب ضاحكا هو الآخر..
" تستطيعين القول إني قضيت سنوات إقامتي هنا بالشارع "
طالعته للحظات ثم أبعدت وجهها تُطالع المحال حولها حتى توقف بها أمام مخبز صغير.. و رائحة المخبوزات الطازجة جعلت لعابها يسيل و كأنها لم تذق طعما للمخبوزات قبلا..
" هيا "
ثم مال تجاهها متابعا بجدية لا تليق بما يقول ..
" هيا فلقد تضورت جوعا و قد أتهور مُنفذا ما قلته حين رأيتك لأول مرة على بعد أمتار من هنا "
عبست بوجهه باصطناع هامسة و هي تلتفت بوجهها عنه..
" وقح.. "
أهداها ضحكة عالية جعلت قلبها يرقص داخل صدرها متنعما بهذا الجزء منه.. كل أوجه يونس دون استثناء تأسرها..
دلف كلاهما لداخل المخبز الذي كان على شكل مقهى صغير..
و على جانبي المكان تنتصب عارضات زجاجية الصنع يوضع داخلها اشكال متنوعة من المخبوزات و الكعكات..
أجلسها على طاولة قريبة للجدار الزجاجي الذي سيمكنهم من رؤية الشارع و جماله الغير عادي.. ثم ذهب للبائع و أملاه طلبه..
و بعد دقائق كانت الطلبات و القهوة الصباحية ترص أمامهما على الطاولة مع نظرة تلذذ من يونس.. و نظرة استمتاع من چود التي تخوض تلك التجربة لأول مرة..
" اووه الكعكات شكلها شهي للغاية "
ليطالعها قائلا..
" و حين تتذوقينها ستجدين طعمها ألذ "
أومأت برأسها قبل أن تشرع بالأكل..
" رائحتها تشي بهذا "
راقبها و هي تتذوق فطائره الغالية بحماسها الذي أذاب جليده و أهدم حصونه.. عفويتها المُهلكة التي بدلته هو شخصيا لشخص آخر..
" لقد هاتفت تمام بالأمس "
قالها غير قادر على حبسها أكثر و كأنه ينتظر منها تقيما لتصرفه..
أو تحديدا يرغب في معرفة القادم.. معها و مع أخيه.. مع أهله جميعا..
حتى مع نفسه..
راقب امتناعها عن المضغ للحظات متسمرة عن الإتيان بأي ردة فعل سوى نظراتها المتسعة و همسها المتسائل..
" حقا ؟"
أومأ برأسه ملتفتا بنظراته عنها.. يلهي نفسه في تقطيع الفطيرة أمامه و كأنه لم يشن حدثا ساحقا بالأمس..
" و بماذا تشعر؟"
و سؤال كان في الصميم حيث أنه كالتائه منذ أمس..
التائه من نفسه و كأنه لا يتعرف على هويته الجديدة..
و رغم كل هذا التوهان هو..
" أشعر أني بخير "
ابتسمت متأثرة فتابع صادقا..
" لم أكن بخير كما كنت بالأمس "
زادت ابتسامتها و عينيها اللتان اخفضتهما تترقرقان بدمعات ثم قالت مغيرة دفة الحديث حتى تخرجه من لجة هويته الجديدة..
" أخبرني.. من أين علمت بشأن هذا المكان و ما سر هذه الفطائر؟ "
و كم شكرها داخله لتغييرها الحديث.. فابتسم هو الآخر يجاريها..
" أول مرة تذوقتها كان منذ أربع سنوات.. "
ابتسم للذكرى ثم تابع..
" لم يكن بجيبي سوى مبلغ قليل للغاية لم يكن يكفي لشراء وجبة من مطعم فاخر.. و عدم وجود أموال معي لم يكن فقراً بل كان عتهاً "
" عتهاً !! "
رددتها متعجبة فهز رأسه بالإيجاب موضحا..
" نعم.. كنت أصرف أموالي على أناس و على أشياء لا تستحق..
في هذا اليوم كنت جائعا للغاية.. و أثناء هيماني بالشوارع جذبت رائحة شهية للغاية كل حواسي.. "
ابتسم و هو ينقل نظراته بين وجهها و بين الفطيرة الموضوعة أمامه متابعا حديثه..
" دخلت المكان و الذي كان عبارة عن متجر حلويات فيه جزء مخصص لبيع المخبوزات و تلك الرائحة كانت من عربة هذا المتجر الذي نجلس فيه الآن تقوم بتوصيل الطلبية اليومية للمحل.. "
لامس أطراف الطبق الموضوع أمامه و كأنه يشاركه الذكرى..
" من وقتها علمت عنوان المحل و من وقت لآخر أحضر هنا و أتناول من المخبر رأساً إلى معدتي.. "
كانت تتابع حديثه بإسهاب و كأنه في حاجة لمشاركة أحدهم لتفاصيله..
كان يسرد مغامرته الفريدة من وجهة نظره و نظرها إحقاقاً للحق.. فهذا وجه آخر لم تعلم بوجوده لدى يونس من الأساس ..
يونس الذي كان يفاجئها دوما بشخصياته المتنوعة داخل جسد واحد..
" لم صمت؟ "
سألها ليلفت انتباهها فتجيبه بعد ان وضعت ذقنها على راحة يدها المستندة بكوعها على طرف الطاولة أمامه..
" كنت أستمع إليك "
أخذته على حين غرة ببساطة تفوهها.. ليطالعها قائلا و لو قبسا بسيطا من حقيقة شعوره..
" أتعلمين؟ "
سكتت للحظة بعد أن لفت انتباهها كاملا..
" كل ما أعيشه معك لم أكن أتخيل أن أعيشه أبداً..
لم أكن أتخيل أن يأتي يوم و شخص آخر يشاركني تفاصيلي الصغيرة "
لتسأله راغبة في إخراج كل أحاسيسه..
" و هل هذا جيد بالنسبة لك ؟"
" للغاية "
الإجابة كانت قاطعة.. ثابتة .. حقيقة أمام عينيها مجسدة بالراحة المرسومة على ملامحه..
و لكن للحظة استطاعت ملاحظة تبديد هذه الراحة مما أثار حيرتها لتسأله ..
" ماذا بك ؟"
يتململ في جلسته مُدركا أن ما داخله أصبح مكشوفا لها.. لها هي دون غيرها..
" جود أعلم أن كلامي سيبدو سخيفا إذا قورن بأفعالي.. و لكن صِدقا كل ما أعيشه هو شيء جديد عليّ .. لم أعشه قبلا.. و لذلك.. "
لتعبس مستشعرة عدم الراحة داخلها مما سينطقه..
" لذلك ماذا يا يونس؟ "
ليزداد توترا لا يجد صياغة منمقة لما يريده
" جود.. أنا "
" أنت ماذا؟ "
ليجيبها مبينا و لو نبذة بسيطة من مخاوفه..
" أنا لست خامة جيدة للحب و العطاء "
و كم أوجعها بما قال.. أوجعها عليه.. فيونس مازال مسجون طفولته التي لم تُرض جانبه المحتاج للحب.. مسجون بين كلمات والده أنه لا يريده..
" من قال لك هذا ؟"
ليجيب بملامح متغضنة..
" أنا أدرى بنفسي.. "
لتجيبه بحزم هذه المرة..
" يونس أنت كبير كفاية كما أنا كبيرة كفاية حتى نستطيع تسمية هذا الذي بيننا أو معرفة هويته.. "
لتترقق نبراتها بلين و هي تقول..
" و لكن دعنا الآن نتعامل تحت بند الصداقة..
مجرد صديقين.. لا أنت مُطالب بشيء آخر.. و لا أنا مُطالبة بشيء آخر .. ما رأيك ؟"
و بتلك البساطة ردمت فجوة أخرى داخله دون أن تشعر..
ليطالعها بشغف مدركا كيف يكون الشفاء بها..
" رأيي أني أحببت كونك بجواري.. معي..
أحب ما أشعره و ما أعيشه معك "
لتبتسم ملامحها بانتصار على أشباح ماض يلازمه..
" جيد.. أنا أيضاً أحب كل ما أنت عليه .. فدعنا نتعامل من
هذا المنطلق إذاً "
ثم تابعت بعد أن دست قطعة من فطيرتها بفمها مصدرة صوتا متلذذا مشتتة انتباهها عن اعترافها المبطن الذي هتفت به..
" اممم لذيذة.. ما حشوتها.. "
ليجيبها مجاريا لها..
" قرفة و سكر.. زبيب و بعض الفواكه المجففة و في أحيان أخرى قطع شكولاتة و قليل من الشراب المسكر البارد.. "
لتضحك مقهقهة و هي تناظره بذهول قائلة..
" أرى أنك أصبحت مُلماً بكل المعلومات عنها.. "
ليشاركها ضحكها موضحا ..
" في ليلة من الليالي كانت الثالثة فجراً شعرت بالجوع و كنت أريد تناولها بشدة فبحثت عن اسمها مُقررا أني سأصنع و لو فطيرة واحدة..
و لكن بعد أن قرأت الخطوات و المكونات التي لا أعلم كيف ستتواجد ببيتي الثالثة فجراً .. ألغيت الفكرة متناولا شطيرة جبن بالخضراوات.. "
تشاركا الضحك سويا و بعد أن انتهيا من الحديث وانتهاء طعامهما قالت..
" انتهينا.. هيا فلدينا عمل كثير اليوم "
لملم أشياءه مصدقا على كلامها و لكنه قال..
" سأوصلك للشركة ثم سأذهب لمشوار مهم "
لتعبس مفكرة.. متسائلة..
" إلى أين ؟"
لينظر لها مستعيدا واجهته العابثة قائلا..
" تغارين عليّ؟ "
لتبتسم موبخة له..
" لا تتحامق و أخبرني "
يضع النقود في الطبق الصغير المخصص للفاتورة و الدفع ثم يقول..
" سأذهب لشاهر "
" لماذا؟ "
يجيبها مفصحا عما يحدث..
" لا أعلم.. منذ يوم عودتنا و هو لا يرد على اتصالاتي.. و لا أعلم عنه شيئا و لم يأت للشركة.. "
تصمت لبرهة مفكرة هل هناك علاقة بين اختفائه و ما حدث معهم بالرحلة و خاصة ما حدث لصفا..
" غريبة "
يومئ برأسه قائلا..
" و لذلك ستكون زيارتي له في مقر عمله أمراً ضرورياً "
***
هاتفها لا يكف عن الرنين باسم لا تريد الرد عليه.. لقد سئمت و لا تستطيع التخلص منه..
و كيف ستتخلص منه و هو يحتكر جواز سفرها و كل أوراقها..
يحتكر كل ما يخصها حتى أموالها.. لا تستطيع صرف و لو مبلغ قليل دون الرجوع له..
بيتر الذي أصبحت متطلباته تفوق قدراتها و تحملها بل أصبحت تثير اشمئزازها منذ فترة طويلة مضت..
عاد الرنين يعلو من جديد ثم سكت فجأة.. و لكن سرعان ما على رنين جرس الباب لتنتفض مكانها مذعورة..
كتمت أنفاسها مدركة هوية صاحب الطرقات على بابها..
و لكن ذعرها أصبح أضعافا حين أتاها صوته غاضبا..
" افتحي الباب ريتا.. لقد سمعت رنين هاتفك بالداخل.. "
ثم عاد صارخا من بين أسنانه..
" افتحي قبل أن أريك كيف أن بابك هذا لن يمنعني عنك "
و بسرعة خاطفة كانت تخطو باتجاه الباب و بمجرد فتحها للقفل كانت تندفع للوراء بفضل دفع بيتر للباب الذي أغلقه فور دخوله..
أمسكها من رقبتها بيد و اليد الأخرى أمسك ذراعها ليوقفها دافعا إياها للجدار من ورائها و أصابعه تضغط على مخرج هوائها لتشعر بالاختناق..
" تتهربين مني ريتا "
تحاول دفعه بضعف فمهما فعلت و قاومت فقوتها لن تضاهي بيتر..
" بيتر أرجوك.. لم.. لم أقصد.. لقد كنت مريضة "
خرجت كلماتها مختنقة بفعل قلة الهواء و عيناها تجحظان برعب مما يمكن أن يفعله بها هنا.. و دون أن يشعر بها أحد ..
لم يجبها.. بل ظل يناظرها بجمود و كأنه ليس على وشك قتلها..
" أرجوك بيتر.. أقسم لك.. كنت مريضة "
طالعها للحظات ثم تركها باشمئزاز و كأنه لا يطيق لمستها..
لتتكور أرضاً بينما سعالها العالي يخترق سكون المكان حولهما..
دار في المكان متطلعا حوله يبحث عن شيء يدل على صدق حديثها.. و لحظها العثر لم يجد..
و تلك نقطة ليست بصالحها تماما و لكنه لم يفصح عن ذلك.. بل سألها..
" لماذا لم تجيبي على اتصالاتي؟.. "
لتجيبه من بين سعالها بانفعال..
" اللعنة.. كنت مريضة.. أخبرتك بهذا.. "
يدرك كذبها كما أدرك تهربها..
" و هل مرضك هذا منعك من تقديم عذر لي بخصوص موعد الأمس؟.. "
ثم يضيف من بين أسنانه و الشرر يتطاير من عينيه..
" أتعلمين هوية الرجل الذي كنت سترافقينه ؟"
لتخونها عيناها بضعف متوسلة..
" بيتر أرجوك .. لم أعد أستطيع التحمل.. "
سكتت للحظة ..طالعها هو من جلسته على الأريكة
بينما هي هناك بجوار الجدار.. على الأرض.. بينها و بين قدميه لا يزيد عن مترين..
" ما معنى هذا؟ "
لتقترب من قدمه تمسكها متوسلة.. قائلة من بين دمعاتها..
" لا أريد المتابعة.. تعبت يا بيتر..
أنت قلت أنني كبرت أليس كذلك.. حسناً دعني أترك العمل.. أرجوك "
طالعها دون أن تؤثر كلماتها به.. ليميل بجذعه تجاهها مادا ليده ممسكا بذقنها بين أصابعه بقسوة.. ثم سألها بخفوت مخيف ..
" أتعلمين يا ريتا كيف ننهي خدمة الفتيات في عملنا؟ "
ازدردت ريقها و لم تجب.. فمال تجاه وجهها مجيبا سؤاله بقسوة..
" نقتلهن يا ريتا.. ننهي أعمارهن.. هن يكتفين بعملهن معنا.. ونحن نتخلص منهن فلم يعد لحياتهن أهمية بعد.. "
ليسألها بنعومة كنعومة حية تقترب للفوز بفريستها.
" أتريدين تركنا يا ريتا؟.. "
اغرورقت عيناها بدموع خانتها بقهر فأغمضتهما تهز رأسها يمينا و يسارا..
ليصدح صوته قائلا باستحسان..
" براڤو ريتا.. أحسنتِ "
ترك ذقنها ليرجع مستندا بظهره للوراء رافعا ساقا فوق أخرى أمام وجهها و سؤاله يخترق أذنيها..
" ألم يَجِد شيء في تقربك من يونس؟ "
ابتأست ملامحها بحزن متذكرة يونس ضحيتها و ضحية بيتر..
يونس الذي كان أفضل صيدها على الإطلاق.. ليست أفضليه مادية بقدر ما كان انسانياً.. فلقد استغلته أبشع استغلال..
أغمضت عيناها قليلا متذكرة صورته مع حبيب عمرها الذي
تخلت عنه بتهور ..
" لم أجد فرصة لمعاودة ظهوري "
ينقر بأطراف أصابعه على المسند الجانبي للأريكة و هو يقول..
" اممم.. أعتقد أنه لم يعد هناك داعٍ لظهورك "
لتطالعه بعدم فهم مصحوب بالذعر فكم اعتمدت على معاودة ظهورها ليونس لتستطيع معرفة ما تريده منه..
" ماذا تعني ؟"
" أعني أنه لا شيء سيأتينا من يونس الآن ..
مجرد شركة صغيرة في بداية عملها.. صحيح أنها تنفذ مشاريعا لشركات ضخمة..
و لكنه مازال في بداية الطريق.. فلنتركه قليلا حتى يقوى و يكبر نفوذه و أمواله و وقتها نستطيع الظهور على ساحته مرة أخرى .. "
تنهدت بقلة حيلة.. فها هي الخطوة التي انتظرتها تتسرب من بين أصابعها.. فتحاول ثنيه عما قاله..
" لماذا بيتر؟.. دعنا نحاول.. "
" لا.. ليس هناك وقت "
لتقطب ما بين حاجبيها مستشعرة فخا ما..
" ماذا.. تعني؟ "
ليجيبها ببساطة..
" أعني أننا يمكننا تأجيل خطة يونس لبعض الوقت "
ثم أضاف..
" لحين عودتك على الأقل "
لتكرر كلمته بعدم فهم..
" عودتي!! "
" نعم.. "
يجيبها ببساطة تشبه بساطة عدد حروف نعم.. و لكنها كانت مذعورة مما يحاول إيصاله لها..
" ماذا تعني؟.. من أين سأعود؟ "
ليجيبها موضحا مشددا على حروفه بتهديد واضح..
" هناك مهمة من أجلك.. مطلوبة بالاسم يا ريتا.. "
ثم استقام من مكانه مُغلقا زر حِلته..
" هناك رجل مهم سيسافر لرحلة استجمام.. استشفاء.. سمِها مثلما تحبين.. الأهم أنه يريدك معه في هذه الرحلة "
لتسأله بيأس..
" ولمَ أنا؟"
فيلوي شفتيه بلا معنى قائلا
" هذا طلبه "
ثم أضاف مُهددا محذرا..
" و من مصلحتك عدم المعارضة يا ريتا الرجل مهم.. و تستطيعين القول بأنه رجل عصابات.. مافيا عالمية..
أعتقد أن اللعب مع رجل مثل هذا لن يكون في صالحك يا ريتا.. "
و حين وجد انسحاب الدماء من وجهها قال يغريها..
" اعتبريه فترة اعتزال الذي كنت تبغينه ريتا.. "
خطى تجاه باب الشقة و قبل أن يخرج من الباب التفت ناظراً إليها..
ثم قال بمغزى..
" لا تقلقي على نفسك في حضرته.. فالرجل لا يُفضل النساء على أية حال .. هو فقط يريدك كستار.. "
ثم أضاف ملوحا بيديه و كأنه يرسم جسد امرأة كما يجب أن تكون..
" واجهة لطيفة تشاركه رحلته.. فاستغلي الفرصة و تجنبي تهورك و تصرفاتك الغبية.. "
ثم أضاف مهددا...
" لأنه إن اشتكى لي منك.. ستكونين حينها في عِداد الأموات.. "
و قبل أن يخرج أوقفته متسائلة..
" و متى ستنتهي هذه المهمة العظيمة؟ "
فيلتفت لها مرة أخرى قائلا بجمود أرعبها للحظات..
" لا تسخري ريتا.. المهمة ستستغرق عدة شهور قد تصل لسنة "
سنة!!
فتهمس بذهول مدركة أن كل خططها ستبوء بالفشل في هذه الحالة..
" مستحيل "
ليناظرها بتدقيق مضيقا عينيه..
" و ما الذي يجعله مستحيل.. هذا ما قاله الرجل "
سكتت تفكر بضرورة رؤيتها ليونس على وجه السرعة قبل أن تسافر في تلك المهمة التي لم تخطر على بالها يوما..
***
" سيد شاهر.. "
قالتها السكرتيرة الخاصة به بعد أن دلفت إلى مكتبه ليرفع وجهه إليها فتتابع..
" هناك سيدة بالخارج ترغب في رؤيتك شخصيا "
قطب ما بين حاجبيه بتساؤل أفصح عنه..
" من هي؟.. و ماذا تريد؟ "
فتجيبه موضحة.
" عميلة.. لديها مشروع تريد تنفيذه و لكنها أبدت رغبتها في التعامل معك مباشرة "
تأفف بحنق فهذا ما كان ينقصه..
" حسنا أدخليها "
و بعد لحظات كانت المرأة المقصودة تدلف إلى مكتبه مذبذبة نظراته رغما عنه.. كاتمة أنفاسه داخل صدره للحظات..
فمن كانت أمامه ..هي امرأة نعم و لكنها تمتلك من الرقي و البساطة ما يجعل رؤوس الرجال تدور حولها كما تدور عقولهم في فلكها..

استعاد واجهته الثابتة و الجامدة..
و صوتها الهادئ يصله..
" كيف حالك سيد شاهر؟"
استقام مستقبلا لها.. و بعينيه الخبيرتين يستطيع تقييم سنها أنها امرأة تجاوزت الأربعين بعدة سنوات.. رغم نضارة وجهها التي لن تنم أبداً عن سنها هذا..
" بخير.. أهلاً بك.. تفضلي "
أشار لها لتجلس ففعلت بعد أن وضعت حقيبة يدها الغالية الثمن أمامها على الطاولة الصغيرة..
فجلس هو الآخر و هو يقول..
" أخبرتني السكرتيرة أن لديكِ مشروعا مع قسم المشروعات "
أومأت له و هي تجيب دون قصد.. أو بقصد أيهما أقرب..
" نعم و لكني أريدك أنت "
ليطالعها لا يفهم هل كان تلميحا لشيء آخر غير العمل
" عفوا!!"
" أقصد أني أريد العمل معك أنت لا مع قسم المشروعات ..
أريدك أن تشرف على المشروع من بدايته حتى نهايته "
طرق بطرف القلم على سطح المكتب أمامه.. و هو يقول متأسفاً..
" و لكني لست متفرغا و أُشرف بالفعل على عدة مشاريع و لذلك من الظلم لمشروعك أن أوافق على استلامه و التأخر في تنفيذه "
لتجيبه قاطعة..
" لست في عجلة من أمري.. يمكنني الانتظار "
و قبل أن يتفوه ردا على كلامها باغتته متسائلة..
" ألا تتذكرني؟ "
فيتشتت ذهنه قليلاً يحاول تذكر أين رأى وجهها.. و لكنه فشل فسألها..
" عفوا.. هل أعرفك من قبل ؟"
لتجيبه بعد أن وضعت ساقا فوق أخرى..
" ليس بشكل شخصي على الأقل.. "
يهز رأسه بخفة قائلا..
" عذرا و لكن اا.. "
لتقاطعه قائلة..
" أنا أعلم.. أنت لا تنظر و لا تلتفت حولك.. خاصة لو كن نساء "
حافظ على ثباته قائلا..
" عذراً.. لا أعلم أين رأيتك قبلا.. "
لتقاطعه مرة أخرى..
" أنت لم ترني قبلاً لا أنا و لا غيري "
للحظة.. للحظة فقط شعر بأن هناك شيء ما يدور و لكنه كان عاجزا عن لمسه جيدا.. بينما صوتها يتابع..
" أنا من رأيتك في عدة احتفالات للجالية العربية هنا.. "
ثم تستفيض موضحة..
" أنا أرملة لأحد رجال الأعمال العرب هنا.. لا أعتقد أنك تعاملت معه قبلا.. استلمت جميع أمواله و أعماله بعد وفاته منذ ثلاث سنوات "
سكت و لم يجب مستشعرا منعطفا آخرا لا يعجبه للحديث.. فقال مغلقا تلك الجهة..
" حسنا بالنسبة لمشروعك سأنظر فيه و سأرى ما يمكنني تقديمه
أستأذنك سلّمي الملف للسكرتيرة بالخارج.. "
لتسأله متعجبة..
" و لماذا للسكرتيرة؟.. "
ليجيبها ببديهية..
" لأنها من تنظم لي الملفات المطلوب النظر لها و تقييمها
و الموافقة عليها.. "
فتقطب ما بين حاجبيها متسائلة..
" أهذا يعني أنك قد لا توافق؟ "
و هذا ما يريده بالفعل و لكنه لم يفصح بل قال بتهذيب..
" دعينا لا نستبق الأحداث "
ناظرته قليلا ثم قالت و هي تستقيم من مكانها
" أتمنى.. و الآن عن إذنك "
بعد خروجها بلحظات صدح صوت رجولي يعلمه شاهر جيدا حيث دخل مباشرة بعد خروج تلك المرأة..
" أوووه.. ما هذا الصاروخ الحي الذي خرج؟ "
ثم أصدر صفيراً طويلا قائلا..
" اااه ألهذا أنت مشغول عنا؟ "
يهز شاهر رأسه باستسلام فليس هناك فائدة.. سيظل يونس مشاغبا كما عهده..
" يونس.. تعال "
ليصر يونس على كلامه مشاغباً..
" أخبرني هل هذا ما يشغلك ؟.. لو هذا السبب سأقدر عذرك ؟"
ليبتسم بخفة قائلا..
" لا تجن و تعال لتجلس.. "
جلس يونس أمامه ليسأله شاهر..
" كيف حالك؟ "
ليقول يونس مراوغا.. معاتبا..
" من المفروض أن أسألك أنت هذا السؤال.. كيف حالك ؟"
ليجيبه شاهر متصنعا البساطة..
" بخير "
ليباغته يونس رافعا أحد حاجبيه..
" حقا؟.. "
تململ في جلسته بغير راحة ليعاود يونس هجومه المقصود..
" لماذا انقطعت عن المجيء للشركة؟.. و لماذا لا ترد على اتصالاتي؟.. "
ليتصنع شاهر النظر لأوراق موضوعة أمامه على سطح المكتب.. و هو يقول..
" مشغول يا يونس.. و لا أجد الوقت لأي شيء "
ليقول يونس متصنعا المواساة..
" كان الله في عونك "
ثم يضيف عن عمد..
" كنت أريد الاطمئنان عليك فقط.. لم نرك منذ حادثة صفا"
قالها قاصداً حتى يحصل على ردة الفعل المطلوبة و التي لم تخيب ظنه..
الانتفاضة في رفعة وجهه..
شحوب الملامح..
توتر الأصابع حول القلم الذي يمسكه..
كل هذا يدل على خطب ما..
و سؤاله المتوتر أكد ظنه..
" كـ.. كيف حالها؟ "
ليجيبه يونس باقتضاب متعمدا ألا يريحه..
" بخير "
ثم يضيف راغبا في سبر أغواره..
" ألن تعود للشركة؟ "
لتتوتر ملامحه أكثر قائلا..
" لدي عمل كثير يا يونس.. "
ليهز يونس رأسه بتفهم.. و غصة ابتلعها بتصميم و هو يقول..
" وصلت الإجابة .. "
يقف مكانه معدلا سترته و هو يقول مودعا ..
" حسنا شاهر.. لا تنقطع عنا بهذا الشكل.. "
فيقف شاهر بدوره يطالع يونس في وقفته و كم يرغب أن يبوح بما في داخله و لكنه قال..
" سأرى.. "
و غادر يونس غير مدركاً لنية شاهر بعدم العودة لهناك مهما حدث..
فلو عليه لهرب أميالاً بعيداً عن!!..
مدارها..

***


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-22, 07:19 PM   #58

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صل على النبي محمد مشاهدة المشاركة
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

لا تنسوا الباقيات الصالحات

سبحان الله

الحمد لله

لا إله إلا الله

الله أكبر

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

لا تنسوا الباقيات الصالحات

سبحان الله

الحمد لله

لا إله إلا الله

الله أكبر

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-22, 07:20 PM   #59

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام حبيباتا مشاهدة المشاركة
قلبي معك صفا فيما عانيته وتلك الخالة التي لاتستحق ان تكون خالة وابنها....... دعيها في نفسي
يونس بدأ يخرج مافي نفسه وهذه خطوة للعلاج..
دلال الحُسن رجاء لا تخيفينا عليها.....
سلمت يداك روووعة وفي انتظار ابداعاتك💐💐💐💐💐
سلم وجووودك يارب 😍


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-10-22, 06:41 PM   #60

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
:jded: الفصل الخامس والعشرون

الفصل الخامس والعشرون
بعد عدة أيام
كانت تقتحم مكتبه حاملة فنجانين من القهوة السريعة قد اشترتهما من مقهى قريب قبل أن تدخل الشركة .. فيستقبلها يونس متأففا بعد دوام اتصاله بها على مر الساعة الماضية و لكنها لم تجب..
" لمَ تأخرتِ ؟ .. "
قالها بحنق أثناء قيامه من وراء مكتبه ليخطو تجاهها فتفاجئه بابتسامتها العذبة و هي تجيبه..
" لدي مفاجأة.. "
وابتسامتها مُعدية.. وباء.. و لكنه وباء حميد يشفي و لا يضر..
" امم أهذه رِشوة حتى لا أعاقبك على تأخرك؟.. "
فتقترب هي منه أقل من خطوة كاملة تهز رأسها بشقاوة و عيناها تدوران يمينا و يسارا..
" حسناً إذاً.. هناك رشوتان "
يقطب ما بين حاجبيه فتتابع بلؤم شقي..
" أولهما هذه القهوة.. "
تضع كوب القهوة المُغطى في يده غير مُدركة لِحبسه لأنفاسه و هي تتابع..
" أعلم أنك تحبها "
نعم يحب القهوة .. و لكنه يحبها هي أكثر من هذه القهوة..
طالعها صامتاً و كل ما تفعله بعفوية يصيب قلب الطفل بداخله..
تدارك نفسه سريعا قائلا بشجن و صوت متحشرج..
" شكراً على القهوة "
ثم يتابع مستعيدا مرحه..
" و ثاني رشوة؟!.. "
" هذه "
ثم تحركت لتفتح الباب لتطل منه صفا بكامل أنوثتها و حُسنها ليهمس متفاجئا.. مذهولا..
" صفا "
و الذهول رافقه استنكار..
" لمَ جئتِ؟.. قدمك لم تشف بعد "
و بنظرة لقدمها الظاهرة من تحت تنورتها الواصلة لركبتيها..
لتزداد دهشته متسائلا..
" هل فككتها؟.. متى؟ "
لتبتسم صفا مجيبة
" بالأمس.. "
فيجيبها قائلا باستنكار..
" و نزلتِ للعمل اليوم؟.. أتمزحين؟.. ثم أخبراني "
قلّب نظراته بين الاثنتين قائلاً بعتاب ..
" لماذا لم تخبراني فكنت جئت معكما و لم أترككما في مثل هذا الموقف؟ "
لتجيبه صفا قائلة..
" الأمر لا يستدعي مجيئك يا يونس.. لقد مرت على خير..
و جئت للعمل لأني مللت من البيت و جلسته "
ليجابهها قائلا بعدم رضى..
" و لكن كان عليك الراحة عدة أيام أخرى على الأقل.. "
لتبتئس ملامحها كطفل صغير و هي تقول..
" أرجوك يا يونس.. صِدقا وجودي بالمنزل طوال ساعات اليوم بمفردي و تحمل ثرثرة چود عند عودتها كانت فوق احتمالي "
قالت آخر كلماتها بمزاح مع صديقتها التي كانت خير سند لها..
" هكذا إذاً ؟!.. "
قالتها چود باستنكار لتعلو ضحكات صفا و هي تقول ممتنة..
" أمازحك.. أنتِ هونتِ عليّ الأيام الماضية "
ثم أضافت و هي تتحرك باتجاه الباب..
" و الآن سأترككما و أذهب إلى مكتبي "
كما أضافت بنبرة لم تخل من الأمر..
" و أرجو أن تطلعاني على المطلوب مني سريعا.. "
فتوقفها چود قائلة..
" انتظري سآتي معك و أوصلك "
لتجيبها صفا دون أن تلتفت..
" چود لقد كان مجرد كسر بالقدم و ليس عجزا حبيبتي..
سأذهب بمفردي و أنتِ اشربي القهوة بصحبة يونس ثم اتبعيني.. "
قبل أن تخرج تماماً التفتت لها نصف التفاتة ملوحة بكوب القهوة..
" شكرا على القهوة "
و بعد أن غادرت استدار يونس لها متسائلا..
" لم أتت؟ "
تلوي شفتيها بلا معنى و هي تقول..
" أخبرتك أنها قد ملت.. "
يسكت للحظة يستشعر أمراً ما في مرح صفا الزائد..
افتعالها البساطة في الحوار.. أو ربما تتعايش مع وجع ما..
و لكنه نحى كل تفكيره هذا جانبا و الذي أكدته چود بقولها..
" كان الله في عونها..كنت ألاحظ اكتئابها الأيام الماضية و حين أسألها عما بها تخبرني أنها ملت الجلوس و النوم و قلة الحركة..
ففكرت أنه لا مانع من قدومها إلى الشركة ما دام الطبيب سمح لها بالتحرك.. و سنأخذ بعين الاعتبار ألا تجهد نفسها.. "
فيقترب من وقفتها القريبة من مكتبه.. قائلا بإغواء لذيذ.. مشاغب..
" امم أعتقد أن الرشوتين قد تجعلانني أتغاضى عن تأخرك.. "
فتبتسم مدركة اقترابه..
" لم تُهدم الدنيا بغيابي.. مجرد ساعتين "
ليعيد ابتسامته اللعوب.. الجميلة و الخاطفة لقلبها..
" نعم لم تُهدم الدنيا.. و لكن أنا من هُدِم .. "
مع وشوك اقترابه.. بل التصاقه بها تحركت جانبا بخفة قبل أن يصل إليها.. و هي تقول مُتهربة..
" ااا.. أعتقد أن لدي عملاً كثيراً و لابدّ أن أتحرك "
هم ليجيبها و لكن قاطعه الهاتف الأرضي للمكتب..
أشار لها بيده أن تنتظر فتوقفت تشعر بارتباك لذيذ.. و ترقب لنتيجة انتظارها له..
و حين رفع السماعة جاءه صوت موظفة الاستقبال تقول
" سيد يونس.. هناك امرأة تريد رؤيتك.. "
قطب يونس ما بين حاجبيه متسائلا..
" امرأة!!.. ألم تخبرك بهويتها؟.. "
غير واع لسؤاله الذي أشعل التحفز بأخرى تقف في الجوار
و إجابة الموظفة وصلته ..
" لا و لكنها قالت أن الأمر شخصي.. "
ردد متعجبا ..
" شخصي!! "
متسائلاً داخله أي امرأة بينه و بينها أمر شخصي؟!..
لتمنحه الموظفة إجابة و سؤالا ..
" نعم.. هل أصرفها؟.. "
" لا.. دعيها تصعد "
وضع السماعة مكانها ثم التفت للواقفة ورائه فتسأله بتوتر لم يلاحظه..
" ماذا هناك؟.. "
ليجيبها صادقا بسلاسة غير واع لحروفه المنطوقة..
" الاستقبال يخبرني بوجود امرأة تريد رؤيتي "
و صراحته أغاظتها لترفع أحد حاجبيها قائلة..
" امرأة "
و نبرة صوتها المُحذرة كانت كالضوء الذي اشتعل داخله ليدرك ما نطق كما أدرك حالتها.. فيضحك مقهقها و هو يقول أثناء اقترابه منها ..
" نعم امرأة.. "
ليتبع إجابته قائلا بزهو متفاخر مرح..
" غِيرتك أصبحت مفضوحة "
لتلاحظ اقترابه فتتراجع بتوتر و هي تقول كاذبة مدافعة عن نفسها..
" غيرة .. و على من؟.. و من أجل ماذا؟ "
ثم تحاول الرجوع الخطوة الفاصلة بينها و بين الباب و لكنه يوقفها بحزم..
" انتظري "
فتنفذ أمره طواعيةً ليستغل هو سكونها فيقترب أكثر حتى أصبح لا يفرق بينهما شيء.. بينما يده تسللت لتحط على خصرها كاحتضان أول..
" لم غضبتِ؟"
فتتلعثم من حرارة يده فوق قماش بلوزتها..
" لـ.. لم .. أغضب "
و بهالة جسده المحيطة به و بها كان يدفعها لتتراجع قليلا لتصبح بينه و بين الحائط..
كاحتضان ثانِ..
و قوله المتكاسل يخترق حصونها..
" لم.. أعهدك.. كاذبة.. يا چود "
تحاول التركيز.. حقاً تحاول الخروج من تشوشها حتى لا تفعل كارثة في حق نفسها الآن فتعترف صراحة بحبه..
لتغمض عينيها تحجب عنه و عنها تأثير نظراته التي تصيبها في مقتل..
و قولها المهزوز يخرج يائسا..
"أنت أخبرتني أنك لست خامة جيدة للعطاء..
و لذلك دعني أحتفظ بإجابتي لنفسي.. "
ليدرك حقا كل ما يحدث لها و معها و معه..
معه هو بشكل خاص.. يونس لم يستطع قبلاً البوح بمشاعره.. فالبوح الآن لن يكون بحق عظمة ما يختلجه..
ستخرج الكلمات مشوشة.. ممزوجة بضعفه واحتياجه..
هو يحتاج أن يكون قويا حتى يستطيع البوح بكل قوته..
" چود.. أريد أن أنطق بكل ما أحتاج نطقه.. و لكن.. "
يسكت للحظة مُدققا النظر لعينيها اللتين فتحتهما.. و قوله الضعيف خرج من أعماق قلبه
" لم أعهد نفسي بهذا الشكل.. "
شعرت بيده تحتضن وجنتها برقة دغدغت أنوثتها.. ليُعلَّن الاحتضان الثالث..
و قوله الصادق يخرج من بين حنايا قلبه ليصيب قلبها هي..
" أنا لا أتخيل حياتي دونك .. ثقي بذلك.. "
بإبهامه يملس على وجنتها يحاول تشتيت نفسه بكل قوته حتى لا يُبلغها كلماته أفعالا لا كلاما ..
" أنا أحب ما أكونه معك و بجوارك يا چود لا تُقللي من هذا الأمر.. "
و عيناه تنتقلان بين شفتيها المنفرجتين و عينيها المتسعتين بإدراك لما يريده.. و كأنها تخبره صامتة باستعدادها لِغزوه..
و قوله المتمم جاء ناعما..
كسولا..
مُفعماً بالوعود..
" فكان من المستحيل أن أمنح روحي لأحد.. و كان هذا عهدي لنفسي.. و لكن أنتِ.. معك أنتِ.. نسفتُ كُل عهودي.. "
طالت النظرات بينهما.. و نظرات كل منهما تبوح بما يعجز عنه اللسان..
" هل أُقاطع حديثاً ما؟ "
انتفض كل منهما على الصوت الذي قاطع لحظتهما الخاصة..
و الذي يحفظه عن ظهر قلب.. التفت برأسه تجاه صاحبة الصوت بجمود آلي.. هامساً دون وعي ..
" ريتا "
لتخترق همسته قلب أخرى بوجع لا يُحتمل..
لتتقدم ريتا خطوة و عيناها لا تبارحان چود الواقفة و كأنها تنتظر نفيا لوجود تلك الدخيلة و لكن صوتها الناعم..
" كيف حالك يونس؟.. "
أكد لها وجودها..
" أعتذر عن دخولي و لكن الموظفة أخبرتني أنك في انتظاري.. لم أكن أعلم أنك مشغول "
و التهكم في صوتها جعل الأخرى تفيق فتتحرك بتوتر قائلة ..
" ااا.. سأذهب إلى مكتبي "
و خرجت تحت أنظار الواقفة..
أما يونس فلم تنزح نظراته عن ريتا الواقفة بارتباك..
***
و بمكتب صفا..
كانت تجلس وراء مكتبها تحاول العمل محاولة عدم إجهاد قدمها و رفعها قليلا تحت المكتب كما نصحها الطبيب..
خوف يونس عليها أثلج صدرها.. رغم الألم الذي استشعرته فور دخولها للشركة.. فآخر مرة كانت هنا.. كان هو هنا أيضا..
في المقهى..
في المصعد..
في غرفة الاجتماعات..
هذا المشروع الذي يعملون عليه..
كل شيء يذكرها به.. هذا إن نسيته من الأساس..
هي فقط تتناساه..
بل و تمعن في ذلك..
و لكن عقلها الخائن دوما يذكرها باللحظات المعدودة التي سبقت جرحه لها.. قبل هدمه لها.. لم تُهدم صفا من أي مما حدث سابقا كما هُدمت على يديه ..
أما قلبها العليل به فيعنفها مُطالبا منها الدفاع عن حقها فيه..
حق قلبها الذي تزلزل وارتج بسببه..
و لكن أي حق يحدثها قلبها عنه..
الرجل أوضح أنه لا يمكن أن ينظر لها..
لا يمكن أن تثير به شيئاً
قالها صريحة أنها لا تستحق المجازفة..
أي أنه لم يجد فيها ما يرقى لطموحاته كرجل..
لم تثر فيه شيئاً...
إذاً لماذا قبلها بكل تلك اللهفة؟..
بكل تلك الحاجة التي نطقت بها خلاياه؟..
هل حقاً لا ترقى لتطلعاته؟..
إذاً فالعيب منها منذ الأزل..
هل لم يكذب سامي حين نعتها بالباردة؟..
هل كان العيب منها حقاً و أنها لم تثر حتى زوجها؟..
" صفا "
و النداء و إن كان توقيته خطأ في وسط سوادها الذي أغرقها لكنه كان كتعويذة سحرية.. مضادة لكل تفكيرها..
فلهفة مجد التي تراها مُعاكسة تماما لكونها باردة..
أم أنها حقا باردة إن حاول مد الاقتراب منها لتكون النتيجة..
كالمتوقع ممن سبقوه..
ازدردت ريقها بصعوبة بالغة و هي تجيبه..
" أهلاً مجد "
" أهلاً بكِ أنتِ .. "
توترت بانفعال تقي نفسها به ..
كانت تعلم أنه سيأتي.. و لكنها لم تعتقد أنه سيأتي بهذه السرعة..
دخل جالساً على الكرسي أمامها.. ليسألها بثبات تعجبت له ..
" كيف أتيت؟.. "
لتجيبه بنفس الهدوء و الثبات..
" ساعدتني چود "
ينظر لها قليلا.. متطلعا لوجهها بتدقيق أثار في نفسه الكثير من الحديث الذي يرغب بقوله و لكنه كتمه ببراعة فلم يحن الوقت بعد..
" علمت أنك أزلتِ الجبيرة.. "
توترت أصابعها حول القلم الذي تمسكه ثم قالت..
" نعم.. أزلتها بالأمس "
مازال متطلعا إليها يسبر أغوارها..
" مبارك لكِ "
افتعلت ابتسامة صغيرة مهذبة.. مهذبة للغاية ردا على تهنئته..
و لكن كل التهذيب تنحى جانبا ليصعد على السطح كل تحفزها الذي صاحب عتابه..
" و لماذا لم تخبريني بمجيئك حينما هاتفتك صباحا؟.. "
تدق بطرف القلم فوق سطح المكتب تجيبه..
" لم أكن قد قررت.. كما أن القرار كان اقتراح چود.. "
ليعود الترفق لصوته و هو يقول..
" كان قراراً صائباً .. أنتِ بخير أليس كذلك؟!.. "
تبعد خصل شعرها المتهدلة على عينيها ثم تجيبه بفرحة نغمت حروفها..
" نعم بخير..
ما دمت قد ابتعدت عن الفراش و الجلوس بالبيت سأكون بخير.. "
يلتفت لها بجذعه عارضا..
" حسنا.. هل يمكنني دعوة نفسي للفطور معك؟.. "
و قبل أن تجيب أتبع كلماته..
" سأحضره إلى هنا فبالتأكيد أنت لم تتناولي فطورك للآن "
ارتبكت ملامحها كما ارتكب صوتها و هي تجيب..
" لا مجد.. للأسف تناولته.. "
ثم أضافت و يداها ترتبان الأوراق أمامها بتوتر..
" كما.. أني لا أمتلك الوقت فلدي الكثير من العمل المتراكم.. "
إن كانت قد قصدت بما قالته أن تزيد من الهروب باعاً..
و تشيد من الحصون قلاعاً..
فقد فعلت و عن جدارة عندما رأت الخيبة المرتسمة على وجهه
و لكنها تغاضت عن تألمها نتيجة ما سببته له و خاصة مع قوله المرافق لوقوفه..
" سأتركك إذاً لتنجزي عملك المتراكم "
و كانت قادرة على استشفاف التهكم في صوته و لكن أن تنال منه تهكما أفضل من الضغط على نفسها و مجالسته..
و لكن أن تكسب جولة.. فهذا يعني أن هناك نزال من طرفين..
و بالحديث عن الطرف الآخر الذي مال تجاهها و راحة يده مستندة على سطح مكتبها قائلا بوعيد لم يفتها.
" و لكن تأكدي أن هناك حديثاً سيدور بيننا قريبا و لن يكون هناك فرصة للهرب حينها "
خرج مجد من المكتب مصطدما بچود التي دخلت في نفس اللحظة لتستقبلها صفا منحية رجفتها التي سببتها كلماته المتوعدة عن قصد مكابرة أنه لا يمكن أن يكون تهديده هذا شيئاً
" ما بكِ ؟.. لمَ تنفثين نارا كالتنين هكذا؟.. "
و لكن چود و كأنها لم تسمعها.. لِتُسِب من بين شفتيها..
" الحقيرة.. الوقحة "
فتقطب صفا ما بين حاجبيها بعدم استيعاب لحالة صديقتها أو حتى كلماتها..
" من هي؟ "
سألتها صفا و لكن چود كانت كالمغيبة لا ترى و لا تسمع سوى صوت واحد..
" الحقير الوغد "
حسنا الآن تستطيع القول بأن هناك مصيبة.. و لكن ما هي..
" من هو؟.. "
و كأن بسؤالها ضغطت على زناد مدفع رشاش آلي الدفع.. لتجيبها چود بِغل..
" يونس "
ثم تابعت من بين أسنانها و وجهها يكاد ينفجر غضبا..
" الحقير.. الوغد.. إنه يعرفها.. "
ثم تضرب كفيها ببعضهما متابعة..
" نظراتهما ليست عادية بالمرة.. "
ليزداد اتقاد النيران بحدقتيها متمتمة..
" بالتأكيد هناك شيء.. و سأعرفه "
لقد نفذ صبر صفا عند هذا الحد..
" ما هذا يا مجنونة؟.. من تقصدين بكلامك؟ "
لتتغلل السخرية نبرات چود و هي تجيب..
" السيد يونس مُرهف المشاعر و الأحاسيس الذي يداوي جراح أي أنثى و كل تاء تأنيث.. "
لم تتحدث چود بتلك النبرة و لا هذه السخرية الجارحة قبلا و خاصة فيما يخص يونس..
" چود اهدئي.. و أخبريني ماذا حدث "
لتجيبها و ما زالت النيران تشعلها..
" سأخبرك.. و لكن بعد عودتي.. "
لتعاجلها صفا قبل أن تتم خروجها من باب المكتب..
" هاا أنتِ.. أين تذهبين ؟"
لتلتفت لها چود و يدها مازالت ممسكة بمقبض الباب و هي تقول بتوعد..
" سأرى من تلك الشمطاء..
و من أين تعرفه و ماذا تريد منه "
و خرجت تحت أنظار صفا المتسعة و الغير مصدقة لحالة صديقتها..
****
" لو كنت أعلم هوية مَن أنتظر لما سمحت لكِ بالدخول من الأساس "
تجاهلت تلميحه.. ثم خطت لداخل المكتب تُقلص المسافة بينهما..
فتحرك بشكل لا إرادي مُتراجعاً للوراء و كأنه لا يُطيق أن يجمعهما مكاناً واحد..
" أهي عشيقتك الجديدة؟"
سألته ليفاجئها بناريته التي اختبرتها قبلاً .. قائلاً من بين أسنانه مُعبرا عن اشمئزازه بل و سَعيره الذي سيكتسحها..
" أحذرك من التلفظ بكلمة أخرى بحقها..
و إلا قسماً بالله سأُنهي حياتك بلحظة واحدة..
و تعلمين أني قادر على فعلها.. "
فتطأطأ رأسها قليلاً ثم ترفعها ثانية قائلة و شبه ابتسامة ترسم شفتيها بمغزى..
" أعلم يا يونس.. أعلم..
أعلم أنك حِمائي للغاية.. و تحمي من يهمك أمرهم..
و إلا ما كنت تزوجتني حفاظا منك على طفلك "
ليجيبها من بين أسنانه و الغضب يغزل حروفه..
" الذي لم يكن طفلي لا تنسي هذا "
تومئ برأسها مُصدقة على كلماته ثم قالت و كأنها أرادت أن تنفي شيئا ما..
" بالمناسبة لقد أجهضت.. لم يُكتب له العيش "
توترت أصابعه حول حافة مكتبه.. و لم يتحدث.. فتابعت هي..
" لقد سعدت حين فقدته.. "
رفع رأسه لها منتفضا.. غير مدركة أنها تنثر ملحها فوق جرح طفولته..
جرح عمره و أيامه
جرح سنواته الماضية..
" أنت تعلم.. من كان والده .. فبالتأكيد ليس شيئا أفخر به "
ليزفر أنفاسا ثقيلة كثقل وجودها و رؤيتها التي تثير الكثير و الكثير مما يرغب بنسيانه ..
" لماذا أتيتِ ريتا؟ "
تنهدت تستعيد ثباتها و لو قليلاً..
" أحتاج منك أمراً ضرورياً يا يونس.. "
فتعبس ملامحه للحظة متسائلا..
" أمر ؟.. ماذا تريدين؟"
ثم تعود ملامحه لقسوتها متخيلاً الإجابة التي نطقها قبل أن تنطقها هي ..
" أموال.. كالعادة "
ضحكت بتهكم و هي تجيبه ..
" ليت همي مازال بالأموال .. "
يقطب ما بين حاجبيه بعدم فهم مستشعرا تغيرا طرأ عليها.. فلم تعد تلك المرأة المفعمة بالحيوية.. و لا يعد هناك التألق الذي خدعه يوما..
" ماذا تريدين ؟"
سألها لتجيبه بعد أن نظرت له بتوتر و كلماتها تخرج مهزوزة غير محسوبة الأثر عليه..
" منذ عدة شهور رأيتك على التلفاز بصحبة متسابق دراجات بخارية.. "
قطب ما بين حاجبيه مستشعراً غرابة حديثها..
" و ماذا فيها.."
لتفاجئه بطلبها الصريح دون مواربة..
" أريد أن أعرف مكانه "
لا يفهم..حقا لا يفهم و لا يستوعب منها حرفاً ..
" أنطوان!! .. أتعرفيه؟ .. "
خطت باتجاهه..تقول متوسلة و عيناها تصرخان بالحاجة و الضعف ..
" أرجوك يونس.. أخبرني من أين تعرفه.. و كيف أصل اليه "
ليبتعد خطوة أخرى عنها يلوح بيده موضحا عدم فهمه .. و عقله لا يستطيع الربط بين شخص كأنطوان.. و شخصية كريتا..
" لماذا؟.. من أين تعرفينه و ماذا تريدين منه؟.. "
ليتبع سؤاله بسؤال آخر مليئ بالتهكم و الغضب..
" أتريدين ابتزازه هو الآخر؟ "
فيتدلى كتفاها تنظر له و قد خانتها دموعها..
" أرجوك يونس.. نفذ لي هذا الأمر.. أعطني أي وسيلة اتصال به.. "
ثم تثرثر بغير وعي و كأنها تحادث نفسها..
" لا يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي.. و هاجر من بلدته..
لا أعلم له أي وسيلة اتصال.. و لكنك تعلم أليس كذلك؟.. "
سؤالها الأخير كان يصرخ بالرجاء.. بالتوسل أن يُصدِق على تخمينها بمعرفته أي وسيلة توصلها به..
سكت متطلعا و عقله يصل الخيوط ببعضها.. و داخله رفض تام لما يصل له من تحليلات.. و سؤاله الجامد خرج محذرا..
" من أين تعرفينه؟.. و كيف تعلمين عنه تلك التفاصيل؟ "
كان يعيش إحساسين متناقضين.. أولهما أنه يرغب في معرفة الإجابة حتى تنفي تحليلاته.. و الآخر لا يريد معرفة الإجابة خوفا من تصديقها على تحليلاته..
كان ينظر لها بملامح قُدت من حجر.. و لكن..
" أنطوان كان زوجي "
و الإجابة كانت صاعقة.. صاعقة ضربته في منتصف إدراكه ليشعر بالشلل و عقله يعيد كل الصور التي جمعته بصديقه القاضي..
أولاده..
احتياجه و حبه لزوجته التي غدرت به و تركته هو و أولاده..
زوجته!! لقد نصحه يوما إن وجدها يخطفها و يتشبث بها..
ليكتشف أن زوجته تكون ريتا.. ريتا دون غيرها..
" أنتِ !! "
همسها بذهول و إدراكه يربط بين ما حكاه له أنطوان يوما و بين معرفته بتلك الحقيرة الواقفة أمامه..
فيقترب خطوة مهددا أمانها..
" أنت من هجرته!! "
خطوة أخرى و قوله الغاضب يصدح بينهما..
" أنتِ من تركتِ أربعة أطفال ورائها للركض وراء أموال
و ماديات زائلة "
للحظة تشوشت رؤيته.. و إدراكه يخلط بين هيئة ريتا الأنثوية و هيئة تجسدت له من ماضيه..
لم يكن يراها.. بل كان يرى والده..
والده الذي دمر نفسية يونس طفلاً .. و مُراهقاً..
ثم شاباً تخطى الثلاثين من عمره..
وصل إليها و جسده النابض بالغضب يهدد كل إحساس بالأمان لديها..
و تصديقها لشعورها بالتهديد راقبت يده ترتع أمام وجهها لتحط بلحظة خاطفة حول رقبتها.. و كلماته النارية و المواجهة لأكثر ما فعلته خِسة..
" أنت من لم تُرِدْهُم.. "
كانت أصابعه تلتف حول رقبتها..
و بإدراكها أن كلماته تخص أطفالها تشبث كفاها بكفه الملتف حول رقبتها تحاول فكه و التحرر منه.. و سؤالها المختنق لم تقو على نطقه كاملاً فخرج مبعثراً.. متلعثماً ..
" أطفالي.. هل.. تعرفهم؟.. هل.. رأيتهم؟ "
كلماتها المتقطعة و سؤالها عن الأطفال أثارا جنونه فلم يشعر بأصابعه التي تشتد حول رقبتها.. و قوله الناقم منها و عليها..
فيقول منتقما منها بشراسة..
" أعرفهم.. و رأيتهم.. و لَعِبت معهم في حين حُرمتِ أنتِ من رؤيتهم.. "
و بذكره للأطفال تذكر أول مرة رآهم فيها..
فتابع قاسيا منتقما..
" أتعلمين أني أنقذتهم من حادث اختطاف كادوا يلقون حتفهم فيه ؟"
فتتسع عيناها برعب و كلماته القاسية تصور لها أبشع السيناريوهات في حق أطفالها و ما حدث لهم..
لتهمس بغير تصديق..
" أطفالي!! "
ليترك رقبتها فجأة فيتقهقر جسدها بعنف تشهق بأنفاسها و قوله الساخر يخترق مسامعها..
" هه أطفالك.. الآن أصبحوا أطفالك "
لتقترب مترنحة منه أقل من خطوة واحدة تتوسله قائلة..
" أرجوك يا يونس أخبرني.. أريدهم.. لقد ندمت.. و خسرت كل شيء "
و ذكرها للخسارة لم يكن في صالحها إذ نظر لها صارخا..
ملوحا بذراعه..
" نعم و الآن تبحثين في دفاترك القديمة بعد خسارتك لكل شيء..
أليس كذلك ؟"
و الإجابة كانت فوق توقعاته..
" بيتر حشرني وسط مافيا.. مجرمين..
و جعلني أعمل عاهرة.. "
و كلامها رغم قسوته و لكنه لم يكن أقل قسوة منه..
" أولم تكوني عاهرة من قبل؟.. "
ثم يتابع مقتربا سنتيمترات منها و قوله الغاضب يصدح..
" هل نسيتِ خطتكما سويا للإيقاع بي؟ "
فتجيبه بصراخ باكٍ..
" لم أنس يا يونس.. و صِدقاً ندمت "
يقف يناظرها بجسد مشدود غاضب.. لو ترك العنان لغضبه لأرداها قتيلة الآن دون ذرة ندم.. فقال متشفيا فيها.. مصمما و عازما..
" و هل ندمك هذا سيجعلني أخبرك عن مكانه؟..
هه.. تحلمين يا ريتا.. لن أفعلها لو بموتي "
لتقترب منه متوسلة ببكاء يجعل الحجر يلين.. و لكنه أبداً لن يلين..
" أرجوك يا يونس.. ليس لي أحد ألجأ إليه..
سأسافر خلال أيام لعدة شهور ولا أعلم ماذا سيحدث هناك..
أو بعد عودتي.. "
و سكوته شجعها لتتابع..
" أخبرني.. فأنا أخطط للهروب من بيتر و من تلك الرحلة و سأحجز تذكرة طيران لبلد إقامة أنطوان.. محاولة الهروب إليه.. "
و قراره بعدم إخبارها كان صحيحا.. ليهديها التأكيد بإصرار..
" و تعتقدين أن ما قلتِ سيشفع لكِ عندي و يجعلني أخبرك مكانه..
أليس كذلك ؟"
فيتراجع خطوة بهيمنة و ثبات أثارا الذعر فيها.. و تأكيده يصلها..
" مخطئة يا ريتا مخطئة.. فما قلته كفيل لتعرضه و تعرض أطفالك للخطر.. و هذا ما لن أسمح به مطلقاً .. "
لتهمس بضياع غير مدركة لفحوى تهديده..
" ماذا.. تعني؟ "
ليجيبها واضعا كفيه بداخل بنطاله..
" أعني أنكِ ستخرجين من هنا و لا أريد رؤيتك مرة أخرى..
و إلا أنا من سيقتلك .. "
ثم يخرج أحد كفيه ملوحا بها على هيئة جسدها من بُعده..
" فالتخلص من عاهرة ليس صعباً .. ما رأيك؟.. "
لتهمس ثانية ترجوه و عيناها مازالتا تذرفان دموعاً..
" أرجوك يا يونس.. ساعدني "
يرفع ساعده لينظر في ساعة ليست موجودة متهكما.. مستهزئا بها..
" وقتك انتهى.."
فتتحول ملامحها من باكية لأخرى شيطانية بلحظة و هي تقول..
" ستندم يا يونس.. ستندم "
و صراخها كان كفيلا بإشعال النيران بين رماده التي أحيته ريتا دون قصد فاقترب كالطود الخاسف لكل أخضر و يابس..
" من الواضح أني أخطأت حين تركتك..
فبالفعل تستحقين القتل "
و باللحظة التالية كانت أصابعه تلتف حول رقبتها ضاغطا عليها لتتحشرج أنفاسها بغير رحمة منه و يداها تحاولان الوصول لوجهه لتهمش وجهه بأظافرها بدفاع عن نفسها و لكنها لم تفلح إذ أمسك كلتا يديها بقبضته الأخرى..
و بالنظر لعينيها يدرك أنه قاتلها لا محالة..
" يونس "
و النداء من ورائه كان كالصاعق الكهربائي الذي يعيد الميت للحياة..
انتفض بعيداً مبعدا قبضته عن رقبة ريتا التي كانت تسعل محاولة استعادة أنفاسها..
و بعد أن هدأت و أصبحت قادرة على الرؤيا السليمة و الواضحة للنظرات المذهولة بين يونس و الواقفة على عتبة باب المكتب..
إذاً فهو دورها للانتقام منه..
" سألتك إن كانت عشيقتك و هددتني بالتقرب منها "
تحاول إعادة هندمة ملابسها و هي تقول بتشفٍ..
" إذاً ما رأيك بإخبارها عن علاقتنا سويا؟ "
ليتحفز يونس في وقفته و يتحرك خطوة باتجاهها محذرا..
" ريتا.. أُحذرك.. ستخسرين كل فرصك أمامي "
لتجيبه من بين أسنانها غاضبة..
" لقد خسرتها بالفعل يا يونس و عليّ و على أعدائي "
ثم التفتت للواقفة بتخشب قائلة بنعومة..
" هل أخبرك بعلاقاته القديمة؟.. أم صرح لكِ برغبته في
بداية جديدة معك ؟"
و السؤال هذه المرة كان من چود التي تجاهلت الرد على السؤال الذي وُجه لها..
" من هذه يا يونس؟ "
و يونس يقف صامتاً كالغارق بين ماض بكل أوساخه..
و حاضر و مستقبل بكل نقائهما ..
و صوت ضحكات ريتا المقهقهة تصدح في الفراغ الثقيل بينهم..
" كنت على يقين أنه لم يخبركِ "
ثم اكتست ملامحها بتشفٍ قائلة..
" أنا زوجته الأولى يا عزيزتي "
طالعته چود بذهول.. و همسها يخرج متعذبا..
" زوجتك؟.. "
ففاجأتها ريتا قائلة بتصحيح لئيم..
" كُنت.. كُنت زوجته "
و الصمت ساد بين اثنين كانا بعالم آخر.. و كل ما يجمعهما الآن..
في تلك اللحظة هي النظرات..
و الصوت الحاقد يتابع..
" نعم زوجته.. تخيلي..
من الواضح أن علاقته بكِ لا ترقى ليخبرك بكل ماضيه.. "
طالع ريتا دون تعبير ثم اقترب منها ممسكا بمرفقها يرجها رجاً جعل الدوار يتملك منها..
" أخبرتك ألا تتجاوزي حدودك "
ثم يدفعها باتجاه الباب قائلا..
" هيا.. اخرجي من هنا.. لا أريد رؤيتك مرة أخرى و إلا أقسم لكِ أنني سأقتلك دون ذرة ندم "
و الوعيد الذي نطق به حروفها جعلها تلتفت له قبل أن تخرج..
" سأخرج يا يونس.. و لكن تأكد أنك ستندم أنك لم تساعدني "
خرجت ريتا تاركة ورائها جسدين متصلبين بشكل مخيف..
بشكل يدعو للرهبة..
" يونس "
و ندائها خرج متوسلا.. و لكنه لم يكن في حال يسمح له حتى أن ينظر إليها.. إن نظر لها قبل أن يستعيد نفسه ستكرهه أكثر..
" اخرجي چود "
و لكن إصرارها العنيد..
" أخبرني يا يونس ما معنى ما قالته.. "
و سؤالها المتوتر أوجعه لإدراكه بوجعها.. و لكن وجعها الآن لن يُقارن بالوجع الذي سيجعلها تشعر به إن التفت لها..
فقال آمرا.. صارخا..
" أخبرتك أن تخرجي چود.. الآن چود الآن "
خرجت كما أراد تُودعه شهقاتها المُعذبة لتكون كالسياط المدببة فتزيد من جلده لروحه..
أما هو فظل واقفا مكانه للحظات قبل أن يتحرك بثقل مستشعرا قيودا تلف جسده كما روحه..
و كأنه أراد إيلام نفسه فضرب بكفيه على سطح مكتبه..
ثم و بدون وعي أطاحت ذراعه كل ما هو موضوع على سطح المكتب متذكرا كلمات تلك الحقيرة و حقيقة كونها من كانت زوجة أنطوان..
و مع تلك الحقيقة وازت حقيقة من تكون ريتا نفسها..
ريتا العاهرة..
تنفس بعمق ثم استقام معتدلا في وقفته مقررا..
أن انطوان ليس عليه أن يعرف أي شيء..
قرار يعتقد أنه لن يندم عليه أبداً
****
يجلس وراء مكتبه و أمامه حاسوبه مفتوحا على صورتها..
صورتها التي التقطها بنفسه بواسطة هاتفه..
هاتفه الذي زينته صورتها كما زينت فراشتها جيب سترته..
و كما خبأها هنا في درج مكتبه لتظل دوما بجواره ينظر إليها حين يشتاق..
و حين يضعف..
و حين يجن..
كما الآن بالضبط..
شاهر دويدار سيعترف أنه وقع صريعا لعينيها..
ثم و بكل جبروت منها كانت تدك حصونه واحداً تلو الآخر..
ترى كيف حالها؟..
كيف أصبحت؟..
يونس أخبره أنها بخير..
كيف بخير؟..
و كيف قدمها؟.. هل تتحرك بشكل طبيعي أم أن إصابتها كانت قوية لتترك أثراً على قدمها كما ترك أثاره هو عليها؟..
على شفتيها بقبلته
و على جسدها باحتضانه لها..
و بقلبها بسواد كلماته التي كانت كالسم الزعاف الذي قصده ليصيب قلبها و نفسها..
سيجن.. حتما سيجن..
و خاصة و هو لم يستطع التخلص من أثارها طوال فترة ابتعاده عن محيطها..
و إن ظل هكذا سيفقد عقله بالتأكيد هذا إن تبقى لديه عقل..
عليه أن يفعل شيئاً لينجو بنفسه و ما بقى منها..
عليه أن يرمم ما خسره فلم يعد لديه طاقة لمزيد من الخسارة..
التفت بعينيه ليرى الملف الخاص بالمرأة التي زارته منذ أيام..
سيدة ألفت كما عرف اسمها من الملف و كما علم من المعلومات التي وصلته..
وريثة لأموال و ممتلكات ليست هينة..
وحيدة.. أرملة وليس لها أطفال..
و مما استطاع استشفافه خلال زيارتها له كان العرض أكبر من مجرد عمل..
و هو ليس بالغر أو الساذج الذي لن يستطيع فهم ما ترمي له سواء بنظراتها .. أو كلماتها المبطنة..
و لكن لسوء حظها هو رجل لامرأة واحدة..
امرأة وقع بهواها و للأسف أضنتها عليه الحياة لتكون تلك المرأة مِلكا لآخر..
و لكن هو.. كشاهر دويدار..
سيكتفي بما زلزلته داخل قلبه.. و كيانه..
و لذلك فإن القرار بالبعد لم يكن هروبا ..
بل سيكون نجاة..
نجاة له كما سيكون نجاة لها..
فلن يستطيع التغاضي عن أذيتها لفظيا إن رآها ثانية..
و لذلك أصبح القرار في حيز التنفيذ..
أمسك الملف بأصابعه ثم استقام من مكانه ممسكا بمتعلقاته و خرج من مكتبه واقفا أمام سكرتيرته مادا لها الملف و هو يقول بحزم..
" هاتفي صاحبته و أخبريها أن مشروعها تم رفضه.. "
ثم أضاف بعد أن أمسكت السكرتيرة بالملف ..
" و إن صممت على تنفيذ مشروعها فعليها أن تلجأ لقسم المشروعات و الاتفاق معهم "
ثم غادر متجها للمكان الوحيد الذي سيجد فيه مساعدة على تنفيذ قراره..
****
" كيف حالك شاهر؟ "
قالها أندرو الجالس مرتديا ملابس لا تمت للعملية بصلة..
" بخير أندرو.. "
أمال أندرو رأسه بتدقيق ثم قال بخبث..
" حسنا لم لا أرى ذلك؟.. "
ارتفع وجه شاهر لينظر له قائلا و كأنه يرحب بتلك المساحة الصغيرة للكشف عن مكنوناته حتى و إن لم يبح بها..
" و ماذا ترى؟.."
" أرى أنك ميتاً شاهر.. "
و الكلمة كانت قاطعة.. صحيحة..
أصاب أندرو اختيار اللفظ دون لف أو دوران..
ليجيبه شاهر مبتئسا يومئ برأسه..
" حسنا لقد فزت "
فيقطب أندرو ما بين حاجبيه قائلا بعدم فهم..
" ماذا تعني؟ "
فيعود الآخر مغلقا على نفسه..
" لا شيء أندرو.. دعك مني "
ثم يضيف بعد أن اعتدل بثبات في جلسته محاولا بدء حديثه تمهيدا لما يريده..
" المشروع يتم العمل به على قدم وساق.. و خلال فترة وجيزة سينتهي "
و كأن أندرو استشعر بديهية ما يقوله..
" أعلم كل هذا.. ما الجديد الذي يجعلك تقوم بزيارتي خصيصا "
يتململ في جلسته و كأن أندرو أخذه على حين غرة.. ليسأله شاهر متصنعا الاستياء..
"هل ضايقتك زيارتي لهذا الحد ؟"
ليميل أندرو تجاهه قائلاً بصراحة ..
" لا يا شاهر لا تفهمني خطأ و لكن أنا و أنت على علم أنك لا تتفاعل مع أحد و دوما منطوٍ.. مُفضلا الاختلاء بنفسك و عدم مشاركة أحد"
ليشعر فجأة بالبؤس يتخلله فتتهدل أكتافه بضعف مجيبا.. مواجها نفسه قبل أندرو..
" من الواضح أني أخطأت حين تخليت عن هذا المبدأ أندرو "
" ما تلك الألغاز بِرَبك ؟"
قالها أندرو بنزق ليجيبه شاهر محاولا استعادة ثباته و لو قليلا..
" قبل سفرنا أخبرتنا أن هناك مشروعاً آخر يستلزم السفر "
" نعم فعلت "
ليتابع شاهر بنبرة لم تخل من الرجاء..
" إذاً هل يمكنني طلب شيء ما و الاعتماد عليك في تلبيته ؟"
يستقيم أندرو من وراء مكتبه ليجلس مقابلا لشاهر و هو يقول..
" أقلقتني و لا أعلم لمَ اشعر أن كلامك مريب "
ليفاجئه شاهر قائلا..
" أريد أن أستلم هذا المشروع "
فيجيبه أندرو ببديهية مصاحبة بعدم فهم..
" هو بالفعل لكم "
و المفاجأة الأكبر كانت
" بمفردي "
و عدم الفهم تفاقم لدى أندرو ليسأله..
" ماذا تعني؟ "
فترتخي حصون شاهر للمرة الأولى.. بسابقة نادرة الحدوث..
" أريد حجة للبُعد.. شيء يجبرني عليه..
لأني لو لم أجد حجة أعتقد أني سأخسر أكثر مما خسرت "
ليتأفف أندرو بنزق هاتفا..
"ها قد عدنا للكلام المريب "
لتعلو الحصون مرة أخرى متداركة مدى الضعف المبهم الذي أظهرته..
" أندرو لا تسألني عن شيء.. فقط نفذ لي ما أريد.. "
يطرق أندرو بأصابع يده المستندة على سطح المكتب بجواره و هو يهتف..
" حسنا خلال أيام سنبدأ في الترتيب لإنهاء إجراءات صفقة الأرض التي سيقام عليها المشروع.. "
" جيد إذاً..
كُن على اتصال معي لتبلغني بالموعد.. و خلال أيام سأنهي كل الأمور "
قالها شاهر أثناء استقامته بنية المغادرة ليأتيه رد أندرو..
" سأهاتفك "
و غادر شاهر متيقنا أن ما يفعله ليس له مسمى غير الهروب في تفكير الكثيرين.. لكنه حقا يريد النجاة من أسرها له ..
و إن لم يفعل هذا لا يعلم ما سيقدم عليه..
وهو!! .. ليس لديه القوة لمواجهتها..
و ليس لديه القدرة على العيش تحت سماء لمدينة واحدة تجمعهما دون أن يمتلك القدرة على مواجهتها.. رؤيتها..
أو أخذها بين ذراعيه متنعما بنعيم مُحرم ذاقه مرة واحدة و تلك المرة كانت له حياة
بعث من الموت ..
و بعد أن ابتعد عنها ثانية..
عاد شاهر ميتا كما قال أندرو ...
و عند عودته للمكتب كانت السكرتيرة الخاصة به توقفه قائلة..
" سيد شاهر.. سيدة ألفت بالداخل "
قطب ما بين حاجبيه متسائلا..
" لماذا أتت ؟"
لوت الفتاة شفتيها قائلة..
" كل ما قالته إنها تريد رؤيتك "
ارتبك للحظه ثم استعاد نفسه قائلا..
" حسنا.. شكرا لكِ "
و بالداخل كانت تجلس أمامه بحِلة عملية تفصل جسدها تفصيلا..
لو أي رجل غيره لكان أكثر من مُرحب بهذا العرض.. المثير..
" لقد أمرت السكرتيرة بإبلاغك بقراري "
لتجيبه بثقة أغاظته..
" و أبلغتني بالفعل و لكن سؤالي هو لماذا الرفض "
و كانت الحقيقة أقصر الطرق.. حتى وإن كان ملتوياً في نظره..
" لدي سفر مهم خلال أيام "
ثم تابع بعد أن نقر بطرف قلمه على سطح المكتب..
" و كما أخبرتك السكرتيرة تستطيعين الاعتماد على قسم المشروعات بالشركة سيكونون خير عوناً لكِ "
" و لكني أستطيع الانتظار.. فقد أخبرتك أني لست في عجلة من أمري "
ليومئ برأسه قائلا..
" أعلم و لكن السفر قد يطول لفترة لا أعلمها.. "
" ظننت.. يعني اعتقدتُ أنك.. "
و الكلمات المرتبكة كانت خير دليل على كل وساوسه تجاهها..
و لكنه ببساطة ليس الشخص المناسب..
" أعتذر للغاية و لكن كما أخبرتك لا يمكنني قبول المشروع "
لتعبس ملامحها بحزن ثم تستقيم من مكانها فيتبعها واقفا منتظرا خروجها و لكنها تفاجئه عارضة..
" أنت مدين لي إذاً "
" عفواً "
قالها متعجبا لتبتسم ببساطة و هي تقول..
" سأجازف بمشروعي مع غيرك "
لا يجد حقاً ما يقوله و لكنه تفاجأ بها تفتح حقيبتها تخرج بطاقة ما ثم تمدها إليه و هي توضح ..
" هذا المطعم الخاص بي.. متخصص بالأكلات العربية بالتأكيد اشتقت لتناولها "
أمسك البطاقة بين أصابعه لا يفهم سببا لكلامها و لكنه علم حين تابعت..
" بعد غد يكون اليوم الخاص بمتابعتي للمطعم.. ما رأيك لو تناولنا العشاء سويا؟"
و العرض بالتأكيد مرفوض..
" أنا.. "
و لكنها قاطعته قائلة بثبات..
" لا مجال للاعتذار.. سأكون بانتظارك كما يمكنك القول بأنه تعويضاً منك لرفض مشروعي "
ثم خرجت دون كلمة أخرى تسد عليه باب النقاش..
و باب الرفض..
****
" مبارك عزيزتي "
قالتها فداء للفتاة التي تصغرها بعدة أعوام و التي تعمل معها على مشروع الحضانة الصغير الذي افتتحته بالفناء الخارجي للبيت..
تقف بجوار والدتها التي أتت بصحبتها لتقوم بدعوتها لحضور زفاف ابنتها و حضور حفل الحناء الذي يقيمونه احتفالا للعروس..
" العقبى لفارس يا ابنتي "
قالتها والدة الفتاة لتجيب فداء بسعادة و عيناها تناظران ابنها بقلب يدعو أن يحفظه..
" شكرا يا خالة.. "
ثم تتابع السيدة قولها المحبب..
" ابنتي تشكر فيكِ للغاية..
كما أهل الحارة أيضاً.. الجميع يحبك يا فداء.. "
لتحمر فداء خجلا من كلام المرأة ثم تشكرها..
" أشكرك يا خالة.. أنا محظوظة للغاية لوجودي بينكم "
لتؤكد المرأة قولها..
" إذاً لابد أن تحضري العرس.. سأنتظرك "
و لكن فداء تتوتر و هي تجيبها شاكرة..
" سأحاول يا خالة.. و إن لم أقو على المجيء أرجو ألا تحزني "
و لكن المرأة تخبرها قاطعة..
" لن أقبل أية أعذار.. سننظرك يوم العرس و قبلها يوم الحنة.. "
" اليومان!! "
ضحكت فداء مع قولها لتجيبها المرأة واعدة..
" نعم.. سأضع لك الحناء بنفسي.. "
ضحكت بحياء فتلك الطقوس كانت دوما تحضرها للغير..
أما لها!! .. فلم تعشها قبلا..
كالحناء.. لم تضعها قبلا و كأن زهوتها داخلها اختصرت بالعرس..
العرس الذي حُرمت منه و عَقد عليها جابر بعد وفاة والدها بفترة ليضع أهله أمام الأمر الواقع..
خرجت من شرودها لتجيب المرأة..
" سأحاول يا خالة "
و غادرت المرأة بصحبة ابنتها لتفاجأها الخالة حسيبة التي تساعدها في أمور بيتها بسؤالها..
" لم ترفضين الذهاب للعرس؟"
لتجيبها فداء دون أن تنظر لها..
" لا أرفض و لكن لدي سبب للرفض.. "
لتسألها المرأة بإصرار رغبة منها أن تخرج فداء للدنيا و تُنفس عن نفسها و لو قليلا..
" ما هو يا ابنتي؟ "
و لأن فداء تعتبر الخالة حسيبة كقريبتها أو حتى والدتها فلم تبخل عليها بالإجابة..
" ليس لدي ما أرتديه في عرس كبير كهذا.. "
و الإجابة رغم بساطتها و لكنها اخترقت قلب الواقف في الزاوية المظلمة مستمعا للحوار من بدايته..
و لكم تجلده فِداء دون قصد بكل ما تتفوه به..
تجلده بتقصيره تجاهها دون أن تنطق..
تجلده بضعفه و خذلانه ..
تجلده بما كان دون أن تبوح به..
" أنتِ زينة لأي ما ترتدينه يا فداء.. "
الكلمات أكدها بنبض قلبه المتسارع.. و إيماءة رأسه بصدق..
بينما همسها يصله..
" شكرا يا خالة و لكني سأرتاح هكذا "
ثم تستقيم من مكانها واقفة و هي تقول..
" هيا لننتهي من طلبات الخضار حتى لا يكون لدينا ما يشغلنا غداً..
فعطلة جابر باليوم التالي و لا أريد ما يشغلني حتى أكون بصحة فارس "
فولدها يجبرها على مشاهدته أثناء جلوسه و لعبه مع والده..
" فداء "
و النداء نجاة
و النجاة فقط تكون بين أهدابها..
و بدفء كلماتها و وجودها..
التفتت لتراه واقفا ثم يتقدم خطوة منها قائلا..
" أردت إخبارك أني سأسافر غداً "
تقطب ما بين حاجبيها متسائلة ظنا منها أنه سفر لعمل إضافي لديه
"إلى أين ستذهب؟.. "
فيجيبها متخوفا من رد فعلها..
" سأذهب إلى المدينة غداً "
فتجيبه تذكره و كأنه نسي..
" غداً عطلتك "
ليجيبها بخفوت..
" و لأنه عُطلتي سأذهب "
و الخوف أن يعود لما كان عليه مزروع داخلها ..
أن يهجرها كما فعلها قبلاً..
كما فعلها في كل مرة كان يعود بها..
" هل.. يمكنني.. سؤالك.. لم ستسافر إلى المدينة؟ "
و السؤال خرج مشحونا.. ضعيفا.. محتاجا.. و طالبا للحق فيه..
" أمر مهم.. و شخصي "
لتكون الإجابة قاصمة لها و لكل أمانها و سلامها النفسي..
فمن الواضح أنه ليس هناك فائدة..
من الواضح أنه ملّ منها و من جيرته لها..
" حسنا على راحتك.. "
لتكون الإجابة بشيء من الثبات الخادع و الصوت المتحشرج ثم أضافت بثبات أكبر..
" و إن أردت تمضية بضعة أيام أُخر كما تريد "
قالتها تُوسع العرض أمامه و تفتح المجال لديه للبُعد..
فإن أراد البعد سيبتعد و لكن بعرض منها لا مجبرة عليه..
" لن أتأخر.. سأعود غداً بنفس اليوم "
و الاجابة رغم أنها مناقضة لكل شكوكها فقد تمسكت بثباتها.. و عرضها..
" و إن لم تعد.. هذا شيء يعود لك "
ثم تتحرك باتجاه البيت فيناجيها ندائه..
" فداء.. "
و لكنها أعرضت و ولت قائلة..
" انتهى يا جابر.. "
ثم أضافت موجهة حديثها للخالة..
" هيا يا خالة.. "
و قبل أن تدخل الخالة حسيبة ناداها فالتفتت له.. قائلا برجاء..
" اهتمي بها حتي أعود.. "
فتقترب منه المرأة قائلة..
" لم لا تُخبرها يا ولدي؟.. نعم لا أعلم الي أين أنت ذاهب..
و لكني لا أعتقد أنك ستجرحها يوما.. "
ليجيبها صادقا..
" عمري كله فداءً لها يا خالة.. لن أقوى على جرحها مادام فيّ نفس
يتردد بصدري.. "
فتصر المرأة على رأيها..
" و لماذا لا تُخبرها يا ولدي؟.. "
" لأنها لن تصدقني.. "
و الإجابة كانت ممزقة الفؤاد.. فالناطق ليس له رصيد يشفع لتصديقه.. ثم يتابع..
" أو أخاف ألا تصدقني.. و أنا راضٍ تماماً بما تجود هي به..
حتى و إن ظللت بقية حياتي أتقلب بنار انتظاري "
ثم يضيف مكتفيا.. راضياً..
" ما دُمت بجوارها أنا راض "
لتهديه المرأة أجمل دعوة قد يسمعها في حياته..
بل و يتمناها..
" الله يجمع بينكما عاجلاً غير آجلاً يا ولدي.."
ثم تهديه طمأنة..
" اذهب لسفرك غداً و لا تحمل هما.. "
****
في المساء كان يطرق باب شقة صفا التي فتحت الباب لتذهل من وجود يونس..
" صفا.. أين چود؟ "
لتجيبه صفا بعد أن أفسحت له المجال ليدخل..
" لا أعلم يا يونس و لكن أعتقد أنها عادت إلى بيت أهلها لأن مستلزماتها غير موجودة هنا "
ليشتعل يونس مما سمعه.. لا يريد ذهابها إلى بيت أهلها..
هو يطمئن عليها هنا..
" ماذا تعنين بهذا الكلام؟ "
لتجيبه صفا بعد أن جلست..
" لا شيء ..أنت تعلم أني فككت الجبيرة فليس لوجودها معي معنى "
و الكلام منطقي لكن لعقله هو يعني أنها تغلق جميع طرقه إليها.. منذ الصباح و هو يهاتفها فلا ترد..
سيجن حتما.. يرغب في رؤيتها في الحال..
يرغب بسماع صوتها الآن..
لا هو في الحقيقة لن يكتفي بسماع صوتها فلو عليه لهرب بها أميالا و بالأكيد بعد أن يشرح لها حقيقة ما حدث..
و لكن هل يقوى على قولها حقا..
هل سيبوح لها بعاره كرجل..
" امم هل تعلمين أن عيد مولدها بعد غد؟"
ليسأل صفا منتظرا أي بادرة حديث عنها..
" نعم أعلم و لكنها في العادة ترفض الاحتفال به "
و هنا برقت الشرارة داخل عقله.. سيجبرها على رؤيته..
و على سماعه..
و على مسامحته إن استلزم الأمر..
" حسنا هل ستساعدينني لو طلبت مساعدتك في شيء ما ؟ "
لتجيبه صفا بصدق..
" بكل تأكيد.. ماذا هناك ؟"
ليبتسم بانتصار متشوق للحظة رؤياها..
" سأخبرك "
و بعد مغادرة يونس لمنزل صفا أخرج هاتفه ليقوم بالاتصال المهم..
و المُكمل لخطته..
" كيف حالك شاهر؟ "
ليجيبه شاهر ناظرا في ساعته ملاحظا تأخر الوقت..
" بخير يونس.. و أنت؟.. هل هناك شيء ؟"
سؤال خرج مهتما أنعش قلب الصديق الصغير..
" أنا بخير لا تقلق .. "
ثم أضاف متسائلا..
" ماذا لديك بعد غد؟ "
و تحديده لليوم جعل الحكيم يتحفز متسائلا..
" لماذا؟.. ما الحكمة من السؤال؟.. "
فاليوم الذي حدده يونس أثار حفيظته لأنه نفس اليوم الذي حددته السيدة ألفت و ألقت بعرضها الكريم لتناول العشاء ..
" سيكون عيد ميلاد چود.. و أرغب في مفاجئتها..
سنتجمع كلنا للاحتفال بها. ما رأيك؟ "
رأيي!!
كلنا!!
أيعني أنه يمكن أن يراها..
" و لكن.. "
لم يشعر بنطقها إلا حينما تساءل يونس..
" و لكن ماذا؟ "
ليتدارك شاهر نفسه قائلاً بأول ما خطر على باله..
" سأسافر خلال أيام "
فيقطب يونس ملامحه متعجباً متسائلا..
" سفر.. إلي أين؟.. ومتى ستعود؟ "
و الإجابة متهربة في نظر كليهما..
" لا أعلم بعد "
و لكن يونس يصر على تواجده علّ الجمود الذي حلّ به ينزاح..
" حسنا على الأقل حاول أن تحضر الحفل حتى نودعك.. "
و مازال الهرب مستمرا..
" لا أعلم هل سأستطيع اللحاق بكم أم لا.. "
فيصر يونس متمسكا بالفرصة.. و بالجمع..
" سأرسل لك عنوان المكان في حال إن قررت أن تأتي "
ثم يضيف راجيا..
" و لكن حاول يا شاهر مرت فترة طويلة منذ تجمعنا آخر مرة.. "
فيطأطأ شاهر رأسه على الجانب الآخر من الاتصال و أمامه خياران.. الذهاب للعشاء..
أم..
الذهاب للحفل علّه يراها و يروي اشتياقه لها .
" سأحاول يا يونس.. سأحاول "
سيحاول نعم.. و لكن أي الاختيارين سيختار!!..
****


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:37 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.