آخر 10 مشاركات
البحث عن الجذور ـ ريبيكا ستراتون ** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          بريئة بين يديه (94) للكاتبة: لين غراهام *كاملة* الجزء الثاني من سلسلة العرائس الحوامل (الكاتـب : Gege86 - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          الغيـرة العميـــاء (27) للكاتبة الرائعة: فـــــرح *مميزة & كاملة* (الكاتـب : فرح - )           »          أزهار قلبكِ وردية (5)*مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          ستظل .. عذرائي الأخيرة / للكاتبة ياسمين عادل ، مصرية (الكاتـب : لامارا - )           »          152 - الحلم الممنوع - مارغريت بارغيتر (الكاتـب : حبة رمان - )           »          خـوآتـم (1) *مميزة ومكتملة* .. سلــسلة شقآئق النعمان (الكاتـب : فُتُوْن - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree105Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-12-22, 11:22 PM   #1

هدى الفقي

? العضوٌ??? » 484039
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 105
?  نُقآطِيْ » هدى الفقي is on a distinguished road
افتراضي مُخ بانية


هل ستتخلى يومًا عن كل شيء لأجل لا شيء؟
هل ستحارب العالم لأجل وهم؟
هل ستترك كل شيء خلفك فقط لأجل نفسك؟
هل أنت الجاني أن الضحية؟
هل انت أناني أم تنجو بذاتك؟

مواعيد النشر: كل جمعة الساعة 10




روابط الفصول

الفصل 1.. المشاركة التالية
الفصل 2 .. بالأسفل

الفصل 3
الفصل 4
الفصل 5
















التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 07-01-23 الساعة 01:59 AM
هدى الفقي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-12-22, 11:24 PM   #2

هدى الفقي

? العضوٌ??? » 484039
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 105
?  نُقآطِيْ » هدى الفقي is on a distinguished road
افتراضي

الخطوة الاولى: كيف بدأت؟!
كثيرًا ما كانت تشغلني البدايات، وكيف بدأت!

الألوان الزاهية تحيطه من كل جانب، يعيش في النعيم بنظره، محاط بكل ما هو جميل، الشغف يكاد يتقافز من عينيه، أغمض عينيه يستمتع بالرائحة الطيبة التي باتت واضحة جدًا، فتح عينيه على مصراعيهما وهو يشعر بشيء خطأ، يوجد ما هو ناقص هنا!

اغترف القليل من اللوحة الفنية التي كان يصنعها بيديه، تذوق ملعقة فكانت طيبة لكن لا يوجد بها ما يُميزها، إذا تذوقتها لن تدري أن من صنعها هو "الطباخ أيوب بدرالدين"، بصمته الخاصة والمميزة ليست بها!

وضع الملعقة على حافة الصحن، ليمسك بدفتره يدون به شيئًا قبل أن يسحب علبة زجاجية بها مكعبات صفراء باهتة، أحضر سكينه ليبدأ بفرم المكعبات لقطع صغيرة ليضعها على باقي مكونات الوجبة.

تذوقها للمرة الثانية ليسرح في جمال وتجانس الأطعمة، لقد كانت إضافة الزنجبيل الأخيرة مُوفقة، لقد أعطت للطبق الطعم اللاذع المميز والذي تجانس مع خليط العسل والصلصات المختلفة والبهارات والدجاج وبعض الخضروات ليضيف ألوانًا وطعمًا للطبق، ليخرج كما توقع تمامًا؛ لذيذ ومختلف!

بعض الأرز الأبيض أم بعض "النودلز" الحارة؟

كان في حيرة من أمره، فهذا الطبق الآسيوي يُقدم بالعادة إما بجانب الأرز أو الـ "نودلز".

قطع أفكاره ومخيلاته في كل ما هو لذيذ، صوت طرقٍ عالٍ على باب شقته، أثار ذلك أستغرابه، فهو انطوائي جدًا ووحيد في هذه العمارة، وحتى علاقته بباقي السكان لا تسمح لهم بزيارته في الواحدة بعد منتصف الليل!

رأي من العين السحرية شاب يسند فتاة شاحبة جدًا، خمن أنها مغشى عليها، فتح الباب سريعًا وقد هاله ما رآه، كاد أن يسأل عما حدث، لكن قاطعه الشاب بلهفة:

_أنت واقف كده ليه؟ الحقها بسرعة دي بتروح مني.

توتر أيوب من لهفة الشاب ومنظر الفتاة التعيس، ليرفع يديه سائلًا بتوتر:

_أعمل إيه؟ أقرب دكتور أعرفه على بعد خمس شوارع.

رفع يديه أمامه يحاول تهدئة الشاب قائلًا:

_اهدى، اهدى خالص، هتصل بيه وفي ظرف ربع ساعة بالكتير هيكون عندنا.

امتقع وجه الشاب بحدة، ليرفع حقيبة بلاستيكية تحتوي على محلول ملحي و بعض الحُقن، ليردد وهو يدفع أيوب من أمام باب الشقة:

_ مش عايز دكتور، أنا عايزك أنت تركبلها المحاليل دي، مش أنت صيدلي؟

بُهت أيوب للحظات، "صيدلي" لقب كاد أن ينساه، لم يسمعه منذ زمن طويل، وللصدق؛ لم يكن يحبه يومًا، فاق من شروده على فرقعة أصابع الشاب.

_ اصحى يا دكتور، ركبلها الكانيولا وأنا هروح أقفل على النار، الأكل اللي بتعمله شكله اتحرق.

أعطى الحقيبة البلاستيكية لأيوب الذي يحاول جمع شتات نفسه، حتى ذهب بخطوات بطيئة نحو الفتاة والتي تبدو وكأنها في منتصف العشرينات.

جلس على الأرض بجوار الأريكة التي وضعها عليها الشاب، اكتشف أنها ليست حالة إغماء، فجفونها نصف مفتوحة، قرأ ما هو مكتوب على القنينة التي يوجد بها الدواء، فوجدها إحدى الڤيتامينات التي تخص مرضى الأنيميا، ليفهم كل شيء، أمسك يدها يحاول إيجاد الوريد لتركيب المحلول به، وعلى الرغم من توتره لكونه لا يجيد تلك المهارة بسبب انقطاعه الطويل عن ممارسة مهنته الأساسية، إلا أنه لا يزال يتذكر الأساسيات على الأقل.

مرت نصف ساعة حتى نجح أخيرًا في تركيب الكانيولا، وقد استعادت مريضته بعضًا من قواها؛ فصارت تفتح عينيها على وسعيهما أخيرًا، انتبه للشبه الكبير بينها وبين الشاب الذي كان معها منذ قليل؛ فكلاهما يحمل نفس البشرة الداكنة والعيون العسلية الفاتحة، وعلى الرغم من كونها محجبة لكنه توقع أن شعرها أسودًا كالشاب، والذي بالطبع يكون شقيقها.

على ذكر ذلك الشاب، أين هو؟

دخل مطبخه ليجد الفوضى تعم المكان مما سبب له الضيق، فالمطبخ هو مملكته، والتي لا يجب أن تُدنس بسبب أي شخص كان.

سيجعل هذا الشاب يتحسر على عمره، مهلًا.. ما هذا!

مشاعره تبخرت مرة واحدة عندما وجد الشاب يقطع البنجر والفراولة ويضربهما بالخلاط كعصير!

أجلى أيوب حنجرته ليسأل بدهشة:

_ اعذرني بس حضرتك بتعمل إيه هنا؟

التفت له الشاب ليترك الخلاط أخيرًا وهو يمد يده بالسلام على أيوب قائلًا:

_ أهلًا بحضرتك يا دكتور أيوب، أنا حسام الهادي جار حضرتك الجديد في الدور السابع، اعذرني إني جيت لحضرتك على غفلة كده وفي وقت متأخر زي ده كمان، بس أروى أختي تعبت فجأة واتصلت بالصيدلية قالوا قدامهم نص ساعة علشان يبعتوا حد، فعم صابر البواب قالي إن حضرتك صيدلي.

كز أيوب على أسنانه من ذلك الحارس الذي لا يحفظ سرًّا قط، سيكون له حساب عسير معه، لكنه تجاهل كل حديث حسام ليسأل بحدة:

_ دي مش إجابة على سؤالي برضه، حضرتك بتعمل إيه في مطبخي؟

ابتسم حسام ببشاشة وهو يكمل عمل العصير قائلًا:

_ بعمل لأروى عصير فراولة ببنجر علشان الأنيميا، حضرتك أكيد عارف إنها كانت بتاخد محلول حديد، وللأسف احنا لسة ناقلين جديد فملحقتش أجيب أي حاجة للبيت، فهستعمل حاجات حضرتك مؤقتًا.

أنهى حسام حديثه بابتسامة لبقة، بينما أيوب يكاد يجن من عفوية الرجل، لكن حسام لم يترك أيوب لدهشته كثيرًا حيث أشار له على صحن من الطعام مكملًا:

_ أنا روحت أقفل على النار و لقيتك عامل ( sweet and sour)، ودقتها، وطعمها حقيقي مميز جدًا جدًا، فلو سمحت طلع الطبق ده بره ونتعشى كلنا سوا، أنا عارف إنك عايش لوحدك، وبالمرة يكون عيش وملح.

لم يجد أيوب ردًّا على حديث حسام، لكنه من الصدمة فعل ما أمره به حسام بالضبط، وهو لا يدري لما يتصرف هذا الحسام وكأن هذا منزل والده!

ربما هو شخص اجتماعي، ولكن أليس ذلك كثير قليلًا؟

*************************
الشوارع مغلقة، والسيارات تتراص بجوار بعضها في عشوائية بحتة، صوت السيارات العالي والذي يصحبه صريخ من سائقيها ينم عن تذمرهم بسبب الازدحام، حرارة الجو المرتفعة والرطوبة تزيد من تأزم الموقف.

كانت تقف على الرصيف وهي تفكر بأنها يجب أن تقنع والدها بضرورة شراء سيارة لها، فهي تنتظر كل يوم فوق الساعة حتى تجد سيارة تقلها إلى المنزل، وقفت أمامها سيارة سوداء، فُتِح باب السائق ليخرج منها زميلها في الجامعة، ذلك الرجل الوسيم المغرور، و الذي يحاول جذب النساء حوله، يستمتع بكونه قطعة حلوى يلتف حولها الذباب، ابتسمت ابتسامة صفراء حينما اقترب منها متسائلًا:

_ إيه اللي موقفك كده يا دكتورة مجد؟ خير فيه حاجة؟

أخذت نفسًا عميقًا، ثم ردت عليه بجفاء:

_ متشغلش بالك يا دكتور فوزي، أنا بس مستنية أوبر يوصل.

اتسعت ابتسامته ليشير إلى سيارته قائلًا:

_ خلاص حضرتك ممكن تلغي الرحلة وأنا هوصل حضرتك للبيت.

قلبت عينيها بنفاذ صبر، ثم أجابته بحدة غير مقصودة:

_ مش هينفع يا دكتور، و لو سمحت حضرتك اتفضل خد عربيتك وامشي بيها، عشان محبش إن طلابي يشوفوني واقفة في الشارع مع حضرتك.

أنهت كلامها بحدة، ليومئ هو برأسه مبررًا:

_ حضرتك ليه عدوانية ضدي كده؟ وبعدين أتا كان غرضي المساعدة بس.

ابتسمت بسخرية و هي تسير للأمام:

_شكرًا لحضرتك، بس أنا مطلبتش مساعدة.

تركته وذهبت بعيد قليلًا حتى تأكدت من ذهابه بسيارته، لم يكُن يحاول التطاول عليها في الحديث قط، لكنه منذ أن علم بكونها مطلقة، وبدأ في رؤيتها كلقمة سائغة.

لكنه لا يعلم مع من يعبث، فهي ليست كما يظن نهائيًّا، وكونها مطلقة لا يعيبها نهائيًّا، وهي تعلم ذلك جيدًا.

وقفت السيارة التي طلبتها على بُعد خطوات منها، ركبت السيارة ثم أخرجت هاتفها تتصل بشقيقتها للاطمئنان على ابنتها الصغيرة.

لم يأخذ الأمر منها سوى دقائق معدودة حتى ردت عليها شقيقتها التي تليها مباشرةً؛ وئام، والتي بدأت حديثها قائلة:

_ بنت حلال يا جوجي، كنت لسة هتصل بيكي.

ردت عليها مجد بلهفة:

_ خير! أنتو كويسين؟ وبابا والبنات كويسين؟

طمئنتها وئام، وهي تجيبها بهدوء:

_ متقلقيش كلنا بخير، بس النهاردة أنا رحت الجامعة وقابلت كاظم، وقالي أفكرك إن بعد بكرة الخميس، وإنك تجهزي نيروز علشان هياخدها.

انفعلت مجد من حديث شقيقتها؛ فطليقها لم يسأل عن نيروز لمدة أسبوعين وكل هذا بسبب زوجته التي وضعت مؤخرًا، ردت مجد بسخرية:

_ وهو لسة فاكر البية إن عنده بنت! ما كفاية عليه التوأم اللي جابتهمله خطافة الرجالة.

وضعت وئام يدها على جبينها بيأس من شقيقتها، فها هي كالعادة تأخذ دور الضحية كلما بدأ الحديث عن كاظم وزوجته.

_ يا جوجي يا حياتي، هو غاب أسبوعين علشان مراته لسة مخلفة جديد ومن حقها إنها متشلش حمل بنتك كمان!

كادت أن تكمل حديثها لكن قاطعتها مجد بصرامة:

_ هتدافعي عنهم برضه! نفسي أعرف أنتي معايا و لا معاه، يا بنتي أنتي أختي أنا، طبليلي شوية حتى.

تعالت ضحكات وئام على حديث شقيقتها لتعدل من وضع نظاراتها على وجهها، مكملة:

_ طب يا أختي، بس تعالي بسرعة علشان تسنيم و نيروز ماسكين في بعض.

عضت مجد على أسنانها بغيظ قائلة:

_ قولي لتسنيم إنها لو زعلت بنتي هقتلها.

ابتسمت وئام على حديث مجد، فهي تعلم أنها تضعف أمام تسنيم المحتالة.

أغلقت مجد المكالمة بعد السلامات المعتادة، لتشرد مجد في الطريق وهي تفكر بأنه مر أكثر من ثلاث سنوات على طلاقها هي وكاظم، وهي الوحيدة التي مازالت حياتها متوقفة، بينما هو يسعد بزوجته وأطفاله، لم تكن يومًا حقودة، لكنها متحسرة على حياتها الضائعة.

*************************
في شارع من الشوارع العتيقة، التي تشعر فيها وكأنك بين عائلتك، يربط سكان هذا الحي رابط أقوى من ألف صلة دم، في منزل مميز؛ واسع ذو حديقة صغيرة بأسوار عالية، منزل رائحة الحب كانت تفوح منه، نُقش على باب المنزل بخط أنيق جملة(منزل الحاج بدر الدين العطار)، والعطار هنا لقبه ومهنته؛ فهو صاحب أكبر سلسلة محلات للعطارة في المدينة، والذي على الرغم من شهرته لم يتخلَّ قط عن منطقته التي وُلد بها، ولا عن منزل عائلته فظل يمكث به حتى بعد زواجه وإنجابه.

جالس في حديقة منزله الواسعة، يرتشف قهوته اليومية قبل الغداء يقرأ الجريدة اليومية، غريب كونه يقرأ الجرائد الورقية في الألفية الثالثة، لكنها عادة تعود عليها منذ كان شابًّا، قبل أن تغزو التجاعيد وجهه، وتثقل الهموم كاهله، قاطع تركيزه مع الأخبار صوت حفيدته الباكي، فالتفت إليها ليجد وجهها الأسمر اللطيف باكيًا، أخذها بين أحضانه ليسألها بحنو وهو يربت على رأسها:

_ نيروز حبيبة قلب جدو بتبكي ليه؟

مسحت الصغيرة عينيها بطفولية محببة ليقبل وجنتها بحب، ردت عليه الفتاة بشهقات متتابعة:

_ خالتو تسنيم قالتلي إني سودة ووحشة، أنا وحشة فعلًا يا جدو؟

ربت جدها على شعرها بأبوه، ليقول لها:

_ بالعكس؛ أنتي أحلى بنوتة أنا شفتها في حياتي، حتى أحلى من تسنيم شخصيًا، سيبك منها الغيورة دي.

تعالت ضحكات نيروز، قبلت وجنتي جدها بحنان ثم ذهبت للَّعِب في غرفتها.

تنهد الحاج بدر الدين بتعب من ابنته الصغرى، فدلالها يزداد يومًا بعد يوم وغيرتها الحارقة من ابنة شقيقتها تزداد أيضًا، فعلى الرغم من كونها تخطت الثانية و العشرون من عمرها، لكنها تتصرف وكأنها طفلة صغيرة.

نادى باسم ابنته الصغرى، لتلبي هي النداء في الحال، فهى في عام الاستراحة قبل أن تستلم تكليفها بالعمل، جاءت بطلتها البهية المعتادة، وبوجهها الضاحك ونغزاتها اللطيفة، اقتربت منه وهي تقبل رأسه قائلة:

_ صباح الفل يا حاج بدر، أنت نزلت المحل وجيت ولا لسة هتنزل؟

ضربها بدر الدين على رأسها بخفة ليرد عليها بسخرية:

_ فاكرة الناس كلها زيك بتنام للعصر؟ أنا نزلت ورجعت أتغدى وهنزل تاني.

قبلت يديه قائلة:

_ ربنا يخليك لينا يارب، أنا هروح أشوف لو وئام وليلى خلصوا الغدا ولا لسة.

وقبل أن تقوم ناداها والدها مرة أخرى:

_ لأ استنى، أنا عايزك في حاجة مهمة.

جلست تسنيم مرة أخرى لتنتبه إلى حديث والدها:

_ خفي على نيروز شوية، دي بنت أختك، وطفلة صغيرة، كفاية عليها اللي هي بتعيشه بسبب طلاق أهلها، عايز البنت دي تكون أحسن واحدة في الدنيا.

ركلت تسنيم الأرض بقدميها بقوة قائلة:

_ الفتانة، أنا كنت بهزر معاها بس علشان كانت بتستخدم حاجتي فقولتلها كده علشان أغيظها بس وتبعد عن حاجتي.

تنهد بدر الدين بعمق، فهو أصبح على مشارف الستينات وصاحب العديد من الأمراض، ربى خمس أطفال بينهم العديد من المشاكل، والآن ليس لديه الصبر لحل المزيد من المشاكسات الطفولية، لذا ابتسم بخفة يحاول تهوين الأمر عليه، ليقول وهو يربت على رأس تسنيم:

_عارف يا روح بابا إنه هزار، بس نيروز شخصيتها حساسة جدًا فمبحبش حد يزعلها يا نيما وبالذات أنتي، ماشي يا بابا؟

أومأت برأسها بالموافقة وهي في نفسها تتوعد لتلك الصغيرة التي كانت السبب في نيل تلك المحاضرة الأخلاقية من والدها.

***************************
الصيف فصلها المفضل، لكن ليس لهذه الدرجة، فهي تكاد تنصهر من الحرارة، خصوصًا أن وجودها وحيدة بالمطبخ أرهقها زيادة.

وئام أتت من الجامعة مرهقة لذا اقترحت عليها أن ترتاح قليلًا وتأتي فقط لحشو الدجاج بينما هى ستتكفل بالباقي.

وضعت الطنجرة الكبيرة المملوءة بأنواع عديدة من المحاشي على النار، ثم جلست تشرب كوب القهوة البارد الذي أعدته بهدوء بعد انتهائها من معظم مهامها في البيت، جال في خاطرها شقيقها الأكبر؛ فعلى الرغم من كونه قريب أكثر لوئام، لكنها تفتقده كثيرًا، كلما وقفت في المطبخ تطهو.. تذكرته!

لم يمنعها أحد من زيارته، لكن مشاغلها الحياتية هى ما تمنعها، فمكتب المحاسبة الذي تعمل به يأخذ كل وقتها تقريبًا، لكنها حتمًا ستستقطع بعض الوقت في هذا الأسبوع لزيارته.. بالتأكيد ستفعل!

اجتمعوا جميعًا حول طاولة الطعام؛ الحاج بدر الدين يترأس الطاولة، وعلى يمينه فتاته الكبرى مجد، و بجوارها ابنتها نيروز، وبجانب نيروز، الشقيقة التي تلي مجد؛ وئام، وعلى يسار الحاج بدر ابنته الصغرى تسنيم، وبجوارها شقيقتها الأكبر ليلى.

كان الحاج بدر يوزع الدجاج بينهما بالتساوي، فقالت ليلى بتلقائية وشوق:

_ فينك يا أيوب؟ كنت بتموت في الفراخ المحشية، خصوصًا اللي بتعمليها أنتي يا وئام.

ساد التوتر الجلسة، فوئام تركت الملعقة التي كانت تأكل بها وقد تجمعت في عينيها الدموع، فهي كانت أقرب الشقيقات لأيوب، خصوصًا بسبب فرق العمر الصغير بينهما فقد كانا كالتوأم، بينما الحاج بدر قد انقلب وجهه بغضب، ليقول بحدة:

_كام مرة قولت محدش يجيب السيرة دي على لسانه قدامي؟

قالت ليلى مبررة:

_أنا أسفة يا بابا، بس هو وحشنا أوي.

امتعض وجه الحاج بدر ليقول:

_وحشكم ايقوا روحوله، أنا ممنعتش حد إنه يروحله، أنا بس مش عايز أسمع أي حاجة عنه، صعب كلامي؟

أومأن برأسهن بالنفي، ليكملن طعامهن، وفي قلب كل منهن غصة على شقيقها، قالت وئام وهي تحاول تخفيف الأوضاع:

_ ادعولي يا بنات، بكرة بإذن الله هروح أعرض فكرة رسالتي على الدكتور بتاعي، يارب يقبلها.

تعالت أصوات شقيقاتها بحماس؛ فكل منهن كانت تدعو لها وتحمسها، كان الحاج بدر الدين يرى مشهد فتياته بقلب مفطور، فما حدث منذ قليل فتح لديه جرح يحاول تسكينه؛ فمهما حاول أن يلبس لباس القسوة، لكنه يظل مشتاقًا لسنده ووحيده في هذه الحياة، لكنه هو من خذله وتخلى عنه وتركه عاري الظهر.

قال لوئام بدفء:

_ربنا معاكي ويوفقك يارب يا وئام، صحيح يا ليلى؛ مرحتيش النهاردة المكتب ليه؟

كان حديثه معه إشارة بأن تتعامل وكأن شيئًا لم يكن، التقطت ليلى إشارة والدها لتقول:

_أخدت النهارد ة إجازة، كنت مرهقة جدًا الفترة اللي فاتت وسهى صاحبتي هتشيلني، وأنا هبقى أشيلها الأسبوع اللي جاي علشان خطوبتها.

أومئ لها بتفهم، لكنه وجد الشرارت تنطلق بين نيروز وتسنيم، ليبتسم بداخله على هاتين الفتاتين وكأنهما شقيقتان من نفس العمر وليس خالة وابنة شقيقتها، لكنه يحب علاقتهما معًا؛ فكلاهما تشاكس الأخرر، لكنهما لا تحتملان الأذى في بعضهما البعض، كذلك كانت علاقته بأيوب، لكنها.. كانت!

*****************************
مهما كانت حرارة الجو فبالطبع لن تصل إلى حرارة ذلك المكان، على الرغم من كون مُبرد الهواء على درجة حرارة منخفضة، إلا أن كمية المواقد والأفران الموجودة جعلت حرارة الجو لا تُطاق.

كان الجميع يتصبب عرقًا من شدة حرارة الجو، لكنهم يعملون بحماس وحب، فنادرًا ما تستطيع أن تجمع بين شغفك وعملك، لكنهم هنا جميعًا جمعوا بين الاثنين لتصير بيئة العمل في أروع ما يكون.

صوت السكاكين المتخبطة، ورائحة الطعام الشهية، وروح العمل المتناغم، صوت مفاتيح المواقد المُوحدة وكأنها سيمفونية، تثبت لك أنك في واحد من أكبر وأفخم المطاعم بالبلاد.

كان أيوب يحارب النعاس بقوة، فهذا الشيء مرفوض هنا في عمله، فهو واحد من الطباخين الرئيسين هنا بالمطعم، ظل يلعن ويسب جاره وشقيقته؛ فبالأمس بعد أن تناول الطعام، أصر حسام على عمل كوبين من الشاي لهما وعمل كوب عصير آخر من عصير الفراولة والبنجر لأروى التي كانت قد استعادت بعضًا من قواها، ظل حسام وأروى عنده حتى صلاة الفجر، ليفهم في النهاية أن حسام قد نسى مفتاح شقته بسبب تسرعه ولهفته على شقيقته، فبقى عنده حتى أتى شقيقه والذي يعمل شرطيًا من عمله عند أذان الفجر، بالطبع أول شيء فعله عند استيقاظه من النوم هو توبيخ العم صابر وإخباره بأن كونه صيدلي هذا سر، لأنه ببساطة ترك هذا العمل منذ مدة.

التفت للطبق الذي كان يصنعه وقد انتهى منه أخيرًا، أضاف بعضًا من الفلفل الأسود إلى اللحم المشوي في الطبق، ثم أعطى الطبق لمساعده الخاص، ليتم توصليهم بالخارج إلى الزبائن.

والآن حان وقته الخاص..

اتجه إلى خارج المطبخ، أسند ظهره إلى الحائط ليرفع كوب الشاي إلى شفتيه في محاولة واهنة منه لتخفيف الصداع الذي لديه، رفع رأسه قليلًا ليرى شعار المطعم الفخم الذي يلمع في نهاية تلك الناطحة التي يوجد بها المطعم، سيظل دومًا ينظر إلى ذلك الشعار وكأنه أعظم انتصاراته، أو ربما عمله بهذا المطعم هو انتصاره الوحيد!
ولكن.. هل هذا الانتصار يستحق منه التخلي عن عائلته ووالده؟

ربما هم من تخلوا عنه، فهو كان بينهم كالحبل، والده يشده إليه، وحلمه وهدفه يغويانه بكل ما يريد.

هل انتصر حبه ورغبته في تحقيق ذاته، أم أن والده لم يتمسك به بما فيه الكفاية؟

قراءة ممتعة.


هدى الفقي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-12-22, 04:30 PM   #3

بنت سعاد38

? العضوٌ??? » 403742
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 524
?  نُقآطِيْ » بنت سعاد38 is on a distinguished road
افتراضي

جميييل جدا والاسم شيق اوى سلمت يمناكي

بنت سعاد38 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-12-22, 07:04 PM   #4

هدى الفقي

? العضوٌ??? » 484039
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 105
?  نُقآطِيْ » هدى الفقي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت سعاد38 مشاهدة المشاركة
جميييل جدا والاسم شيق اوى سلمت يمناكي
تسلميلي يا رب ❤️


هدى الفقي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-12-22, 11:04 PM   #5

هدى الفقي

? العضوٌ??? » 484039
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 105
?  نُقآطِيْ » هدى الفقي is on a distinguished road
افتراضي

الخطوة الثانيةالسَّيِّىء في رواية أحدهم)

أخلع عنك رداء الضحية... ربما أنت السَّيِّىء في رواية أحدهم!

فور أن يصل إلى منزله سيحتضن الفراش، لن ينظر إلى أي شيء سوى فراشه المريح و وسادته القطنية الناعمة ولن يحتاج لشيء آخر في هذه الحياة.

المصعد ممتليء!

لن ينتظر بالطبع، السلم أقرب و أوفر في الوقت، ولحسن الحظ إنه يسكن بالأدوار الأولى، لذا لن يكون صعب عليه الوصول إلى مبتغاه بسهولة.

كاد أن يفتح باب شقته، لكن صنمه صوت ليس هذا وقته بكل تأكيد،x إنه صوت جاره حسام، أكثر شخص اجتماعي قد تراه في حياتك... و ربما قليل الذوق أيضًا.

وضع حسام يده على كتف أيوب من الخلف وهو يقول بمرح:

_ دكتور أيوب! ايه الصدفة الجميلة دي.

صدفة جميلة! بالطبع لا... ليس بالنسبة له على الأقل.

مسح أيوب وجه بنفاذ صبر وهو يحاول رسم ابتسامة على وجه، لف جسده له ليمد يديه بإرهاق قائلًا:

_ أهلًا يا أستاذ حسام، خير فيه حاجة؟

أجابه حسام ببشاشة، قائلًا:

_ كنت عايز أشكرك على اللي حضرتك عملته معانا الفجر، وأعرفك على مجدي أخويا حضرتك أكيد ملحقتش تتعرف عليه.

حاول أيوب كثيرًا ردع عقله عن قول

( يا سيدي شكرًا مش عايز أتعرف عليه)

و حمدًا لله أنه نجح في ذلك، ليرد بمجاملة:

_ يشرفني طبعًا أتعرف عليه، فعلًا الفجر مكنش فيه وقت مناسب خالص علشان نتعرف فيه على بعض.

رسم ابتسامة صفراء في أخر حديثه، تنم عن ضيقه بسبب ما حدث به بالأمس.

لكن كالعادة أجابه حسام ببلاهة:

_ عندك حق، عمومًا مجدي النهاردة هيبات في القسم، بس أنت ممكن تديني رقمك ولما يجيي هكلمك وأشوفك موجود ولا برا.

و على مضض وتحت ستار جبر الخواطر وافق أيوب على تبادل أرقامهم الهاتفية، لينصرف أخيرًا حسام مكملًا طريقه إلى الأسفل بينما أيوب يتساءل ما الذي أنزله من منزله في الدور السابع بالسلم؟ هل يجب عليه أن يترك هذه العمارة لكي يهرب من حسام وأشقاءه؟

لكنه وضع كل أفكاره جانبًا عندما دخل إلى شقته، الآن يستطيع أن يرتاح، وجوده داخل المطبخ طوال اليوم يستنزفه جسديًا ونفسيًا، على الرغم من أن هذا شغفه وحلمه.

لكنه مؤخرًا صار يشعر بالتعب و الضيق وضف عليهما الوحدة أيضًا، على الرغم من ضيقه بسبب تصرفات جاره بالأمس، ولكنه ولأول مرة منذ زمن طويل يشعر بالألْفة في منزله البارد، لأول مرة ينام دون أن يفكر في كيفية شكل حياته لو لم يتهور، ربما قد يفكر في توطيد علاقته مع حسام وأخيه، حتى وإن كان وقح بعض الشيء لكنه سيتعامل مع هذا الأمر، ربما سيفعل ذلك في الغد.

لكنه الآن سينام... سينام فقط.

*******

وضعت السماعات في أذنيها بعدما ركبت السيارة التي استأجرتها، ظلت تنظر إلى بعض الأبحاث التي قدمها لها طلابها بالأمس، راجعت بعض المعلومات التي أتت في أحد الأبحاث، وضعت بعض العلامات للطلاب، تلك عادتها منذ الصغر تأجل كل شيء حتى أخر لحظة، لكنها وعدت نفسها بكونها أخر مرة تضع نفسها في هذا المأزق.

لكنها بالفعل ستعود مرة أخرى لعادتها في التسويف.

قاطع إنهماكها في التصحيح وتلبكها، رنين هاتفها لتجد أن المتصل طليقها، قلبت عينيها بملل فليس هذا هو الوقت المناسب بالطبع، لكنها ستُجيب فقط بدافع الفضول، صغطت على زر الإجابة ليأتيها صوته الهادئ والجاد في آن واحد:

_ السلام عليكم. ازيك يا دكتورة؟ ايه أخبار حضرتك وايه أخبار نيروز؟

معاملة رسمية!

و مالجديد فهذا هو تعامله معها منذ تم طلاقهما مما يقرب الأربع سنوات، في البداية كانت حاقدة عليه تحاول تدبير المكائد والمصائب له، ولكن كاظم أوقفها عندما شعر منها بالتمادي، وكعادته في التعامل مع المشكلات، وضع بعض الخطوط الحمراء في التعامل بينهما حتى تظل علاقتهما مبنيه على الود والأحترام فقط لأجل نيروز.

ردت عليه بنفس لهجته:

_ الحمدلله يا دكتور .. خير فيه حاجة؟

سمعت تنهيدته على الجانب الآخر لتعلم بأنه يشعر بالحرج، رد عليها بنبرة خحولة لطيفة:

_ ممكن حضرتك بكرا اللي تجيبيلي نيروز، معلش أنا محتاج أتكلم مع حضرتك في حاجة مهمة.

حكت ذقنها بتفكير، فهذا الأمر خصوصًا ليس لها يد به، أجابته بوضوح:

_ هشوف بابا وأرد على حضرتك.

جملة بسيطة مفيدة أعلمته بأن هذا الأمر خارج عن سيطرته وسيطرتها، فالحاج بدر الدين حازم جدًا مع فتياته، حتى إنه بنفسه يجلب له نيروز كل خميس في منزل والديه حتى يقضي معها عطلة نهاية الأسبوع، هل سيوافق؟ يجب أن يوافق.

وضعت رأسها على زجاج النافذة وهي تفكر في ماذا سيحتاجها كاظم، ربما سيخبرها بكونه يريد مقابلة نيروز على فترات أبعد، وقتها ستتعامل معه بطريقة لم يراها منها من قبل، فزوجته العقربة بالتأكيد ستسعى في التفرقة بينه وبين ابنتها، لكنها لن تسمح لها، لن تضع نيروز في موضع اليتيمة ووالدها حي، ستسعى لتحيا نيروز حياة سعيدة سوية بكل ما أوتيت من قوة حتى وإن تطلب منها الأمر محاربة كاظم نفسه.

************

ظلت تبحث في هاتفها على صيدلية لتعمل بها، فالفراغ يكاد يقتلها خاصةً وهي الوحيدة التي تجلس بالبيت في حين أن كل شقيقاتها يعملن، فهي انتهت من "سنة التدريب" الخاصة بها منذ عدة أشهر وأمامها أشهر أخرى قليلة فقط لتستلم وظيفتها الحكومية.

كانت تعمل مع والدها في صناعة الكريمات والخلطات الطبيعية، لكنها فقدت شغفها تجاة هذا العمل على الرغم من نجاحها الباهر.

لتسعى الآن في إيجاد عمل آخر أقرب إلى مهنتها ودراستها، أوقفت تقليب في الشاشة عند إعلان عن صيدلية تحتاج لصيادلة حديثي التخرج، بها عيب صغير وهو بُعدها بمسافة ليست هينه عن منزلها، وهذا ما قد يجعل والدها يرفض الأمر برمته، وعلى الرغم من أن الراتب صغير إلى حدًا ما، لكنه سيكفي على الأقل مواصلاتها وربما يشعرها ببعض الأستقلال، لتخرج قليلًا من دور الابنة المدللة عند والدها وتتحمل القليل من المسئولية.

صارت مؤخرًا تتأكد من حديث والدتها المتوفاة عن كونها أشبه شخص بشقيقها أيوب، وهذا كان يروق لها كثيرًا في الماضي، فكلاهما يسعى للاستقلال والتفرد، وكلاهما عنيد عند تحقيق شغفه، ربما هي أصرت أن تدخل كلية صيدلة فقط لكي تشبه أكثر، لكن الفارق الوحيد بينهما إنها ليست بغباءه وأنانيته، لن تجري خلف سراب وتترك كل شيء خلف ظهرها، لذلك هي لم تحدثه منذ تلك الليلة التي أظهر فيها كم هو أناني، عندما خذل والدها وتركه وحيد في أزمته، حتى إنها لم تذهب لزيارته قط في منزله على عكس شقيقاتها الآئي يزورنه كل فترة، حتى مجد التي أقسمت الا تحدثه مرة أخرى، نكثت بقسمها لتجري عليه عندما علمت بوصوله إلى مصر، لكنها ليست مثلهن، فهي كانت تراه كقديس، لكنه محى صورته في ذهنها بنفسه ليضع مكانها صورة لشيطان تنفر حتى من ذكر اسمه!
*********

فرحتها لا توصف، فلقد تم الأمر على خير وأُعجب الدكتور المشرف عليها بفكرة رسالتها، بالطبع وضع بعض التعديلات التي لا فائدة منها، لكن الأمر مر بسلام، لن تستطيع الانتظار حتى وقت الغداء لتخبر والدها، ستمر عليه في الفرع الرئيسي للعطارة في بداية الحي الذي يقطنونه.

دخلت المحل الواسع بفرح وهي توزع ابتسامتها على بعض العاملين هناك والذين يعرفونها منذ كانت طفلة صغيرة، فهذا هو الفرع الأقدم والذي كان محل صغير حتى أستطاع والدها أن يوسعه ما إن بدأت تجارته في الربح، ليتوسع أكثر في باقي انحاء المدينة حتى صار أشهرهم.

وصلت لمكتب والدها الزجاجي لتتوسع ابتسامتها أكثر وأكثر، حتى إنها بدت كالبلهاء، كل هذه الفرحة فقط لأنها رأت " هود "

قريب والدها وفارسها ومنقذهم، فإذا كان لأحد الفضل في كل هذا النعيم الذي يحيوه بعد الله فهو لهود بالطبع، لقد دعم والدها في الوقت الذي تخلى فيه أيوب عنهم.

أقتربت من مكتب والدها بخجل وهي تبتسم ثم أعدلت من وضع نظاراتها بارتباك، قائلة:

_ ازيك يا بابا ايه أخبارك؟ ازيك يا هود عامل ايه؟

علت ابتسامة طفيفة على وجه هود ليرد:

_ الحمدلله ايه أخبارك انتي يا وئام؟

أكتفت بهز رأسها بابتسامة خفيفة، لكنها أختفت عندما قال والدها بحدة، بعدما لمح النظرات المتبادلة بينهما:

_ اتفضل أنت يا هود، هنكمل بعدين.

غادر هود الغرفة وهو ينكس رأسه بحرج، بينما ظلت وئام واقفة أمام والدها تفرك يديها ببعض، ليقول بدر الدين بنفس الحدة:

_ ايه يا وئام اللي جابك هنا؟ مش قلت محدش يجيي غير لما يكون فيه حاجة مهمة؟

جمعت وئام شتات نفسها لتتذكر لماذا أتت! فرؤية ذلك الشاب الثلاثيني الأسمر أنستها اسمها حتى... قالت بعد برهة:

_ كنت جاية أفرح حضرتك ومقدرتش أستنى لما نروح، الدكتور الحمدلله عجبته فكرة الرسالة بتاعتي وخلاص هبدأ أشتغل فيها من بكرا لو عايزة.

ابتسم بدرالدين بشدة، ليقول بسعادة لا يستطيع إخفائها عندما تنجز أي فتاة من فتياته أي نجاح:

_ الف الف مبروووك يا أحلى باشمهندسة في الدنيا، عقبال الدكتوراة يارب، المهم لو حسيتي في يوم إن المكتب هيعطلك عن دراستك تقدري توقفي شغل فيه لحد ما تخلصي أنا عايزك تكوني مركزة.

اطلقت ضحكات سعيدة بسبب فرحة والدها، لكنه نبهها لشيء هام، هل ستستطيع التوفيق بين مكتبها الهندسي ودراستها؟

ردت على والدها بحيرة:

_معرفش يا بابا هقدر أوفق بينهم ولا لأ.

ربت بدر الدين على كتفها، قاىلًا:

_ فكري يا حبيبتي وقوليلي بس أهم حاجة متضغطيش على نفسك.

قام ليرتدي عبائته فوق ملابسه الكلاسيكية بعض الشيء، ثم ضم وئام من كتفيها قائلًا:

_ يلا بينا نروح نتغدا، تسنيم هي اللي هتعمل الغدا، وبصراحة أنا خايف عليكِ انتي وأخواتك منها دي ممكن تسممنا عادي.

تعالت ضحكات وئام على حديث والدها، فتسنيم قد تفعلها، فهي طباخة سيئة للغاية.

أكملت طريقها مع والدها خارجين من المحل، بينما عينيها كانت تتواصل مع عيني هود عندما رأته، ولم يقطع هذا التواصل سوى خروجها من المحل.

*************

أخرج مفاتيح الشقة من الباب، ليجد الظلام يعم المكان، دخل إلى غرفة شقيقته بهدوء ليجدها تنظر إلى حاسوبها بإنهماك، و هي تضرب على لوحة المفاتيح بإنفعال.

تأكد من كونها لا تسجل شيء، ثم تسّحب بهدوء شديد، وقف خلفها بالضبط، و فجأة ضربها على مؤخرة رأسها بقوة، افزعتها من مكانها و هي تتلو بعض الآيات لصرف الجن و العفاريت، فلا يوجد أحد معها بالمنزل، رأت شقيقها الأكبر يقف خلفها يكاد يموت من شدة الضحك، لتنزل عليه ببعض اللكمات، و من ثم بدأت مصارعة حرة بينهما فاز فيها شقيقها بسبب بنيته القوية، كانت جالسة على الأرض تدعك كتفها بألم و هي تقول:

_ ايدك دي مرزبة يا مجدي، كام مرة أقولك متعملش فيا المقالب اللي ملهاش طعم دي؟! في مرة هتموتني يا غبي.

جلس على كرسيها الخاص بعملها، ليرد و هو يلتقط بعض حبيبات العنب الموجودة على المكتب:

_ انا برضو اللي أيدي مرزبة و لا انتي اللي عندك سوء تغذية و أنيميا؟ روحي أتعالجي الأول و بعدين تعالي أتكلمي.

أخذت أروى طبق العنب من أمامه بعنف، لتصرخ فيه:

_ سيب العنب ملكش دعوة بيه دا حسام غسلهولي قبل ما ينزل، و بعدين انت ايه اللي جابك النهاردة مش مفروض تبات في الشغل؟ و تريحنا منك.

اقترب منها ثم ضربها مرة أخرى على مؤخرة عنقها، ليقول بمزاح:

_ لااا أنا دافع في البيت دا زي زيكم، مش هتعمليلي رباطية انتي و سي حسام و تمنعوني أدخل البيت، يا دلوعة حسام انتي.

أتاه صوت حسام من أول الغرفة قائلًا:

_ بس يا شحات انت لاقي تأكل أصلًا، و بعدين ملكش دعوة بأروى علشان مزعلكش.

أخذ مجدي طبق العنب من بين يدي أروى ليقول و هو يخرج من الغرفة:

_ أشبعوا ببعض مليش دعوة بيكم.

ناداه حسام قائلًا:

_ استنى يلا...هات طبق العنب دا و جهز نفسك هنعدي على دكتور أيوب نشكره على تعبه معانا أمبارح في الفجر.

اومأ له مجدي و هو يقول بنعاس:

_ بكرا بقا يا كبير علشان هموت و أنام النهاردة تمام؟!

اومأ له حسام بالموافقة، ليأكد عليه:

_ خلي الموضوع في دماغك بقا.

هز مجدي رأسه بالموافقة، ليذهب إلى غرفته كي يرتاح قليلًا.

أقترب حسام من أروى ثم قبل رأسها بحب قبل أن يودعها هو أيضًا ليدخل إلى النوم.

شعرت أروى بالشفقة على شقيقها حسام، يحاول مداراة جراحه بإجتماعيته المزيفة تلك، يحاول شغل عقله بكل شيء حتى لا يتذكر ذلك الماضي المخزي، و لا التجربة الفاشلة التي خرج منها للتو.

دعت الله أن ذلك الجار أيوب يكون صديقًا لشقيقها ، عله يستطيع إخراجه من حالته تلك.

جلست على كرسيها ثم وضعت سماعاتها على أذنها لتكمل عملها ببال مشغول.

*************

حاولت الاتصال به العديد من المرات لكنه لا يجيبها، أرجعت ذلك لكونه ما زال في عمله، هي الوحيدة من شقيقاتها التي لم تقطع علاقتها به بسبب ما فعله، حتى وئام لم تحدثه إلا من فترة قريبة لكنها كانت حريصة على توطيد علاقتها به، ربما لأنها عانت ما عانه من قبل.

فهي تتفهم أن والدها لا يغفر الأخطاء بسهولة، حتى إنها تراه في بعض الأحيان قاسي، لكنها تعلم أن ما فعله أيوب لم يكن هين و لكنه كان صغير و لم يجد من يرشده، فبعد وفاة والدتهم كان أيوب أكثر من تأثر، و للأسف لم يتفهم أي أحد منهم هذا الشيء، ففضلوا تركه وحيدًا، و بدلًا من الإمساك به و مساعدته على النجاة تركوه يغرق.

قاطعها رنين هاتفها لتجده أيوب أجابته بلهفة:

_ أيوب عامل ايه بقالي فترة كبيرة بتصل بيك بس مبتردش.

أجابها أيوب بهدوء:

_ ايه يا لولا فيه ايه مخضوضة كدا لية... أنا كنت في الشغل بس ولسة مخلص حتى إني مخرجتش من المطعم لسة.

سمعها تزفر براحة، فهو يعلمها كم هي عاطفية ودائمة القلق... أستفهم منها عندما طال صمتها:

_ ايه يا حبيبتي كنتِ عايزة حاجة متصلة كتير ليه؟

احابته وكأنها تذكرت للتو:

_ أفتكرت... بإذن الله بكرا بعد الشغل هعدي عليك هتكون فاضي؟

أجابها وهو يخلع الغطاء البلاستيكي الرقيق الذي يغطي رأسه وقدميه:

_ ولو مش فاضي أفضالك يا لولتي، هتيجي لوحدك ولا معاكي حد من البنات؟

صمتت قليلًا ثم أجابته:

_ معرفش لسه هشوف وئام ممكن تيجي معايا.

رد عليها وهو يحاول إنهاء المكالمة:

_ تمام يا قمر هستناكم.

أغلق المكالمة معها سريعًا ليبدأ في تبديل ملابس عمله بأخرى خاصة به ليذهب إلى منزله، قطع طريقه مساعده والذي يعتبر أقرب أصدقائه في العمل (يعقوب).

بدأ يعقوب الحديث، قائلًا بتفاجيء:

_ شوفت مش لؤي شيف الحلويات هيستقيل خلاص!

قطب حاجبيه بدهشة قائلًا:

_ بتهزر ليه بس؟ دا بيحب المكان والشغل أوي.

رفع يعقوب كتفيه بلامبالاة.

_ اللي أعرفه إنه جاله عقد عمل برا، وطبعًا هيسافر علشان المرتب اللي معروض عليه أعلى، بس مدير الفرع أشترط إنه مش هيقبل الاستقالة إلا لما يلاقي بديل، أنت عارف اننا أصلًا كان عندنا عجز في قسم الحلويات بالذات.

هز أيوب رأسه تأيدًا لحديثه، ليتمتم وهو يأخذ شنطة ظهره قائلًا:

_ ربنا يسهل... عايز حاجة يا رايق؟

_ تسلم يا غالي مع السلامة.

خرج أيوب من المطعم وهو يفكر بشقيقاته، مؤخرًا بدأت علاقتهم معًا تعود بالتدريج إلا تسنيم والتي لم يراها منذ ما يقرب الخمسة أعوام.

يعلم أن ما فعله كان خطأ لكن ليس لهذه الدرجة، لقد كان يحاول النجاة بذاته واستغلال فرصة لن تعوض مرة أخرى، لكن والده كعادته في تهويل المواضيع جعله الشرير الذي خذل والده وشقيقاته، ربما نجاحه في مجاله يعوضه ولو قليلًا عن عائلته المفقودة، ولكن لاشيء سيمحو ذكريات ما يفوق عن خمسة وعشرون عام... لكنه يحاول.

*************

أقتربت من فراش والدها بهدوء، ليرحب والدها بها وهو يبتعد قليلًا لتجلس بجانبه، ربت على ظهرها بحنو وهو يقول:

_ ايه يا حبيبة أبوكي محتاجة حاجة أو نيروز محتاجة حاجة... ما أنا عارفك مبتجيليش متأخر كدا غير لو عايزة حاجة من غير ما أخواتك يعرفوا.

تعالت ضحكات مجد لتقول بمزاح:

_ قافشني أنت يا حاج... بس الصراحة أنا عايزة أقولك حاجة.

رفع بدر الدين يده عن ظهرها، ليضع يديه أسفل فكه قائلًا:

_ شكلك جاية في مصيبة يا مجد، هاتي اللي عندك.

فركت يديها بتوتر، لتقول بسرعة:

_ بصراحة كدا كاظم عايز يقابلني بكرا و أوديله نيروز.

جحظت عيني بدرالدين ليضرب مجد بخفة على ذراعها قائلًا:

_ وبتقوليهالي عادي كدا؟ وبعدين عايزك في ايه دا معملهاش وأنتوا مخطوبين جاي يعملها بعدما أتطلقتوا!

دلكت كتفيها بسرعة وهي تجاوب على اسئلة والدها بتذمر:

_ وأنا ايه عرفني بس يا بابا! وبعدين بتضربني أنا ليه هو أنا اللي طلبت!

أجابها ضاحكًا:

_ أضربك زي ما أنا عايز يا دكتورة... فاكرة نفسك هتكبري عليا؟

قبلت يديه بحب ثم قالت:

_ ولا أقدر يا حاج... المهم أقوله ايه؟

أجابها والدها:

_ موافق، ولو قدرت أجي معاكي هروح، لو مقدرتش فهبقى معاكي خطوة بخطوة على التليفون ماشي؟ وصحيح أتقابلوا في مكان قريب بلاش توصلي نيروز لبيت أهله.

أومأت له بالموافقة، ثم قامت من على الفراش وهي تقول:

_ كنت هعمل كدا يا حاج متقلقش، محتاج حاجة مني قبل ما أنام؟

هز رأسه نافيًا ليقول لها بمزاح:

_ بس أوعي كاظم يقولك نرجع لبعض، ترجعي... عارفه الولد دا عنده قدرة على الإقناع رهيبة.

غادرت الغرفة وهي تبتسم على حديث والدها، ما أن أغلقت باب غرفتها حتى فكرت في حديث والدها، فهي مازالت تحتاج إلى رجل في حياتها

ربما شخصيتها هي وكاظم متضادتان لكنه يظل والد ابنتها، ربما لو طلب منها الرجوع ستعود، حتى لو كزوجة ثانية!

لكنه هل سيطلب ذلك؟

قراءة ممتعة


هدى الفقي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-12-22, 10:21 PM   #6

بنت سعاد38

? العضوٌ??? » 403742
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 524
?  نُقآطِيْ » بنت سعاد38 is on a distinguished road
افتراضي

رواية جميييلة تسلمي

بنت سعاد38 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-22, 09:34 AM   #7

هدى الفقي

? العضوٌ??? » 484039
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 105
?  نُقآطِيْ » هدى الفقي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت سعاد38 مشاهدة المشاركة
رواية جميييلة تسلمي
تسلميلي يا رب ❤️❤️


هدى الفقي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-22, 05:42 PM   #8

غدا يوم اخر

? العضوٌ??? » 5865
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,159
?  نُقآطِيْ » غدا يوم اخر is on a distinguished road
افتراضي

بدايه جيدة كانها روايه مطبوعه روح البيوت التقليديه بثقافتها الشعبيه الخفيه
تمنيت انها مكتمله


غدا يوم اخر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-22, 09:46 PM   #9

هدى الفقي

? العضوٌ??? » 484039
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 105
?  نُقآطِيْ » هدى الفقي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غدا يوم اخر مشاهدة المشاركة
بدايه جيدة كانها روايه مطبوعه روح البيوت التقليديه بثقافتها الشعبيه الخفيه
تمنيت انها مكتمله
إن شاء الله تستمر الرواية عند حسن ظنك❤️❤️❤️


هدى الفقي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-12-22, 04:28 AM   #10

Nour fekry94

? العضوٌ??? » 461550
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 339
?  نُقآطِيْ » Nour fekry94 is on a distinguished road
افتراضي

الرواية القمر نزلت هنا 💖💖
تسلم ايدك يا هدهد اول فصلين تحفة و حبيت حسام واروى ومجدي جدا ♥️
ايوب وراه قصة متشوقالها من زمان و متشوقة لقصة كل بنت من اخواته 🥰🥰
مستنية الجاي جدا 🥰🥰


Nour fekry94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
حلم، رومانسية، كوميديا، أخوات، اجتماعي، عائلة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:35 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.