آخر 10 مشاركات
عذراء الإيطالى(141)للكاتبة:Lynne Graham(الجزء1سلسلة عذراوات عيد الميلاد) كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          السرقة العجيبة - ارسين لوبين (الكاتـب : فرح - )           »          رواية المخبا خلف الايام * متميزه و مكتملة * (الكاتـب : مريم نجمة - )           »          لعـ زواج ـــبة (2) "الجزء 2 من سلسلة لعبة الصديقات" للكاتبة المبدعة: بيان *كاملة* (الكاتـب : monny - )           »          دموع زهرة الأوركيديا للكاتبة raja tortorici(( حصرية لروايتي فقط )) مميزة ... مكتملة (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          سافاير(138)للكاتبة:Lynne Graham (الجزء2من سلسلة الأخوات مارشال)كاملة+روابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          مذكرات مغتربات "متميزة ومكتملة " (الكاتـب : maroska - )           »          60 - العريس لا أحد - ربيكا ستراتون (الكاتـب : فرح - )           »          130-كلمة السر لا-أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          85 - عنيد - آن ميثر - ع.ق ( مكتبة زهران ) (الكاتـب : pink moon - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > القصص القصيرة (وحي الاعضاء)

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-02-23, 01:41 PM   #1

محفوظ نور

? العضوٌ??? » 510253
?  التسِجيلٌ » Jan 2023
? مشَارَ?اتْي » 1
?  نُقآطِيْ » محفوظ نور is on a distinguished road
افتراضي ساكن المقبرة ' قصة رعب '


إذا حاولت أن تتخيل مقبرة معزولة ، اندست عميقا بين ثنايا أرض اكتنزت بالأودية و الهضاب العالية المتزاحمة ، فقد تصورت مسرح هذه القصة ، و منبع كوابيسي ، و موقع عملي .

لكن قبل أن أمضي ليالي هناك ، كان يقع واجب حراسة المقبرة المعزولة على عاتق الرجل المدعو بعمي الجيلالي , لا يتحدث عمي الجيلالي عن لياليه فيها ، و عندما يحلوا الكلام عن الغرائب و الجان يلتفت كل من هم في حلقة السمر إلى الشيخ الستيني و كأنها مكتوبة على جبينه , فيبتسم محرجا أو مازحا و ينفي حدوث أي شيء طيلة ما يقرب العشر سنين التي وقف فيها على تلك المقبرة, فيتركه من عرفه من القدماء عن خبرة ، لكن بعض الشبان و الأطفال يكثرون الإلحاح فلا يجدون سوى تجاهل عنيد أو تغيير للموضوع ، و قد لاحظت ) و أنا إن لم أعرف بشيء قالو هو لقاف لكل صغيرة ( أن عمي الجيلالي لا يحلف ، و كونه رجل إعتاد لسانه على الحلف و القسم ليس بالله فقط بل بالولات الصالحين و رأس أمه و أبيه المدفونان في المقبرة التي يحرسها ، تجده لا يبرء نفسه بسلاحه المفضل من هذه الشبهة التي ألصقها به كل من يجالسه ، ورغم أنني تربيت بين أعطاف منزله و أنه عمي عن حق وأنني كنت مصاحبا له في كثير من سهراته في العمل ، و تطوعت معه في حفر كثير من القبور ، فهو لم يقصص لي ما يزعم الكثيرون أنه يشهده في تلك المقبرة المعزولة ليلا ، بيد أنني وجدتني أخلفه بعد أن وجدوه منهارا أمام بوابة المقبرة صبيحة أحد الأيام ، لقد كان إرتفاع في الضغط راجع لإجهاد جسدي و ربما نفسي حسب قول الطبيب ، و أصبح عمي الجيلالي المسكين معاق الشفة السفلى و لا تفهم من كلامه إلا ما كان متيسر الخروج له .

لأصدقك القول لقد كنت جبانا رِعْديدا خلال أسبوعي الأول و كانت دوراتي حول المقبرة تستدعي مني عظيم الجهد و الشجاعة ، لكن عقلي سرعان ما تبرم من الأفكار التي تحوم حوله كل ليلة ، و تبعه حسي في تبلده و أصبحت لا آبه لصفير الريح و هي تشق طريقها بين شواهد القبور أو مخلوقات الليل العديدة و هي تهمس أو ترتجف بين الشجيرات ، لكن عملي لم يخلو من خطر حقيقي ، ليس منهم بل من متعاطي الخمر و المهلوسات ، فهم يتخذون من حرمة المقبرة و بعدها عن الناس مرتعا لأفعالهم ، و لا أعرف كيف ابقاهم عمي تحت السيطرة ، فهم لا يدخلونها إلا نادرا و يكتفون بالجلوس على حدودها و الإتكاء على صورها الهرم.

مرت الأيام ، إلى أن بدأت الأمور باتخاذ منحا غريب و دامي ، كنت في ذلك اليوم قد أتيت متأخرا عن المعتاد ، و وجدت الظلام قد بطش بالمنظر الذي ألفت لقاءه ، منظر الشفق و هو يمتد في السماء ، أحسست بشعور غريب و مزعج قد عمني ، لكنني تركته خلفي و هممت بدخول المقبرة من بوابتها القديمة ، و صدقني لم تساعد النسمة الباردة التي هبت فجأة أو أنين حديد البوابة الصدء و هو يهتز تحت رحمتها في تحسين الأوضاع ، كل شيء ينبئ بقدوم العاصفة ، حتى غرائزي تختلج من الداخل في صخب ، لكن من منا يتابع الأحول الجوية ، و من منا يثق في حدسه حين يكون صادقا ، فما إن ولجت لغرفة الحراسة و إشعالي لضوئها نسيت كل ذلك ، غير أنه و لو تركتك تلك الأفكار فإن أخواتها و متمماتها ستهجم عليك لا محال ، ما إن يمس الشك القلب الضعيف فهو رهنه .

باقيا بدون هاتف كوني أجلت شراء بطارية جديدة بدل القديمة المتهالكة ، فلم يتحمل الهاتف صحبتي سوى لنصف ساعة ليخونني تارك إياي لوحدي في تلك الغرفة ، وحدي مع أفكاري و التي رغم اجتهادي في التحكم بها ، فهي لا تنفك مني إلا لتقفز نحو ما لا أبتغيه مباشرة ، حتى استسلمت ، أعددت بعض الشاي و جلست أرتشفه و عقلي منكب في تذكر كل قصة رعب و جان سمعها كرجل الأرشيفات في ساعة الزحمة ، و كما تحزر فللمقبرة ارث من هذا النوع كأي مقبرة في هذا العالم ، لكن ما يعطيها اليد العليا هنا هو عدد الناس الذين ماتوا عليها ، لم يدفنوا فقط بل ماتوا هنا ، بعضهم أعرف قصصهم ، لكن الكثير منهم ... لندعوا لهم بالرحمة.

في هذه القصة أكلمك بلسان جدي رحمه الله و هو يحكي لإبنيه ، يقول بأنه رويت قصص كثيرة عن هذه المقبرة منذ القدم لكنه لم يشهد منها سوى قصتين ، الأولى محزنة و سوداوية أكثر منها مرعبة و تتعلق بموؤودة ، و الثانية هي التي غيرت نظرته عن تلك الأرض يوم ضمت إلى ضحاياها جنودا مستعمرين ، لا أحد يعرف ماذا كانوا يفعلون بداخلها ، ربما هو جزء من دورتهم أو ربما أرادوا اختصار الطريق و الأرجح أن السكر أدا بهم إليها من دون وعي منهم ، أيا كان السبب فلقد وجدوا جثة الأول ورأسه مهشم على صخرة من الكلس الأحمر أعيد طلاؤها بدمائه و سوائل دماغه الذي ظهر للعيان ، تقدموا بعض الخطوات في درب ضيق ليجدوا أخاه و هو يتوسد أحد القبور و جهازه الهضمي يفترش الأرض في شكل غير طبيعي ، تخيله مقلوبا كأنه جذع الشجرة و أكمل صورة الأعراف المتناثرة بأحشائه الطويلة ، و لن يستطيع أحد أن يصف لك جثة الجندي الثالث ، لأنهم لم يجدوها ، كل ما و جدوه هو أثر جر و ساقية من الدم ، تبعوها فإنتهت إلى الجدول الذي كان واديا في ذلك الزمن و اختفى أثره ، بحثوا عنه في الغابة التي تخللها الوادي لأيام من دون جدوى فما إن يقترب المغرب فإنك لن تجد فيها إنسيا ، و حسب صديق جدي الساكن ليس ببعيد عنها ، فقد أخبره بأنه سمع صراخا في عتمة الليل فخرج أمام كوخه متأكدا أن ما يتحسسه آت من المقبرة و بقي مترصدا ، لم ينتظر طويلا ، صراخ مدو ليتم قطعه فجأة ، نداء نجدة متردد ، ثم عويل ختم بغرغرة ، و آخرها بكاء و طلب للرحمة رفع الصدى صوته في ذلك الليل الغيهبي لكنه بدأ بالخفوت و الضعف كأنه يبتعد حتى انعدم ، كل ذلك بتلك اللغة الإفرنجية ، و لا طلقة رصاص واحدة ، ولا صيحة مجاهد بالتكبير ، لم تكن معركة ، لقد كانت مذبحة ، و قبل بزوغ الفجر بقليل تمكن منه الفضول و ذهب نحو المقبرة و كان أول شاهد على المنظر و ولا مدبرا ، و في ذلك اليوم حكى لجدي قصته و ختم كلامه بقوله
" لا أظن أن من فعلها ببشر "

تم القبض عليه بتهمة التواطئ في الجريمة مع المجاهدين بعد أن رآه أحد الخونة و هو يغادر المقبرة فجرا ، تم إعدامه بتهمة لا أحد يعرف كيف أداها ، فالرجل لا يستطيع المشي من دون عكازته حتى ، وهجر الناس المقبرة و طريقها حتى الإستقلال ، لكنهم لم يلبثوا ان عادوا لدروبها ، ومعها عادت الحوادث و التي خلت بعضها هذه المرة من المشهد الدموي و إن لم تخلوا كلها من الموت ، كحادثة موت عجوز كانت دائما ما تتجسر على قطوع المقبرة كمختصر إلى بيتها و البعض يقول أنها تفعل ذلك حتى ليلا إلا تلك الليلة ، دخلت ، ماتت ، أخرجت ، رثيت ، غسلت ، أعيدت ، و دفنت .

و كذا قصة الفتى المجنون الذي كان يهاب المقبرة بسبب تخويف الغير له منها فكان يستمتع البعض يإمساكه و التظاهر بأنه سيذهب به إلى المقبرة فينفجر المسكين صارخا و باكيا مناديا " لا لا سيأكلني الغول " و أحيانا يستبدل العجوز الساحرة بالغول ، و لك أن تتخيل الرعب الساكن به من تلك الأرض لدرجة أنه لم يستطع دخولها يوم ووريت أمه فيها ، مرت السنوات و وجدوه جثة متجمدة و هو يأخذ قبر أمه بالأحضان ، و كأنه يعتذر لها من جبنه يوم تركها تدفن دون أن يودعها ، لا أحد يعرف كيف ميز مآل أمه ذو الشاهد التقليدي و المرتمي بين عدت قبور متشابهة على ثنايا هذه الأرض لأن لا أحد من أهله يحكي له عن المقبرة .

أما في الحرب الأهلية، فقد أصبحت المقبرة مسرح للدم ، فحدث و لا حرج ، جثث بلا رؤوس ، رؤوس بلا جثث ، و في هذا الزمن بدأ سيط ساكن المقبرة يضعف بسبب المنافسة ، و أصيب الناس بالإلتباس فعلى من ينسب هذا العمل و على من ينسب الآخر ، هل إلى وحش المقبرة أم إلى وحوش البشر ، و آخر قصة أعرفها حدثت و أنا في الثامنة من العمر ، هي جريمة قتل أخرى ، الضحية كان فيها رجل سكيرا لطالما جاب شوارع القرية ليلا و هو يغني أو يتحدث مع نفسه و أحيانا يجري و هو يصيح من طيف يطارده ، إلا تلك المرة فقد كانت صيحاته مختلفة ، كانت حقيقية ، بعد يومين وجدوا جثته في المقبرة ، أو نصفه العلوي على الأقل من دون ذراعين ، كل ما تبقى منه هو قفص صدري خال من أي عضو و رأسه ، لم يعثر على القاتل ، لكن للكثيرين شكوكهم .

ارتشفت ما تبقى من كوب الشاي الثالث و أنا ألمح ساعتي و أتتبع عقرب الثواني ، 59 ، 00 ، توحدت الxxxxب جميعها مؤشرة على حلول الساعة السحرية ، قفزت من مجلسي و نفضت عني الملل ملتقطا مصباحي و هراوتي ، و خرجت من الغرفة متأنيا في مشيتي ، و لولا إجباري من قبل عمي على القسم بأن لا أخرج منها إلا خلال مواعيد الدورات لما كنت أبقا بداخلها لهذه المدة ، سعيت في دربي كما العادة فلففت بجدرانها و تفقدت بعض ملحقاتها لأترك الأفضل للأخير و هي المدرسة القرآنية الصغيرة ، أعلى نقطة فيها ، قابلت المبنى الطيني القديم و فتحت بابه الخشبي العتيق و الصغير ، فلا تدخل منه حتى تحني رأسك أيا كان طولك ، و كأنه مخصص للصغار فقط ، و فور ولوجي هجم علي خليط من روائح التراب و الحبر و الألواح المطلية بالصلصال لتذكرني بالصغر كالمعتاد في كل مرة ، نزعت حذائي و جلست على البساط المفروش ، و أغمضت عيناي في ذلك الظلام ، ليبدأ عقلي بتجسيد أصوات تلك الأيام ، صوتهم وهم يقرؤون من آيات الله ، من صغيرهم الذي تلتبس عليه كثير من الحروف و الكلمات ، إلى كبيرهم الذي يتوسد الزاوية مجتهدا في الترتيل بصوت يقرب صوت استاذه ، و معلمي رحمه الله و أنا أقرأ عليه ما كنت أظن أنني أحفظه مصححا لي مواقع عثري و لحني ، ليجتثني من أحلام يقظتي صرير مفصل الباب الصدء و هو يجر رغم ثقله تحت وطأت الريح التي هبت فجأة ، خرجت مغلقا الباب ، لأستشعر تغير في الجو وهدوء مألوف ، أدركت أن العاصفة تقترب ، التفت إلى ضوء المدن البعيدة كعادتي و مشيت في درب العودة ، و قبل نزولي من الهضبة الصغيرة التقط أنفي شيئ يسافر مع نسمات هذه الليلة ، أمسكته و حبست نفسي غريزيا شاعرا بالغثيان ، ما شممته كان أشبه برائحة البيض الفاسد ، أرخيت القبضة عن أنفي متوجسا لكن الرائحة اختفت ، لست غريبا على روائح الموت و الفساد ، لذلك أعلم أن هذه الرائحة حادة و لا يمكن لنسمة أو رشة ماء أن تقضي عليها ، تحسست النسمة القادمة بأنفي و لم أشتم أي شيء ، على كل حال المصدر على الأرجح حيوان نافق أو ما شابه ، سأتفقد ذلك في الفجر .

عدت للغرفة بعد مشية طويلة ، أشعلت الكانون الصغير لبعض التدفئة و أدخلت رأسي تحت المكتب القديم ، أبحث بين الخردة و الصناديق عن سبيل للتسلية و الإلهاء ، لم أطل البحث حتى و جدته ، لقد كان صندوق أحذية خبأت فيه بعض الروايات لحالات الملل الحاد مثل الليلة ، لست قارئ نهم للروايات أو أي نوع من الكتب حقا ، لكن حصيلتي تشمل بعض الأعمال الكلاسيكية العربية و العالمية ، و بين تلك التشكيلة البسيطة اخترت رواية صغيرة كانت هدية من زوجتي المستقبلة ، و رغم علمها بكرهي لكل شيء مبالغ الرومنسية ، إلا أنها تبقى هدية ، و أقل ما يمكنني فعله هو أن أحاول قراءتها ، لنقل ربعها أو أقل بقليل ، بدأت القراءة و قد كانت الصفحات الأولى ثقيلة جدا لكن الأحداث سرعان ما تنامت و بدأت القصة بالسير ، شاعرا بذلك العزل بين الواقع و الخيال عندما تنجرف مع أحداث رواية أو فيلم جيد ، دام ذلك لوهلة لم أتبن مدتها ، حتى سمعت إسمي ينادى به ، تصلبت في مكاني ، و شعرت تماما كما يحدث لك عندما يناديك المعلم لتجيب و أنت سارح بذهنك ، التفت ورائي نحو الباب المغلق ثم إلى النافذة الزجاجية على يميني ، لا شيئ سوى العتمة ، كان الصوت ضحلا و ضعيفا ، فأرجعته إلى مخيلتي و ضحكت في نفسي عائدا إلى روايتي ، كنت قد و جدت السطر الذي توقفت عنده حتى نوديت مجددا ، انتصبت في مكاني لافا بصري نحو النافذة هامسا بالبسملة ، و أدركت أن من يناديني ينتظرني خارجا ، تشجعت و تقدمت نحو النافذة متوقعا ظهور و جه شاحب أو يدا و هي ترتطم بالزجاج ، فتحتها و لم يبقى بيني و بين من يسكن العتمة سوى شباكها الحديدي ، لم أستطع مد بصري سوى لخطوات من الغرفة لقد كان عمود الإنارة الوحيد و الخافت هو ما صنع حدود عالمي في تلك اللحظة ، شعرت بأنني محاصر و تعالى في نفسي ذلك الإحساس الذي مسني قبل دخولي للمقبرة ، شعور المحارب و هو يدخل منطقة العدو ، شعور الخروف و قد ابتعد عن مرعاه و ولج إلى الغابة ، شعور الطريدة ، تراجعت و قد بدأ الخوف و الإرتباك ينال مني و أصبح صوت تنفسي مسموعا ، حتى تمالكت نفسي بعد أن جلست و هدأت من هلعي بذكر الله ، ليرمي لي ذلك الجزء من عقلي ، ذلك الجزء الذي يجعل من كل شيء مملا لكن آمنا ، بفكرة
(أحدهم يضحك عليك)

و جدتني أتبسم بعد أن اضمحل الإضطراب بداخلي ، لا يوجد قاتل مناسب للخوف أكثر من الغضب ، أمسكت هراوتي و فتحت الباب مستقبلا الليل ، لترتطم بوجهي أولى قطرات المطر البارد ، و تهب الريح مصفرة فوق رأسي ، لابد أنها من حفز مخيلتي و استدعى تلك الأصوات ، بيد أن تمنطقي لم يصمد طويلا ، فما إن أتى صوت الجر من الظلام و تردد معه أنين أنثوي لفه الألم ، عدت إلى حالتي و أسوأ ، و تيبست في مكاني متوجسا ، شاخص البصر نحو مأتى الأنين ، ليظهر وجه من يطلبني في هذه الساعة من الليل ،بين برزخ النور و ظلام ، كان وجه فتاة شاحبا أزرق غطى تقاسيمه تراب الأرض كأنها خرجت من قبرها للتو ، بادلتني نظرة الفزع و كأنني أنا من تقمص دور الشبح ، توسعت عيناها السوداتين و تجمدت علي و بقيتا كذلك لوهلة ، و في تلك اللحظة أدركت أنها ليست حية ، أفتقدت شيء هو للأحياء فقط ، ذلك الإرتجاف الطفيف الناتج عن توتر في العضلات و نبض القلب ، فكل شيء فيها كان يابسا و ساكنا و ميت ، ثم قطعت لقاء عينينا و أكملت جر نفسها منزلة رأسها و هي تناديني ، أعتقد أنني كنت لأكسر نفسي من ذلك التجمد و أتقدم نحوها لأساعدها على نية انها بشرية شاحبة تلف نفسها بلفافة بيضاء فقط لا غير ، مجرد مزحة سيئة كبرامج الكاميرة المخفية ، أو ربما هو حادث يعسر شرح و تفسير أسبابه و التي أمامي هي جريح يحتاج للإسعاف ، لولا صوتها الخاوي و المجوف ، كأنها لا تمتلك رئتين أو حنجرة ، كأن الأرض هي من تكلمني ، لذلك كلما نادتني إزداد قلبي غوصا في ذلك البئر ،و كلما جرت نفسها نحوي في حركتها المتيبسة و البطيئة إزداد تجمد دمي ، و بدأت تدنو و تقترب إلى أن تقدمت بما يكفي إلى النور ،ليظهر باقي جسدها و تظهرالدماء ، شارحة لي سبب جرها لنفسها ، لقد كان رجلاها المحطمتان المهشمتان و لن أجد تشبيها أفضل لهما من كونهما هريس لحم و عضام لم تتعلقا بها سوى بسبب مضغة لحم أو جلد لا زالت تقاوم ، شعرت باضطراب في بطني و ظننت أنني سأفرغ معدتي هنا و الآن، حتى توقفت مجددا و نظرت إلي مجددا و رأيت شفتيها الأرجوانيتين تفترقان ، لم تناديني من قبل سوى في الظلام أو هي تجر نفسها مكبابة الرأس ، لم تنادني و هي تنظر إلي ، إن فعلت ذلك فالويل علي إن أدمت البقاء هناك للحظة ، لكنها لم تفعل ذلك طبعا لسوء حظي ، ما خرج منها لم يكن اسمي و إن كان نداء ، ما نبست به لم يحثني على الهرب ، بل أسوء شيء في تلك اللحظة ، لقد حثني على التفكير ، ما قالته لي بصوتها المرتجف كان
" النجدة ، إنهم يأكلونني "

بدأ فمي يفتح و يغلق كسمكة تحتضر، مجاهدا نفسي لإسترجاع قدرتي على الكلام ، و ما إن فكت أعصابي المشتدة عقالها عن حنجرتي و خرجت مني بعض الكلمات بصوت بح مشتت
" هل ..ل أنت بخ..."

دوى من الظلام عواء كخوار البقر شق أوردة قلبي كلها ، التفتت الميتة نحو الصوت لتهمس بهمسة كحسيس الأفاعى ويجيبها الظلام المحيط بنا و كأنه صدا لها بهمس أقوى ، قفزت من دون وعي أو تفكير ، نحو ملجئي الوحيد من هذه الليلة ، لم أدرك ما فعلته حتى سمعت الباب و هو يوصد ، و يدي تسحب القفل لينغلق ، مع ذلك زاد صوت الهمس و تضخم حتى ظننت لوهلة أنه يأتي من داخل رأسي ، من كل مكان ، لينعدم فجأة تاركا رنينا في أذني كأنه لم يكن ، و ليعود إلي الشعور بالعالم من حولي و صوت المطر و هو يهطل في الخارج ، لم أدرك غزارته و بللي حتى الآن ، ألقيت بظهري على الجدار و انزلقت منه جالسا ، لتمر علي لحظة من السلام و الشعور بالأمان و لو قل ، لكن تلك الليلة لم تكن قد انتهت مني بعد ، اشتدت الريح خارجا و ارتجف ضوء الإنارة و غادرني هو أيضا و لم يبقى لي سوى نور الكانون الصغير ، و كأنني أحسست بالقادم ، شددت قبضتي على الهراوة و وضعت أذني على الباب ، و رغم هطول المطر الغزير ، ميزت صوت الأقدام و هي تغمس في الوحل ، كان صاحبها سريعا و سلس الحركة و مقصده معروف ، نحوي ، توقفت خطواته القريبة فجأة ، اهتز شباك النافذة المفتوحة ، فزدت التصاقا بالزاوية مختبئ من من يتفقد الغرفة ، عادت الخطوات و كان المستهدف هذه المرة هو الباب الذي أمامي ، كنت قد و قفت قبل أن تصل الأقدام المستعجلة إليه ، بدأ من قابلني وراء الباب بتفقده ، كان صوت خدش مخالبه واضحا و تردد وسط الغرفة الصغيرة ، ثم استسلم و ابتعد ، أو ذلك ما ظننته ، اشتد وقع خطواته و اقترب بسرعة ليدوي الباب و يهتز بسبب إصطدامه به ، لم أتردد لثانية و ألقيت بوزني على الباب شاعرا بقوة الضربة الثانية و هي تمر بجسدي ، كأن من ورائها ثورا سمعت الهجوم التالي و هو قادم و رغم تحفزي له فإن الضربة أخرجت الهواء من رأتي و أسمعتني صرير القفل و هو يكاد يكسر ، لن يتحمل الباب الهزيل الكثير ، و ليس لدي أي فرصة لأقتال هذا الشيء في هذا الظلام ، دب الهلع في نفسي و أنا أسمعه يجري نحو الباب مجددا ليلقي ضربته القاضية ، تخيلت الباب و هو يكسر و أحشائي و هي تمزق من قبل صاحب الخوار و أنا أصرخ و أستنجد إلى الظلام
" النجدة أنهم يأكلونني ! "

اسطكت أسناني و تحرك شيء بداخلي و أطلقت صرخة ملؤها الغضب و السخط و الرعب ، و لم أتوقف عن الصياح حتى استهلكت كل الهواء في رأتي و آلمتني حنجرتي ، لأسمعه يكبح هجومه و هو ينزلق في الوحل و يرتد مبتعدا عن الباب ، أنصت مترقبا الآتي و قلبي قد تجرع اليأس حتى اشهق ، لكن كل ما التقطته أذناي كان صوت السماء المضطرب و مطرها الغزير و هو ينخر الأرض و شهيقي المتردد و الحاد ، اختفى وجود المسخ الذي يريدني من مسمعي ،و ترك مخيلتي لتملئ مكانه الفارغ في هذا العالم ، أين ذهب هل اختفى حقا أم أنه لم يتحرك من مكانه و هو الآن يترقب فتحي للباب ...

انغمست في سيل من الأفكار الجارفة و أنا متكئ على الباب بكل وزني ، و بعد مدة طالت قليلا عن غياب الوحش ، طفت بعض الافكار المطمئنة هامسة لي بأنه قد ابتعد و زال الخطر و بدأ جسدي بالتذمر مرتعشا بسبب بلله الشديد ، فتقدمت ببطء قاصدا دفء الكانون ، كان ذلك خطأ لا يغتفر ، إذ شعرت به يراقبني ، التفت نحو النافذة المفتوحة ، لأسمع شباكها المعدني يهتز بعد أن تسرح من وزن من كان يتكئ عليه ،و ابتعد المسخ ليلقي و هو مدبر ضحكة حادة و مريضة لا تمت للبشرية بصلة ، و كل ما ترسمه عن صاحبها ،حيواني و بشع .

لا أعرف ،ربما بسبب أحد القصص التي سمعتها أو ربما بسبب الرعب الذي أغدقت به علي هذه الليلة ، أو ببساطة السبب أنني جننت ،لكن فكرة تردد صداها في مخي و لم استطع إسكاتها ، أيا كان مأتاها ،أنا لا أحبها و لا أصدقها ، فهي توحي بالكثير ، الكثير المرعب ، ما خطر على بالي في تلك اللحظة كان
" إنه الآن يعرف وجهك " ..


تمت.


محفوظ نور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-02-23, 08:21 AM   #2

شجون الماضي

? العضوٌ??? » 510959
?  التسِجيلٌ » Feb 2023
? مشَارَ?اتْي » 35
?  نُقآطِيْ » شجون الماضي has a reputation beyond reputeشجون الماضي has a reputation beyond reputeشجون الماضي has a reputation beyond reputeشجون الماضي has a reputation beyond reputeشجون الماضي has a reputation beyond reputeشجون الماضي has a reputation beyond reputeشجون الماضي has a reputation beyond reputeشجون الماضي has a reputation beyond reputeشجون الماضي has a reputation beyond reputeشجون الماضي has a reputation beyond reputeشجون الماضي has a reputation beyond repute
افتراضي

خوووووفتني
شكرا لك


شجون الماضي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
رعب،خوف،وحش،قتل،

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:24 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.