آخر 10 مشاركات
دورة تنمية مهارات إختصاصي شؤون الموظفين والتطوير الوظيفي (الكاتـب : بيسان احمد م - )           »          لست عذراء (56) -ج2 الحب والعقاب- للمبدعة: مورا أسامة [مميزة]*كاملة* (الكاتـب : مورا اسامة - )           »          غزالة الأدهم (الكاتـب : @سونا@ - )           »          بعد النهاية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Heba aly g - )           »          دورات تدريبية هندسةالصيانة (الكاتـب : بيسان احمد م - )           »          خـوآتـم (1) *مميزة ومكتملة* .. سلــسلة شقآئق النعمان (الكاتـب : فُتُوْن - )           »          سلام لعينيك *مميزة * "مكتملة" (الكاتـب : blue me - )           »          1117 - الفترة التجريبية - كاى ثورب - عبير دار النحاس (كتابة/كاملة)** (الكاتـب : samahss - )           »          505 - قلب في مهب الريح - اليزابيت باور - ق.ع.د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          533 - مطلوب زوجة وأم - باربرا ماكماهون - ق.ع.د.ن (الكاتـب : بلا عنوان - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree1032Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-01-24, 09:24 AM   #221

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,682
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي




الفصل السابع


" أنا .. تطلقت "

لم يتغير الصمت ولم تتغير ملامح ماضي وغفران ترصد تعابيرهم وقد ارتبكت رسيل أكثر حين مد ماضي ذراعه ليأخذ كوب الأعشاب ويشرب منه بلا كلمة مكتفياً بهزة رأس جادة ..
لتكسر رضوى الصمت بثقة وهى تنظر إلي غفران

" اجلسي رسيل .. الآنسة تكون ضيفة ماضي .. ورسيل هى ابنة عمتنا "

عادت تلك الابتسامة الباردة على وجه غفران ورسيل تجلس مقابلها ناحيته بجوار رضوى الجالسة على الكرسي الاخر بأناقة وعنجهية تسأل

" أين اياد ؟.. اخر مرة تحدثت إليه قال إنه عاد من أوكرانيا .. هو في مصر أليس كذلك ؟ "

أجاب ماضي بشبه إيماءة من عينيه فقط ، في عليائه لا تبدو عليه إصاباته وهو يجلس بكل شموخ وعزة نفس ثم وجه حديثه جاداً إلي أخته

" أنا واياد منشغلين هذه الفترة في عملنا .. حددي كل ما تحتاجين مناقشته يخص السفر الأخير حتى ننتهي منه في اجتماع واحد "

هزت رضوى رأسها إيجابا بابتسامة أكثر بروداً وتكبراً ثم سألت وهى تشير برأسها إلي باب فخم من درفتين محفور ومزخرف أسفل الدرج

" وأخبار أبي ؟.. هل هو بغرفته ؟ "

تحدث ماضي بنفس النبرة

" نائم .. انتهت فحوصاته الطبية منذ قليل فلا تدخلي إليه الآن دعيه يرتاح "

مالت غفران برأسها قليلاً لتحاول رؤية الباب ، أبوهم هنا ! ، لم يتحدث أحد أمامها صباحاً وبعد طعامها صعدت إلي غرفتها وظلت بها بلا شيء ، عدا سؤال طهرونية حين صعدت إليها بالغداء إن كانت تريد شيئاً
عادت تنظر إلي رسيل التي تحدق به كمشتاقة عائدة لتسأله بخفة

" ألن تقول شيئاً عما سمعت ؟! "

وضع ماضي الكوب جواره ليأخذ سجائره وقداحته وهو ينظر إليها أخيراً ساخراً

" ماذا أقول ؟!.. تعيشي وتأخذي غيرها "

ضحكت رضوى فأخفت رسيل حرجها بضحكة مفتعلة كأنها معتادة على جلافته كاسلوب حياة ووجهها يشتد وهى ترد

" ما زال لسانك كما هو ! "

كان واضحاً عليها أنها تضغط على نفسها وتخفي انفعالاتها ، لكن في عينيها تلك النظرة المشتهية تزداد حدة .. كانت جائعة إليه ، وغفران تعرف جيداً هذا الجوع ..

وشيء بداخلها يستيقظ أكثر وهو يخرج إحدى سجائره يشعلها .. فأخرجت رسيل من حقيبتها علبة سجائرها لتأخذ واحدة بين اصبعيها .. بين شفتيها الحمراء وتميل نحوه

تميل بعفوية لكنها بدت في منطقة خالصة من الأنوثة .. تفوح عطراً .. أنثى في كل شيء ككأس نبيذ يدعوه للدخول في ارتجاج إيقاعي صاخب !..
فرفعت غفران رأسها أكثر .. تسارع نبضها أكثر .. وارتج خيالها هى أكثر !.. ثم نظرت إليه بطرف عينها .. وارتجف فيها كل شيء ..

ظل ماضي ثوانٍ بلا اهتمام قبل أن يميل قليلاً نحوها ويمد يده بالقداحة ليشعل سيجارتها التي بدت كجسد وحدها يتوق إليه ..
ضغطة واحدة .. واشتعلت نار .. فرفعت رسيل يدها الأخرى لتحيط كفه السمراء وهى تحرك شفتيها ببطء على حافة السيجارة كأنها تقبلها .. وتقبله ..

بلا شعور راقبت عينا غفران تلك اليد البيضاء التي تعطيه لمحة واضحة عن نعومة خاصة .. كأن كل شيء صار تصويراً بطيئا .. والأظافر الشفافة تحيط يده وتضغط قليلاً كأنها تحيط شيئاً اخر ..

حتى رفعت رسيل عينيها اللازوردية إلي عينيه .. وكانت عيناه لعينيها مرصاداً .. ثم نظرة إلي حرف الـ M المتدلي بغواية على باب صدرها .. قبل أن يبتعد بكل هيبته ملقياً القداحة على الطاولة .. فشمت غفران رائحة الدخان !..

نظرت أمامها بصمت متحجر .. لم يكن دخان سيجارة ، بل نار تلك القداحة اشتعلت تحت صدرها تماماً !.. ثم وخز عنيف جعل قلبها ينقبض والنار تحته ، ثم احتراق جعلها على حافة انفجار.
تسمع صوته اللا مبالٍ

" هل اواسيكِ ؟!.. المُفتَرض أنكِ امرأة قوية لن يفرق معها ما حدث "

تنفث رسيل الدخان بأنوثة وتسأل وهى تشير بالسيجارة إليه

" ألن تسألني عن السبب ؟ "

رد ماضي بنفس النبرة

" لا يهمني "

وواضحة تلك الشرارة بينهما ، شعرت بها غفران وهى تتابع الضباب الأبيض حولهما بوجوم فيما تقول رضوى ممازحة وهى تضغط على شفتيها ترجوه خفيةً

" ماضي توقف عن مزاحك معها على الأقل قل لها حمداً على سلامتك نحن لم نرها منذ ثلاث سنوات "

وقفت غفران فجأة شاعرة بجسدها كله يرتجف والدخان يحيط بها يخنقها أكثر وتحركت خطوة بالقول

" بعد إذنكم "

عاد وجهه يلتف نحوها تماماً متسائلاً

" إلي أين ؟ "

نظرت غفران إلي عينيه وبدا الكلام ثقيلاً عليها للحظة ثم قالت بجدية

" ساصعد لغرفتي .. تضايقني رائحة السجائر "

لم تكن تدرك ما يظهر على وجهها ، لكن احتراق الغيرة يجعل دماءها تغلي .. عيناها تبرق وتتهم .. ووجنتاها تشتعلان بتصاعد الدماء ..
رأت نظرة غريبة مع انعقادة بسيطة لحاجبيه قبل أن يلتفت يطفئ سيجارته ثم ينظر إليها مجدداً بإيماءة وإشارة من عينيه للأريكة جواره قائلا

" اجلسي "

لم يكن أمراً .. كان طلباً ، أو دعوة مثل دعوتها ، رافقه ذهولها الخفي حين ضم ساقه قليلا فقط كأنه يعطيها إشارة أخرى ..
ظلت غفران واقفة وقلبها يطرق بعنف ثم نظرت إلي رسيل التي ظلت تدخن .. وابتسمت بلباقة .. وتجهم وجه رضوى سخطاً ..

بدأ الدخان يخرج منها متزايداً سريعاً بعصبية غير ملحوظة وهى تبادل غفران النظر بعداء .. حتى نظر إليها ماضي بصرامة ، وحينها انطفأت السيجارة في المنفضة الكريستالية طواعيةً وهى تبتسم بتوعد ..

تحركت غفران لتجلس بجواره بالأريكة ، بينها وبينه مسافة كبيرة لكن تظل .. بجواره ، وضعت ساقها فوق الأخرى وذقنها المرتفع صار أكثر ارتفاعاً
للحظات لم تهمها ملابسها التي ترمقها رضوى بشفقة وتعالٍ ثم قالت بنبرة مختلفة شديدة الثقة

" رسيل قررت العودة والبقاء في مصر .. اخبرتها أن بإمكانها مباشرة العمل من الأسبوع القادم "

زفرت رسيل بقايا دخان ثم قالت

" أنا كنت سأمكث في بيتنا لكن أمي لا تتحدث معي وغاضبة من طلاقي .. تظن إنني أضعت فرصة لا أحد يضيعها .. لذلك إن لن يضايقكم سأظل هنا فترة حتى ادبر أموري "

قال ماضي تلقائيا

" بيت عاصم حكم مفتوح للجميع في أي وقت "

تلاعبت رسيل على عنقها بالسلسال حتى أمسكت الحرف وهى تقول بنظرتها الزرقاء الأنثوية بنبرة تطوي اعتذاراً وندماً

" شكراً ماضي "

عاد يرمق صدرها بتلك الابتسامة الساخرة ليقول فجأة

" ما زلتِ محتفظة بالسلسال الذي أحضرته لكِ رضوى ! "

قطبت بلا فهم بتساؤل مرتبك

" رضوى ! "

نظرت إلي رضوى التي أشاحت بوجهها بملل ثم عادت تنظر إليه قائلة

" أنت أحضرته لي "

تبادلت نظرة أخرى صامتة مع رضوى ثم خفت صوتها وهى تضغط على الحرف أكثر حتى شعرته يخترق يدها

" ليكون أول حرف من اسمك على صدري "

عقد ماضي حاجبيه باستنكار ساخر

" هل قلت ذلك يومها ؟!.. لا أظن .. أنتِ فهمتِها هكذا وأنا قدمته فقط .. أنا لم أكن اعرف عيد ميلادكِ بالأساس "

شعت عينا رسيل شذراً ملقية نظرة على غفران التي أطرقت باستغراب كلامهم حتى لا تحرجها أكثر ثم نظرت إلي رضوى بغضب فغيرت رضوى الموضوع

" وضيفتك من هنا أم قادمة من الخارج أم ماذا بالضبط ؟! "

رد ماضي بابتسامة محذرة أن تصمت

" انتهينا من طلاق رسيل دخلتِ في ضيفتي !.. لا تسألي رضوى .. اصعدي مع رسيل لترتاحي أفضل "

نطقت رضوى بتحدٍ بطريقتها الانجليزية المباشرة

" لنعد إلي طلاق رسيل إذا شئت .. لقد كان ضعيف جنسياً .. قالت لي بالطائرة لقد قبلني ماضي مرة واحدة فقط فشعرت إنني أموت بين يديه فما بالكِ بالباقي ! "

هتفت رسيل ورأسها يندفع إليها

" رضوى ! "

لكنها كانت متعمدة ضرب طلقتها على الجميع كأنها عادتها ، بنظرة إليه .. ونظرة إلي غفران ثم نظرة إلي رسيل وابتسامة خبيثة غامزة
سمعت غفران تمتمة شفتيه ميزت منها ( بيت أهلك ) فتوقعت الباقي ! ، بكل ثباته وهيبته دون أن يعير رسيل أدنى اهتمام قال بنفس الابتسامة المحذرة

" لسانكِ يا رضوى بدلا من أن أقوم واقطعه لكِ حبيبتي .. أنتِ في بيت عاصم حكم لستِ في امريكا "

قالت رضوى بخبث

" هل تظن أن امريكا جعلتني أكثر وقاحة ؟! .. ليست امريكا بل العمل .. صارت وقاحة الرجال على لساني مثلكم ! "

ازداد تعجب غفران أكثر وهمت بالنهوض احتراقاً وضيقاً وحرجاً فلوحت رضوى بيدها نحوها لتقول ضاحكة بلا اهتمام

" ربما اخطأت في الحديث أمامكِ Sorry لكن لا تسيئي الفهم لقد كانت خطيبته وأنا معتادة معهم على المزاح الثقيل "

قابلتها غفران بابتسامة باردة بلا معنى ولم تحتمل أكثر فوقفت قائلة ببشاشة مصطنعة

" وانا أيضاً Sorry سعيدة لرؤيتكما لكنني أريد النوم وغداً ساخبركِ إن كنت من هنا أم قادمة من الخارج أم ماذا بالضبط ! "

أطبق ماضي شفتيه وهو يلقي عليها نظرة جافة مثله .. ثم أشار بكفه لتتفضل أو .. تنصرف !.






أحكمت غفران إغلاق باب غرفتها بحركات يديها العصبية ثم أغلقت الشرفة .. أغلقت الضوء .. وجلست في الظلام على حافة سريرها تتنفس بحدة ..
نزعت وشاحها رمته جوارها ، وبغضب فكت أزرار قميصها لتنزعه وتظل بكنزة داخلية عارية
مستحيل أن تكون هذه غيرة ، مستحيل أن هذا الارتجاف هو حب ، لا يمكن أن تحب رجلاً في يومين يسبقهما عدة لقاءات باردة مثله

هذا مجرد تأثر .. إجهاد .. تعب .. إلهاء عقلها ليصنع حاجزاً بينها وبين الهجوم المريع الذي عاشته وسط الرصاص ..
أراحت جسدها وسحبت فوقها الغطاء وأغمضت عينيها .. غداً ستزول هذه المشاعر الحمقاء المراهقة .. غداً.




لكنها صارت في سيارته مجدداً ، الدماء تقطر مجدداً ، دماؤها هى هذه المرة ، فخذها هى مجروحاً جرحاً طولياً مكشوفاً لعينيه .. غطاه بكفه فتأوهت بوجع لكنه كتم الوجع وهو يضغط جسده على جسدها .. وشفتاه تفترس شفتيها بوحشية وسط الظلام .. الجرح يؤلمها .. شفتاها تؤلمها ، لكنها تريد المزيد من الألم ..

المزيد من الرغبة .. الشهوة .. وتلك النار .. والمزيد من الألم .. الألم ..
سمعت صوتها يهمس بأذنه
" اضربني "



فتحت غفران عينيها تماماً وصدرها يعلو ويهبط بجهد وفزع تحت الغطاء ، شاعرة بثقلٍ عظيم فوق جسدها كأنه ثقل جسده حقاً .. شلل مؤقت انحسر سريعاً
وسط الصمت والظلام نظرت للساعة على الجدار لتجدها قبل الفجر بساعات ، نامت ما يقارب الأربع ساعات .. رأته فيهم .. بل شعرت .. شعرت كل لحظة كحقيقة ..

ها قد عادت الرغبة بعدما صارت تأتي على فترات متباعدة بعد ما حدث ، ساعد في تباعدها الاحساس المرضي لوجود عادل فلم تكن تشتعل شهوتها ، لم تكن تشتهيه أبداً

ما الذي تشتهيه الآن ؟ ، ما الذي يشتهيه جسدها مستعر الجوع ؟ ، لقد عاشت شهوراً تقتل فيها رغبتها الجسدية ، ألم تمت كما تموت هى كرهاً لنفسها ؟..
تنقلب معدتها .. يقشعر بدنها كأن شعيراتها كلها تقف .. يرتجف جسدها .. يشتعل جسدها .. يحترق جسدها .. صدرها ، ساقيها ، ما بين ساقيها ، فأغلقتهما بقوة ، نظرت إلي كفها المرتعش ثم غطت عينيها دافنة وجهها بالوسادة محمومة .. فتكمل الحلم خيالاً ..

دقيقة .. دقيقة أخرى ، ولمست يداه .. بل يداها هى صدريها بشهوة ، فانتفضت جالسة ..
تطبق بيديها على شعرها تمنعهما لمس جسدها لتحفظ عهداً عاهدت عليه الله منذ زمن بألا تكررها ..
ليست تلك العادة اللعينة السرية التي تشعرها بالانحطاط والرخص مجدداً ، تتوجع نفسها بنفسها وهى ترفع رأسها لأعلى في صراخٍ مكتوم لا يخرج بل يجلد .. صراخ يخبرها أنها منافقة .. أدنى أهل الأرض ..

صراخ يخرج بهيئة شهقات بكاء مكتومة ودموع تنهمر من عينيها وعروق تشتد برقبتها وألم .. المزيد من الألم لعله يطهرها مما فعلت بلا جدوى ..
ليتها أحبت لكانت وجدت عذراً خادعاً .. لم يكن حتى بدافع الحب ، كان بدافع ظنها أنها تعيش الحب ، تعيش رغبتها الجسدية الجامحة منذ صغرها .. أرادت أن تعيش قصتها .. تعيش ما تقرأ وتشاهد .. تايتنك أخرى ظنت نفسها بطلتها ..

وكان الرجل الأول بحياتها ، فعرفته شهوراً وتوهمت حبه وخططت حياتها معه واختارا موعداً لزواجهما واختارا اسماء أولادهما وغرها ما رأته منه حباً .. حنانه واهتمامه وتكبره وعجرفته أحياناً .. ونامت معه .. تحته .. فوقه .. لكنه لم يرَ منها شيئاً .. لم يرَ خصلة من شعرها .. لم يرَ شبراً من جلدها ..

حتى وإن لم يرَ هو جسدها فقد رأت هى كل جسده ، فعلت معه كل شيء .. كل شيء كما كانت لتفعل لو كانت زوجته ، لمسته .. امتصته .. خدشته .. ولمس كل ما فيها وإن كانت يداه فوق ثيابها لكنه لمسها .. لمس كل جزء منها فوق ثوبٍ خفيف لا يخفي ..

أحاطت بها ذراعاه وتقبلت قبلات شفتيه على شفتيها وجسدها ، امتص رحيق أنوثتها وآهات صدرها ،
كرهت جسدها الذي لامسه ، كرهت صدرها الذي أطبق عليه قبضتيه ، كرهت الحب والاحساس والشهوة والرغبة ، وكرهت نفسها والحياة .. كرهت العمر الباقي وتتعجل الموت ..

غطت غفران وجهها بيديها ولا حل لعذاب الصور التي تمر أمام عينيها .. البكاء يُكتَم أكثر وأكثر حتى تحول لأنين رفيع مرتجف ..
وتتعجل الموت بقلبها .. تتعجل الموت بهمس دعائها

" لقد تبت يا ربي ندمت وتبت إليك .. متى سيأتي الموت يا ربي ؟.. سانتظر سنوات على هذا العذاب .. يا رحيم بالبشر عجل بآخرتي "





يتبع ...




نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 19-01-24, 09:31 AM   #222

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,682
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي





دخل حكيم تحت المياه الباردة متعباً ، مجهداً عصبياً وذهنياً بمهامٍ إحداها طريق موت وأخرى دليل خيانة مفاجئ ، ومجهداً جسدياً برغبة تنافس ديلر محترف حصري له ويملك أفضل أنواع المكيفات !.. لكنه لا يستطيع لف سيجارة من خطوط شفتيها ، ولا فتح زجاجة من نبيذ جسدها المعتق !.. فقط لا شيء !

ضربت كفاه على الجدار البارد والمطر يسقط على شعره وظهره بلا درجة استرخاء يصلها ، منذ سنوات يجري ولم يشعر بهذا اللهاث داخله .. والمقت ، ذلك النسر فيه يكسر مخالبه مجدداً طمعاً في سنوات حياة أخرى .. وهم ! ، أحلام الغد تتحول إلي وهم كبير نهايته الموت ، لكنه موت أشرف من أن يتنازل عنه ، وذلك المقت فيه لهؤلاء الأشباه الضالة المتسببين في كوارث الكون وتسلطوا عليه تحديداً كأنهم في مسابقة انتقام العام !.

دقائق مرت وخرج مرتدياً ثيابه يجفف شعره ثم نظر إلي الساعة .. قبل الفجر بساعة ..
لا استرخاء !.. لا فائدة .. لا نوم ، كالعادة يتغلب عليه الأرق وقت المهمات الصعبة ، حتى اثناء ساعات نومه الخاطفة ينشغل ذهنه بمعلومات وخرائط وحلول ومراجعات حتى يصحو كأنه ما نام

نظر حكيم إلي باب غرفتها المغلق وزفر بحدة وهو يتناقش مع ذلك الديلر داخله ويلكمه عدة لكمات لعله يندك ويُهَد حالياً !.. ثم اتجه إلي الباب وطرقه بخفوت لربما كانت نائمة ولا تشعر .. به !

سمعت روزان الطرقات فوضعت الوشاح الذي تركته جوارها على شعرها سريعاً ثم ارتفع صوتها

" ادخل "

فتح حكيم الباب ليجدها جالسة على حافة سريرها ، ما زالت بفستانها الصوفي والخف الشتوي تنتظر ما يريد .. قوله !
لا استرخاء !.. لا فائدة .. لا شتاء ! ، فقط ثباته الانفعالي المُدَرَب عليه طويلاً مع الكثير من طباعه الراسية المهذبة .. رصين !

وبرصانته كان يقول بكل جدية

" موعد دوائكِ "

أشارت روزان لعلبة المضاد الحيوي جوارها مبتسمة بالقول

" أخذته الآن "

تفحص وجهها لونها وملامحها وحتى اعتدال جلوسها وضمة ذراعها ليطمئن بنفسه أنها أفضل ثم قال

" سأغادر مبكراً ربما قبل استيقاظكِ .. هل تريدين شيئاً احضره معي ؟ "

اتسعت ابتسامتها ولم تجب للحظات .. كان سؤالاً زوجياً بحتاً ، وجميل الوقع على نفسها وهى ترد بتورد وجهها

" رأيت ما في الحقيبة ولا احتاج شيئا هذه الأيام .. فقط حاول ألا تتأخر "

طلت ابتسامة صغيرة على شفتيه وهو يقرأ ما تتمنى بعينيها بسهولة ثم جذب مقبض الباب بقوله الحنون

" تصبحين على خير روز "

أوقفته روزان وهى تقول برجاء

" نم حكيم .. لا تظل ساهراً تفكر فيما يشغلك الآن .. ما هو من نصيبنا سنراه رغماً عن أي شيء أو بشر أو خطط أو أوامر "

ظل بوقوفه عند الباب ملامحه بين إظلام وتطلع وهى تتابع بصوتها المؤثر

" بعد خمس سنوات فراق نحن معاً وامكث في بيتك .. بعد خمس سنوات لا اعرف كيف اتحدث معك من الأساس .. كنت قد قررت حتى لو رأيتك يوماً فلن اخاطبك أبداً أو حتى استطيع النظر لعينيك .. وبداخلي أحياناً اشعر بهذا إلي الآن ثم اقاومه حين اُذَكِر نفسي بما حدث لك بسببي حتى إن اقنعتني أنه أفادك في عملك فيما بعد "

صمتت لحظة بقنوط وضيق ثم قالت باصرار

" لكنني اواجه وأقولها لنفسي صريحة .. لقد تم نفيك وإبعادك بسببي .. بسبب حبك لي دفعت الثمن .. ورغم إبعادك وغضبي ووجود مَن منعنا والألم والفراق ومرور السنين نحن معاً .. أجد نفسي معك .. هذا مكاني ويحق لي وحدي .. نحن معاً لأنه القدر المكتوب على جبين كل منا وادعو الله ألا يحرمني منك أبداً "

اشتدت قبضته على المقبض وهو يأمر قدميه أمراً جبرياً بالثبات .. هل سيُكتَب له أن يعانقها مرة أخرى .. أو أخيرة ؟

أو يخبرها أن مكانها على صدره حيث تلك الندبة تنتظرها لتُمحَى .. وأن صباحه ينتظر كسرة خبز من يدها ليشبع طوال يومه .. وأنه ينتظر رفع بصماتها على عنقه .. وربط خيوط قضيته الكبرى بمذاق شفاهها لعل ترقيته القادمة على مرأى عناق خصرها ..

وانه رجل رأى في امرأة أمه وابنته وحبيبته وعشيقة لياليه لأول مرة في عمره .. هذا إن كان باقياً في عمره فقط ليخبرها

يريد أن يخبرها أي شيء .. أي شيء لكن الكلام تداعى في سرية وسخرية

" كان عليكِ أن تتركيني لأُصاب روزان .. حينها كان سيزول هذا الشعور بالألم والغضب مني بقرب الشعور بموتي .. لكن ربما يكون لكِ فرصة قريبة لذلك ! "

هل هذا سر فراقهما الجديد ؟! ، لن يحدث ، شعورها أقوى بانه لن يحدث
ارتجف صوتها على غير عادة ثباته بأمل لا ييأس

" لا تقل هذا .. إياك أن تتركني مرة أخرى "

ضحكت بخفوت مرتجف وهى ترص له أحد سيناريوهات المستقبل

" ثم إنني جهزت نفسي لمشاكلنا الزوجية بسبب انك منشغل عني ولا أراك خاصةً بعدما أصبحت في عمر يتخطى أبي بالكثير ومنصب أعلى منه في العمل وربما رئيس المخابرات نفسه أو ... "

ضحك حكيم وهو يرفع كفه يوقف سيل الأحلام

" كفى !.. أصبحتِ سيدة مصر الأولى ! "

ارتجافها ونبضات قلبها المتسارعة تتحول لطعنات جديدة في جرحها فتتحامل على الألم وخوف الفراق وتخفي وتأمر حبيبة وطبيبة

" اذهب واغلق عينيك ونم ودع الأمر لله .. ولا تسرف في شرب القهوة .. تصبح على خير حكيم "

رد حكيم بابتسامة مُطمْئِنة ثم أغلق الباب .. فسالت دموعها وهى تدعو .. تدعو بلا توقف.





يتبع ...




نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 19-01-24, 09:40 AM   #223

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,682
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي





وقفت غفران تصلي الفجر في خشوع وتضرع ونفس ثائرة على نفسها ، ودموع تنهمر بصمت الدجى وهى تقرأ فاتحة الكتاب وإحدى السور .. تركع .. وتسجد .. ثم تهمس بقلبٍ مكلوم

" حتى وإن غفرت لي فلن اغفر لنفسي .. سأظل أراني أدنى أهل الأرض .. لن يكون لي من غفراني نصيب .. لن ينتهي عذابي ولم أعد احتمله أرجوك .. أرجوك "

كان عادل عقابها الذي ارتضت به بعد الصدمات المتلاحقة ، صدمة رحيل أمها وصدمة ما فعلت وصدمة رحيل الغادر ، حدث خلف آخر كأنها مطرقة جعلتها مُغيبة ، كانت ستأخذ خطوة رسمية معه عقاباً لنفسها ، هو النقيض ممَن سيطر عليها فاختارت هى أن تسيطر سيطرة مرضية هذه المرة ، وإلا كيف لفتاة مثلها بعد حب وحفلات وكل ما تعلمت واتقنت أن تنسى كل شيء وتعيش في وحدة تامة مهتزة الثقة في الحياة كلها قبل نفسها .. فتاة من منتهى الجمال والحيوية وإن كانت انطوائية وتفعل وحدها إلي فتاة لم تعد تريد إلا الموت ..

لكن الصور لا ترحم .. والعذاب لا يتوقف ..
اعتدلت جالسة مختنقة بالبكاء وحرارة أنفاسها لتسجد ثانيةً وترجو

" اللهم إنك تشهد انني ندمت وتبت ولا عودة لما فعلت .. لا عودة لتلك الحياة .. أنستني الحياة ولا عودة لتلك الحياة .. أنستني الحياة ولا عودة لتلك الحياة "

اعتدلت لتقرأ التشهد وتختم صلاتها ، وترتجف باكية وهى تردد على أصابعها بلا توقف

" وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ .. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ .. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ... "


بين الدين والدنيا مالت ، مالت كثيراً ولم توازن نفسها ، فأخذت الدنيا ، في عزلتها وانطوائها تعلمت الكثير وحدها ، عاشت الكثير وحدها ، وجربت وحدها ، واخطأت تحت عباءة ممزقة بمسمى تمدن وتحضر وحرية وعادي ! ، رأت مَن قال عادي ، كثيرات .. كثيرون قالوا عادي ، ومع الوقت والبريق الزائف لمعت عيناها لتجربة ذلك العادي ، وحين عاشته اكتشفت أنه غير عادي ، بل درب من الدونية والانهدام ..


وفي النهاية تركها الغادر .. لأنه أدرك أنه لن يأخذ أكثر مما أخذ منها وفوق ثيابها ، ولن تكون علاقتهما كما يريد ويعيش حياته ( العادي ) .. علاقة ( صباح الفل مع ستافة حشيش مُعتَبرة وعاش لزجاجتي بيرة مشبرين ) ، فكانت إليه للأسف كما اخبرها ( ذنب ع الفاضي ).




نزلت غفران من الغرفة بعد دقائق طالت وهى تشعر بروحها باردة ، برودة تجمد الألم مكانه حتى لا ينضح متقرحاً ، نظرت حولها بالبهو المظلم إلا من مصابيح صغيرة ثم اتجهت إلي الباب .. بهدوء شديد فتحته لتخرج .. مسحت بعينيها اتجاه البوابة ثم أصابها الاحباط والحنق وهى ترى الحرس الساهر يجلس بعيون مفتوحة عن اخرها .. عادت تتراجع وتغلق الباب وتتلفت حولها ، لا تعرف البيت بعد .. لا تعرف مداخله ومخارجه ..

أقصى أمانيها الآن أن تعود لشقة الاسكندرية الصغيرة الهادئة على البحر الكاتم للأسرار ، تعود حتى لو ماتت بالطريق فلن يهم ، لكن لا تريد أن تظل هنا ..

هنا رجل يجعلها تميل للدنيا مجدداً .. تشتهي الدنيا والحياة مجدداً .. هنا رجل يوقظ رغبتها وحواسها .. رجل يجعلها تشعر ما تشعر لأول مرة .. رجل تريده أن يراها فثارت على ثيابها الداكنة منعدمة الشكل التي اختارتها لتموت في أعين الناس .. رجل سمحت لعينيها أن تحدق بكل ما فيه بعدما جعلت عينيها لا ترى جنساً اخر .. رجل ينذرها بغرامٍ جاحد من طرفٍ واحد وهى اعتزلت الغرام .. والأقسى أنها في غنى عن عذاب حب فوق العذاب
.
سترحل غداً .. ستخبر أباها أنها لا ترتاح هنا ، تريد روزان ، تريد أن تكمل كلامها مع روزان ، تريد علاجاً ، تريد أن تفهم نفسها وما فعلت بها .. دين .. دنيا .. دين .. دنيا .. موت .. موت .. موت

هل جنت ؟! ، ستقتلها أفكارها ، لم تعد تعرف أين تميل ؟ ، على أي سطر تسير ؟ ، تجويد وشيوخ وتعاليم .. فن وسفر وسهر .. حب وجنس وأنفاس سجائر .. مرض .. ثم فشل

لم تعد بقادرة على ممارسة شيء واحد إلا تمني الموت .. لم تعد بقادرة حتى على الحفاظ على عمل .. فشل .. فشل

حدقت غفران حولها بعيون مفتوحة .. مجنونة ، تتأكد ألا أحد يشهد وقفتها وحدها في ظلام الفجر ، ثم أخذت نفساً .. نظرت إلي حيث كان جالساً بتلك الأريكة .. وهدأت ..

سارت باتجاه المطبخ تتأكد ألا أحد فيه ، الكل نائم ، لم يشهد أحد محاولة هروبها البائسة قبل طلوع النهار ، ليس هروباً ! .. كانت ستذهب إلي بيتها بالاسكندرية بكل تحدٍ .. من القاهرة إلي الاسكندرية ستطلب سيارة وليس معها إلا هاتف مؤقت أحضره لها الوحش ، وحين تصل ستجد نقودها بغرفتها وثيابها وستدبر أمورها وتعيش وحدها وليجعل العيون عليها إن شاء مَن يشاء لن تتزحزح .. تباً .. مفتاح الشقة ليس معها هنا أصلاً !.. تباً للتمرد

نفخت غفران وهى تنوي الصعود متعبة لغرفتها لتكمل نومها لعله يشفي الجنون قليلاً ، حين مرت على غرفة طهرونية فسمعت صوتها فتوقفت ..

مستيقظة تقرأ القرآن ، صوتها مريحاً بمخارج حروف واضحة وصحيحة .. ظلت واقفة تستمع .. ترتاح .. وتميل برأسها على الجدار جوار الباب ، ربما أربع دقائق أو أكثر حتى سكت الصوت ، فلا تعرف لماذا طرقت الباب ؟!

مرت ثوانٍ قبل أن تفتح طهرونية جادة الملامح بهذا الوقت المتأخر ، قمحية الوجه ذات كلفٍ داكن متفرق في عقدها السادس وتخطته بخمس ، متوسطة الطول قوية البنيان بامتلاءٍ نسبي لكنها خفيفة الحركة
ومنيرة التعابير كوجـه كل أم متفانية ، واصرار كل أم حازمة

ما إن فُتِحَ الباب حتى تساءلت غفران عما تفعل وما أصابها لتقول بلا تحضير مجددا

" سمعت صوتكِ فتوقفت لاستمع إليكِ قليلاً .. صوتكِ جميل "

هذه المرة ابتسمت طهرونية من القلب وليست تلك الابتسامة اللبقة التي قابلتها بها وهى تبسط كفها بالقول وتدخل معها

" تعالي "

دخلت غفران الغرفة فاندهشت !.. نظرت حولها إلي غرفة سيدة متعلمة بمكتبة كتب ومكتب خشبي مميز عليه بعض الكتب وعدة قهوة ونظارة بإطارات ذهبية مستديرة وهاتف حديث .. وحاسوب !

جلست طهرونية على سريرها الواسع وأشارت لها لتجلس أمامها وهى تقول بابتسامتها الرزينة

" عرفنا أنكِ ضيفتنا وابنة لواء .. لو اخبرتِني من قبل كنت أخرجت لكِ شيئاً يناسبكِ من ثياب رضوى لكنني ظننت أنكِ هنا لأجل عمل ماضي وحين ينتهي تنظيف ثيابكِ ستذهبين "

بذكر الثياب نظرت غفران إلي عباءة طهرونية وهى تقترب لتجلس أمامها .. عباءة بيتية كحلية مطرزة بإتقان ويبدو عليها غلو ثمنها فتعجبت أكثر قائلة بابتسامة راقية

" ثيابكِ كانت مريحة جداً وأنا مؤكد لم أكن لارتدي من ثياب آنسة رضوى "

مرت عينا طهرونية على ثيابها السوداء في السوداء دون أن تظهر فاستاءت غفران من مظهرها مجدداً بينما تصحح لها

" مدام رضوى .. رضوى مطلقة وعمرها ثلاثة وأربعون عاماً "

صُدِمَت غفران بوضوح بعد الدهشة والتعجب لدرجة أنها نظرت باتجاه باب الغرفة المغلق بلا سبب ثم تمتمت

" أكبر من ماضي واياد .. اقصد .. لا يظهر عليها .. "

لم تتعجب طهرونية بدورها حين سمعت اسم ماضي واياد وفهمت أن هذه الفتاة تعرفهما بشكلٍ ما فردت

" رضوى طوال عمرها أجمل فتاة بالعائلة ولا يظهر عليها سنها وأنا لم اخبركِ شيئاً هى لا تود كشفه لكن غداً إذا قلتِ لها آنسة ستجدين هذه الجملة على لسانها كما قلتها لكِ .. أنا مطلقة وعمري ثلاثة وأربعون سنة .. لذلك اخبرتكِ أنا حتى لا تتصادما "

لذلك رأتها امرأة .. امرأة على حق !
اومأت غفران بذلك اللطف الخاص برضوى وهى تنظر حولها مجدداً ثم قالت

" لاحظت أنكِ تناديهم باسمائهم "

مجدداً هربت الكلمات منها بغباء !.. قالتها وشعرت بالحرج فاتسعت ابتسامة طهرونية ببشاشة قائلة

" وُلِدُوا على يدي وأنا ربيتهم وأوصتني عليهم أمهم رحمها الله "

اكتفت بالصمت الخجل وهى تدعو بالرحمة لها ولوالدتها حتى قالت طهرونية

" قلتِ أنكِ سمعتِ صوتي وأنا اقرأ القرآن "

أجابت غفران بتهذيب

" نعم .. استيقظت لصلاة الفجر ولم استطع العودة للنوم واختنقت من الغرفة فقلت اجلس بالبهو قليلاً وحين نزلت سمعتكِ .. أنا أيضاً أجيد أحكام تجويد القرآن وكنت أحب صوتي في القراءة لكن منذ فترة أصبحت اقرأ في سري فقط "

سألت طهرونية باهتمام فطري

" مَن علمكِ ؟ "

طرق عقلها ما كانت تفكر فيه بكآبة مجيبة

" تعلمت بالمدرسة وأنا صغيرة .. كانت لدينا أستاذة التربية الدينية تجيد التجويد وعلمتنا "

اومأت طهرونية باستحسان ثم سخرت

" أنتِ كبيرة إذاً .. منذ أيام كان بالمدارس تدريس للتربية الدينية ! "

ابتسمت متسائلة بفضول غريب

" وأنتِ ؟ "

قالت طهرونية بنبرة بدت بعيدة بُعد السنوات

" أنا احفظ كتاب الله منذ كنت صغيرة في كُـتّـاب قريتنا بالصعيد على يد الشيخ عبد العاطي عبد الجليل رحمه الله .. وما زلت احافظ على حفظي والحمد لله "

ازداد تعجبها وإعجابها وفضولها ، كانت امرأة غريبة ، غرفتها اشياءها ثيابها الغالية كلامها المتعلم ورقي نبرة صوتها ، الكتب والأجهزة !
أمسكت طهرونية المصحف جوارها لتمده إلي غفران مشجعة

" قلتِ أنكِ تجيدين التجويد .. خذي المصحف .. اقرأي "

أخذته غفران لتفتح عند موضع الشريط المرجعي والذي كان يحدد سورة غافر ، منذ أيام المدرسة لم تقرأ أمام أحد ، لم يعد يسمع صوتها أحد حتى هى نفسها .. لتتردد قليلاً .. ثم تتشجع وتشتاق .. ويعلو صوتها حسناً فتتلو من بداية سورة غافر حتى الآية السابعة اخر آية بتلك الصفحة


( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ )


عندها توقفت ، فرغت ملامحها من كل شيء إلا الندم الخفي فقالت طهرونية برضا

" أحسنتِ .. تابعي "

أغلقت غفران المصحف رافعة كفها بالاكتفاء وهى تهمس

" صدق الله العظيم "

وضعته مكانه ثم زفرت مختنقة بالثقل على صدرها لتسأل بتردد

" هناك شيء اشعره مؤخراً يخص ديني لا اعرف هل يمكن أن اسألكِ ؟ "

لا تعرف لماذا سألت أن تسأل ؟! ، ربما الغرابة التي تشعرها فيها أو هدوء التوقيت أو جنون تفكيرها ، او مجرد حديث عابر من إنسان لإنسان
قالت طهرونية في رأفة وحنو

" إن كان عندي جواب مؤكد ساخبركِ وإن لم يكن ساخبركِ رأيي على الأقل "

صمتت غفران قليلا في محاولة للسيطرة على الكلمات التي تهرب بلا تحضير كالعادة وحاولت أن يكون سؤالها عادياً

" لا اعرف لماذا أصبحت اختنق وأنا اقرأ القرآن أحياناً كأنني من شدة إحساسي بأي ذنب افعله اشعر إنني لا استحق أي ثواب أو مغفرة .. ربما أنا شديدة الحساسية فقط أو أن الدنيا تأخذنا في العمل والانشغال .. لا اعرف رغم إنني احافظ على صلاتي وقراءة القرآن لكن لا اعرف ماذا حدث ؟ "

أو تعرف ، لكنها لا تستطيع الاستفاضة في التفاصيل حتى لا تسقط من عين أحد ، سمعتها وكرامتها وكبريائها بكل هذه الدنيا أغلى ، تريد حلاً دون تفاصيل موجعة

ولا تعرف كيف انتهى بها الحال لتسأل امرأة غريبة عما تشعر ؟! ، إنها تجن حتماً !

حدقت بها طهرونية باستغراب وفضول مماثل وفكرةٍ ما .. لم يكن لديها جواب محضر مسبقاً .. فقط جرت الكلمات على لسانها الطيب بكثرة ما تقرأ وتفهم

" يقول العلماء أنهم اكتشفوا أن كلما ارتفع الإنسان في السماء سواء صعوداً على جبل أو حتى بركوب الطائرة تقل كمية الأكسچين فيشعر الإنسان بضيق في الصدر والتنفس وهو ما جاء إعجازاً علمياً في القرآن قبل اكتشافهم .. جاء في سورة الأنعام بقول الله ( فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ) صدق الله العظيم ... هذه الآية قريبة جداً إلي قلبي .. أراها مفتاحي كلما مرت عليّ أيام اشعر بصدري ضائقاً مختنقاً أو انشغلت في لهو الدنيا .. فاعاود الاقتراب من ربي والتعمق في ديني فاشعر بالانشراح مجدداً والهدوء والسكينة .. فهناك أوقات تمر على الإنسان يشعر فيها أنه عالٍ مرتفع ولا أحد أفضل منه غافلاً أنه بصعوده أحياناً ينسى إنسانيته وتواضعه وطمأنينة قلبه فيختنق ويضيق صدره بالدنيا دون أن يعرف سبباً لتعاسته رغم ما يملك "

استمعت غفران بتركيز كما استمعت إلي روزان كأنها تجمع المغفرة من قلوب أهل الأرض لعلها تتأكد أن خالق الأرض والسماء قد غفر فوضع لها الغفران في الأرض
تابعت طهرونية بصوتها المتأني الرشيد

" لذلك لا تستسلمي لاحساسكِ أنكِ لا تستحقين فإنه من وسواس الشيطان ليبعد العباد عن عبادتهم ودينهم بحجة أنهم خاطئين .. لكن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون .. بل إن احساسكِ هذا دليل على نقاء قلبكِ الذي يجاهد ليظل نقياً مهما كان ذنبه .. أنتِ في جهاد أجمل من أن تتخلي عنه فتمسكي به حتى يعاودكِ انشراح صدركِ وهدوء نفسكِ "

ابتسمت غفران بامتنان وتساءلت .. النقاء .. هل يمكن أن تشعر بالنقاء يوماً من جديد ؟.






يتبع ...




نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 19-01-24, 09:50 AM   #224

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,682
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي






يصعد ماضي الدرج متحاملاً على الألم الرهيب الذي يكتمه متكئاً على العصا بعد زوال تأثير مخدر الألم ويريد الوصول لغرفته ليرتاح بعد وصوله ، نعته ماجد بانه يدمر نفسه ويهتك عضلة فخذه أكثر ، ونعته بالمجنون حين اكتشف بذهول أنه يتعاطى مخدراً ممنوعاً يلاشي الألم كثيرا دون تأثير يُذكَر على العقل ، لكنه يظل ضمن جدول المخدرات

لكنه لا يستطيع أن يقع الآن ، لا يستطيع أن يرتاح الآن ، لابد أن يظل واقفاً صلباً ولو بالمخدر
وصل إلي سريره فهمد عليه بأنفاسٍ متلاحقة ليأخذ الشريط ويتعاطى الحبة السحرية ثم جلس نصف مستلقياً وظل يحدق بالسقف ينتظر المفعول

رن الهاتف ، ففتح الخط يتلقى تقريع اياد وقلقه

" كيف اعرف انك أُصِبت من الإدارة وليس منك .. هل احضر إليك ؟.. أين أُصِبت بالضبط ؟ "

ابتسم ماضي وهو يمازحه

" أنا بخير يا ابني هل تظن أن رصاصة طائشة ستنال مني بعد هذا العمر ؟!.. عيب على رتبتك أن تشكك بي ! "

قال اياد بحزم

" لا تذهب إلي مكتبك هذه الأيام "

أخذ ماضي سجائره وهو يرد بلا اهتمام

" لقد عدت منذ دقائق بالفعل "

سب اياد بصوتٍ مسموع منزعج بينما يشعل ماضي السيجارة ساخراً وهى بين شفتيه

" ألا تكفي أختك العائدة ولسانها أطول بمترين عما كان ؟! "

تنهد اياد قائلا بخبث

" عرفت أن رسيل عادت معها "

لعن ماضي بسره ينفث دخان السيجارة قائلا

" لأول مرة احسدك على مهمة مُسنَدة إليك حين قارنت وضعي مع وضعك حالياً "

قال اياد ضاحكاً بعبث

" لا ألومك معك حق تماماً !.. التواجد حول مَن عندي يختلف كلياً عن نسوة كل ما يهمها شانيل وديور وألوان أحمر الشفاه النفخ ! "

سمع صوته الحانق نافد الصبر

" اغلق "

أغلق هو ، وظل يدخن السيجارة وقد زال الألم كثيراً بالفعل ، وخف الجسد ، وارتااااح

تعرق قليلاً .. تُنفَث الحرارة مع الدخان من داخل جسده ففتح أزرار قميصه لتستقبل عضلات صدره طقس أكتوبر الخريفي ، وازداد إفراز الإندروفين ليحد الألم أكثر ويبدأ في وظيفته كأحد هرمونات السعادة .. واشتعلت الرغبة الجنسية وجسده يستقبل فورة النشوة كأنها تحدث بالفعل حد انتصاب شعيرات جسده بقشعريرة ممتعة فيعلو الإندروفين إلي القمة

أخذ نفساً اخر من السيجارة وهو يستلقي تماماً .. وفجأة نظر إليها .. أمعن النظر !.. متوسطة الطول .. تحترق بداخلها حتى تخرج هذا الخيط الرفيع من الدخان كـرد فعل على إشعالها !

و .. جوزائية المزاج .. زيتونية العينين !.. متهورة .. تجيد الهرب .. وتجيد العباءة السمراء !

أخذ منها النفس الأخير وسؤال من النشوة يراوده بين الدخان في لحظات يأخذ تفكيره بعيداً عن العمل .. فقط لحظات بعيداً .. لحظات لنفسه ..
ماذا لو فتحت له العباءة .. بنفسها ؟!
و .. ماذا لو .. تمزقت العباءة .. بنفسه ؟!.







أكملت غفران نومها بالعباءة السمراء بعدما ألحت عليها طهرونية بأخذها لتنام فيها مرتاحة حتى تحضر ثيابها .. ناعمة .. واسعة .. مريحة راحة جذع شجرة عريض لحيوان كوالا ليلي ، لدرجة أنها نامت لبعد العصر بعد صحوة يومين وحديث حتى شروق الشمس مع تلك المرأة الغريبة .. القريبة

تمطت في السرير العريض الذي شهد حلماً اخر لكنه أكثر احتراماً .. دخل ماضي وجلس على حافته ينظر إليها فقط لكنها كانت للأسف ترتدي اللا شيء ! ..
لا بأس .. مجرد حلم سخيف اخر من إلهاءات عقلها ، سترحل اليوم ولا رجعة في القرار وإن عقد عليها هذا الماضي المثير وأصبح فعلياً من حقه رؤيتها باللا شيء .. لا شيء سيغير قرارها

نهضت بنفس ثقيلة كالعادة تستعد ليوم جديد استيقظت فيه ، لم ينته الأجل بعد ، يا مسهل
توالت بعدها ساعة واثنتان أخذت حمامها وأحضرت طهرونية إليها طعامها وظلت بغرفتها بالعباءة المريحة ، هاتف والدها مغلق مغلق .. لا شيء سيغير قرارها

حتى سمعت الطرقتين الصارمتين على الباب ، وطرقة ثالثة مستفزة لقلبها معهما ، نهضت غفران تعدل وشاحها الأسود أمام المرآة وتمتعض قليلا من منظر العباءة ثم شدت قامتها لتفتح الباب .. وتواجه العينين المخيفتين الجادتين ..
المثيرتين .. الجميلتين .. الـ .. توقفي ، توقفي عن النظر إليه أفضل وإلا ستصابين بنوبة قلبية قبل الخروج من هنا ، بل من هذه العباءة !

سمعت كلام نفسها وأخفضت بصرها نحو العصا التي يتكئ عليها وذراعه الأخرى المصابة المضمومة لجانبه فعفوياً سألت

" هل أنت أفضل الآن ؟ "

لم تكن عرفت أن الطبيب ماجد صديقه وجاء إليه اثناء تواجدها بغرفتها بالأمس وظل معه طويلاً حسب رواية طهرونية وقد حاول أن يملي عليه أوامره بالراحة التامة حين رآه مذهولا واقفا مستنداً إلي العصا لكنه صمت بالنهاية ومؤكد خوفاً من اقتلاع عينيه التي يعتمد عليها مستقبله الطبي

لم يرد ماضي وهو ينظر إليها وقد عادت العباءة السمراء الداهية تنسدل على أحجام طبيعية ملتفة بالأنوثة بضمير .. فأبعد عينيه وخواطره معهما وهو يدخل خطوة فتراجعت غفران باستغراب ليدخل أكثر بلا أدنى استئذان ويغلق الباب خلفه ليقول أمام نظراتها المنتظرة سيلاً من التعليمات ربما

" حتى سنوات قريبة فاتت لم تكن هوية رئيس المخابرات والقيادات العليا في الجهاز معروفة حتى كسر هذا رئيس الجهاز السابق اللواء عمر سليمان ومع هذا تظل هوية الكثيرين تحيطها السرية التامة .. وبالطبع لولا هذا الإعلان لما عرف أحد أن كارم دوير يعمل بالجهاز ولا حتى أسرته "

ارتفع رأس غفران بكبرياء وهى تتوقع بعد هذه المقدمة ليكمل بجفاء آمر

" بالأمس حين طلبت رضوى اسمكِ لم تطلب التاريخ العائلي لتخبريها بمنصب والد سيادتكِ !.. لكن إذا كنتِ تبادرين بنفسكِ بتعريف الكل بهويتكِ بنفس الطريقة فلا مانع عندي لكن لا يكون في محيطي أنا أو اثناء تواجدي معكِ لأن سرية عملي ما زالت قائمة لبعض الجهات وهنا يعرفون فقط انني ضابط في إحدى الجهات الأمنية "

لم تنطق ووجهها ينغلق كالمعتاد لكن انغلاق يخصه وحده منذ عرفته ورآها أول يوم ، انغلاق كل كلمة منه تجرحها بطريقة ما وإن كانت عادية
تابع ماضي بغلاظة نبرته الرسمية ذات الطابع العسكري

" أنا قصدت تنبيهكِ للأيام القادمة فإن كانت رضوى لن تهتم بالبحث وراء الاسماء فربما غيرها يفعل .. لذلك رجاءً يا ابنة سيادة اللواء أن تتكرمي بالاكتفاء باسمكِ الأول فقط خلال تواجدكِ هنا "

ثارت دماء غفران في اتجاه يعزز رحيلها من هنا لترفع ذقنها أكثر وهى ترد بجرأة

" أظنك تعرف انني افعل هذا بدون أن تتكرم أنت وتخبرني أم نسيت يا .. ابن عمي ؟! "

عيناه في عينيها العالية العنيدة يقول ببساطة جافة ونظرة تؤلم بالذكرى

" جيد .. متفقين إذاً "

التفت قليلا نحو الباب فانتظرته يغادر لكنه تساءل

" هل تحدثتِ مع أبيكِ اليوم ؟ "

حين ذكر أباها تذكرت شيئاً استوعبته الآن فجأة بسبب تفكيرها بالرحيل فقالت بتجهم

" ليس بعد لكنه .. قال بالأمس أن الانفجار كان بالجانب الخلفي والأيمن من البيت .. هل هذا يعني أن غرفتي هى التي نالت النصيب الأكبر من الانفجار ؟! "

ضرب ماضي الكلام في وجهها بلا مراعاة

" نعم .. لذلك احتفظي بهذا الهاتف بدلاً من هاتفكِ والشبكة عليه مُؤمَنة يمكنكِ استعماله كما تريدين لكن لا تنشري مكانكِ هنا وهناك .. إذا سمحتِ "

ولم ينسَ أحد أوامره الفظة الساخرة أحياناً لتعود عيناه تمر على العباءة ثم قال بجدية

" ساخبر رضوى أن تجهز لكِ عدة أطقم حتى يكون بإمكانكِ الخروج وشراء ملابسكِ لكن حالياً خروجكِ فيه خطر عليكِ "

تجمدت غفران أكثر بعد صدمة غرفتها ، دُمِرَت كل ذكرياتها .. ثيابها .. أجهزتها .. كتبها .. عرائسها الطفولية .. كتاباتها .. كل شيء ، غرفتها الصغيرة بشقة الاسكندرية لا تحوي إلا الضروري المُستعمَل يومياً لكن أساسها بغرفتها بالبيت ، إنها تحتفظ حتى بكراسات المدرسة التي تحمل علاماتها العالية .. كل الذكريات التي كانت في صناديق أنثوية مرتبة

لانت ملامح ماضي قليلاً أمام عينيها التي دمعت فجأة وارتجافة يدها الواضحة حتى شعر بوخزة أخرى من .. ندم الكلام ، ولم يحدث معه يوماً أن ندم على كلمة أخرجها ، تباً للتعامل مع النسوة !

لم تنزل من غفران دمعة بل برقت عيناها ناظرة إليه بغل حابسة الدموع والدماء فيها تفور غضباً قابضة بيدها على طرف العباءة الذي ترفعه لتسير ثم تحركت لتفتح الباب على وسعه قائلة بانفعال مكتوم التفجر

" أنا لا احتاج إلي ملابس من أختك .. وتفضل الآن لأنني أريد الصلاة .. إذا سمحت ! "

نظر ماضي إلي الباب المفتوح بحاجبين مرتفعين ثم هز رأسه .. تطرده في بيته ! .. عظيم !
لكن مراعاةً لمشاعرها الهرمونية الأنثوية الغاضبة على اشيائها وغرفتها تحرك ليخرج دون اقتلاع أي عيون !..

وما إن همت غفران بإغلاق الباب خلفه حتى رأت رسيل في الممر برداء الحمام الأبيض المجفف .. قصيراً حتى ركبتيها ورأسها ملتفاً بمنشفة بيضاء .. وجهها الأبيض بلا زينة متورداً بعد الحمام الساخن جميلاً ناعماً كجسدها .. عظيم !

يبدو أن غرفتها هى فقط الملحقة بالحمام الخاص لأنها غرفة الضيوف .. عظيم !

لم تغلق غفران الباب .. صفقت الباب حتى شعرت بالجدران تهتز .. رؤية رسيل جعلت الدماء تفور أكثر وأكثر .. لقد استخدمها .. بالأمس استخدمها ليثير غيرة خطيبته السابقة واليوم عاد لفظاظته وعجرفته
هل يمكنها أن تصرخ ؟.. هل يمكن ؟!.




نظر ماضي إلي الباب الذي صُفِقَ خلفه وعادت الوخزة ! .. مجرد وخزة إنسانية لأنثى تبكي الآن سهرت جواره وقت تعبه .. هل تبكي الآن ؟!

قطعت رسيل رؤيته بعدما انتفضت بصوت الباب وهى تتوقف أمامه بالرداء الأبيض تنظر نحو الباب بحنق ثم سألت بنعومة

" ماضي .. هل يمكن أن اتحدث معك قليلاً ؟ "

لم يتكلف ماضي عناء رمشة عين نحوها وهو يتجاوزها بصرامة

" لست متفرغاً "

وقفت طهرونية أسفل الدرج واضعة كفاً فوق أخرى تنظر إلي رسيل بفطنة لماحة ثم قالت بنبرة ذات مغزى

" لقد جاء دكتور ماجد "

قال ماضي برفق وبابتسامة تخص طهرونية فقط وهو يفهم مغزى وقفتها

" دعيه يصعد إلي غرفتي "

دخل غرفته ومضت طهرونية بعد نظرة أخرى إلي رسيل التي اتجهت نحو غرفة الضيوف الثانية الصغيرة لتصبح غرفتها على مضض وغضب
ظلت مكانها دون أن تدخل وهى تلمح ذلك الطبيب يدخل غرفته ثم انتفضت مرة أخرى على سؤال رضوى

" ما بكِ واقفة هكذا .. هل رفض التحدث معكِ ؟ "

نفخت بحنق تضم الرداء على صدرها أكثر وتستدير إليها ترد

" إنه يرفض حتى نطق اسمي أو النظر إلي وجهي "

مدت رضوى رأسها تتظاهر بالنظر داخل الرداء بالقول العابث

" لأنه ينظر إلي مناطق أخرى ! "

قالت رسيل باستياء وتأزم

" لا تمزحي رضوى .. ماضي لن يفكر بي مجدداً بعد ما فعلته .. هذا إذا كان فكر بي من الأصل في المرة الأولى ! "

طلت نظرة الاستصغار بعيني رضوى كالعادة حين ترى لهفة امرأة على رجل ثم قالت باستهانة متكبرة وهى تتجاوزها

" لا تعطي أحداً أكبر من حجمه هكذا .. كلهم عينة واحدة ببعض الكلام المعسول يقعون "

نظرت رسيل في اثرها بانزعاج قبل أن تدخل غرفتها صافقة بابها هى الأخرى.






لم تكن غفران تبكي ، كان الغضب يطغى على مشاعرها على نفسها وماضي وعمل والدها وكل حياتها .. استخدمها .. بلا شك
الهاتف في يدها تتصل وتتصل بلا جدوى ، تكرر وترغي وتزبد وتغلي وتنفجر داخلها .. كرامتها تؤلمها للغاية .. متضايقة من كل شيء .. منظرها وما أحضرها هنا وغرفتها التي ضاعت .. وكلامه عديم الاحساس .. عديم الاحساس والدم يقلل من شأنها

رن الهاتف فجأة فتحفزت غفران حين فتح كارم الخط قائلا بتعجل

" غفران أنا مشغول إن لم يكن لديكِ شيء هام فاتصلي بي لاحقاً "

انفجرت غفران بلا حساب لكلماتها

" أنا أريد الرحيل من هنا .. لا أريد أن أظل ببيت ذلك الرجل .. لا أريد أن أكون ثقيلة على أحد .. أريد أن اذهب إلي روزان أو دكتور نبيل .. أريد حكيم أن يتولى حمايتي وليس عديم الاحساس والدم هذا .. لا أريد حماية أصلاً "

تفاجأ كارم فتوقف مكانه بالساحة قبل الدخول للمبنى وعاد خطوات لسيارته بتساؤل

" اهدئي اهدئي ماذا حدث لكل هذا ؟ "

تابعت غفران بغضب شديد ووجهها ينضح احمراراً

" إنه يعاملني كأنني موظفة عنده ويلقي الأوامر عليّ .. أنا أريد أن امكث في مكان بكرامتي .. لا أريد هواتف منه ولا ملابس من أخته هل اتسول منهما أنا ؟! "

فهم كارم الأمر وهو يعرف طباع ماضي التي لا تناسب غفران أبداً وبهدوء كان يراضيها بتعب صوته وإجهاده هذه الفترة

" حقك عليّ يا ابنتي أنا نسيت هذه الأمور وسط كل ما يحدث هذه الأيام .. سارسل لكِ كل ما تريدين لكن أريدكِ أن تفهمي أن طبيعة شخصية ماضي تجعله صارماً لكنه لا يقصد ما فهمتِه .. أنتِ كرامتكِ محفوظة في كل مكان .. أريدكِ أن تهدئي وأنا ساتصرف وإن لم يعجبكِ تصرفي ساتحدث مع حكيم ليأتي ويأخذكِ كما تريدين "

أنهت غفران المكالمة بكلمة خافتة وبلا انتظار قول اخر .. لم تكن في حالة تسمح لها بالجدال ، لكنها علمت أنها في مرحلة ، وستنتقل إلي مرحلة أخرى .. مجدداً.





يتبع .....








نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 19-01-24, 09:57 AM   #225

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,682
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي






في تلك البناية الآمنة بالشقة التي تقيم فيها امرأتان تميزتا في كل ما له معنى وقيمة ، نساء لا تموت وإن واراها الثرى ، ما زالت جملة ريحان بلهجتها السورية اليافعة ترن في أذنه كلما تألم بماضيه ، لم يعد يفكر إلا بابنه .. ذلك الصغير الذي لم يحمل منه إلا صورته

وكلما يرى رحيل يتألم أكثر ، رحيل مثل نسخة احترافية من نور ، حققت كل ما كانت نور تتمناه ، نور الفلسطينية الثائرة التي تنتظر فرصة للانضمام للمقاومة ، لبقة الحديث قوية ، وآرائها صريحة قاطعة
عاشقة ناعمة .. وأم مميزة حنون ، ربما اشتياقه إليها ولمناقشاتها وصوتها يجعله يتحين الفرص للتحدث مع رحيل ، لكنه لا يريد استغلالها لإشباع الحنين

ويحدث الفارق حين يراها أمام الكاميرا ، حين يراها وهى تعمل فتكون رحيل .. رحيل المطري
دخل اياد الغرفة المجهزة لها للتصوير وهى منهمكة أمام الحاسوب بين الأوراق فوضع قطعة الكترونية صغيرة أمامها قائلا

" تمت الموافقة على الحلقة القادمة بإمكانكِ العمل عليها الآن لكن أزلنا فقط فقرة صغيرة فيها إشارة إلي وثائق الاغتيالات ولا نريد أن نعلن أي شيء يخصها الآن "

اومأت رحيل رغم ضيقها أن يعدل على عملها أحد لكنها تمرر هذه الفترة وتنشر قدر استطاعتها تحسباً لشر القادم

ظل اياد واقفاً ينظر إليها من علو وتأخذه الذكرى .. لم يحدث يوماً أن خلط بين عمله وحياته الشخصية ، لذلك اعتاد في أوكرانيا الحياة الغربية الباردة دون تفاصيل ، الابتعاد كان الحل الأمثل حتى لا يجن .. لكن التفاصيل تعود بإلحاح مشابه جميل ..

رفعت رحيل رأسها نحوه بانتباه فاستدرك

" الحلقة السابقة من برنامجكِ صارت تريند "

بسطت يدها نحو الكرسي المجاور للمكتب متسائلة بصوتها الهادئ

" ماذا يعني تريند ؟ "

جلس اياد ناظراً لها بتساؤل متعجب فأضافت

" معظم حلقات برنامجي تكون تريند لكنني لا اشعر به "

نهضت تحضر أوراقاً من طاولة جانبية فتثنى له رؤية ثوبها يرفرف حولها بقماشه الناعم ، بين الأبيض والأسود والرمادي يطبع صدره جزء متدلي فيه مثل الكوفية الفلسطينية
كأجمل مرة يراها استدارت إليه تتحدث

" المُفتَرض أن أي شخص يصبح مؤثراً وتلاحقه الشهرة والمتابعون والمال يشعر بتلك السعادة التي تتسلل إليه حتى وإن كان هدفه الأول قضية ما .. لكن قدميه ترتفعان عن الأرض مع الوقت ويحلق في عالم مشاهير جديد جذاب "

كان لها تلك الجاذبية المهمومة بين حروف الأبجدية ، تجعل أي أحد يتمنى لو استطاع رفع همومها
وتلك الجدية الممتزجة بالأنوثة الحرة وهى تتابع بروحها

" ظننت في وقتٍ ما أن هذا سيكون احساسي فكنت أخاف أن انسى قضيتي لذلك اجتهدت أكثر وعملت أكثر لكنني لم أكن أعي أنني مختلفة .. فكلما حاولت السعادة أن تتسلل إليّ وتحلق بي يموت أحد من أهلي في قصف جديد على مكانٍ ما في فلسطين يشهد تواجده وقتها .. فيرفع الحزن ذراعيه لينزل قدميّ على الأرض دائماً .. فما معنى تريند إذاً ؟! "

ترك اياد عينيه لتلك النظرة التي لا محل لها من إعراب المشاعر .. احترام وتقدير ثابت .. وربما حنين أكبر .. وإعجاب بشخصها المتميز الواعي .. فقال مبتسماً

" أحب طريقتكِ في الحديث .. كلامكِ .. تعابير وجهكِ "

تورد وجه رحيل وعدلت نظارتها كعادتها وهى تعود للجلوس خلف مكتبها بنظرة إلي رجل صار حزنه مألوفاً كصديق كلما مرت الأيام لهما معاً .. تجمعهما المأساة وعدو مشترك يسعيان للنيل منه

نظر اياد لساعته .. ما زال أمامه دقائق للعودة إلي عمله مع رجال أمن المعلومات بعد فتح ثغرة جديدة في نظام افرايم ، ورجاله الاخرين الذين أرسلهم في مهمة استطلاع سرية قد تأتي له بمكان جديد
فعقد ساعديه القويين مستنداً لظهر الكرسي متسائلا

" أظن إنني أصبحت من متابعينكِ .. شاهدت معظم فيديوهاتكِ اثناء قراءتي لملفكِ .. أنتِ وأهلكِ تعيشون في غزة الآن لكنكم انتقلتم لأكثر من مكان أليس كذلك ؟ "

أجابت رحيل باختصار

" ليس كلنا .. أنا والبعض نعيش في غزة والباقي في الناصرة "

كان تحفظاً واضحاً على غير عادتها معه ، فقد اعتاد أن يحكي كل منهما شيئاً للاخر بلا سابق نية
فحثها بنظرة

" احكي رحيل "

لأنها تخاف منذ صار يناديها باسمها بلا تكليف ، ومنذ باح لها ببعض ألمه ، اعتادت التعاطف مع الآلام كاسلوب حياة في وطنها ، لكن لم يسبق لها أن تعاطفت مع رجل حد التفكير فيه .. في شخصيته وملامحه .. طريقة حديثه وحرب عينيه مع الحزن والغضب .. لم يسبق لها ولا تريد التفكير في ضلوع رجل قد تحتوي اهتمامها بقضيتها وتتفهم أنها لا تعيش لنفسها في زمن طغت فيه المصالح وحب الذات .. إنها تختلف بكل المقاييس .. وتدرك بداخلها أنها قصيرة العمر .. أجلها يقترب مع كل يوم فلا داعٍ لخوض سعادة وقتية ستتحول إلي حزنٍ عظيم

لكنها على كل حال قالت بلكنتها المصرية المميزة

" قال أبي أن ... "

أوقفها اياد بصوته ذو النبرة الرخيمة

" تحدثي معي بلهجتكِ "

كمحقق في قضيته الخاصة كان ينتظر ليستمع .. غريباً .. وجاداً .. وتخاف انه يرى فيها تلك الراحلة عنه لا هى .. لكنها تشعره حين يكون معها اهدأ بعكس ذلك الرائد الحازم دوماً مع رجاله بلا هوادة .. ربما هى أداة صبره حتى يجد ابنه .. التذكير الحي له وطناً ولهجةً

أرجعت شعرها خلف أذنها بتنهيدة طويلة وعادت تقول بلهجتها الفلسطينية

" قال أبي يعطيه الله العمر أصلنا من حيفا .. لكن عائلة المطري منذ نكبة 48 وهى مثل الرحالة .. الله كريم رزقنا من فضله أراضٍ خصبة ومراكب صيد وتجارة فيما نزرع ونحصد من عنب وتين وزيتون وقمح ولوز وغيره .. كانت الأشجار تنمو بمرتفعات جبل الكرمل .. ويخرج الرجال للصيد فيعودون بخير البحر .. هكذا كان جدي يحكي لأبي وأبي لي ولاخوتي .. نتوارث الحكي كما نتوارث مفاتيح ديارنا التي ما عاد لها وجود لكنها رمز صمودنا وإن كنا في اخر العالم .. وحين أصبحت فلسطين تحت حكم الانجليز لعنهم الله بدأوا تنفيذ وعد بلفور بإقامة وطن لليهود على أرضنا وبدأ المخطط الصهيوني والهجرات اليهودية إلي فلسطين تكاثرت وفجأة وجدنا المستوطنات اليهودية تقام بلا توقف وسقطت حيفا في أيديهم .. يطردون جزءا من السكان الأصليين ويقيمون مستوطنة حتى جاء الدور علينا .. طردونا من ديارنا وأرضنا .. صادروا البيوت وهدموا جزءاً اخر .. وهكذا ظلوا حتى صاروا اثنين وستين مستوطنة وأصبحوا هم الأكثرية في حيفا .. أرادوها لأنها ميناء مهم بفلسطين فأخذوها غصبا .. وهُجِرت عائلتي مع كثيرين شرقاً إلي الناصرة "

تحكي كأنها عاشت ما عاشوه ، فما عاشته منذ ولادتها لا يختلف كثيراً .. نفس الموت والقهر والتجبر والوحشية والدمار

" كان الأقرب إلينا مثل باقي أهل حيفا النزوح إلي مخيم بيروت لكننا لم نرضَ مع اشتداد الأوضاع أن نصبح لاجئين في مصر أو سوريا أو لبنان أو أي مخيم داخل فلسطين نفسها .. قلنا إما نعيش في أرضنا إما نموت عليها .. كان لعائلتي ميزة أخرى نتوارثها .. وهى تحويل أي أموال إلي جنيهات ذهبية .. صحيح خسرنا الأرض والمراكب لكن كان معهم ما استطاع الرجال تهريبه خفيةً برشوة بعض المجندين الاسرائيليين .. ووقت الحرب وعند التيقن من الهزيمة وبعد المقاومة رفع قائد الشرطة علماً أبيض فوق مركز الشرطة وقام عمدة الناصرة بتسليمها مقابل وعد من قائد الضباط الاسرائيليين أن يتم الحفاظ على المدينة بسكانها .. ولأن لا وعود لهم أرادوا بعدها طرد العرب مجدداً بالقوة ثم وجد رئيس وزرائهم بن جوريون أن طرد المسيحيين سيثير غضب العالم فقرروا الإبقاء على الوعد رغماً عنهم .. وهكذا ظلت عائلتي في الناصرة لسنوات طويلة وإلي الآن "

توقفت قليلا تتذكر صوت أبيها وهو يحكي بعدما اغتالوا أباه أمام عينيه فتتجسد الصورة أمام عينيها هى معتادة بحزنها ونضالها

" في تلك الفترة وقبل الحرب بشهور قليلة كان جدي جاهد المطري ينتقل مع جدتي رحيل إلي القدس وغيرها من المدن الفلسطينية لتهريب أسلحة إلي الفدائيين وقوات المقاومة كانت تأتي عبر البحر إلي حيفا ثم يقوم بعض الرجال من المقاومة ومنهم جدي بتهريبها .. لكن جدتي رحيل قُتِلَت في تفجير أحد المنازل حين فجروا فندق سميراميس بالقدس وعاد جدي إلي حيفا وحده .. وصمم حين ينجب أحد أولاده فتاة يكون اسمها رحيل وهكذا فعل أبي غادي .. وعاش جدي بذنب جدتي الباقي من عمره .. ظل يردد أنه كان عليه أن يبعدها عن الخطر لكنه أراد أن يقوي عزيمتها ويجعلها تتصرف في كل شيء وحدها حتى إذا قتلوه يجدوه الأولاد في روحها .. في حين أن بعض النساء كانت تخشى الخروج من الدار أو ركوب العربات أو القطار كانت هى مجاهدة مثله فلم يرضَ بكبتها وإضعاف قوتها "

شرد مع صوتها والصورة .. امرأة وطفلان مذبوحان أرضاً ، فضغط على جانب رأسه بذلك الألم النفسي المبرح
ثم نظرة أخرى لساعته قبل أن يقول واجماً

" كل رحيل في عائلتكم تتوارث القوة والجهاد أيضاً إذاً "

ابتسمت رحيل دامعة ، مشهد محدد في خاطرها ، لا تنساه مهما أبكاها ، وهو ينجح أن يبكيها بنفس التأثر والغثيان كل مرة
الكلمات محشورة في حلقها مهما أخرجتها انحشار حجر عالق لن يتحرر

" لست بالقوة التي تظنها بل دموعي أقرب مما تتصور خاصةً حين احكي أو اتذكر موت إخوتي أو أحد معارفي أو .. أقرب صديقة لي .. دهستها إحدى سيارات الصهاينة ولم يكتفوا بموتها .. بل مروا بالسيارة فوقها ثلاث مرات حتى اختفى وجهها وتحطم رأسها وخرج مخها على الطريق أمام عينيّ .. هكذا كانوا يفعلون في مذابح القرى بعد الحرب أيضاً .. كانت سياراتهم تدهس رجلاً أو امرأة وتغدو وتذهب فوقه عدة مرات .. إنهم ليسوا بشراً اياد .. ليسوا بشراً "

سالت تلك الدموع ، ببطء وصمت كالعادة ، فهى لا تملك رفاهية صخب البكاء ، كتمان البكاء واجب حتى لا ينكشف مكانها أحياناً

ولم تنتبه أنها هى أيضاً رفعت الألقاب .. وفي لحظةٍ ما تجرأ أن يمد يده راغباً أن يمسح دموعها ، فقد تحولت قطرة كل دمعة إلي عدسة كبيرة يرى منها عين الحدث
إلا أن الصوت العالي القادم من غرفة ريحان أوقفه

" قلت لك اتركني الآن "

وقفت رحيل مكانها بينما أسرع اياد مباشرةً إلي الغرفة المجهزة طبياً ليجد الطبيب واقفاً يحاول أخذ الحاسوب منها وهى جالسة على فراشها بعناد

" مهندسة ريحان هذا خطر عليكِ لقد نزف جرحكِ من جديد .. أنتِ تجهدين نفسكِ بعدما كنتِ على وشك الدخول في غيبوبة تامة وقت اصابتكِ "

كانت الضمادة التي تغطي الجرح بين عنقها وكتفها بها بقعة دماء بالفعل بينما عيناها على شاشة الحاسوب بتركيز واهن وأصابعها تتحرك ببطء مجهد رغم رأسها الحجري فاقترب اياد خاطفاً الحاسوب منها بالأمر

" ريحان توقفي "

هتفت ريحان ثائرة

" إياك أن تغلقه .. سيضيع ما كنت افعله "

أشار اياد للطبيب برأسه أن يخرج وما إن فعل حتى قال بصرامة

" لن اغلقه لكن ستتوقفين بالأمر "

طلت بعينيها نظرة شرسة مع صوتها

" رؤسائي بالمخابرات السورية فقط مَن يمكنهم توجيه الأوامر إليّ وليس أنت "

اقترب اياد قليلاً من فراشها بوجهٍ اخر لا تهاون معه قاطعاً

" وبالتعاون معهم أنتِ في حمايتنا الآن وعلى أرض مصر إذاً ستلتزمين بأوامري "

مرت رجفة بمنتصف ظهرها وهى تقاوم هذا المرض القمئ ، إنها تكره العجز ، تكره أن يقوم غيرها بما كان عملها ثم يُنسَب له الفضل الذي كانت هى بدايته ..
لذلك تعبت في هذا المجال الصعب الذي يطغى عليه الرجال لتثبت انها أكثر ذكاءً ومهارة .. ونجحت .. وصعدت ..
والآن تعجز وتتوقف عن عملية بحجم القائمة تسعة وهى مقصودة فيها أيضاً بسبب هذه الإصابة السخيفة

وليحترق دمها أكثر قال اياد بحزم وتحذير لا نقاش فيه

" المهندس ياسر وغيره من أفضل مهندسي أمن المعلومات يتولون الأمر الآن وكل المطلوب منكِ أن ترتاحي فقط .. واجبنا أن نعيدكِ سالمة إلي عملكِ بالسفارة السورية لذا من فضلكِ كوني متعاونة "

مطلوب أن ترتاح !.. كأي أنثى ضعيفة منكسرة تقطن بيتها بلا حراك !
كان ليكون مصيرها لولا تشبثها وتصميمها أمام عمها عزيز الذي تفهم طبيعة شخصيتها التي لا تحيا إلا بإثبات كيان
تغلي الدماء فيها بعناد ولم تشعر مع التعب والتركيز المشتت والغضب إلا أن تحرق دمه كما فعل

" وهل كانت زوجتك متعاونة حين راحت ضحية أختها غير الشقيقة المنضمة للمقاومة الفلسطينية وتعمل الآن متخفية ويبحثون عنها لتلحق بأختها ؟!.. إذا كان هذا التعاون فأنا في غنى عنه .. هل تتساءل كيف عرفت هذه المعلومات ؟.. بالطبع لا .. فأنت تعرف انني استطيع معرفة الكثير وأنا في مكاني اتنقل من ثغرة تكنولوچية إلي أخرى "

ساد صمت ثقيل بالغرفة .. مخيف .. أنفاسها تعلو بحدة مع تألم ملامحها بالجرح النازف بكتفها ..
لكنها لا تعرف أن جرحه هو لا ينزف دماً بل قيحاً داكناً أصابه الاسوداد ، والضغط عليه قد يفجر كل سيطرة يملكها ويعيش بها منتظراً تلك الطلقة في رأسه

قتم وجهه داكناً بالدماء أمام عينيها التي هربت بضيق من عينيه القاسية .. قاسية للغاية تكاد تعرف أن صوته سيعلو عليها غضباً وكأن الكلام محفورا على ملامحه الخشنة
ظل اياد ثوانٍ بدت طويلة يسيطر على العنف داخله .. عنف شديد لم يروضه منذ فترة فأصبح يخرج بلا حساب .. لكن لن ينفع هنا .. ولا معها

حتى قال بصوت مشتد كنشاز الأحبال السميكة

" رغم ذكائكِ وتدريباتكِ إلا انه ينقصكِ الكثير من الثبات الانفعالي وضبط النفس .. غضبكِ واندفاعكِ يسحب منكِ الكثير .. يجعلكِ مجرد مـ... "

انكتمت الكلمة بالأمر ، كاد لسانه يفلت ويسب بأقذر ما قد تسمعه بحياتها ، لكنه نظر إلي الدماء التي لطختها
وتذكر واجبه ومكانه ومكانته ليكمل الميم بغلظة وتقزز

" واحدة مندفعة "

سمع أنفاسها الغاضبة مع اتساع عينيها المبهوت ربما لأنها أدركت ميماً اخرى
تحرك اياد ووضع الحاسوب على الطاولة ثم التفت ينظر إليها ما زالت كما هى .. وضع كفه على ظهر الشاشة فازداد اتساع عينيها بذعر ضياع مجهودها .. ثم ضربها بلوحة المفاتيح بقوة مغلقاً الحاسوب
واتجه نحو الباب بكل تسلط فتحه فصرخت بقهر وغضب

" اياد "

التفت إليها بعينين متسعتين بشراسة مشيراً بسبابته بصرامة وعلو صوته الجهوري

" الرائد اياد يا باشمهندسة "

انتفضت ريحان بصوته قبل أن يصفق الباب فوضعت يدها على صدرها ونشجت عدة مرات بخوف كاتمة البكاء بقوة آلمت صدرها .. لن يجعلها تبكي.




يتبع .....








نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 19-01-24, 10:15 AM   #226

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,682
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي






بعد يومٍ شاق أنهى حكيم العمل مع فرق البحث والعمليات على خطة الإدارة بكل اتجاهاتها المسؤول عنها ، وعمله مع فريقه السري الذي توصل إلي خيطٍ هام سيقود للخائن ، واجتماع مع قياداته بتواجد ' كارم دوير ' و ' ماضي حكم ' والعقيد حافظ والنقيب أنور وغيرهم ، وأفضى الأمر إلي محاولة أخيرة لاثبات تزوير الوثائق التي تخص ' كارم دوير ' وابنائه والذي سيؤدي بدوره إلي إثبات صحة أن عملية القائمة تسعة تابعة للموساد الذي ينكرها حالياً بلا دليل عليها ، والذي سيؤدي بدوره إلي إيقاف العملية كاملة وإسقاط الاسماء عنها وغالباً سيلفق الموساد المسؤولية إلي يوسي جدعون كعادته الدنيئة وتقديمه كبش فداء حتى لا تلتصق بهم مسؤولية اغتيال تسعة عشر شخص رسمياً ، بغض النظر أنهم يقتلون الآلاف بطريقة غير مُعلنة ، أما المُعلَنة فلها مسميات أخرى تحت بند الدفاع عن النفس

وإلا .. إن لم تنجح تلك المحاولة ، فسيضطر ' حكيم الصقر ' إلي تنفيذ أخطر مهام حياته .. وسيدخل الموساد ، سيدخل إلي مكتب يوسي جدعون لإرسال الدليل الوحيد على تزوير الوثائق والموجود في النسخة الوحيدة من الوثائق الأصلية في مكتب يوسي بمبنى الموساد الحقيقي والأكثر سرية .. لكنه لن يخرج ، أو لن يخرج حياً ، فتذكرة المهمة ذهاب فقط ، وبطاقات الدخول بلا استطاعة خروج.

يقود حكيم في طريقه للبيت بثبات وجمود يصل حد قساوة صلدة .. ميت القلب .. منذ يخطو خارجاً يترك جزءاً من مشاعره خلفه ويضغط تمكيناً لانعدام الاحساس إلا بواجبه ومهامه ، اسلوب تدرب عليه حتى أتقنه إتقان عد الأرقام العشرة

انسدل الليل أكثر برودة اليوم ، وتساقطت قطرات مطر على استحياء لتعلن انها تقترب
فجأة توقف أمام متجر لأثواب الزفاف ، تباطأ اليوم في القيادة فاتخذ طريقاً أطول ولم يخرج من المدينة بعد ، ألا يريد مواجهتها ؟

نظر إلي الفساتين البيضاء اللامعة تضئ فرحاً من جمالها وسمح لمشاعره أن تعاود همس العشق .. هنا كان يوماً حلم روزان
كيف سيواجهها الآن وهو ربما يرحل دون أن يراها بهذا الزخم الجمالي الأبيض ؟
كم مرة ستُكسَر فرحتها رغماً عنهما ؟
كم مرة ستتذوق الخذلان وانكسار الأمل ؟
وكم مرة سينجو ليعود إليها ؟

ظل بالسيارة لدقائق ونظرة قاسية تحتل عينيه ، ثم اطفأ السيارة ونزل .. ودخل المتجر.





دار المفتاح بالباب الداخلي للبيت قبل الطرقات الخافتة المهذبة كالعادة ، ثم ثوانٍ من الانتظار قبل أن يفتح الباب ويدخل فهتفت روزان بارتياح

" أخيراً "

تنفست الصعداء ، ولأول مرة تنتبه لمعنى الصعداء ، ذلك النفس الممدود من راحة بعد تعب وانفراج بعد مشقة ، إنها تعيش تجربة مسبقة لحياتها المستقبلية ! ، تعيش القلق عليه حياً كما عاشته والدتها قبلاً

وهو .. قرر النسيان تماماً ، النسيان حالياً حقاً ، وارتدى أجمل وأصدق مشاعره على عتبة دارها ، ليقابل وجهها المشرق بابتسامته رغم إجهاده قائلاً

" كان يوماً صعباً "

وضع حكيم أكياس الطعام على الرخام ثم اقترب منها حيث تجلس بمكانها على الأريكة التي تتوسط المكان ، ألقى مفاتيحه على الطاولة ودون كلام جلس جوارها بمسافة صغيرة مريحاً ظهره مسندا رأسه لظهر الأريكة مغمضا عينيه رافعا قدميه إحداهما فوق الأخرى على الطاولة بنفسٍ مرهق

ويده بتلك المسافة بينهما مفرودة وأصابعه فقط أشارت نداء .. نداءً أجابته وهى تمس يده بيدها قليلاً .. فأطبق عليها بشدة .. بشدة .. وسمعت نفساً اخر أكثر إرهاقاً وهو ما زال مغمض العينين ..

تركته روزان ليرتاح في صمت وهى تتأمل ملامحه قاتلة الجاذبية .. جاذبية تجعل الوجود بقربه عذاباً دون أن يحق لها لمسه كما تريد .. تغمر أصابعها في شعره الأسود ، وتقبل تفاحة آدم في عنقه باشتياق ، تنزع سترته .. وتفك أزرار قميصه ببطء وهى تمحو عن شفتيه الفراق ..

هل باتت اسرائيل تقف بينها وبين سعادتها الآن ؟! ، تبت اسرائيل بمَن يحكمها

تكسر مزاجها الرومانسي بالفكرة فأعادته قسراً وهى تقول بخفوت

" اشتقت إليك "

ابتسم حكيم بكلمة منها تلاشي التعب متسائلا على وضعه

" ماذا لو كنا متزوجين الآن ؟ "

تظاهرت روزان بالتفكير قبل أن تقول مشاكسة

" كنت سأقبلك "

فتح عينيه لحظة برعدة جسده وأنزل قدميه ليقترب بجذعه منها خطفاً فضحكت وهى تتراجع بجسدها وموقفها لكنه سأل مبتسماً

" كيف تشعرين اليوم ؟.. أكلتِ وأخذتِ دواءكِ ؟ "

اومأت روزان بجمالٍ ترد

" أفضل كثيراً لكن أنت مرهق للغاية .. كنت سأنام لكنني أردت انتظارك وحين تأخرت ارتعبت "

يطالع وجهها القريب الآمل يجعل القلب يعافر في حضرتها ليعيش ويحلم

" انتظريني "

يده تشد على يدها وهى ترى الحلم في عينيه

" انتظريني دائما .. لا تنامي يوماً قبل أن أعود "

انقبض قلب روزان لكنه بالرجاء يدعو وهى تهمس

" اخبرني ما يشغلك "

أشار بعينيه نحو الدفاتر على حافة الطاولة قائلا بنبرة عادية

" ضغط عمل لا أكثر لكن أنتِ انشغلتِ بمذكرات أبيكِ وجدكِ "

نظرت نحو تلك الوصية التي لم تقرأها بعد ولا تعرف متى ستتجرأ في هذه الظروف ثم قالت

" اشغل وقتي هنا كما أنه لا يكتبها بطريقة شخصية عن أفعاله هو بل يكتبها باسلوب أقرب للاسلوب الصحفي .. حيادياً تماماً ورغم ذلك تدرك رأيه فيما بين السطور "

سأل حكيم وهو يلامس بظاهر أصابعه جانب فمها بلا احتمال

" وماذا قالت سطور اليوم ؟! "

وكل شيء كان على حافة سطر ، مانعاً نفسه بصعوبة من تجاوز سنتيمترات الإجبار بينهما ، والانتظار مهمة أخرى أكثر شقاءً بالنسبة إلي موت كبير وحرمان نهائي

هل تقولها ؟ ، تحتاج قولها ، وتدرك انه يحتاج سماعها ، وتدرك تلك الاحتمالية لارتداء ثوب الحزن من جديد
لذلك قالتها بكل ما تملكها

" أحبك "

ظل يحدق في وجهها لحظات .. ثائراً .. مشتاقاً .. تكاد يدها التكسر في قبضته حتى شعرت أن الألم يسري لكتفها المطعونة لكنها لم تتحرك .. لم تستطع ..

حتى أخفض حكيم بصره عنها فابتعدت قليلا بارتجاف .. ثم أبعد يده .. ثم ابتعد بجسده بمقاومته الرجولية المهذبة ..
وعاد يتبسم بدفء عينيه مداعباً

" لا جديد ! "

أمالت روزان رأسها بتحدٍ

" لكن لم أعد إليك "

امتعضت ملامحه نافخاً بتساؤل

" ألا يمكنكِ إكمال جميل لاخره ؟! "

ردت روزان بتفكه

" أنت قلت لي أحبكِ في المشفى حكيم ! "

رد بثقة العاشق المحبط الناضج

" لكي تشفي سريعاً ! "

قلبت عيناها لأعلى بأمارات الخيبة تغيظه ممازحة بسخرية

" فعلاً ! .. كان لها مفعول السحر ! "

ضحك حكيم على نفسه متذكراً وضعه الصعب كـضابط وقتها ووضعه الأصعب كـرجل في حبها ، وبعد تأجيل ونظرات وبضع كلمات رؤيتها بالمشفى جعلته لا ينتظر ثانية أخرى .. سألها بنظرة تستشهد بضميرها العشقي الحي

" ألم أقلها كثيراً بعدها واثبتها قولاً وفعلاً ؟! "

اومأت بتأكيد لترد بضمير ضاحكة

" اثبت "

بعودة لأجمل أيام حياتها مهما عاشت معه بعده ستظل أحبكِ الأولى وهى على فراش المرض بعد جراحتها لها حقاً مذاق السحر والتعافي
قالت روزان بصوتها العميق

" لكنني اقصدها حقاً لم أعد إليك .. هذه ليست عودة مُتَوَقَعة من فراق القلب فيه يعاتب رغم عتابي لك لكنني ... وقعت في حبك مجدداً كما أردت "

كل عضلة في جسده تنقبض وتهدد ويسأل بنظرة جادة

" متى ؟ "

عدلت سترتها الرياضية البيضاء على بنطالها الرمادي وهى تقول بخفوت وأنوثة

" حين تشاجرت معك ثم أخذتني في حضنك "

سحب حكيم نفساً لأعماق صدره الدماء تتدافع بعروقه وحواسه كلها تتركز فجأة في عطرٍ ناعم تضعه ليقول بحدة عاطفته

" إن حدث لكِ شيء ماذا كنت سافعل من دونكِ ؟.. لا تكرريها وإن كان السكين على رقبتي فاهمة "

تساءلت روزان بذكرى عذاب سنوات مضت

" وإن حدث لك شيء ماذا كنت سافعل أنا من دونك ؟! "

كانت تدري ما يشعر كلاهما ولا تستطيع إيقاف تلك الشرارة بعد عودة على قدر كل منهما .. حين رأت تلك النظرة في عينيه الحادة .. شديدة العنف والجدية .. والنار .. وصدره الذي يعلو ويهبط بقوة استعدادا لمعركة حتمية .. هل اقترب أكثر ؟!.. ربما قلت المسافة بينهما في لحظةٍ ما

ورمق يسري بين أعينهما تضافر فيه الجسد منقبضاً مرتجفاً والقلب نابضاً ونظرة شفاه لا ترحم
قالت روزان فجأة وبنبرة جادة

" أنا جائعة ورائحة الطعام تملاً البيت .. انهض أفضل حكيم .. انهض "

ظل لحظات .. يقاوم تلك الرغبة الهادرة .. ثم نهض بحدة .. دخل غرفته أخذ ثيابه وخرج إلي الحمام صافقاً الباب بعنف فانتفض جسدها بألم.





مر الوقت طويلا وهى تسمع تدفق المياه لا يتوقف ، حتى فتح الباب وخرج ليجدها تعد الطعام الذي أحضره في الأطباق ، وتنتقل به إلي الطاولة ، تسير خطوات وتتوقف بتقلص ملامحها ألماً فهتف منزعجاً

" قلت لكِ لا تتحركي روزان .. اجلسي "

نقلت اخر طبقين وجلست بتوجع بلهاثٍ منخفض

" أنا بخير .. تعال لتأكل وتنام مباشرةً .. الكلام لا يجدي معك نفعاً "

جلس حكيم يجاورها قائلا

" بالأمس نمت بعد كلامي معكِ "

ردت بلا رضا

" ساعتان "

لم يعلق حكيم وهو يطعمها أولاً بيده ثم يضع أول لقيمات في فمه منذ الأمس ، ساد الصمت لدقائق وهما يتناولان الطعام حتى سألت

" غفران ولقاء بخير ؟.. وأبي ؟ "

اومأ حكيم بلا كلمة وببعض الذنب وهو يرمق وجهها البرئ بطرف عينيه ، لا يعرف مدى صحة ما يفعل وهو يمنعها حتى عن أي اتصال مع أهلها ، لا يعرف أهى فقط حماية أم جزء أناني داخله يريدها له وحده ، ويعاقب ' كارم دوير ' مهما ألح وأمر وهدد لمعرفة مكانها ، بل وصل الأمر لوضع رجال لمراقبته لكنه تبخر عن عيونهم بخدعة بصر.





وقفت روزان بالمطبخ أمام غلاية المياه تعد كوبين من الينسون وهى تحرك يداً واليد الأخرى تسند بها وقوفها متمسكة بالرخام ، ألم التئام الجرح يشتد كلما قارب زوال تأثير المسكن والمضاد الحيوي يضعفها يجعلها هامدة أكثر رغم مقاومتها بوجوده حولها

خرج حكيم من الغرفة ببعض الأدوات الطبية وضعها على الطاولة ثم تخصر نافخا

" روزان تعالي وأنا سأعد لكِ ما تريدين "

لكنها انتهت وأحضرت الكوبين بعناد فأخذهما من يديها بمنتصف المسافة وهو يرى رأسها المطرق أكثر حتى جلست تقول

" اشرب .. ستجعلك اهدأ وتنام أسرع بدلاً من الكافيين الذي يجري في دمك طوال اليوم "

جلس جوارها أقرب يفتح أغلفة الأدوات قائلا

" تعالي أولاً "

رأت روزان ما يفعل ثم نظرت إليه ببعض الدهشة ولؤم التدقيق حتى انتبه لنظراتها فقال بنبرة أسبغ عليها جديته التامة

" ماذا ؟!.. أنتِ مجروحة أنا لا اخترع الأسباب !.. هيا "

أدار وجهه فاحمر وجه روزان بشدة وقلبها يطرق كأرنب بري يهرب من صياد ماهر ثم .. وقع !

فاستدارت قليلا بجلستها توليه ظهرها ، فتحت سحاب سترتها لماماً بما يسمح أن تنزل عن كتفها بعض الشيء ، وامتدت يدها بخجل تحتها تنزل عنها شريطاً عريضاً لكنزة خفيفة مرنة

وانتظرت .. أبعد طرف وشاحها .. أنزل السترة قليلاً .. ثم قليلاً .. ثم قليلاً ، حتى ظهرت نهاية اللاصق على الجرح ، فتمسكت بها على أعلى ذراعها

شعرت بأصابعه الجافة تنزع الضماد القديم فاشتدت أنفاسها بالوجع رغم رفقه إلا أن سحب اللاصق للجلد حول الغرز الطبية يسحب الروح معه للحظات .. غمرت رائحة المعقم النفاذة أنفها وهو يطهر الجرح بضغطات خفيفة مطمئناً بعينيه على صحته .. وبإحدى ضغطاته تأوهت روزان فقال بهدوء

" تحملي قليلاً انتهيت "

أنّت روزان متأوهة بحنق

" خفف يدك حكيم أنت لا تتعامل مع واحد صاحبك ! "

يكرر تعقيمه مرة أخرى بتركيز تام من عينيه على تلك المساحة الصغيرة للجرح متغاضياً عن أي شيء جميل وطري وناعم في مجال رؤيته

" اجمدي أنتِ قليلاً ثم أنا معتاد على أجسامنا في الصاعقة حديد لا يؤثر بنا شيء .. لست معتاداً على هذه الأجسام الـ.... ! "

هتفت روزان بقشعريرة ألم ورجفة رغبة

" احترم نفسك "

رد حكيم بابتسامة ماكرة ونفسه تصارع عينيه كي لا تمسح بنظراته بشرتها البيضاء الناعمة .. الناعمة للغاية

" نفسي تجري حواراً مع ثالثنا حالياً لكن لا تقلقي "

أطبقت شفتيها كاتمة ابتسامتها بصعوبة الموقف الذي سيتكرر كل يوم أو يومين على أقصى تقدير حتى تُفَك الغرز بيديه أيضاً .. ومؤكد ستأخذ وقتاً أطول !.. عادت الرجفة تسري بكامل جسدها وهى ترد

" ولك مزاج تمزح في هذا الموقف ! "

لو تعرف مزاجه حالياً وهو يحاول احباطه مثله متمسكاً بكل معايير النضج والأدب والالتزام لاخر لحظة لما تكلمت .. لما تنفست .. فمجرد الشعور بحركة تنفسها الآن تثيره
وضع الشاش الأخير المبلل بالمعقم قائلا

" مجرد وجودكِ ينسيني العالم كله روزان "

يضع اللاصق الجديد بحذر ويثبته بكفه .. فتحولت الرجفة لانتفاضة حين لمست يده بشرتها جعلت جسدها يقفز مصعوقاً بصورة غير ملحوظة لكنها ثنت جزءا من اللاصق على بعضه فقال بقوة

" اثبتي "

سمعت أنفاسه تعلو بحدة وهو يثبت الجزء المطوي بلاصق اخر صغير ثم نهض فجأة بالقول

" لا ترفعي الشريط على الجرح حتى لا يشوه التئام الغرز "

جمع كل شيء سريعاً وابتعد به بدون أن ينظر إليها ويتعمد أن يوليها ظهره حتى رفعت سترتها وأغلقت السحاب واعتدلت جالسة بتهذيب .. هل تنهض هى الآن أفضل ؟!.. أين علم النفس الآن ؟!

لكنها أمسكت كوب الينسون بين يديها الرقيقة لعل دفئه يهدئ أي شيء ثم غيرت الموضوع ساخرة بما قاله الدكتور

" لولا إنني أقصر منك قليلا والحقيبة كانت على كتفي لأصابت السكين ظهري لا كتفي .. ربما كنت الآن حقاً ميتة أو مشلولة ! "

غسل حكيم يديه ثم وطئ وجهه بالماء عدة مرات بقوة ماسحاً على شعره مهدئاً الإهاجة المنفعلة فيه ليخرج ويطلب بهدوء

" هل يمكن أن ننسى ذلك اليوم .. وذلك اللقاء تحديداً ؟ "

اومأت روزان بطاعة وهى تشرب بصمت ثم تتذكر التفاصيل مجدداً فتطلب معها ضحكاً لتقول

" تلك المادة حين قلت لي حقنت نفسي بها من قبل .. إردت إخبارك ولماذا أخاف ؟!.. كانت هكذا موتة وهكذا موتة ! "

جلس حكيم على المقعد المجاور للأريكة ينظر إليها طويلا مبتسماً وهى تكتم ضحكها .. أنثى مرحة فقط رغم كل ما هم فيه .. هل سيتركها حقاً ؟.. هل سيرحل بلا عودة حقاً ؟.. وهل يشعر بالحزن والغضب كما لم يشعر قبلاً ؟..

ليقول فجأة بلا مقدمات بتلك الابتسامة الآسرة

" تعالي في حضني روز "

كأنها ضغطة أخرى على الجرح يرتجف لها جسدها تلقائيا فهتفت

" احترم نفسك .. وتوقف عن قولها "

لكنه هذه المرة أرادها برغبة تسيطر عليه إلي أحلك رغباته ، وتداخل الغضب مع الإثارة في اشتعالٍ أهوج فظل منتظراً .. نظرة ..

تلك النظرة التي تريده في عينيها .. إن رآها سيفعل
.. بمنتهى الجنون سيفعل .. بمنتهى الحمق سيفعل .. بمنتهى الخطأ سيفعل ..

لكنها ضغطت بيدها على كتفها المتألمة ثم قالت بتوبيخ عابسة

" أظنك حضنت بما فيه الكفاية حين أحضرتني إلي هنا ! "

ضحك حكيم عالياً وهو يعض على شفته السفلى حتى اختلطت ضحكاته ببعض السعال إلي أن هدأ وتساءل

" هل هذا ما تعرفينه عني ؟! "

ضحك لأنه لم يعد يملك أي شيء سوى هذا .. والآن .. كلمات .. ضحكات .. مشاعر .. لحظات .. مجرد لحظات
ولا شيء يطفئ ما يحترق بروحه .. لا شيء يفسح الثقل على صدره

قالت روزان على عبوسها

" رأيت شعري "

قال بدقة مصححاً

" لمحت شعركِ "

ارتاح وجهها بابتسامة جميلة مطمئنة إلي سكنٍ يخصها وحدها وهو يضيف برقي بذلك السمو فيه

" تعرفين حكيم "

لكنها أرادت أن تعرف ما لا تعرفه .. فيه .. منه .. بمنتهى الجنون .. بمنتهى الحمق .. بمنتهى الخطأ !
هل سيرحل بلا عودة كما تراها بعينيه العنيدة المذنبة ؟.. هل هذا ذنب الفراق القادم واعتذار الرحيل الأبدي ؟
تداخلت أفكارها بجنون وحزن وخوف وإثارة فأطرقت قليلا تحاول الاحتماء خلف التعقل

ثم رفعت رأسها ونطقت بلا حساب

" حكيم أحمد سالم الصقر "

رد كما اعتاد بصف الكلية الحربية مبتسماً بهدوئه الراسي الأخاذ

" افندم "

رأى بعينيها تلك النظرة .. مع الكثير والكثير من الخوف من الرحيل وهى تهمسها تكررها الليلة وعيناها في عينيه .. تريده بلا تردد

" أحبك "

صمت .. ظلت عيناه بعينيها قليلاً والدنيا تدور .. وكيانه .. كيانها ينقلب .. ثم أخفض بصره ..

أخذ الكوب يشرب منه رغم برودته وظلت تلك الابتسامة على شفتيه لكنه بكل عشق .. لن يفعل.







يتبع ....






نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 19-01-24, 10:32 AM   #227

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,682
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي





حلّ الليل ولم يتغير شيء ، سمعت غفران الطرقتين الصارمتين مجدداً فلم تتحرك وهى جالسة على السرير بملابسها السوداء تنتظر أمراً بالرحيل ، لأول مرة تشعر بالفعل انها سجينة وهذا الشعور يجعلها على حافة انفجار .. إن كانت تضيق بمراقبة العيون فكيف بتحمل السجن في غرفة في بيت رجل قلل منها .. هى أنثى لا تُسجَن .. طوال حياتها الانطوائية عن الناس انطلقت وحدها رغم وجودهم حولها .. وكم تفتقد أحياناً تلك الحرية قبل ذلك الغادر اللعين
تكررت الطرقتان .. ببعض الرفق ! ، لم تتحرك وهى ناظرة إلي الباب المغلق بعينين من شرر

ثم ثلاث طرقات سريعة .. ببعض القلق ، تبعهم نداء عالٍ مستفهم

" غفران "

سمعت اسمها بصوته وخفت الشرر قليلاً ، وتحركت !

فتحت الباب بتحفز وتجهم ملامحها وكل أقنعتها المتعالية والمغترة والجليدية لكنها لم تقابل نظراته الصارمة بطبيعتها .. قابلت هناك بذلك العمق الجاذب تفهماً حتى بصوته

" تفضلي "

كانت يده تتكئ على عصاه بينما ذراعه الأخرى المصابة تحمل علبة بيضاء مضمومة مع ذراعه إلي جسده .. وما إن مدها إليها قليلا حتى رفعتها عن ذراعه رغم أنها ظلت ناحيته .. لم تأخذها .. فقط رفعت حملها عن إصابته بلا وعي ، وبأمر مباشر من النبض الهادر لقلبها الذي أدار سيارته ليعاود مضمار السباق المهلك
وظلت العلبة ناحيته حتى وهى تسأل

" ما هذه ؟ "

أجاب ماضي بهدوء

" أرسلها والدكِ "

حينها قربتها منها لتدخل بها الغرفة فتسمع سؤاله

" هل يمكن أن ادخل ؟ "

قطبت غفران بشبه ذهول وتوقفت خطواتها للحظة قبل أن تعاود الاتجاه إلي أريكة جانبية تضع العلبة قائلة

" إنه بيتك "

قال ماضي بموجة الاستئذان التي حلت عليه

" لكنها الآن غرفتكِ "

استدارت تنظر إليه .. لم يتقدم خطوة واحدة بالفعل .. ناظراً إليها بتلك الملامح التي ترشق سهاماً حمقاء في قلبها .. ولأنها حمقاء غاضبة الآن بالكاد تكرمت واومأت برأسها متفضلة

فدخل ماضي وهو يهز رأسه بنفس الطريقة التي نظر بها للباب حين طردته بالذوق .. هل يتوعد باقتلاع أي شيء فيها بعد انتهاء الكارثة ؟!

جلست بجوار العلبة تفتحها لتجد علبة هاتف جديد تفحصته بلا تعبير ، بجواره بطاقة بنكية تحمل اسم والدها أمسكتها بنفس الملامح الفارغة ، بجوارهما كتاب في غلافه المغلق فطلت ابتسامة صغيرة بشفتيها الوردية .. تحتهم حاسوب جديد فاتسعت الابتسامة قليلاً وهى تلامسه وترفعه بين يديها فأوضح ماضي

" تم تأمين الشبكة بالهاتف والحاسوب .. والبطاقة بها رصيد مفتوح لشراء كل ما تريدين من الانترنت .. والكتاب هو ترشيح دكتور نبيل إلي كما قال .. قارئته المفضلة "

تركت غفران الحاسوب لتعاود إمساك الكتاب وأشرق وجهها عن ابتسامة عريضة وهى تعيد قراءة العنوان

( رسائل إلي ميلينا .. فرانز كافكا )

رسائل فرانز كافكا إلي ميلينا البعيدة عنه أميالاً لكنه أحبها ، الكتاب وحده رسالة حب إنسانية ، هل هناك أجمل من ترشيحٍ كهذا في ظروفٍ كهذه ؟ ، لم تتوقع أقل من هذا الجمال من كاتبها المفضل

وبأسفل العلبة تحت الحاسوب كانت ورقة بيضاء مطوية .. كانت رسالة أبيها بخطه الرقعة المميز


( جاء اليوم الذي اكتب فيه إليكِ كما كنت اكتب إلي أمكِ .. سامحيني على غرفتكِ .. سامحيني لأنكِ في هذا الموقف بسبب عملي لكن اعدكِ أن ابذل قصارى جهدي لتظلي أنتِ واخوتكِ في أمان تام .. انتبهي لنفسكِ )


أشرقت الابتسامة أكثر مرتجفة انفعالاً وهى تنظر للورقة بعينين دامعتين ونفس تهتاج بصراخ الألم

( سامحني أنت لانني خنت ثقتك وإن ندمت )


جلس ماضي على حافة السرير أمامها مطبقاً شفتيه على الألم كلما انثنت ساقه ثم أخذ نفساً عميقاً وقال بحزم لبق

" آنسة غفران .. رغم أن الظروف جعلتني ارفع التكليف عن اسمكِ لكن ما زال محفوظاً "

مسحت غفران عينيها ترفعهما إليه بتعجب للأدب الذي حل عليه فجأة وهو يقول بنفس النبرة الهادئة الحازمة

" أنا لا اعرف إن كان أبوكِ أرسل هذا من نفسه أم تحدثتِ إليه ؟.. لكن بالمنطق وبعد حديثي معكِ واضح أنكِ تحدثتِ إليه وأردتِ الرحيل من هنا .. وبالمنطق أيضاً مؤكد أن هذا بسببي "

رتبت غفران الاشياء في العلبة كما كانت بلا رد ثم عادت تنظر إليه فأجابت نظرتها اتهاماً ليطرق ماضي لحظات ثم يرفع عينيه إليها بجدية

" أنا لا استطيع تجميل الحديث غفران .. وفي عملي أسير على خطوات محددة واحد اثنين ثلاثة ولا يمكن لشيء أو أحد أن يجعلني أحيد عن هذا لاعتبارات يمكنني القول أنها عاطفية لا تصلح في عملنا .. اعرف أن هذا قد يبدو قسوة أحياناً لكنها غير مقصودة وخاصةً لكِ "

لم تكن هنا تماماً ! ، فقدت نصف الكلام ما إن تذكرت أنه يجلس بنفس المكان بحافة السرير كما كان بحلمها ، ثم فقدت النصف الاخر وهى تحدق في شفتيه .. بهاتين قبّلها حتى كاد أن ينتزع شفتيها رغبةً .. كيف يمكن لقبلة حلم أن تكون بتلك الصورة الحية في ذاكرة شفتيها ؟!

عاد ماضي ينتبه منزعجاً داخله من اهتمام نظراتها ليتابع بنفس الثبات المَرِيد

" أنا مقدر تماماً ما أنتِ فيه وحياتكِ التي انقلبت وأصبحت في خطر ولا ذنب لكِ لكن أباكِ قال جملة هى السبب في حديثي إليكِ الآن .. قال لي سلم العلبة إلي غفران واخبرها أن أرادت أي شيء فلتأمر فقط وطلباتها مجابة لتشعر أنها مرتاحة وبكرامتها في كل مكان وإن كان يصعب عليك استضافتها لانك مصاب سيتم نقلها إلي مكان اخر "

رفعت غفران رأسها برقي وسيادة اسم أبيها فقال ماضي بحمية وثقة

" ولا أظن أن إصابتي هى سبب كلامه لانه رآني اليوم ولم يكن هذا الكلام موجوداً !.. لكنني أريدكِ أن تعرفي انكِ أمانة في عنقي .. اعتبر انكِ مسؤولة مني حالياً وإن حدث أي خطر وكان الموت خياراً .. سأموت في سبيل حمايتكِ "

قالها .. وسرت في عروقها على غير حياد ، وإن كانت مسؤولية وأمانة لكن قلبها أخذ منعطفاً أسرع تجاهه بوعدٍ من عذاب جديد
كيف تحب رجلاً بهذه السرعة ؟! ، سؤالا ظلت تضعه امامها في دائرة مغلقة ، فيشعل الحب حرائقه في الحروف وقواعد الاسئلة نفسها ليثبت لها انه الخارج عن المنطق دائما وابداً

في الحب لا يهم التوقيت ، الأهم الشخص المعني بالتوقيت ، فكثيراً ما ظننا أنه يأتي في الوقت الخاطئ فتتكرر عبارة تقابل الشخص الصحيح في الوقت الخاطئ ، لكننا لا نفهم أن الحب هو مكافأة الوقت الضائع ، بعدما نظن أن أنفاسنا على وشك انتهاء يأتينا بجهاز تنفس صناعي مزود بعبقٍ ومذاق.

هدأت نفسها من كل ذلك الغضب الذي اعتراها اليوم منه وهو يؤكد

" افهمي فقط أنها ليست قسوة بل واجب وحماية ونحن في خطر حقيقي لكن أنتِ هنا مرحب بكِ وطلباتكِ مجابة بالفعل واطلبيها مني أنا شخصياً إن أردتِ .. أريدكِ أن تكوني مرتاحة تماماً "

وقف ماضي فانقبض قلبها مع انقباض ملامحه بألمه المكتوم وهو يغادر فسألت

" إذا طلبت شيئاً هل اطلبه باسمي وعلى موقع المنزل ؟ "

رد وهو يلتفت نصف التفاتة

" نعم هنا تصرفي بحرية تامة وكل شيء سأقوم بتأمينه بنفسي قبل دخوله إليكِ "

غادر مغلقاً الباب خلفه ساحباً جزء منها معه ، كيف ؟! ، لو فقط تعرف كيف تشعر تجاهه هذه المشاعر ؟!
ولو كان الإنسان يملك أزراراً وعلامات للتحكم بمشاعره ، لكان عرف كل منا ماذا يريد الاخر بلا ألم ، فيجتمع مَن يريد احتراقات الحب ويظل مَن لا يريد في مساحته الآمنة.

فتحت غفران الحاسوب وقبل أن تتفحص ما عليه فتحت برنامجاً للكتابة حتى تحضر دفاتر جديدة ملونة بدلاً من الضائعة بغرفتها ، علمتها روزان حين تستبد بها المشاعر وتتخبط وتمتلئ أن تكتب وتحرق ألمها أحياناً حين تتألم ، وبالمقابل هى أيضاً علمتها مهارة ممتعة لصناعة الريزن

وبكثرة ما تشعره من تخبط هذه الأيام بدأت كالعادة تكتب ما يخطر بروحها أياً كان .. أياً كان


( كيف ؟! ، السؤال الذي لا اتوقف عن سؤاله لنفسي ، لانني لم أعد أريد فعل شيء بهذه الدنيا إلا معرفة الإجابة ، كيف كنت وكيف صرت ، كيف لفتاةٍ عاشت من الدنيا قمتها أن تنزوي في قاعها ، بعد بحثٍ طويل عن العالم المثالي عدت خالية الوفاض اتمنى موتاً هادئاً ، بعدما كنت اهتم بأدق تفاصيل أناقتي أردت الموت في أعين الناس بالسواد الدائم ، وبعدما تعلمت كل ما تعلمت عشت في وظيفة أموت فيها في عين عقلي ، وبعدما فقدت الثقة في العالم والحب يفتح قلبي مجدداً لطرقات رجل ؟! ، هل ما زالت لدي أنفاس لبناء نفسي من جديد بعد كل ما رأيت واكتفيت ؟ ، لا اعرف ، إن المعرفة سلاح ذو حدين ، وبقدر ما عرفت بقدر ما أغلقت باب هذه الحياة الكاذبة )





يتبع ....







نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 19-01-24, 10:55 AM   #228

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,682
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي






تطلع ماضي حوله وهو يدخل البهو بعدما اطمأن على تأمين المنزل ومحيطه حتى قادته قدماه إلي مائدة الغداء ، يرى الحركة الدؤوبة التي تنشطها رضوى بالأوامر اللا نهائية إثباتاً أنها سيدة البيت والأعمال والعاملين والأثاث والجدران أيضاً ! ، عقدة لم يتمكن أحد من حلها في رضوى رغم ثقتها بنفسها وغرورها بمكانتها

منظر الخضراوات مع اللحم المطهو على الطريقة الامريكية مع عشبة إكليل الجبل يزين المائدة بالألوان كجزء من طقوس نساء حكم ، اتيكيت الأكل بالتنقيط !

لكنه أمر بكل صلف أن يُشوَى له الحمام المحشو وتُزَين المائدة على هواه بأصابع الكفتة السميكة الملتفة بغشاء دهون الضأن بلا رحمة ليطرب ( الطرب ) جسده بألحان الدسم ! ، ولا مانع من بعض ( الممبار ) ذهبي اللون والمذاق ، لو عرف ماجد بما اشتهاه لمزق شهادته الطبية التي تحتم عليه الأمر بالغذاء الصحي والمسلوق وخالي الدسم وكل ما لا طعم له !

لكن طالما أن ساعات تواجده بالبيت ازدادت وأصبحت جزءاً من عمله الرسمي بسبب وجود غفران إذاً لا بأس من بعض أمومة طهرونية على قديمه ! ، فالإنسان يعيش مرة واحدة وهو على قائمة اغتيال بالفعل ، فما الذي قد يحدث أكثر ؟!

الرائحة أجمل عنده من عطور يعج البيت بها منذ يومين ، فكلما نظر وجد نساءً حوله ، وبينما انهمكت غفران في استلام طلبياتها باليومين السابقين ولم يرها إلا وهو يسلمها غرضاً ما أحياناً في سلام ، كانت رسيل تعد أفخاخاً أنثوية من كل ما هو ضيق ومثير وملهم لطاقة الغزو الرجالي فيه ، وبتنازل زائد خفي لامرأة عاشت الحرمان الجسدي لسنواتٍ ثلاثة ، لكنها لم تحصل على نظرة ، ببساطة لأنه عاد لا يراها.

يرى طهرونية وهى تضع الطعام بنفسها وتنتقل من هنا إلي هنا بلا راحة فضرب بعصاه الأرض وهو يتوقف ناظراً إليها فانتبهت .. ثم اقتربت منه بابتسامتها الأمومية الحنون ليقول

" توقفي عن اللف بالبيت بلا داعٍ .. ارتاحي "

ترد طهرونية بتذمر

" دائماً تذكرني انني امرأة عجوز ! "

قال ماضي بجدية

" يكفي الطعام الذي صنعتِه لي بنفسكِ .. أحضرتِ طعامي وقلتِ مصاب وصعدتِ لها بالطعام وقلتِ ضيفة واليوم تحضرين الطعام بنفسكِ أيضاً "

طلت ابتسامة مداهنة على وجهها لتهمس بخبث

" بمناسبة لها .. مَن لها ؟! "

السؤال الذي لا يتوقف في عيون الجميع ، رد ماضي مجدداً للمرة التي لا يعلمها حازماً

" قلت إنها ضيفة والأمر يخص عملي وبلا اسئلة "

قالت طهرونية بصوتٍ متدلل عليه قليلا

" ألا يحق لي سؤال واحد ؟! "

ابتسم رغماً عنه ابتسامة صغيرة تخصها لكنه لم يرد بنظرته القاطعة للكلام لكنها قالت

" أنا فقط تعجبت لأنك أول مرة تفعلها والفجر وهى تقرأ لي القرآن كانت ... "

سأل ماضي قبل أن تتابع

" ماذا ؟!.. أي فجر ؟! "

أوضحت طهرونية مبتسمة

" منذ جاءت بعدما تصلي الفجر تأتي إليّ ونتحدث قليلاً "

انتبه ماضي لما قد يقال متسائلا بجدية

" تتحدثان عن ماذا بالضبط ؟ "

أجابته ثم سألت

" عن القرآن .. هل سمعت صوتي في تجويد القرآن ؟ "

اومأ برأسه باستغراب منتظراً أن يفهم فأضافت والابتسامة تتسع

" صوتها أجمل مني "

انتظر لحظات مقطباً ومالت نظرته لليسار قليلا ثم لأعلى الدرج مردداً

" تجويد القرآن "

هزت طهرونية رأسها بسعادة وقد حصلت على رد فعل أرادته أخيراً فقال ماضي بتعجب هادئ

" أنتِ تعرفين إنني لا اتفاجأ أليس كذلك ؟.. اليوم أنتِ فاجئتِني ! "

سكتت لحظات وهو يسير ببطء نحو الدرج بينما تجاوره حتى توقف ثم عادت تتذمر كأنها تبث الأفكار بلا جهد

" أنا أقول فقط أنها كانت تصلي الفجر بينما رسيل تغط في نومها العميق وها هى منذ الصباح مستيقظة تلطخ وجهها بطن من ألوان الوجه ! "

قال ماضي بحزم

" لن نفتح موضوع رسيل نهائياً .. تعرفين أن ما صار بسبب إلحاح أبي ورضوى وأنتِ أيضاً .. أنا لم أكن أراها من الأساس "

أخفضت وجهها بمسكنة أمومية محببة

" كنت أريد أن افرح بك "

رد بنبرته التي لا نقاش بعدها رغم رفقها معها

" انتهينا "

تبسمت طهرونية موافقة بمكرٍ لذيذ متظاهرة بالجدية

" انتهينا .. أنا أقول فقط أن واحدة تركتك لأنها تريد بضعة كلمات فارغة وخروجات تافهة وواحدة اهتمت بأدويتك وحرارتك ووجعك .. صحيح البنات معادن "

بذكر الحرارة والوجع تذكر تلصص فخرين عليهما بالبهو فقال مشدداً

" اخبرتكِ فخرين .. إن لم تتوقف عن هذا الفضول والتلصص ساضطر لطردها من البيت .. أنا اراعي خاطركِ إلي الآن "

ربتت على كتفه وهى تقول بخبث محبب

" إنها صغيرة وجاهلة .. ساتكلم معها حاضر لكن اصعد أنت وتكلم مع الفتاة لها .. اقصد غفران .. حتى تنزل من غرفتها قليلا اليوم .. ستقول اننا مرتاحين لحبسها نفسها في غرفتها هكذا منذ جاءت .. عيب في حق ماضي حكم .. اقصد في بيت عاصم حكم !.. أنا أقول فقط وأنت افعل ما تريد "

ضحك ماضي ضحكته الرزينة وهو يصعد ناظراً لأعلى الدرج متهكماً على كلمتها المتكررة بمزاجه الرائق النادر اليوم

" أنا أقول فقط ! "

لم يكن ينوي إلا أن يذهب لغرفته ليأخذ المسكن ، لكن حين مر على غرفتها توقف بلا ترتيب مسبق ، مفكراً في التركيبة الغريبة لهذه الأنثى التي تكاد الارتباط بمَن له ميول مرضية بينما تلتزم بحجابها وصلاتها وتجود القرآن ، يبدو انها ليست كما ظن مع الانطباع الأول ، وخلف القشور هناك جوهر أعمق

قبل أن يراجع نفسه طرقت يده الباب ، عيب في حق بيت ' عاصم حكم ' !!
متوقعاً الأسود قياسي القوام ممتلئ الامكانيات الذي يراه كل مرة لكن حين فتحت .. تذكر أنهم في الخريف المتلاعب !

سأل ماضي بنبرته الحازمة والتي صارت مؤخراً تتسم بالهدوء معها

" هل تحدثتِ مع خالتكِ ؟ "

لقد نظر .. تقسم انه نظر ! ، رغم أن عينيه الصارمة بعينيها إلا أنها تعرف أنه أحضرها من أولها لاخرها في لحظةٍ ما ، ببلوزة بيضاء أنثوية على تنورة بلون البحيرات الزرقاء ، وحذاء رياضي أبيض معلنا بكعبه العريض احتلالاً لطيفاً لقدميها ، وعادت الزينة الرقيقة لوجهها المحاط بوشاح أبيض مخطوط بأزرق السماء وكشمير الورد

فتحت غفران الباب أكثر ومدت يدها تدعوه للدخول لانه بأدبه الجم أصبح لا يتقدم خطوة إلا بإذنها !
ثم أجابت

" نعم تحدثت معها منذ قليل وقلت لها كما قلت لي بالضبط "

لكنه لم يتحرك بل قال بهدوء

" الغداء جاهز بالأسفل "

كانت بالفعل ستنزل اليوم بعدما اعتنت بتلك الخانة من ثقتها ومظهرها ، لكن كعادة الإناث في إظهار عكس ما يردن إن أراده غيرهم تمنعت بلباقة

" ساتناوله هنا اليوم أيضاً أفضل "

رد ماضي بإشارة لاستنكارها وبملامحه التي تنفرج ببطء وجاذبية

" أفضل باعتبار انكِ سجينة لدي مثلاً ؟! "

بسطت غفران كفيها بتفهم للمعضلة التي تم تسطيبها الكترونيا في عقلها وبنفسها بعد كلامه السابق معها لتقول مبتسمة

" أنا أمانتك مفهوم "

طل طيف ابتسامة على زاوية شفتيه في تريث رجولي جعل الطرقات في قلبها رنين جرس وهو يكرر ما قالته له

" اعتبريها مجرد دعوة إذاً .. هيا "

تحرك أمامها دكتاتورياً بجدارة فأغلقت باب الغرفة لتخطو خلفه بالقول

" هيا بالأمر ولا تعطيني فرصة الرفض أو القبول ! "

رد ماضي بثقة

" لانكِ ستقبلين إذاً توفيراً للوقت "

هزت رأسها متقبلة كلامه اليوم وهى تجاوره على الدرج ، لأول مرة تبتسم بسبب تعنت أحدهم !

صباحها اليوم يختلف ، ساكنة فوق الألم ، ما زالت تعبر الحياة الدنيا بانتظار الموت لكنها هادئة أكثر بحديثها مع طهرونية التي عرفت مكانتها بالبيت ، مثل أمهم تماماً تشرف فقط على كل شيء رغم قولها أنها أقدم مَن يعمل هنا إلا انهم لا يعتبرونه عملاً بل مراعاة كاملة لشؤون البيت وإدارته.

رأت صاحب البيت ' عاصم حكم ' بالحديقة عبر الشرفة وعرفت انه مصاب بأحد أمراض الاعتلال الدماغي ، يقوم على خدمته اخصائي تمريض وممرضة شابة يخرجونه وقت اعتدال الجو وإلا يلتزم غرفته الشبه ملكية والمجهزة بكل ما يحتاجه طبياً.

نزلت جواره على خطواته ترمق جسده العضلي في قميص أبيض شُد على صدره وظهره ، رفع أكمامه لما يقارب مرفقيه كاشفاً عن عروق ذراعين هما أقوى محفز لرغبة العناق ، وأحاطت معصمه ساعة ذكية تذكره كل حين أن يأخذ أدويته أو يشرب الماء أو ينهض لفعل شيءٍ ما كأنها امرأة تعتني به تستحق الغيرة ..

وترمق فخذه المصاب تكاد تسأله إلي أي حد تتألم وتعاني بسبب عناده في إخفاء ألمك ؟! ، لا يبدو عليه الألم إلا لحظات وبنفس الشموخ والسيطرة وبعث الرعب بنظرة ..

إيشيما أوهاشي !.. لفظاً إيحائياً ساخراً اعتادته مع صديقاتها العائدات من رحلة إلي اليابان باسم الجسر الأكثر رعباً في العالم بسبب ارتفاعه الشاهق لتمر تحته السفن فيدفع ضريبة الرعب المميت الراكبون سياراتهم فوقه ، وأي رجل شاهق ومرتفع ومرعب بإثارته كان إليهن إيشيما أوهاشي في حديث الفتيات الفاسق الممازح ! ، فتمر رحلة المرور بالجسر بأذهانهن سواء كن السفن تحته أو راكبات فوقه السيارات !

لكن يبدو أن حسدها له قد أثمر ، فقد نزلت العصا على حافة درجة تالية بمنتصف الدرج فتركها من يده تسقط وتمسك هو بسور الدرج .. لا إراديا وجدت غفران نفسها تتمسك بذراعه بقوة ، لا إرادياً تشبثت يدها بمرفقه ترفعه قليلاً

رغم انه لم يميل ، لم يتأثر به شيء ، أو ربما تأثر شيء بتلك النظرة التي حظت بها ، قبل أن يرفع كفه بأن الوضع على ما يرام فابتعدت يداها

نزلت الدرجات الباقية لتنحني وتحضر العصا التي شكر تدحرجها بنظرة غير بريئة لانحناء قد يشعر قوته أعمى ، ربما سيخبرها ذوقياً ألا تنحني نهائياً أمام أحد باعتبار أنها أمانته التي يحميها من كل خطر بما يشمل خطر نظرات الرجال ! ، فلا داعٍ لأن يرى أحد تلك الاستدارة الطبيعية البارزة كقلبٍ ثانٍ ينتظر النبض !

لقد كبر على هذه الأفكار ! ، لقد فسدت أفكاره تماماً ، ملعون أبو المخدر الذي يحفز الرغبة بجسده لأقصاها مطلقاً النشوة في الاجواء !

صعدت غفران مجدداً تناوله العصا فأخذها بإيماءة وقورة شاكرة ، جيد أنهم لم يخترعوا أجهزة لكشف افكار الإنسان ! ، لكنها كانت بالفعل أكثر رقة .. أكثر نعومة .. ملونة وبسيطة .. رغم ارتدائها لماركات من الساعة للاكسسوارات وحتى أحمر شفتيها لكنها لا تبالغ في شيء ..

جيد .. لقد اعتدلت أفكاره .. لا تبالغ .. هى فقط وبشرتها الحليبية وشفتيها المثيرة !.. تباً !.

عند المائدة تراجعت خلفه خطوة لترسم أكثر ابتساماتها بروداً وهى ترى رضوى ورسيل جالستين متجاورتين على يمين المائدة ترمقانها من أولها لاخرها أيضاً لكن بنظرات مختلفة فاومأت لهما تحيةً مقتضبة ..

تبدوان مثل فريق الضباع في فيلم الأسد الملك ! ، لكن إلي عين الرائي فهى بمواجهة اثنتين من نمط كائن الـ چورچينا الذي أسال لعاب الرجال ، والحق يقال .. نساء حكم يكسبن في ملعب الجمال

لذلك ما كان عليها إلا العودة إلي الوراء خطوة واحدة لتنتشل شخصية غفران تلك قبل عصور الاضمحلال ثم تأتي بها هنا ، إلي حيث تستطيع أن تعيش مؤقتاً وسط الأنوف المتعالية دون أن تشعر بتقليل أو إهانة لكرامتها كلما نظروا إليها

هى لديها قاعدة ثابتة وصحيحة تماماً .. الإنسان ليس بشكله ولا ثيابه ولا مظهره ، بل باسلوبه الراقي وسلوكه المحترم وأهمية دواخله ، لكن تولية المظهر بعض الاهتمام يملأ خانة من الثقة في النفس ، ارتياح ، وينزع تلك الشوكة من حضرة الكبرياء

لذلك كانت راضية تماماً بنظرات الجميع إليها اليوم ، ورضت أكثر حين مر ماضي عند الكرسي على يساره فأخرجه قليلا بطريقه دون أن ينظر .. دون أن يلتفت .. حتى جلس برأس الطاولة بكل هيبة فتأوهت غفران بداخلها !

آآه أيها الوحش الـ .. غير موصوف حالياً ! ، لكنه مثير حتى بتلك الحركة التي خرجت من الكاريزما حصرياً لها ، مؤكد حصرية وإلا لما تسمرت عينا رسيل على الكرسي لحظات ثم نظرت إليه عابسة كأنها ما رأت هذا منه يوماً

جلست غفران دون النظر إليهما ، وما إن أمسكت الشوكة والسكين حتى بدأت رضوى التحرش بها

" أهلاً يا .. ابنة اللواء .. عذراً انسى اسمكِ "

رضوى حكم .. صورها تملأ مجلات الشخصيات البارزة بين سيدات ورجال الأعمال والفنانين ، تدير تجارة ' عاصم حكم ' بعد مرضه ولأن عمل اخوتها الرجال لا يسمح لهما بإدارة الشركات بشكل رسمي مباشر ، لكنها حظيت بثقتهما في الادارة مع ابناء أعمامها لكن كلمتها هى السارية بسلطة أبيها واخوتها الضباط .. هكذا جمعت المعلومات معاً من أحد المقالات عنها ومن كلام طهرونية الحذر جداً فيما يخص العائلة

نظرت إليها بكل تحضر وقالت مبتسمة

" غفران .. تذكريه بأنه ما يتمناه الجميع ! "

انقبضت يد ماضي على السكين بلا سبب ، ربما بدأ تأثير الطرب في جسده ! ، ليدخل على الممبار إذاً !

ساد الصمت قليلاً برنين الملاعق والسكاكين على الأطباق ، كان واضحاً أنهما تأكلان شيئاً وهو يأكل اخر ، لذلك وبكل مكر امتدت يدها للممبار وغرست الشوكة في التي تليه مباشرةً وأخذتها إلي طبقها ، فانقبض جسده متوقفاً عن المضغ لثوانٍ ، شرب القليل من الماء بكل هيبة وارتكاز ثم أكمل طعامه بملامحه الصارمة

محور المكان دون أن يفعل شيئاً .. دون أن ينظر إلي أحد .. يتلقى ضيق رضوى الواضح من رائحة الضأن ، ونظرات رسيل المتحسرة وهى تضع القطع الصغيرة في فمها .. مكعب جزر صغير .. أنملة فاصولياء .. كرة بازلاء واحدة !.. كيف انغرست الكرة المنمنمة في الشوكة ؟! .. إنها ماهرة للغاية ! ، كيف لم تستطع الحفاظ عليه طالما لديها الصبر أن تداعب البازلاء بالواحدة ؟!

كادت غفران أن تنفجر ضحكاً لولا أن سعلت برقة لتخفي أفكارها ، لكن يبدو أن نظراتها فضحتها فقالت رسيل بأنوثتها الچورچينية الواثقة

" تبدين أنيقة اليوم .. حين رأيناكِ كنتِ ترتدين الأسود فظننت أن وجودكِ هنا بسبب حالة وفاة بشكلٍ ما "

ردت غفران بنبرة عادية وهى تأكل

" ربما .. انها وفاتي أنا "

رمقها ماضي بنظرة واحدة وتساءلت رسيل

" ماذا ؟! "

قالت غفران بارتياح وهى تحرك السكين طفيفا على الطبق

" يمكنكِ القول انني أعلن الحداد على نفسي من حينٍ لاخر ثم انتقل إلي مرحلة جديدة تماماً في حياتي .. صدقيني إذا رأيتِني منذ فترة قريبة ماضية لن تتعرفي عليّ .. إنها مثل فلسفتي في الحياة "

ردت رضوى بابتسامة في قاموس لغة سيدات الأعمال

" شيء مثير للـ... اهتمام ! "

على وجهها يبدو مثيراً للشفقة والسخرية لكن لا يهم ، ما يهم أنها تسحب نفسها شيئاً فشيئاً من ألم لا ينتهي وشعور بدونية يقتلها
ما يهم أنه رغم عدم النظر إليها إلا أنها تشعر باهتمامه واستماعه

ولم تترك فاصل الاهتمام يمر بلا رد بل صنعت فاصلاً مثله كشفرة ناعمة لكنها حادة بشدة

" جيد .. اعتقد أن الجميع يحتاج هذا أكثر من مرة في حياته .. مدام رضوى "

اتسعت ابتسامة رضوى بنعومة مماثلة .. مخادعة .. مع حدة عينيها المخيفة بالتحديد الأسود المتقن ساخرة

" وأي مرحلة وجدتِها تحتاج هذا الحداد أكثر من غيرها ؟! "

تقطع غفران اصبع الكفتة وتأكل متظاهرة بالتفكير ثم قالت

" اعتقد كانت مرحلة .. حفلات لبنان "

ألقت فقط كلمة مثيرة حقاً للاهتمام فرأت أعينهم بما فيهم عيناه التي التفتت إليها تموج بفضولٍ خفي لتضيف بحياد

" وحفلات الساحل .. والأصحاب الكثيرة رغم انني انطوائية حتى وسطهم لكنهم مثل اللاصق منذ أيام المدرسة والجامعة .. ورغم اننا ما زلنا على تواصل لكنني أصبحت أجد نفسي أكثر في الهدوء والقراءة والسفاري في الجبال والصحراء لكنني توقفت عن ذلك حالياً للأسف "

يبدو أن الجوهر أعمق بكثير وكثير ! ، إذاً لماذا كانت مع ذلك الأحمق المريض ؟! ، لماذا عرفها مشوشة سوداء ؟! ، لماذا يتساءل الآن ؟!.. المخدر وكلام طهرونية والطرب والممبار ! .. إنه ينتحر ذهنياً !

لكن تركيزه عاد بقمته وهى تتابع حديثها عابراً

" منذ فترة طويلة مرضت وتم تشخيصي أنني مصابة بالسرطان "

توقف الرنين .. توقف الجميع عن الأكل ناظرين إليها بينما انتظرت أن تقتلهم فضولاً .. لم يكن هذا من ضمن ما عرفه عنها ، ' كارم دوير ' متحفظ كثيراً بشأن أسرته حتى مع الظروف الحالية وهو لم يهتم بالبحث في تاريخها الطبي فكل ما يلزمه تأمين الحاضر الآن ..
لكن الآن .. الآن عادت تلك الوخزة .. أقوى

حتى قالت غفران فخورة ومحاربة

" وبعد تحاليل وأشعة وأيام في الخوف والتعب عرفنا انه ورم حميد وتم استئصاله بعدها .. لكن كانت فترة النقاهة بعد ذلك بمثابة هذا الحداد الذي حدثتكِ عنه .. انكِ تقتربين من الموت ثم تعودين "

عاد الرنين .. عاد يأكل بوجهه الجاد كأنه لم يهتم .. هل اهتم ؟! ، رغب فقط أن يستمع ويعرف ، هل يُصنَف اهتماماً أم مجرد فضول استخباراتي طبيعي بعمله ؟!
وشعور مثير للـ .. إعجاب .. المختلف ، ليس بجمالها واهتمامها به وعباءتها السمراء ، بل بالأنثى الواثقة المختلفة داخلها .. لماذا طمستها ؟! ، ماذا كانت تفعل مع الأحمق ؟!

عادت رضوى تسأل وقد راق الحديث لسخريتها

" وبالأمس كان حدادكِ على ماذا تحديداً لتكوني بهذه الاشراقة اليوم ؟!.. واضحة للغاية بداية المرحلة الجديدة عليكِ ! "

نظر إليها ماضي بطرف عينه ، كانت مذهلة .. لامعة .. واثقة .. عكس تلك المتعالية الفارغة
شفتاها لامعتين أكثر بالدهن ، وخداها توردا أكثر بسخونة الدسم ، يكاد يشعر إثارة جسدها حين تميل عيناها نحوه ، كانت أشهى من كل ما أمامه ، ينقصه فقط الشعور بمذاقها .. وملعون أبو المخدر !

ردت غفران بابتسامة ماكرة مغترة وهى تنظر لعيني رضوى بجرأة

" ليس على شيء محدد .. ربما على خطأ ما .. ربما على السنة التي توشك على الانتهاء .. وربما بداية أمل جديد .. هناك جملة انتشرت مؤخراً في أحد الأفلام أحببتها جداً تقول .. دعونا ننسى اخطاء الماضي .. ونصنع اخطاء جديدة ! "

غرست الشوكة في الحمامة المشوية لتضعها في طبقها وهى تضيف بابتسامة خلابة

" ربما لن تكون اخطاء ! "

ابتسم ماضي بصورة غير ملحوظة وهو منهمك في طربٍ اخر ! ، فقط مَن يعرف ملامحه يدرك انها لانت وخطوطها المشتدة ارتاحت وطغى بريق الإعجاب في عينيه ..

وبينما تتبادل رضوى ورسيل النظرات بين استخفاف وغيظ حثها دافع من مكر الأنوثة لتلتفت إليه تتساءل

" هل تتضايق لو أكلت بيدي ؟ "

التفت ماضي إليها يرد نفياً

" لا بالعكس على راحتك ''

ولانه كان سيبدأ في تناول الحمام احتضن واحدة بكفه ليباشر بالتهامها لكن قبل أن تصل فمه .. كانت هى تفعل بكل إثارة .. الحمامة المحظوظة بين أصابع يديها تنال قبلات فمها المغوي !.. فهكذا يؤكل الحمام !.











أشرق صباح يومٍ جديد بمعلومات تقترب أكثر من الخلايا النائمة في مصر ، وأشخاص يعملون معهم بعيداً عن الأعين ، مناصب كبرى وتورط اسماء حصينة
إن دلت نهاية الخيوط على شيء حقيقي ستكون كارثة ، وربما هو ذلك الخائن الذي يصنع تمويهاً دقيقاً لإيقاع غيره وضرب الأطراف ببعضها ..
لقد اقترب .. اقترب كثيراً ولابد أن ينجز مهمته هذه قبل المهمة الكبرى التي لا عودة بعدها

سمع صوتها المستيقظ مجهداً متعجباً ينادي

" حكيم "

وسمعت صوته الجاد من غرفته

" أنا هنا روزان "

تقدمت روزان بتمهل واستغراب وجوده هنا الآن وطلت من الباب المفتوح فوجدته مستعداً للخروج .. يقظاً يبدل بين شرائح هواتفه باهتمام بالغ ثم طلب رقماً ومر من جوارها سريعاً بذهنٍ منشغل

" ثوانٍ وسأكون معكِ حبيبتي "

لم يلقِ عليها نظرة أخرى وهو يفتح الباب ويخرج فتابعته وابتسمت .. ألا يقول حبيبتي إلا وهو مشغول ؟!.

وبالخارج كان بالفعل أكثر انشغالا مما ظنت وهو يستمع إلي محدثه ثم يسأل بملامح محتدة

" ماذا قلت ؟! "

عاد يستمع وعيناه ترسم خطوط الغضب وتفور أمواجاً وهو يهمس

" مَن ؟! "

فالاسم الذي سمعه كان كفيلاً بأن يقلب موازيين اللعبة .. تماماً.





انتهى


اعتذر للتأخير
دعواتكم لأخي بالشفاء
دمتم في رعاية الله







التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 19-01-24 الساعة 11:13 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 19-01-24, 01:38 PM   #229

صل على النبي محمد
 
الصورة الرمزية صل على النبي محمد

? العضوٌ??? » 404607
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,605
?  نُقآطِيْ » صل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

لا تنسوا الباقيات الصالحات

سبحان الله

الحمد لله

الله أكبر

لا إله إلا الله

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


صل على النبي محمد غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا إله إلا الله وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
رد مع اقتباس
قديم 19-01-24, 04:47 PM   #230

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 11,196
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صل على النبي محمد مشاهدة المشاركة
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

لا تنسوا الباقيات الصالحات

سبحان الله

الحمد لله

الله أكبر

لا إله إلا الله

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد

سبحان الله
الحمد لله
الله أكبر
لا إله إلا الله
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


shezo متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:15 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.