آخر 10 مشاركات
4 - لعنة الماضي - بيني جوردان (دار الكتاب العربي) (الكاتـب : Gege86 - )           »          داويني ببلسم روحك (1) .. سلسلة بيت الحكايا *متميزه و مكتملة* (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          النضـــال ( الجزء الثانى من مذكرات مصاص الدماء ) - كامل - (الكاتـب : Dalyia - )           »          هل حقا نحن متناقضون....؟ (الكاتـب : المســــافررر - )           »          سجل حضورك ببيت شعر ^^ * مميزة * (الكاتـب : ميار بنت فيصل - )           »          اصديق (انت)ام عدو؟ (الكاتـب : مجهولة. القدر - )           »          عيون حزينة (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة قلوب حزينة (الكاتـب : mira24 - )           »          458 - صباح الجراح - كاتي ويليامز (عدد جديد) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          جديدة .. من الرعيل الأول (الكاتـب : enaasalsayed - )           »          همس المشاعر بين ضفاف صورة .. وحروف ماثورة... (الكاتـب : المســــافررر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي انطباعاتكم عن الفصل الاول؟
مشوق 8 100.00%
عادي 0 0%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 8. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree401Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-01-24, 09:17 AM   #1

اسما زايد
 
الصورة الرمزية اسما زايد

? العضوٌ??? » 516085
?  التسِجيلٌ » Dec 2023
? مشَارَ?اتْي » 95
?  نُقآطِيْ » اسما زايد is on a distinguished road
افتراضي رواية قصاصٌ وخلاص


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا اهل المنتدي الكرام، كلي سعادة للانضمام لرفقتكم، انا أسماء محمد زايد، اخطو أولي خطواتي في الكتابة الأدبية، جئتكم بأول رواياتي(قصاص وخلاص) واتمني ان تتقبلوها بقبول حسن و ان تتغاضوا عن اخطاء وزلات التجارب الاولي، وارجو ان تنال اعجابكم وأسعد بتعليقاتكم ودعمكم.. مع حبي وتقديري.


-مقدمة-
مكتوبة اقدارنا منذ الأزل... منقوشة علي جبيننا...معلقة في اعناقنا....لا نستطيع منها فكاكا ولا نستطيع لها تبديلا...نظن ان مصائرنا بأيدينا والدنيا رهن اشارتنا...نسير في دروب شتي.. نحب ونكره.. ننتشي وننفر..نضحك ونبكي...نقسو ونجرح.. نظلم واحيانا..نقتل !
نتمادي في الزلات ونغوص اكثر في الوحل، تصاب ضمائرنا بشلل لا ندري أهو مؤقت ام دائم؟ نغترّ بطول الأمل وزخرف الحياة، حتي اذا ظننا اننا قادرون عليها.. رُمينا بسهام القدر واصابتنا في مقتل !
منا من يتلقاها بتسليم ورضا وايمان.. ومنا من يستقبلها بسخط وتمرد وعصيان..
والعقبي في النهاية لمن يستخلص الحكمة والدروس ليكون من الفائزين.. في الدارَين.


روابط الفصول
المقدمة أعلاه.
الفصل الأول المشاركة التالية.
الفصل الثاني اسفل الصفحة.
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع



التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 20-03-24 الساعة 09:28 AM
اسما زايد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-01-24, 09:44 AM   #2

اسما زايد
 
الصورة الرمزية اسما زايد

? العضوٌ??? » 516085
?  التسِجيلٌ » Dec 2023
? مشَارَ?اتْي » 95
?  نُقآطِيْ » اسما زايد is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا اهل المنتدي الكرام، كلي سعادة للانضمام لرفقتكم، انا أسماء محمد زايد، اخطو أولي خطواتي في الكتابة الأدبية، جئتكم بأول رواياتي(قصاص وخلاص) واتمني ان تتقبلوها بقبول حسن و ان تتغاضوا عن اخطاء وزلات التجارب الاولي، وارجو ان تنال اعجابكم وأسعد بتعليقاتكم ودعمكم.. مع حبي وتقديري.


-مقدمة-
مكتوبة اقدارنا منذ الأزل... منقوشة علي جبيننا...معلقة في اعناقنا....لا نستطيع منها فكاكا ولا نستطيع لها تبديلا...نظن ان مصائرنا بأيدينا والدنيا رهن اشارتنا...نسير في دروب شتي.. نحب ونكره.. ننتشي وننفر..نضحك ونبكي...نقسو ونجرح.. نظلم واحيانا..نقتل !
نتمادي في الزلات ونغوص اكثر في الوحل، تصاب ضمائرنا بشلل لا ندري أهو مؤقت ام دائم؟ نغترّ بطول الأمل وزخرف الحياة، حتي اذا ظننا اننا قادرون عليها.. رُمينا بسهام القدر واصابتنا في مقتل !
منا من يتلقاها بتسليم ورضا وايمان.. ومنا من يستقبلها بسخط وتمرد وعصيان..
والعقبي في النهاية لمن يستخلص الحكمة والدروس ليكون من الفائزين.. في الدارَين.



-1-
-جحيم-

اسلاك كهرباء.... مقصات ضخمة...صوت مدية صغيرة ذات نصل حاد تفتح...كراسي حديدية بأكبال محكمة... ثم صراخ مدوي...صفعات.... لكمات... سجائر مشتعلة يتم اطفاؤها في الاجساد... مزيد من الصراخ... حوض عميق ملئ باطنان من مكعبات الثلج وآخر مليء بماء حار تتصاعد منه الابخرة... كماشات تنزع الاظافر بلا رحمة...اسواط معدنية صدئة تجلد الاجساد العارية…احذية جلدية ثقيلة تدهس الوجوه والرقاب… اصوات صراخ تصم الاذان.. مزيد من التعذيب... قبضات محكمة تلتف حول الشعور وتنتفها بوحشية.. اصوات نحيب واستجداء بعضها لرجال وبعضها لنساء... ملابس تمزق واعراض تهتك وعورات تكشف... اصوات بكاء ونشيج لنساء تطلب الرحمة... كفوف تضرب الوجوه وتهين الكرامة ... دماء تسيل وجروح تنزف بغزارة وارواح تزهق... رائحة اجساد تعفنت من كثرة القروح... رائحة تعذيب وحشي.. رائحة مهانة وذل وانتهاك للانسانية... رائحة موت في كل مكان....

- (مصطفي العربي) نادت عاملة الاستقبال علي اسمه بصوت مرتفع نسبيا بعد ان

كررت النداء عليه مرتين ولم ينتبه لها.. انتزعته نبرة صوتها المرتفعة من الصور الذهنية المتفرقة التي تهاجمه بشراسة مرارا وتكرار خلال الايام الماضية... تتلاحق تلك المشاهد والاصوات علي عقله بإصرار مستفز في يقظته ومنامه حتي ظن انه علي وشك الجنون... نظر اليها مستفهما، اجابته بأن يستعد لمقابلة الطبيب لان دوره هو القادم في كشف الاسماء القابع فوق المكتب امامها... اومأ لها برأسه في توتر ولم يخفي عليه نظرة الفضول التي ترمقه بها من اول الجلسة وكأنها تريد ان تخترق بنظراتها تلك النظارة الشمسية التي يضعها علي عينيه وغطاء الرأس الملتصق بسترته و الذي ينسدل بشكل مبالغ فيه من فوق راسه ليخفي معظم معالم وجهه.. كان واضحا بالطبع انه يرغب في اخفاء هويته خصوصا مع ارتداءه النظارة الشمسية الكبيرة رغم ان الساعة تجاوزت السابعة مساء والسترة القطنية الخفيفة ذات القلنسوة و التي يبالغ في انزالها علي وجهه بشكل واضح للعيان رغم عدم برودة الجو في هذا الوقت من العام هو فقط هواء منعش.. وقد اعتادت هي بحكم عملها علي رؤية الاشخاص المتخفين الراغبين في عدم كشف هويتهم وملامحهم الحقيقية منذ ان التحقت للعمل بعيادة الطبيب النفسي الشهير...
كانت طبولا تدق في صدره بعنف لاقتراب موعده مع الطبيب ... كان مترددا بشدة في قراره بالذهاب الي طبيب نفسي بل انه لم يكن مترددا في حياته في قرار مثلما كان مترددا في هذا الفعل .. رغم حياته الحافلة بالكثير من الافعال التي من المؤكد انها اكثر صعوبة من مجرد الذهاب لطبيب ....

فكر لوهلة ان يغادر العيادة وهمّ بالقيام من مجلسه ولكن صوت تنبيه رسالة من هاتفه جعله يجلس فورا... (ما الاخبار؟! طمئني ..) كانت رسالة قصيرة من اخيه يحيي علي تطبيق الواتس اب... رد عليه فورا ( لم اقابله بعد ... سيأتي دوري بعد قليل)
اتبعها برسالة اخري ( انا متردد بشدة يحيي... لا استطيع حقا... حتي اني كنت اهم بالمغادرة الان لولا ان جاءتني رسالتك... لا استطيع انا آسف)
(انا ارجوك... انت تحتاج ان تتعافي مما اصابك وانا احتاجك وانت تعلم ذلك... ان لم ترد ان تفعلها من اجل نفسك... افعلها من اجلي انا... اخوك يحيي او ابنك يحيي كما تسميني...)
كان لكلمات اخيه بالغ الاثر عليه حتي ان غلالة رقيقة من الدموع غامت بها مقلتيه.. كان يعرف ان اخيه بحاجة اليه بشدة.. وهو لا يستطيع خذلانه... لا يستطيع تحمل خسارة اخري في حياته... ليس يحيي.. لن يفقد ابنا آخر له.... سيتحامل علي نفسه وعلي ذاكرته وعلي ماضيه... سيفتح صندوقه الاسود الذي القاه في مكان بعيد من ذاكرته كان لا يريد الوصول اليه ولا فتحه ابدا... لانه اذا فتحه ستفتح معه ابواب الجحيم
في وجهه... يعلم انه سيتألم ويتعذب ويقتله الندم والاحساس بالذنب..ولكنه سيفعلها (حسنا سافعلها... من اجلك فقط...يا صغيري))
تزامن ارساله للرسالة مع انفتاح باب غرفة الطبيب ليخرج المريض منها ويعلو صوت السكرتيرة معلنا ان ميعاده قد حان لمقابلته.... اخذ نفسا عميقا وحاول التحكم في دقات قلبه المضطربة ثم ذهب متباطئا في اتجاه الغرفة واغلق الباب خلفه بتردد ....

ابتسامة دافئة استقبله بها الطبيب الشاب المشهود له بالكفاءة في مجاله رغم حداثة سنه مقارنة بالاطباء المشهورين في مجال الطب النفسي
صافحه بترحيب ثم
قال بصوته الرصين ذي النبرة المحببة : تفضل يا مصطفي... اجلس واستريح ...اجلس في اي مكان تفضل سواء علي هذا المقعد امامك او علي هذه (الشيزلونج) هناك ان اردت ان تتمدد لتتحدث براحة اكبر
تقدم بتحفظ الي الكرسي الذي اشار اليه الطبيب والذي يفصله عن كرسي الطبيب الشاب مكتب انيق... عدل من الغطاء فوق رأسه ليحكم احاطته بوجهه ونظر الي اسفل منه وهو يفرك كفيه ببعضهما في حركة متوترة لم تخفي علي عيني الطبيب الخبيرتين ...
هل تريد ان تشرب مشروب دافئ لتهدئة اعصابك؟! سأله الطبيب بلهجته المحببة وابتسامته الدافئة
اجل من فضلك رد عليه بصوت متحشرج اخرجه بصعوبة.... طلب له الطبيب عبرالهاتف
الذي يصله بسكرتيرته مشروب عشبي دافئ وطلب لنفس
ه قدحا من القهوة
واردف له : خمس دقائق وسيكون المشروب امامك
هز له رأسه شاكرا وهو ما زال يفرك كفيه في توتر وغاص في افكاره يفكر ماذا سيخبر الطبيب؟ واخذ يلوم نفسه لقدومه لهذا المكان من الاساس...وتلاشت ارادته وشجاعته اللتان كانتا الحافز له للمجئ هنا من اجل ان يستطيع مساعدة اخيه والعناية به....
هو يعلم انه لا يستطيع تعرية نفسه وماضيه امام احد حتي ولو كان لا يعلم هويته الحقيقية... لا يريد ان يفتح جراحا لن تندمل مرة اخري... لا يريد ان يواجه حتي نفسه بحقيقته... اخذ يبحث في عقله عن مخرج من حيرته تلك وهداه عقله الي الكذب... نعم سيكذب او يختلق قصة او ايا كان... حتي يصف له الطبيب دواء ينتشله من كوابيسه وتلك المشاهد والاصوات التي تهاجمه بشراسة... لايهم الطبيب حقيقيته ولا ماضيه ولا ايا مما عاناه في حياته... هو دفع له مقابل ان يصف له العلاج .. العلاج فقط لا غيره....
هكذا اقنع نفسه وهو يرتشف المشروب الذي سري في اوصاله الباردة المرتعشة فهدأ من توتره نوعا ما....كان يرتشف المشروب ببطء شديد كأنه يتعمد تاجيل مواجهته بالطبيب ... وتعجب من عدم استعجال الطبيب له حتي انه اختلس النظر اليه فوجده يرتشف قهوته بتلذذ ويمسك بهاتفه الجوال يتصفح شيئا علي شبكة الانترنت علي الارجح...

انتهي من رشفته الاخيرة ووضع الكوب علي الصينية الصغيرة الموضوعة علي المكتب بعد ان رتب افكاره الي حد ما ليستعد للمواجهة ..
وضع الطبيب بدوره قدح قهوته التي انتهي منها علي الصينية وضغط علي زر جرس بجانب كرسيه فأتي العامل الذي يعد المشروبات واخذ الصينية واغلق الباب خلفه في هدوء...
شبك الطبيب اصابع كفيه امامه علي المكتب وسأله بابتسامته العذبة : هل انت جاهز للكلام الآن يا مصطفي؟
اخذ نفسا عميقا وزفره في قوة ورد في لهجة تميل الي العصبية: ليس هناك كلام او شئ لاحكيه يا دكتور... انا فقط اعاني من ارق شديد وعندما انام و تراودني كوابيس استيقظ منها مفزوعا... اومأ اليه الطبيب برأسه مطمئنا وقال بهدوء: مفهوم يا مصطفي... انا بداية احتاج بعض المعلومات عنك وبعدها سأسألك بتفصيل عما تعانيه حتي اصف لك العلاج المناسب.... ارتبك عندما ذكر الطبيب انه يحتاج لمعلومات تفصيلية وعقد ساعديه امام صدره كأنه يحضن نفسه بذراعيه يريد ان يستمد منهما الامان... رد بصوت منخفض قليلا: حسنا... تفضل
ارتدي الطبيب نظارته الطبية المعلقة الي عنقه بسلسلة فضية انيقة وامسك بقلم ليبدا تدوين ملاحظاته في الورقة امامه... وسأله باهتمام؟ كم عمرك مصطفي؟ اجابه بهدوء36 سنة ... ابتسم ابتسامة واسعة وقال رافعا حاجبيه بمزاح: اووه ما هذه المصادفة اللطيفة... انا في مثل سنك ايضا... يبدو ان العام الذي ولدنا فيه لم ينجب الا الوسيمين مثلنا..
ابتسم ابتسامة صغيرة متألمة لمجاملته الظريفة.... لا يدري عن اي وسامة يتحدث وهو لا يظهر من وجهه شيئا الا بالكاد وحتي لو ظهر فهو ابعد ما يكون عن الوسامة . ولكنه في نفسه اعترف بأنه شخص لطيف .. كان يحيي موفقا علي ما يبدو عندما رشحه له
سأله الطبيب مرة اخري وهو ينظر اليه باهتمام ليقيم انفعالاته: ما هي حالتك الاجتماعية: رد بعد عدة ثوان : ارمل.. لم تخفي لكنة الالم التي نطقها بها علي الطبيب.. فرد بأسف: انا آسف... رحمها الله... اومأ برأسه ببطء وهو يزيد من احتضانه لنفسه
اردف الطبيب: منذ متي؟
-سنتان
-وكم استمر زواجكما؟
-سنة وتسعة شهور وخمسة ايام
هل لديك ابناء؟
ابتلع غصة في حلقه واجاب:لا
—دون الطبيب شيئا ثم سأله هل تعمل؟
-سكت قليلا ثم قال بفتور : لدي مقهي اباشر ادارته
- هل تحب عملك؟
-بدأ بهز قدمه في عصبية ومط شفتيه بلا مبالاة وقال: عادي ، هو ليس عملا بالمعني المعروف.. كما اخبرتك انا اشرف فقط علي ادارة المكان
-دون الطبيب شيئا في ملاحظاته وهز رأسه بتفهم قائلا: مفهوم...
- هل تعاني من اي ضغوط نفسية في الفترة الاخيرة؟
رفع راسه قليلا وكانه ينظر الي نقطة وهميه علي الحائط امامه وهو مستمر في هز قدمه وقال بألم: اخي الصغير مريض... وهذا يؤثر علي بشدة.. هو بمثابة ابن لي... وانا المسئول عنه وعن العناية به
-ما مرضه؟
-سرطان في الدم
-قال الطبيب :شفاه الله وعافاه
- ضحك ضحكة عصبية طويلة ليس لها معني ...
تعجب الطبيب وسأله؟ ما المضحك؟!
- لاشئ ، تذكرت شيئا ... قالها في عبوس يتنافي تماما مع هيئته الضاحكة من ثوان قليلة
-حسنا.. فلنبدأ في الكلام الهام... صف لي بالتحديد ما الذي تعاني منه؟
-اعاني من ارق شديد .. وعندما اغفو لبعض الوقت تراودني كوابيس فاقوم مفزوعا ولا استطيع النوم مرة اخري... وابدا في شرب القهوة والمنبهات .. حتي اغفو مرة اخري وتراودني الكوابيس ثانية فاهب مفزوعا... وهكذا...
-منذ متي بدأ يحدث ذلك؟
-فكر قليلا ثم قال: من حوالي ثلاثة اشهر
لم يخبره ان هذه الكوابيس تاتيه منذ سنين ولكنها لم تكن بهذه الضراوة والكثرة ... كانت تاتيه علي فترات متباعدة وعندما كان ينزعج منها كان يلجا لاحد الاقراص
اصدقائه المنومة التي وصفها له احد اصدقائه العقاقير يوما وكان مفعولها مؤثرا حقا.. كان ينام كأنه ميت لا يشعر بشئ
لا يشعر بشئ حتي يستيقظ في اليوم التالي
- ما طبيعة تلك الكوابيس ؟
ضم شفتيه وحاول ان يخفي توتره واجاب وهو يشير بيده ؟ لا اتذكر بالتحديد ولكنها... صمت برهة ثم اردف: مخيفة ووحشية
هل لها علاقة بأي شئ حدث لك في الماضي؟
ازدرد لعابه واجاب باقتضاب: لا

هل جربت ان تتناول اي من ادوية المهدئات او المنومات؟
فكرقليلا هل يخبره بالدواء المنوم الذي يتناوله ام لا ثم راي انه من الافضل ان يعرف حتي يصف له دواء فعال اكثر
-نعم كنت اتناول في الفترة الاخيرة هذه الاقراص... واخرج من جيبه علبة كرتونية صغيرة خاصة بالدواء ثم اردف: كان ذو مفعول في المرات التي تناولته فيها سابقا ولكن في الفترة الاخيرة ليس له تأثير يذكر... اتناوله فاغفو قليلا ثم تراودني تلك المشاهد فأريد ان اهب من نومي ولكن جهازي العصبي لا يستجيب بفعل الدواء... فأظل اعاني حتي ينتهي مفعوله فأقوم وانا الهث ودقات قلبي تزداد بقوة كأني كنت في حرب ضارية ... فتوقفت عن تناوله وصرت الجأ الي القهوة والمنبهات حتي اظل مستيقظا لاطول فترة ممكنة...
كان الطبيب يستمع باهتمام بالغ لكل كلمة يقولها وكان متأكد بخبرته ان هناك ما يخفيه عنه
- ذكرت انك تناولته سابقا ... هل كنت تري نفس الكوابيس سابقا ثم توقفت وعادت تهاجمك مجددا... اليس كذلك؟
-بلي
هل هناك شئ اخر ترغب في ذكره لي؟
رد بسرعة:لا
انتهي من تدوين ملاحظاته ثم نزع عنه نظارته الطبية التي اصبحت متدلية من سلسلة عنقه وتراجع علي مقعده قليلا وقال وهو يشير بيده:
-انظر يا مصطفي... بناء علي ما ذكرته لي انا اتوقع ان هذه الكوابيس التي تزعجك هي ربما تكون نتاج احداث وقعت لك في طفولتك او ربما في مراهقتك.. هذه الاحداث تخزنت في عقلك الباطن ولسبب ما عقلك يريد تذكيرك بها... عليك انت وحدك ان تعرف هذا السبب.... ربما وفاة زوجتك-رحمها الله- ومرض اخيك وكثرة الضغوط النفسية عليك لها اثر في ذلك... وربما اشياء اخري حدثت لك في الماضي هي السبب...
لذلك العلاج الدوائي بالعقاقير غير مجدي بنسبة مائة ف المائة في هذه الحالة لان هذه العقاقير المهدئة او المنومة تعمل فقط علي تهدئة جهازك العصبي واجبارك علي النوم فهي تعالج الارق فقط اما الكوابيس التي تراودك فهي كما ذكرت لك ناتجة من كثرة الضغوط النفسية او اشياء تخزنت في عقلك الباطن يرفضها عقلك الواعي فلا يوجد متنفس لها الا عن طريق الاحلام...
اذن فاهم شئ في العلاج في هذه الحالة هو انك ستحاول التحرر من الضغوط النفسية الكثيرة التي تعاني منها وستحاول ان تفكر بايجابية فيما يخص مرض اخيك وتنحي قلقك عليه جانبا وتاخد بالاسباب في شفائه ولا تحمل نفسك ما لا تطيق... فأقدار الله نافذة لا محالة... فقط افعل واجبك نحوه وكن داعما له وتفاءل خيرا فالله قادر علي شفائه....
والجزء الاهم يا مصطفي اني اريدك ان تحاول تذكر المشاهد التي تراها في احلامك وهل لها علاقة باحداث مرت بك سابقا ام لا... ان لم يكن لها علاقة فالموضوع سهل باذن الله مجرد ان تتخلص من الضغط النفسي الناتج عن الامور التي تمر بها هذه الفترة ان شاء الله ستشفي من هذه الكوابيس قريبا
واخذ نفسا عميقا ثم اردف: اما ان كان لها علاقة باحداث ماضية فحينها ستحتاج ان تتذكر كل ما بك وتفصح عنه امام نفسك اولا ثم سيكون لنا جلسات استمع منك فيها لكل ما يؤرقك ... فالبوح والافصاح عن كل ما تشعر به يا مصطفي هو مربط الفرس في العلاج... ثم بعد ذلك سنفند ما تقوله بالتفصيل ونتناقش فيما يرفضه عقلك الواعي من احداث وافكار يعاقبك به عقلك الباطن في منامك...

شعر باحباط يتملكه بعد ان فرغ الطبيب من توصيف حالته... لم يتوقع كل هذا التعقيد ... كل ما كان يأمله ان يصف له الطبيب اي **** يتخلص به من عذاباته التي لا تنتهي...هو فقط يريد النوم بهدوء مثل البشر

شعر الطبيب بإحباطه علي الرغم من ملامحه المتخفية
فأردف بابتسامة حانية: لا تقلق ساصف لك بعض العقاقير التي تساعد في حالتك... ولكن عليك ان تساعد نفسك كما ذكرت لك وتتحرر من ضغوطك التي تؤرقك... سكت قليلا ثم اضاف وهو يشير بسبابته: هناك امر قد يساعد في حالتك ايضا.. ممارسة الرياضة ... انها سحر يا مصطفي ... جرب ان تمارس القليل من الرياضة يوميا ... هذا مفيد في مثل حالتك كثيرا فهي تشغل العقل وترهق الجسم ... فالعقل عندما يكون منشغلا بالتفكير والجسم عندما يكون مرهقا بسبب المجهود يجعل العقل خاملا اثناء النوم فيساعد ذلك في نوم خالي من الاحلام والمنغصات...

اوما براسه ببطء وقال: حسنا...شكرا لك
تناول منه الورقة التي وصف له فيها بعض الاقراص التي لا يدرك ماهيتها وصافحه الطبيب بحرارة وابتسامته ما زالت تزين محياه: اتمني ان اراك في حال افضل المرة القادمة... انا حددت لك الميعاد القادم بعد اسبوعين باذن الله...اراك بخير
تمتم بخفوت: حسنا..شكرا.. الي اللقاء

دلف الي شقته في هدوء بعد ان القي المفاتيح علي طاولة رخامية صغيرة بجوار الباب.... نزع عنه نظارته الشمسية وغطاء رأسه وحذاءه و القي بنفسه في ارهاق علي الاريكة الضخمة في ساحة الشقة.... اغمض عينيه في ارهاق وهو يضغط علي زاويتي عينيه بإبهامه وسبابته لدقائق قليلة ...
فتح عينيه فطالعته صورة ابيه الضخمة المعلقة في اطار فخم وتحتل مساحة كبيرة من الجدار المقابل له... تطلع فيها في جمود لعدة ثوان ثم تحامل علي تعبه وقام متوجها الي المطبخ وهو يحمل اكياس الطعام الجاهز التي ابتاعها ليتناول منها طعام الغداء مع اخيه.... تناهي الي مسامعه صوت اخيه وهو يتقيأ في الخلاء الموجود بآخر الردهة الطويلة التي تضم غرفتي نوم كبيرتين بالاضافة الي المطبخ.... اغمض عينيه في الم وتحدث بصوت مرتفع: يحيي... لقد جئت... هل تحتاج الي مساعدة ؟
جاءه صوت اخيه واهنا بعد عدة ثوان : لا انا بخير... سأخرج حالا...
بعد عدة دقائق اطل عليه يحيي وهو يقف عند باب المطبخ بقامته الطويلة ووسامته الجلية وقال بصوته الواهن مبتسما ابتسامته الحلوة: اووه... ما هذه الرائحة الشهية... اخذ يلتهم بعينيه اطباق الطعام التي قام اخوه برصها علي المنضدة الصغيرة التي تتوسط المطبخ الواسع واردف قائلا: علي ما يبدو اني سأستمتع قليلا ببعض من الطعام الشهي قبل ان استفرغه في المرحاض ليكمل مسيرته وسط الفضلات.... ورسم علي وجهه علامات القرف والتقزز بطريقة مضحكة...
ابتسم له شقيقه في إشفاق : لم استطع ان اري هذا الكباب الشهي الذي تحبه ولا آتي به كما اني ايضا اشتهيته فقلت في نفسي سأحضره وسنأكله ونستمتع به وليحدث ما يحدث ... هيا اجلس
جلس علي المقعد المجاور له
له وامسك بيده قطعة من الخبز وهم بالاكل وسأله في اهتمام: ها اخبرني .. كيف كانت جلستك الاولي عند الطبيب
مط شفتيه وقال في لا مبالاة: لا ادري... جيدة ربما... وصف لي بعض العقاقير... سأجربها ولنري هل ستكون فعالة ام لا؟
قال يحيي مضيقا عينيه محاولا سبر اغواره: اذن وصف لك العقاقير فقط؟.. لم يطلب منك الحديث اكثر عن الكوابيس التي تراها ...لم تخبره عما مر بك وما عانيته في العامين الماضيين
لم تخبره عن استقالتك من عملك؟!...كل هذه الاشياء التي اخبرتك انها ممكن ان يكون لها دور فيما تعانيه
رد في سرعة وهو يلوك الطعام بفمه محاولا طمأنة اخيه: بلي بلي.... اخبرته ونصحني بعدة اشياء سأجربها وسنري .. لا تشغل انت نفسك بي واهتم بنفسك وانا سأكون بخير
سأله يحيي في اصرار: اشياء مثل ماذا؟ اخبرني عما دار بالتفصيل... انسيت اني طبيب ؟ وربما سأتخصص في الطب النفسي من يدري.. ان كان في العمر بقية ... اما ان م....
قاطعه في حدة وهو يضرب بقبضته بعنف علي الطاولة: ليس هناك اما يا يحيي.. ليس هناك احتمال لاي شئ اخر... انت ستشفي وستكون بخير... وستتخرج من الكلية وستتخصص في التخصص الذي تختاره.. وستصبح طبيبا لامعا وسأكون فخورا بك كما كنت فخورا بك دوما...وستتزوج من الفتاة التي تحبها ... و.. وستعيش حياة سعيدة طويلة وستنجب اطفالا وسيمين مثلك وتربيهم وتعلمهم حتي يصبحوا اطباء ناجحين كأبيهم...كان يلتقط انفاسه في سرعة محاولا السيطرة علي اعصابه التي تثور رغما عنه كلما لمّح اخيه لامكانية عدم شفاءه من مرضه وموته... موته.. لا يستطيع مجرد التفكير في احتمال كهذا حتي... كيف كيف ممكن ان يتركه وهو كل ما تبقي له... بل هو السبب في تمسكه بالحياة الي الان.... ان كان يعتبر نفسه من الاحياء!!!....
اشفق عليه يحيي من علامات الانفعال البادية علي وجهه فمد كفه وضغط برفق علي كف اخيه وقال: هون عليك يا اخي هون عليك... انا سأصبح بخير وسأبرأ من مرضي بإذن الله وسأفعل كل الاشياء التي ذكرتها... انا ثقتي كبيرة بالله والحمد لله وانت تعلم ذلك واشعر بلطف الله بي دوما... انا فقط اريدك ان تتخلص مما تعانيه ... فأنا قلبي يتمزق حقا من اجلك عندما تهب صارخا كل ليلة عندما تهاجمك تلك الكوابيس... لا تحسب اني لا اسمعك حتي بعد انتقالك من الغرفة المجاورة لي.. انا اسمعك واشعر بك جيدا واتألم من اجلك... انظر الي وجهك كيف صار شاحبا مثل الموتي... وعينيك كيف اصبحتا غائرتين ذابلتين تحيط بهما تلك الهالات القبيحة ... انظر الي جسدك الذي صار مثل عصا المقشة ... فأنا الذي اتناول جرعات الكيماوي واستفرغ كل ما يدخل الي جوفي ومع ذلك آكل اكثر منك.... اهذا انت؟ اهذا اخي الذي كان يقضي علي الاخضر واليابس من الطعام... اهذا انت الذي كنت اتمني ان يكون عندي مثل عضلاتك ولياقتك البدنية؟!!
سكت قليلا ثم رفع رأس اخيه المنكسة ونظر الي عينيه واردف في رجاء: ليتك فقط تخبرني ماذا حل بك يا اخي؟...ليتك فقط تشاركني افكارك وتخبرني ما تعانيه... انا اعلم انك تعاني واعلم ان ما صار في العامين الماضيين لا يمكن تخطيه بسهولة ولكني اشعر ان هناك شئ اكبر من ذلك تخفيه عني ... وزاد شعوري هذا بعد تلك الكوابيس التي اصبحت تراودك مؤخرا.... ولما زاد الامر عن حده نصحتك بالذهاب الي الطبيب النفسي لعلك تجد عنده راحتك وتشاركه فيما يحدث لك بعد ان فقدت الامل ان تخبرني انا وتحكي لي انا... انا ابنك البكري كما تقول دوما... ولكن يبدو انك تعتبرني ابن رضيع ربما.. لن يستطيع فهمك ولا مساعدتك ... نطق جملته الاخيرة متهكما بشئ من المرارة
رق له اخوه ووضع كفه الآخر علي جانب وجهه ونظر اليه في حنان لا يدري ماذا يجيبه؟ هو يشفق عليه بشدة حقا يكفيه ما يعانيه من ويلات مرضه الخبيث ويكفيه دراسته الشاقة للطب التي يبذل فيها ما يفوق قدرته حتي لا تقل درجاته المتميزة التي اعتاد عليها... يكفيه المجهود المضني الذي يبذله في الاستذكار والمحاضرات والاختبارات التي لا تنتهي... ثم انه لا يدري حقا ماذا يخبره؟ يخبره عن ماضيه الاسود؟!... عن آثامه التي اظلمت روحه فأصبحت كئيبة موحشة ام عن قسوته التي اماتت قلبه حتي صار غلفا لا يقر معروف ولا ينكر منكرا.... ام يخبره انه يشعر انه نقمة وبلاء علي كل من يتعلق بهم قلبه.. يشعر ان الله ينتقم منه فيهم... الله؟؟!.... ايخبره حقا عن شعوره تجاه الله؟! يخبره عن ايمانه الذي فقده منذ زمن لا يذكر مدته؟!!.... لا لن يخبره ايا من ذلك... لا يستطيع ان يري نظرة خذلان واحدة في عينيه وهو الذي طالما اعتبره قدوته ومثله الاعلي....
قال له في لهجة ارادها قوية مقنعة ولكنها خرجت رغما عنه متأثرة بكلام اخيه الذي لامس شغاف قلبه : بل انت ابني النجيب يا يحيي... ابني الذي اثق في عقله تمام الثقة واثق في نباهته وحسن تقديره للامور... اعرف انك تستطيع مساعدتي اذا احتجت اليك.. بل انت تفعل ذلك بالفعل يا اخي... مجرد حديثك معي فقط والحب الذي اراه في افعالك لي والخوف الذي اراه في عينيك عليّ لا تدري كم يهون عليّ ما انا فيه... وحقا اتمني ان نجلس سويا طيلة الليل والنهاار نثرثر معا ونستمع الي اغانينا المفضلة ونتناقش في الكتب التي نقرأها... ولكني لا اريد عن الهيك عن دراستك و انت علي وشك البدء في اختباراتك في الكلية ووقتك ضيق من الاساس...
اعدك يا اخي اذا تكاثرت علي احزاني وتكالبت علي همومي التي تضنيني ان اخبرك واحكي لك عن كل شيء... ولكن في المقابل عدني ان لا تشغل فكرك بي كثيرا وانتبه لدروسك وصحتك فهذا صدقا كل ما ارغب فيه الآن..
رد عليه بخفوت: حسنا يا اخي لن اضغط عليك ثانية، واعدك اني سأفعل ما طلبته مني ، ولكني فقط اريدك ان تهتم بغذاءك علي الاقل فأنا قلق عليك كثيرا من فقدانك الوزن باستمرار مع تدخينك الشره، فهذا قد يؤدي بك الي مشاكل صحية خطيرة انت في غني عنها...اومأ له برأسه واجاب بابتسامة صغيرة: حسنا.. سأفعل ... اردف يحيي بعد عدة ثواني : هون الله عليك وشرح صدرك واذهب همك...
لاح عليه تأثرا بعد دعاء اخيه له فمال علي اخيه وعانقه بقوة وربت علي كتفه برفق قائلا: هيا يا بطل اكمل طعامك وانا سأعد لك كوب الشاي المتين الذي تحبه...
صاح يحيي معترضا وهو يلوح بيده: وانت ؟ اهذا هو طعامك الذي كنا نتحدث عنه توا.. اقسم ان طفل صغير اكمل عامين لتوه يأكل اكثر منك... اذا لم تأتي لتكمل غدائك ..سأنهض انا ايضا عن الطعام وستحمل انت ذنبي
طعنته جملة اخيه الاخيرة كخنجر في صدره وجددت جراحه التي لم تندمل قط ... يعلم ان اخيه قالها مازحا... وما ادراه هو ذلك النقي التقي عما يعتمل في نفس اخيه من جلد لذاته ومن كره لكيانه؟!
قالها مازحا ومع ذلك فعلت به الافاعيل... فماذا لو كان يقصدها؟!!... ماذا ان حاسبه اخوه علي افعاله واعتبر ان مرضه هو عقاب من الله له كما تحدثه نفسه دوما بهذا؟!
بماذا سيرد عليه وبم سيبرر له اي شئ؟!
انتشله صوت يحيي من افكاره السوداء : ها ستأتي لتكمل طعامك ام لا ؟
اومأ برأسه في بطء واتجه مرة اخري الي طاولة الغداء....

من بعيد رأته يقف مع بعض زملائه من الشباب يتحدثون ويمزحون باصوات رجولية عالية في ساحة الكلية… لم تستطع ان تتحكم في دقات قلبها التي تقفز فرحا داخل صدرها كلما وقعت عليه عيناها..تطلعت بشغف في ملامحه الغربية بامتياز التي لم ينجح المرض في اخفاء جمالها ووسامتها رغم الاعياء البادي عليها… ولم يؤثر شعره الحليق تماما علي كونه اوسم من رأت عيناها…بل وعيون كل زميلاتها اللاتي كانوا يعتبرونه اوسم شاب في الدفعة … بل كانوا يطلقون عليه اسم(مهند) نسبة الي الممثل التركي الشهير المعروف بهذا الاسم في الوطن العربي.. شعور خفي تسلل اليه وشعر بها تنظر اليه رغم المسافة بينهما فرفع نظره تجاهها
تلاقت انظارهما لثوان قبل ان تخفض عيناها في خفر وتتورد وجنتاها حياء…. اخذت تعبث في هاتفها الجوال متظاهرة بالانشغال وهي تلمحه بطرف عينها قادما نحوها، ملأت رئتيها من عطره الذي يسبقه دوما
نظر اليها تلك النظرة التي تعجز عن تفسيرها دوما لا تدري اهي اعجاب ام حب ام شوق او ربما هي نظرة عادية ولكن عقلها يوهمها بعكس ذلك ؟! .. لا يهم بالنسبة لها التفسير… المهم انه ينظر اليها… يحدثها… يهتم بها .. حتي لو كانت تتوهم ذلك…
سألها بابتسامته الجذابة وهو يضع يديه في جيبي بنطاله:كيف حالك آية؟ ماذا فعلتي في ذلك الاختبار الشفوي؟
ردت عليه بصوتها الرقيق: بخير والحمد لله… الاختبار كان جيد علي ما اظن…… كيف حالك انت يحيي؟… ثم ابتلعت ريقها واردفت في تردد: وما اخبار العلاج الجديد؟ هل ما زلت تعاني من اعراضه الجانبية؟
الحمد لله في نعمة…. اما العلاج فما زلت اعاني من اعراضه الجانبية بالطبع….ستلازمني تلك الاعراض لفترة للاسف حتي يبدأ جسدي في الاعتياد عليها.. ولكن الطبيب وصف لي دواء للمعدة يخفف من اعراض القيء والغثيان التي يسببها العلاج الكيماوي …. حمدا لله فأنا افضل من غيري كثيرا… اخذ نفسا عميقا وزفره بقوة ثم اردف: المهم اني انتهيت من جلسات الكيماوي اللعينة تلك اما الاقراص فأمرها اهون بكثير الحمد لله ،ثم مال بجذعه الي الامام قليلا واضاف في مرح: فقط ادعي لي واطلبي من زميلاتك ان يدعوا لي… فالنساء عموما عاطفيات ويدعين بضمير والحاح وهذا ادعي لاستجابة الدعاء علي ما اظن …

اعتصر قلبها من الالم واشفق عليه مما يعانيه وحاولت رسم ابتسامة مرتجفة علي شفتيها….تعلم ان خلف مزاحه يكمن الم واحباط كبيرين… فمن كان يتوقع ان يحيي الشاب الوسيم الراقي

الرياضي يصيبه مثل هذا المرض اللعين … تذكرت كيف علمت بالخبر منذ ستة اشهرمن خلال المجموعة التي يشترك فيها طلاب الدفعة علي تطبيق الواتساب… ليتابعوا مع بعضهم البعض محاضراتهم ودراستهم … كتب وقتها احد اصدقاء يحيي المقربين الخبر الذي نزل عليها كالصاعقة طالبا من الجميع الدعاء لزميلهم الذي اكتشف مرضه للتو…. اصابتها حالة انكار ولم تصدق انه يحيي حبيبها… كانت تظنه يحيي آخر ربما … هناك آخرون يحملون نفس الاسم في دفعتهم….سألت كل اصدقائهم المشتركين واخبروها بأنه هو المقصود… لم يكفيها هذا بل لاول مرة تجرأت واتصلت علي هاتف (كريم) صديقه الذي اعلن الخبر… واكد لها انه كان يعاني من اعياء شديد في الفترة الاخيرة كان يظنه من ضغط الكلية والمجهود الذي يبذله فيها… حتي تطور الامر الي اغماءات متكررة وظهور بعض الكدمات الزرقاء في اماكن متفرقة من جسده…. فكان لابد من الذهاب للطبيب الذي طلب تحاليل معينة… بينت فيما بعد اصابته بسرطان الدم الحاد..
انهارت لحظتها بالبكاء فطمأنها كريم الذي كان يستطيع ان يلمح مشاعر كل منهما تجاه الاخر رغم عدم افصاحهما عنها… قال لها بأن وضعه ليس حرج بل هو في المراحل الاولي من المرض والامل في شفاءه كبير بإذن الله…. من وقتها تطورت العلاقة بينهما بشكل كبير… صارت تطمئن عليه باستمرار من خلال رسائل تطبيق الواتساب … وفي مرات قليلة عندما كانت تعلم بأنه سيخضع لإحدي جلسات العلاج الكيماوي اللعينة كانت تتصل به هاتفيا للاطمئنان عليه…كانت المكالمة عبارة عن بعض العبارات المقتضبة التي تطمئن بها علي حاله في خجل ولكنها كانت تخفف عنها كثيرا عذاباتها بشأنه…. كانت تعلم بأن ما تفعله يفضح بشدة مشاعرها تجاهه ولكنها لم تستطع ابدا ان تتحمل فكرة انه يعاني في محنته ولا تستطيع هي اظهار تعاطفها واهتمامها له…. وكانت تشعر بشيء يختصها به عن غيرها… لم يصرح لها بشئ ولم يتجاوز حدود الزمالة ابدا ولكنها تشعر بشئ مميز في نظراته لها…. شيء دافيء يربكها… او ربما هي فقط مجرد مراهقة حمقاء تتوهم ذلك…
ايطلب منها الآن الدعاء له؟؟ الا يدري ان مقلتيها تتورمان من البكاء كل ليلة وهي تدعو له في صلواتها، فروضها ونوافلها؟!! الا يدري ان كل صدقاتها منذ علمت بمرضه تخرجها بنية شفاءه؟!! … الا يدري انها ما تركت شيخا تعرفه ولا تقيا تتوسم فيه الصلاح ولا وليا اخبرها به احد من معارفها الا و اقسمت عليهم بالدعاء له؟!!
هو لا يدري بالطبع ، والافضل الا يدري
..!
ابتلعت غصة اليمة في حلقها وردت عليه بصوت متهدج: انا بالفعل ادعو لك كثيرا يا يحيي… شفاك الله وعافاك ومتعك بالصحة وطول العمر…
لاحت في عينيه تلك النظرة التي تربكها وقال بصوته الرخيم: آميين
كسرت نظرها الي الارض في حياء بعد ان شعرت بطول نظراتهما لبعض… فأشاح هو بعينه بعيدا ولاحظ بعض النظرات المتطفلة الصادرة من مجموعة من الفتيات القريبات منهم… فتنحنح قائلا: حسنا يا آية، سأذهب انا لالحق بصلاة الظهر قبل ميعاد المحاضرة القادمة….اتريدين شيئا؟
كانت ستكتفي بقول: شكرا.. اريد سلامتك ، ولكنها لا تدري لم انفلت لسانها وقالت : ادع لي انت ايضا
رفع حاجبيه متفاجئا من طلبها وتساءل : بم ادعو لك؟
توردت وجنتاها وشعرت بحمقها ، كانت تود ان تطلب منه الدعاء بأن يجعله الله لها و من نصيبها ولكنها لملمت شتاتها وقالت متلعثمة: لا ادري… ادع لي بالتوفيق في الاختبارات او.. بأي شيء
لوي فمه بابتسامة صغيرة وقال: حسنا سأدعو لك يا آية… بعد اذنك
انصرف وهو يجر قدميه جرا غير راغب في تركها وتمتم بينه وبين نفسه: سأدعو لك يا آية دعاء يتمناه قلبي وارجو من الله ان يستجيب الله لي.
لا يدري كم من الوقت استغرقه في النوم؟!....كان قد فات عشرة ايام منذ زيارته للطبيب وانتظامه في تناول الاقراص التي وصفها له… وحقا كانت لها مفعول السحر بالنسبة له…. كان يتناولها ويشعر برأسه ثقيلا ويكتنف عقله الضباب الكثيف فيغط في نوم عميق كالقتيل…. لا افكار… لا وساوس.. لا جلد للذات…. والاهم .. لا كوابيس…. عشرة ايام كاملة لم تراوده فيها الاحلام ولا الاصوات المخيفة التي كانت تؤرق مضجعه
. نام كما لم ينم من قبل قط… حتي الطعام لم يكن يأكل الا لقيمات يقمن صلبه تحت ضغط اخيه يحيي…
كم افتقد هذا الشعور كثيرا… شعور الخواء ، خواء رأسه من الافكار والوساوس وخواء قلبه من الهموم والاحزان…يشعر بروحه خفيفة كأنها ريشة تحلق في الهواء…
اين كان من كل هذا النعيم؟!... اكان حقا يتعذب كل تلك الاشهر الماضية بسبب عناده اللعين؟!... اكان علي حافة الجنون بسبب رأسه اليابس هذا وافكاره الغبية؟!... ليته استمع لأخيه وذهب للطبيب مبكرا منذ ان بدأت تقتات عليه تلك الاحلام اللعينة... الامر فعلا بهذه البساطة ... مجرد حبة دواء تتناولها فتذهب بك الي الجنة ، فلا هناك ذكريات مؤلمة تنغص عليك معيشتك ولا وحوشا ضارية تأتي لتلتهمك حيا في منامك !!!

كان منتشيا كأنه تناول لتوه جرعة زائدة من مخدر قوي.... ربما هو كذلك فما تلك العقاقير التي يتناولها الا مخدرات بشكل ما ولكنها مشروعة و بناء علي توصية طبيب....التقط كوب الماء الموضوع بجواره علي الكومود وارتشفه كله في نهم شديد ... كان علي وشك النوم مرة اخري الا انه التقط جواله ليلق عليه نظرة سريعة... ذهل حينما وجد الساعة تجاوزت التاسعة مساء بنصف ساعة ، يتذكر انه نام البارحة حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل .... هذا يعني انه نام اكثر من عشرين ساعة كاملة...! كان معتادا علي كل هذه الساعات من النوم منذ بدأ بتناول تلك العقاقير المنومة.. ولكن لم يصل ابدا لمدة عشرين ساعة متصلة تلك ابدا... كان علي الاقل يستيقظ بعد الحاح من اخيه يحيي ليأكل شيئا ويقضي حاجته ثم يعاود النوم ثانية.. شعر بالقلق يتسلل اليه علي اخيه ... فتح جواله وقفز من فراشه كالملسوع عندما وجد خمس مكالمات فائتة من يحيي كانت بدايتها من الساعة الثانية ظهرا وآخرها منذ ساعة تقريبا...
هرع الي خارج غرفته وهو ينادي علي يحيي بأعلي صوته وفتش عنه في الشقة كلها في عدة دقائق ، لم يكن له اثر...
ارتجفت اصابعه بشدة وهو يضغط علي زر الاتصال بهاتف اخيه ودقت ضربات قلبه بعنف وهو ينتظر الرد ، فيحيي لم يكن من عادته التأخر كل هذا الوقت منذ مرضه ... لم يأته جوابا ، اعاد الاتصال مرة اخري رن جواله عدة رنات قبل ان تأتيه الرسالة الصوتية المسجلة بأن(الهاتف مغلق او خارج نطاق الخدمة) وقع قلبه بين قدميه وشعر بالدماء تفور في رأسه ،ورمي نفسه علي اقرب مقعد له.... ماذا يفعل الآن؟.. هل اصاب يحيي مكروه ؟ هل كان يحتاج له لذلك اتصل به كل هذه المرات وهو كان يغط في نومه العميق كالغبي... خطر له ان يتصل بأحد من اصدقائه عله يطمئنه عليه ، كان معه رقم كريم صديقه الذي سجله عنده منذ عدة اشهر وقت ايام تعب يحيي الاولي حينما كلمه كريم ليخبره بإغماء اخيه ، رن الهاتف وانتظر هو الاجابة من الطرف الاخر في لهفة ولكن لا اجابة .... كرر ذلك عدة مرات بلا فائدة تذكر ، اكتنفه دوار وشعر برأسه يكاد ينفجر... ماذا يفعل الآن؟! هل ينزل يبحث عنه في المستشفيات والشوارع كالمجنون ؟! ، ام فقط عليه ان ينتظر؟!
خطرت له فكرة بأن يفتح صفحة اخيه علي موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) ويبعث رسائل الي اصدقائه يسأل عنه ، وبالفعل امسك هاتفه مرة اخري ولاح بعض الامل علي وجهه بعد توصله لهذه الفكرة ، كان قد انقطع عن مواقع التواصل منذ زمن طويل لا يستطيع تحديده... لحسن الحظ انه لم يمسح اي من حساباته عليها، كان فقط قد قام بإلغاء تفعيلها... فتح صفحة اخيه الشخصية في لهفة ولكنه تفاجأ بأن الاصدقاء علي حساب اخيه غير ظاهرين... شتم في سره ولكنه قرر ان يرسل الي بعض من اصدقائه الذين لاحظ تفاعلهم مع منشورات اخيه سواء بالاعجابات او بالتعليقات... ارسل الي حوالي ستة منهم بعد ان دخل علي صفحاتهم الشخصية وتأكد انهم يدرسون معه في الكلية وظل منتظرا رد اي منهم بفارغ الصبر.... جاءته رسالة من احدهم فتحها بسرعة والتهم كلماتها كغريق يحاول التعلق بأي قشة تنقذه من الغرق... كان فحواها ان اليوم كان مرهق ومليء بالمحاضرات والتدريبات العملية في المستشفي الجامعي .. وانهم انتهوا تقريبا في حوالي السادسة مساء ، بعد ذلك ذهب هو الي منزله مباشرة ولا يدري شيئا عن يحيي... شكره باقتضاب وعاد القلق ينهشه مرة اخري بلا رحمة ، ان كان قد انتهي من دراسته في السادسة مساء لماذا لم يعد للمنزل الي الآن ؟! أتكون فاجأته نوبة تعب من تلك النوبات اللعينة التي تصيبه من حين الي آخر وهو يقود سيارته فقام بحادث بالسيارة مثلا وتم نقله الي مستشفي ما او يكون قد لقي حتفه؟!! عند هذه النقطة من تفكيره هب واقفا وهو يهز رأسه بعنف بلا لا ، يحيي لم يمت ، لا يمكنه تركي وحيدا...ليس ثانية .. لصق رأسه بالحائط واخذت دموعه تنهمر في صمت وهو يضرب رأسه بالحائط في بطء رتيب ويتمتم: كفي ارجوك ... كفي انتقاما يا رب ... ليس في يحيي ارجوك... هو كل ما تبقي لي... ارجوك
بدأت وتيرة بكائه وضربه لرأسه في الحائط ترتفع ، اخرجه من حالته هذه صوت تنبيه رسالة من هاتفه الجوال .. جري بسرعة حتي انه كاد يتعثر بالبساط الكبير الذي يفترش الارضية الرخامية وفتحه ملهوفا فوجد رد من احد اصدقاء اخيه لم يخبره بجديد عن الرسالة السابقة الا انه اضاف انه سمع يحيي يتفق مع البعض بالخروج بعد الكلية للتسكع بعض الوقت قبل الذهاب للمنزل... فربما يكونوا ذهبوا لتمضية الوقت في مكان ما وسرقهم الوقت فلم يأت الي الآن... كان هذا الصديق يحاول طمأنته وهو كان في اشد الحاجة لذلك... شكره بشدة ومسح دموعه محاولا التشبث بهذا الامل، فيحيي كان شابا محبا للحياة ، محبا للسفر والخروج ، كان ينتظر العطلة الصيفية بنهاية كل عام دراسي ليسافر مع اصدقائه الي احدي المدن الساحلية وسافر عدة مرات الي اوروبا ودول جنوب شرق آسيا... كانت هذه الرحلات مكافئة والده له علي تفوقه الدراسي في الكلية التي اختارها له ! كان يغدق عليه كثيرا من المال ولا يبخل عليه بشيء ربما ليعوضه عن فقدانه لامه في سن صغيرة، او ربما لانه سار علي الدرب التي رسمها له ولم يخرج عن طوعه مثله ...ولكن منذ مرضه اللعين فهو لا يستطيع الخروج والسفر مع اصدقائه كسابق عهده... لم يعد يقوي علي اي مجهود ، فالجهد الذي يبذله في دراسته واستذكاره يستنزفه كليا والوقت المتبقي ينام فيه بالكاد...اذن فربما يكون ضاق ذرعا بأسلوب حياته في الفترة الاخيرة واراد ان يجد له متنفس ولو قليلا بعيدا عن الجامعة ومشفاها العريق...
اقنع نفسه بهذه الفكرة وهدأ ذلك من روعه قليلا واخذ يتابع هاتفه باهتمام لعل أحدا آخر تكون لديه معلومة عن اخيه فيراسله ...
بعد نصف ساعة كاملة لم يقو علي الصمود لاكثر من ذلك ، قرر ان ينزل بنفسه ليبحث عن اخيه ... بدل ملابسه في عجلة والتقط مفتاح سيارته واتجه نحو باب الشقة ، لم يكد يقترب منه حتي سمع صوت كالون الباب يفتح في بطء ويطل عليه وجه اخيه الوسيم..وصوته المرهق يقول في مرح متظاهرا بالذهول:لا ، لا اصدق، اخيرا استيقظت من سباتك... لقد ظننتك صرت من اصحاب الكهف وستستيقظ بعد مائة عام او ما شابه.. صباح الخير بالليل يا اخي العزيز
كان متسع العينين فاغرا فاه كالابله وهو يتطلع الي كل شبر من جسد اخيه يتأكد انه ما زال سليما وحيا يرزق امامه
لاحظ يحيي حالته فاتجه اليه معقود الحاجبين وهو يلوح بكفه امام عينيه ويقول بصوت مرتفع قليلا: هيه.. ألم تستفق بعد ام انك تمشي نائما ام ماذا؟! ، اجفل حينما سحبه اخوه فجأة وضمه بقوة الي صدره وهو يتمتم بصوت متهدج: حمدا لله، لقد كاد قلبي يتوقف من القلق عليك… سكت قليلا يضم اليه اخيه اكثر ثم اضاف: عندما استيقظت ووجدت مكالماتك الفائتة واعدت الاتصال بك ولم تجب ثم بعد ذلك انغلق هاتفك تماما... كدت اجن واخذت تنهشني الظنون بشأنك وخشيت ان يكون اصابك مكروه، لماذا لم ترد وتطمئني عليك ها؟!
ربت يحيي علي ظهره في حنان قائلا: انا آسف يا اخي لما سببته لك ، لم يكن عن قصد صدقني ، ولكني شعرت بصحتي جيدة اليوم بعد انتهاء يومي في الجامعة فقررت الخروج مع بعض اصدقائي لتغييرالجو بعيدا عن الجامعة والمستشفي قليلا..اما بالنسبة لمكالماتي لك فأنا الذي كنت اريد ان اطمئن الي استيقاظك من النوم ولو قليلا حتي تأكل شيئا حتي لا يصيبك هبوط او اغماء ، فأنا جسدي يحملني بالكاد وليس في استطاعتي حملك اذا اصابك اغماء او تعب بسبب قلة طعامك.... رغم انك عبارة عن كومة من العظام تمشي علي الارض ..
ضحكا ضحكة قصيرة واتجها الي الاريكة الضخمة التي تتوسط ساحة المنزل وسأله ثانية: ولماذا لم ترد علي مكالمتي ثم اغلقت الهاتف بعد ذلك؟!
مدد يحيي ظهره في تعب علي الاريكة ووضع كفيه خلف رأسه يستند اليهما ورد في ارهاق: لم افعل... عندما اتصلت للمرة الاولي كنت انا في الخلاء ، وعندما خرجت كنت اهم بالرد عليك عندما اتصلت ثانية ولكن بطارية الهاتف كانت قد نفدت ، لم اهتم بالبحث عن شاحن لاني كنت علي وشك المغادرة بالفعل ، وبالفعل مسافة الطريق فقط وها انا امامك الآن بشحمي ولحمي..
-حسنا.. لا تفعلها ثانية ارجوك.. اخبرتك عن الهلع الذي اصابني ، زفر بقوة ثم اردف: اما انا بدوري فلا ادري ماذا افعل مع هذا الدواء الذي يجعلني انام كالميت، رغم ان ذلك يعجبني ولكني لا استطيع ان اساعدك اذا احتجت الي في هذه الحالة ، هل اخفض الجرعة مثلا ام ماذا؟.. ما رأيك؟
لا ، لا تفعل.. فميعادك عند الطبيب بعد عدة ايام بالفعل ، هو ادري بعمله ، سيري ان كان سيخفض لك جرعة الدواء ام لا ، اما انا فلا تقلق علي ، انا اشعر بتحسن كبير الحمد لله ، واشعر بجسدي بدأ يعتاد علي العلاج الجديد
قام وربت علي فخذ اخيه وقال بإرهاق: لقد كان يوما مرهقا بشكل غير عادي ... حمدا لله ان غدا عطلة ، يبدو اني سأنام كأصحاب الكهف مثلك..
ابتسم له اخوه وهو يملأ عينيه منه ، فلا يصدق حتي الآن ان اخاه امامه يحدثه ويمزح معه كعادته بعد الساعة العصيبة التي مرت عليه والتي كاد يجن فيها خوفا عليه
توقف يحيي في طريقه الي غرفته ونظر اليه واردف بلهجته المرحة: صحيح عليك ان تشكرني ، فقد جنيت لك ثروة لم تكن تحلم بكسبها من مقهاك المتواضع ذاك ، جعلت اصدقائي يطلبون قائمة الطعام والمشروبات كلها ، استغليتهم اسوأ استغلال من اجل سواد عيونك يا شقيقي.. عدّ الجمايل ها..
صدرت منه ضحكة طويلة لم يضحك مثلها منذ زمن وجاري اخيه في مزاحه فوضع يده علي صدره كأنه يحييه وقال: شكرا لك يا غالي.. نردها لك في الافراح ان شاء الله

تابع اخيه حتي اختفي عن ناظريه وتمدد علي الاريكة واضعا ساق فوق ساق والابتسامة ما زالت علي محياه ، لطالما نجح يحيي في رسم الابتسامة علي وجهه حتي في اصعب الاوقات ، بل هو الوحيد في العالم الذي يفعل هذا ، كم يحبه ، كم يشعر نحوه بمشاعر ابوية جارفة ، مشاعر لم يمهله القدر ليعيشها مع ابن له من صلبه، كم يود لو يفديه بروحه ويحمل هو هذا المرض اللعين بدلا عنه .. ولكن حمدا لله يبدو انه في طريقه للتماثل للشفاء قريبا بإذن الله

انتفض جالسا فجأة كمن اصابته صاعقة واكفهر وجهه وعقد حاجبيه الكثيفين بشدة حتي كادت عيناه ان تختفيا وكأن شيطانه اللعين يأبي عليه ان ينعم بلحظة صفاء او حتي ابتسامة واحدة ترتسم علي شفتيه خلسة ، واخذ يهمس ويحدث نفسه هو يلهث بشدة : لقد حسبت اني نسيت هذه الكلمات حقا ، منذ متي لم ترد هذه الكلمات علي لساني ؟! واخذ يتذكر دعائه و رجاءه منذ قليل و تذكر الكلمات التي ظن انها انمحت من قاموسه للابد .. يا رب ، الحمد لله ، بإذن الله...!


اخذ يهرول في شوارع قديمة بالية نتنة الرائحة يحيط بها السواد من كل اتجاه ، الا من ضوء قوي فضي مصدره القمر الشبه مكتمل الذي يلوح في السماء ويرسل آشعته الي الارض كشمس صغيرة اشرقت ليلا.. كان يسمع صوتها تستغيث به وتنادي باسمه في لوعة.. وهو يرد عليها بعلو صوته بأنه قادم من اجلها.. زاد من سرعته حتي صار يركض كفرس جامحة، وصل الي مفترق زقاقين وهو يلهث بشدة وحاول ان يستنتج من ايهما يخرج الصوت ، هيء اليه ان الصوت يخرج من الزقاق الايمن ، دخله وهو ينادي باسمها واخذ يبحث في البيوت والدكاكين الصغيرة التي تملأه ، شقت صرختها المدوية عنان السماء وانخلع لها قلبه واخذ في الصراخ هو الآخر وهو يردد بصوته المبحوح من اثر الانفعال: انا هنا ، انا قادم من اجلك يا حبيبتي.. ماذا يحدث معك بحق الجحيم؟!
عندما تأكد من عدم وجودها في هذا الزقاق خرج منه بأقصي سرعته و دخل الزقاق الآخر وهو يلهث ، رأي ضوء اصفر باهت للغاية صادر من بيت قديم متهالك في يسار الشارع الضيق ، تحفزت كل خلية في جسده تحسس موضع مسدسه الموضوع في غمده بجيب بنطاله الخلفي ولكنه تفاجأ بأنه غير موجود ، ابتلع دهشته بسرعة واخذ يبحث يمينا ويسارا عن اي اداة يتسلح بها في مواجهة المجهول المقبل عليه ، بعد ان نبش صندوق قمامة كان مقلوبا امام احد الدكاكين الصغيرة المنتشرة في المكان وجد زجاجة صغيرة من زجاجات المياه الغازية ، كسر مقدمتها في الحائط المتهالك امامه واصبح لها نصل زجاجي حاد يمكن ان يكون سلاح جيد الي جانب مهاراته القتالية ، سمع صوت همهمات مكتومة كلما اقترب من الضوء الخافت ، كان الباب مواربا يسمح بدخول جسده ، دخل بسهولة واخذ يدرس المكان بعينيه ويحاول ان يضع خطة للهروب بحبيبته ، كان بيت صغير متهالك من البيوت القديمة الموجودة في احدي الحواري الشعبية علي ما يبدو ، مضاء بقنديل بدائي اوشك زيته علي النفاد و كان يوجد نافذتين كبيرتين في الساحة الصغيرة التي يقف فيها ، لمح عصا غليظة مغطاة ببعض القش اسفل احد النافذتين ذهب والتقطها ثم مشي في ردهة صغيرة الي يمينه ووجد درج قصير ، صعد عليه بخفة وسمع اصوات هامسة لم يميز من كلامها شيئا ، اخفي الزجاجة المكسورة في جيب بنطاله الخلفي وتمسك بالعصا الغليظة بكلتا يديه وكأنه يستمد منها الامان ، كانت هناك غرفة في آخر الدرج مغلقة بباب خشبي قديم هي التي تصدر منها الهمهمات ، اقترب في حذر ونظر من خلال فتحة قفل الباب الواسعة التي تتوسط الباب ، كانت الاضاءة فيها خافتة للغاية تعتمد علي ضوء القمر المتسلل من خلال نافذة كبيرة وشمعة صغيرة علي ما يبدو تتراقص ظلال عدة رجال امام لهيبها ورآها… كانت جالسة ببطنها المنتفخ علي مقعد خشبي قديم ومكبلة اليدين والقدمين بسلاسل قوية اليه وشعرها المموج يتهدل علي وجهها المنكس فيخفيه عنه ، انفطر قلبه لرؤيتها بهذا الوضع ، كان قد رأي ثلاثة رجال اشداء وبحسبة بسيطة فهو خاسر امامهم لا محالة ولكن كل ما كان يأمله ان يستطيع تخليصها منهم وتهريبها قبل ان يفتكوا به... كان يهم بالهجوم عندما رأي رجلا نحيلا قصير القامة يتجه اليها ، رغم انه كان موليا ظهره اليه لا يدري لم تسلل اليه شعور بأنه يعرفه، جلس علي مقعد صغير امامها ثم اشعل سيجارة واخذ ينفخ دخانها امام وجهها في بطء ، راحت تختض بقوة ، كان يبدو انها تسعل ولكنه لا يسمع لها صوتا ، حتي رفعت رأسها المنكس ووجد فمها مغطي بشريط لاصق سميك ، غلت الدماء في عروقه لرؤيتها هكذا وهجم علي الغرفة بعد ان دفع الباب بقدمه وهو يطلق صرخة عالية عبرت عما يعتمل في اعماقه مصحوبة بسباب غاضب ، اشتبك مع الرجال الثلاثة بقوة بعصاه الغليظة فضرب الاول علي رأسه فترنح وتراجع قليلا وانقض عليه الآخران ضرب احدهما بالعصا في كتفه ودار علي عقبيه بسرعة وركل الاخر في بطنه فتقهقر للخلف ، ولكن كان الاثنان الاخران قد استعادا توازنهما فهجما عليه معا وكبله احدهما بجسده الضخم وانتزع الآخر منه العصا وهوي بها علي قدميه فخر علي ركبتيه متأوها ، حاول المقاومة والنهوض مجددا وتذكر الزجاجة المكسورة فأخرجها بسرعة وغرسها في فخذ احدهم اطلق علي اثرها صرخة متألمة ولكن لكمة قوية باغتته وفجرت دماء غزيرة من انفه اوقعته علي الارض ثانية ثم توالت الركلات عليه من كل اتجاه بعد ان انضم الثالث اليهما ، ضم ركبتيه الي صدره واخذ يتأوه ويتمتم بصوت خفيض : من انتم؟ وماذا تريدون منا؟
زمجر احد الرجال واتجه الي الرجل النحيل يخبره بما قال ، رد الرجل النحيل في هدوء وبصوته العميق الذي بدا مألوفا ايضا بشكل غريب وهو ما زال ينفث دخان سيجارته : نحن لنا ثأر عندك ونريد اخذه منك ومن حلوتك هذه ، قال جملته ثم امسك كف يدها المكبل الي المقعد امامه وغرس سيجارته المشتعلة في باطنه ، جحظت عيناها في الم وانهمرت منها الدموع بغزارة وصوت صراخ مكتوم صادر من فمها المكمم ، انتفض من مكانه وهب من رقدته في اتجاهها وهو يصرخ: اتركها يا حقير ، اقسم اني سأقطعك إربا اتركهااا ، تحرك الرجال الثلاثة و شلوا حركته تماما فأصبح متدليا تلمس قدماه الارض بالكاد ومستند بثقل جسده كله علي ساعدي الرجلين الممسكين به اما الثالث الذي طعنه في فخذه فكال له عدة لكمات في معدته ، افرغ اثرها ما في جوفه مختلطا بالدم الذي ينزف من انفه وفمه ، سقط بركبتيه علي الارض وهو يتمتم بوهن: فقط اتركها ، ارجوك ، ان كان لك ثأر فخذه مني انا ، اتركها واقتلني حتي ان شئت
قهقه الرجل النحيل عاليا وقال من بين ضحكاته: اقتلك؟ ، يا لسذاجتك ، الموت رحمة لامثالك ، انا سأجعلك تتمني الموت في كل لحظة ولن تناله ، اما بالنسبة لزوجتك الجميلة هذه فسأتركها لك لا تخاف ، ثم قسا صوته واردف بوحشية: ولكن جثة هامدة
انتفض قلبه بين ضلوعه وانهمرت دموعه من عينيه كشلال جارف واخذ يردد في ذل: لاا ارجوك ، اتوسل اليك اتركها وشأنها ، انا حتي لا ادري ماذا اقترفت انا وما الثأر الذي بيني وبينك ، ارجوك دعها تذهب ، اتوسل اليك..
اخذ يعتصر ذاكرته محاولا تذكر اي شيء عن هذا الرجل الغامض ، هو لم تكن له يوما اي خصومة او عداوة مع احد ، اذن فأي ثأر بينه وبين هذا المجنون ! ولماذا تبدو له هيئته وصوته مألوفين رغم انه ما زال موليا اياه ظهره ! ... عندما عجز عن تذكر اي شيء ، كرر توسلاته في الحاح ،
لم يبد علي الرجل النحيل انه استمع لاي من توسلاته ، بل علي العكس قام بتمرير يده علي بطن المرأة المنتفخ صعودا وهبوطا ثم قال بصوت مخيف: هل عرفتما نوع الجنين بعد ام لا؟! واشار بيده الي احد رجاله فجاءه بسكين كبير اخذ يمرر نصله الحاد علي الارضية مصدرا صوت تقشعر منه الابدان حتي وصل اليه ، اشهر السكين في وجه المرأة التي اتسعت عيناها عن آخرها وهي ترج المقعد رجا وتهز رأسها في هيستيريا مصدرة همهمات مكتومة
تحجر الدمع في عينيه وفغر فاه في بلاهة وهو يري ما يحدث ، خرج صوته مبحوحا بعد ان جف حلقه تماما : ماذا تفعل يا مجنون ؟!
رد عليه في بساطة: سنري ما هو نوع الجنين؟ الستما ترغبا في ذلك؟!
وضع نصل السكين الحاد علي اسفل بطن المرأة واخذ بشق بطنها عرضيا ، تزامن ذلك مع اشارته لاحد رجاله بنزع الشريط اللاصق من علي فمها ، صرخت المسكينة صرخة اهتزت لها جدران البيت المتهالكة ، توالت صرخاتها واستغاثاتها متزامنة مع استمراره في شق بطنها حتي اذا ما انتهي قام بإبعاد طرفي بطنها المنشق في قسوة توقفت معها صرخاتها تماما وتدلي وجهها علي صدرها لم تقو علي مواصلة هذا العذاب فاسلمت روحها الي بارئها ، اما هو ففقد النطق تماما وظل فمه مفتوحا متصلبا كمن اصابه الشلل ، ولكن دموعه لم تتوقف عن الانهمار كالسيل الجارف هو يري الرجل يخرج طفله من رحم زوجته الميتة من بين انهار الدم المتدفقة منها ، شقت صرخات الرضيع سكون المكان وكأنه يأبي الا ان يكمل صراخ امه المسكينة ،كان طفلا مكتملا لا يوجد به نقص، امسكه بوضع مقلوب فكانت قدميه الصغيرتين الي اعلي ورأسه متدلية الي الاسفل وما زال الحبل السري موصولا بينه وبين المشيمة ، قهقه الرجل قائلا : مبرووك ، إنه ذكر ، سكت قليلا ثم اردف في صوت قاس : ولكن لسوء حظه انه ابن لحقير مثلك ، تطلع في وجه الصغير الباكي لعدة ثوان ثم اعتدل لينظر اليه لاول مرة ولكن الظلام اخفي عنه ملامحه ثم قال بصوت يقطر مقتا: اتدري انه يشبهك تماما؟ ، نفس ملامحك البغيضة التي تصيبني بالغثيان ، مط شفتيه وهو ينظر للصغير ثانية واردف: وهذا سبب آخر يعفيني من الندم عما سأفعله به ، قطع الحبل السري في قسوة و مشي به عدة خطوات وهو مازال ممسكا به بتلك الوضعية المقلوبة حتي اذا وصل امام الحائط ، نظر اليه وقال بشماتة: مسكين ، كل عمره في الدنيا عدة دقائق معدودة ، مط شفتيه مجددا وقال متصنعا الاسف وهو ينظر للصغير: ولكن هذا افضل لك صدقني ، هناك ، واشار بإصبعه للسماء عبر النافذة، افضل لك من العيش مع طاغية مثل ابيك ، سأرسلك فورا الي حضن امك يا صغير
قالها واخذ بضرب رأس الصغير بالحائط بقوة عدة مرات حتي تهشمت رأس الصغير تماما وخرس صوته للابد تقدم منه في خطوات بطيئة ، والقي الصغير امامه بإهمال وقال : الآن اخذت بثأري
اما هو فما زال متصلب الفك مفتوح الفم فاقدا للنطق ، اما الدموع فقد تحجرت في عينيه تماما ، نظر لجثة ابنه الملقاة امامه ، لم يستطع اطالة النظرواشاح بوجهه بعيدا وهو يهز رأسه في عنف بتأوه رافض ، مستحيل ، مستحيل ما يحدث له ، لابد انه يحلم ، وكأن الرجل النحيل قرأ افكاره ، اقترب منه وقرفص امامه وضحك بغل ملء شدقيه قائلا : تظن انك تحلم؟! لا يمكنك تخيل بشاعة ما تمر به ؟! ثم توحشت ملامحه واردف بقسوة: انا واسرتي مررنا بما هو ابشع بسببك ،
عاد اليه شعوره بصوته الذي بدا له مألوفا ، واحساسه بأنه يعرف هذا الرجل جيدا ، رفع رأسه ببطء ينظر الي وجهه الذي يتراقص عليه لهيب الشمعة اليتيمة التي تضيء الغرفة فبدا وجهه مخيفا كشيطان خرج من الجحيم لتوه، سقط قلبه بين قدميه وتحطم بعنف عندما تعرف علي تينك العينين العميقتين و ذاك الوجه الذي رآه لآخر مرة منذ سنين طويلة..وجه مصطفي .. مصطفي العربي !


اسما زايد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-01-24, 12:48 PM   #3

أسينات طالب
 
الصورة الرمزية أسينات طالب

? العضوٌ??? » 516093
?  التسِجيلٌ » Dec 2023
? مشَارَ?اتْي » 13
?  نُقآطِيْ » أسينات طالب is on a distinguished road
افتراضي

و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مرحباً بكِ يا أسماء
كانت بداية الرِّواية موفقة للغاية
أحببت طريقة سردكِ للأحداث، وعنوان الرواية لفت إنتباهِي (قصاص وخلاص) ما هذا العنوان المثير يا رباه !
من المؤسف ما أصاب يحيي...إنَّ مرضه لا أتمناه لأعدائي
أرجوا أن يشفى كل مرضى السَّرطان في العالم
أما الأخ البِكر... مصطفى... ما حكايته يا ترى... ما الذي فعله حتى يستحق رؤية ذلك المشهد المروع...لو كنت مكانه لفقدت عقلي وأنا أرى زوجتي ورضيعي يقتلان بتلك الطريقة الوحشية !
في انتظار تتمة الحكاية
وفقك الله وأعانكِ .


أسينات طالب غير متواجد حالياً  
التوقيع
كما قال أحدهم:
طيرٌ أنا والجرحُ تحت جناحِه
من يقنعُ الأشعارَ ألاَّ تنكأهُ
رد مع اقتباس
قديم 03-01-24, 07:02 PM   #4

اسما زايد
 
الصورة الرمزية اسما زايد

? العضوٌ??? » 516085
?  التسِجيلٌ » Dec 2023
? مشَارَ?اتْي » 95
?  نُقآطِيْ » اسما زايد is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسينات طالب مشاهدة المشاركة
و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مرحباً بكِ يا أسماء
كانت بداية الرِّواية موفقة للغاية
أحببت طريقة سردكِ للأحداث، وعنوان الرواية لفت إنتباهِي (قصاص وخلاص) ما هذا العنوان المثير يا رباه !
من المؤسف ما أصاب يحيي...إنَّ مرضه لا أتمناه لأعدائي
أرجوا أن يشفى كل مرضى السَّرطان في العالم
أما الأخ البِكر... مصطفى... ما حكايته يا ترى... ما الذي فعله حتى يستحق رؤية ذلك المشهد المروع...لو كنت مكانه لفقدت عقلي وأنا أرى زوجتي ورضيعي يقتلان بتلك الطريقة الوحشية !
في انتظار تتمة الحكاية
وفقك الله وأعانكِ .

حبيبتي تشرفت بمرورك وأسعدني تعليقك واعجابك بالفصل????
اتمني الفصول القادمة تكون عند حسن ظنك❤️????

shezo, Gogo 2002 and جولتا like this.

اسما زايد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-01-24, 01:05 AM   #5

اسما زايد
 
الصورة الرمزية اسما زايد

? العضوٌ??? » 516085
?  التسِجيلٌ » Dec 2023
? مشَارَ?اتْي » 95
?  نُقآطِيْ » اسما زايد is on a distinguished road
افتراضي

https://imgur.com/a/Q3rXZJz
shezo, Gogo 2002 and جولتا like this.

اسما زايد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-01-24, 01:38 AM   #6

اسما زايد
 
الصورة الرمزية اسما زايد

? العضوٌ??? » 516085
?  التسِجيلٌ » Dec 2023
? مشَارَ?اتْي » 95
?  نُقآطِيْ » اسما زايد is on a distinguished road
افتراضي

*اقتباس من الفصل الثاني*

لصق فوهة المسدس برأسه في قوة ،وصلت ضربات قلبه لأقصي حد ، اغمض عينيه في قوة وحاول التحكم في رغبة ألحّت عليه بالبكاء ، البكاء؟ والآن؟ هذا ليس وقت البكاء ايها الاحمق الم تكتفي من بحور الدموع التي ذرفتها سابقا؟الم تكتفي من شقائك وبؤسك ؟ علام تبكي ايها الغبي وانت موشك علي الخلاص؟ هيا كن رجلا لمرة واحدة وافعلها، فجأة برزت في ذهنه صورتها وهي تنظر اليه وتبتسم له ابتسامتها الشقية ، وتشير بإصبعها له، ابتسم لها ابتسامة صغيرة مرتعشة وايقن في هذه اللحظة ان هذه هي النهاية ايقن ان عقله لن يوقفه هذه المرة بل علي العكس هو يخدعه ويصور له حبيبته وهي في انتظاره ، كيف تكون في انتظاره وهو يعلم انها في الجنة بينما هو ذاهب الي الجحيم؟ كان مدركا لكل ذلك ولكنه استسلم تماما ، اتجه اصبعه الي الزناد ودموعه هطلت في غزارة كينبوع من الماء ضغط عليه فانفجر فجأة من الارض، تذكر الشهادتين وازداد انهمار دموعه وهو يرددهما في عقله ، حاول ان ينطق بهما لسانه ولكنه ما استطاع قط ، سخرمن نفسه وردد داخل عقله في مرارة بم ستفيدك الشهادتان الآن ، هل تظنهما سيشفعان لك ؟ ليس هناك رجاء منك ، ما زلت احمق واهم حتي وانت علي وشك الموت..


اسما زايد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-01-24, 02:07 AM   #7

اسما زايد
 
الصورة الرمزية اسما زايد

? العضوٌ??? » 516085
?  التسِجيلٌ » Dec 2023
? مشَارَ?اتْي » 95
?  نُقآطِيْ » اسما زايد is on a distinguished road
افتراضي

في حد هنا مستني الفصل الثاني؟؟

اللي منتظره يثبت حضوره فضلا عشان تشجعووني????


اسما زايد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-01-24, 07:54 AM   #8

اسما زايد
 
الصورة الرمزية اسما زايد

? العضوٌ??? » 516085
?  التسِجيلٌ » Dec 2023
? مشَارَ?اتْي » 95
?  نُقآطِيْ » اسما زايد is on a distinguished road
افتراضي الفصل الثاني

2-
- نقطة رجوع -
خرج من جنته سريعا كما دخلها بسرعة ، اكانت جنته المزعومة تلك عمرها اسبوعين فقط ؟
فأي جنة تلك التي لا خلود فيها ! لم تكن جنة اذا ، كانت وهما ، كانت مسكنات لحظية فقط تخرجه من جحيمه الخاص ، جحيمه الذي يأبي تركه حتي يموت ويذهب الي الجحيم الحقيقي !
لم يعد كالسابق قط بل صار اسوأ من ذي قبل ، يأبي الحلم اللعين ان يغادر رأسه ، الكابوس الذي اعتبره الابشع من بين كل الكوابيس التي رآها، ما زالت تتراءي له جثة صغيره ورأسه المهشمة في كل لحظة منذ تلك الليلة المشئومة التي قرر فيها الخروج من جنته ، امتنع عن تناول العقاقير المنومة التي وصفها له الطبيب ، لم يستمع لنصيحة اخيه ولم يذهب للطبيب ثانية، وشعور بتقصيره تجاه اخيه يجثم علي صدره بقوة لأنه لم يعد في استطاعته الاهتمام به كالسابق ، بل حتي كان لا يراه احيانا بسبب نومه طيلة النهار والليل ، كان يحيي هو الذي يأتيه بالطعام علي سريره ويوقظه ويصر عليه ان يأكل بعد رجوعه من الجامعة ، يحيي المريض بالسرطان هو الذي يهتم به ، انعكست الادوار اذن وما كان ينبغي لها ان تنعكس ، تعب يحيي بشدة واصابته حمي شديدة مساء يوم وكان هو نائما كالمعتاد ، لم يوقظه يحيي ولم يخبره بشيء ولكنه اتصل بصديقه كريم الذي جاءه وذهب به الي المشفي وقضي فيها اربعة ايام كاملة ، وعندما استفاق هو وجد رسالة من يحيي يخبره فيها بما حدث ويخبره بألا يقلق فوضعه مطمئن هو فقط ( دور انفلونزا بسيط) ولكن مناعته الضعيفة لم تسعفه فسيحتاج للبقاء بالمشفي عدة ايام حتي يستعيد صحته ، لم يغفر لنفسه قط ما حدث ، ذهب الي اخيه المشفي وانهار عند قدميه وبكي كثيرا واخذ يطالب اخوه من بين نشيجه بمسامحته بسبب تقصيره واهماله ، لانه لم يكن هناك حين احتاج اليه ، كان غارقا في جنته التي سكنها بعد معاناة طويلة…
اي فائدة له اذن اذا لم يكن رهن اشارة يحيي اذا اشار اليه ، اي اخ هو اذا لم يكن عونا لأخيه المريض بمرض خبيث ، عندها اتخذ قراره ، سيخرج من جنته بلا رجعة ، سيعود لجحيمه مرة اخري بنفس راضية ، المهم ان يكون بجانب اخيه يرعاه ويهتم به حتي يشفي تماما ، وبعدها سيري ان كان مقدر له ان يدخل جنته الوهمية تلك مرة اخري ام انه مقدر له العيش في الجحيم دنيا وآخرة !
من حسن حظه وقتها او من سوء حظه ربما ان يحيي كان قد تحسن كثيرا وانخفضت درجة حرارته وطمأنه الطبيب بأن وجوده في المشفي ضروري فقط لملاحظته واعطاؤه العلاج في ميعاده ولكن حالته الصحية جيدة ، ليلتها اخبره يحيي بأن لا حاجة لوجوده معه في المشفي واقسم عليه ان يذهب ليبيت في المنزل ويأتي له في الصباح الباكر ببعض حاجياته، وقد فعل…
أتي اليه باكرا بالفعل ولكنه اتي بغير الوجه الذي ذهب به ، كان شاحبا كالموتي بعد ليلة قضاها ينتحب ومشهدا زوجته ببطنها المشقوق تنساب منها انهار الدم وابنه برأسه المهشم لا يفارقانه ، كانت هذه هي الليلة المشئومة التي عاد فيها الي جحيمه وزارته فيها الكوابيس ثانية وكأنها علمت بأنه يبيت وحيدا فانفردت به ، عاد الي منبهاته وقهوته من جديد وعادت اليه هالاته السوداء القبيحة المحيطة بعينيه وفقد الوزن القليل الذي اكتسبه يوم كان يحيا في جنته ، وكأنه ما دخلها قط ولا عاش فيها يوما ، صار حريصا علي يحيي بشكل اكبر من ذي قبل ، كان يوصله الي جامعته بنفسه صباحا ويذهب الي مقهاه وعندما ينتهي يحيي يتصل عليه ليقله الي المنزل ، او احيانا كان يطلب منه الرجوع عن طريق احدي سيارات الشركات الخاصة التي تطلب عن طريق الانترنت من خلال تطبيق يتم تثبيته علي الهاتف المحمول، او حتي عن طريق احدي سيارات الاجرة ، لم يسمح له بقيادة السيارة بعد ان بدأ يظهر عليه الارهاق والتعب من اقل مجهود كما كان في ايام مرضه الاولي ، خاصة وان المسافة كبيرة بين جامعته والمنزل ، حتي انه شك ان الخلايا السرطانية زادت مرة اخري في دمه ، ولكن التحاليل التي طلبها طبيب الاورام الذي يتابع حالته بيّنت ان حالته جيدة ، وطلب منه الاستمرار في الاقراص التي يتناولها حتي موعد التحاليل الدورية التالية ، ولكنه اكد عليه بعدم ارهاق نفسه او بذل مجهود كبير والاهتمام بالتغذية الجيدة والاكل الصحي.
صدح صوت فيروز يشدو من الحاسوب المحمول خاصته بعد ان قام بتشغيل قائمة الاغاني التي يستمع اليها يوميا في شرود وكلها اغاني لفيروز صوتها يثير في نفسه مشاعر كثيرة، يشعره بأن جزءا صغيرا منه ما زال حيا يتنفس ، يعود به الي جزء من نفسه القديمة ، حالة من الحنين تنتابه كلما استمع اليها ، حنين الي طفولته ومراهقته ، والي امه ، كانت فيروز رفيقة مشواره منذ بدأ حب الموسيقي والغناء يتسلل الي قلبه ، وزاد حبه لها عندما سمع اغانيها من بين شفتيها هي (فيروزته) ، كانت تعشق فيروز مثله ، وكان صوتها جميلا حنونا مثلها ، كم يفتقدها ، يحن الي كل ما فيها ، عينيها العسليتين الواسعتين ، وشعرها الكستنائي المموج القصير ، وضحكاتها المرحة ، وغمازتيها الرائعتين اللتان تزينان وجنتيها عندما تضحك، يفتقد نعومتها ودفء جسدها ، يفتقد كل لحظة بالقرب منها، يا له من منحوس ، لابد انه ملعون حتي يفقدها ويفقد كل معني لحياته بعدها ، كان يعلم منذ رآها ووقع حبها في قلبه انه لا يستحقها ، فكيف لملاك ان يعيش مع شيطان؟! لم يكن يحق له ان يتزوجها ، كان عليه ان يكتفي بحبها من بعيد ، كان عليه ان يدعس قلبه تحت قدميه حتي لا يقترب منها ويؤذيها ، فهو كالنار تحرق كل من يقترب اليها ، يا ليته فعل، فلو فعل لكان الآن ينعم برؤية طلتها البهية ويطرب بسماع صوتها العذب ، يا ليته اكتفي منها بمجرد صداقة او زمالة عابرة او حتي معرفة سطحية ، لكنه كان انانيا لم يرض بالفتات منها ارادها له كاملة ، وعندما اصبحت له حلت عليها لعنته وأردتها صريعة..
هجمت عليه افكاره السوداء واخذت تنهشه وتجلده بلا رحمة وتذكر هيئتها التي ينفطر لها قلبه كلما تذكرها في ذاك الكابوس اللعين وهي مشقوقة البطن تنهمر منها الدماء كسيل جارف ، تذكر صرخاتها واستغاثاتها به ، وتذكر ولده الرضيع المهشم الرأس ، وضع كفيه علي جانبي رأسه واخذ يضرب رأسه بهما بقوة و هو يردد: كفي كفي ، وكأنه يريد انتزاع تلك المشاهد من عقله انتزاعا ، ولكن هيهات يعلم بأنه لن يفعل، يعلم بأنه سيظل يتعذب ما بقي له من عمره ، يعلم انه سيظل يحصد ثمار ما جناه سابقا
اجهش بالبكاء بشدة ودفن وجهه بين كفيه علي سطح مكتبه الصغير، وفجأة نبتت في رأسه تلك الفكرة الشيطانية التي سبق وان راودته كثيرا..ولكنه كان اجبن من ان ينفذها ، كلما اقدم علي تنفيذها لم يستطع ، يتملكه خوف مبهم يوقفه في لحظتها ، لم الخوف ؟ اليس هذا الذي تريده؟الست تريد التخلص من عذاباتك ؟ الا تقول دوما بأنه لا معني لحياتك وانك تعيش كالبهيمة تأكل وتشرب وتقضي حاجتك فقط؟ حتي النوم حرمت منه، حتي البهيمة تنام وتتنعم وانت لا؟ لماذا تتمسك بحياتك البائسة حتي الآن؟ فلتتخلص منها اذن.. ام انك تخشي مما ينتظرك بعد الموت؟ مم تخاف ؟ تبا لك ولجبنك، الم تقتل هذا الامر تفكيرا؟ الم تفهم بعد انه لا توبة لك ؟ انت ذاهب الي الجحيم لا محالة؟ فلم التأجيل اذا ؟ وقوع البلاء افضل من انتظاره كما يقال
اجتمع عليه في تلك اللحظة شيطانه اللعين ونفسه المعذبة الكارهة له والتي لا تكف عن جلده، ولاول مرة يطاوعهما عقله ، عقله الذي كان يمنعه وينبهه سابقا ويعطيه امل زائف بأنه ربما هناك حل ، ربما يحدث شيء يغير من حياته البائسة ، يذكره بأن جحيم الدنيا لا يقارن بجحيم الآخرة ، وفي كل مرة كان ينتابه خوف كبير عند تلك الخاطرة يوقفه فورا ، لماذا الآن لا يخاف اذن ، لماذا لا يتوقف؟
يبدو ان عقله يأس منه هو الآخر ، اوربما هو شيء خارج عن ارادته ، فمنذ توقف عن تناول تلك الاقراص يشعر بأنه غير متزن، عقله ليس في حالته الطبيعية، ربما بسبب انقطاع تلك المواد الموجودة في العقاقير التي اعتاد علي تناولها مؤخرا عنه، ربما هو شيء اشبه بأعراض الانسحاب التي يعاني منها مدمني المواد المخدرة بعد انقطاعهم عنها ، لا يدري ولكن لم يوقفه عقله هذه المرة ولم تردعه فكرة الجحيم الذي يظن انه ذاهب اليه لا محالة، كان ينشد الخلاص من معاناته بأي طريقة
مسح دموعه بقوة وهب واقفا بسرعة كأنه يخشي التراجع عن قراره ككل مرة ، اتجه الي دولاب خشبي صغير في زاوية الغرفة يحتفظ فيه ببعض اغراضه ، فتحه بسرعة فكشف عن خزنة رقمية صغيرة، ضغط عدة ازرار فأصدرت ازيزا خافتا للغاية وانفتحت مد يده داخلها وابعد بعض رُزم النقود جانبا والتقطه ، كان داخل حقيبة جلدية صغيرة ، اخرج المسدس بيد مرتعشة ونظر اليه برهبة وكأنه لاول مرة يمسك بمسدس ، ازدادت ضربات قلبه وشعر بحبات العرق تتكون علي جبينه، توتر وتردد للحظة واحدة فقط ، في اللحظة التالية مسح قطرات العرق من علي جبينه بعنف ، وفكك خزانة المسدس الفارغة بأيدي خبيرة ووضع اخري مليئة بالرصاص اخرج قطعة كاتم الصوت من الحقيبة الجلدية وركبها في المسدس ، لصق فوهة المسدس برأسه في قوة ،وصلت ضربات قلبه لأقصي حد ، اغمض عينيه في قوة وحاول التحكم في رغبة ألحّت عليه بالبكاء ، البكاء؟ والآن؟ هذا ليس وقت البكاء ايها الاحمق الم تكتفِ من بحور الدموع التي ذرفتها سابقا؟الم تكتفِ من شقائك وبؤسك ؟ علام تبكي ايها الغبي وانت موشك علي الخلاص؟ هيا كن رجلا لمرة واحدة وافعلها..
فجأة برزت في ذهنه صورتها وهي تنظر اليه وتبتسم له ابتسامتها الشقية ، وتشير بإصبعها له، ابتسم لها ابتسامة صغيرة مرتعشة وايقن في هذه اللحظة ان هذه هي النهاية..ايقن ان عقله لن يوقفه هذه المرة بل علي العكس هو يخدعه ويصور له حبيبته وهي في انتظاره ، كيف تكون في انتظاره وهو يعلم انها في الجنة بينما هو ذاهب الي الجحيم؟ كان مدركا لكل ذلك ولكنه استسلم تماما ، اتجه اصبعه الي الزناد ودموعه هطلت في غزارة كينبوع من الماء ضغط عليه فانفجر فجأة من الارض، تذكر الشهادتين وازداد انهمار دموعه وهو يرددهما في عقله ، حاول ان ينطق بهما لسانه ولكنه ما استطاع قط ، سخر من نفسه وردد داخل عقله في مرارة بم ستفيدك الشهادتان الآن ، هل تظنهما سيشفعان لك ؟ ليس هناك رجاء منك ، ما زلت احمق واهم حتي وانت علي وشك الموت
كانت سبابته المرتعشة بالفعل بدأت في الضغط علي الزناد عندما صدح صوت هاتفه المحمول عاليا في نفس اللحظة ، اجفل وانتفض في عنف وارتد للخلف واصطدم بالدولاب الخشبي بقوة حتي كاد كلاهما أن يسقطان ارضا واتسعت عيناه في رعب وقلبه كاد يحطم صدره من عنف ضرباته ، للحظة ظن انه فعلها وضغط علي الزناد، خيل اليه انه انتقل الي عالم البرزخ اخذ يتلفت يمنة ويسرة في فزع ، يبحث عن الملكين اللذين سيسألانه ، ولما لم يجدهما ظن انه ربما انتقل مباشرة الي ارض المحشر يتخيل ملائكة غلاظ شداد يهرعون اليه ليجروه جرا الي النار…علا صوت الجوال مرة اخري ، فانتفض ثانية والقي بمسدسه علي الارض ، اخد ينظر اليه في بلاهة وهو ما زال مرتعبا متسع العينين ، القي بنفسه علي الارض وهو يلهث بشدة ، بدأ في الاستيعاب شيئا فشيئا ، هو ما زال حيا اذن، فشلت المحاولة التي لا يدري كم عددها في الانتحار ، انتابه نفس الشعور بالاحباط المشوب بقليل من الفرح كما المرات السابقة ، وطالما تعجب من هذه الفرحة ، ليست لها تفسير ابدا بالنسبة له ، أيفرح لأنه سيعود لعذاباته وحياته البائسة ؟ ام يفرح لتأخر وروده علي الجحيم لبضعة اشهر او ربما سنين اخري؟ كان بعد كل فشل في محاولاته للانتحار ترهقه هذه التساؤلات وتؤنبه نفسه علي الفشل ، ولكنه توصل في نهاية الامر الي سبب هذا الاحساس الضئيل بالفرح كلما اخفق في قتل نفسه.. انها غريزة البقاء بداخله هي التي تفرح ، ما زالت هذه الغريزة تربط بينه وبين الحياة بشكل او بآخر.
بدأت انفاسه تنتظم و بدأ وعيه يعود اليه ، نظر الي هاتفه المضيء علي مكتبه والذي توقف عن الرنين منذ ثوانٍ قليلة ، نبهه عقله بغتة الي ان تلك النغمة التي رنت منذ قليل هي النغمة التي يخصصها لأخيه ، يحيي ، هب واقفا من جلسته واتجه الي مكتبه بسرعة والتقط هاتفه ووجد مكالمتين فائتتين من اخيه ، لقد نسي يحيي في غمرة كرهه لنفسه ورغبته في قتلها ، نسي اخيه المريض الذي يحتاج اليه ، نسي ابنه الذي رباه وكبر علي يديه ، اي اب واي اخ عاق واي اناني هو، لم يخطر بباله ولو للحظة وهو موشك علي قتل نفسه، ، الهذه الدرجة كان مغيبا؟
أوصَل به الحال الي ان ينسي جزء من روحه ما زال حيا ويتركه وحيدا مريضا ويذهب؟ اضاف هذا الامر الي قائمته الطويلة من الاشياء التي لن يسامح نفسه عليها قط ، تحسس بإبهامه اسم اخيه علي شاشة المحمول كأنه يعتذر له عن خطأه الشنيع في حقه و هو يكتم شهقاته التي خرجت رغما عنه بيده الاخري ودموعه التي تأبي الانحسار في هذا اليوم العصيب، تمالك نفسه قليلا وضغط علي زر الاتصال بأخيه ، رد عليه يحيي في الحال بصوته المجهد المشوب بنبرة كآبة مؤخرا : كيف حالك اخي؟ اتصلت لأخبرك بأني قادم الي المنزل الآن ، سيوصلني كريم في طريقه ، هل تريد شيئا آتيك به؟
كتم تأثره ومشاعره المعذبة في تلك اللحظة ورد عليه في خفوت: اريد سلامتك يا يحيي ، سأله يحيي : هل انت بخير ، صوتك ليس علي ما يرام؟ اخبرني اخي ، زم شفتيه مقاوما دمعة حارة تريد الفرار من عينه ، احساس اخوه به وحنانه عليه يذيبان قلبه حبا له ، كيف سولت له نفسه بأن يتركه وحيدا ، لن يفعلها ثانية ، هكذا عاهد نفسه سيظل يصارع في هذه الحياة ما دام هناك يحيي ، سيتمسك بما تبقي من إنسانيته ما دام يحيي يرويها حبا ويزهر في نفسه الكئيبة ورودا تشعره بأنه ما زال ذي قيمة عند احد ، أجلي صوته ورد في هدوء يخالف مشاعره الثائرة : انا بخير يا حبيبي ما دمت انت بخير، مرهق قليلا فقط ،انا بعد قليل سأعود الي المنزل سأكون في استقبالك حتي نتناول الغداء سويا، لقد اوصيت الشيف زكريا بنفسه ليعد لنا وجبة صحية وشهية بنفس الوقت ، رد عليه يحيي بعد ان زفر في ارهاق : حسنا يا غالي ، اراك بعد قليل بإذن الله

طاهر باشا”
.. كان لا زال في جلسته علي كرسي مكتبه الصغير ممددا ساقيه علي المكتب امامه شاردا متجمدا ينظر امامه الي اللاشيء كأنه تمثال من الشمع ، يشعر براحة عزيزة قلما يشعر بها بعد ان افرغ كل انفعالاته دفعة واحدة ، يسمع الطرق علي الباب ويسمع سامي ينادي اسمه ولكنه لم يقو علي الرد كان مستنزفا بشدة يشعر بأن حتي الكلام صار عبئا ثقيلا عليه ، علا صوت سامي وعلا صوت طرقاته علي الباب وهو يكرر بإلحاح : طاهر باشا ، أأنت بخير ، لقد سمعت صوت جلبة بغرفتك منذ قليل ولكني كنت مشغولا قليلا لم استطع ان آتي اليك في الحال ، فقط اريد الاطمئنان عليك
بعد ان شعر انه لن يتوقف وسيحدث جلبة ليس لها داعي ، اجلي صوته ورد بأقصي ما استطاع ان يسعفه به صوته ومع ذلك كان ضعيفا مسموعا بالكاد : انا بخير يا سامي، هل تريد شيئا ؟
رد بسرعة : لا يا باشا اريد سلامتك ، تردد قليلا ثم اردف متلعثما: هناك فقط شيء.. اا.. عم سعيد عامل النظافة يوشك علي المغادرة ويقول بأن اليوم هو موعد قبضه الاسبوعي.. فا.. ان لم تكن سعادتك بقادر علي الخروج حاليا سأحاسبه انا ثم نتحاسب سويا فيما بعد
رد عليه بنفس الصوت المسموع بالكاد: حسنا حاسبه انت الآن ، قال سامي بلهجته الجنوبية المحببة: امرك يا باشا ، ثم سكت لحظة واردف بقلق : انا بصراحة قلق عليك بشدة يا باشا ، صوتك يبدو عليه التعب ، هل احضر لك طبيبا لربما تكون مصابا بانخفاض في ضغط الدم او ما شابه ، فأنت لم تتناول اي طعام منذ الصباح؟
لاحت شبه ابتسامة حزينة علي زاوية فمه لم تستغرق الا ثوانٍ معدودة ولمعت عيناه بشجن وتأثر من اهتمام ذلك الشاب الجنوبي البسيط وقلقه عليه ، هناك اثنان يهمهم امره في هذه الحياة اذن ، يحيي وسامي ، يا له من محظوظ بهذا الكم المهول من البشر الذين يحبونه !
مال بجذعه الي الامام قليلا والتقط كوب الماء الموضوع امامه علي المكتب وارتشف منه عدة رشفات يبتلع بها مرارته ، واجلي صوته ثانية وقال بصوت حاول ان يبث فيه اكبر قدر من القوة يقدر عليه حتي يتخلص من سامي الذي برغم حبه له ومميزاته الشخصية العديدة الا انه لا يكف عن الثرثرة : انا بخير يا سامي صدقني ، كنت غافيا قليلا فقط ، اعطني بعض الوقت لاستفيق وسأخرج اليك ، اذهب انت الآن
ردد سامي ثانية: امرك يا طاهر باشا.. هل احضر لك قدحا من القهوة يساعدك علي الاستفاقة؟
هز طاهر رأسه يمينا ويسارا بيأس ورد عليه بشيء من الحدة وقد نفد صبره: شكرا يا سامي ، عندما احتاج سأطلب منك
بدا ان سامي لم ينتهِ بعد وكان علي وشك قول شيء آخر الا ان صوتا يناديه جعله يقول بسرعة : سأذهب انا لأري من يناديني يا باشا وسآتيك بعد قليل
تنفس الصعداء وشكر بداخله ذاك الشخص الذي نادي علي سامي ليخلصه من ذلك الاستجواب الفضولي الذي بدا بلا نهاية ، شعر بالضيق من نفسه قليلا لأنه احتد عليه ، الم يكن منذ دقائق فقط ممتنا ان هناك احد آخر علي سطح هذا الكوكب يهتم بشأنه ؟ لِم احتد عليه اذن وهو يعلم ان ثرثرته تلك كانت حبا له وخوفا عليه ؟ ام لأنه بسيط الحال ويعمل عنده يعامله هكذا ؟ توالت علي عقله مشاهد كثيرة من ماضيه لاشخاص بسطاء مثل سامي وتذكر ماذا كان يُفعل بهم وكيف كانت المعاملة المهينة لهم لمجرد انهم فقراء ليس لهم ظهرا ولا من يلجأون اليه في بلاد لا تعترف الا بمن كان غنيا بالاموال حتي ولو كان مفلس الاخلاق وضيع النفس، او من كان له سلطة او نفوذ اما الباقين فهم مجرد ارقام في تعداد البشر لن ينتفض العالم لموت احدهم غدرا ولن تنكس لهم الاعلام ولن توضع اشرطة الحداد السوداء علي صورهم او علي قنوات التلفاز ، بل علي العكس فهم اراحوا واستراحوا علي الاقل خلا مكان احدهم في اتوبيسات النقل العام التي يتكدس فيها الناس فوق بعضهم ليحل آخر مكانه يَدهس او يُدهس ، وذهب نصيبه في ارغفة الخبز اليومية ليسد فم جائع آخر، وخسر المجتمع عاطلا آخر لا فائدة منه الا انه كان يثقل كاهله ربما بمعاش ضئيل لا يتعدي بضع مئات من الجنيهات او رغيف خبز لا يسد الرمق ، اغمض عينيه بقوة محاولا طرد هذه الافكار المعذبة له من رأسه ، ولكن لا يمكن لنفسه الكارهة له الا تنتهز هذه الفرصة الثمينة بدون ان تزيد من عذابه ، توالت صور لبعض هؤلاء الاشخاص علي عقله ، كان يذكر بعضهم جيدا بالشكل والاسم والقضايا التي كانوا متهمين فيها ، وكان يعلم بداخله انهم كبش فداء، لا ناقة لهم ولا جمل، بعضهم كانت ملامحه مشوشة في ذاكرته واسمه لا يذكره بالكامل ، انساب شريط الصور امام عينيه المغلقتين الي ان توقف عنده ، فتح عينيه بغتة واعتصرت قبضة ثلجية قلبه فشعر بصدره يضيق عليه حتي خيل اليه ان ضلوعه قد اطبقت علي بعضها البعض ، تينك العينان العميقتان كالمحيط اللتان تنظران اليه بقوة كأنه يريد النفاذ الي روحه فيقبضها كملك الموت ، توقف عند وجهه كثيرا واخذت التساؤلات تنهشه بلا رحمة ، ماذا يريد منه ذلك المصطفي بعد ان مات وشبع موتا؟ لماذا ينتقم منه ببشاعة في احلامه؟ أكان مظلوما؟ وما دخله هو به؟ حقا الا تدري ما دخلك به ؟ اتخدع نفسك بأن لا شأن لك فيما حدث له؟ نعم لا شأن لي فأنا لست قاضيا ولم احكم عليه ، اذن ما الذي ذكره به بعد كل هذه السنين؟ ولماذا يأتيه بشخصه مؤخرا بعد ان كان يذكر اسمه عابرا في احلامه السابقة؟ حتي أن اسمه ظل ملتصقا بجزء خفي من عقله الباطن قبل أن يتذكره فعليا، إلي الحد الذي جعله اول ما يقفز علي لسانه عندما فكر في اسم مستعار في زيارته للطبيب، تذكر باقي الاحلام التي جاءه فيها بعد الكابوس الخاص بزوجته وابنه ، كان يأتيه بشخصه كل مرة وعيناه تنطقان بغل لا مثيل له وهو يردد جملته المتكررة:بينتا ثأر لم ينتهي، فتارة يطلق عليه كلاب سوداء ضخمة تنهش جسده بلا رحمة وسط قهقهاته المتشفية ، وتارة يصلبه علي عمود خشبي ويجلد ظهره بالسياط القاسية ، وتارة يكبله من ساعديه بسلاسل حديدية ضخمة ويتولي رجال اشداء شده من ذراعيه المختلفتين حتي تتمزق اوصاله وتوشك ذراعيه علي الانفصال عن جسده ، انتفض رغما عنه وهو يتذكر ذلك الحلم الذي ما اكمله لنهايته المأساوية قط ، كان يهب صارخا غارقا في عرقه ينظر لذراعيه ويحاوط بهما نفسه كأنه يتأكد انهما ما زالا متصلان بجسده ، طرق الباب ثانية مصاحبا لنداء سامي المعتاد : طاهر بك ، هل استفقت الآن ام ليس بعد؟
رد عليه ملهوفا وكأنه يستغيث به ليخرجه من نفق ذكرياته وكوابيسه المظلم: بلي يا سامي، اعد لي قدح قهوة واحضر معه زجاجة ماء باردة
امرك يا باشا.. ولكن هناك من اتي يسأل عنك بالخارج ، اسمه شادي عبد السلام يقول انه صديق قديم لك
عقد حاجبيه بشدة وهو يهتف لنفسه هامسا: شادي عبد السلام ؟ ما الذي ذكره بي وما الذي جاء به الآن؟
انزل ساقيه من علي سطح المكتب بحدة فجأة عاقدا حاجبيه بشدة وقفز الي ذهنه مشهد من ذاكرته لشادي وهو ينظر الي تينك العينين العميقتين اللتين تطالعانه بثبات وصوته القوي يقول بثبات:لم افعلها، انا قلت كل ما لدي ولن اعترف بجرم شنيع كهذا لم ارتكبه ، هوت صفعة شادي القوية علي وجهه وهو يرد عليه بغضب من بين اسنانه : بل ستفعل يا حقير ، ستعترف حتي لو اضطررت ان اقطعك اربا حتي تفعل
انتزعه صوت سامي من ذكراه وهو يسأله: اتستطيع مقابلته يا باشا ام اتحجج له بأي شيء؟
رد عليه بسرعه : لا، اخبره اني قادم اليه ، بضع دقائق فقط وسأخرج له
امرك يا باشا

نظر الي الفوضي من حوله فتحرك بتثاقل الي مكان مسدسه، التقطه من الارض ونظر اليه نظرة طويلة وهو يفكر جديا في التخلص منه ثم وضعه مكانه في حقيبته الجلدية داخل الخزنة الحديدية واغلقها بإحكام ، ذهب الي الحمام الصغير الملحق بالغرفة وغسل وجهه بالماء عدة مرات ورفع وجهه الي المرآة التي تعلو المغسلة وهو ينظر لانعكاس صورته لعدة ثوان ، رائع.. لقد صار شكله بشعا اكثر من ذي قبل ، عظام وجهه البارزة من شدة نحوله وعينيه الغائرتين المحيط بهما السواد مع شعره الكثيف المجعد وبشرته الجافة التي ازدادت سمرتها وشفتاه الداكنتين المتشققتين جعلوه اشبه بالموتي الاحياء الذين يظهرون في افلام الرعب الاجنبية ، اشاح بوجهه عن المرآة التي قلما ينظر اليها ، وهو يتمتم لنفسه بسخرية: علي اساس انك من قبل كنت تقطر وسامة ، انت فقط كنت بشعا وازددت بشاعة لا أكثر ، نفض عنه تلك الافكار التي تزيده هما والتقط نفسا عميقا وزفره في هدوء ثم توجه الي الباب بسرعة وسؤال ملحّ تولد الي ذهنه لا يستطيع انتظار اجابته..من شادي


اسما زايد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-01-24, 09:07 AM   #9

اسما زايد
 
الصورة الرمزية اسما زايد

? العضوٌ??? » 516085
?  التسِجيلٌ » Dec 2023
? مشَارَ?اتْي » 95
?  نُقآطِيْ » اسما زايد is on a distinguished road
افتراضي

خرج يتلفت عن يمينه ويساره يبحث عنه بعينيه المتوترتين حتي وجده يجلس علي مقعده امام احدي الطاولات الجانبية، يضع احدي ساقيه فوق الاخري في خيلاء، يطالع هاتفه الجوال ويبتسم خلسة من حين لآخر وهو يداري فمه بقبضة يده كمراهق احمق، كان يبدو حالما لا يحمل هما لشيء ، ما زال متأنقا مختالا بنفسه كما عرفه دوما
توجه نحوه في بطء وقد اخذ نفسا عميقا وزفره في هدوء محاولا تهدئة اعصابه المتوترة، لا يحب مقابلة احد من ماضيه، كان قد انقطع عن كل زملائه في عمله السابق منذ استقال، كانت تأتيه بعض الاتصالات من المقربين منه احيانا كان يرد بشكل مقتضب واحيانا لا يرد ، ولحسن حظه انه ما قابل ايا منهم ولو حتي صدفة منذ جنازة زوجته ،
اجلي صوته بعد ان وقف امامه وقال محاولا رسم ابتسامة صغيرة علي شفتيه: مرحبا شادي ، كيف حالك؟
رفع شادي عينيه اليه ثم ما لبثا ان اتسعتا في هلع وهو يرتد الي الخلف بقوة علي مقعده كأنه شاهد عفريتا ، ظل مسمرا علي هيئته تلك لعدة ثوان قبل ان يفغر شفتيه قليلا وهو يتمتم بخفوت:طا.. طاهر ، أأنت طاهر؟ رمقه بنظرة نارية وهو يحاول التحكم في قبضة يده التي كورها بجانبه وتمني لو يطلقها في وجه ذلك عديم الإحساس الذي يبالغ في ردة فعله كأنه رأي شبحا ، رد عليه من بين اسنانه وهو يمد يده ببطء ليصافحه : ماذا تري انت؟ هل تغيرت كثيرا لهذه الدرجة؟ ردة فعلك اشعرتني بأنك شاهدت شبحا او ما شابه ، ارتبك قليلا وقال بتلعثم وهو يخفض رأسه حرجا: لا ليس لهذا الحد ، انا فقط لم ارك منذ مدة طويلة ، نظر الي يده الممدودة اليه بتوجس ثم مد يده بتردد ليصافحه وكأنه يخشي ان يصيبه بعدوي ما نظر الي عينيه ثم اردف وهو ما زال مندهشا: لولا اني اعرف صوتك جيدا ، لما صدقت ان الذي يقف امامي الآن هو طاهر كمال عبد العزيز ، الذي كان يشترك معي في نفس الغرفة في الكلية، والذي عمل معي لسنوات
ابتلع طاهر غصة ومرارة في حلقه ، ألهذا الحد صار مثيرا للشفقة ؟ حتي ان شادي القاسي القلب كما عرفه في العمل دوما يشفق عليه؟
ربت علي كتف شادي بشيء من الحدة وهو يقول : لا شيء يبقي علي حاله يا صديقي ، تفضل اجلس
جلس شادي وهو ما زال يحدق فيه بدهشة وهو فاغرا فاه
اطلق طاهر ضحكة عصبية قصيرة واردف : ماذا ؟ هل ستظل تتطلع فيّ هكذا كثيرا؟ أصرت بشعا الي هذا الحد ؟قل لي ماذا تشرب؟ او ما رأيك ان اطلب لك غذاء؟
هز شادي رأسه بعنف يمنة ويسارا كإنه يريد ان ينفض عنه دهشته ورد وهو يرمش بعينيه محرجا: لا لا شكرا يا طاهر ، لقد طلبت قدحا من القهوة
حسنا ، ما اخبارك يا شادي؟ ثم حاول ان يكون لطيفا وهو يبتسم رغما عنه واردف: ما الذي ذكرك بي الآن؟ لابد انه امر جلل
ابتسم في حرج وهو يخفض عينيه لأسفل قليلا قائلا: اعلم اني مقصرا في السؤال عنك، اعذرني يا صديقي ، ولكن انت تعلم طبيعة عملنا وكيف يلتهم الوقت التهاما، ومع ذلك كنت اتصل عليك احيانا ولكنك لا ترد، كما انك اغلقت كافة حساباتك علي مواقع التواصل الاجتماعي ، فصار من المستحيل التواصل معك
قطع حديثه عندما اتي سامي مبتسما له ابتسامة لبقة وهو يضع امامه قدح القهوة خاصته ، تبعه بالقدح الخاص بصاحبه وهو يسأل بتهذيب : اي اوامر يا بشوات؟
ردا عليه في وقت واحد تقريبا : شكرا
نظر شادي في إثر سامي الذي انصرف ثم عاد بنظره الي طاهر واكمل حديثه مبتسما : علي العموم ها انا جئت اليك لأراك يا صديقي ، افتقدتك كثيرا وكذلك اصدقائنا في القطاع يرسلون اليك سلاماتهم
ابتسم بسخرية في داخله ولكنه رد عليه بفتور :شكرا لك ولهم يا شادي
الحّ عليه السؤال في رأسه مرة اخري ورغم انه كان متوقعا الإجابة بشكل كبير بسبب ما يبدو علي شادي من هدوء وراحة بال إلا انه لم يستطع ان يمنع نفسه من سؤاله وكأنه يريد ان يبوح بما يجثم علي صدره مع احد اشترك معه في هذا الامر و يعرفه جيدا
تردد قليلا قبل ان يحسم امره قائلا:شادي اريد ان اسألك سؤالا ؟
نظر اليه باهتمام متسائلا: تفضل
اخذ نفسا عميقا وزفره في توتر قائلا بصوت مهتز قليلا: هل تذكر مصطفي العربي؟
التقط شادي قدح قهوته وارتشف منه وهو يسأله في بساطة: مصطفي العربي من؟
شعر بغضب بداخله رغم انه كان متوقعا اجابته ، سخر من تفكيره مجددا وهو الذي ظن بغبائه للحظة انه جاء اليه ليشكو له هو الآخر من كوابيسه التي يكون بطلها هذا المصطفي ، ولكن يبدو انه الوحيد الذي يعيش في الجحيم
جز علي اسنانه بقوة وهو يحاول كتمان غضبه حتي لاحظ شادي حركة صدغيه المتصلبة فكرر عليه سؤاله ثانية بفضول قلق
التقط كوب الماء وافرغه كاملا في جوفه ثم قال بشيء من الحدة محاولا افراغ بعضا من غضبه الذي يحترق به: مصطفي العربي يا شادي ، الذي كنا نحقق معه في القطاع منذ عدة سنوات، الذي كان متهما في قضية تفجير الكنيسة تلك.. كانت قضية رأي عام ، مستحيل انك لا تذكرها

عقد شادي حاجبيه بشدة وازدرد لعابه واجابه في خفوت: نعم نعم تذكرته ، بدا عليه الارتباك قليلا واردف: ما الذي ذكرك به الآن؟
رد عليه بعد ان هب واقفا وهو يضرب بكفيه علي سطح الطاولة بقوة وهو يهدر وبدا انه قد فقد التحكم في اعصابه تماما وكأنما وجد من يستحق ان يفرغ فيه كل معاناته وكل شحنات غضبه: ما الذي ذكرني به ؟ انه يأتيني في احلامي منذ شهور ، ليست احلام ، بل كوابيس بشعة لا استطيع حتي وصف مدي بشاعتها لك ، يأتيني لينتقم مني ويقول ان بيننا ثأر لا ينتهي،
الم تكن مفزوعا من شكلي عندما رأيتني منذ قليل ؟ كل هذا بسببه ، لم اعد اعرف مذاق النوم، وعندما يبلغ بي التعب مبلغه واغفو قليلا رغما عني ، اراه يأتي إلي ليعذبني فأهب مفزوعا ، حتي الدقائق القليلة التي انام فيها مرغما ينغصها علي، كرهت النوم وكرهت حياتي وكرهت كل شيء ، اشعر بأني لم اعد انتمي للبشر بأي حال ، اصبحت مسخا لعينا بلا روح ... بدت ملامحه في تلك اللحظة تجسيدا خالصا للألم والمعاناة، هدأت ثورته بغتة كما بدأت بغتة وكأنه فقد كل طاقته دفعة واحدة، ارتمي علي مقعده ووضع وجهه بين كفيه وهو مستند بمرفقيه علي سطح الطاولة واردف في ضعف واستسلام :انا احيا في الجحيم يا شادي ولا احد يشعر بي.
صعق شادي من انهيار صديقه المفاجيء ولم يدرِ ماذا يفعل واخذ يتطلع حوله وهو يشعر ان كل من في المكان انظارهم متجهة نحوهما ، ولكن من حسن حظه ان المكان لم يكن مزدحما في هذا الوقت من النهار كانت هناك طاولتان فقط مشغولتان في المكان وعلي الرغم من بعدهما الا ان صوت طاهر الثائر وصلهما فوجهها انظارهما اليهما في فضول
لاحظ احد العاملين في المكان يتوجه اليهما ويتساءل بوجهه من بعيد عما يحدث الا انه اوقفه بإشارة من يده من بعيد فهم منها ان لا يقترب اكثر فأومأ برأسه في تهذيب ورجع علي عقبيه .
مد شادي يده في تردد ومال الي الامام قليلا وربت علي كتفه في بطء وهو يتمتم : هون عليك يا صديقي ، فقط اهدأ قليلا حتي افهم منك ، ثم سحب يده واخذ يطرق بسبابته علي سطح المائدة بتوتر وهو يرتشف عدة رشفات من قهوته ، هو لم يكن يوما عاطفيا ولا يجيد المواساة ، ندم للحظة انه جاء من الاساس ، يبدو ان البعد فعلا اثر علي علاقتهما ، فالشخص الذي يجلس امامه الآن لا يشبه بأي شكل طاهر صديقه المقرب في الكلية وزميله في العمل لعدة سنوات ، ولكن مع ذلك جزء منه يشعر بالشفقة عليه ، يبدو انه يعاني الكثير منذ زمن ولا يبوح لأحد ، هو في حاجة للمساعدة العاجلة بحق
نادي عليه في خفوت: طاهر ، ارجوك تكلم
رفع كفيه عن وجهه ولكنه امسك بزاويتي عينيه بإصبعيه ورد بعد عدة ثوان بنبرة حاول جعلها قوية حاسمة: انا آسف لانفعالي منذ قليل ، اعتبر انك لم تسمع شيئا مني ، اشاح بيده الاخري قليلا كأنه يشرح له : انا فقط مضغوطا قليلا مؤخرا و لست في افضل حالاتي
نظر في ساعة يده ثم اردف : اعتذر لك يا شادي ولكني يجب ان اغادر الآن ، لقد تأخرت علي يحيي
قالها ونهض واقفا وهو يتحاشي النظر في عيني صاحبه الذي نهض بدوره وقال محاولا تلطيف الجو قليلا : يحيي ، كيف هو الآن؟ هل تخرج من كلية الطب واصبح طبيبا كبيرا كوالدك واخيك
لم تلطف جملته من الجو بل علي العكس شعر بالنار تستعر في اعماقه وذكري بغيضة تهاجمه بشراسة، نفضها عنه بعنف فهذا آخر ما يريد تذكره الآن، نظر اليه وقال بصرامة غير مبررة : ليس بعد ، ما زال يدرس.... بعد اذنك يا شادي سعدت برؤيتك.

شعر شادي بالإحراج قليلا من اسلوبه الحاد معه ولكنه قدر انه في غير حالته الطبيعية ابدا ولام نفسه مجددا علي قدومه ولكنه رد عليه بهدوء: حسنا ، لن اعطلك اكثر من ذلك
كان طاهر قد تحرك بالفعل ليستعد للمغادرة عندما استوقفه صوت شادي يناديه : انتظر
توقف علي مضض والتفت اليه برأسه متسائلا فتقدم نحوه وهو يخرج من يده بطاقة دعوة اعطاها له ثم اردف مرتبكا وهو يبتسم ابتسامة متوترة : أرأيت ؟ لقد نسيت أن أخبرك بالسبب في حضوري من الأساس ، احم احم ، هذه دعوة لحضور حفل زفافي ، الاسبوع القادم بإذن الله ، اتمني ان تشرفني ، انت ويحيي بالتأكيد
ارتسمت علامات الدهشة علي وجه طاهر لعدة ثوان قبل ان يسأله مبهوتا: اي زواج؟ الست متزوجا بالفعل ولديك طفلان ؟
حك شادي بأظافره مؤخرة عنقه في حرج وهو يقول: اه ، لقد نسيت انك منقطع عن العالم منذ زمن ، لقد انفصلت انا وام اولادي منذ عام ، وهذا هو.. زواجي الثاني
لا يدري لم تفجر بركان من الغضب في اعماقه ثانية تجاه ذلك البارد ، ما الذي القاه في طريقه اليوم ، هذا ما كان ينقصه حقا ؟ ان يعلم بمدي سعادته واقباله علي الحياة لدرجة انه لم يمر عام علي طلاقه وسيتزوج ثانية ، ماله هو به ان تزوج او ذهب الي الجحيم حتي ، سخر من نفسه بمرارة.. بل الجحيم لك انت وحدك ، كلهم يتمتعون وينعمون بحياتهم وانت وحدك الذي تتعذب ، لم هو بالذات من يعاني؟ كلهم كانوا اشد منه بطشا وهو الوحيد الذي ينتقم الله منه، لماذا يفعل ذلك معي لماذا؟

سأنتظرك يا طاهر ، تعال حتي لتخرج من حالتك هذه قليلا، انا ، انا اعتقد انك تحتاج للمساعدة، حاول ان تزور طبيبا او معالجا نفسيا حتي .. حتي لا تتطور حالتك للأسوأ
نظر اليه بحدة نظرة اودعها كل غضبه وحقده وقال من بين اسنانه: مبارك لك ، ووفر نصيحتك لنفسك
قالها وانطلق من امامه كالعاصفة تاركا اياه عاقدا حاجبيه وهو يتميز غيظا ولاعنا نفسه لأنه جاء الي ذلك المعتوه عديم الاخلاق ، وهو يتمتم لنفسه بحنق :لقد جن... لقد جن تماما .


اسما زايد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-01-24, 09:26 AM   #10

اسما زايد
 
الصورة الرمزية اسما زايد

? العضوٌ??? » 516085
?  التسِجيلٌ » Dec 2023
? مشَارَ?اتْي » 95
?  نُقآطِيْ » اسما زايد is on a distinguished road
افتراضي

انهمر الماء البارد فوق رأسه في غزارة ولكنه لم يفلح في اخماد براكين الغضب الثائرة بداخله، كان يبدو كحجر مشتعل لا سبيل لإطفائه وهو يستند بكفيه علي الجدار الرطب امامه وهو مطرق الرأس مغمض العينين ، كم مر عليه من الوقت وهو علي هذا الوضع ، لا يدري ولكنه بدأ يشعر بجلد انامله يتجعد و منابت الشعر في جلده تقشعر ، كان يوما عصيبا ، بل كان يوما بشعا كارثيا ككوابيسه تماما ، بداية من محاولته الانتحار للمرة الالف ربما وانتهاء بمقابلة ذلك المتأنق البارد ، اكثر ما يثير حنقه من نفسه هو انهياره المفاجيء امامه ، لم يعهد نفسه ابدا بهذه الهشاشة امام احد ، رغم كل ما مر ويمر به الا انه ابدا ما شكي همه لأحد ، لطالما كان قادرا علي السيطرة علي انفعالاته وكبت معاناته داخل نفسه حتي صارت كئيبة مريضة بمرض عضال لا شفاء منه ، لا يستطيع تحمل نظرات الشفقة ابدا ، يعلم انه مثير للشفقة بالفعل من مجرد مظهره الهزيل المريض فلا داعي لذكر المزيد من حياته البائسة امام احد ليصبح اكثر اثارة للشفقة ، لقد كان يحيي يرجوه ويكاد أن يقبل قدميه حتي يحكي له ويشركه فيما يعانيه وكان هو يتمسك بقناع الصلابة الزائف ويخبره انه بخير رغم انه في امس الحاجة للبوح بعذاباته وافكاره التي تقتله ، ثم يأتي بكل بساطة لينفجر امام غريب متعجرف لم يره منذ سنوات طوال ، كور قبضتيه واخذ يضرب بهما الجدار بقوة وهو يتمتم بحنق : تبا تبا ، لابد انه اخبر باقي شلّته الحقيرة بأمري وسيتخذونني علكة يلوكونها بألسنتهم ويتفكهون عليها لزمن حتي يجدوا قصة اخري تسليهم ، تبا لك يا طاهر ، انت الذي جنيت ذلك علي نفسك بسبب غباءك ولسانك الاحمق هذا
صمت بعد ثورته الصغيرة هذه ولكنه شعر بنبعين حارين يسيلان في هدوء علي وجنتيه ويذوبان في الماء البارد الذي بدا في هذه اللحظة كأم حنون تربت علي صغيرها الحزين، جل ما يستطيعه هو البكاء ، البكاء علي حاله وعلي ماضيه وعلي فقدائِه ... زوجته وابنه وامه ،بدأ يغمغم من بين دموعه: ااه كم افتقدك يا امي ، اشتقت لحنانك الذي كنت تغدقينه عليّ ولسعة صدرك وتقبلك لي بغير شروط ، كم مر من زمن لم ازر فيه قبرك يا امي ، اعذريني فأنا لست الولد الصالح الذي سيبقي علي عملك في هذه الدنيا ، انا حتي لا ادري ماذا افعل حين ازورك انتِ وحبيبتي وابني ، سابقا كنت ادعو لك واقرأ الفاتحة واتصدق عنك ، اما الآن فلا استطيع يا امي ، كيف ادعوه وهو يقتص مني بقسوة كأني المذنب الوحيد علي الارض؟ كيف اناديه بعد ان سلبني كل من احببته يوما؟
كيف ادعوه وانا غاضب منه بشدة لانه الرحيم ولكن رحمته ما وسعتني ! يراني اتعذب واتلوي ولا ينظر لي نظرة رأفة واحدة تهون علي ، بل ما زال ينزل بي المصائب واحدة تلو الاخري حتي يئست من رحمته.. عذرا اماه عذرا لأني بئس الابن وبئس الزوج وبئس الاخ وبئس الاب ، انا تعبت تعبت كثيرا..

علا نشيجه بشدة وتحولت العبرات القليلة الي شلال من الدموع الحارة ...بعد ان فرغ من هذيانه انتبه الي ان جسده بدأ في الانتفاض بالفعل بعد ازدياد برودة الماء بدرجة كبيرة ، اغلق صنبور الماء وجلس في ارضية المغطس ضاما ركبتيه الي صدره وجسده يرتجف بشدة ، لا يقوي حتي علي النهوض والتوجه الي باب الحمام للخروج، كان قد استنزف كل قواه الجسدية والذهنية تماما خصوصا وأنه لم يغمض له جفن لليال طويلة لا يستطيع عدها، اتكون تلك هي النهاية؟ أن تموت عاريا مرتجفا وحيدا في ارضية الحمام كصرصور بلاعات حقير لا يعبأ به احد؟ ليتك اطلقت الرصاصة علي رأسك صباحا كان اشرف لك..

حاول مقاومة ارتجافة جسده التي تزداد عنفا والدوار العنيف الذي يكتنف رأسه ولكنه لم يستطع حتي الوقوف علي قدميه ، شعر بأنه علي وشك فقدان الوعي ، تمدد في المغطس وهو متكورا علي نفسه في وضع الجنين يحاول السيطرة علي ارتجافة جسده ، من ينقذه الآن ؟ يحيي من المؤكد أنه مستغرقا في نومه تماما بعد يوم مرهق طويل في الجامعة كالعادة ، ليس هناك مفر يا طاهر.. يبدو انه الموت الذي سعيت له كثيرا ، سيأتيك الآن رغما عنك وانت في اشد حالاتك ضعفا وهشاشة .. لِم يتملكك الرعب الآن ؟ اين جسارتك واقدامك علي الموت الذي كنت تظن فيه خلاصك؟ أليس هذا الذي تمنيته طويلا ؟
لا لا اريد ان اموت بهذه الصورة ، يا رب يا رب لا تجعلني اموت بهذا الشكل المخزي ارجوك ، تمتم بجملته الاخيرة من بين شفتيه الزرقاوتين بشدة ودمعة حارة سالت علي وجنته قبل ان يغيب عن وعيه تماما

"طاهر طاهر، اتسمعني ؟ طاهر هيا افق بالله عليك”

اخترق الصوت المألوف ضباب عقله المغيب ، كان بعيدا ..عميقا كأنه يأتي من بئر سحيقة ، يشعر بربتات قوية علي وجنتيه وصوت ينادي باسمه في الحاح ، و ما هذه الرائحة النفاذة التي تخترق انفه وتجعله يريد السعال بقوة؟
تململ في رقدته ببطء ورمش بجفنيه المغلقين عدة مرات قبل ان يفتحهما ببطء ويبدأ في السعال بضعف
حمدا لله .. هيا يا طاهر ساعدني قليلا لأجلسك
تمتم بخفوت وضعف وهو يشعر برأسه تدور كطاحونة هواء في مهب رياح عاتية ولسانه بدا ثقيلا للغاية: يحيي ؟ هل هذا انت؟ اين.. اين انا؟ ما الذي حدث؟ اشعر.. اشعر بدوار عنيف و انا بردان جدا..غطيني .. غطيني ودثرني جيدا.

حسنا حسنا يا اخي لا تقلق انا ادثرك بالفعل فقط اجلس معي حتي تستطيع تناول الطعام ، ضغطك منخفض بشدة كما ان حرارتك بدأت في الارتفاع، يبدو انك علي وشك الاصابة بحمي ، لماذا مكثت طويلا تحت الماء البارد بالله عليك؟ ولماذا تترك نفسك بدون زاد هكذا بالله عليك حتي اصبت بالاغماء؟ الم انبهك سابقا يا طاهر؟
كان صوت يحيي محتدا قلقا عليه بشدة وهو يضع عدة وسائد خلف ظهره حتي يستريح في جلسته علي سريره
غمغم بضياع وهو يحاول استعادة وعيه كاملا: انا لا اذكر شيئا ، هل تقول حمام ؟ اردف بعد عدة لحظات محاولا تصفية ذهنه: اجل ، اتذكر اني كنت اتحمم و ابكي و اخذت ارتجف علي ما اظن و لا.. لا اذكر ماذا حدث بعد ذلك.
حسنا يا طاهر ليس وقته هذا الكلام الآن ... اخرج من علبة صغيرة علي الكومود بجواره شريطا خافضا للحرارة الصقه علي جبين أخيه قائلا وهو يهم بالنهوض : ستساعد هذه في خفض حرارتك قليلا ، سأنهض انا اسخن لك بعض الطعام سريعا وآتي به لك ، لا تنام ارجوك ، لن اتأخر.

بعد حوالي ثلث الساعة كان يحيي يناوله قرصا خافضا للحرارة، وتنهد بقوة بعد ان امضي ربع الساعة الاخيرة في محاولة اقناعه بتناول الطعام ، حتي انه اضطر ان يهدده بالذهاب الي المشفي اذا لم يأكل ، يعلم انه يكره المستشفيات بشدة ، استسلم لإلحاحه علي مضض وتناول عدة رشفات من حساء الخضار وقطعة دجاج لا يتجاوز حجمها الإصبع ، لم تفلح محاولاته بعدها في اقناعه بتناول المزيد فاستسلم وناوله بعض الاقراص حتي تتحسن حالته
هل تشعر انك افضل الآن؟ سأله يحيي وهو ينزع (ترمومتر الحرارة )من فمه
اومأ برأسه ببطء ورد بوهن: اجل ، افضل كثيرا
جيد، حرارتك بدأت في الانخفاض قليلا الحمدلله، رد يحيي وهو يربت علي كفه بحنان ثم اردف بتأثر وهو عاقدا حاجبيه: لقد كدت اموت خوفا عليك عندما دخلت ووجدتك مستلقيا في ارضية المغطس ونبضك ضعيف.. رفع يده وهو يشيح بها بقوة واحتد صوته قليلا وهو يضيف: لماذا يا اخي؟ لم تترك نفسك تصل الي هذه الحالة ؟ الم احذرك سابقا من ان هزالك هذا وتدخينك الشره سيوديان بحياتك لا محالة ؟ هل هذا ما تريده حقا؟ هل يهيأ لك ان الراحة في الموت والذهاب الي زوجتك وابنك؟ هل تريد قتل نفسك وتعريض نفسك لغضب الله ولعنته عليك؟! افق افق يا اخي بالله عليك ، حقا لم اعد احتمل استسلامك وضعفك في مواجهة اقدارك لم اعهدك ضعيفا هكذا من قبل ، ارجع كما كنت من قبل ، ارجوك ، ارجوك قلبي يتمزق وانا اراك هكذا
كان صوت يحيي المحتد قد تحول الي انفعال جارف مع كل جملة يقولها حتي ان وجهه احمر بشدة واخذ يلهث بحدة

كان غاضبا حانقا عليه بشدة بسبب ما يفعله بنفسه، لم يستطع التحكم في اعصابه وهو يري اخاه يقتل نفسه بالبطيء هكذا كان ينوي اضافة المزيد من الكلام القاسي الا ان نظرة اخوه له في تلك اللحظة جعلت الكلام يتجمد في حلقه … نظرة ضياع وانكسار ويأس وخجل وخذلان وضعف، كل هذا قرأه في نظرة اخيه الذي تكونت غلالة رقيقة من الدموع في عينيه جعلت قلبه ينفطر عليه

اقترب منه واحتضنه بقوة من بين الاغطية الكثيرة التي يتدثر بها وهمس في اذنه بصوت متهدج: اسف يا اخي ، سامحني ارجوك علي كلامي القاسي ، انا فقط حزين ، حزين عليك وعلي حالك للغاية ، غمغم طاهر بعد عدة لحظات بخفوت وقد تحولت عيناه الي زجاجيتين لامعتين تتجمد بهما الدموع: انا اعلم اني اثقل عليك كثيرا، صرت حملا عليك بدلا من ان احمل انا همك، ابتلع ريقه بصعوبة شديدة واكمل بصوت مرتعش: اعذرني لاني لست الاخ الصالح الذي يساند اخيه المريض في محنته ، صدقني لقد حاولت كثيرا تجاوز الماضي ، حاولت ان ابدأ من جديد ولكن هو من يأبي تركي، انا تعبت كثيرا يا يحيي ، ربما ..سكت قليلا ثم اضاف في شرود كأنه يحدث نفسه: ليتك تركتني لمصيري ربما موتي هو افضل حل لي ولك حتي اتوقف عن تحميلك ما لا تطيق، انتفض يحيي وارتد للخلف وهو ينظر لعيني اخيه الزجاجيتين وامسكه من كتفيه بقوة وقال بانفعال جارف وهو يهزه قليلا: اياك ..اياك ان تنطق هذا الكلام مجددا ، اي حمل ثقيل واي سخافة التي تتكلم عنها بالله عليك؟ الا تدري حقا مكانتك عندي يا طاهر، انزل يديه من علي كتفي اخيه ورفع كفه الي ذقن اخيه يرفعه اليه برفق حتي التقت انظارهما واكمل بلهجة حانية ولكنها لم تخل من الانفعال: انت لست مجرد اخ لي يا طاهر، انت جزء من روحي ، جزء من كياني
بصمتك دامغة في كل ركن من اركان شخصيتي وفضلك عليّ لا استطيع ان اوفي حتي بجزء منه، انت لي بأمي وابي وبالناس اجمعين يا طاهر، فكيف كيف تظن ولو للحظة انك عبء ثقيل علي ؟ اشاح بوجهه قليلا وهو يضحك ضحكة متأثرة صغيرة حاول بها التحكم في الدموع التي بدأت تتكون في مقلتيه: ثم يا اخي لو ما زلت مصرا علي هذا الوصف ، اعتبرني ارد لك جزءا من اثقالي انا عليك في الماضي ، فلطالما كنتَ انت حاملا همي حتي انك اوشكت علي ان يشيب شعرك من شقاوتي ومشاغباتي في طفولتي ومراهقتي..
لمح انعقاد حاجبي طاهر وقد بدا متأثرا بشدة من كلامه حتي انه زم شفتيه ليمنعهما من الارتجاف وقد ثقلت غلالة الدموع في عينيه ، وضع يحيي كفه علي خد اخيه واحتضن جانب وجهه بحنان ولم يعبأ بمسح الدمعتين الحارتين اللتين سالتا علي وجهه في هدوء واردف: انت كل من تبقي لي يا غالي وانا لن افرط بك ولن اسمح لك بأذية نفسك مجددا، حتي لو اضطررت ان اترك دراستي وابقي معك طيلة الوقت ، فقط اسمح لي انت باختراق حصونك حتي استطيع مساعدتك ، ارجوك يا طاهر فقط اسمح لي بمساعدتك ، هذا كل ما اطلبه منك الان
اخذ ينظر الي عيني طاهر برجاء وتوسل حتي اخفض الاخير نظره للاسفل بعد لحظات وهو يوميء برأسه ايماءة ضعيفة للغاية لا تكاد تري ولكنها كانت كفيلة برسم ابتسامة واسعة علي شفتي يحيي الذي انحني عليه يقبله في جبهته ثم احتضنه بقوة قائلا بعزم: ستشفي يا اخي ، ستبرأ من كل ما يشقيك يإذن الله ، اقسم اني لن اتركك حتي ترجع لسابق عهدك
انهمرت الدموع مجددا من عيني طاهر بعد ان انهار صموده امام كل هذا السيل من المشاعر وغمغم من بين دموعه :ابق معي يا يحيي… لا تتركني يا اخي
رد عليه يحيي من بين دموعه هو الآخر: انا هنا ، لا تقلق ، انا بجانبك ، فقط نم حتي ترتاح، حتي اني سأنام بجوارك
تمدد بالفعل وهو يضع رأس اخيه فوق صدره محكما الغطاء الملتف حوله واخذ يربت علي رأسه بحنان وهو يتمتم ببعض الآيات والأدعية حتي سمع صوت انتظام انفاس اخيه المضطربة الذي يبدو انه اخيرا وبعد طول معاناة قد غطّ في نوم عميق.


اسما زايد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:37 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.