شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   11 - عـذراء في المدينـة - مارجري هيلتون - ع.ق ( كتابة / كاملة** ) (https://www.rewity.com/forum/t82276.html)

أمل بيضون 04-09-09 02:26 AM

11 - عـذراء في المدينـة - مارجري هيلتون - ع.ق ( كتابة / كاملة** )
 
https://www.hanaenet.com/vb/imgcache/12958.imgcache

11 - عـذراء في المدينـة - مارجري هيلتون- روايات عبير القديمة

الملخص
ميراندا وردة بيضاء , جاءت الى لندن لتعمل في شركة مديرها العام جايسون معروف بمغامراته العاطفية . الجميع يخافون جايسون وهو دائما على سفر , لكن الظروف تشاء ان يلتقيا , هي العذراء البريئة برأسها المليء ياخلاقيات وتقاليد تعتبرها المدينة الكبيرة بالية . وهو بسطوته وخبرته في المجال العاطفي .. وتلتمع بينهما تلك الشرارة الغامضة التي لا يستطيع مخلوق ان ينكر سلطتها على القلوب , لكن جايسون لا يبوح بحبه , وحتى بعد الزواج تبقى اشباح الماضي مخيمة على حياتهما . فهل تزوج جايسون لأنهسئم مطاردة النساء , ام تراه حافظ على علاقة مشبوهة في الظل ؟حادث قنبلة في الطائرة العائدة به من إحدى رحلاته يكشف لميراندا كل الحقيقة .

روابط كتاب الرواية
وورد
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفييجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

https://www.almstba.com/vb/imgcache/a...721195_416.gif

pdf
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفييجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
txt
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفييجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

[/hide]


جورجينا 04-09-09 11:02 AM

هي اول روايه قراتها
مشكوره

أمل بيضون 07-09-09 10:15 PM

1- من ينام في المكتب؟
للمرة الثانية خلال عشرين دقيقة , أغلق باب المنزل رقم 3 في (بايرن سكوير) بعنف كدر سلم الميدان الذي تحف به الأشجار.
أرتعد الباب في أطاره , وتوقفت قطة رمادية مخططة عن لعق وجهها , لتنظر فيما يشبه اللوم الى الرجل الطويل المضطرب الذي ينزل الدرجات الست المؤدية الى الرصيف ,ثم ما لبثت أن أستأنفت تنظيف فرائها الناعم لكن ما أن أنقضت ثوان أخرى , حتى دوى صوت أصطفاق ثالث معدني هذه المرة , أذ ركب الرجل السيارة المرسيدس الحمراء التي كانت تقف قرب الحاجز الحجري للطريق وأغلق بابها بعنف ثم أنطلق بها بسرعة مزعجة.
أنغمس جاسون ستيل في طوفان المرور المتدفق مقتنعا في قرارة نفسه بأن لديه كل المبررات ليفقد أعصابه , فقد جعلوه يبدو مغفلا طوال الوقت , نعم , بدد وقته , وفقد البقية القليلة الباقية من ايمانه بالطبيعة الأنسانية , كان أعمى مسلوب العقل أحمق لينفق كل هذا المال على تلك المرأة ... يا للنساء , وقلوبهن الفولاذية وعقولهن الصغيرة التي تختفي وراء وجوه بريئة وأجسام مستسلمة , كالحيات السامة , لن يتكرر ذلك , قال هذا من قبل لكنه هذه المرة يعني حقا ما يقول , أستغفلته المرأة مرتين في حياته , لكن هذه المرة أكثر حرصا.
وأوقفته أشارات المرور ثلاث مرات فزمجر صائحا في المرة الثالثة:
": يا ألهي!"
أنه يريد صحبة الرجال الطيبة , فمع الرجل تعرف على الأقل أين أنت وتستطيع أن ترد الهجوم بمثله , وتقلصت أصابعه على عجلة القيادة , كان في أمكانه أن يتهور ويخنق (مايك فريزر) الرجل التالي له في العمل والذي يثق فيه... غير أنه كان طوال هذا الوقت هو وكاترينا...
وبعد أن رشف قدحين من الشراب شعر جاسون أنه أكثر هدوءا لكن مزاجه لم يزل معتلا , فخرج وحدق في السماء المليئة بالسحب , ثم نظر الى ساعته فوجد أنها تجاوزت الثامنة مساء بقليل , وقرر فجأة أن يذهب الى مكتبه ليأخذ مذكراته عن الأتفاقية الأضافية مع شركة سترانجكو , لقد فسدت أمسيته في أية حال , وأصدقاؤه غير موجودين الليلة وفقد شهيته , فضلا عن أنه مكبل بأعمال كثيرة متأخرة , أذ أضاع وقته في الأسابيع القليلة الماضية على تلك المرأة وتراخى في عمله.
كان المقر الرئيسي للشركة (كارونا ستيل) يشغل برجا من الأسمنت والزجاج أرتفاعه 24 دورا ويطل على التايمز قرب محطة بلاك فرايارز , وكان مكتب الأستقبال فيه ما يزال مضاء بنور خافت , ولمح في جزء مرتفع من المبنى ضوءا دل على أنه ليس خاليا تماما , كما أعتقد جايسون وهو يوقف سيارته.
صعد الى الطابق الواحد والعشرين وسار الى مكتبه على سجاد سميك يمتص صوت وقع الأقدام مهما علا , لكنه توقف بغتة , فقد أدرك بغريزته أن هناك شيئا ما غير طبيعي , وأن الضوء الذي لمحه من الخارج كان منبثقا من مكتبه , عبس وجهه وأكفهر , فقد ترك مكتبه منذ ما يزيد على ساعتين وهو بالتأكيد لم يترك النور مضاء , سار وهو حريص ألا يحدث صوتا وتوقف قليلا أمام الباب ليندفع اليه فينفتح له , بدا المكتب خاليا للوهلة الأولى , لكن النظرة المدققة أوضحت أنه لم يكن كذلك , فقد رأى قمة رأس تظهر من ظهر الكرسي الضخم الذي يواجه الباب , فتقدم ليضغط على جرس الأنذار مزمجرا:
" أخرج...".
لكن الكلام تجمد على شفتيه عندما ألتفتت اليه فتاة عيناها مملؤتان رعبا ويداها الصغيرتان تتشبثان بعنف بظهر المقعد , وفمها يستدير في تعبير عن الفزع والأضطراب , وحاولت أن تقول شيئا لكن الأضطراب غلبها , وأستعاد جايسون رباطة جأشه ووصل الى الكرسي في ثلاث خطوات مسرعة , وأنكمشت الفتاة من منظر الغضب البادي على سحنته محاولة الأفلات من نظرته , كانت نصف جاثية على ركبتيها في الكرسي فأمسك بذراعها ورفعها بعنف وصاح:
" أي شيطان أنت؟ أي جحيم أتى بك؟".

أمل بيضون 08-09-09 01:50 AM

ولم تحر جوابا فقد بدت وكأنما الصدمة جمدتها , أخذ يهزها بقوة آلمتها فقالت:
" أنا... أنا ... ألا تعرفني يا سيد ستيل ؟ أنا أعمل هنا".
" كلا أنت لا تعملين هنا , هناك نحو 500 موظف في هذا القسم , وربما أكثر ولم يتح لي وقت للتعرف اليهم جميعا".
مرت بيدها على العلامات التي غرستها أصابعه في جلدها الرقيق وقالت:
" أنا أعرف ذلك , أنا آسفة أن أفزعتك يا سيد ستيل".
رأى تقلص حلقها وهي تزدرد لعابها لكن نظرته لم تلن وقال لها:
" حسنا , أنني أنتظر تفسيرك يا آنسة ... أيا كان أسمك".
خامرته بشأنها عدة ظنون لم يكن أي منها سارا , وأضاف بعبوس ونفاذ صبر:
" فسري الأمر , ام هل تودين أنتظار الشرطة ؟ أجيبي من أنت؟".
ففزعت من ذكر الشرطة وقالت لاهفة:
"لا , أن أسمي ميك... ميراندا روزميك".
" أنا في أنتظار تفسيرك يا آنسة ميك".
" من الصعب تفسير الأمر".
" ذلك ما يقال عادة".
" أعرف , أن كل هذا لا بد أن يبدو شنيعا , ولا بد أنك أعتقدت...".
وفجأة وقع نظرها على حقيبتها المفتوحة التي تبدو منها ملابسها الداخلية فأنحنت بأنفعال شديد وأغلقتها ثم أضافت:
" أنا آسفة للغاية لأنك صدمت عندما دخلت ووجدت كل هذا...".
وبدا أنها تجد صعوبة في الأستمرار فتوقفت وتحولت عن نظراته التي تحمل معنى الأتهام , وقال جايسون بقوة:
" الدموع لن تؤثر في , أصغي اليّ , فأنا أنوي الحصول على تفسير لهذا الأقتحام قبل أن أفصلك بنفسي وألقي بك خارج المبنى مع كل الزبالة التي حملتها معك".
" أنا آسفة يا سيد ستيل أنه خطأ لا يغتفر , أنا أعرف ذلك , لكنني لو أستطعت فقط أن أجعلك تفهم , لكن...".
وهزت رأسها وبدأت في جمع السندويشات والشوكولاتة وألقت بها جميعا في الحقيبة , ونظرت الى علبة الحليب وألتقطتها ثم أعادتها الى مكانها في يأس , وكررت:
" أنا آسفة , أنا... كل ما أستطيع قوله أن مخاوفك لا تمت الى الواقع بصلة , فأنا لم آت للسرقة , لك أن تفتش حاجياتي أن لم تصدق , وأنا أدرك تماما أن لك كل الحق في أن تغضب , لكنني سأذهب الآن و...".
فسد طريقها الى الباب وأمسك بذراعها قائلا:
" لا".
توقفت فورا ونظرت اليه, وأمتزجت رموشها الحريرية الطويلة بالدموع وبدت آثار البكاء واضحة حول عينيها وقالت:
"دعني أذهب , أرجوك , لا أستطيع أن أفعل شيئا أكثر من الأعتذار".
" دقيقة واحدة , لم أنته بعد , هل هذا هو كل ما تستطيعين قوله؟".
" ما الذي تتوقع مني أن أقوله؟".
وتنهدت قائلة:
" هل ستصدقني ؟ وهل أنت على أستعداد حتى لآن تصغي الي مجرد أصغاء دون أن تنهال عليّ بالأتهامات؟".
" لماذا أيتها الوقحة البذيئة؟".
كان صوته عاصفا على نحو بدا غريبا حتى في أذنيه , وأنتابه أحساس سبّب له أضطرابا , أحساس يشبه الخجل وأدرك أنه أفرط في صب جام غضبه عليها , لكنه أعطاها فرصة للدفاع عن نفسها, ولم تفعل وقال لها متذمرا:
" أنا مصغ اليك".
وأخذت نفسا عميقا وأستدارت اليه لتواجه نظرات الأتهام في عينيه , وأستعادت قدرا من تمالك النفس , ورغم أن عينيها كانتا تموجان بدموع بدت معتزة بنفسها وهي تقول:
" من فضلك , دعني أذهب , أنك تؤلم ذراعي".
وأنقلب الميزان بصورة ما وبدأ يحس أنه غير مرتاح وأنتابه شعور غريب مقبض وقال:
" لا أنوي أن أتركك , لماذا جئت وأثرت كل هذا الأضطراب؟".
" لم أقصد هذا أبدا , لو عرفت أنك ستعود الليلة لفكرت في شيء آخر لكنني لم أتوقع أبدا...".
" فكرت في ماذا؟ بديل لماذا؟".
وتنهدت قائلة في يأس:
" أعتقد أنه عليّ أن أخبرك , وألا لن تصدقني أبدا: كنت سأمضي الليل هنا".
" هنا في مكتبي؟".
فأمومأت مؤكدة , فقال لها:
" لكن لماذا؟".
" لماذا يقضي أنسان الليل في مكان ما؟ لأن قضاءه في الشارع ليس أكثر مدعاة للسرور".
وفضحت عيناع دهشته وهو يقول:
" أليس لك بيت؟".
فأبتسمت بوهن ثم قالت:
" أشارك ثلاث فتيات أخريات في شقة , وأعتقد أنه يمكن أن نسميها بيتا".
" أذن لماذا لم تذهبي الى هناك الليلة؟".
فخفضت عينيها وحولت وجهها بعيدا وهي تقول:
" أستطيع أن أقول نوعا من الطوارىء منعني".
" هل هو المرض؟ هل تواجهين مشاكل من نوع ما؟".
وتقلص فمها بمرارة وسخرية وهي تقول:
"كلا, على الأقل أن لم تعتبر الموقف الذي أجتازه مشكلة".
" أذن لماذا ؟ بصراحة أن كلامك غير منطقي".
" أعرف , لكنني أشك أنك ستفهم أذا أخبرتك بالحقيقة هل تصدقني أذا قلت لك أنني , لم آت لأسرق ؟ كل ما كنت أريده هو مأوى لقضاء الليل".
ورأى نظراتها تجول عبر المكتب حول ولاعة المكتب الفضية والقلمين الثمينين , وصندوق السكائر الكريستال المحلى بالذهب الذي كان الهدية الأولى الوحيدة التي أعطتها كاترينا له , ثم ردت بصرها اليه وهي تقول:
" ألا تستطيع أن تقبل أعتذاري وتدعني أذهب؟".
" الي أين؟".
" هل هذا يهم؟".
" يجب أن يكون لك مكان تذهبين اليه".
" تلك مشكلتي , أليس كذلك؟".
وجمعت حاجياتها , ومشت الى الباب , فقال لها:
"دقيقة واحدة".
فأستدارت اليه وعلى وجهها سيماء التحفز , ورأى أستعدادها للدفاع مرتسما على شفتيها الصامتتين المنضغطتين فقال لها ببطء:
" ما الذي يجعلك متأكدة أنني لن أفهم؟".
" لأنك في حالة غضب شديدة ثم لماذا تهتم أن تفهم؟".
" ألا تعتقدين أنك مدينة لي؟".
" قلت لك , أنني أشارك ثلاث فتيات أخريات شقة , ولا أعرف ما أذا كنت جربت أن تعيش في ثلاث غرف صغيرة مع ثلاثة أشخاص آخرين , الحياة الخاصة هناك تقل لأقصى حد , بل تنعدم فعلا , والأمور يمكن أن تسير فقط أذا قبلت ذلك, وحاولت ألا تنفس من غضبك".
وترددت مرة أخرى, فأحس بالحنق , لماذا لا تدخل في الموضوع؟ من الواضح أن شجارا ما حدث وأن زملاءها ألقوا بها الى الخارج لكن الأمر لا يستدعي أن تأخذ الأمر بهذه الخطورة , وقال لها:
" أن هذه الأشياء تحدث في كل الأوقات , ويتعين عليك أن تتعلمي الصمود وألا تتهوري , هل طردك زميلاتك عنوة أم تركت لهن الشقة بمحض أرادتك؟".
" كلا, لم يكن الأمر كذلك على الأطلاق , أنت لا تفهم المسألة , الأمر مقصور على هذه الليلة بالذات , لم يكن مناسبا أن أقضي هذه الليلة بالذات معهن".
بدأ يدرك الموقف , وضحك, لا بد أن خياله شاح أذ نسي المشاكل التي تواجه الأنسان وهو يقوم بمغازلة فتاة في غير منزله الخاص , وعاد بذاكرته الى الوقت الذي أمضى فيه ستة شهور في فرع باريس , ومشاكل المشاركة في الشقة عندما كان يحضر كل حبيب حبيبته ويتعين عليه أن يتأكد أولا من خلوها , وأضطرار هؤلاء الى البقاء في الخارج , أخذ جاسون يتذكر كل هذا مبتسما , لكن الفتاة عاجلته قائلة بحدة:
"أن الأمر ليس ترفيها".
" آسف كنت أفكر في شيء آخر".

أمل بيضون 09-09-09 12:41 AM

أنك حتى لم تصغي حتى مجرد أصغاء ,بعد أن أحدثت كل هذه الجلبة".
" كنت أصغي أليك, لكن لماذا كل هذا الأنزعاج , أذا كانت زميلتك تريد أن ترفه عن شخص دون وجودك فيمكنك بالتأكيد أن تمضي الليل مع أحد الأصدقاء أو تذهبي الى فندق لهذا الغرض".
" الفنادق تكلف المرء نقودا".
فهز كتفيه , وهو يعجب لماذا يهتم بأن يقدم لها الأقتراحات , الأفضل أن يتخلص منها ويجمع مذكراته دون أن يبدد المزيد من الوقت , وسحب مفاتيحه وأتجه ليفتح الدرج الأعلى من المكتب , فقالت له دون مواربة:
" أننا في آخر الشهر , وأنا مفلسة وأنت لم تزل غير مدرك للأمر".
" يا آنسة ميك , هل هناك ما يتعين أدراكه سوى أن لك موهبة مرموقة في أن تعطي لنفسك حريات فاضحة؟".
لم تحر جوابا ولكنه رأى ظلا عبر مكتبه فرفع عينيه ورآها متجهة ألى النافذة , حيث نظرت محدقة الى تلك السجادة اللامعة من أضواء لندن التي تمتد الى السماء السوداء, وقالت ببطء:
" زميلاتي سيشتركن في حفل من نوع خاص يرغبن مني المشاركة فأعتذرت ولهذا أنا هنا".
وهنا بدا وجهه متجهما , في صوتها الصريح شيء جعله يتجهم , ورغما عنه شعر للمرة الثانية بأنه غير مستريح , أي شيطان ساق اليه هذه الفتاة ؟ وسألها:
" ماذا تعنين ؟ نوع خاص من الحفلات؟".
وأحس بآهتها قبل أن يسمعها , وكان أول ما تبادر الى ذهنه أنه حفل لتعاطي المخدرات , لكنه قبل أن يصرح بظنونه قالت له في يأس:
" أنك تعتبر الأمر شيئا مسلما به ولا يثير الفضول , وكل من لا يسير في ركاب هؤلاء القوم يعتبر جبانا ورجعيا".
فأجابها بحدة:
" أذا كنت تقصدين ما أعتقد أنك تعنيه- وهو المخدرات_ فأنني لا أقبل ذلك ولا أسلم به , وأذا كان هذا هو ما يجري في شقتك وتريدين أن تبتعدي عنه , فأبتعدي ولا تبالي بما يقال عنك".
لا بد أن كلماته كشفت عن أشمئزازه على نحو لم يتوقعه هو, فقد أدارت رأسها وبدأت تتأمله وأبتسامة الأجهاد على شفتيها وهي تقول:
" أليس هذا هو ما فعلته؟ فلم كل هذه الجلبة؟ أنها لم تكن حفلة مخدرات هذه المرة يا سيد ستيل , أنما حفلة حب".
" هل أنت رجعية يا آنسة ميك؟".
" لا أعتقد أنه يعنيك ما أكون , وأنني لأتساءل هل كل هذا الوقت الذي ضيعناه لا جدوى منه , لا أقصد وقتي بل وقتك".
ووقفت صامتة يختلط القلق والفضول على وجهها كما لو كانت تنتظر الأذن منه لكي تهرب , ثم أضافت :
" أنا... أنا لا أستطيع أن أبقى هنا الآن , ولذلك أذا كنت...".
وأبدت أشارة تدل على رغبتها في الأنصراف , وأحس هو فجأة بالرغبة في الخروج من المبنى , ونظر الى ساعته وأدهشه أن ساعات أنقضت وليس فقط عشرين دقيقة منذ أن دخل المبنى , ووضع الأوراق في حافظته ونظر الى أعلى ليرى أن الفتاة لم تتحرك , كانت واقفة بلا حراك تحملق فيه فقال لها:
" تعالي , تناولي بعض الطعام".
" ماذا؟".
" قلت تعالي تناولي بعض الطعام".
" معا؟ ليس ذلك ضروريا".
" ولم لا , هل هناك شيء منفر يبرز من أذني؟".
وهزت رأسها في يأس قائلة:
" كلا , لكن ... أعتقد...".
" أوه , بحق السماء كفي عن الجدل , لا تخشي أن آكلك".
" نعم , أعرف ذلك , لكن... لكنني لا أفهم".
" لست مجبرة على الفهم , أنا جوعان , ولا أحب أن آكل لوحدي".
فتقدمت للأمام غير واثقة , ثم توقفت وقالت:
" ليس لي أن أعتقد أنك أردت أن تأكل معي".
تنهد جاسون وكظم غيظه وهو يقول:
" أسمعي يا فتاتي , لا أعتقد أنك في وضع يسمح لك بالتفكير , أما أن تفعلي ما أقوله أو أدعو الحارس ليلقي بك الى الخارج , ماذا تختارين؟".
" لم تترك لي الخيار , حسنا , لكن ملابسي لا تتناسب مع الأماكن الراقية التي أعتقد أنك تتردد عليها".
" لن أتردد على أي منها الليلة, سنذهب الى حانة صغيرة هادئة".
ألتقطت حقيبتها وسارت نحوه وهي تقول متشككة:
" هل هناك حانات هادئة؟".
أصطحبها الى الخارج قبل أن يطفىء النور وهو يقول:
" الصحبة وليس المكان, هي التي تحدث الضجة".
بقيت بعيدة عنه تنظر الى اللوحة المضيئة والمصعد يهبط بسرعة وهدوء للطابق الأرضي.
ونظر اليهما الحارس الليلي قبل أن ينظر الى زميله , وأدرك جاسون أن التكهنات ستكثر بعد رحيلهما ورأت ميك كلب الحارس فقالت:
" أي كلب رائع هذا!".
" لا أعتقد أن هذا سيكون رأيك لو أنك أصطدمت به خلال الليل".
" لا , لا أظن".
وأنتابه وهو يفتح السيارة الأحساس الذي شعر به في المصعد وأخذ يتساءل عما يدور في رأسها؟ هل هي متحجرة فعلا كما تبدو؟ أم أن تلك تمثيلية أخرى فحسب؟.
أتجه الى الجنوب الغربي , كان في منتصف الطريق الى مكانه المختار عندما أتخذ للمرة الثانية في الليلة نفسها قراره المفاجىء والغريب , ففي التقاطع التالي أتجه يمينا وتجاوز غرين بارك متجها الى حي سوهو.
ولم تتخل عن صمتها وهي تنزل من السيارة , لكنها للمرة الأولى أقتربت منه قليلا وهما يقتربان من مدخل المطعم , وحياه البواب بأسمه . وفتح لهما الباب , وأحسا بالجو الدافىء العبق , ونظرت اليه الفتاة مرة أخرى وهو يصطحبها نازلين عبر سلالم حلزونية ضيقة , وكبت جاسون تكشيرة أوشكت أن ترتسم على وجهه عندما بدأ يستعيد ذكرياته في هذا المكان.
كان الوقت ما يزال مبكرا , وهناك عدد من الوجهاء وعدد أقل من الصبية يتناولون العشاء , وكان الحائط المخملي الأسود يشكل خلفية تبرز الملابس الملونة , خاصة الأكثر غرابة.
وعندما جلسا وجهت ميرندا نحوه عينين تنطقان باللوم وهي تقول:
" قلت أننا سنذهب الى حانة هادئة ".
" غيرت رأيي ".
" ملابسي لا تتناسب مع مكان مثل هذا".
" هراء , فهنا تستطيعين أن تلبسي أي شيء".
" ربما, لكنني أود لو لم أكن بملابس العمل".
فقال وعيناه تجولان في ملامحها:
" أنت تبدين في خير هيئة , وفي أية حال لا أجد فرقا كبيرا بين ملابس العمل التي ترتديها الكثيرات من الموظفات العاملات معنا وملابسهن في الأماكن الأخرى , هناك فتاة واحدة فقط في الحسابات تبدو دوما كأنها في طريقها الى السهرة".
" أوه ...أنها الآنسة هارفي , ذوقها رائع في الملابس , لكنها تعمل مساعدة رئيس الحسابات , ومن ثم تستطيع أن تمتع نفسها".
" في أية حال , فأنا نفسي ما زلت بملابس العمل".
" أنت مختلف".
شعر بالسرور ولم يستطع أن يقاوم الأغراء الدائم بالحصول على ثقة النساء, فقال:
" كيف ؟ لماذا أختلف عن ذلك عن ذلك العدد اللانهائي من رجال الأعمال في المدينة؟".
" هل تود حقا أن تعرف؟".
جعله الصوت الهاديء والأمانة البادية في عينيها الجادتين يخجل من رغبته الخفية في الحصول على أعجاب النساء , وقال بصراحة:
"مركز الأنسان في القمةأمر له مساوئه كما تعرفين , فأذا حدث خطأ ما في العمل فعليه هو أن يتحمل المسؤولية بينما المساهمون في الخطأ لا يرحمون".
" أنك مختلف لأنك تستطيع أن تذهب لأي مكان في العالم , وأذا أشرت لتاكسي فأنه سيقف والغرسون يراك دوما لحظة دخولك , وأذا أعطيت أمرا فلن يكون عليك أن تنتظر لترى ما أذا كان سينفذ , أنه ينفذ دائما , الناس يطيعونك غريزيا لأن لك سيماء السلطة , تلك هبة , أعتقد ذلك , وهي الهبة التي يترتب عليها الفرق بين النجاح والفشل في الحياة , وهذا هو السبب في أنك مختلف".
قال جاسون مندهشا:
" يا للسماوات , من أين جئت بكل هذا , أنت لا تعرفينني حتى مجرد معرفة ".
" ليس من الضروري أن تعرف شخصا لتحكم على قدراته ".
رفع جاسون ذقنه قليلا وهو ينظر بلا تركيز الى الطعام الذي وضعه الغرسون أمامهما وقال:
" هكذا يبو الأمر".
وأخذ يتساءل هل تفكيرها عميق حقا , أم أن موقفها المحافظ هذا ليس سوى رد فعل للتهديدات التي وجهها اليها عندما وجدها في مكتبه؟ هل كانت هاربة حقا من الحب أو ما يسمونه هذه الأيام الأنغماس في المجون؟
وأستعاد آليا طبيعته الساخرة الأخاذة التي أصبحت طبيعة ثانية يستدعيها عندما يجالس النساء , ونادرا ما خذلته هذه الطبيعة , والآنسة ميرندا لا تشذ عن ذلك , أذ بدا أن رهبتها منه ضاعت, وأن تجاوبها يتزايد وترد على أسئلته فورا وأن كان بحياء وخجل , وبدأت تتكون في مخيلته وتكتمل صورة عنها , ولم يندهش عندما أكتشف أنها يتيمة وأنها نشأت منذ كان عمرها عامين في كنف عمة لها , ولم يستغرق الأمر وقتا طويلا ليعرف أن تربية هذه العمة وأسمها هيستر كانت حازمة متزمتة وحانية في الوقت نفسه, وقال معلقا على حديثها حول عمتها:
" أعتقد أنك بذلت جهدا مضنيا لتحصلي منها على حريتك , فالحارس الصارم يمكن أن يكون أكثر تشددا من الأبوين".
" عمتي هيستر لم تكن صارمة".
" أصحيح أنها لم تكن كذلك؟".
" ماتت منذ أربعة شهور".
" شيء يؤسف له".
وساد السكون لحظة , وبدأ يخشى أن تبكي , لكنها هزت رأسها وقالت بصورة أدهشته:
" يبدو أنني أسرفت في ذكر حماقات كثيرة عن نفسي".
" كلا , أطلاقا , أشرحي لي كيف أحسست عندما أصبحت فجأة تتحملين مسؤولية حريتك , بعد تلك التربية المتزمتة والحازمة".
ردت بهدوء:
"كان الأمر مرعبا في البداية , فقدت القريب الوحيد لي بين الأحياء وفقدت بيتي , وفي الوقت نفسه أيقنت أنني أستطيع أن أفعل ما يحلو لي , كنت أحيانا أحس بالذنب , أعني أنني كنت أحب عمتي كثيرا , لكنني لم أكن أستطيع أن أتركها وحيدة".
" ولا حتى لكي تتزوجي؟".
وترددت برهة وبدا التفكير في عينيها وقالت:
" غريب أن تقول هذا , من فضلك لا تضحك , لكن...".
فقاطعها قائلا :
" لماذا هو غريب؟".
" كان حلم طفولتي أن أصبح عازفة بيانو , لكن العمة هيستر لم توافق على أي شيء يربطني بأعمال ترفيهية , وقالت أن عليّأن أفكر في أمر أكثر أمنا ويعول عليه مستقبلي, مثل العمل بالسكرتارية أو التعليم".

أمل بيضون 09-09-09 09:43 PM

"كانت تلك نبوءة من جانبها".
" كانت على صواب حسب أسلوبها في الحياة , وأكدت لي أن مواصلة تعلم الموسيقى معناه تبديد النقود لأنني لا بد أن أتزوج يوما ما أو أستقر في أسرة".
وتأمل جاسون سيكاره وقال:
" لا بد أنه كان في ذهنها زيجة معينة لك , فهل هذا من أحلامك الآن؟".
" أحلام... لا يبدو أن هذه هي الكلمة الصحيحة".
فسألها بتكاسل:
" أذن ما هي الكلمة الصحيحة ".
فكرت لحظة ثم قالت:
" لا أعرف , لكن كلمة أحلام تعبر عن السعي لتحقيق أهداف ذائبة , وذلك ليس الموقف السليم بالنسبة الى الزواج".
لمست بكلامها هذا وترا حساسا في نفسه فشعر بالأمتعاض , وأصبح صوته قاسيا وهو يقول:
" لا أعتقد ذلك".
وفكر في تغيير الموضوع لكنه قبل أن يتكلم عاجلته قائلة:
" الزواج يجب أن يكون هو الذرة في كل العلاقات الأنسانية , وعلى الناس أن يتناولوه بجدية أكبر وبلا أنانية , وأن يدركوا أن العلاقة الطيبة لا تتم فجأة أو بصورة سحرية , بل يتعين بناؤها وأكتسابها شأنها شأن أي شيء آخر".
قال ساخرا:
" هذا يعني أن البعض يكسب والآخرون يدفعون".
" كلا, أن هذا من أخطر المفاهيم الخاطئة التي تسود حاليا- وهو أنه يمكن شراء كل شيء مهما كانت قيمته , الحب والثقة لا يمكن أن يشتريا , بل يتعين تبادلهما طواعية , لكن الكثيرين يخشون أن يعطوا طواعية أذا لم يحصلوا على مقابل".
رمقها جاسون بنظرة فاحصة أكدت له أنها تؤمن تماما بما تقول وكان على وشك أن يسخر من فلسفتها هذه لكن شيئا ما أوقفه وقال بدلا من ذلك:
" أن الأمر أكثر تعقيدا فيما يبدو , وفي أية حال أعتقد أن الزواج ليس محبذا بين الشباب هذه الأيام".
وبقيت صامتة طويلا لا تعلق وظهرت في ملامحها أمارات اليأس والقنوط فسألها:
" ما بالك؟ أنك لم تمضي سوى شهرين في المدينة الكبيرة, فهل كان ذلك كافيا لتبديد كل أوهامك؟".
ضاقت نظرتها الزرقاء وركزتها على وجهه , وأهتز كتفاها النحيلان تحت وقع زفرة خرجت من أعماقها وهي تقول بصورة محمومة:
" لماذا؟ لماذا تسير الأمور على هذا النحو؟ أن كل شيء خطأ والخطايا السبع القاتلة أصبحت مختلطة في الأذهان بل غير مرفوضة , والعفة أصبحت في عيون الناس خطيئة , أنهم يعتقدون أن الفتاة تعتبر شاذة أن لم تقفز الى السرير مع كل رجل تخرج معه مرتين".
وساد صمت مقبض , وأحس فجأة بالأضطراب وأنه صدم على نحو غريب , وأخيرا قال:
" من تقصدين بكلمة أنهم؟".
" الفتيات اللواتي أعيش معهن وأصدقاءهن من الرجال , أنا لا أفهم هؤلاء الفتيات وهن لا يفهمنني , كل ما يستطعن التحدث عنه هو حريتهن المدهشة في أن يعشن حياتهن بالطريقة التي يردنها, أنهن لا يفهمن أن حرية شخص ما يمكن أن تصبح سجنا للآخرين".
" كيف؟".
" لأنهن يصبحن طغاة مستبدات بمن لا يوافقهن".

جين اوستين333 10-09-09 03:38 AM

شكرا لكي عزيزتي

ومنتظرين التكملة ^__^

أمل بيضون 11-09-09 01:34 AM

"على أي نحو؟".
" بالسخرية وتاتبكيت , أن لهن حريتهن , حسنا ويستطعن أن يبدأن علاقة ما , وأن يوقفنها في الوقت الذي يقررن فيه ذلك , أنهن يستطعن أن يجربن كل الأفكار في الحياة و ..".
" أفكار جديدة؟ ليس هناك أي أفكار جديدة , كيف أرتبطت بهذه المجموعة من دون الناس جميعا؟".
" أجبت على أعلان في عمود الأعلانات الشخصية جاء فيه: مطلوب فتاة رابعة تشارك في شقة ... الشقة جميلة , وقد بدون لي فتيات لطيفات , وكنت أكره دار الشباب بعد أقامتي فيها لمدة أسبوعين , في أية حال , فالأنسان لا يستطيع أن يقيم طويلا في هذه الدور , كانت مجرد محطة حتى أجد مكانا دائما , وكنت أشعر بالحاجة ألى أن يكون لي مكاني الخاص بي , وأن تكون لي حياتي الخاصة لكنني أتهمت بأنني غير طبيعية , وأذا لم أنضم لتلك الحفلات يقال عني أنني مفرطة في الرجعية وصعبة الأرضاء , لكن لي الحق في أن أحيا الحياة التي أريدها وفق المبادىء , التي أؤمن بها , وأنا لا أحاول أن ألقي المواعظ على الناس , فلماذا لا أترك لشأني ".
قال بهدوء وهو ينظر اليها مليا:
" أعتقد أنك صغيرة وساذجة الى حد لا يتيح لك فهم كيف تتحدثين بمثل هذه الصراحة الى غريب مثلي؟ لأنني أعتقد أن الرجعيين والمفرطين في الأحتشام لا يثقون بسهولة في الغرباء".
فنظرت بعيدا وقالت:
" لا أعتقد أنني مفرطة في الأحتشام كل ما في الأمر أن لي مبادئي وأشعر أن الناس يهونون من شأنها".
" لم أقصد هذا على وجه التحديد ".
فعادت ببصرها اليه وهي تقول:
" أنا أعرف لكنني أخبرتك بالفعل , فأنت مختلف عن غيرك من الناس وأنت غير متحيز على الأطلاق ولهذا أسرفت في التحدث اليك".
وأوحت اليه غريزته بأن ينظر الى ساعته وعندما فعل أكتشف أنه مضت ساعتان , وأطفأ سيكاره وفورا حولت بصرها عنه موضحة أنها على أستعداد للرحيل عندما يريد وقاما بالفعل.
زعندما خرجا الى الشارع كانت السماء تمطر بغزارة , وأجتازا المسافة القصيرة التي تفصلهما عن السيارة حينئذ قال لها:
" حسنا الى أين الآن؟".
فتنهدت وهي تقول:
" يبدو أنني نسيت هذه المشكلة لبرهة ".
فأدار السيارة وأنطلق بها وهو يقول:
" أما أنا فلم أنس , وأعتقد أن هناك أجابة وحيدة لذلك".
" هل ... هل ستسمح لي بأن أعود ثانية الى المكتب؟".
" يا للسماوات , كلا! سأعطيك سريرا تقضين فيه الليلة".
"سرير؟ ماذا تقصد؟ أين؟".
" في مسكني , أين يمكن أن يكون غير ذلك؟".
" كلا!لا أستطيعّ شكرا لك! لا أستطيع".
" لم لا ؟ ما لم يكن هناك ترتي بديل في ذهنك".
وأدرك من صمتها أنه ليس لديها حل بديل , وقال بلا حماس:
" أستطيع أن أقول أن لديك ثلاثة بدائل للأختيار منها: مخاطر تلك الحفلة , والبرد والبقاء في الخارج , وساحة بيكاديللي هي المكان المفضل لذلك, أو الذهاب الى مكان تتوافر فيه كل وسائل الراحة في مكان محترم , فما هو قرارك؟".
فتنهدت في يأس وهي تقول:
" أنت تعرف أنه لا يمكن أن يكون الحل واحدا من هذه البدائل لو أنك فقط لم تعد هذه الليلة".
" لكنني رجعت , أنت لا تثقين في , وتعتقدين أنني أتآمر على براءتك".
فقالت في صوت ضعيف مضطرب :
" لا أعرف كيف أفكر".
" هل الفكرة مرعبة؟ هل الأمر كذلك؟".
" كلمة مرعبة ليست هي الكلمة الصحيحة".
" نسيت أنك دوما تبحثين عن التعريف الدقيق يا آنسة ميك , هل عبارة مثيرة للأشمئزاز".
" كلا , أعتقد أن كلمة محزن كافية".
وأدت المشاعر التي كشف عنها صوتها الى تغير موقفه , فأوقف السيارة فجأة ومضى بها الى الموقف , ولم يبذل جهدا لأخفاء غضبه وأدار وجهه الى حيث تجلس ليواجهها وعندما أقترب منها أنكمشت وغاصت في مقعدها فقال لها بغضب:
"لا تنظري اليّ كما لو كنت فاسقا أسيرا للشهوات , أنا أول من يعترف أنني أحب النساء , لكن ليس الى الحد الذي ترتابين فيه وعندما أريد الترفيه عن نفسي فمن المؤكد أنني لا أجد ذلك مع صغيرة بريئة مملوءة رعبا وكأنها قدمت توا من موعظة في العصر الفيكتوري , والآن أصغي الي أيتها الصغيرة , سوف أعطيك فرصة واحدة أخيرة , فأغتنميها أو أذهبي الى الشيطان والى تلك المدينة التي تفتح أبوابها لكل طارق والتي ترتعدين منها".
كانت يداه ترتعشان وهو قابض على عجلة القيادة وأدار السيارة وأنطلق بها ثانية , وهو يقول:
" هناك فندق قريب , أعرف مديره , سأحجز لك الليلة فيه حيث تكونين آمنة , وبعد ذلك أفعلي ما يحلو لك , ومن الخير لك أن تبحثي عن بيت جديد , أو أن تعودي حتى الى بلدك , فالفتيات الصغيرات مثلك لا يجب تركهن في متاهات لندن".
ووصل الى مسامعه صوت أنتحابها مما أثار موجة جديدة من غضبه فقال ساخطا:
" بالله عليك ألا تنتحبي ونحن ندخل الى الفندق".
" كيف أستطيع هذا؟ ليس معي نقود , لقد قلت لك ذلك".
" أنا أذكر هذا , وأشك أن أي فندق محترم يقبل أن يستضيفك في هذا الوقت من الليل وبتلك الأمتعة القليلة مهما كان لديك من نقود , أتركي لي هذا الأمر , ولا تجادلي أن كنت عاقلة".
ونزلت من السيارة ببطء ومضت تتعثر خلف خطواته القوية الواسعة وهو يذرع الممر القصير الذي تحف به الأشجار وعندما لحقت به قالت له:
"سأسدد لك نقودك بأسرع ما أستطيع , شكرا لك على الطعام و..".
" أنسي ذلك".
كان يريد أن ينتهي من كل هذا , ودفعها برفق الى الداخل حيث أعطى تعليماته لكاتب الأستقبال الليلي , وأنتهى الأتفاق في دقائق ثم تمنى لها ليلة سعيدة وفر مسرعا الى سيارته.
وعندما وصل الى بايرن سكوير كان قد نجح في أن ينزع من ذهنه كل ما يتعلق باآنسة ميراندا ميك.
كان نادرا ما يشعر بالحاجة الى تحليل دوافع وأعماله,ألا فيم يتعلق بأدارة الأعمال, ولم يكن يريد أن يخرج على هذه القاعدة الآن , لكن أي طفلة غريبة هذه, كان يظن أن مثيلاتها أنقرضن , وتثاءب جاسون وأحس بتعب وملل مفاجىء من نظام حياته , فيوم الأثنين سيذهب الى بون , ويوم الأربعاء سيذهب الى ستوكهولم ليعود الخميس الى لندن , ثم يذهب الى نيويورك الأثنين التالي ... أن جدول الأسبوعين التاليين لا يبعث على السرور , ربما أستطاع أن يأخذ أستراحة بعد رحلة أميركا , ربما أستطاع أن يتوقف في... وقطع زنين الهاتف حبل أفكاره , وعندما وصل اليه وأستمع الى المتحدث صاح:
" ليسا".
" هل دهشت".
" جدا , لكنني لم..".
" أنا أعرف يا عزيزي , لكن أسمع , هل أستطيع أن آتي لأراك ؟".
" بالطبع , لكنني أعتقد أنك..".
" أن أعتقادك خاطىء يا عزيزي , ذهبت الى ايطاليا عند أختي وكان المفروض أن أعود غدا , لكنني عدت اليوم قبل الموعد بأربعة وعشرين ساعة وزوجي جيمس لا يعرف أنني عدت , لذلك فكرت أن آتي اليك وأبيت عندك".
وفجأة وجد جاسون نفسه يقول بصوت أجش :
" حسنا".
فهمست قائلة:
" مضى وقت طويل , سنة تقريبا , أفتقدتك كثيرا , وما زلت أشعر بالذنب لأنني آذيتك , ولذلك فكرت أن آتي اليك , فربما أستطعت أن أجعلك تعفو عني ... ربما... ولذلك جئت قبل موعدي بأسبوع لألقاك , فهل كنت محقة؟".
فأجاب في أقتضاب:
" لا تدفعيني الى الأجابة على هذا , أين أنت؟".
" في المطار".
" سىتي لآخذك , سأصل اليك في عشرين دقيقة...".
" كلا , سأستقل تاكسي , لا بد أن أكون معك سريعا".
" هل أكلت؟".
" أثناء الرحلة , لا تشغل بالك بشيء , أنا فقط أريد أن أراك ثانية أوه جاسون أنه لأمر رائع أن أسمع صوتك ثانية , فقط أضيء الشموع لأجلي , بالطريقة التي أعتدنا بها أن...".
وتوقف الصوت الناعم , وأنقطع الخط.
وزايلت جاسون حالة الملل , وتسارعت دقات قلبه , للأسف ليس لديه زهور ... وليس هناك شموع أيضا.
فأطفأ النور الرئيسي وترك فقط مصابيح الجدار الواهنة الضوء وأشعل المدفأة وتأمل الغرفة الدافئة الجذابة .
ليسا ... عجبا كيف تعرف دائما متى يكون في أشد الأحتياج اليها!

lamba 11-09-09 11:45 PM

tuank:018::x2:

الجقة 13-09-09 01:53 AM

احنا امتابعينك ياامولة كملي الرواية ياحلوة بليز

DrEeM NiGhTs 13-09-09 01:59 AM



ننتظرج أختي أمل بيضون...روايه وايد رووووعه...

أمل بيضون 13-09-09 02:38 AM

2- عودي الى عملك يا آنسة
حتى في الساعات الأولى من بدايات أسابيع العمل وبعد العطلات الأسبوعية , لم تكن غرف الموظفين في شركة " كارونا ستيل" تخلو من جو التنافس والمناورة , ويرجع ذلك في جزء منه الى أختلاف تقييم الشركة لمستخدميها , وكان المسؤولون عن الشركة يدركون تماما أن المستخدمين يستغرقون جزءا كبيرا من بدايات الأسبوع هذه الأيام ليهيئوا أنفسهم فكريا للعمل , وأن المستخدمات بصفة خاصة لا يطمئن لهن الا بعد التأكد من أنهن يبدون في أجمل مظهر , ووفرت الشركة كافة وسائل الراحة اللازمة لكل من يعمل لديها , لذلك كافة وسائل الراحة اللازمة لكل من يعمل لديها , لذلك كانت غرفة السيدات في الطابق الخامس , وهي تضم كل ما تحتاج اليه السيدة العصرية , من مرافق الأغتسال , أجهزة وبيع العطور والمناشف , بل والثياب من الأنواع التي توجد في فنادق الدرجة الأولى.
وفي اليوم الأثنين التالي للقاء ميراندا مع جايسون , كانت ميراندا في غرفة السيدات مع زميلاتها , وأرادت سوزان صديقتها شراء ثوب وفتحت حقيبتها لتحصي النقود وشفتاها تتحركان في صمت وهي تعدها , ثم غمغمت متذمرة وهي تقول:
" يا للعنة , أن شراء جوارب حتى من الأنواع الرخيصة سيجعلني مفلسة اليوم, ميراندا هل يمكن أن تقرضيني جنيهين ؟ من فضلك... سأردهما لك غدا دون تأخير , أعدك بذلك".
وكانت تحدق في ميرندا برجاء من خلال المرآة , وهي نافذة الصبر , وأضافت:
" أذا لم تعطني فلن أتناول طعام الغداء أو سأضطر الى أن أقطع المسافة في العودة الى منزلي سيرا على الأقدام".
وضعت ميراندا المشط من يدها دون أن تنطق بكلمة ومضت الى حقيبتها وأخرجت منها النقود ووضعتها أمام سوزان , فغمغمت هذه قائلة:
" شكرا لك , سأظل ممتنة لك الى الأبد".
وسارعت بشراء الجوارب والذهاب لأرتدائها , وعندما عادت الى المرآة لتلقي بنظرة أطمئنان على منظرها , كانت ميراندا ما تزال واقفة بلا حراك, وقالت سوزان:
" أنه ليس رديئا , وأن كنت أفضل الأنواع الموجودة في الآلة الأخرى , لكنها غالية فالأدارة تحقق منها ربحا كما هو شأنها في كل شيء , ميراندا ما بالك؟ أنك تبدين كأنك رأيت شبحا".
وأبتعدت ميراندا عن المرآة وهي تقول:
"هل أبدو كذلك؟ أنني شاحبة بصورة طبيعية , هل أنت جاهزة يا سوزان؟".
" نعم".
" هيا بنا".
وأسرعت رينا هارفي في زميلتها وهي تقول تعليقا على حالة ميراندا:
" أنها تبدو كأنها ذاهبة الى المقصلة , ما بالك يا ميك؟".
" لا شيء".
وزمت ميراماد شفتيها وهي ترى رينا هارفي , تتجه الى الباب معها , أنها ثرثارة تتدخل فيما لا يعنيها , وأنتظرت ميراندا صديقتها سوزان بفروغ صبر , وعندما جاءت هذه طفقت تثرثر عن جواربها , بينما وقفت ميراندا تسترق السمع اليها وهي أمام المرآة وقد سمعت منها الكثير مما جعل وجهها شاحبا , فقد عاد جاسون.
جلست ميراندا الى مكتبها ونزعت غطاء الآلة الكاتبة , آه لو علمت رينا هارفي كم كان كلامها قريبا من الحقيقة , فقد مضت تسعة أيام بالضبط على تلك الليلة التي حاولت فيها المبيت في مكتب جاسون , كانت أعصاب ميراندا قد بلغت أقصى حدها من التوتر , ففي ذلك اليوم كانت تنتظر أستدعاءها للتحقيق , الأمر الذي يعني أنهاء عملها , وعندما حلت الساعة الخامسة ولم يجيء , تجرأت وتنفست في أسترخاء , وعندئذ عرفت أنه مسافر , في بون , لذلك لم يجيء أصلا.
وفي يوم الأربعاء التالي أخبرتهم رينا التي لا يفوتها شيء أنه أتجه الى ستوكهولم , وأنه يتوقع عودته في اليوم التالي , وسيذهب الى نيويورك في الأسبوع التالي , راودت ميراندا فكرة أن تتمارض يوم الخميس , بأمل أن ينسى كل شيء عنها لدى عودته من أميركا , لكنها سرعان ما تخلت عن هذه الفكرة , هل سيهتم بأن يستدعيها شخصيا ؟ وتذكرت قوله لها :
" أخبريني بالحقيقة قبل أن أتمتع بفصلك شخصيا والألقاء بك خارج المبنى".
لكنه أخذها للعشاء , حيث أصبح ساحرا جذابا تماما , أنها لم تخرج أبدا مع رجل مثله , متحضر , مطّلع وجذاب بطريقة مغرية حتى وأن كانت ترعبها , لا .... لا يمكن أن يفصلها!
وتنهدت بصوت مرتفع محاولة أن تمحو ذكرى جاسون من ذهنها وأن تركز على عملها , ولو كان لها أن تشغل بالها فذلك يجب أن يكون في سبيل البحث عن سكن آخر ملائم لها , وربما كان السكن الذي ستراه الليلة هو الحل , لكن جاسون ستيل ظل حتى وهو بعيد يسبب قلقا لميراندا في كل لحظات يقظتها , ومر اليوم مثل أي يوم عمل آخر ولم يتم أستدعاؤها , لكن هل سيحسم شيئا من أجرها في آخر الشهر؟ وبعد أن تناولت طعاما خفيفا مضت تذرع المدينة تفتيشا عن شقة أخرى صغيرة تشارك فيها زميلة أخرى.
وللمرة الأولى منذ أن بدأت بحثها شعرت بتفاؤل وهي تضغط على جرس الباب.
كان الشارع يبدو هادئا يبعث على البهجة , والمنزل على طراز عصر الملك أدوارد , تم طلائه حديثا , وتنسدل الستائر على كل شبابيكه , وأحست أن روح عمتها هيستر تبارك أتجاهها لهذا المنزل.
وعندما أنفتح الباب ورأت ميراندا سيدة سوداء الشعر تقف قبالتها مبتسمة أحست بتفاؤل أكثر وقدمت السيدة سوندرز نفسها وهي تتأمل ميراندا , ويبدو أن ما رأته منها سرها لأنها أبتسمت مرة أخرى بطريقة غير رسمية وتطوعت بأخبار ميراندا بأن تلك هي أول تجربة لها في تأجير جزء من البيت , فقد تزوجت أبنتاها وهي أرملة وتوصلت الى قرارها هذا بعد أن أخبرتها أبنة أختها أنها ستجيء الى لندن لتعمل وأنها تريد مكانا للأقامة فيه , ومضت تقول:
" ومن ثم فأنك ستشاركينها الشقة , أرجو أن تسامحيني لما أقول, لكن عليّ أن أكون حذرة فتلك أول مرة تبعد فيها جان عن بيتها وأختي ليست سعيدة بذلك فهي تؤمن بأن كل فتاة صغيرة تذهب الى لندن يعني أنها تذهب للشيطان".
وأبتسمت , لكن وجه ميراندا البيضاوي ظل جادا وهي تقول :
" نعم , أدرك ذلك تماما , وهذا هو السبب في أنني هنا فأن روحي تكاد أن تزهق من المكان الذي أعيش فيه حاليا ".
" نعم , أن الأمر يستغرق وقتا كبيرا حتى تجدي مكانا في مدينة غريبة خاصة أذا كان ذلك في المرة الأولى التي تبتعدين فيها عن بيتك , هل تريدين رؤية الشقة؟".
" نعم, لو تكرمت".
لم تكن الشقة كبيرة , كانت تتكون من غرفة نوم أمامية وغرفة أضافية في الدور الأول , لكنها كانت مزخرفة بطريقة تدل على الذوق والستائر الجديدة مبهجة وجذابة , كانت هناك خزائن واسعة , ووحدة غسيل ومطبخ.
وقالت السيدة سوندرز وهي تبتسم :
" تستطيعي أن تضيفي الأشياء الصغيرة الخاصة بك أذا كان ذلك يسرك".
ويبدو أنها كانت تنتظر ردا , وترددت ميراندا , كان الأيجار أقل مما تدفعه حاليا وأخيرا قالت:
" أنها لطيفة , وتبدو معقولة للغاية".
" ليس لديّ النية أن أستغل الشباب , وسنكون أنا وجان وأنت بمثابة أسرى , وضميري لا يسمح لي ألا بأن أتقاضى منك ما ستدفعه جان , متى ستنتقلين الى هنا؟".
كانت ميراندا مملؤة غبطة وهي تعود الى الشقة القديمة , جان لن تصل قبل الشهر المقبل , لكن السيدة سوندرز قالت أنه ليس على ميراندا أن تنتظر مجيئها حتى تنتقل الى الشقة , ثم تحدد موعد الأنتقال في عطلة نهاية الأسبوع التالية ورغم أنها لم تكن تعرف عن زميلتها في الشقة سوى ما قالته لها السيدة سوندرز , شعرت أنها تستطيع أن تحيا حياتها في المستقبل بلا تدخل في شؤونها.
لكنها ظلت طويلا تفكر في أخبار زميلاتها في الشقة القديمة وأدركت أنها تخاف منهن , كن متلهفات أن يعرفن أين ذهبت الليلة التي أقمن فيها حفلهن , ورغم أنها لم تستطع أن تقاوم الرغبة في أخبارهن بأنها تناولت العشاء مع رجل , فرفضت أن تكشف لهن عن شخصيته , وكان من المشكوك فيه أنهن صدقنها وأمطرنها بوابل من الأسئلة والأستجوابات جعلها تتساءل بينها وبين نفسها أذا كن سيصدقنها لو قالت لهن الحقيقة كلها فيما يتعلق بتلك الليلة.
ومع ذلك فلم يكن هناك مبرر لخوفها من رد فعلهن أزاء قرارها, فلويز لم تكن تبالي بشيء سوى شؤونها في ذلك الوقت , وكانت فاندا في حالة مزاجية تدفعها للمشاكسة والفضول , وجين وحدها أثارتها فكرة البحث عن فتاة رابعة لكن فاندا قالت أنها تعرف واحدة وقالت جين:
" أذا لم تكن هذه الفتاة مناسبة , فأنك ملزمة يا ميرندا بدفع أجرة شهر آخر , فنحن لم نطلب منك الرحيل".
ولم تعقّب ميراندا على ذلك رغم رغبتها في ذلك , أذ أحست أن المشكلة على الأقل قد حلت , وكان الأسبوع التالي مزدحما بالعمل ومضى سريعا , وفي صباح يوم الثلاثاء طلبت من صديقتها سوزان وهما في طريقهما الى العمل أن تعاونها في الأنتقال , حتى لا تضطر الى مطالبة زميلاتها في السكن بمعاونتها , وقالت لها سوزان:
" كنا أتساءل عما ستفعلينه , وأنا تحت أمرك تماما , لكن لماذا لا تعاونك زميلاتك في السكن , أعتقد أن السبب هو أنك مستقلة عنهن ومن ثم فهن لسن ****ات عنك".
" حقا , لست أشعر بذلك , وعموما شكرا لك , فأنت صديقة مخلصة وسأرد الجميل لك يوما ما , أنني قلقة نوعا ما , حجزت سيارة تاكسي وآمل أن يكون السائق ودودا , لكن حظي سيكون سيئا لو جاء سائق شرس فستضيع مني أشياء كثيرة وتضطرب أحوالي".
" نسيت أختي مرة علبة في سيارة تاكسي , كانت ذاهبة الى حفلة لتمضية ليلة في منزل صديقة لها , ومن ثم عبأت ما تحتاجه للذهاب للعمل في اليوم التالي في العلبة , ولم تدرك ما حدث الا بعد أن مضى التاكسي , ولم تستطع أن تتذكر رقمه , وضيّعت نصف الحفل في محاولة الأتصال هاتفيا لتعقب السائق , وعندما عرفته قيل لها أنه مضى في رحلة لخارج المدينة...".
لم تكن ميراندا تصغي , فقد توقفت في منتصف الطريق الى مصعد الشركة وأخذت تحدق عبر الردهة الرئيسية , كان جاسون خارجا من المصعد مسرعا لا يلتفت يمنة ولا يسرة , وكان الموظفون يفرون من أمامه ليفسحوا له الطريق وهو متجه الى الأبواب الرئيسية , وأغلقت الأبواب من خلفه لكنها لاحظت أن ضوء شمس الصباح قد جعل شعره الأسود المنسدل على صدغيه لامعا ومتميزا عن لون بشرته التي تبرق كالفضة , لماذا تضفي عليه لمسة الفولاذ التي يتسم بها شعره مثل هذه الجاذبية ؟ وأخذت كل الموظفات السائرات في الردهة يصلحن من زينتهن في الخفاء ووقف جاسون ليتحدث الى شخص ما خلف تمثال من الصلب ينتصب في الردهة. هل كان ذاهبا؟ هل هناك شيء ما؟

أمل بيضون 13-09-09 05:45 PM

وهتفت بها سوزان:
" ميراندا , ماذا أصابك بحق السماء؟".
"لا شيء ... أنا...".
وحاولت أن تعود الى طبيعتها وأن توجه أنتباهها الى سوزان , أما في داخلها فكانت أفكارها ما تزال مع جاسون وكانت هناك مشكلة أخرى تقلقها هي مشكلة دينها مع جاسون , ربما كان الأمر لا يعني شيئا بالنسبة اليه , فهو رجل لا يهمه أن يذهب في رحلة ليوم واحد الى أكابولكو لرؤية فتاته , لكن المسألة هامة بالنسبة الى ميراندا , فما الذي ستفعله أزاء فاتورة الفندق تلك؟ لا شك أنه ليس فندقا رخيصا , لو كان معها نقود حينذاك لأصرت على الدفع بنفسها ولكن لم يكن لديها نقود وما زالت تحس أرتجاف اللحظة التي أقتربت فيها من موظف الأستقبال في الفندق بعد الأفطار , لم يكن ذلك سهلا.
وفي أصيل ذلك اليوم توصلت الى قرار وقبل أن تعيد التفكير فيه ثانية وجدت نفسها في المصعد وهي تضغط زر الدور الحادي والعشرين وقبل أن يتوقف , شعرت بتوتر عنيف وساورتها بعض الشكوك , كان السكون مخيما وكان أحساسها بوقع قدميها على السجاد السميك مألوفا لديها , وكذلك الجدران البيضاء والأبواب الزجاجية للغرفة الأستقبال الخارجية وأستعدت للقاء الآنسة مايو السكرتيرة التي نهضت من مكانها وأستعدت لمقابلة تلك الفتاة المقتحمة , كانت الآنسة مايو مشهورة بشدتها , لا أحد يعرف عمرها, الذي تتراوح التخمينات حوله بين الأربعين والستين , كما لا يعرف أحد أي تفاصيل عن حياتها الشخصية , فقد قال البعض أنها ترعى والدا مريضا , وقال آخرون أنها متزوجة , لكنها تؤمن بفصل المسائل الشخصية عن مقتضيات العمل , وقال آخرون أنها خليلة والد جاسون السابقة وأنها وعدت الرجل العجوز وهو على فراش الموت بأن ترعى شركة كارونا ستيل طالما كان أبنه يحتاج اليه , وأيا كانت الحقيقة , فلا أحد يستطيع أن يتجاهلها ألا أذا كان جاسون هو الذي يطلب ذلك.
وتفحصت السكرتيرة ميراندا وهي تطلب مقابلة جاسون وتقول لها بنصف أبتسامة باردة:
" السيد ستيل في أجتماع , هل الأمر هام؟".
" نعم , أن الأمر كذلك".
" لو تركت له رسالة , فسأطلعه عليها بمجرد أن ينتهي الأجتماع".
وفجأة فقدت ميراندا شجاعتها وقالت:
" سوف... سوف.... أقول للسيد.... سأقول له... هاتفيا...".
وهرولت مسرعة الى المصعد , وفقدت الأمل في لقائه , لكن أتاها الحظ في وقت لم تكن تأمله , ففي اليوم التالي كانت تتناول طعامها في الكافيتريا , عندما رن جرس التلفون ورد عليه أحد العاملين بالكافيتريا , ثم ما لبث أن أعلن بصوت عال سمعت ميراندا , أن السيد جاسون يطلب طعامه , لا بد وأنه بقي للغداء , لكن ماذا عن سكرتيرته , وعلى الفور نهضت ميراندا وعادت الى مكتبها وأخذت منه عشرة جنيهات لتسدد الدين الذي يقض مضاجعها , وصعدت بالمصعد فورا لتجد الطابق الواحد والعشرين مهجورا , وتنهدت في أرتياح عندما رأت غرفة الأستقبال خالية , فلا بد أن الآنسة مايو في الخارج تتناول غداءها ما لم تكن تشارك جاسون طعامه.
وتمنت ألا تكون هناك , أذ كانت تخشاها أكثر مما تخشى جاسون نفسه , ومضت في خطوات متلصصة وهي تتسمع- ثم رفعت يدا مرتعشة لتفتح الباب , وفي تلك اللحظة فوجئت بالباب ينفتح , وأستطاعت ميراندا بصعوبة أن تنقذ نفسها من السقوط.
كان جاسون هو الذي فتح الباب , وتراجع خطوة للوراء ورفع يده كمن يدافع عن نفسه , وظل الأثنان يحدقان في بعضهما البعض , وكان هو أول من أستعاد رباطة جأشه وقال:
" حسنا!".
ولم يبد في عينيه أنه يعرفها وأن أستمر يحدق فيها وكرر قوله:
" حسنا!".
وردت ميراندا وقد زايلتها شجاعتها تماما :
" أنا ... أنا ألا تذكرني يا سيد ستيل , لكنك ... أنا الفتاة...".
ونسيت تماما الخطة التي أعدتها سلفا ولفها الصمت فلم تحر جوابا لفترة ثم أخذت نفسا عميقا وقالت:
" يا سيد ستيل ,أنا آسفة أن أقطع غداءك , لكنني أريد...".
" أنت الآنسة ميك الصغيرة".
وأحبط تعرفه الساخر عليها محاولتها أن تبدأ الشرح , وتراجع للوراء وهو يقول لها:
"ألا تتفضلين يا آنسة ميك؟".
وفضحت عيناها عدم ثقتها بنفسها , ودخلت الى الغرفة الفاخرة المريحة ومضى الى الأريكة التي كانت قبلا تريد أن تمضي ليلتها عليها وجلس وهو يقول بجفاء:
" ما الذي أستطيع أن أفعله من أجلك هذه المرة , يا ميراندا ميك ؟".
" لا شيء ,حاولت أن أراك طوال الأسبوع الماضي".
" حقا, أنني أتملص فعلا".
" كلا , لكن ... كنت أود أن أشكرك , هذا هو كل ما في الأمر ".
" على ماذا؟ هل يضايقك أن أواصل طعامي؟".
" أوه , كلا , أنا آسفة , لم يكن لي أن أقطع غداءك , لكن تلك هي الطريقة الوحيدة لكي أجدك منفردا , أذ أود أن أعطيك هذا".
وأسرعت تناوله الورقة ذات الجنيهات العشرة وأضافت:
" آمل أن تكون كافية , لكنني لا أعرف المبلغ بالضبط , وأردت فقط أن أشكرك , وأن أعرب عن بالغ تقديري لما فعلته , لكن لا يمكن أن تدفع الحساب لي , أذا لم تكن كافية فأرجو أن تخبرني".
" ما الذي تتحدثين عنه, وما هذا؟".
ونظر الى النقود في يدها فقالت:
" هذا من أجل فاتورة الفندق".
" أوه , قلت لك من قبل أنسي الموضوع ".
" نعم , أعرف ذلك , لكنني لا أستطيع".
" ألم تسمعي عن المجاملات؟".
" عليّ أن أسدد لك , لا أستطيع غير ذلك , ذلك أقل ما أستطيعه".
" خذيها , لا أريد أن آخذ مدخراتك".
" لكن..".
" أحذرك , أذا وضعتها على مكتبي فسألقي بها في سلة المهملات".
" وهل تلقي النقود في سلة المهملات؟".



أمل بيضون 13-09-09 11:32 PM

ونظر الى وجهها المشدوه وضحك على نحو غير متوقع وهو يقول:
" ميراندا ميك , يجب أن أحذرك : لست معتادا أن أغلب في الجدل وأفقد حجتي".
" أنني أقدر هذا يا سيد ستيل أنا لا أريد أن أجادلك , ولا أن أغضبك".
" أتساءل ما أذا كانت حساسيتك المفرطة تجعلك تعانين دوما من ذلك العائق".
" أي عائق؟".
" ذلك التناقض بين طابعك العنيد وبين معنى أسمك فكلمة ميك تعني الحليم , ولا أدري أيهما هو الأصيل؟ هل الأسم هو الذي يثير فيك عنادا كنوع من الدفاع عن النفس ؟ أم أنك حليمة بالأسم فقط؟".
" كلا , بل حليمة بالطبيعة , ليس هذا عدلا أو رحمة , فأنا أستطيع أيضا أن أفسر أسمك يا سيد ستيل , فكلمة ستيل تعني الفولاذ".
وظنت أن مطارق غضبه ستنهال على رأسها , لكنه فجأة أنفجر ضاحكا وهو يشير لها الى صينية طعامه ويقول:
" " هل تريدين فنجان قهوة؟".
" كلا , شكرا لك , وفي أية حال ليس هناك سوى فنجان واحد".
" كلا , سكرتيرتي مستعدة لكل الطوترىء , فدولابها مليء بكل شيء ألقي نظرة , ستجدين فنجانا بلا شك".
" أفضل ألا أفعل , فقد تناولت طعامي ومضت الساعة المخصصة لغدائي وسأتأخر الآن".
" أنا لا أصلح عذرا لتأخيرك؟".
" كلا, لأن الأمر مسألة شخصية حقا".
ومال برأسه الى أحد جانبيه وعلى وجهه تعبير غير مفهوم , ثم وقف فجأة ودار حول المكتب وهو يقول:
" نعم, أعتقد أن ذلك مسألة شخصية للغاية , مسألة دين وشرف وما الى ذلك , لم أكن أتوقع أن أسمع عن ذلك ثانية ".
" هل تعني أنك أعتقدت أنني قبلت فحسب ولم أكن لأهتم بالسداد؟".
" شيء من هذا القبيل".
" لكنني لا أستطيع , خاصة بعدما فعلته أنا... وأنت لم تكن تعرفني حتى مجرد معرفة".
" هل هذا مهم؟ لقد قدمت أنت لي بشخصيتك صورة أخرى من الناس كنت في أقصى الحاجة اليها في تلك الليلة , ومن ثم فالمسألة ذات فائدة متبادلة".
" لا أفهم؟".
" لا عليك, أنسي الموضوع يا آنسة ميك".
" صورة أخرى؟ ماذا تعني بذلك؟".
" هل نسيت مشاعرك المثالية , فأنت هربت من حفل عربدة تلك الليلة, وأنتهى الأمر بأن دفع لك رجل أجر البيت والأقامة ... ثم فأنني لا أفهم سبب قلقك".
وأدهشها هذا الأتهام الضمني , وقبل أن ترد ردا مناسبا تقدم اليها ووضع يده على كتفها , وحدق في وجهها وهو يقول:
" لكنني أكره أن تردي لي محاولتي القيام بدور الفارس النبيل".
وقبل أن تدرك قصده , أو تستطيع الأعتراض , أسقط النقود من فتحة قميصها وتراجع الى الوراء ونظر في ساعته وهو يقول ببرود:
" أليس هذا وقت عودتك الى عملك يا آنسة ميك".

أمل بيضون 14-09-09 12:36 AM

3- قرب النار
كانت ميراندا حريصة أشد الحرص على ألا تنفق تلك الورقة البالية ذات العشرة جنيهات.
وأعفاها أنتقالها الى الشقة الجديدة مؤقتا من التفكير فيه , فقد كانت مشغولة للغاية في ترتيب حاجياتها , وبواعز من ضميرها الحي دوما حرصت على ألا تأخذ بوصة زيادة من حقها في نصف محتويات الشقة كالخزانة , والرفوف , وتركت عن عمد كل المساحات التي تخصها في غرفة الجلوس فعندما تصل جان سيقرران معا مواضيع أشياء كل منهما وماذا يوضع بها, كيف تبدو جان؟ هل ستكون ودودة؟ هادئة وجادة؟ أم مرحة ومحبة للهزل؟ أتمنى أن تكون من محبي الموسيقى الشعبية والباليه مثلي.
وبمجيء يوم الثلاثاء , بدأت تشعر أنها في بيتها , وكتبت لكل من يعنيها أمرهم لتخبرهم بعنوانها الجديد , ونظمت المطبخ بطريقة تكفل لها الأسراع بتناول أفطارها صباحا.
وفي صباح يوم الجمعة جاءت رينا هارفي بنفسها الى المكتب وألقت على ميراندا نظرة خاصة وهي تقول لها :
" ما هي علاقتك بالطابق الحادي والعشرين يا فتاتي؟".
" لا شيء".
وتدخلت سوزان في الحديث وهي تسأل رينا:
" ماذا تقصدين؟".
ونهضت ميراندا من مكتبها وركبتاها ترتعشان وهي تسأل:
"ماذا هناك؟".
وردت رينا بوقاحة:
" كيف أعرف؟ السيد جاسون لا يخبر أحدا بشؤونه , والآن أذهبي يا ميراندا ولا تتركيه ينتظر في قلق بحق السماء فقد أرسل في طلبك".
كانت راحتا يدي ميراندا مبللتين بالعرق رعبا وهي في المصعد , ماذا فعلت ليستدعيها السيد جاسون الى برج السلطة هذا؟ أنه لم يرسل أبدا يطلب أحدا من تحت سوى رئيس المديرين التنفيذيين , لا شك أنه بعد كل هذه المدة لن ... ولا يمكن أن يكون غيّر رأيه بشأن العشرة جنيهات تلك.
وحاولت أن تضحك في سرها , لكنها تأوهت بصوت مرتفع مما جعل زميلها في المصعد وهو رجل عجوز ينظر اليها في حدة , وتنفست الصعداء عندما خرج من المصعد في الطابق الثاني عشر , وضغطت ميراندا على زر الطابق الواحد والعشرين بأصبع مرتعش , كانت الآنسة مايو في أنتظارها وخصتها بأبتسامة وأومأت لها صوب الباب وهي تقول:
"تفضلي يا آنسة ميك".
وأطاعتها ميراندا ودخلت ثم أغلقت الباب خلفها في صمت , ورأته واقفا الى النافذة , وظنت لأول وهلة أنه لم يسمعها وهي تدخل , لكنه قال بدون أن يستدير اليها:
" أجلسي يا آنسة ميك".
كان صوته الآمر يبدو طبيعيا لكن ذلك لم يبدد توترها وجلست على أقرب مقعد وهي تقول:
" أرسلت في طلبي يا سيد ستيل".
" نعم".
وبلا يعجل عبر الغرفة وجلس على كرسي المكتب ونظر اليها ببرود وهو يقول:
" لماذا لم تخطرينا بتغيير عنوانك؟".
" تغيير عنواني ؟... أنا ...أنا...".
" من قواعد شركتنا أنه على كل- وأقول كل- الموظفين أخطار السجلات بتغيير مكان أقامتهم الدائمة".
" لكنني لم أكن...".
وتوقفت عن أدعاء أنها لم تكن تعرف وأخذت تنظر اليه في رعب, لم يكن حقيقيا أنها لا تعرف لكنها نسيت التعليمات التي أطلعوها عليها عند تعيينها , ومع ذلك نسيت رغم أنها عصرت ذهنها في الأسبوع الماضي لتذكر كل شيء , وقالت وهي تشعر بالذنب:
" أنا آسفة يا سيد ستيل , نسيت , سأذهب فورا الآن وأخبرهم".
ووقفت وهي تقول هذا لكنه رفع يده وهو يقول:
" لم أنته بعد يا آنسة ميك".
ثم غاصت في المقعد من جديد , لماذا يحدث لها كل هذا وسألها:
" متى أنتقلت للمسكن الجديد؟".
" يوم السبت الفائت , قضيت هناك خمسة أيام ونصف اليوم فقط فحسب , وأنا واثقة أنني كنت سأتذكر وأخطر السجلات ".
" أين يقع هذا المسكن؟".
" قرب ويلو غروف , أنه بعيد نوعا ما , لكنه جيد".
" كم غيرك هناك؟".
" لا أحد , أنه مملوك لسيدة تزوج كل أبنائها وأصبح المنزل كبيرا بالنسبة اليها , وعندما كتبت أبنة أختها بأنها ستأتي الى لندن لتعمل بعد أن أنهت دراستها , فكرت السيدة سوندرز أن تحول جزءا منه الى شقة لأبنة أختها , على أن تشترك معها فتاة أخرى".
" والشقة هل هي جيدة؟".
" حسنا ! أنها مليحة جدا".
" أليس من المحتمل أن تجعلك تلجأين الى مكتبي في الطواريء؟".
لم تستطع أن تواجه التعبير الذي بدا في عينيه وخفضت بصرها وهي تقول:
" لا أعتقد ذلك".
وضغط على زر جهاز الأتصال على مكتبه وعندما جاءه صوت السكرتيرة قال لها:
" سأنتهي خلال لحظة".
ثم نظر الى ميراندا وهو يقول:
" أذهبي الآن الى السجلات حتى لا تنسي مرة ثانية".
وعاد له بروده ثانية , وفي غمغمة موافقة خرجت مسرعة ومضت من فورها الى السجلات , وهناك وجدت الرجل العجوز الذي كان يرافقها في المصعد فأعطته البيانات وسألها عن رقم الهاتف ثم شكرها قائلا أن هذا هو كل شيء لكنها ترددت لحظة ثم سألته:
" هل كان السيد ستيل غاضبا؟".
" السيد ستيل؟ غاضبا؟".
" عندما أمتشف أنني لم أخبرك؟".
" ما الذي تتحدثين عنه يا آنسة . أن السيد ستيل ليس لديه وقت يبدده على أشياء مثل هذه..".
" كلا , كنت فقط أتساءا أذا ... عندما...".
وكفت عن الكلام وخرجت مهرولة وكانت مشغولة البال عندما عادت الى مكتبها , ولم تبل بنظرات الفضول من سوزان وزميلاتها الأخريات وسألتها سوزان:
" ما الذي كان يريده".
" لا شيء".
" لا شيء , أعتقدنا أنهم طلبوك الى الطابق الأعلى ليشنقوك على الأقل".
" أوه , لقد كان هناك بيان خاطيء في سجلي".
" وهل طلبك جاسون من أجل هذا".
" نعم , وأن لم تصدقيني , أذهبي وأسأليه بنفسك".
ولم يبد على أحد أنه يود تنفيذ هذا الأقتراح , ومن ثم أستطاعت ميراندا أن تستأنف عملها , وحتى عندما عادت الى منزلها تلك الليلة لم تكن قد أستطاعت أن تحل اللغز , فأذا لم تكن السجلات عرفت بأنتقالها فكيف عرف جاسون؟
كان ذلك السؤال يبدو بلا جواب , وفي يوم الأثنين التالي , قل توترها لغيابه , فقد جاءت الأنباء بأنه رحل في تلك السفرة المؤجلة الى أميركا , لكن التوتر بدأ يعود , فالباحثون عن الترقية لدى القيادة يوسعون سلطاتهم ويخططون لأستغلال هذا الأسبوع لتحقيق طموحاتهم الشخصية لكن لا شيء من هذا يعني ميراندا , كانت تحس بخواء المكان وغياب جاسون لم يغير من عملها شيئا , ومع أنها تدرك أن أسابيع يمكن أن تمر وهو في المبنى بدون أن تراه , أحست لغيابه وحشة وأن شيئا حيويا ينقصها.
وودت أن تقول لرينا عرضا:
"متى سيرجع الرئيس؟ لكنها تعرف أنها لا تجرؤ على ذلك فرينا ما زالت تذكر ذلك الأستدعاء الى الطابق الأعلى الداعي للدهشة , والذي لم تشبع ميراندا فضولها نحوه , ولو سألتها فربما أجابت , حسب مزاجها , لكن الأرجح أنها ستلف وتدور حول ميراندا وتسألها عن سر الأهتمام المفاجىء بحركات جاسون.
كانت ميراندا تتساءل دوما عن رينا وعن الأشاعات التي تدور عن علاقاتها برئيس الحسابات , كان رجلا جاف النظرات , صوته ناعم أن لم تلتفت تماما اليه وتركز فلن تفهم شيئا مما يقوله , كان كبيرا في السن , أكبر من رينا التي تخفي عمرها بحذر , كانت أمرأة طويلة متوهجة , لها عينان سوداوان غجريتان وفم واسع , وكانت تلبي ثيابا تحدسها عليها الفتيات رغم أنهن يتغامزن عليها من وراء ظهرها , وكان رئيسها هذا متزوجا ,. وزوجته تتردد كثيرا على الشركة لتصحبه الى المنزل.
وفي منتصف الأسبوع لم يكن لدى ميراندا وقت تفكر فيه في جاسون , ناهيك عن مناورات المكتب , وفي هذا الوقت أنتشر وباء الأنفلوانزا بين العاملين وكانت رينا هي أول من أصيب, وعند وقت الغداء أرسلت هي وعددا آخر الى منازلهم , وفي يوم الأربعاء كان عدد المكاتب الخالية أكثر من المشغولة , وفي نهاية الأسبوع كان عدد قليل فقط لم يصب لكن الناجين لم يحمدوا الله لأنهم أعتقدوا أن المرض كان سيعفيهم من العمل وبدأت الشركة في توزيع أعمال الغائبين , وتطوعت ميراندا وسوزان للبقاء في العمل بعد مواعيده في ليلة الجمعة , لكن في الساعة الثامنة من ذلك اليوم أشتكت سوزان أنها تشعر بالمرض , وعرض راي ديسدون , وهو شاب لطيف ألتحق منذ أسابيع قليلة أن يوصلها للمنزل وأعترضت سوزان لأن ذلك معناه ترك ميراندا وحيدة في القسم , وعندئذ عرض راي أن يوصل ميراندا هي الأخرى , لكن هذه رفضت لأنها تدرك أن راي يستلطف سوزان وربما كانت هذه هي الفرصة التي ينتظرها لأقامة صداقة معها , وقالت له عندما عرض عليها أن يرجع ليأخذها:
" كلا , أهتم بسوزان فقط , سأكتب هذه الرسائل ثم أضعها في صندوق البريد وبعد ذلك أرحل".
وعملت لفترة طويلة لوحدها بعد أن رحلا , وما أن فرغت من آخر رسالة حتى تنهدت في أرتياح.
ونظرت الى الساعة فوجدت أنها التاسعة , فأخذت معطفها ولم تهتم بأصلاح زينتها وحملت الرسائل معها , كانت معظم الطوابق غارقة في الظلمة فيما عدا أضواء قليلة هنا وهناك , وكان العاملون في التنظيف قد مضوا منذ مدة والحارس الليلي يقف عند مدخل المصعد , يتحدث الى رجل رمادي الشعر تعرفه ميراندا بالشكل , وكان الكلب هناك , جالسا في هدوء وترقب... وحيت ميراندا الرجلين , وأحست أن الكلب يتبعها بعينيه وأنه يعرفها منذ تلك الليلة .
وأسرعت الى الشارع حيث يوجد في ركن منه صندوق للبريد ... عليها أن تذهب غدا لشراء حذاء جديد وأشياء أخرى , وفي اليوم اليوم التالي يوم الأحد ستذهب لرؤية سوزان ... كان صندوق البريد مملوءا تماما , فقد سبقتها اليه الأقسام الأخرى وأستطاعت ميراندا أن تحشر بعضا من رسائلها , دون الرسائل الكبيرة , وكان من الأفضل أن تذهب الى مكتب البريد لكنه مغلق الآن , فحاولت من جديد , ووقعت منها بعض الرسائل فألتقطتها وبدأت في وضعها في الصندوق وأثناء ذلك غمرتها أنوار ساطعة أغشت بصرها وسمعت صوت فرامل وأحتكاك أطارات سيارة بالأرض , وصوتا يقول لها:
" هل أنتهيت؟".
وتلفتت فرأت السيارة المرسيدس تقف بجوار الرصيف وجاسون ينظر من نافذتها , وأخذتها المفاجأة على غرة ولم تستطع أن تفعل شيئا سوى أن تومىء وأن تقول في فرح:
" لم أعرف أنك عدت".
" ألم تكوني تعرفين , لا بد أنك أفتقدتني؟".
وأنتابها الأرتباك , وخفضت بصرها , فقال لها:
" أطلعي , سأوصلك الى البيت".
وفتح لها الباب , وأخذت تحدق فيه وقالت:
" شكرا لك , ولكن....".
وجعلها خجلها تقف حيث هي , في حين كان أرهاقها يدفعها لقبول هذه الفرصة , وقال لها:
"لا تجادلي كان يوما مرهقا كالجحيم".


أمل بيضون 14-09-09 04:32 PM

وركبت في صمت , وأنطلق بالسيارة دون أن ينطق بكلمة , لم يكن يبدو عليه أي شك حول الأتجاه الذي يسير فيه , وعندما غامرت بأرشاده رد ببرود:
"أعرف ويلو غروف".
" أنا آسفة , أن هذا سيبعدك كثيرا عن طريقك".
" أنت لا تعرفين طريقي".
وعاد الى الصمت من جديد , ولم تغامر بالحديث , وعندما دخلت السيارة الى الطريق الطويل الذي تحف به الأشجار سألها جاسون:
" أي منعطف؟".
قالت ميراندا وهي تنظر أمامها:
" الثاني الى اليمين , المنزل الرابع".
ودار الى اليمين ووقف بنعومة ويسر أمام الباب الرابع , وقبل أن تأخذ حقيبتها وتستع للنزول أوقف المحرك وأطفأ نور السيارة الداخلي الذي يضيء وجهها وقال لها بهدوء:
" ما بالك؟".
" لا شيء , شكرا لك على...".
فوضع يده على ذراعها وهو يقول :
" قلت لك يا ميراندا , أنه كان يوما مرهقا كالجحيم , ألا تذكرين , لا تجادلي".
" ليس لديّ أي نية في الجدل , ولم أطلب اليك توصيلي".
فأغلق عينيه بنفاذ صبر وتنهد وقال:
" ألا تعرفين أن هذه الأعتراضات المهذبة هي أكثر أنواع الجدل حماقة وأثارة للأعصاب ؟ حسنا , أنت تريدين أن تكوني مهذبة وأنا أريد فحسب أن يغمر السيارة ظلام هادىء لأنزع من رأسي تلك الأصوات المزعجة التي تبعثها الطائرة النفاثة, أنا آسف , لم أقصد أن أكون فظا".
" أوه , لكنني لم أكن أعرف أقصد, لم أفهم: هل جئت من المطار توا؟".
" الواقع أنني وصلت منذ ساعتين".

أمل بيضون 14-09-09 05:50 PM

وتأملته في صمت لبرهة , ورأت علامات الأرهاق حول عينيه وفمه, وأحست بتعاطف طاغ معه , وودت لو تزيل الأرهاق البادي على وجهه , وقالت دون تفكير:
" لو كنت عرفت ذلك لما أتعبتك بتوصيلي , هل تريد بعض القهوة؟".
" هنا؟".
" نعم , أن أعدادها سيستغرق دقيقة فحسب".
وكان القلق واللهفة باديين في عينيها , وأبتسم جاسون فجأة وهو يقول:
"فعلا أود الحصول على بعض منها".
وأبتسمت له وهي تأخذ حقيبتها وتسرع بفتح باب السيارة وحمدت الله أن جان زميلتها في الشقة لم تصل بعد, كان الطابق الأرضي مظلما , لا بد أن السيدة سوندرز في الخارج , وسارعت بفتح الباب وأضاءت النور وقالت له:
" مسكني في الطابق الأول".
ورأت نظراته تجوب المدخل بطلائه الأبيض وستائره الوردية والمائدة المصنوعة من خشب الورد التي تحتفظ بها السيدة سوندرز لامعة كالمرآة دائما , لكنه لم يعلق وتبعها الى الشقة التي بدت نظيفة ومنسقة تماما , وبدت الغرفة التي دخلها أصغر عندما وقف في وسطها وأوقدت النار وقالت له في حياء:
" أجلس لو تكرمت يا سيد ستيل , سأعد القهوة فورا , هل تود شيئا تأكله ؟ ساندويشا أو خبزا مقددا عليه شيء ما ؟ أستطيع أن أعد لك عجة , فأنا غالبا ما أعد شيئا من هذا القبيل لنفسي , عندما أقضي وقتي داخل المنزل".
" لا تعبي نفسك من أجلي بأعداد شيء خاص , تكفي القهوة أو أي شيء موجود لديك".
وذهبت الى المطبخ الصغير حيث وقفت برهة ثم أنطلقت الى العمل الذي أستغرق بلا شك مدة تزيد على الدقيقة لكن الصينية التي أعدتها بدت جذابة للغاية , كانت فيها ساندويشات من اللحم وحلقات البندورة , وشرائح الخيار والبيض والبقدونس , ماذا لو لم يكن يحب الخيار؟ كان من الأفضل أن تترك واحدا بلا خيار , ومن حسن الحظ أنها أشترت ذلك الجبن الفاخر , وترددت بشأن كعكة الكرز من الأفضل ألا تقدمها , فهي لديها منذ عطلة نهاية الأسبوع الماضي , في أية حال فالرجال لا يأبهون بالحلوى ووضعت أناء القهوة على الصينية وحملتها الى حيث يجلس في غرفة الجلوس وعندما رآها قال لها:
"يا للسماء هل هذه حفلة؟ من سيأكل كل هذا".
" هل تريد القهوة بالحليب؟".
" كلا , بدون حليب لو سمحت".
ورغم أنه منذ بضع دقائق قال أنه يريد القهوة فحسب , فقد أكل ثلاثة ساندويشات وعدة قطع من الجبن ولم تبد عليه صامتة ترشف الرغبة في الحديث , وجلست ميراندا صامتة ترشف قهوتها في هدوء , لكنه ما لبث أن قال بجفاء:
" أعتقد أنه لا توجد قواعد هنا تتعلق بأستضافة الأصدقاء من الرجال ".
" لا أعرف , فتلك أول مرة , لكنك رئيسي".
" وهل هناك فارق؟".
فأومأت برأسها وخفضت بصرها , كانت تحس أنها تحلم بوجود جاسون جالسا معها يشاركها وجبة أعدت على عجل , وبعد أن أنتهى قال لها:
" لقد أستمتعت بهذا , أعاد اليّ الحياة".
" أنا مسرورة".
وحملت الصينية والأطباق الى المطبخ , وهي تنوي العودة اليه سريعا لكنها وقفت تحدق في الأطباق , كم غريبة هي الطريقة التي تحدث بها , أشياء لا تخطر ببال الأنسان , أنها لم تكن تحلم حتى بهذا, أنها لم تتوقف لتسوي شعرها أو اتصلح زينتها قبل أن تترك مكتبها , وودت لو أنها كانت تلبس ثيابا أفضل من تلك التي كانت ترتديها , وتنهدت ونظرت لنفسها في المرآة الصغيرة في المطبخ , من المشكوك فيه أن يكون جاسون لاحظ أو راق له أن يلاحظ مظهرها , أذ كان يبدو مرهقا للغاية وتنهدت ثانية وعادت اليه.

الاعصر 14-09-09 10:19 PM

تسلم ايديكي بس بلييز كمليها بسرعه لانها مشوقه جدا


ايمي من اسكندريه

بنوته عراقيه 15-09-09 12:45 AM

يعطيك العافيه ..الروايه مشوقه ..بانتظارك

أمل بيضون 15-09-09 01:13 AM

كان الصمت غريبا وعندما وصلت الى المدفأة أدركت السبب , فقد بلغ الأعياء بجاسون حدا جعله يروح في سبات عميق, ونظرت اليه برهة متوقعة أن يفتح عينيه , لكنه لم يفعل وعضت على شفتيها لتمنع كلمات كادت أن تنطق بها حتى لا توقظه , وجلست في كرسي آخر وكان من المستحيل ألا تتفحصه وهي لا تخشى الآن والنوم يلفه مواجهة نظراته الدخانية الرمادية أو الطريقة الساخرة التي يلوي بها فمه قبل أن ينطق بتعليقاته اللاذعة , وأخذت تحدق في قسماته المحددة الواضحة التي تجذب اليها الناس جميعا بسهولة وهي تأمرهم- أو تخضعهم , أنها قسمات تدل على قوة الأرادة والسيطرة , وتتسم بمغناطيسية خاصة لا يتردد في أستخدامها لتحقيق أغراضه لكنه وهو نائم يبدو أصغر سنا , وأكثر شبابا , وأبتسمت لنفسها وقامت الى رف الكتب الموجود خلف مقعدها لتأخذ كتابا تقرأ فيه تتركه خلالها يستريح, وبعد ذلك ستسير على أطراف أصابعها لتغسل الأطباق , وعندئذ ستوقظه أصوات الأطباق ولم يحس بالوقت الذي أنقضى , وفتحت الكتاب وبدأت تقرأ , لكن الأمور لم تسر حسب الخطة , أذ وجدت أنه من المستحيل أن تصرف نظرها عن وأن تركز على الكتاب , زد على ذلك أن الأضاءة لم تكن كافية لتيسير القراءة , وأخيرا وضعت الكتاب جانبا وتركت لأفكارها حرية التنقل , أين يعيش؟ أنه ليس متزوجا .... من يعنى به؟ هل لديه منزل كبير وعدد كبير من الخدم أو يعيش في واحد من تلك الأجنحة الفاخرة حيث يكفي أن يضغط الجرس ليقدم اليه كل ما يحتاجه, هل القصص التي تروى عنه حقيقية؟ هل هو زير نساء؟ ما هي الحقيقة حول ما يقال أنه بدأ في يقطع علاقاته بالفتيات فور أن يبدأن في التطلع الى الأرتباط بهن؟ لكنهن يلاحقنه كما قالت رينا وأذا لم يكن لديهن أحساس كاف ليتعلمن القواعد التي يسير عليها , فلا يلمن الا أنفسهن أذ أصابهن منه أذى ,ولكن اي قواعد تلك؟ لا شك أن العلاقة الأخيرة كانت كاملة وأستمرت طويلا ... علاقة حب لا نزوة للتنقل من فتاة لأخرى يعقبها أنتظار قلب وأحتلااق عاطفة.
نامت ميراندا مع تعاقب هذه الأفكار وغيرها دون أن تدري, سقط رأسها ومال على المسند , في الوضع الذي نام به ستيل على الجانب الآخر من المدفأة , لم تسمع صوت الباب في الطابق الأرضي وهو يغلق , فجدران المنزل ضخمة وسميكة تمتص الأصوات , كما لم تسمع صوت سقوط المطر على النافذة ولا الريح العاصفة وهي تضرب الأشجار , وأنزلق الكتاب على قدميها فأيقظها , وأعتدلت في جلستها غير مصدقة وعندئذ رأت جاسون ينظر اليها , ويتحرك وهو يقول:
" لماذا لم توقظيني ؟ يا أله السماوات , أنظري الى الوقت يا فتاتي".
" أنا آسفة , لم أدرك... طواني النوم أنا أيضا...".
" نعم , بالتأكيد , أن كرم ضيافتك يبعث السرور البالغ , لكن هل تتركين ضيوفك دوما ينامون؟".
" كلا , لكنك كنت مرهقا للغاية , ولم يطاوعني قلبي أن أوقظك".
" كان هذا كرما منك يا آنسة ميك, وأنا أقدره لك, لكني أخشى أن أسبب لك مضايقات , خاصة بعد يوم العمل المرهق".
" لا يهم , فغدا السبت وأستطيع أن أنام حتى وقت متأخر أذا رغبت".
وبدا كأنه يود أن يقول شيئا , ثم غير رأيه , وأومأ لها وأتجه الى الباب , وأخذ مفاتيح السيارة من جيبه , وأسرعت وراءه وهي تقول:
"من الأفضل أن آتي معك ,حتى أغلق الباب خلفك".

DrEeM NiGhTs 15-09-09 02:01 AM




thanx a lot amal 4 this part , nd we re waiting 4 the rest of the novel

الجقة 15-09-09 03:35 AM

حلوة منك
 
حلوة وايد تسلم إيدك ياعسل ،.. لاتتأخري علينا حتى لو ماكتبنا رد إحنا إمتابعين أكيد

أمل بيضون 15-09-09 02:05 PM

فتوقف وأفسح لها الطريق لتتقدمه , وسارت في صمت محاولة الحفاظ على الهدوء وهي تفتح الباب الزجاجي للردهة الخارجية, كانت السيدة سوندرزتهتم كثيرا بمسائل الأمن , ومن ثم وضعت بجوار القفل العادي رتاجين كبيرين , سحبت ميراندا الأسفل منهما لكن الأعلى كان متيبسا وأعلى من أن تصل اليه بسهولة , فتقدم جاسون لفتحه وأحدث الرتاج صريرا عنيفا وعندئذ قال جاسون وهو يهمس:
" ألم تسمع صاحبة المنزل عن زيوت التزليق التي تمنع هذه الأصوات".
وأحست ميراندا بالرغبة في أن تقهقه وبالفعل أفلتت منها ضحكة والباب ينفتح وأبتسم جاسون بدوره , لكن بابا أنصفق من خلفهما ما جعل ميراندا تتجمد في مكانها , وجاءهما صوت حاد من أعلى:
" من هناك؟".
ونظرت ميراندا الى أعلى بعينين مذعورتين , فرأت السيدة سوندرز وهي ممسكة شمعدانا وترتدي عباءة , وغمغم جاسون قائلا:
" ها قد وصلنا".
وردت ميراندا مضطربة:
" أن كل شيء على ما يرام يا سيدة سوندرز أنني ميراندا".
" أنت... لكن كيف دخلت , لقد أغلقت الباب من الداخل بنفسي , و....".
" كلا , نحن... ذلك هو السيد ستيل , أنه خارج ... آسفة أذا أزعجتك , لكننا..".
" خارج ... هل تعنين أنكما لستما قادمين ؟ هل تعنين أنك أنت وهذا الرجل كنتما ... كنتما تتسللان في هذا الوقت من الصباح؟ كيف تجرؤين ؟ لقد رأيت السيارة الغريبة عندما جئت , لكنني لم أكن أبدا...".
فقاطعتها ميراندا بعد أن أدركت ما ستقوله وهي تصيح :
" كلا , أنتظري! أصغي , أن كل شيء على ما يرام يا سيدة سوندرز , أستطيع أن أشرح لك الموقف , أن السيد ستيل هو رئيسي في شركة كارونا ستيل , لقد أوصلني الى المنزل , وكان قد عاد توا من...".
" أنا لا أبالي بمن هو , ولا من أين جاء أن وضعه بالنسبة اليك لا يهمني في شيء , وكذلك وضعك بالنسبة اليه , لكنني أفضل أن يتم هذا خارج منزلي , ولا تحاولي أن تقولي لي أنه كان لديكما عمل في هذه الساعة من الليل , لقد حذروني من المخاطرة بأدخال غرباء في منزلي ولم أصدق , لقد صدمت فيك يا آنسة ميك , أعتقدت أنك فتاة لطيفة هادئة بعد الرواية التي حكيتها لي عن المكان الذي كنت تعيشين فيه , والطريقة التي أنشأتك بها عمتك , أنا أشعر بالأسف من أجلك , لن أخدع ثانية , هذا مؤكد , ولن أنتظر حدوث هذا مرة ثانية , هل سيدخل الرجال ويخرجون من منزلي طوال ساعات الليل؟".
فهتفنت ميراندا في ذعر:
" يا سيدة سوندرز, أنت مخطئة تماما , أستطيع أن أشرح لك الأمر فقط أذا أنت...".
" لا أعتقد أن هذا ضروري , فكما قلت لك , ليس هذا شأني , لكنني سأطلب منك الرحيل , فأنا أخشى على جان ومن الخير أن ترتبي أمورك بأسرع ما تستطيعين".

أمل بيضون 15-09-09 04:00 PM

وأخذت ميراندا تلهث , وغاص الدم في وجنتيها , وتقلصت معدتها من آلام الخوف , شقتها .... شقتها الصغيرة اللطيفة , لا يمكن أن يكون هذا حقيقيا , عليها أن تجعل السيدة سوندرز تصغي اليها وأن تفهم , وتأهبت للتكلم , وأحست بيد جاسون تقبض على ذراعها وهو يقول بهدوء:
" لحظة فقط يا سيدة سوندرز .
وألتفتت اليه المرأة الغاضبة وهي كارهة فأضاف:
"أن تهمك ليست كريهة فحسب , بل وظالمة أيضا وليس لها أساس من الصحة ,وفي أية حال , أؤكد لك أنني سأضمن لك رحيل الآنسة ميك فلن أسمح لها بالبقاء بعد هذا".
قالت السيدة سوندرز وهي تحدق فيه:
" ماذا؟".
وتأوهت ميراندا وهي تنظر اليه في يأس لتدخله غير المتوقع ونسيت ما كانت ستقوله أذ أحست بذراعه تلتف حول كتفيها وهو يشدها الى جانبه , ثم ما لبثت أن صعقت أذ سمعته يقول:
" الآنسة ميك ستتزوجني , وأذا كان لديك شيء آخر تقولينه فعليك توجيهه لي أنا".
كانت هناك لحظة من الصمت المشدوه , وأعتقدت ميراندا أنها تخيلت كل هذا , وأنها تحلم , ونظرت اليه علها تجد تأكيدا , لكن ذراع جاسون الصلبة حول كتفها لم تكن حلما , ولا أمرا صارما أصدره اليها :
" لا تجادلي يا ميراندا ولا تقلقي".
" لكن... لكن.... أنا...".
" سأراك غدا , وسنتحدث عن ذلك حينئذ".
وتحت نظرات السيدة سومرز المشدوهة , رفع ذقن ميراندا الى أعلى وعندئذ دفعها برقة وهو يوميء لها في أتجاه السلالم قائلا:
" حان الوقت لتنامي قليلا , هيا يا ميراندا".
ولم تستطع أن تحول بصرها عن وجهه , ومشت بظهرها الى السلم وهي تشبه من يمشي أثناء نومه.
ونسي كلاهما وجود السيدة سوندرز.

أمل بيضون 15-09-09 05:49 PM

4- عشاء بلا شموع
عندما تسللت أشعة شمس اليوم التاي من خلال فتحة الستارة , نفضت ميراندا عنها أغطية الفراش , وجلست تفكر, ثم قررت أنها لا بد كانت تحلم.
كانت الغرفة تبدو طبيعية جدا , والساعة الموجودة الى جوار السرير منتظمة وغير متعجلة في دقاتها , وشعرت بالأحساس اللذيذ لعدم الأستعجال الذي يميز أيام العطلة.
أعتدلت على حافة السرير ثم أنزلت قدميها وبحثت بهما عن خفها , وبدأت تقيّم في ضوء النهار البارد الأحداث التي لم تكن حلما , هل ظلت مستيقظة معظم الليل , متسائلة عما دفع جاسون الى الأدلاء بهذا البيان البالغ الغرابة الذي سمعته منه؟ وحدد عقلها عددا من الأسباب لذلك , بعضها مناف للعقل.
سمعت مرة عن رجل تزوج فتاة لا يكاد يعرفها لأنه كان عليه أن ينجب ليصبح له الحق في ميراث ما , لكن جاسون لا يبدو في حاجة الى مثل هذا الأجراء وسبحت في أفكار أخرى خيالية لكن لها طابعا شخصيا رقيقا مفرطا في الرقة حتى أنها وبخت نفسها على مثل هذا التفكير – فكيف تتخيل أن جاسون من الطراز الذي يكتشف فجأة أنه ولهان بفتاة لا يكاد يعرفها , وهي فتاة يمكن أن نصفها لو ألتزمنا المجاملة بأنها خجولة , تخفي مشاعرها ولا تظهرها , وأنها عضو غير هام في أدارة الحسابات, كلا , هناك سبب واحد يصمد للدراسة المنطقية المطولة وهي أن جاسون صاحب دعابة من طراز فريد ولا يمكن التكهن بالظروف التي يطلق فيها دعابته.
حقا, لقد كانت الغلطة غلطتها , وكان عليها أن تعترف بذلك لنفسها لو لم يكن قلبها ضعيفا لهذا الحد ... وجاسون عنيف أولا وقبل كل شيء ومرن في الوقت نفسه , ولو لم يكن كذلك لما كانت له تلك السلطة في عالم الأعمال , وتنهدت, رغم كل هذا فللمحادثة ذكريات جميلة ,وهي لا تستطيع أن تنسى قسمات وجهه وهو نائم , كان فتيا وجذابا , على نحو غريب حتى أنها أرادت أن تلمس صدغيه بخطوطهما الفضية .
وأنصرفت عن النافذة بقوة, وأرتدت ثياب المنزل , كانت مثارا للسخرية ربما كان يهزأ مما حدث الآن , لا بد أنه يتوقع منها أن تشاركه هذه النكتة ... نكتة كبيرة أنهت مشاكسة السيدة العجوز صاحبة المنزل وأخذت تفكر وهي ماضية الى الحمام أن المشكلة الحقيقية هي أضطرارها لترك الشقة , أذا نحينا جانبا كل كل اللغو الذي قاله عن أنه لن يسمح لها بالبقاء , فأنها لن تستطيع أن تعترف بالحقيقة عندما تحين لحظة شرح الموقف وحتى أذا لانت السيدة سوندرز وقالت لها أنها تستطيع البقاء , فأن ميراندا لن تستطيع مواجهتها والأعتراف بأن كلام جاسون كان مجرد طريقة سريعة ومناسبة للتخلص من المأزق.
" ميراندا؟".
أنتفضت واقفة كرد فعل لهذا الأستدعاء , وفتحت الباب قليلا لترى السيدة سوندرز التي قالت لها:
" تصورت أنك لا بد أن تكوني هنا , هناك مخابرة لك في الدور السفلي هل تنزلين أن أني؟ أعتقد أنه خطيبك , لكنه لم يذكر أسمه , طلبك فحسب".
" سآتي".
وأندفعت ميراندا الى الطابق السفلي متجاوزة السيدة سوندرز , وهي تحيط نفسها بمنشفتها الكبيرة , كانت تطير وهي نازلة السلالم , وقلبها يخفق بشدة , وأنفاسها متقطعة وهي تهمس في الهاتف:
" نعم , أنا ميراندا ميك".
قال جاسون بصوت لا ينم عن شيء مما حدث في اليوم السابق:
" صباح الخير , هل حدثت مشاكل بعد رحيلي الليلة الفائتة؟".
" كلا".
" حسنا , والآن أسمعي يا ميراندا , أنا في عجلة من أمري اليوم , لقد ألغى الرئيس أرتباطاته هذا الصباح وذلك حتى ألتقي به, ومن ثم فلن أستطيع الأعتذار عن عدم مقابلته , وسينضم والي أمبروز الينا في الغداء , الأمر الذي يعني جلسة عمل ممتدة , أشك أنني سأفرغ قبل الثالثة , ربما بعد ذلك , ما الذي ستفعلينه اليوم؟".
" حاليا , ألتف بالمنشفة".
" ماذا؟".
وقبل أن تستطيع الرد ضحك برقة وقال:
" هل أخرجتك من الحمام؟ خطر ببالي أنني ربما أخرجك من السرير , لا تقلقي لن أحنجزك طويلا , سأمر عليك في السابعة ... هل يناسبك؟".
وأومأت برأسها ثم أدركت أنه لا يراها فغمغمت بما يفيد الموافقة فقال لها:
" حسنا , الى اللقاء".
وضعت هي السماعة بدورها وألتفتت لترى السيدة سوندرز تدور في الردهة مقبلة نحوها وهي تقول:
" لم أكن أعرف أنك مخطوبة له , لو عرفت لما تسرعت , لكنني أرتعبت عندما سمعتكما , في هذا الوقت المتأخر...".
" نعم , أنا أدرك ذلك".
" أنا آسفة أذ كنت فظة , وأنت بالطبع تعرفين أنه ليس عليك أن ترحلي حتى... أعتقد أنكما تعدان المنزل حاليا".
وأبتسمت السيدة سوندرز , وغمغمت ميراندا بشيء غير واضح فقالت لها السيدة سوندرز:
"أذهبي قبل أن تصابي بالبرد وأنت تقفين فذ هذه الردهة التي تموج بتيارات الهواء".
وأنتهزت ميراندا هذه الفرصة وهرولت وهي ممتنة , فقد كانت تتوقع كل أنواع الأسئلة الودودة : ما نوع الخاتم الذي قدمه لك ؟ ما نوع حفل الزفاف الذي ستقيمانه ؟ متى ؟ وأين؟ ناهيك عن نصائح الصداقة , وأنتابت ميراندا حالة أكتئاب عندما بلغت غرفتها , ليتها ما نطقت بتلك الدعوة في تلك الليلة الماضية , فقد أرهقها التفكير في التفسيرات المربكة التي عليها أن تقدمها أن عاجلا أو آجلا.


zamarad 15-09-09 09:34 PM

قصه وايد حلوه ويعطيك العافيه

zamarad 15-09-09 09:41 PM

وين التكملة القصه ياغاليه

أمل بيضون 15-09-09 09:42 PM

وترددت طويلا في أختيار ثوب السهرة وفي السابعة تماما سمعت طرقا على الباب , لم يعد هناك وقت لتغيير الثوب الأرجواني المصنوع من القطن , وأسرعت بفتح الباب , وتبدد قلقها وهي ترى نظراته الدافئة التي تجعل المرأة تحس أنها جميلة , ومنحته أبتسامة عذبة تتضمن دعوة غير متعمدة وقالت بحياء:
" سأحضر شالي".
كان قلبها يخفق بقوة وهي تنزل السلالم وتصعد في السيارة التي أنطلقت بها بعيدا ,. وفكرت بينها وبين نفسها أنه من الحمق أن تشعر بكل هذه الأستثارة , بل ومن الحمق أن تضطرب هذا الأضطراب لأنه يخرج معها لمجرد أن يضحكا على ذلك التفسير الغبي الذي قدم الليلة الفائتة , وألتفتت اليه فجأة وهي مستعدة لأن تفضي اليه بكل أفكارها لكنه سبقها بقوله:
" أحس أنني مهمل, أنك تبدين جذابة للغاية على نحو كان يتحتم عليّ أن أحجز مائدة في مكان ما حيث تكونين متعة للناظرين".
وأفقدتها تلك المجاملة توازنها وجعلت شفتيها تنفرجان سرورا , ولكن روح التشكك عاودتها من جديد وتساءلت: هل سيأخذها ثانية الى ملهى الروتوندا الذي أخذها اليه من قبل حيث يحيل تأثير الضوء أي ثوب عادي الى ثوب غير عادي ويحيل غير العادي الى شيء فوق العادي , وقالت:
" أن الروتوندا مظلم وداخن قليلا".
" كلا , لن آخذك اليه".
وفتح راديو السيارة , وغرق في الصمت, فلم يفصح عن خططه لقضاء الليلة لكنها لم تهتم , وقنعت بالأسترخاء في السيارة الفاخرة ومراقبة أضواء المدينة , ولم يمض وقت طويل ألا ودلف بالسيارة الى شارع سكني هادىء , وتصورت أنهما في بايرون سكوير , ثم تناست الأمر والسيارة تقف أمام منزل مرتفع من طراز عصر الملك جورج له ست درجات تفضي الى بابه.
ونزل جاسون من السيارة ودار حولها ليفتح لها الباب , وأمسك بيدها ليساعدها على النزول , وقال ببساطة:
" فكرت أن نتعشى الليلة في البيت , حتى !تكون لدينا
فرصة للأسترخاء والحديث بحرية"
وجفلت... بيته! ونظرت الى أعلى الى واجهة المنزل الداكنة ,. غير مستقرة على ما يتعين عليها أن تقول في هذا الموقف وغير متأكدة من تلك النوافذ الغامضة ذات الستائر الغامقة التي لا تعطي أي فكرة عما يقع خلفها : هذا هو منزل جاسون ستيل.
وقبل أن تقرر شيئا , أنفتح الباب ورأت أمرأة تقف وخلفها ضوء كهرماني , كان وجها هادئا يبعث على السرور , وأحست ميراندا بالأرتياح وهي تسمع السيدة تقول:
" مساء الخير يا سيد ستيل".
قال لها جاسون وهو يرفع شال ميراندا عن كتفيها:
" بعد حوالي عشر دقائق يا ليبي".
وفتح جاسون بابا الى يسار ردهة طويلة وأشار الى ميراندا أن تدخل ودخلت فوجدت نفسها في غرفة دافئة فيها رفوف كثيرة مليئة بالكتب , وسجاد تركي أزرق وكراسي جلد ذات مساند ومكتب قرب نافذة عليه صينية فضية وأقداح كريستال وأناء مليء بالفاكهة , لم يكن طراز الغرفة كما تخيلته ولا ما توقعت أن تجده لديه , ولو ترك لها تحديد الصورة بناء على فكرتها عن شخصيته لتوقعت شيئا شبيها بغرفة مكتبه في الشركة : كانت هناك صورة مرسومة بالزيت وفي أطار سميك فوق المدفأة صورة رجل قوي الملامح , يشبه جاسون تماما رغم الياقة العالية لبذلته التي تنتمي الى طراز عصر الملك أدوارد

DrEeM NiGhTs 16-09-09 04:57 AM

thanx amola

أمل بيضون 16-09-09 09:53 PM

ولما رأى جاسون أتجاه عينيها قال لها:
" أنه جدي ,. لم يشأ والدي أن يضع صورته في غرفة مجلس الأدارة , أذ كان طاغية".
بقيت واقفة قرب المدفأة تحتسي الشراب الذي قدمه لها , وبدأ التوتر ينتابها وطرأت على ذهنها فجأة فكرة .... بل أعتقاد بأنها حمقاء. وغاص قلبها , أذ أفرطت في أعتبار أمور كثيرة أشياء مسلما بها , ربما كانت نيته هي أن يصطحبها لتناول
بعض الشراب فحسب لمدة نصف ساعة تقريبا , أو ما يكفي للتنصل من ذلك الألتزام المليء باللغو ... وأستيقظت من أفكارها على قوله:
" ما لك تبدين كأنك أكتشفت حقيقة مؤلمة".
" ربما حدث هذا فعلا".
" لو كان الشراب لا يعجبك فسأحضر لك غيره".
" كلا , أنه لذيذ".
" كنت تفضلين لو أني لم أدل بهذا التصريح المتعجل نوعا ما في الليلة الفائتة , أليس كذلك؟ وأنت تخشين الأعتراف بهذا".
من المشكوك فيه أن سؤالا آخر أيا كان يمكن أن يسبب لها ذلك القدر من الأرتباك الذي سببه هذا السؤال ,. وبذلت مجهودا لتبدو هادئة وأعتقدت أنها نجحت عندما تحركت الى الأمام وأدعت أنها تتأمل تمثالا صغيرا من العاج.
وخلال تناول الطعام , أبقى جاسون الحديث في نطاق موضعات غير شخصية وقامت ليبي بالخدمة بمهارة أثارت أعجاب ميراندا , وتساءلت عن عدد العاملين في المنزل , أم أن ليبي هي الوحيدة , وواتاها أنطباع بأن جاسون لا يفضل وجود عدد كبير من الناس في منزله عندما يكون فيه , وهو وقت قصير , فهو في معظم أيامه على سفر.
وحينما جاء وقت تناول الحلوى أكتشفت أن جاسون مغرم بالفن وأنه يجمع تحفا شرقية , خاصة من حجر اليشم والعاج , وأن له ذوقا رفيعا في الموسيقى وأن كان لا يعتبر نفسه خبيرا فيها , ودار الحديث بينهما في موضوعات شتى أخبرها خلالها أنه عضو في مجلس أدارة ملجأ للأيتام في ميدلاندز وأختتم كلامه قائلا:
" ومن فضلك لا تقولي يا للصغار المساكين".
" لم يكن في نيتي أن أقول ذلك . هل هذا الملجأ في المدينة أم في الريف؟".
" أنه يبعد نحو خمسة أميال من ميلبرو في قصر قديم لأحد كبار المالكين , وهناك عدد من الأولاد يعيشون في المزرعة".
" هل تتردد على المكان كثيرا؟".
" وددت لو عندي وقت أطول لذلك , لكن هذا مستحيل ".
" وهكذا لم تسنح الفرصة للتعرف على الأطفال ؟".
وسحب قدح شرابه بقسوة وهو يقول:
" ليس لدي وقت للنظر الى الأطفال نظرة عاطفية , أذا كان ذلك ما تقصدينه , أن الوقت الذي أكرسه لهم أخصصه لأمور تتصل بالناحية الدنيوية أكثر من غيرها فهي تتعلق بالجانب المالي للملجأ".
وألقى بمنديل المائدة بعنف فخرجت بأنطباع أنه يأسف لفتح الموضوع , ثم قال:
" ليبي ستقدم القهوة في غرفة الجلوس ... هلا ذهبنا هناك؟".
ونهضت بدون أن تنطق بكلمة , أن قوله الواضح هذا حدد آراءه في العواطف , مما جعلها تصبح أكثر صلابة في مواجهة جاذبيته , وقررت وهو يريها باقي الغرف أن تبقى بعيدا عن طريقه مستقبلا , أن ذلك صعب , فطريقه يلتقي بكل طرقها , ربما تضافرت الظروف مرة أخرى لتخلق موقفا يشبه حضورها هنا الليلة , تبينت كل أخطار الأقتراب منه , أنه من الحمق أن تدع نفسها تسقط في حب جاسون ستيل من دون الرجال جميعا.
لقد تأخر قرارها لكن ذلك لا يهم , وأتخذت مظهرا دفاعيا ورفعت رأسها متباهية وهي تدخل الباب الذي أشار اليه , وسارت في الغرفة الواسعة التي تمتد بطول الطابق الأرضي , وراقت لها هذه الغرفة ووقعت من نفسها موقعا حسنا , كانت الجدران بيضاء والأثاث بلون بني وعنبري , والسجاد بلون العسل يمتد من الحائط للحائط , أنها من طراز الغرف التي تثير أحساسا بالدفء والترحيب والراحة , وذاب قرار ميراندا وهي تغوص في أحد الكراسي ذات المساند , وجاءت ليبي بصينية القهوة , وأبتسمت لميراندا ووضعتها على مائدة منخفضة , ثم خرجت , وأشار جاسون الى الصينية وهو يقول لميراندا :
" هيا , تلك مهمة يقوم بها ضيوفي من النساء دوما , وأنا أفضل القهوة بلا حليب أو سكر".
" أذكر هذا".
وتقدمت الى الصينية , لكنها كانت ما تزال تتأمل التحف في الغرفة الفاخرة , فقال لها وهو يتابع نظراتها:
" القهوة أولا , أن تأثير هذه الغرفة لا يخيب أبدا".
" هل تعني أن الجميع يعجبون بما فيها خاصة ذلك المعبد الشرقي الطراز".
" أنها أحدى شراكي , ولديّ شراك أخرى كثيرة وضعتها في أماكن أستراتيجية من الغرفة".
" حقا, هل تحتاج الى شراك يا سيد ستيل؟".
" من منا لا يحتاج اليها, على الأقل مرة في حياته".
وأراها عددا من التحف, وفي أثناء ذلك تذكرت سؤالا كانت تود أن تسأله فقالت:
" كيف عرفت أنني أنتقلت من سكني؟".
" أنتقلت من سكنك؟".
" نعم ,في ذلك الأصيل حين أرسلت تطلبني , لأنني لم أخطر السجلات بذلك".
" أوه... أردت الأتصال بك هاتفيا في منزلك القديم , وردت عليّ واحدة أسمها الآنسة فاندا وقالت لي أنك لم تعودي تسكنين هناك".
" هل أردت الأتصال لشيء هام؟".
" نسيت الآن ... ربما أردت أن أرسل اليك فاتورة الفندق تلك".
" لكن ذلك كان بعد أن قدمت لك...".
وتوقفت فجأة وهي ترى ومضة سرور في عينيه , وقالت:
" أتريد مزيدا من القهوة؟".
فأومأ ومد يده بالفنجان الفارغ , فلم تجد بدا من الذهاب اليه .
زتجنبت النظر في عينيه وهي تأخذ الفنجان , وأخفقت فرددت:
" ألا تريد القهوة؟".
" كلا...".



أمل بيضون 17-09-09 12:05 AM

" أذن هل يضايقك أن أشرب قهوتي؟".
فرد بسخرية وهو يطلق سراحها:
" أنت ضيفتي...".
وسارت الى مكانها وهي ترتعش وهو يرقبها من تحت جفونه الناعسة المتكاسلة , وملأت الفنجان وأخذت ترشفه وكأن ذلك كل ما يعنيها في الوجود وعندما أنتهت قال لها بهدوء:
" أذن هل أفهم أنك لا تريدين الزواج مني؟".
وبأحساس الصدمة أدركت أنها ما تزال ترتعش داخليا , وأن الرغبة التي أثارها فيها في أوائل تلك الليلة لم تخمد بعد, لقد أفزعها عجزها وجعلها خجلى وفكرت في أن تواجه ذلك بالتشبث بقرارها وببرودها فقالت:
" لا أعتقد أننا في حاجة الى المضي في هذه المهزلة , كانت حركة ماهرة وتحققت الخدعة , ومن ثم فلن أحاول الأبقاء عليك في الفخ".
" لم أكن أدرك أنني في فخ, لقد تعلمت كيف أتجنب الطعم السام منذ وقت طويل مضى , يا صغيرتي".
أنهارت قدرتها على التحدي , فحولت بصرها بعيدا وهي تقول:
" لم أقصد ذلك على وجه الدقة, كان الأمر مجرد شيء من تلك الأشياء التي تحدث عندما...".
لكنها لم تدر كيف تكمل كلامها خوفا من المضي في حماقاتها , وتدخل جاسون قائلا:
" لا أعتقد أنك واثقة مما تقصدينه , أعتقد أن قليلا من الموسيقى قد يصلح الأمر , ماذا تحبين ؟ توم جونز أو سترافنسكس؟".
وأبدت حركة يأس كما يفعل من لا يستطيع أن يقرر , وأبتسم جاسون بسخرية , وهو يمضي الى الجهاز في الركن قرب النافذة , وأداره , وأنسابت في الغرفة موسيقى رائعة من أميركا اللآتينية , وسار جاسون بعد ذلك بهدوء الى حيث أضاء المزيد من مصابيح الغرفة مما أكسبها دفئا جديدا وألفة حميمة , وتوقفت خطواته الناعمة وراء الكرسي حيث تجلس فتصاعدت دقات قلبها حتى طغت على الموسيقى , وقال لها في هدوء:
" أن تلك الموسيقى معروفة بأنها تمهيد للمسرح".
" أدرك ذلك . لكنني لم ىت هنا للأغواء".
" أنا مدرك هذا تماما".
ودار حولها ونظر في عينيها النجلاويتين , كان خداها شاحبين , لكن التصميم كان باديا على وجهها , وقال لها:
" أنا أدرك أيضا أنني أوقعت نفسي هذه المرة مع أحدى الحوريات , ولذا...".
وأستدار دون أن يكمل جملته , وأخرج سيكارة من صندوق من الأبنوس اللامع , وأشعلها ثم أستطرد قائلا:
" على النقيض من أي شيء يمكن أن تكوني قد سمعته عني , فأنني لم ألجأ أبدا الى أغواء ضحايا لا يردن ذلك , ولذلك أقول لك أن أمسيتنا كانت لطيفة , وعندما تشائين أصحبك الى بيتك".
وأخذ يدخن سيكارته بأستمتاع وهي ترقبه فظن أنها تريد سيكارة , فقال وهو يقدم الصندوق لها:
" آسف أنني لم أقدم لك سيكارة , سامحيني".
" كلا, أنا لا أدخن".
" أنك فتاة عاقلة , أنني أكف عن التدخين كل صباح ثم أعود اليه في المساء".
" ذلك أفضل مما لو كنت تفعل العكس بأن تبدأ صباحا وتكف مساء".
" نعم , بالتأكيد ,ولكنني أحتال وأدخن سيكارة عرضا أثناء النهار".
" أن التوقف عن العادات السيئة التي يستمتع بها الأنسان , أمر صعب , أليس كذلك؟ وأعتقد أنه قد آن الأوان لكي...".
قالت ذلك وهي تتحرك الى الباب ايذانا برغبتها في الرحيل , فقال لها :
" بالطبع".
وسارع بأطفاء السيكارة في المنفضة وهو يقول:
" سأصحبك الى البيت".
وتوقفت عند الباب في أنتظاره فلحق بها وهو يقول:
" هناك شيء آخر , أنني أريد حقا أن أتزوجك".

أمل بيضون 17-09-09 03:11 PM

5-جاسوس
لم تدر كم من الوقت مضى وهي واقفة هناك وطلب الزواج منها الذي أبداه جاسون يتردد صداه في عقلها حتى حطم جاسون بنفسه الصمت بأن قال ببرود:
" أعتقد أنك تحتاجين الى شراب قبل أن تورطي نفسك".
وبدأت تنتبه للموسيقى التي كانت ما تزال تصدح , وقالت لنفسها لا بد أن التسجيل طويل , ورأته يتحرك ليحضر لها شرابا , وعادت الدوامة الى ذهنها من جديد , جاسون يريد أن يتزوجني! لكنها لا تكاد تعرفه وهو لا يكاد يعرفها , ومع ذلك طلب هذا . لم يكن ذلك من تخيلها , كيف يأتي الحب سريعا على هذا النحو , هل داهمه الحب كما داهمها. لأنها خلال لحظات من لقائه أدركت أنها وقعت في حبه , وأصبحت تعيش في عالم خاص بها وبجاسون , جاسون! وليس السيد ستيل.
وجاء اليها ووضع قدح الشراب المثلج في يدها , وأحست أن سحره توقف بل حتى لم تكن له تلك النظرة المتحدية ولا ذلك الأغراء الساحر الذي كان يحضها على الغزل معه منذ لحظات مضت... وهمست:
" هل أنت جاد؟".
" لأقصى حد".
" لكن كيف تستطيع أن... ما الذي يتعين علي أن أقوله؟".
" أحدى أجابات ثلاث – وهي الأجابات الثلاث الوحيدة وهي : نعم, لا , لا أعرف".
وزاد كلامه هذا من أرتباكها فقالت:
" لكننا ... لا نكاد نعرف بعضنا البعض".
" ذلك أمر يسهل علاجه , ما الذي تريدين أن تعرفيه يا ميراندا؟".
وتنهدت في يأس وهي تحاول الأحتفاظ برباطة جأشها أمام ثقته في نفسه التي لا تهتز وهي تقول:
" الأمر ليس بهذه السهولة يا سيد ستيل , فالعاقلون لا...".
" لندع التعميمات الغامضة , ودفاعك الأحمق , ولتكن هذه آخر مرة تنلدينني فيها بالسيد ستيل".
" لكنك... لا أستطيع أن أكف عن التفكير فيك بأعتبارك السيد ستيل وأنت لا تعرفني , ليس بالدرجة الكافية لكي تتزوجني".
" أن ذلك يجعل الأمر أكثر أثارة ألا تريدين أن تتزوجي؟".
" بالطبع أريد, لكن..".
" ألا تريدين منزلا خاصا بك؟".
وأومأت وهي تنظر لأسفل, فسألها:
" وأطفالا؟".
فردت بصوت خافت:
" لا أتخيل الزواد بدونهم".
" أذا , فستحتاجين الى رجل".
" نعم. لكنني أريد الحب وعلاقة دائمة".
" نعم , أوافقك على هذا, سأكون أمينا معك يا ميراندا , أعتقد أن الفكرة القديمة الشائعة عن علاقة واحدة دائمة ومثالية بين رجل وأمرأة مقضي عليها بأن تذبل أن عاجلا أو آجلا , لأنه كيف يكرس أنسان حياته ومستقبله كليهما لشخص واحد؟ من المستحيل أن نعرف ما سيحدث في الأربع وعشرين ساعة المقبلة , ناهيك عن الأربعة وعشرين عاما التالية".
" لكن ذلك هو نفسه , السبب الذي علينا أن نحاول , ألا تعتقد هذا؟ هذا يتعين أن تفعل شيئا يدوم , شيئا تستند اليه أذا أنهار كل شيء ما عداه".
" هكذا نعود الى الأساسيات القديمة , الحب والثقة".
ومد يده , ورغما عنها تقدمت اليه , وسألها بنعومة:
" هل لديك أي سبب خاص يدفعك لعدم الثقة بي؟".
ونظرت اليه لحظة ثم خفضت بصرها ولاحظ هزة رأسها التي لا تكاد تلحظ , وعندئذ وضع يديه على كتفيها , وأنتابتها رجفة للمسته فشدد قبضته وهو يقول لها:
" أعتقد أنك تحبينني فعلا , لكنك لا تريدين الأعتراف بهذا".
وآلمها هذا الأفتراض الذي قاله ببرود, فبعدت عنه وهي تقول:
"كلا , ولن أعترف بذلك , ولن أستطيع أن أتزوجك , ولا بد أن تعرف أن هذا لن يجدي , فنحن لا نكاد نعرف أحدنا الآخر , أنا... أنا لا أعرف لماذا تريد ذلك؟".
" لأنني أريدك".
" تريدني؟ هل تقصد أنك تريد فحسب...".
" أقصد أنني أريدك , وأنا على أستعداد للزواج بك".
" هكذا فحسب , بدون حب".
وبان في عينيها النجلاويتين التحرر من الوهم على نحو جعل عينيها تبدوان كبيرتين في وجهها الشاحب , وقال لها بهدوء:
" أنسي موضوع الزواج حاليا ودعينا نتساءل هل أنت مستعدة لأقامة علاقة معي".
" كلا".
" لماذا؟".
فكررت كلامه بسخرية:
" لماذا؟ هكذا , هل لديك فكرة كيف يبدو أقتراحك وحشيا؟".
" كلا , أفهم أن تقولي أنه أقتراح متعمد , أنما ليس وحشيا".
وأحست بالألم يعصف بقلبها , وأن يديها مثلجتان رغمدفء الغرفة , ثم أجابته بعناد:
" لا أرى فارقا , لا أريد هذا النوع من العلاقات".
" هل أنت خائفة؟".
" نعم".
" مني؟".
" من كل الأشياء التي تخشاها فتاة".
" لست في حاجة الى الخوف , فسأرعاك , أعدك بذلك".
وران عليها الصمت الكثيف الذي أعقب ذلك حتى كاد يزهق أنفاسها وأحست أن شفتيها متيبستان وأن دم الحياة غاض منهما , وبذلت كل جهد ليبدو صوتها طبيعيا وهي تقول:
"أنا واثقة أنك مخلص تماما , لكن ألا ترى أنك تجعل الأمر يبدو مستحيلا أكثر فأكثر ؟ أنت... أنت تستطيع أن تحدد للزواج بنودا كالبنود التي تحدد في طلبات الشراء , أنت تريدني , ومن ثم فأنت سترعاني ؟ هل تعتقد أنك تستطيع شرائي؟".
" لم أقل شيئا عن الشراء أو العطاء , ومهما كانت الزاوية التي تنظرين منا , فأن الصلة الغرامية يا ميراندا هي علاقة متبادلة".
" الصلة الغرامية , تقصد أنك عندما تفور بك الرغبة...".
فقاطعها وهو متوتر:
" ماذا تريدين من صلة غرامية".
" قلت لك أنني لا أريد صلة غرامية ,هل تدرك أن ما تقترحه ينسف كل شيء هام , كل حنان , كل مودة بل كل ما يمكن أن يدعم غراما حقيقيا , لا بد أن يكون هناك ود وأحترام متبادلان , أنك لا تستطيع أن تخطط لأي علاقة , أن رعاية أنسان ما تعني حمايته , فكيف يمكن أن تحميه من الأذى الذي ستوقعه أنت نفسك فيه؟".
كانت ترتعش عندما أنتهت من أنفجارها هذا , حتى أنها لم تسمع خطواته التي أوصلته لجوارها , وعندما أمسك كتفيها أرتجفت وحاولت أن تفلت من قبضته , لكنها لم تفلح , وقال لها:
" أوه , كلا , ما كان يجب أن تقولي هذا , أنتهيت من خطبتك والآن سأقول خطبتي , أنت لا تصدقين أنني أستطيع أن أحب , وأن ينبض قلبي وأن أبدي ودا , أنت تفضلين أن تتوقعي مني الآذى , أنظري الي, أنظري الي".
ورفعت رأسها ال
ى أعلى ونظرت الى قسماته الساخرة , فهمس لها:
" هكذا , أنت لا تعرفين أنني أستطيع أن أكون حنونا".
لم تعرف اللحظة التي حدث فيها التغير السريع , وأحست أن عظامها تحولت الى ماء , وأن أطرافها ذابت وأخيرا غمغمت وهي تحس أنها لم تعد تستطيع الأحتمال , وبعد ذلك بفترة مرت ثقيلة كأنها دهر تراجع للوراء وهو ينظر في عينيها وفي نظراته بريق الأنتصار , وهمس لها:
" هاللو , ميراندا ميك".
ولم تستطع أن تتكلم , وأكتفت بأن تتنهد وتخفض رأسها ,كانت أجراس الأنذار الخاصة بالغريزة قد خمدت الآن , لكنها ما زالت تحذرها بأن عليها أن تستعيد السيطرة على نفسها , وأن تفعل شيئا أزاء وضع يخرج عن سيطرتها سريعا , لكن ماذا تفعل...؟ أنها لم تعرف أبدا رجلا مثل جاسون ستيل , وقالت بصوت بدا لأذنيها صادرا من بعيد:
" أعتقد أنه من الأفضل أن أذهب".
فجذبها اليه وهو يقول برقة:
" أعتقد أنه من الأفضل أن تتزوجيني".
وبعد ذلك بثلاث ليال سألها وهما جالسان يطلان على النهر:
" أين تريدين أن نذهب في شهر العسل؟".
" لا أعرف".
وأخذت تحدق في الأضواء التي تنعكس على صفحة النهر وهي تتساءل مت تفيق من هذا الحلم الذي تعيش فيه منذ أن عرض جاسون عليها الزواج , أنها ستتزوج جاسون ستيل , خلال ثلاثة أسابيع ,وحتى الآن ما زال الأمر سرا , فتلك رغبته وقد أستجابت اليها عن طيب خاطر , لقد بذلت جهدا كبيرا حتى لا تعلن الخبر , فقد قال لها في تلك الليلة التي لا تنسى:
" آمل أن تكوني مستعدة للطوفان الذي ستواجهينه عندما يعرف الخبر في المكتب".
فحدقت فيه وهي لا تدرك مرماه , لأن المكتب كان بعيدا عنها في تلك اللحظة فأضاف بنفاذ صبر:
" من الواضح أنك لم تعملي في مشروع كبير لمدة طويلة , أن الأقاويل لن تتوقف وأنا لن يهمني ذلك في شيء , لكنهم لن يرحموك".
وحينئذ طافت بخاطرها رينا هارفي , وأدركت أن جاسون بعيد النظر , أن المسألة لا تحتاج الى قدرة على التخيل لتصور رد الفعل عندما يعرف الخبر , كما لا يتصور أحد أن جاسون سيظل بمنأى عن هذا الخبر في برجه العاجي , وفكرت أن تغيظه بقولها أنه يخشى الحكايات التي سيروونها لها عن ماضيه , لكن شيئا ما في تعبير وجهه الجامد جعلها تظل صامتة.
وهب النسيم فحرك سطح ماء النهر برقة , مشتتا أنعكاس الأضواء وأستقرت نظراتها على يديه وأصابعه , وعندما سألها مرة ثانية عن المكان الذي كانت تود أن تذهب اليه , قالت بصورة غريزية:
" أكابولكو".
وتقلصت أصابعه على القدح وأوقف الحركة , وأرتفع حاجباه دهشة وهو يقول:
" أكابولكو؟".
وأدركت سخف أجابتها, فسارعت بالقول:
"كلا, لم أقصد ذلك , أنس الموضوع , لقد كنت حمقاء".
" ما الذي جعلك تقولين هذا؟".
" لا أعرف, ولا يهمني أين نذهب طالما الشمس مشرقة".
" حسنا أنها تشرق هناك ببهاء , لم لا ؟ سأحجز غدا".
" لكنك قلت أنك تستطيع أن تأخذ أجازة أسبوعا فحسب , والذهاب الى هناك يستغرق يوما للذهاب ويوما للرجوع , ولا يمكن أن نقطع كل هذه المسافة للبقاء أربعة أيام فحسب".
" لم لا؟ لقد ذهبت الى مدى أبعد لمدد أقل".
وفكرت في السبب الذي دفعها الى أبداء هذا الأقتراح , وتساءلت هل تذكر هو أيضا المناسبة نفسها وقالت في وهن:
" أن ذلك سيكلفك كثيرا , أعني أنه عندما يكون الأمر متعلقا بالأعمال فأنك مضطر للسفر مسافات بعيدة , لكن ذلك لا ينطبق على الوضع الذي يكون لنا فيه الخيار ... ولا شك أن الرحلة ستكون مكلفة".
" لكنها مناسبة خاصة , أليس كذلك؟ أم أن ذلك يعتبر حاليا من مخلفات الماضي؟".
" بالطبع , , لكنني لا أريدك أن تظن أنني غير معقولة لمجرد أنني أجبت برد أحمق على سؤال جاد , عندما يكون لديك مثل هذا الوقت , سأكون سعيدة أن أبقى هنا أياما قليلة على الشاطىء في ديفون أو كورنوال , أو ننتظر حتى تخف ألتزاماتك ونؤجل الزفاف حتى تحين أجازتك".
" لم أحظ بأجازة لمدة عامين ولا بد لي أن أوبخك يا ميراندا للأسباب التالية : أولا أنا أعتقد أنك غير معقولة فعلا ولكنلا لأنك تريدين الذهاب الى أكابولكو من دون البلاد جميعه لقضاء شهر العسل , ثانيا, لن أكون سعيدا ببضعة أيام في ديفون أو كورنوال أذ أفضل أن أكون بعيدا عن متناول التلفون لبضعة أيام , أنهم سيفكرون مرتين قبل أن يجروني عائدا عبر الأطلسي , لكن في أي مكان آخر في الداخل ... كلا سأكون في متناول أيديهم , ثالثا, أن الأجابة بالنفي الأكيد على طلب التأجيل ... أنا دائما أكره أنتظار أي شيء أريده".
عضت على شفتيها ونظرت الى أسفل , فلا جدال في الطابع العملي لتفكيره أنه لم يخف رغبته فيها , ولن تكون أمرأة أذا لم تفض أحاسيسها سرورا ورضى لدى معرفتها بهذا الأمر , لقد أختارها من دون البنات جميع وطلب منها أن تتزوجه , وتجاهلت تماما الغرض البديل وهي أنها ذهبت اليه بشروط , كما تجاهلت اللتفكير فيما كانت ستؤول اليه الأمور لو أنه حاول أغواءها بدلا من طلب يدها غير المتوقع هذا , ففي الوقت الحاضر يكفيها أن تكون في حالة الحب المدهشة هذه مما ييسر عليها تبديد أي شكوك , وسألها:
"هل أخبرت أحد؟".
" كلا , ولا حتى سوزان , فقد أتفقنا على ألا ننبس ببنت شفة الى أن تعود من رحلة موسكو".
وأومأ برأسه قائلا:
" هل أنت واثقة من رضاك عن خطط الزفاف , فالأسبوع المقبل سيكون الوقت قد فات لتغيير الرأي".
قالت وهي تدرك أنه يشير الى قرارهما بعقد قران هادىء :
" أنا واثقة تماما".
لو كان لها والدان وقدر كبير من المعارف , لكان الأمر يختلف وكان جاسون أيضا يريد زفافا هادئا , وذلك لأن معارفه كثيرون الى حد أن دعوتهم جميعا ستصبح مشكلة, فربما أنتهى الأمر بدعوة نصف سكان لندن , وسيشكل هذا عبئا أكثر منه مصدرا للمتعة , خاصة وأنه سيعود من موسكو قبل الزفاف بأربعة أيام , وميراندا عليها تدبير الأمور الخاصة بها , ولذلك أتفقا على حفل صغير هادىء يضم عددا محدودا من الأصدقاء المقربين , يقام في بيت جاسون قبل رحيلهما الى المطار بما لا يزيد عن نصف ساعة , يستطيع المدعوون بعدها أن يبقوا ليتناولوا ما يشاؤون.


zamarad 17-09-09 11:45 PM

قصه جميله ويعطيكي العافيه ونشالله التكمليها

أمل بيضون 18-09-09 12:20 AM

كان الأحتفاظ بالسر أسهل مما أعتقدت , وكانت الأنفلوانزا ما تزال منتشرة بين العاملين , وأخذ ضحاياها العائدون يكيلون النصائح لمن لم يصابوا بها بعد.
وقد أفلتت ميراندا منها وعزز شعورها بالمناعة أحساسها بأنها تعيش ما يشبه الحلم الذي لم يفارقها طوال الأسبوعين الأخيرين.
كان الأمر كأنها تحيا حياتين , في النهار تذهب لعملها, وفي المساء تدخل الى عالم آخر بهيج مع جاسون , كان كل شيء جديدا عليها وكفيلا بأن يدير رأسها , هذا هو السبب في أنها لم تقابل خلال هذين الأسبوعين ألا عددا قليلا جدا من أصدقاء جاسون على الرغم من الساعات الأجتماعية المزدحمة التي أمضتها معه خلال هذه المدة , أو ربما كان السبب أن جاسون ينفر من قبول دعوات معارفه الذين يلتقي بهم عرضا في المسارح وفي المطاعم عندما تكون ميراندا بصحبته , وكان رده دوما على هذه الدعوات هو:
" للآسف فأنني مرتبط للأسبوع التالي كله".
وفي أحدى المرات وجهت له الدعوة غادة فاتنة , فأعتذر وهو يقول لها:
"أتصلي بنابعد يوم13 بعد عودتي من موسكو".
فردت هذه:
" أرجو ألا تكون ذاهبا في مهمة تجسس".
لكنه همهم بغضب ثم سحب ميراندابعيدا , وهي تقول له:
" لست كذلك يا جاسون".
" لست ماذا؟".
" لست متورطا في شيء من هذا القبيل".
" من قبيل ماذا؟".
" التجسس؟".
وأبدى أندهاشا عنيفا , في حين واصلت هي:
" قرأت في مكان ما أنهم يستخدمون رجال الأعمال في نقل المعلومات ,ورجال مسافرين حسني النية مثلك, ولمرة واحدة فقط".
وحدق فيها لحظة ثم قال ساخرا:
"ذكريني لكي أريك سر المهنة في وقت ما ,لدي جهاز أرسال في كعب حذائي , وكاميرا مزروعة في جفن عيني اليسرى , وكل مرة أغمز فيها فتاة تلتقط صورة".
فلم تبتسم وقالت:
" أود لو لم تذهب بعيدا".
كانت أشياء كثيرة تقلقها , وبين كل هذه كان هناك جانب آخر يسبب لها قلقا أكبر هو جاسون , لم يقم بأي محاولة لأغوائها خلال فترة الخطوبة , كانت تحيته لها تقليدية ودون أي مظاهر للوله الذي أحسته منه في تلك الليلة عندما طلب يدها , يبدو أنه لم يكن يتوقع منها أن تعلن حبها له , ذلك الحب الذي كانت تتلهف لأعلانه والذي لم تجد تشجيعا كافيا منه لتفجيره.
كانت واعية تماما أن نفسه يمكن أن تراوده في أن يسبق الزواج ويحقق رغباته منها , فهو لم يدع أبدا أنه قديسا , بل كان أمينا في تناوله الموضوع عندما أعترف لها برغبته , وأحست أنه يترك لها القرار في ذلك , لم تكن تعرف أتأسف لذلك أم تشكره , ولمعرفتها به , أخذت تتساءل عن السبب الذي يدفعه لضبط نفسه , وفي بعض الأوقات راودتها رغبة في أن تسر بكل هذا الى سوزان , لكنها لم تجرؤ خوفا من ألا تستطيع سوزان مقاومة رغبتها في أن تخبر راي , صديقها , ولحسن الحظ كانت سوزان مشغولة بأمورها فلم تلحظ التوهج الجديد الذي بدأ يلتمع في عيني صديقتها , وسألت سوزان ميراندا:
"راي مختلف أليس كذلك؟".
فوافقت ميراندا قائلة:
" أنه يبدو جادا, أظن أنه ليس لعوب".
" كلا, أنه ليس كذلك , وأني لأتساءل أحيانا هل يريد فتاة دائمة أم مجرد صديقة , لا تضحكي , فأنه لم يقبلني ولو مرة واحدة, رغم أننا خرجنا معا أربع مرات هذا الأسبوع, هل تضحكين؟".
"كلا , لم أضحك , عليك أن تلوذي بالصبر,فربما يتساءل ماذا ستفعلين لو حاول!".
" لكنه لا بد وأن يكون قد عرفني الآن , حقا , أنك لا تعرفين أبدا أين أنت من الرجال , فهم أما يتوقعون الحصول على كل شيء في اللحظة نفسها أو أنهم يبدون كحائط زجاجي يسد الطريق , أود أن أشعر أنني جذابة بالنسبة اليه".
وأحنت ميراندا رأسها بدون أن ترد, أذ كانت تدرك مشاعر سوزان , مشكلتها ليست لغزا , فراي أكبر من سوزان بسنة واحدة فقط وما زال صغيرا لا يستطيع أن يستشف رد فعل النساء , أنه ليس مثل جاسون الذي تفوق معرفته برد فعل النساء معرفة أي رجل آخر.
وتنهدت بنعومة أنها تستطيع أن تقدم النصح لسوزان من واقع خبرتها , وأن كان الرجال حقا هم أكثر المخلوقات التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها وجاسون يضاهي غيره في هذا الصدد.


أمل بيضون 18-09-09 12:39 AM

6- أمرأة متزوجة
كانت ليلة سفر جاسون الى موسكو هي نهاية الأنشودة الشبيهة بالحلم التي أستمرت خلال الأسبوعين الأخيرين.
ففي هذه الليلة عاد التوتر الى قلب ميراندا من جديد , فقد أقتصر كل ما بذله لها من على نصف ساعة ألتقى بها خلالها في مقصف قبل أن يهرع لمؤتمر عقد في آخر لحظة مع رئيس الشركة قبل السفر , وعندما جلسا معا كان جاسون متوترا جافا أعاد اليها ذكرى جاسون المتصلب الأي غير الودود الذي ألتقت به في تلك الليلة عندما ألتجأت الى مكتبه , وأحست أنه نافذ الصبر يود الرحيل , وذكرها بترتيبات الزواج التي يتعين عليها أن تراجعها أثناء غيابه , وأوصاها باللجوء الى الآنسة مايو لو ثارت أي مشاكل , فهتفت قائلة:
" لكنني كنت أعتقد أننا لن نخبر أحدا قبل أن تعود".
" أستثني من ذلك سكرتيرتي التي أثق فيها ثقة كاملة , فلا بد من وجودها لروتين عملي , أصدرت اليها تعليماتي هذا المساء وسوف تشرف على كل شيء خلال الأسبوع المقبل , وكل ما يتعين عليك عمله هو تدبير أمورك الشخصية النهائية الدقيقة كالذهاب الى مصفف الشعر ...".
" حسنا , فهمت".
" وأتفقي مع سوزان لتؤيدك معنويا".
" أنوي أن أفعل ذلك معها في عطلة نهاية هذا الأسبوع".
" هل هي على علم بالأمر؟".
" لم تعرف بعد , طلبت منها فقط ألا تنشغل يوم الثالث عشر وأن تكرسه لي".
" حسنا , لا تظلي غامضة طويلا , أخطريها حتى تعد ثوبها الجديد أو أي ثوب تريدين منها أن تلبسه".
وأومأت ميراندا وهي متأثرة بتفاهمه وكرمه اللذين لم تكن توقعهما , لكنها كانت قد خططت بالفعل فيما يتعلق بثوب سوزان بشكل لا ينسف ميزانيتها المتواضعة , وأحسن أن حبها له أذابها الجفاف الذي بدا على وجهه ووهبها ذلك الشجاعة على أن تقول له:
" متى ستنتهي من الأجتماع؟".
" لماذا؟".
" سأنتظرك , ثم أودعك في المطار".
" أفضل ألا تفعلي , فقد أبقى لأخر لحظة".
" لا يهم , الأمر يستحق ذلك من وجهة نظري ولو كان لبضع دقائق".
" آمل ألا تكوني زوجة يسيطر عليها حب التملك".
" هناك فارق بين الأهتمام وحب التملك , وأعتقد أني أستطيع أن أعرف الحد الفاصل بينهما".
" ستكونين واحدة من النساء القلائل اللواتي يستطعن ذلك بالنسبة الى خبرتي على الأقل".
وأنتظر بفارغ صبر لم يخفه بينما كانت هي تقوم بجمع أشيائها ووضعها في حقيبتها.

بنوته عراقيه 18-09-09 03:29 AM

يعطيك العافيه يالغاليه..بانتظارك

DrEeM NiGhTs 18-09-09 07:19 AM

thanxxxxxxxxx

أمل بيضون 18-09-09 04:42 PM

وجلست بجفاف في السيارة وهي تحدق الى الأمام , سبح بها الفكر وجعلها تحس برجفة , وبدأ صدى ملاحظته عن الزوجة المحبة للتملك يتردد في ذهنها المرة تلو الأخرى , هل هكذا يبدأ الشجار بين المحبين؟ هل الأمر بهذه السهولة؟
وأبطأت السيارة لتقف على بعد بضعة أمتار من نقطة التقاطع بين الطريق الرئيسي مقابل ويلو غروف , وهو يقول:
" هل يزعجك أن أنزلك هنا , ذلك سيوفر علي الدوران الذي يستغرق يوما , عند نهاية شارعكم.
" بالطبع لا , سأراك عندما تعود , أتمنى لك رحلة طيبة".
ولم يبد أنه سيقوم بأي حركة أتجاهها , وبعد أن ألقت ميراندا نظرة خاطفة على وجهه أستدارت ومدت يدها لتفتح الباب فسمعته يقول:
"ميراندا".
وألتفتت اليه توا , فأضاف:
" أنت تعرفين من الآن أنني أحيا حياتين , حياتي الشخصية وحياة كارونا ستيل , وأنا أحاول الفصل بينهما رغم أن هذا ليس سهلا , أو ممكنا يوما , أن الشركة مطالبها كثيرة , تحول دون الترفيه عن المرأة".
" هل تود تغيير رأيك؟".
" عن ماذا؟".
" عني".
وأفلتت منه صيحة تعجب , وأنزلقت يداه عن عجلة القيادة وهو يقول:
" أصغي اليّ, ذلك هو بالدقة ما أريد أن ألفت أنتباهك اليه, أبديت أنا ملاحظة معينة منذ برهة , أعترضت أنت عليها يا ميراندا".
" لم أفعل".
" بل فعلت , أن لم يكن بالكلام فبتغيير الكلام , فمنذ تلك اللحظة لذت بالصمت , كنت تريدين توديعي في المطار , لكن في هذه المرة الأفضل ألا تفعلي , سأسافر مع رجل أعمال آخر , سأقابله هناك , وكل ما ستفعلينه حينئذ هو أنك ستقفين حيث نكون ولن يكون هناك وقت لتبادل العواطف".
" هل تعني أنني سأكون مدعاة لتشتيت تفكيرك؟".
" لم أقل ذلك , ولا تضعي كلاما من أبتكارك على لساني , كل ما أحاول أن أوضحه هو أنه ستكون هناك مرات كثيرة يأتي عملي فيها في المكان الأول , وتلك المرة واحدة منها آه لو أن النساء يدركن هذا فحسب ولا يمضين في أصرارهن الذي لا نهاية له ... أن ذلك سيوفر متاعب لا أول لها ولا آخر".
" نعم".
" قلت أنك تأخرت".
" حسنا سأراك بعد موسكو , وكل شيء سيكون على ما يرام بعد هذا اليوم".
وكانت هناك أبتسامة خفيفة وقبلة أخرى من تلك القبلات المتعجلة التي تتركها وهي تحس بالأرتباك وعدم الرضى , ونزلت من السيارة وشعرت بأن قلبها مثقل بالهموم وهي تدخل شقتها الساكنة , وأحست أنها بدأت تفيق من الحلم , لم يعد في أمكانها التخلص من الشكوك التي تراودها , قال لها أن كل شيء سيكون على ما يرام ... هل سيكون الأمر كذلك فعلا؟ هل يأخذ جاسون الزواج مأخذ الجد مثلها؟
توقعت أن الأيام ستزحف ثقيلة طويلة وهو بعيد , ولدهشتها , أحست أنها تطير طيرانا.
وفي عطلة نهاية الأسبوع ودعت أيام العمل في كارونا ستيل رسميا لتبدأ أجازتها , وعمليا للأبد , ولم يحدث ما يستدعي أن تستشير سكرتيرته , ولم تندلع في الشرك أي أشاعة مفاجئة كأندلاع النار في الهشيم , ومع ذلك أحست بالضياع وهي تفرغ أدراج مكتبها من حاجياتها الشخصية وتضعها في حقيبتها , لا شك أنه سيكون أمرا رائعا لو أنها أعلنت الخبر ووقفت ترقب كيف سيستقبله مجتمعها , أنها تود أن ترى وجه رينا هارفي عندما تسمع الخبر ... لكن كان عليها أن تقنع بأخبار سوزان وراي وكما خشيت , أعربت سوزان عن غضبها منها وصاحت:
" كان عليك أن تخبريني , لم أكن لأنطق بكلمة واحدة, وأنت تعرفين ذلك".
" قررنا أن تلك هي الطريقة المثلى , جاسون لم يرد جلبة ".
" حسنا ! الآن أتذكر أن عينيك كانتا تبدوان حالمتين عندما يكون قريبا , وكنت أعتقد أنه ليس لدينا ما نخفيه عن بعضنا البعض".
وبمهارة حولت ميراندا المناقشة نحو ترتيبات الزفاف, وسرعان ما صفحت عنها سوزان في غمرة أنفعالها بالتخطيط لنا سترتديه , وقررت ميراندا عندما خرجتا للشراء في اليوم التالي أن ترتدي ثوبا من نسيج رقيق بلون العاج له أكمام كاملة على الطراز الفيكتوري , وفيه تطريز بخيوط فضية وغطاء للرأس من طراز جولييت , وهذا الثوب يستطيع بعد ذلك أن ترتديه في الحفلات أو المناسبات الخاصة , وبعد ذلك ركزتا على ثوب سوزان , وفي النهاية أختارتا قماشا من الحرير يناسبها على نحو رائع , وبعد ذلك ذهبا الى الشقة لمقابلة جين التي وصلت حديثا من أدنبرة , وكانت جين فتاة ذات طبيعة وضاءة كالشمس المشرقة تحب المرح والصخب , فأنكبت قلبا وقالبا تساعد ميراندا في الأستعدادات الأخيرة لليوم العظيم.
وفجأة بدا كأنما هناك حشد من المهام يجب القيام بها في آخر لحظة , من مشتريات وأعمال لا بد أن تتم , وفي يوم الأثنين وصلت حقائب الثياب وأدوات الزينة , التي طلبها جاسون قبل أن يسافر , ونسي أن يخبرها بها , وفي اليوم التالي جاءتها باقة أزهار وبطاقة كتب عليها جاسون : أراك قريبا.
وفي ذلك المساء صعدت جين السلالم الى غرفتها عدوا وأنفاسها تكاد تنقطع وقالت لميراندا:
" لك مكالمة تلفونية شخصية- لا بد أنه هو".
" من موسكو , لا يمكن".
" لكنه كان جاسون بالفعل يطلبها من موسكو.
وعندما تحدثت اليه أستطاعت في أول الحديث أن تفأفىء , وبدا صوته غريبا عبر البحر والقارة . لكنه كان هو ., وتسارعت دقات قلبها سرورا وتدافعت الى شفتيها عبارات الود والحب , لكن لم يكن هناك وقت لذلك , فبعد مجاملة موجزة تحدث سريعا وبحزم , وعندما أنتهى من حديثه أحست ميراندا بالضيق والقلق, فقد حدث شيء غير متوقع يمنعه من أن يعود غدا.
كان عليه أن يقطع رحلته ليجري أتصالات عمل في براغ , كان ذلك ضروريا , نظرا الى ما حدث من تطور جديد , وليس هناك مفر من الذهاب , وسألت ميراندا وهي تستعد لأسوأ الأحتمالات :
" لكن متى؟".
" يوم الجمعة , يوم الجمعة آخر النهار".
" لكن ذلك هو اليوم السابق...".
" لكنه ليس اليوم التالي , لا تقلقي , ولا تأتي الى المطار ما لم أخطرك , نامي مبكرا لتحافظي على جمالك".
" لكن ذلك يعني أنني لن أراك حتى...".
وأنتهت المكالمة وخفت صوته بعيدا , أنه قال شيئا عن برقية لكتها لم تسمعه جيدا لأنقطاع الخط , ولم تستطع أن تفعل شيئا الا أن تضع السماعة.
أنتابها الذعر بعد أن تبدت لها كل الأحتمالات المزعجة , ربما لا يستطيع أن يجيء في موعده , ويتأخر مدة أطول عن المتوقع , وعندئذ يتعين تأجيل الزفاف , أو ألغاؤه.
وطمأنتها جين بأن شيئا من هذا لن يحدث , فالرجال مثل جاسون يقفزون في طائرات الشركات الدولية كما تقفز ميراندا في الميترو وأكدت لها أنه سيعود في الموعد حتما.
ودت ميراندا أن تشعر بمثل هذه الثقة , أنهما سيقومان برحلة تبدأ في مساء يوم السبت , وسيصل جاسون في الساعات الأولى من الصباح مما سيعني أنه سيطير حول نصف العالم خلال يومين ليتوقف ساعات قليلة في لندن ليتزوج.
وظلت مضطربة قلقة طوال نهار الأربعاء , والخميس قررت أن تتحدث تلفونيا مع الآنسة مايو , وأستراحت حين علمت أنه على أتصال بالمكتب وأن الآنسة مايو واثقة من سلامة جدول مواعيده , لم يكن هناك مدعاة للقلق , فكل شيء يمكن السيطرة عليه.
وقالت جين لميراندا:
" عندما يجيء يوم السبت ستكون أعصابك قد تحطمت , هل تعرفين ما أفكر فيه؟ أرى أن نخرج ,. لنذهب الى برايتون للتسرية عن أنفسنا".
" لا أستطيع , سأذهب الى مصفف الشعر في المساء , وربما جاءت مكالمة تلفونية ولم يجدني".
تمنت ميراندا من كل قلبها لو أنه عملت بنصيحة جين , فلو خرجت معها , لما كانت في المنزل عندما تحدثت سوزان تلفونيا , ثم ما لبثت أن جاءت اليها , وسرت ميراندا لرؤيتها وأن دهشت بسبب ذلك , لأنها تعرف أن سوزان تعمل كجليسة أطفال, فقالت لها سوزان أن راي صديقها أصر على أن تترك هذا العمل ,وسألت سوزان عن جين فأخبرتها ميراندا أنها خرجت وأضافت:
" تحدثت الى الآنسة مايو هذا المساء وقالت أنه سيعود في رحلة المساء نحو التاسعة , وسيحدثني تلفونيا نمجرد أن يصل الى البيت".
وتوقفت عندما لاحظت تعبير وجه سوزان المتيبس غير المبتسم وسألتها:
" سوزان ماذا حدث؟".
وقالت سوزان:
" أنا... أنا..".
ومسحت شفتيها الافتين وبدت كمن يوشك أن ينخرط في البكاء وحدقت فيها ميراندا تبحث عن تفسير وفجأة أهتدت الى تفسير فقالت:
" أنك لم تأت لتقولي لي أنك لن تستطيعي أن تجيئي غدا؟ أوه , يا سوزان لن تتركيني لوحدي ! سوف...".
" أوه , أود لو لم أكن قد أتيت أود... كيف سأقول؟".
" تقولين ماذا؟ ماذا يتعين عليك أن تقوليه؟".
" كنت أود لو أن جين هنا ربما أنا ... أنك ستكرهينني , لكن علي أن أخبرك وفي حالة ما أذا كان ذلك حقيقيا , فسيكون الوقت غدا قد تأخر".
" سوزان , أخبريني بسرعة".
" حسنا... ذاع الخبر الآن .. في المكتب , وبالطبع دهش الجميع وتحدثوا عنه , جيم غراسون- أنت تعرفين جيم الكبير رجل الصيانة , الذي يربت على كتف كل موظفة ويسميها الجميلة , حتى الآنسة بيتسي القبيحة , قال أنه لم يدهش لأن زميله توم رجل الأمن , الذي تعرفينه , قال له أنه رآكما أنت وجاسون تغادران المبنى معا ذات ليلة بعدما رحل الجميع , لكنه لم ينبس ببنت شفة لأن تلك وظيفته ولأنه لا يريد أن يخوض في سيرة الناس".
وتوقفت سوزان فحثتها ميراندا على الأستمرار , فقالت هذه:
" حسنا, لقد سأل أحدهم: لم كل هذه السرية؟ وألتفتت اليّ رينا تريد أن تتبين ما أن كنت أعرف طوال هذه المدة ولماذا لم أخبرها , لقد نظرت الي كما لو كنت جاسوسا في وسطهم , وعندئذ قلت لها أن هذا ليس منشأنها , وعندئذ ... لا أستطيع أن أتذكر كل كلمة قالتها , لكنها جعلتني أعدها أن أخبرك ببعض أشياء قبل أن يكون الوقت قد فات ,وقالت أن لم أفعل فستأتي هي هنا لتراك".
" هنا! ألا تعرف أنني سأتزوج غدا؟ هل تعتقد أنني أهتم بأي شيء تقوله لي عن جاسون ؟ أيا كان فأنا لا أريد أن أسمعه , أصبح كل ذلك ماضيا الآن , لا يهمني أن كان لديه حريم أو كان يحتفظ بنصف دستة من العشيقات , أنا أعرف أنه كان لجاسون علاقات , أعتقد أنني كنت سأقلق لو لم يكن له , لأنه ليس صبيا , لن أسمع أي شيء من تلك المرأة المسمومة".
" أوه ,كلا, أنت لا تفهمين, أنا أعرف أنها ثرثارة, لكنها ليست بهذا السوء , من فضلك أصغي اليّ , أنك سترتكبين خطأ فادحا وتحطمين قلبك , أنك متهمة به حقا , ولا بد من أخبارك".
شل جليد الخوف ميراندا ثانية , وهمست في رعب:
" من الأفضل أن تخبريني , وننتهي من هذا الموضوع , لماذا لا يجب أن أتزوج جاسون؟".
" لأن له علاقة مع أمرأة متزوجة".
وبدت اللحظات دهرا وميراندا تحدق بعينين مملوءتين رعبا في وجه صديقتها المايء بالتعاسة , وأخيرا أستطاعت بشق النفس أن تقول:
" لا أصدق هذا , ليس هذا حقيقيا, لا يمكن هذا , من هي؟".
" لا أعرف, لم ترد رينا أخباري , أذ قالت لا أسماء الآن حتى لا أجر على نفسي المتاعب لو عرف هذا , لكنها أقسمت أنها رأتهما معا أخيرا وأنها تعتقد أن هذا حقيقي".
لم تستطع ميراندا أن تنطق , ونظرت سوزان الى خديها اللذين أكتسبا بياض الموت وقالت لها:
" هل أنت على ما يرام , أنا آسفة , لكن كان عليّ أن أخبرك , ما كنت لأغفر لنفسي لو أخفيت عنك الأمر".
" أن الوقت متأخر الآن , لقد فات الأوان ... فأنا أحبه".

أمل بيضون 18-09-09 09:11 PM

7- ليلة العرس البيضاء

هجر النوم ميراندا عشية زواجها , وتلاحقت في ذهنها الأحداث التي مرت بها : ما كشفته لها سوزان ونصائح جين وكل ما سمعته عن جاسون.
لكن كل هذا ينتمي الى الماضي , حتى لو كان حقيقيا , أنه لا يمت بصلة الى الحاضر , فالمنطق يؤكد أن غمزات رينا لا يمكن أن تكون حقيقية , ألم تشاركه هي نفسها الكثير من أمسياته الخالية من العمل وعطلاته الأسبوعية منذ أن طلب منها الزواج , ورجل كهذا مثقل بمسؤوليات جسام وأعمال وسفريات عديدة لا يمكن أن يكون لديه وقت لما تدعيه رينا من علاقة بينه وبين أمرأة أخرى , أن رينا يمكن أن تختلق أي قصص لتروجها عند أية همسة من اشاعة , ولكن لا يمكن أن تكون له علاقة بهذه المرأة!
مضت سوزان وهي تحس بالتعاسة , وجاءت جين وعرفت أسباب الحالة البائسة التي وجدت فيها ميراندا , وغضبت وصدمت وهتفت قائلة:
" أنا أن تنسي ذلك وتثقي فيه أو تطلبينه تلفونيا وتعرفي منه الحقيقة".
ولم تستطع ميراندا أن تفعل أيا من الأمرين , وعندما طلبها جاسون تلفونيا في العاشرة كما وعد لم تستطع سوى أن ترد بأقتضاب , وظل السؤال حبيسا في صدرها يعتصرها ألما وهي تتلهف أن تسمع منه كلمة يؤكد فيها حبه لها, كلمة تقضي على شكوكها , ويبدو أنه أحس بما يجول في خاطرها , فأسرع يقول:
" لن أستبقيك, فأنا نفسي تطوف بي مثل مشاعرك".
" مثل ماذا؟".
" مثلما تبدين أنت: متقطعة الأنفاس عاججزة عن الأستمرار ,لكن لا تقلقي فالغد غدنا يا حلوة".
يا حلوة.... كررت الكلمة لنفسها بنعومة , كانت هذه الكلمي تشير الى عمق حبه لها , ذلك الحب الذي تبحث عنه طويلا لا كمثل تلك العاطفة الهشة التي أظهرها في بعض الأحيان والتي شعرت بغريزتها أنها عاطفة مصطنعة يتقنها الرجال لأرضاء النساء , أن اللوم يجب أن يوجه الينا نحن معشر النساء فأننا نريد فيضا مستمرا من التعبير عن حب الرجال لنا والرجال يستطيعون أن يفعلوا ذلك بطريقة عكسية.
وأدارت عينيها تتأمل الغرفة بعينين مضطربتين , تلك آخر مرة ستنام فيها هنا , وقريبا تنام هنا فتاة أخرى تداعب جفنيها أحلام عذبة في هذا السرير , وجاءت جين تطمئن عليها وهمست قائلة:
" ميراندا , أما زلت يقظة؟".
" نعم".
" هلا تنامين بحق السماء , هل تودين أن تكوني محطمة في يوم زواجك؟".
" لا أستطيع أن أنام , ولا أعرف ماذا أفعل".
" قلت لك , أنسي الموضوع , أفترضي أنك ذهبت اليه وناقشت الأمر معه ووجدت أنه مجرد أشاعة , لا بد أن تفضي اليه بما يشاع عنه وأن تعطيه الفرصة للنفي".
لكنها كانت تعرف ماذا سيكون عليه رد فعله : غضب بارد وربما أنسحاب من الأمر كله.
لن يقر ولن ينفي , وسيكون هذا هو نهاية كل شيء , وأذا كان الشك بينهما قد بلغ هذا الحد , فما هي الثقة أو الحب؟
وأستطردت جين تقول:
"هناك دائما دافع وراء الأشاعات فمثيرو الأشاعات يسعدهم أن يدمروا ما حرموا هم منه".
لكن سوزان ليست من هذا النوع.
وأخيرا راحت في سبات عميق , وبدا لها أن ذلك لم يدم سوى لحظات عندما لمسا جين كتفها وهي تقول:
" أستيقظي ... ها هو شاي الصباح للعروس".
" كم الساعة الآن؟".
ونظرت الى الساعة وهتفت مذعورة:
" الثامنة والنصف والتاكسي سيأتي في العاشرة".
" أهدأي كل شيء يمكن التحكم فيه تماما , لديك خمس دقائق للشاي بينما أعد لك حمامك , كل ما عليك أن تفعليه هو أطاعة الأوامر".
نظمت السيدة سوندرز وجين كل شيء, وأهتما أول كل شيء بطمأنة ميراندا , وعندما جلست أمام المرآة قالت لها جين:
" أنت في حاجة الى لمسة ألوان على هذه الخدود".
وعلقت السيدة سوندرز:
" أنه مجرد توتر يسبق الزواج , كنت أنا أيضا أبدو كذلك عند زواجي".
" أنت يا خالتي , أعتقد أن عمي أندرو كان يبدو أسوأ عشر مرات".
" أمضى عمك أندرو ليلته مستيقظا يتساءل هل أتزوجه أم أتزوج أفضل رجل يتقدم الي!".

DrEeM NiGhTs 18-09-09 09:26 PM

merci peacupe


الساعة الآن 11:26 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.