شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   526 - القدر القاسي - أماندا بروننغ - ق.ع ( كتابة / كاملة )** (https://www.rewity.com/forum/t85945.html)

ayaegypt 12-10-09 03:18 PM

السلام عليكم انا عضوة جديدة بصراحة الروايات كلها جميلة والرواية دى تحفة شكرا كتير

امراة بلا مخالب 14-10-09 06:12 AM


sleeping beauty 14-10-09 07:24 PM

بليز وين التكملة

أمل بيضون 14-10-09 07:55 PM

الفصل السادس

بعد مضي يومين، وصلت أليكس إلى مكتبها و هي تشعر كأنما
قوة ساحقة تسيرها. فطالما أنها اختارت موافقتها للزواج منه ، فقد تحرك بيرس بما يسمونه ، في ظروف أخرى ، سرعة تستحق الاطراء و الثناء. إلا إنها اعتبرتها سرعة غير لائقة، و استاءت لان اندفاعه حملها معه.
سكبت لنفسها فنجانا من القهوة و وقفت تحدق غلى الخارج عبر النافذة، محاولة أن تخفي شعورها بأن كل شيء يخرج كثيرا عن نطاق سيطرتها. و تساءلت عما يخبئ لها اليوم من صدمات. فقد اصر بيرس في الأمس على أن يذهب معها إلى المستشفى و يلتقي أهلها، و ساءها أنه قد توافق معهما على الفور، لكن رغم شعور الغضب الذي خالجها ، لم تستطع إلا أن تعجب بالطريقة التي سيطر فيها على الوضع، و وجدت نفسها تعطيه تقديرها الذي ضنت به عليه.
و قد أذعن لرغبة والدها حتى عندما اسهب في اقتراحاته بأن يهتم بالأعمال. و كانت موافقته تلك مبنية على ان مديرا سيعين للاشراف على الشركة إلى ان يشفى ستيفن و يصبح قادرا على مزاولة اعماله. كما و ان نتائج التقرير المصنفة من قبل فريق إدارة بيرس لطرق التنظيم و تحسين الإنتاج لا يمكن تطبيقها دون موافقة والدها الكاملة عليها، الأمر الذي ، كان من الطبيعي، أن حصل عليه اضافة إلى احترام ستيفن بتراكوس الكامل.
الامر الوحيد الذي كان ليفسد المناسبة، هو اصرار والدها أنه لا بد من أن بيرس مغرم جدا بابنته ليكون بهذا الكرم و اللطف. و هو واقع لم يحاول الشاب أن ينكره، إنما عمل على تأكيد ذلك. و عندما افترقا أخيرا، بقيت مع الواقع المرير أنه كسبهما، و بغم إنها كانت تدرك ان ذلك خطة لتنهي اي قلق قد يخامرهما فإنها شعرت بإستياء مرير نحوه.
اطلقت تنهيدة عميقة و جلست إلى طاولة مكتبها و مدت يدها على البريد، و دهشت عندما وجدت المغلف الأول يحمل اسمها، فضت الظرف و هي متجهمة ثم فتحت الوقة الوحيدة التي يحويها. كانت الصفحة تحوي بضع كلمات فقط، لكنها كانت كافية لتجعلها تتقد غضبا. كانت الرسالة من بيرس، تحدد اليوم و الساعة و المكان لزفافهما. كانت تلك الكلمات بحد ذاتها بسيطة عدا انه ارسلها عبر مذكرة! و في الواقع كان لديه الوقاحة لأن يحول عملا سيغير حياتها إلى نوع صغير من الإعمال...
غضبت كثيرا لدرجة أنها اخذت ترتجف، كانت على وشك ان تمسك الهاتف لكي تتصل به في الفندق حيث يقيم، و تقول له بعضا مما تفكر به عندما سمعت رنين الهاتف في مكتب والدها. تملكتها الحيرة ، لأن كل الاتصالات كانت تحول إليها خلال الاسابيع القليلة الماضية. و كانت على وشك النهوض لتذهب و تجيب عندما توقف الرنين و سمعت صوتا مكتوما لأحدهم يتكلم.
و فيما هي تعبر الغرفة لتتحرى من هناك كان لديها حس داخلي لمن قد تجده. لذا عندما فتحت الباب الذي يوصل المكتبين، لم تفاجأ برؤية بيرس جالسا على كرسي والدها، يجيب بهدوء في محادثة هاتفية. عندما رآها، أشار لها كي تجلس. لكن، تلك الاشارة عملت على اثارة غضبها أكثر، فتجاهلته، و اختارت أن ترميه بنظرة لا تستطيع ان تظهر له سوى نصف ما تشعر به.
لم يستعجل بيرس نفسه، فقد أمضى نحو خمس دقائق قبل أن يضع سماعة الهاتف مكانها و يدير وجهه نحوها. في الوقت الذي كانت مستعدة فيه للانفجار.
فقالت متحدية بغضب بارد: "ماذا تفعل أنت هنا؟ كيف تجرأت و اعتقدت انه بإمكانك ببساطة الدخول إلى مكتب والدي و الاستيلاء عليه؟"
اسند بيرس نفسه إلى ظهر الكرسي الجلدي و اخذ يتأملها بسخرية، ثم قال: "لمعلوماتك ، يا حبيبتي، لا اعتقد اني استطيع القيام بأي شيء، اعرف. لكن عندما ذهبت لرؤية ستيفن الليلة الماضية ، اقترح علي أن استعمل مكتبه لكي اعمل على تنفيذ الخطط التي رسمتها، فوافقت."
اوقف تقدمها فجأة، لذا لم تنبس اليكس بأية كلمات أخرى كانت قد اعدتها، و وجهت غضبها عبر طريق آخر، فأجابته بشكل لاذع و مباشر جدا: "لماذا لم ابلغ بذلك؟ اعتقد الآن طالما أنت المسؤول، لا أهمية لي هنا! ان كنت تجد صعوبة في إخباري ذلك وجها لوجه، عندها فأقل ما يمكنك القيام به هو أن ترسل لي مذكرة!"
عند ذلك رفع بيرس حاجبيه بإدراك مفاجئ، ثم مرر احد اصابعه بتأمل على جانب أنفه و تأوه: "آه."
كان ذلك الصوت كافيا ليجعلها تدرك انها خسرت المعركة و لم تكسبها. أطلقت صوتا يائسا من حنجرتها و استدارت لتبتعد قائلة: "لا أحب أن اعامل و كأني فكرة لعينة خطرت على البال متأخرة!"
اجابها، دون أن يحاول اخفاء مرحه: "بما انك الشخص الرئيسي فإنك لست كذلك. على أية حال ، لقد كان لدي انطباع ، و اخبريني ان كنت على خطأ، بأنك تريدين كل شيء ان يبقى ضمن طابع العمل."
انه دائما يقلب الاوضاع باستعماله كلماتها ضدها! لامت نفسها، و استدارت نحوه من جديد و قالت: "تهتم كثيرا بما أريده يا بيرس مارتينو، و بالنسبة للمحافظة على الطابع العملي بكل شيء، كيف تفسر وضعك حين كنت بالأمس تبذل مجهودا كبيرا لتتظاهر بأنك مغرم بي؟ كلانا يعرف إنها كذبة، رغم أنه علي ان اعترف بانها لا تنطبق على نظام خداعك."
لم يرفع بيرس نظره عنها فيما هي تتقدم و قال: "لقد صدقها والديكو ذلك كان الهدف من العمل، أو انك كنت تفضلين لو اخبرتهم الحقيقة المرة على إخبارهم كذبة مقبولة؟"
فصرخت قائلة: "حتى أنت لا تملك الحس السيئ لدرجة ان تخبرهم انك تريدني مقابل الخدمات التي تقدمها."
نهض على قدميه في لحظة، وكانت كل خطوة نحوها تطفح بغضب واضح مكبوت، قال: "انك تدفعين بحسن طالعك نحو الطامة البكرى، أليس كذلك، يا أليكس؟ ماذا تحاولين أن تجعليني افعل؟ أن اغضب كثيرا لدرجة ان أتزوجك بالقوة! و هكذا تتمكنين دائما من الزعم بإنه لم يكن لديك خيار؟ هل هذا ما تريدين أن يحصل فعلا؟"
اضطربت أليكس من جراء موجات الغضب الجامح القادمة نحوها، و أخذت تحدق به بعينين عاصفتين و قلبها يخفق خوفا، فلم يسبق لها أن رأته غاضبا هكذا من قبل، و عرفت انها هي الملامة. لقد حان الوقت لتقوم بتراجع لبق، لذا اعترفت بصوت أجش قائلة: "لا."
قال: "إذا من الأفضل أن تراقبيني يا حبيبتي، و تتعلمي أين تتوقفي، اني مستعد لأن اعطيك مهلة معينة، لكن ان تدفعيني كثيرا فهذا يعني ان عليك تحمل العواقب." ثم استدار مبتعدا عنها، و التقط شيئا ما من على طاولة المكتب و مد يده ليعطيه لها، قائلا: "هذه لك."

أمل بيضون 14-10-09 07:57 PM

استجمعت أليكس رباطة جأشها المهتزة بقوة و تقدمت نحوه ، و استلت الظرف من يده بسرعة، و كأنه أفعى مستعدة لأن تلدغ. كان بداخل الظرف بطاقات شراء لبعض المتاجر المعروفة جدا، فرفعت نظرها بسرعة إليه مستفسرة.
قال مقترحا بهدوء: "ستحتاجين لجهاز عروس، لذا فمن الأفضل ان تأخذي عطلة بعد الظهر و تذهبي للتبضع."
ثم وجه انتباهه إلى الأوراق التي على طاولة المكتب و كأنما المسألة قد اقفلت الآن.
ان كان سيلزم حدوده، إذا فهي ستفعل ذلك، لربما يكون قد اشتراها، لكنها لن تجاريه في ذلك! فأشارت أليكس قائلة بتهذيب: "لست بحاجة لأن تشتري لي ملابسي يا بيرس. لدي اجر كاف خاص بي، و اضافة لذلك ، فإني لست بحاجة لأي ملابس جديدة."
هز رأسه و قال: "أتعرفين؟ سيكون تغييرا جميلا ان فعلت مرة واحدة ما يقال لك. على أية حال ، يمكنني أن ألاحظ انك مصممة على أن تتشاجري معي على اي شيئ، أليس كذلك؟ لكن لسوء الحظ أنا مصمم ايضا كما أنت. و لا يهمني كم من الملابس لديك يا أليكس، فحسب خبرتي تستطيع المرأة دائما أن تجد مكانا في خزانتها للمزيد، تماما كما ستفعلين."
كانت معركة ارادات، و كانت ارادته هي الأقوى في هذا الوقت، لذا قالت له بتحد و بشيء يشبه كثيرا الاندفاع: "ان كان الأمر يعني لك هذا القدر فإني مندهشة لما لا تصر على القدوم معي." سخافة اندفاعها تلك جعلتها تتوقف فجأة و قد ادركت أنها تتيح له لأن يجعلها تتصرف بشكل مخالف تماما لطباعها.
إلا ان بيرس، من ناحية ثانية ، كان مثالا للهدوء الواثق و السيطرة فقال: "صدقيني، لكنت فعلت ، لو اني لم اكن منشغلا جدا بإنقاذ شركة والدك من الافلاس."
اضطربت داخليا من تذكير لم تكن في الحقيقة بحاجة إليه كانت في قرارة نفسها تعرفانها يجب ان تكون ممتنة، لكنه جعلها غاضبة جدا طوال الوقت لدرجة ان ذلك الشعوريطغى على أي شعور آخر. عاودتها العقلانية لذا قررت ان هناك اكثر من طريقة واحدة لحث هرة على الإسراع، و لمزج المجازات، فقد يصر ان يقودها إلى النبع لكنه لا يستطيع ارغامها على الشرب، لذا ، فإن هي اخذت البطاقات، لا يعني انها تنوي ان تنصاع إلى أمره. فقالت: "سمعا و طاعة يا سيدي."
و على أية حال، بدلا من أن تثير كلماتها تلك غضبه بدا انها أعادت إليه حسه الساخر، لأنه نظر إليها بمرح ظاهر قائلا: "سأكون منزعجا جدا لايجاد أي شخص قليل الشأن مثل العبد المذعن، و عندما يصل بي الأمر للتفكير بذلك أجد إني لا أريدك إلا كما أنت، و ليس بطريقة مختلفة، فذلك يجعل كل مناورة تبدو و كأنها مغامرة."
تجهمت أليكس و هي تنظر إليه، و قالت: "كيف يمكن أن يكون ذلك فيما أنت قد...؟" و و خفتت الكلمات و شعرت بدفق رقيق من الدماء يغزو وجنتيها.
أكمل عنها بصوت ناعم قائلا: "حصلت عليك؟ صحيح، لكنك كنت تحبينني حينها، و أنت لا تفعلين الآن."
قالت له بحدة: "لا اعتقد اني استطعت أن احبك يوما." ثم سارت نحو الباب.
إتكأ بيرس على طاولة مكتبه و لف ذراعيه فوق بعضهما البعض و قال لها: "لو أنك لم تفعلي، لما استطعت ان تكرهيني هكذا و لهذه الفترة الطويلة. لكن من قال انه حيثما ينتهي الحب يبدا الكره؟ أنت لم تنسيني يوما، تماما مثلي أنا... فتلك الشعلة ما زالت موجودة بيننا ، مهما تكن رغبتك في أن لا تكون موجودة."
حدجته أليكس بنظرة عاصفة فيما هي تقبض بإحكام على مسكة الباب و قالت له: "إنني سعيد لسماع ذلك." ثم نظر إلى ساعته و اضاف: "عليك ان تذهبي الآن، و لا تتصوري انك تستطيعين الافلات بمجرد الاختفاء بعد ظهر اليوم و التظاهر فقط بأنك تتسوقين. فسوف أمر بك عند الساعة الثامنة لاصطحبك إلى العشاء، و اتوقع ان أرى نتائج ما قمت به بعد الظهر. هل هذا واضح؟"
انتابها للحظة شعور مزعج بأنه يستطيع قراءة افكارها، و ابتسامته الرقيقة الساخرة اكدت ذلك. اصيبت بإحباط، فردت عليه بطيش و هي تبتسم متمتمة بعذوبة: "و كأني سأفعل شيئا كهذا." فضحك.
ردد فيما هي تخرج من الباب قائلا: "احم، كأنما! صيد ممتع." و فكرت أليكس لو أنها تملك بندقية لعرفت تماما اي حيوان ترغب في اطلاق النار عليه. ثم، عكس رغبتها، اظهرت تلك الفكرة ابتسامة على شفتيها، مما جعلها فعليا مبتسمة فيما هي تلتقط حقيبتها و تتجه لتخبر روث أنها لن تعود اليوم.
كانت سكرتيرتها يقظة لتقول: "حسنا، انك بالتأكيد تبدين أكثر ابتهاجا." فرمتها أليكس بتكشيرة ساخرة.
قالت لها: "الأشياء الصغيرة تسر العقول الصغيرة. عندما تنتهين من هذه الرسائل يا روث ، ربما من الأفضل أن تقدمي خدماتك إلى السيد مارتينو، إنه سيستخدممكتب والدي خلال الأيام القليلة المقبلة." و كانت على وشك الذهاب عندما خطر لها شيئ آخر ، فأصافت: "آه، و إن طلب أحدهم مقابلتي فمن الأفضل أن تحوليه له أيضا. اراك غدا."
حالما اصبحت خارجا في الشارع، أخرجت البطاقات و أخذت تنقر بتأمل عليها بظفر إبهامها. كانت ردة فعلها الغاضبة الأولى التي تملكتها هي أن تمزقها. لكن الآن خطرت لها فكرة أفضل، ان كان بيرس يريدها أن تنفق ماله، فإنها ستفعل، و لأول مرة في حياتها لن تزعج نفسها بالتحقق من ثمن اي شيء تشتريه.
كانت تعتمد دائما على قاعدة لها عندما تشتري، ان تبقي مقياس المتانة و قيمة المال في فكرها دائما، معتبرة أنه من الحماقة الإنفاق فقط لأنها تملك المال. لذا فإن موجة من الندم خالجتها عندما رأت مجموعة العلب التي وضعت في سيارة الأجرة بعد زيارتها لأول متجر، ثم وبخت نفسها بقسوة، لأن الشفقة لن تفيدها بشيء ضد رجل قوي الإرادة مثل بيرس ، عليها ان تبرهن له انها ليست مجرد انتصار سهل، و الفرص للقيام بذلك قد اثبتت انها قليلة و متباعدة.
رغم ذلك عندما ذهبت إلى المنزل اخيرا ، و رأت نتيجة جهودها منتشرة حولها و قد تكدست فوق كل كرسي و ملت كل سجادة غرفة الجلوس تقريبا، تساءلت ان كانت قد بالغت بما فعلته... ثم قررت ماذا تفعل، انها لا تستطيع ارجاعها، و لذا عليها ان تواجه ذلك بتحد ، و مع تلك الفكرة اخذت تفتح العلب و تضع محتوياتها هنا و هناك. شعرت بعد ذلك انها بحاجة لشيء ينعشها فأعدت لنفسها بعض الشاي و الخبز المحمص.
و مع توقع وصول بيرس عند الساعة الثامنة، اسرعت أليكس لتستحم و تغسل شعرها، فيما كانت تجففه و هي جالسة إلى طاولة الزينة و قد غمرها شعور بالصفاء، و قبل الموعد المحدد بساعة ، دق جرس الباب الأمامي. ذهبت لترى من الطارق و هي ترتدي معطفا طويلا حتى كاحلها أزرق اللون، مما اضفى عمقا على عينيها الرماديتين.
بدا بيرس وسيما و رائعا في بذلته الأنيقة الصنع، نظر إليها للحظة صامتا قبل أن يعلق بجفاء قائلا: "هل هذا يعني انك جاهزة للذهاب أو ان جهاز التدفئة المركزية قد تعطل؟"
حاولت أليكس أن تعيد الاستقرار لخفقان قلبها المضطرب بجنون من نفوذه القوي، هزت رأسها و تراجعت إلى الوراء لتفسح له المجال للدخول. سارعت في الإجابة عليه رغم انها حاولت ان تبقي ما ورد في فكرها قائلة: "لا هذا و لا ذاك. هذا المعطف واحد من المشتريات التي اردت رؤيتها." و مشت أمامه نحو الصالة رغم احساسها بوجوده وراءها و كأنه يحاول ان يمسك بها.
تابعت سيرها نحو منتصف الغرفة حيث توقفت لتواجهه.
نظر إلى المكان و قد رسم على شفتيه ابتسامة، فيما وضع يديه في جيبي بنطاله. رفع نظره نحوها و قال: "هل كنت تأملين أن تفلسي المصرف؟ ان كان الأمر كذلك سأخبرك ان تصرفك هذا لن يؤثر فيه."
قالت: "على العكس، طالما انك لم تضع حدا، ظننت أن علي ان اقحم نفسي و أجهزها من الرأس حتى أخمص القدمين." و بحركة منها لتظهر له حجم ما اشترته، بسطت ذراعيها و أشارت حيث وضعت باقي الثياب، و أضافت قائلة: "كل شيء تراه قد اشتريته على حسابك." و سمعت بهدوء بيرس و هو يلتقط انفاسه.
بدا عليه التوتر الشديد، الأمر الذي جعلها تقرر فجأة انها قد تمادت كثيرا. بلعت ريقها بصعوبة و حدقت به لترى الإحمرار يعلو وجنتيه. اخرج يديه بهدوء من جيبيه و وقف منتصبا.

أمل بيضون 14-10-09 08:56 PM

قال بنبرة غريبة و هو يخطو نحوها: "اعتقد انك ادرجت نفسك ضمن هذه المشتريات؟"
عرفت أنها قللت من قدره كليا. كانت تنوي ان يكون الأمر بمثابة صفعة على الوجه، لكنه ضاع بتهور دون التفكير بكل العواقب الممكنة، و وقفت ثائرة لمواجهة الهجوم. لم تشأ أن تلوذ بالفرار و هي تجر ذيل الخيبة.
نظرة بيرس المتمعنة جعلت خديها تتقدان احمرارا و قد بذلت جهدا لتحافظ على هدوئها بدلا من ان تنفجر غضبا.
فقد رمت قفاز التحدي ليلتقطه هو. شعرت بالقرف عندما عرفت انها جلبت ذلك لنفسها نتيجة تهورها و عليها ان تبقى حتى ترى النهاية المرة.
أمرها بصوت أجش قائلا: "استديري!"
نظرت إليه أليكس غير مصدقة و قد شهقت مرتعبة و قالت: "لا، لست جادا فيما تقول؟"
بدت ابتسامة بيرس مثل لسعة الأفعى عندما قال: "ألم تكوني جادة؟ قلت انك اشتريت كل شيء استطيع رؤيته، حتى انك اتعبت نفسك بنثرها هنا و هناك حتى اتفحصها."
حاولت أليكس ان تضحك يائسة و قالت محتجة: "لكن الأمر كله كان مزحة!"
قال بيرس متحديا بطريقة ساخرة: "حقا؟ حسنا. اني لا اراك تمزحين يا أليكس و انا كذلك. اردت رؤيتي مهانا لكني تخطيت "مزحتك" الصغيرة. و الآن حان دوري، عليك أن تتقبلي ذلك يا عزيزتي، هناك طاولة محجوزة الساعة الثامنة و النصف و لا أريد ان أذهب متأخرا."
استدارت أليكس مطأطأة رأسها لتخفي دموعها الحارة و قد شعرت بالإذلال. كان المفترض ان تكون هي من يتفرس النظر لكن الأمور آلت إلى النتيجة الخطأ. نظرت حولها طلبا للهرب. لم تكن غرفة النوم بعيدة جدا، لكنها شكت في ان تصل إليها، لأن بيرس كان في منتصف الطريق بينها و بين الباب.
نظر في عينيها المليئتين بالدموع و قال: "ايتها الغبية الحمقاء. ألم تتعلمي بعد انه لا يجدر بك نفعا التلاعب معي؟ هيا اذهبي... و يمكنك ان تنسي موعد العشاء، لقد قفدت شهيتي، الساحة لك يا أليكس ، اترك لك أمر قيادتها. اتمنى ان يكون النصر يستحق هذه المعركة."
عضت أليكس بقوة على شفتها فيما هي تراقبه و هو يستدير ليغادر الغرفة ، و بعد دقيقة سمعت صفقة الباب الأمامي. شعرت و كأنها حمقاء و حدقت في مشهد إذلالها. كان محقا، أرادت ان تشعره بالخزي لكنها هي من شعرت بأنها رخيصة. كانت الثياب تعيد إليها نظرتها بسخرية فتمنت لو انها لم ترها.
غمرها شعورا بإزدراء النفس، فذهبت لتأخذ دوشا علها ترتاح، لكنها كانت تعرف ان غسل تلك الذكرى من عقلها يتطلب أكثر من ذلك. و هكذا بقيت طوال الليل تدور و تتقلب على فراشها و لم تستطع أن تنام جيدا. و قررت خلال إحدى تلك الساعات التي مضت عليها دون أن تستطيع النوم بأن عليها الاعتذار، و ان كانت معظم الكلمات قد يعلق في حنجرتها.
لذا لم يكن من المدهش اطلاقا انها استغرقت في النوم صباحا، و طالما ان ذلك حصل ، قررت بأنه لا داعي للعجلة لقد تأخرت على موعد العمل، لذا فإن قليلا من التأخر الزائد لن يشكل اي فرق ، استغلت الوقت لترغم نفسها على تناول بعض الخبز المحمص، و للاعتناء بمظهرها. و بما أنها كانت تريد أن تبدو هادئة و مسيطرة على نفسها، لجأت إلى استعمال المكياج لتخفي الارهاق الذي نتج عن عدم قدرتها على النوم خلال الليل، و اختارت ان ترتدي بذلة ذات لون رمادي فاتح مع بلوزة حمراء اللون. و أخيرا، اتجهت إلى المدينة و هي تشعر و كانها امرأة مدانة.
رغم كل جهودها التي بذلتها، لم تكن مهيأة لرؤية العيون تتحول إليها بعدما ساد الصمت عندما دخلت إلى القاعة التي كانت تضج بالحركة الغريبة. لماذا كان كل واحد يبتسم ابتسامة عريضة؟ سارت إلى ردهة الاستقبال في مكتبها و رأت روث، التي كانت تنتظر وصولها بفارغ الصبر كما كان واضحا.
ابتسمت ابتسامة عريضة و امسكت بصحيفة، وضعتها سكرتيرتها فرق رزمة من الرسائل، فقالت لها السكرتيرة: "انك بالتأكيد تعرفين كيف تكتمين سرا، يا أليكس! ما من احد منا توقع ذلك و لا حتى من خلال طريقة تصرفاتك، تهانينا. اتمنى لكما كل السعادة."
و فيما هي تنقب بتعجب بين رزمة الرسائل، نظرت أليكس إلى سكرتيرتها بإرتباك و سألتها: "عم تتكلمين؟"
اجابتها روث، و هي تمد لها صحيفتها: "الزفاف، الاعلان عنه موجود في كل الصحف، الاتعرفين ذلك؟ ربما ان السيد مارتينو اراد ان يجعل ذلك مفاجأة."
لقد فهمت الأمر أخيرا. رسمت أليكس ابتسامة و اخذت الصحيفة و قالت بشكل موجز: "لقد توقعت هذا." و ألقت نظرة على كل رسالة من الرسائل مرة ثانية، و أخذت تمتص شفتيها. كانت كل تلك الرسائل، عدا القليل منها، من اشخاص رفضوا مساعدتها قبل بضعة ايام فقط. أما الآن و مع وصول بيرس ، فإنهم لم يستطيعوا الاتصال بالسرعة المطلوبة. كان من الصعب ان لا تشعر بالمرارة، و لم يسهل الامر اطلاقا دخولها مكتب والدها و مواجهة بيرس.
رفع نظره عن الوثيقة التي كان يطلع عليها، ثم اخفضه ببطء نحو طاولة المكتب فيما تقدمت هي نحوه. و سألها: "ماذا يمكنني ان أفعل لك، يا أليكس؟" و هو يكاد لا يخفي نفاذ صبره.طكان اسلوبا كافيا لتتراجع على الفور. لكنها سيطرت على اعصابها لتطلق سؤالها النقدي اللاذع قائلة: "لماذا لم تخبرني بشان اعلان موعد الزفاف؟"
تنهد بيرس ثم نظر إليها نظرة متفحصة و قال: "ربما لأني لم أرغب في مناظرة معك، لكن يبدو و كاني سأحظى بواحدة على أية حال، أليس كذلك؟"
"لم آت إلى هنا للشجار، يا بيرس. أتيت لاعتذر."
استطاعت، على الأقل، أن تقول تلك الكلمات دون أن تخنقها.
اجابها بسخرية رقيقة: "انه شيء جديد الآن!" و على الفور شعرت ان حرارتها ارتفعت.
سألته بشكل لاذع: "هل تقبل هذا الاعتذار أم لا؟"
قال: "عجيب كيف انه يبدو و كأنه اعلان عن حرب."
"ذلك لأنك دائما تقول شيئا يثير جنوني! لو انك تصمت لخمس دقائق، فقط يمكنني ان أقول كلماتي و امشي!"
و لدهشتها العظيمة ، ضحك ثم قال: "سوف تصبحين في السلك الدبلوماسي، حسنا، إليك المنبر، يا آنسة بتراكوس."
كافحت لتبقي صوتها معتدلا، ثم قالت: "أدركت ان ما فعلته الليلة الماضية كان سيئا، اني آسفة."
ساد الصمت لثوان قليلة قبل ان يجيبها قائلا: "هل هذا كل ما في الأمر؟ حسنا ، قبلت الاعتذار." و مد يده نحو الوثيقة من جديد.
افترت شفتي أليكس عن تنهيدة صغيرة و سألته بتعجب: "أهذا كل ما يمكنك قوله؟"
بدا بيرس مستمتعا ببرودة، حيث سألها: "ربما كنت تتوقعين شيئا آخر؟"
أصرت على اسنانها بشكل يمكن سماعه بوضوح، و قالت بإزدراء: "اعتقدت انك انت نفسك قد تريد الاعتذار."
هجره كل اللهو، و قال لها بفظاظة: "لماذا؟ لني هزمتك في لعبتك؟ ربما كنت لأفعلذلك لو اني فكرت انك لا تحاولين شيئا في اللحظة التي ادير بها ظهري. لكن فيما أنت هنا، هناك بعض الاشياء التي يجب عليك معرفتها. من الأفضل ان تجلسي."
كان مذلا! بدا انه يعتقد ان باستطاعته ان يقول كل ما يريده، ومن ثم يتوقع منها ان تجلس لتتحادث نعه بارتياح! فقالت: "شكرا، لكني افضل ان اقف."
لم يرفع بيرس صوته عندما قال: "اجلسي يا أليكس، أو اني سأذهب إليك و اجعلك تفعلين ذلك."
بعد الليلة الماضية، قررت ان التعقل هو افضل جزء من الشجاعة و بسرعة جلست في المقعد المقابل له.
ابتسم لها ثانية ، و استوى في جلسته و وضع ساقا فوق الأخرى، ثم قال: "مرتاحة؟ سأحاول ان لا استبقيك طويلا فأنا اعرف ان وقتك ثمين. سيسرك ان تعرفي بإننا سنذهب في شهر عسل قصير بعد الزفاف، لذا فمن الأفضل ان تجهزي نفسك للرحيل. كما بإمكانك ايضا ، ان تخطري دائرة الموظفين لتضع اعلانا عن وظيفتك ، بهذه الطريقة نكون مستعدين لإجراء المقابلة حالما نعود."

أمل بيضون 14-10-09 08:58 PM

[]كانت أليكس مذهولة جدا لدرجة أنها لم تستطع ان تنبس بكلمة لدقيقة أو دقيقتين، ثم تدفقت الكلمات فقالت: "ماذا تعني، بأن اعلن عن وظيفتي؟ لقد عملت بجد كثيرا لأصل إلى هنا، و أكون غبية ان سلمت وظيفتي لك أو لأي كان!"
فقال لها: "على الرغم من ذلك فإن وظيفتك ستبقى شاغرة." و حدجها بنظرة صارمة ثم أضاف: "ستكونين زوجتي، يا أليكس. لا يمكنك أن تتصوري فعليا بإنه يمكنك البقاء هنا عندما أذهب أنا إلى المنزل. فبالرغم من اني أملك بيوت في معظم عواصم العالم، إلا ان منزلي هو في الولايات المتحدة، و كذلك زوجتي. أنت ستعيشين هناك معي."
قالت بتحد: "و ماذا عن مستقبلي المهني؟"
اجابها بيرس بدون اهتمام: "اخشى ان ذلك لم يعد له اهمية كبيرة، هل يهمك ذلك فعلا؟ أتذكرين انك اخبرتني ذات مرة ان ليس في نيتك بأن تكوني زوجة عاملة."
كانت كلمات غير ضرورية، لإعادة تذكيرها بسذاجتها.
فقالت: "كان ذلك في الماضي، ان مستقبلي المهني اصبح مهما بالنسبة لي الآن ، يا بيرس."
اجابها: "لن يكون كذلك عندما يصبح لك عائلة خاصة بك أو هل أنك نسيت أن زواجنا سيكون زواجا حقيقيا، يا حبيبتي؟"
ردت عليه قائلة: "يفترض ان يكون الزواج الحقيقي مشاركة! و المفترض ان يكون هناك احترام متبادل و نحن لا نملك أيا منهما، فخياري الوحيد هو ان أفعل تماما ما تقوله، أليس كذلك؟"
اجابها بيرس ببرودة: "هل سمعت المثل القائل، من يدفع ثمن انغماسه في اللهو يتحمل العواقب؟ و حتى الآن، كان كل العطاء من جانبي."
جفلت أليكس و قالت بصوت منخفض: "فهمت، أنك تعرف حقا كيف تحمل شخصا على كرهك، أليس كذلك يا بيرس؟ اعتقد ان شهر العسل هذا هو حيث سأسدد أول دفعة."
قال لها بهدوء: "ما من أحد منا يستطيع ان يهرب من قدره ، يا أليكس."
فهزت رأسها و قالت بحدة: "تتكلم و كأننا لا نملك أية سيطرة على حياتنا، و كأن ليس لدينا عقل نفكر به، لن اسلم بمعتقداتك."
علق بيرس قائلا بسخرية: "ربما انك لا تصدقين بذلك، بقدر ما أرغب، و أنا حقيقة لا أملك متسع من الوقت لمناقشة النقاط الفلسفية الأفضل معك. ان فريق عملي سيصل اليوم و لدينا الكثير من العمل لننجزه قبل الزفاف. و أنت يجب ان تهتمي بإخلاء مكتبك ايضا."
قررت أليكس الانصراف دون أن تقول شيئا، فالجدال كان عقيما و أي شيء قد تقوله سوف يتجاهله على أية حال.
نهضت و عادت إلى مكتبها، المكتب الذي لن يكون لها لفترة طويلة بعد. سارت إلى النافذة ، و نظرت بعينين عاصفتين إلى منظر لندن الرائع فشعرت و كأنها تسلب السيطرة على أمرها، و كأنها بعد وقت ليس بطويل[/type] ، لن يبقى هناك شيء من أليكس بتراكوس التي عرفتها، كل ما استطاعت القيام به هو أخذ عهد على نفسها بألا تستسلم دون قتال، و تتأكد بأن اي نصر يحرزه بيرس سيكون نصرا فارغا.




أمل بيضون 16-10-09 03:05 PM

الفصل السابع



جرت مراسم الزفاف بعد يومين، كان حدثا هادئا حسبما اقتضت الظروف، و اقتصر الحضور فقط على والدتها و صديق مرافق لبيرس. لم تشأ اليكس ان يتم الزفاف بطريقة أخرى. لأن حقيقة زواجهما كانت مدعاة للسخرية بالنسبة لما كانت تؤمن به دائما تجاه هذه الرباط المقدس. الأمر الوحيد الذي جعلها تقبل بكل هذا هو التفكير بمصير والدها.
كان الاحتفال قصيرا. اختارت أليكس ثوبا حريريا بلون العاج و وضعت على رأسها قبعة تتماشى مع لون الثوب و قد تدلى منها حجاب منثور بحبات اللؤلؤ. و قد حملت ايضا باقة من الزهور دفعتها إليها والدتها عندما وصلت. ما بقي في ذاكرتها من تلك المراسم، تصرفات بيرس المدهشة. فقد تدبر اظهار القسم الذي تبادلاه ان يبدو جديا و التي عرفت مسبقا أنه غير ممكن ، الأمر الذي احدث قشعريرة في عمودها الفقري.
جاء حضور المصور مفاجأة عندما سارا سوية تحت اشعة الشمس. كان عليها أن تعرف ان بيرس لن يفوت حدثا كهذا دون تسجيل. لكنها شعرت في قلبها ان التصرف هذا بدا ليزيد من حجم الكذب. لحسن الحظ لم تكن هناك حفلة استقبال. كان ترتيبا مثاليا بالنسبة لأليكس لأنها شكت في قدرتها اخفاء عدم توافق العروسين و المقتصر على تبادل بعض الكلمات. فمنذ مواجهتهما الأخيرة كانت الأجواء بينهما ما زالت باردة أشبه بالجليد.
قال المصور الذي لم يكن يعرف طبيعة الجو السائد بينهما أو تعمد تجاهله: "أريد أخذ صورة لك و أنت تحضن العروس."
ادارت أليكس وجهها طائعة فيما تمنت لو أنها ترفض هذا الطلب، غير أنها لم تجرؤ على فعل ذلك عندما رأت والدتها تراقبها و كذلك الحشد الصغير الذي يتطلع إليها.
و فيما وضع بيرس يده على كتفها، قالت له يإيجاز: "أشعر و كأنني فقمة!"
اجابها بصوت أجش: "ربما، لكن فقمة جميلة."
ابتسم و قال: "هذا يكفي." قاطعا عمل المصور ثم استدار نحو والدتها و أضاف: "ان لم نذهب الآن، ستفوتنا الطائرة. اعتني بنفسك ، يا إميلي، و قولي لستيفن أن لا يقلق خلال غيابنا، هناك فريق عمل جيد يتولى المسؤلية، لذا فكل ما عليه أن يفعله هو التركيز على أن يتعافى بسرعة."
انحدرت دموع إميلي بتراكوس كردة فعل فيما كانت تقبل وجنته ، ثم استدارت نحو ابنتها و عانقتها قائلة: "تبدين جميلة، كوني سعيدة يا حبيبتي، ان بيرس رجل طيب و سيعتني بك جيدا."
هذه الثقة ، التي شعرت بها تجاهه يوما، جعلتها تشعر و كأن شيئا ما علق في حنجرتها، على أية حال، لم تكن طبيعة أليكس تسمح لها بأن تصدم والديها، لذا قابلت العناق بمثله بسرعة لتخفي اليأس الذي خافت ان يظهر في عينيها، و اجابتها: "اعرف أنه كذلك، و سأبذل قصارى جهدي."
كان كل ما عليهما القيام به، هو الصعود إلى السيارة و التلويح بأيديهما مودعين فيما بدأت رحلتهما إلى المطار.
عضت أليكس على شفتها عندما لوحت بجنون تلويحة رافقتها دموع عاطفية بشكل طبيعي. لم تكن الأمور طبيعية و لا يمكن أن تكون كذلك ، على الأقل لم يكن عليها التظاهر أمام بيرس، فإنه يعرف تماما ما هية مشاعرها. لوت شفتيها بسخرية عندما نظرت إلى الباقة التي ما زالت تمسكها بيدها ، ثم رمتها جانبا في الرقعة التي تعمدت إبقاءها بينهما.
لدهشتها سمعت بيرس يتحرك، و عندما نظرت حولها اكتشفت انه التقطها.
قال برقة: "الأزهار ليست عدوتك يا أليكس." ثم اخذ يسوي الأوراق التي تضررت و تابع قائلا: "رغم اني اتصور بأنني أنا هو من ترغبين بتركه محطما."
اجابته بإيجاز: "انت لا تتحطم، لأنك مكون من الحجارة الصلبة." و نظرت إليه بحيرة و قد انحنى ليضع الباقة على المقعد الامامي إلى جانب السائق.و كان يتحدث طيلة ذلك الوقت باللغة اليونانية مع السائق، الذي جال معه في كل العالم، كما علمت.
عاد ليستوي في مقعده، ثم مال بجلسته ليتمكن من النظر إليها بسهولة اكثر، و اجابها: "بعض الاحجار يمكن كسرها ان ضربتها في المكان الصحيح."
فسألته بإنكار ساخر: "أتعني، اني ان استمريت بالبحث سأجد نقطة ضعفك؟"
ارتسمت ابتسامة على طرف شفتيه و قال: "ان هذا واضح جدا لأشخاص يملكون عيونا ترى. من يعرف؟ إن عرفتها قد لا ترغبين بتحطيمها اطلاقا."
تجهمت عند سماعها كلماته تلك، و خامرها شعور بأنه كان يمرر إليها رسالة بالرموز، لم تعرف كيف تحلها.
استوت في جلستها و قالت: "لم اعطيته أزهاري؟ و ماذا قلت له؟"
اجابها: "قلت له أن يأخذها و يحفظها. قد ترغبين بالاحتفاظ بها في غرفة النوم كذكرى لهذا اليوم."
اجابته ببرودة: "و هل يحتمل أن ينساه أي منا؟ اعرف اني لست بحاجة لما يذكرني به."
جادلها بيرس بعقلانية قائلا: "مهما يكن، فإنه سيتم حفظها. من يدري؟ قد تبدلين رأيك." ثم أمسك بيدها اليسرى و أخذ يتأمل تأثير الذهب على يدها النحيلة، و اضاف: "ان خاتمي يناسبك. ماذا فعلت بالخاتم الأول؟"
اهتزت اعصابها لسببين، اولهما تذكيرها بالزواج السابق، و ثانيهما لوخز التنبه الذي أرسلته لمسته الرقيقة عبر ذراعها، تنهدت محاولة أن تحرر يدها لكنه منعها من ذلك.
سألها: "هل ان لمستي تجعلك تثورين. يا أليكس؟"
اجابته: "كل شيء يخصك يجعلني أثور. أما بالنسبة إلى الخواتم التي قدمتها لي، كنت على وشك رميها في نهر هدسون، لكن بدا لي ذلك هدر لمبلغ كبير من المال. لذا وهبتها إلى أول مؤسسة احسان مررت بها."
اجابها بسخرية: "يسرني ان اعرف مصيرهما."
غضبت أليكس و قالت: "المال هو كل ما تصلح له!"
ضحك و اجابها: "حقا؟ سأذكرك بهذا الليلة."

أمل بيضون 16-10-09 03:06 PM

اتقدت وجنتاها احمرارا عندما ادركت انها ستواجه ذلك قريبا. كانت تحاول تحاشي التفكير في ذلك الأمر، متصورة ذلك بحذر. حذر سببه معرفتها أنه مهما كان قرار عقلها، فإنها كانت تحبه في قرارة نفسها. و كانت كل ساعة تمر تجعل إبقاء القتال مستمرا اصعب. فقالت: "انك لمغرور... هلا تركت يدي من فضلك؟"
نظر إليها بيرس نظرة متفحصة و قال لها: "و ما هو الخطأ بأن يمسك زوج بيد زوجته؟ خاصة و أنهما قد تزوجا للتو."
ردت عليه بإزدراء قائلة: "لا تكن مرواغا، ليس هناك حاجة لنا الآن للتصرف بطريقة مشرفة، يا بيرس، فلا يوجد من يرانا حتى نبرهن له انطباعا مغايرا للحقيقة."
"و ماذا ان أخبرتك إني لا أحاول التصرف بطريقة مشرفة؟"
رمقته بنظرة محافظة، و قالت: "لا أصدقك."
تنهد بيرس بعمق و وضع ساقا فوق الأخرى إلا انه بقي ممسكا بيدها بقوة و قال لها برقة: "مهما تكن الظروف التي سيؤول إليها زواجنا، فأني أنوي أن ابذل قصارى جهدي لإنجاحه يا أليكس. و يمكنك ان تفعلي الشيء نفسه."
يبدو صادقا جدا ، لكنها عرفت من التجربة السابقة اي ممثل بارع هو. فأجابته: "لا حاجة لأن تتكبد كل هذا الأزعاج من أجلي." و سحبت يدها بقوة من يده.
"أوه ، ليس هناك من إزعاج، يا حبيبتي، فإن ذلك هو ما أردته دائما."
كان جوابه مفاجأة تامة لها فحدقت به بدهشة، و قالت ببطء: "تجعل الأمر يبدو و كأنك أردت هذا الزواج فعلا." إلا انها لم تتلق جوابا منه، سوى رفعة من حاجبه.
استدارت بعيدا بعد أن عجزت عن تفسير تلك النظرة و أخذت تحدق إلى الخارج عبر النافذة، و هي متجهمة تماما.
استدارت نحوه من جديد، وقالت: "لماذا تزوجتني يا بيرس؟ كان بإمكانك أن تساعد والدي دون القيام بذلك. لو انك أردت امبراطورية عائلة بتراكوس، كان بإمكانك ان تشتريها حسب طريقتك. لماذا اردت أن ترتبط بي ثانية؟"
نظر إليها بيرس للحظة، ثم استدار لينظر إلى الخارج عبر النافذة. و قال لها برقة: "لدي أسبابي، لكنك لست مستعدة لسماعها بعد." دقت كلماته تلك على وتر مألوف جدا جعل غضبها النائم يستيقظ.
أجابته بصوت أظهر دون وعي منها مزيجا من الغضب و الألم: "آه، أجل، لقد نسيت ، انت تحب أن تختار لحظتك، أليس كذلك؟ و كي أتذكر ، تترك مفاجأتك للصباح الباكر. هل علي أن اجهز سلاحي للغد؟"
استدار عند سماعه كلماتها تلك، و عيناه تظهران ندما عميقا لم يحاول حتى إخفائه. قال لها برقة: "استرخي، يا أليكس. لن يكون هناك مفاجآت هذه المرة. سوف تعرفين الوقت المناسب مثلي تماما."
سألته: "لم علي أن أثق بك؟"
ضاقت ابتسامته فيما اجابها: "هذا أمر لا استطيع أن اجبرك على القيام به. فإما ان تفعلي أو لا."
عضت على شفتها و شعرت لسبب لم يكن في الحسبان بالإنزعاج. قالت له: "غني لا أفهمك."
اجابها بلهجة غامضة: "لم تفعلي ذلك قط."
شعرت انها تكاد تختنق... استدارت و ركزت اهتمامها على العالم الخارجي، مبعدة نفسها قدر ما تستطيع عن الرجل الذي إلى جانبها.
كانت الجزيرة ممتدة امامها و قد بدت و كأنها تطفو بكسل فوق البحر الأزرق المتلألئ. كانت أليكس تنظر إليها منذ أن بدت كنقطة صغيرة في الأفق. أما بيرس فقد تعمد الغموض، فقال إنهما سينزلان في الفيلا التي يملكها على جزيرة يونانية عندما لاحظت في وقت مبكر من النهار انهما فوق اثينا، و هناك انتقلا من طائرته إلى طائرة مروحية حملتهما بقية الطريق.
اخفضت نظرها إلى المكان الأخير الذي يقصد. بدا رومنطيقيا، و أكثر اخضرارا مما توقعته. لكانت في أي وقت غير هذا تطلعت بشوق لتمضية فترة من الزمن هناك، إلا ان قلبها غار الآن في صدرها لفكرة انها ستبقى معه في هكذا عزلة رائعة. لذا، و رغم أنها تكره ذلك بشكل عام، إلا انها كانت لتعطي اي شيء مقابل أن تتجه إلى اي منتجع مزدحم خارج هذا المكان.
شعرت بعيني بيرس تحدقان بها، فنظرت حولها محاولة ان لا تتأثر عند رؤيته. لقد نزع في وقت مبكر سترته و ربطة عنقه. بدا مسترخيا قدر ما يستطيع. في هذه الحال، و نتيجة لذلك، اهتزت احاسيسها، كان من المستحيل ان تتجاهل وجوده، و كانت تجد التظاهر بعدم الاكتراث يزداد صعوبة ، الأمر الذي كانت متأكدة انه هو ايضا مدرك له.
ابعدت عينيها عنه، و سألته: "هل هذه هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى الجزيرة؟"
اجابها بتهكم: "لا، لكنها الأسرع، لماذا؟ هل بدأت تبحثين عن طريق للهرب؟"
سألته بجهد: "و هل احتاج إلى واحدة؟" و شعرت أكثر مما رأت انه هز كتفيه بلا مبالاة.
اجابها: "من يدري ماذا يجول في خاطرك؟ لكن هناك الكثير منها، فالذين يعيشون على الجزيرة لديهم مراكب صيد، و ان أيا منهم قد ينقلك إلى البر الرئيسي ان طلبت منه ذلك، هذا ليس سجنا، يا أليكس." انهى كلامه برقة، و شعرت من جديد بتلك الموجة من الارتباك تعلو من حولها...

أمل بيضون 16-10-09 03:07 PM

تذكرت ان العهود التي قطعتها على نفسها اليوم كانت سجنا بحد ذاتها. لم يكن قلقا بالطبع، على انها قد تحاول الهرب من الجزيرة، لأنه كان يعرف ان حسها الاخلاقي هو الذي سيبقيها إلى جانبه. لقد أشتراها، ألم يفعل؟
كانت تشعر أنها بخير إلى أن رأت الجزيرة، لماذا رؤيتها جعلتها تشعر فجأة، بأنها تريد اشياء كانت تعرف انه لا يمكنها أن تتوقع الحصول عليها؟ و ما الذي كانت تريده على أية حال؟ لم تكن تعرف ذلك أيضا. لم تشعر من قبل قط أنها تائهة هكذا و... خائفة هكذا.
قالت لنفسها ان لا يجب أن تكون مغفلة حالمة، و من الأفضل بكثير أن تركز على وصولهما. جالت الطائرة المروحية فوق الجزيرة، مما اتاح لها رؤية المنظر المذهل للمرفأ المزدحم، قبل أن تتجه إلى القمة الجنوبية، حيث كان بناء أبيض و سقف من القرميد يستدفئ بأشعة شمس الغروب. حطت الطائرة في بقعة مكشوفة من الأرض وراء المنزل، و فيما كان بيرس يساعدها على النزول، ظهر رجلان من خلال الأشجار التي تحيط بالمكان. و من خلال ابتساماتهما الواسعة و ترحيبهما الحار كان واضحا انهما كانا يعرفان أنه قادم إلى هنا مع عروسه.
وقفت أليكس بعيدا، و قد شعرت و كأنها دخيلة، لقد قطع جدها كل ما يربطه ببلده منذ سنين عديدة. و هكذا لم يكن أمرا غريبا أن أولاده أو أحفاده لا يتكلمون اليونانية. خطر لها أن عليها أن تتعلم اللغة اليونانية بسرعة إن كان عليهما تمضية أية فترة زمنية هنا. و عندما قدمهما بيرس لها باسم كوستاس و سبيرو اللذان يعتنيان بممتلكاته، ردت على تمنياتهما الطبية بابتسامة دافئة.
امسك بيرس بذراعها و قادها نحو المنزل فيما اهتم الرجلان بأمتعتهما. ثم سألها: "هل ترغبين بمشاهدة المنزل الآن، أو تريدين الاستراحة اولا؟"
شعرت أليكس و كأنها ستصرخ ان لم تنزع ثيابها عنها حالا من شدة الحر، لذا اجابته بابتسامة مريرة و ساخرة في آن معا: "فيما بعد. أريد ان اغتسل و ارتدي ملابس خفيفة."
تأملها ثم قال لها موافقا بصوت أجش: "تبدين متعبة قليلا. غرفة النوم الرئيسية من هنا."
كانت الغرفة التي قادها إليها كبيرة و مزينة بظلال خوخية اللون. و كانتا غرفة الملابس و غرفة الحمام على جانب واحد. فيما كان باب زجاجي متحرك يظهر منظرا نحو البحر يخلب الانفاس.
استطاع بيرس بسهولة ان يتتبع نظراتها، لذا قال لها: "لم لا تسترخين قليلا، يا أليكس؟ لقد كان يوما مرهقا. استحمي هنا، فأنا سأستعمل غرفة الحمام التي في الخارج هذه المرة... اننا لسنا على عجلة، و لن نأكل حتى وقت متأخر."
لم يكن العشاء هو ما يقلقها فيما كانت تنظر إليه و هو يدخل إلى إحدى غرف الملابس، و يخرج بعد لحظات فقط حاملا ثيابا لتبديل ملابسه. كانت تلك مناورة رقيقة أوضح من خلالها ان هذه هي غرفته، ايضا، لكنه مستعد لأن يفسح لها المجال فيها، في الوقت الحاضر، اما فيما بعد فإنه أمر آخر، على أية حال.
و مع مغادرته، اطلقت أليكس نفسا عميقا ثم خلعت حذاءها متجهة إلى غرفة الحمام. لفت نظرها حوض الاستحمام، و على الفور استبدلت فكرة أخذ دوش بأن تستلقي في المياه الدافئة لتحظى بقسط من الانتعاش.
لم يمض وقت طويل حتى فارقها التوتر و استرخت و قد اتكأت إلى الحافة و اغمضت عينيها. و من ثم راودتها الافكار، افكار مزعجة لم يعد بالإمكان تجاهلها. كان هناك الكثير لتفكر به في وقت سابق، لكن هنا، أصبح التفكير لا مفر منه. ضاقت شفتيها بمرارة. ذات يوم مر عليها وقت راغبة فقط بأن تكون مع بيرس، لكن الآن الأمر مختلف، فهذه المرة كانت مدينة له. لقد اشترى الحق في أن يبقى معها.
و انطلقت آهة من حنجرتها المخنوقة، كم تكره التفكير في ذلك، أن تهبط لدرجة أن تصبح مجرد تسديد لدين! ذلك يقلل من قيمتها و من قيمة كل ما كانت تشعر به. و جعلت تلك الفكرة قلبها يتوقف عن الخفقان لثوان قاتلة قبل أن يبدأ خفقانه من جديد بترنح. ماذا يعني وجودها و شعورها؟ لم تكن تشعر بشيء! لا شيء سوى الكره تجاه الرجل الذي استغلها و خدعها بقساوة، و رفعت يدها لتغطي عينيها.

أمل بيضون 16-10-09 03:08 PM

طغى الصدق على شعورها، و ما أن وصل إليه حتى تعلق به بقوة مرغما إياها على الاعتراف أخيرا بالحقيقة لنفسها، فالسبب الذي جعلها تكره لهذه الدرجة ان تكون مجرد تسديد لدين ، هو لأنها ارادت أن يكون الزواج حقيقيا، و كانت فوق كل ذلك، تريد حب بيرس... لأنها تحبه. مما قد يجعلها من أسوأ نوع من الحمقى على قيد الحياة!
شعرت بالاختناق من شدة يأسها حتى فيما كان عندها دافع قوي للضحك. أنها كما باندورا، فتحت صندقها و لم يعد بإمكانها أن تفعل شيئا سوى أن تواجه ما نتج عن ذلك، فاعترفت أخيرا بالدور الأخير من خداع النفس. فقد كانت، حتى في الأيام الخمسة الأولى المؤلمة من الخسارة قبل خمس سنوات، تتمنى بجنون أن يأتي بيرس يوما و يعترف لها ان كل ذلك كان مجرد غلطة، و انه يحبها رغم كل شيء!
كل هذا لأنها أحبته. و كانت تحبه في ما مضى. لأنها تحبه... و ستظل تحبه دائما.
لكن لا يمكن أن تكون ما زالت تحبه! ليس بعد كل ما فعله... و ما زال يفعله. لقد استغلها، و ما زال يستغلها. كيف بإمكانها ان تبقى على حب رجل يمكنه فعل ذلك؟
لم تكن تعرف. الأمر الوحيد الذي كانت تعرفه انها تحبه بشكل لا يمكن نسيانه. و ان عرف ذلك يوما، فإنه لن يتوانى عن القيام بأي شيء، فالقوة التي ستعطيها له ستكون مطلقة.
لا يمكنها ان تعطيه هذا النصر، و عليها الآن أكثر من أي وقت مضى ان تستمر في صراعها معه، لأنها الطريقة الوحيدة للتغلب على نفسها. لذا يجب ان لا يكتشف بيرس اطلاقا القوة على اساس ضعفها. قد تكون ملزمة تجاهه و قد تضطر للقيام بكل ما يريده، لكنه لن يسيطر على قلبها كما فعل، بل عليها أن تأخذ سرها معها إلى القبر.
"ما بك يا أليكس. أين أنت؟" ردد صوت رجولي أجش من وراء الباب، و على الفور فتحت عينيها. و قد شعرت أنها في وضع غير مؤات لأي كلام. و قالت تذكره بحدة: "قلت انك ستسعمل غرفة الحمام الأخرى."
رفع أحد حاجبيه و قال: "فعلت، منذ ساعة تقريبا. خطر لي انك قد تحاولين تجنب رؤيتي لذا أتيت بحثا عنك."
تنهدت أليكس بغيظ و قالت له: "حسنا، لقد وجدتني. و الآن أود أن أحظى بقليل من العزلة."
ضاقت عيناه الزرقاوان للهجة التي تكلمت بها و قال لها: "لا تأمريني يا أليكس. اني زوجك و لست خادما، و لي كل الحق بأن أكون هنا."
كان بإمكانها انقاذ الموقف ببساطة و ببضع كلمات، لكن ذلك لم يكن في متناول يدها، لأنها لم تكن قد استقرت نفسيا بعد، مما جعل كلماته تلك تشعرها بتهديد أكبر مما جعل غريزتها تشهر دفاعاتها.
فخرجت من الحمام بعنف، بعد أن جففت نفسها و ارتدت ثيابها، ثم قالت: "آه، حقوقك. فهمت الآن، حان وقت التسديد. أليس كذلك؟"
كانت مأخوذة جدا بحماية نفسها لدرجة أنه فاتها ان تلاحظ الغضب الذي ظهر على وجه زوجها، بدا و كأنه على وشك الانفجار، و عندما توقفت عن الكلام كان قد ابتعد قليلا و صاح قائلا: "يكفي! كيف تجرؤين على التكلم عن نفسك بهذا الابتذال؟"
شعرت أليكس بالجبن قليلا، لكن لم يكن هناك مجال للتراجع فقالت: "ألايسمونه كذلك عندما يشتري رجلا إمرأة؟ لقد اشتريتني، و أنا مستعدة تماما الآن لتسديد الدين. أنا امرأتك لتأمرني، ألست كذلك؟"
كانت تريد أن تخرجه عن سيطرته الباردة، و قد نجحت، لكن بطريقة لم تكن تتوقعها قط. و بعينين واسعتين، رأت الغضب الجامح يشتعل بداخله، و تنهدت فيما خطى نحوها.
صرخ قائلا: "لقد تماديت كثيرا هذه المرة، يا أليكس. ان كنت تريدين التسديد يمكنك ذلك."
و قبل أن تتمكن من أن تنبس بكلمة كان بيرس قد امسكها بقوة. تأوهت أليكس. لكن الآوان كان قد فات الآن لتتمنى لو أنها لم تدفعه لهذا الحد. كان كل ما ارادت القيام به هو حماية نفسها، لتبرهن له أنها غير مهتمة، لكنها ايقظت النمر النائم، و ها هي الآن لا تجرؤ على الإفلات منه لم يكن فيه شيء من بيرس الذي عرفته في ملاطفاته، من الرجل الذي يقمع مقاومتها انهمرت الدموع من عينيها، لأنها قادته إلى هذا، و لم يكن امامها إلا ان تلوم نفسها لما يتمخض عن ذلك من نتائج. و شعرت بالازدراء تجاه نفسها.
كانت تعرف انه ان لم يتوقف من تلقاء نفسه لن تقوى على الهروب في غمرة غضبه. لكن حتى عندما مرت ببالها تلك الفكرة المدمرة، اطلق بيرس صيحة مخنوقة و أبعد نفسه عنها. و تلك الحركة نفسها جعلته على قدميه، حيث وقف للحظة مؤلمة يحدق بها و هو يتنفس بسرعة، بدا و كأنه يقاتل الشر داخل نفسه، ثم و دون أن ينبس بأية كلمة استدار على عقبيه و ترك الغرفة، صافقا الباب وراءه.
بقيت أليكس جامدة في مكانها دون حراك، فيما انطلقت منها تنهيدة و تبعتها أخرى، رفعت رأسها في الوسادات. بكت حتى شعرت بالجفاف... و الخجل. ما حدث كان غلطتها. لقد انفعلت كثيرا، ما الذي حل بتكلفها البارد؟ لقد تبخر مع ادراكها انها لن يمكنها اطلاقا ألا تبالي ببيرس. كانت خائفة جدا من أن تعطيه القوة لأن يؤذيها ثانية، و عوضا عن ذلك، جعلته يؤذيها بطريقة أخرى.
نهضت بإرهاق لتقف على قدميها، و هرعت نحو الحمام.
و لم تكتشف عندما عادت إلى غرفة النوم ان صينية عليها ابريق من الشاي قد ظهرت بشكل مفاجئ، و انما وجدت حقائبها قد أفرغت ايضا. لم يكن أمرا مريحا ان تتصور ما قد فكر به ذلك الشخص الغير معروف عما حدث، تفكيرها ذاك جعل وجنتيها تتقدان احمرارا، و شعرت انها بحاجة ماسة لفنجان الشاي الذي سكبته لنفسها.
لقد هدأت الآن. وجدت أنها اصبحت قادرة على التفكير. كانت حمقاء، و ادركت الآن ان عليها ان تحاول ان تنقذ شيئا من هذا الخراب و إلا فإن زواجها سيتحطم. تسبب كبرياؤها بأسوأ سقطة على الأطلاق، و كان عليها أن تعتذر. اين اصبحا من ذلك؟ من يستطيع ان يقول..؟

أمل بيضون 16-10-09 03:09 PM

كان الظلام قد بدأ يخيم الآن، و عرفت أليكس ان لا فائدة من النظر المتكرر إلى ساعتها، فإنها ستخبرها فقط ان عشر دقائق أخرى قد مرت، اضافة إلى الساعات التي مرت منذ تركها بيرس.
كانت تجلس على الشرفة، حيث احضرت لها كاتينا، زوجة سبيرو، القهوة قبل ساعة. لم يتساءل أحد عن العريس المتغيب، و لا عن العروس التي تناولت العشاء بمفردها. كان الصمت بليغا بالنسبة لأليكس مما جعلها تتمنى لو انها لم ترتدي ملابسها بهذه العناية، و لم تضع مكياجها لتخفي ما خلفته دموعها، كل ذلك لأجل رجل لم يظهر.
لاكت شفتيها. كان الغضب قد فارقها منذ وقت طويل ليحل محله القلق. اين هو؟ ماذا يفعل؟ هل أذى نفسه؟ هل هو مستلق في مكان ما، و قد تأذى جسديا، يتضرع طلبا لمساعدة؟ لم تكن هناك فائدة من اقناع نفسها بأن لا تكون سخيفة، انه يعرف الجزيرة جيدا. كانت كل لحظة تمر يشتد فيها الظلام أكثر و يزداد قلقها.
حتى عندما عارضت نفسها، بدا فجأة ان شعر جسدها اقشعر، و دار رأسها، فقد كان بيرس واقفا في العتمة ينظر إليها. دخل عليها دون أن تشعر، لكن هذه المرة كان الشعور الطاغي الذي خامرها هو الارتياح لأنها عرفت لو ان شيئا ما حدث له ما كانت لتغفر لنفسها ابدا. تحرك حتى اصبح في نطاق النور المضاء مما أتاح لها ان ترى بشكل ممتاز منظر وجهه المتجهم. كانت عيناه غائمتين. و لا توحيان بأي شيء. وجدت أليكس نفسها تحبس أنفاسها و قد عرفت ان عليها أن تتكلم قبل ان تخونها شجاعتها.
قالت بارتباك: "بيرس، أنا..."
"لا!" حدة تلك الكلمة جعلتها تتوقف عن الكلام. ثم أوضح باختصار قائلا: "لا يا زوجتي الجميلة، لقد قلت ما لديك في وقت سابق و الآن جاء دوري." و توقف قليلا ثم قال: "لم أحضر لأعتذر عما حدث. يا أليكس، فأنا اعرف انك ستسمرين في كرهي، أليس كذلك؟ لسؤ الحظ، اني لن اجاريك بلغتك، لن يتم الأمر على ذلك النحو. فخططي يا أليكس هو أن تأتي أنت إلي. اني أريدك، لكنني رجل صبور، سأنتظر حتى تأتي أنت إلي، و ستأتين، لأنك امرأة عاطفية، عندما يحين الوقت، ستطلبين مني ذلك، لأن ما حصل اليوم لن يتكرر." و انحنى في تلك اللحظة نحوها، مما جعل نظراته الحادقة قريبة بشكل خطير و اضاف: "لن المسك حتى تتوسلين إلي لأفعل ذلك، هل فهمت؟"
شعرت أليكس أن حنجرتها تكاد تطبق على بعضها، و خالجتها رعشة سرت في جسدها، و لم يساعدها بشيء ان تعرف انها هي من جلبت لنفسها ذلك. و ذهبت كل افكار الاعتذار مع الريح. رفعت ذقنها قليلا فيما هي تتحضر لتقوم بمعركة، و قالت: "ستنتظر طويلا."
ضحك ضحكة جنونية و اجابها: "اني مستعد لذلك، لكني لا أرى الأمر سيطول كما تتخيلين." و بعد نظرة أخرى شاملة كليا سار مبتعدا عنها إلى داخل الفيلا.
حبست أليكس أنفاسها فيما دقت تلك العبارة الأخيرة على الوتر الحساس لديها. كيف تجرأ على التفكير في أنها ستأتي ساعية وراءه؟ انه ليس بالشخص الذي لا يقاوم كما تصور! لكن ألم يكن كذلك؟ سألها صوت صغير في داخلها مما جعلها تجفل. حسنا، ربما كان كذلك لكنها استطاعت ان تحيا بدونه طيلة هذه السنين، و بإمكانها أن تستمر بالطريقة نفسها. لأنها متأكدة من شيئ واحد، هو أنها لن تتوسل إليه ابدا. ابدا. لن يكون هناك هدنة بينهما بعد الآن، انما معركة لن تستطيع تحمل خسارتها.



سمــ الدلوعه ــا 16-10-09 03:13 PM


وووووووووووووووـه روإيه رووعه ذوووووووووق ياابت يااذوق انتي في اختيااارك
كملي كملي كملي لبىآ قلبببببببك في انتظإرك ياأحلى حلوه :blushing::eh_s(7):
..

anabel 17-10-09 08:24 PM

:amwa7:\

في انتظإرك

sulaf-angel 17-10-09 11:08 PM

thaaaaaaaaaaanks
goooooood choice
we r waiting you

sweet_tama 18-10-09 05:43 AM

waiting

نور العراقية 19-10-09 07:57 PM

شةةةةةكت تكلمون الروايه رجااااااااااء نحن في الانتظار

nana 20-10-09 01:22 AM

:icon30::44:
يعطيكي العافية عالرواية الجميلة انا اول مرة بقراها والظاهر انها اكثر من رائعة
:018:ياريت تنزليلنا فصول اكثر لانه لما ابدا قراءة ما بحبح اتوقف ويسلم ايديكي على هالاختيار الرائع:eh_s(7):

باتي رورو 20-10-09 02:12 AM

بانتظار التكملة بلييييييييييييييييييييييي يييييز

nana 21-10-09 03:49 PM

ياريت تكمليها رجاء عندي سفر وحابه اقراها كلها قبل السفر مع خالص الشكر

سكون العاصفة 21-10-09 07:54 PM

الرواية جدا حلوة لدلك نطلب بسرعة التكملة ومشكورة على الاختيار والمجهود وسامحينا على الاحاح

أمل بيضون 22-10-09 06:41 PM

الفصل الثامن


أصغت أليكس إلى صوت اندفاع الماء من الرشاش في غرفة الحمام بقلب حزين. ادارت رأسها مما اتاح لها رؤية تغضن الوسادة الثانية، حيث استراح رأس بيرس الليلة الماضية، لقد أثار أمر مشاركته الغرفة معها اول مشادة كلامية بينهما، و لقد خسرتها.
فعندما دخلت إلى غرفة النوم الليلة السابقة، كان بيرس قد ولج إلى الفراش، و توقفت فجأة عندما رأته مستندا إلى اللوحة الرأسية من السرير، كان يقرأ، لكنه رفع نظره عند دخولها.
قال ببرودة: "اعلميني ان كان الضوء يزعجك." و كأنما أمر مشاركتهما السرير كان عادة يومية، و ثار غضب أليكس. فصرخت قائلة: "بما اني لا أنوي ان أشاركك الكثير كأن أشاركك الغرفة، ناهيك عن السرير، فليس للأمر أهمية."
اجابها برقة: "على العكس يا حبيبتي، لن تنامي في أي مكان آخر." و رافق ذلك بنظرة حادة من عينيه.
عندئذ لفت ذراعيها فوق بعضهما البعض في وقفة محارب، ما من شيء على وجه الأرض يجعلها توافق على ذلك. فقالت: "لا يمكنك ان تمنعني ان استدرت ببساطة و خرجت من هنا."
لمعت اسنانه عندما ابتسم ابتسامة عريضة، و اجابها: "صحيح، لكن ذلك يجعلني مضطرا للنهوض و اعادتك، أمر أنا مستعد للقيام به، مهما يكن عدد المرات التي يتطلبها ذلك، هذه هي الغرفة و هنا ستنامين."
حدقت أليكس به بغضب جامح، مدركة أنه يعني ما يقوله، سيحملها و هي تصرخ و تركل ان اضطر لذلك.
ثم قال لها بلهجة ساخرة: "ما الأمر يا أليكس؟ هل انت خائفة مني؟" و على الفور أكلت الطعم و قد عرف انها ستفعل.
لم تقل أية كلمة، بل أكتفت بأن أخذت ملابس نومها و ذبت لتبدل ملابسها في غرفة الحمام، و كانت الاهانة القصوى عندما عادت إلى الغرفة حين وجدته و قد أطفأ النور و أدار لها ظهره. لم يشك للحظة انها ستفعل ما طلب منها! كان من المستحيل ان تستطيع النوم، بالطبع خاصة و ان أنفاس بيرس المتناغنة تتناهى إلى مسمعها، لتطلعها انه لا يعاني من تلك المشكلة. تقلبت في السرير لساعات و لم تغف إلا عند بزوغ الفجر.
و الآن اخذت تحدق بوسادته، و شيء ما اقوى من ارادتها جعلها تتقلب، لتضع رأسها في المكان المجوف منها، و تتنشق رائحته التي خلفها هناك.
جلست في السرير و اطلقت تنهيدة ازدراء للنفس لتصرفها العاطفي جدا، لديها كبرياؤها، أليس كذلك؟ لكن ذلك كان تهدئة باردة إذ انها قد عرفت منذ وقت طويل، ان الكبرياء لا يساعد الانسان خلال ساعات الليل الطويلة.
سمعت رشاش الماء يتوقف، فتشنجت على الفور، و لأنها لم تكن تتمنى في ان تدرك و هي ما تزال في السرير، مدت أليكس يدها إلى روبها الحريري الذي كان ملقى على المتكأ عند أسفل السرير، و تجمدت، لأنها وجدت عليه برعم ورد زهري رائع اللون، و انتفض قلبها ثم أخذ يخفق بجنون عندما التقطت ذلك البرعم بتردد، كانت رائحته ذكية جدا، و باعث لكل أنواع الأفكار المتهورة في عقلها، من أين أتى... و لماذا وضع هنا، على روبها؟
"وردة لوردة."
صوت بيرس غير المتوقع جعل أليكس تقفز بقوة، فوخزت ابهامها بشوكة، جفلت عندما تشنج رأسها، فقد روعها جدا دخوله الصامت، كما النبرة القوية الصادقة في صوته... و فيما كانت تشك بما سمعته، اقترب نحوها، و قبل أن تتمكن من ايقافه، أمسك بيدها متفحصا.
قال بصوت اجش: "كان المفترض ان تسعدك لا ان تؤذيك." ثم رفع يدها إلى شفتيه، و لثمها.
سبحت احاسيس أليكس بانشداه للحظة أو اثنتين، مأخوذة بنبرة صوته المهتمة الرقيقة، لم يكن هذا الرجل الذي عرفته أخيرا، لقد كان و كأنه الحبيب الذي عرفته في البداية، قبل خمس سنوات. و تذكرت أنه منذ ذلك الحين، لا يفعل شيئا دون مقابل، و نور ذلك عقلها بشكل رائع، و ازدادت حدة شكها، ما الذي يهدف إليه الآن؟
و استطاعت بعد ان أخذت نفسا عميقا ان تسحب يدها بعيدا عن تلك اللمسة المعذبة، و سألته بتهكم: "ورود، يا بيرس؟ ماذا فعلت لأستحق هذا... التكار؟ هل هو عبارة عن تقديرك؟" و حاولت ان تضمن تلك الكلمات كمية كبيرة من الاحتقار، و هي تدرك تماما ان ذلك تماما ان ذلك لمساعدتها كما له، تذكير انها يجب الا تسقط في المصيدة نفسها كما من قبل.
لكن زوجها لم يبتلع الطعم، قال: "لا شيء، ربما اني قررت ان اضع قلبي عند قدميك لتدوسي عليه هذه المرة."
افترت شفتيها عن تنهيدة صامتة، ايعقل انه يهتم لأمرها، أيعقل ذلك؟ و أتاها الرد بعنف: لا، ليس بيرس مارتينو، انه يلاعبها فقط من جديد، يحاول ايجاد طريقة للوصول غليها، و انها تعرف سببا واحدا لكل ذلك... لكي يقلل من شأن عزمها على مقاومته. بدا التجهم على وجهها فيما عبرت الغرفة نحو سلة المهملات، و رمت الزهرة فيها، و دون أية وخزة ندم للضرر الذي ألحقته ببرعم جميل بهذا الشكل، إذ اينما تواجدا هي و بيرس معا، كان يتحطم سيء جميل.
رفعت ذقنها في تعال نحوه و قالت: "لتفعل ذلك يجب أولا أن يكون لديك قلب."
سألها بيرس: "اتعتقدين أن ليس عندي قلب؟" فيما كان يتجه نحو باب الفناء، و كأنه مغناطيس، و اسند ظهره على اطاره مما جعل أشعة الشمس تبرز حركة عضلاته تحت بشرته.

أمل بيضون 22-10-09 06:42 PM

انجذبت أليكس لذلك المنظر و كأنه مغناطيس، كان من المفترض أن يسرها ذلك، لكنه لم يفعل، و اجابته: "أعرف أنه ليس لديك. فلدي ذاكرة جيدة." كان هناك صباح آخر، الصباح الوحيد الذي رأته فيه على هذا النحو، يوم اهانها بإخبارها عن سبب زواجه منها. و ضاقت عينا بيرس و هو ينظر إليها، قبل أن يتوتر هو ايضا.
وعدها قائلا بنفس لهجة صوته الأجش: "لن يحدث شيء من ذلك هذه المرة، يا أليكس." و خانتها اعصابها بردة فعل عنيفة.
فقالت متظاهرة بالشجاعة، الأمر الذي لم يلحظه أحد سواها. لأنها كانت عرضة للسقوط، و بشكل فظيع أيضا: "لن ادع ذلك يحدث، لن أكون مجنونة اطلاقا لدرجة ان اجعل من نفسي عرضة للسقوط بيدك من جديد، يا بيرس."
تأملها بيرس ببرودة، ثم قال: "علينا ان نتكلم عن الماضي في وقت ما."
عرض جعلها تهز راها، و قالت: "ليس هناك شيء ليقال، كنت موجودة هناك، و اني اعرف كل ما أنا بحاجة لأعرفه."
لوى فمه بابتسامة ساخرة و قال: "و لربما رأيت ما أردت أنا أن أريك إياه. هل فكرت يوما يا أليكس؟" و دفع نفسه ليستقيم في وقفته ثم سار خطوة أو خطوتين نحوها، مما جعلها تتنفس بحدة.
اجابته اليكس بألم: "عندما يوجه احدهم إليك ضربة ساحقة، لا تنظر لترى ان كان قد طعنك ايضا، أما النتيجة فواحدة، لقد اقترفت جريمة قتل، و ان كنت فجأة قد بدأت تبحث عن الغفران يا بيرس، اذهب إلى المكان المناسب، و لا تأتي إلي!"
عرفت انها قد سجلت ضربة عندما غام وجهه وقال: "الغفران؟ ربما هذا ما أريده، لكن ليس منك، لقد اكتشفت انه من الأسهل ان يسامح الانسان الآخرين من أن يسامح نفسه."
ضحكت أليكس، انما بجهد مؤلم من خلال حنجرة منقبضة و سألته: "ايمكن حقا ان يكون هذا ندم من بيرس مارتينو العظيم؟ هل تحاول ان تقنعني بانك نادم على ما فعلت؟"
ارتعشت عضلة ذقنه قليلا، ثم سألها: "هل ذلك ممنزوع؟"
حدقت في العينين اللتين بدتا فجأة غائمتين بشيء لم تستطع فهمه، ربما كان حزنا، و ربما طلبا للصفح.
لكن واقعية تذكرها اي ممثل بارع هو، جعلها تقول: "سأخبرك ما هو ذلك، أنه أمر لا يصدق! انك قاس و متآمر كما كنت دائما، يا بيرس، و لن تستطيع ان تجعلني اعتقد غير ذلك."
استعادت عيناه صفاءهما، و امتلأتا من جديد بمزيج من الغضب و السخرية، مؤكدا فكرتها ان ما رأته لم يكن صحيحا، و تحداها قائلا: "ان كان الأمر كذلك، لماذا امضيت الليل ملتفة بين ذراعي؟" الأمر الذي سلبها انفاسها.
صرخت قائلة: "لم افعل ذلك قط! لقد كنت على جهتي من السرير عندما استيقظت."
رفع احد حاجبيه عاليا و قال: "ذاك فقط لأني وضعتك هناك. لأنك سمحت لي بذلك أخيرا، إذ عندما حاولت أن افعل الشيء نفسه في ساعات الليل الأولى، رفضت أن تتركيني، لقد كنت رقيقة كهرة صغيرة أنما متشبثة بي كما العليقة، و رغم اني شعرت برغبة لإيقاظك و سؤالك عن سر انقلاب الأمور رأسا على عقب، إلا اني فكرت انك قد تفضلين ان تستيقظي على راحتك."
اتقدت وجنتاها احمرارا، و صاحت قائلة: "انك تكذب!"
"ليس بما يتعلق بهذا الأمر، يبدو ان حسك اللاواعي يعرف اين ترغبين في أن تكوني؟ انه كبرياؤك العنيد الذي يمنعك من الاعتراف بذلك علانية."
تألمت بينها و بين نفسها حيث أجبرت على قبول الحقيقة، و سألته: "لكي تتمكن من تأمل انتصارك برضى و حبور؟"
اطلق بيرس تنهيدة معاناة طويلة، و قال: "أذكر بأنني اخبرتك ان هذه المرة ستكون مختلفة، ليس عندك الكثير من الثقة بي، يا حبيبتي."
"لقد شفيتني من سذاجتي منذ فترة طويلة، اتعجب لأن ثقتي بكلامك قد تبعثرت ايضا؟ كما في قصة هامبتي دامبتي، هناك اشياء لا يمكنك اطلاقا اعادة جمعها ثانية."
خرجت تلك الكلمات من بين شفتيها بما حوتها من مرارة كبيرة، ربما انها ما زالت تحبه، لكنها تشك في انها قد تثق به من جديد بشكل مطلق يوما.
بقي بيرس هادئا تماما للحظة فيما كانا يحدقان ببعضهما البعض، ثم مد يده ليمرر اصابعه على وجنتها، و تمتم قائلا بغموض: "اننا نحصد ما نزرعه فقط." ثم رفع كتفيه بلامبالاة و اتجه نحو غرفة ملابسه مضيفا: "ارتدي ملابسك، يا أليكس، سنبحر في نزهة على متن اليخت بعد الفطور."
اربكتها لهجته الآمرة كثيرا لدرجة أنها ردت عليه بشكل صبياني قائلة: "ربما أنا لا أريد الذهاب بنزهة على متن اليخت!"
استدار نحوها فيما كانت على وشك الخروج من الباب و هو يبتسم ابتسامة ساخرة، ثم قال: "قلت لي ذات مرة انك تحبين الابحار، هل تنوين قطع انفك لتغيظي وجهك؟"
وضعها في موقف حرج، لكن فكرة ان تتشبث بموقفها، و تضيع على نفسها فرصة الابحار فوق المياه الصافية المتلألئة، كانت مؤلمة جدا، فقالت على مضض: "لا."
و ضاقت ابتسامته ليحذرها قائلا فيما هو يختفي: "إذا، ارتدي شيئا ليحميك فقد تكون الشمس حادة جدا هنا، و لا أريدك أن تمرضي في اليوم الأول من شهر عسلنا."
و تركها مع شعور مزعج بأنها قد هزمت بأكثر من طريقة واحدة، لقد بيرس معاملته لها بين ليلة و ضحاها، و عليها أن تبقى محترسة جدا، لكن حتى ذلك لم يسطع ان يخفف حماسها للنزهة البحرية التي عرضت عليها، لذا ذهبت على غير عادتها بقلب فرح لتستحم و ترتدي ملابسها.
كان يوما لا يمكن ان ينسى ابدا، حيث كان بيرس يرتدي سرولا من الجينز، و يدير دفة اليخت نحو عرض البحر، اما أليكس فقد كانت ترتدي سروالا قطنيا و بلوزة واسعة قطنية لونها ازرق ضارب إلى اللون الأرجواني، لون بحري جميل ، كان من المستحيل ان تبحر بمركب و تبقى في مزاج سيء، لذا لم يمض وقت طويل حتى استرخيا كلاهما و اخذا يضحكان. قد يكون ذلك نتيجة لدفء الشمس، أو لصوت المياه الصادر من تحت المجاذيف، أو ربما فقط نتيجة للشعور الرائع الذي يحدثه النسيم و هو يتغلغل في شعرها، و فجأة أدركت أليكس أنها لأول مرة منذ فترة طويلة تشعر بالسعادة.
و تخلت عن حذرها.

أمل بيضون 22-10-09 06:43 PM

أتيحت الفرصة لأليكس، بعد ان رفعت الأشرعة، لتجلس و تراقب بيرس فيما كان يقف عند دفة المركب، و ساقاه الطويلتان ثابتتان ، و كأنه معتاد على هذا المحيط، و انه يشعر بالارتياح و هو يرتدي سروالا متواضعا اكثر من ارتدائه بذلات غاليه الثمن، كان من المستحيل ان تنظر إليه و لا تشعر بأن قلبها قد ازدادت خفقاته، فلم يكن هناك كلمة مناسبة لوصف روعة هذا الرجل، و كل ما كانت تدركه، هو أنها تراه جميلا جدا.
بدا في عينيها مزيج من تعابير التوق و الكآبة لتلك الأفكار، توق لو أن الأمور كانت مختلفة، ثم طردت تلك الأفكار من رأسها، لأن النهار كان جميلا جدا لكي يفسد بهذه الافكار الحزينة، و عندما استدار بيرس، بعد دقائق قليلة، ليبتسم لها لم تستطع إلا ان ترد له الابتسامة بمثلها.
سألها و هو يشير إلى المقود: "ما رأيك بقيادة الدفة؟" و لم تتردد في قبول التحدي.
كان احساسا ذكيا بالقوة لشعورها ان المركب يستجيب لأصغر أوامرها، لكن ما من شيء كان يشبه السلام بينهما لأول مرة، و ها هما متفقان مع بعضهما البعض، و مالت براسها إلى الوراء و هي تضحك بفرح.
فعلق بيرس على ذلك قائلا: "هل اعتبر انك سعيدة لأنك اتيت؟" و كان بغمكانها ان تسمع رنين ضحكته في صوته.
مالت أليكس برأسها غلى الوراء أكثر، و نظرت إليه بعينين لامعتين و قالت: "لم ألاحظ كم افتقدت لهذا." لم يكن هناك الكثير من الوقت لديها للتسلية مؤخرا.
ظهرت في عينيه نظرات رقيقة فيما كانتا تتأملان ملامحها، ثم طبع قبلة سريعة على خدها، و قال: "آه، فكرت انها قد تسرك." قبل أن يمد يده ليوجه الدفة التي انزلقت من بين اصابعها، قائلا: "انتبهي إلى مسارك."
اجبرت أليكس نفسها، و قلبها يخفق بسرعة، على ان تركز على ما تقوم به، لكن ذلك بدا صعبا، فتلك القبلة القصيرة سرت في جسمها و كأنها صدمة كهربائية قوية. إلا ان كلماته هي التي جعلت حاجبيها يقطبان قليلا.
فسألته بصوت أجش: "ألهذا نحن هنا، لتسرني؟"
فأجابها برقة: "ألديك فكرة أفضل؟"
ارتجفت أليكس كردة فعل على دفء نبرة صوته، و أجابته: "لتسرك."
أجابها بيرس ببساطة: "سرورك يسعدني، يا أليكس."
و مال برأسه نحو رأسها، و رفع يده ليشير إلى نقطة أمامها، قائلا: "هل ترين تلك الجزيرة؟ اعتقد اننا سنرسو هناك لتناول الغداء. يمكننا ان نسبح ايضا، ايبدو ذلك جيدا؟"
تملك أليكس شعور جنوني لدرجة أنها لم تعرف اهي واقفة على قدميها ام على رأسها. فأجابتته بحدة: "كثيرا."
ثم سألته ببساطة: "بيرس، لماذا تفعل هذا؟ لماذا اصبحت لطيفا جدا معي فجأة؟"
اجابها دون تفكير: "ألا تعتقدين أنك تستحقين ان تعاملي بلطف؟"
"هذا ليس ما أتوقعه منك، لا بد من وجود دافع آخر."
"هناك دافع آخر."
حول ذلك الأعتراف قلبها إلى ثلج، فقد بدا و كأنه يؤكد كل ما فكرت به، فقالت و طعم مرارة الغضب على لسانها: "لتحملني إلى الاستسلام دون قتال."
أجابها: "كان بإمكاني القيام بذلك في أي وقت، و أنت تعرفين ذلك."
كانت تلك حقيقة لم تزعج نفسها بنكرانها، انه يملك جاذبية لا تقاوم، لا يمكنها ان تنتصر عليه، و بكل صراحة لم تكن تريد ذلك، لكن إلى اين اوصلها ذلك الآن؟ و سألته: "إذا، ما الذي تريده؟"
نظر بيرس إليها و عيناه الزرقاوان تظهران عمقا مدهشا من ازدراء الذات، ثم قال: "معجزة، و ليس هناك العديد منها هذه الأيام، كم تعتقدين مدى امكانية حدوثها؟"
حبست أليكس أنفاسها، بدا و كأنه يجس نبضها، باحثا عن اجابة لسؤاله في اعماق نفسها، حتى بدا تقريبا غير متأكد، متردد. جاء جوابها مزعزعا لرجائه إذ قالت: "قليلة جدا."
ضحك لذلك و قال لها: "نتجه أنا و أنت على الاتفاق على اشياء أكثر كل يوم، هاتي، من الأفضل ان تدعيني استلم القيادة، لم لا تنزلين إلى الأسفل و ترين ما حضرته لنا كاتينا؟"
فعلت ما اقترحه عليها فقط لأنها كانت بحاجة لكي تفكر، لقد اعتقدت هذا الصباح انها ادركت ما يسعى إليه، اما الآن فإنها لم تعد متأكدة تماما، قال معجزة، لكنه لم يحدد أي نوع من المعجزات، و هذا يعني ان هناك امرا يريده، لكنه ليس متأكدا من أنه يستطيع الحصول عليه. و ذلك كان أمرا لا يصدق بالنسبة لبيرس. لقد عرفت من الخبرة انه عندما يريد شيئا يفعل ما بوسعه حتى يناله، ألم يستغلها حتى يستعيد أسطول السفن التجارية، ألم يستغل اخلاصها و حبها لوالدها لكي يرغمها على الزواج منه ثانية؟
لم تحمل تلك الشكوك أي تفسير عقلاني تماما كما لتغيير في تصرفاته منذ اللحظة التي تزوجا فيها، مرت اوقات كان يتصرف و كأنه حبيب، يفعل اشياء ليثير البهجة في نفسها، ليجعلها سعيدة، و كأنه أراد هذا الزواج ان يكون زواجا حقيقيا، و ليس مجرد عقد كما كانا متفقين. لماذا شعرت و كأنها على وشك اكتشاف شيء مذهل؟
قطع صوت بيرس حبل أفكارها بقوله: "هل انت بخير في الأسفل؟"فرفعت رأسها بقوة و لاحظت متأخرة أنهما قد رسيا.
صاحت قائلة: "اني قادمة!" و أخذت صندوقا مبردا صغيرا مدفوعا تحت الطاولة. أمسكت به و سحبته و كانت على وشك الصعود إلى سطح السفينة عندما ظهرت ساقان طويلتان على الدرج، و مد بيرس يديه ليأخذ الصندوق منها، تلامست أصابعهما، و ارتفعت عيناها إلى عينيه، لتلتقي و تتخبط في الدفء الذي وجداه هناك.
قال لها: "يبدو و كأنها وضعت طعاما يكفي لمعسكر، هل تريدين أن تأكلي الآن، أو تسبحين أولا؟"
تخلت أليكس عن بذل الجهد لمحاربة الارتباك الذي تسببه لها تصرفاته. اضافة لذلك، كانت تعرف في اعماق نفسها انها ليست مضطرة حقا للتفكير على الاطلاق. قد يكون ذلك ذروة الجنون، لأنها اليوم كانت ببساطة على استعداد لتقوم بخطوة...
لذا ابتسمت له ابتسامة عريضة، و قالت: "اني اتوق للسباحة."
قال و عيناه تلمعان: "اذكر انك كنت فتاة البحر في الماضي، فقد كان من الصعب اخراجك من البحر عندما تنزلين إليه."
تنهدت بغضب و قالت: "أحب ذلك! لقد كنت كذلك ايضا، لا بل أسوأ. انه لمن العجب كيف يمكنك انجاز أي عمل!"
نظر إليها نظرة ساخرة و قال: "لم تحاولي مقاومتي كثيرا. و لقد كنت في الحقيقة مذهلة أكثر من المياه."
مسحت تلك الكلمات الابتسامة عن وجهها، تاركة إياه منزعجا. و أجابته بحدة: "أوه، اني اشك بذلك، رغم انك قمت بمحاولة جيدة لتتظاهر بذلك."
أجابها بيرس بعد هنيهة: "كانت عاطفتي نحوك صادقة جدا، يا أليكس، ذلك أمر لا يستطيع الرجل التظاهر به."
استدرات بسرعة، و شفتيها ملتويتان بسخرية.
و قالت: "على أية حال اصبح ذلك من الماضي الآن." إلا انها لم و لن تنساه. و أضافت بتحدي: "ساسبقك وصولا إلى الشاطئ." و قفزت إلى حافة المركب و غطست بهدوء في المياه المتلآلئة.

أمل بيضون 22-10-09 06:44 PM

لم يكن هناك مجال للمنافسة، لكنها كانت تعرف ذلك، عندما قامت بالتحدي، و كان اقتراحها ذاك فقط ليحولهما عن موضوع مؤلم جدا، فلطالما كان بيرس هو السباح الأفضل، إلا انه فاجأها بالبقاء على مقربة منها و لم يسبح بسرعة و قوة متزايديتين كما تصورت انه قد يفعل. و صلا إلى الشاطئ معا، و سارا بترنح إلى حيث المياه الضحلة ليرتميا على الرمل الرطب، تاركين الأمواج الرقيقة تدغدغ ساقيهما.
و بعدما ألتقطت انفاسها و اصبح بإمكانها الكلام، قالت: "كانت المسافة ابعد مما تصورت. اني متعبة."
استدار بيرس على صدره، بجانبها و اجابها: "ما كنت لأقول ذلك، تبدين في حالة جيدة جدا من هنا." كلماته جعلتها تدير رأسها بسرعة.
حدقت في عينيه و هما ترمقانها بدفء، مما جعل وجنتيها تزدادان احمرارا. أعادت التوتر إلى صوتها بشكل غرائزي فقالت: "لا حاجة لأن تغازلني."
نظر إليها بتأمل و قال: "اعرف، لكني استمتع بذلك."
كتمت آهة، و قالت: "حسنا، اني لا افعل."
مد بيرس يده ليبعد خصلة شعر ملساء عن وجهها، و قال: "ما عهدك ابدا كاذبة هكذا."
ردت قائلة: "لا يمكنني أن اقول الشيء نفسه عنك، أليس كذلك؟" متوقعة ان تثير غضبه، لكن بدلا من ذلك اكتفى بأن أومأ برأسه موافقا.
و قال: "اني ادهش لنفسي كم كنت بارعافي ذلك، لكن اتعرفين ماذا يقولون؟ الأخطاء التي تقومين بها مجتمعة عليك أن تدفعي ثمنها واحدة واحدة."
كانت هناك نبرة في صوته جعلتها تتجهم، و سألته: "و هل أنت تدفع؟"
تنهد بيرس و أراح ذقنه على يده ليجيبها قائلا: "اني ادفع منذ فارقت أول كذبة شفتاي. أمر يجب أن يسرك، يا أليكس، ألا تريدين ان تريني أتألم؟"
كان سؤالا مباشرا، اجابه قلبها دون اي تردد، لا، انها لا تريد ان تراه يتألم، و لاحظت فجأة بعد كل هذه السنوات انها ليست راغبة بالانتقام، لا يمكنك ان تحب شخصا و ترغب في رؤيته يتألم. و لا اهمية لما قد تقوله أو تفكر به في لحظة الانفعال الشديد.
لك تستطع رغم ذلك، الاعتراف له بمكنزنات قلبها، لأن ذلك سيجعلها عرضة للسقوط بيده أكثر، لذا كان من الاسهل ان ترفع درعها لتخفي عينيها، و تقول برقة: "اني لا استمتع برؤية احد يتألم، هناك الكثير من الألم في هذا العالم."
فقال لها بصوت أجش: "شكرا." عندها كان عليها ان تنظر إليه متسائلة: طعلى ماذا؟"
ظهرت ابتسامة على شفتيه تحمل مزيجا من المرارة و السخرية، و اجابها: "على ذكري في كلامك هذا، لطالما كنت امرأة كريمة و محبة، اني سعيد لأرى ان كرمك لم يمت، ماذا عن النحبة؟"
لم يكن هناك مجال للكذب، أو للاجابة عن سؤاله، فجلست بشكل مفاجئ، و هي تعرف ان وجهها يظهر ما في نفسها، فأجابته متعمدة اساءة فهمة: "ان كنت تحاول ان تعرف كم عدد المحبين الذين لدي، إذا، اهتم بشؤونك الخاصة."
قال لها بيرس بهدوء: "ليس لديك أيا منهم." و كاد قلبها يتوقف عن الخفقان للحظة قبل أن يتابع خفقانه بجنون.
و اخذت تحدق به بانشداه، و سألته: "ما... ماذا؟" كيف عرف ذلك؟ و خطر لها الجواب على الفور، فسألته بغيظ: "هل تقصد ان تخبرني بأنك كنت تلاحقني؟"
قال: "افضل القول اني ابقيت عليك عينا صديقة."
صرخت اليكس بغضب شديد قائلة: "لم نكن صديقين يوما، يا بيرس، ثم كيف تجرؤ على التجسس علي؟"
قال لها برقة: "كيف كان بإمكاني ان اعرف انك في مأزق و بحاجة لمساعدتي؟ و عندما يصل الأمر إلى الصداقة، فإنها تقيم على مدى رغبة اولئك المستعدين لمساعدتك عندما تكونين بحاجة لذلك و نسبة لذلك، انني افضل صديق لك."
كان على حق تام في ما قاله. رغم ان الاعتراف بذلك و قوله بتلك الطريقة، مؤلم. رغم ذلك قالت: "لم تكن تساعدني، كنت تساعد نفسك للوصول إلى شركة ابي!"
"لم أكن أريد و لا كنت بحاجة للشركة، فقد ظن مستشاريي الماليون اني احمق لأخذها كما هو حالها، لأنها سوف تبتلع المال كجرة دون قعر. لو أنها كانت لأحد غيركم لكنت تركتها تتحطم."
رفعت يدها إلى صدغها و هي تحدق به غير قادرة على تصديق ما تسمعه، سألته: "أتقول أنك أنقذت الشركة من أجلي فقط؟"
فأعترف لها بفظاظة قائلا: "ما من شيء آخر كان ليغريني بإقحام نفسي فيها."
"لكن... لماذا؟"
رفع احد حاجبيه و سألها: "لماذا؟ هل قرأت شعر لوفليس يوما؟"
تجهم وجهها أكثر و سألته: "الشاعر؟ لا."
"إذا، ربما عليك القيام بذلك." كان جوابه الوحيد فيما وقف و مد لها يده، أمسكتها أليكس بشكل عفوي، و عيناها تبحثان في عينيه فيما هي واقفة امامه. لكن بيرس ابتسم ابتسامة مبهمة فقط و قال: "لنعد، اني جائع، و بشرتك بدأت بالاحمرار. انك بحاجة لتضعي شيئا عليك و إلا فإنك ستحترقين..."
لم يكن امام أليكس الكثير لتقوم به فيما كان ممسكا بيدها و متجها نحو المياه، رغم أن رأسها كان يعج بالأسئلة، ومن جديد بقي بيرس على مقربة منها فيما سبحا عائدين إلى اليخت، و تسلقه أولا ليساعدها على الصعود، إلا انه احبط عزمها ايضا لسؤاله، و ذلك بأن رمى إليها منشفة و حول انتباهها إلى الصندوق النبرد.
وضع بسرعة كبيرة مجموعة من الاطعمة على مقعد الجلوس الطويل بينهما، كما أنه فتح زجاجة من الشراب.
منظر الطعام جعلها تدرك كم هي جائعة، و تخلت عن كل افكارها لتتحول إلى الطعام.
لم يتكلم أي منهما كثيرا فيما هما يتناولان انواع السلطة المختلفة و اللحوم المبردة. استرخت أليكس من جديد، و عندها اخذت قضمة من البندورة لسوء الحظ سالت البذور على ذقنها و لم تستطع إلا ان تضحك.
قال بيرس: "من الجيد رؤيتك غير متجهمة." و ضحك هو ايضا، فيما جلس القرفصاء امامها و امسك بذقنها و أخذ يمسح عنه بمنديل ما سال عليه.
ماتت ضحكتها، و أجابته: "لم يكن هناك الكثير مما يثير الابتسام." و توترت في داخلها، لأنها كانت متأثرة جدا بلمسته.
سكن بيرس، و قال: "اعرف ماهية ذلك الشعور."
و نظرت إليه نظرة ملأى بالشك قائلة: "حقا؟ اعتقدت انك كنت تضحك طوال الطريق إلى المصرف! اعني اسطول السفن التجارية الذي سرقته من جدي، لم يكلفك شيئا، لكنه زادك ثراء منذ ذلك الحين!"
اختفت تلك النظرة الغريبة عندما اسدل اهدابه، و نظر إليها بثبات قائلا: "غريب كيف أن الأمور تؤول دائما إلى هذا الأمر، انك تعرفين الحقيقة، يا أليكس، رغم انك ترفضين ان تتقبليها."
ضاقت عيناها و صاحت: "كان مصدر كبريائه و فرحه!"
لمع الغضب في عينيه ايضا و قال: "إذا، لماذا تركه يهترئ؟ كان رمزا، يا أليكس، تذكير دائم كيف استطاع ان يخدع جدي، عدوه اللدود، لو اصلحه لكان عاد عليه بثروة، لكنه فضل ان يراه يهترئ
على ان يبيعه. لم آخذ شيئا ليس لي شرعا."

أمل بيضون 22-10-09 06:45 PM

كانت على وشك انكار ذلك بقوة، لكنها توقفت لأن ما قاله يحمل صدى الحقيقة. لطالما اعتبرت دائما ان جدها كان يحب اسطول السفن، ان كان كذلك لماذا تركه يهترئ؟ ليس لأنه كان يفتقر للمال، لأن تكاليف اصلاحه بالنسبة إلى يانيس بتراكوس كانت لتكون كنقطة ماء في المحيط، بدا ذلك و كأنه من أجل لذة الانتقام. من اجل الكراهية التي أصر بيرس على انها كانت تواجه كل اعماله. أولم تعرف دائما ان جها كان رجلا قاسيا؟ كان سمح النفس طالما أنت تفعل ما يريده و تعرف حدودك، و لم يكن والدها على استعداد لقبول ذلك، لذا غادر ليشكل حياته الخاصة، حياة لم تكن تحمل أية ضغينة تجاه عائلة اندرياس.
هزها بيرس، الذي كان يراقب تعابير وجهها المتغيرة فيما طال صمتها، و سألها برقة: "هل فهمت الآن؟"
لقد فهمت، لكن كان هناك الكثير غير ذلك، فقالت بصوت مرتعش: "و ماذا ان فهمت؟ فذلك لا يبرر شيئا. فالغاية لا تبرر الوسيلة، ذلك لا يبرر الطريقة التي استغليتني بها لتستعيد السفن دون أي مقابل!"
تركها بيرس و نهض و على وجهه تعبير ساخر، و قال: "على العكس، لقد دفعت ثمنا غاليا جدا."
صعقتها تلك العبارة البسيطة، فنهضت على قدميها على الفور و صاحت قائلة: "ماذا تعني؟ كنت هناك، أتذكر؟ لم تدفع له مالا."
ارتسم على شفتيه التواء قاس فيما هو يتأملها و قال برقة: "كانت هناك أمور أهم بكثير من المال." و بدأ يجمع ما تبقى من وجبتهما.
راقبته أليكس بتوتر جامح و قالت: "ماذا يعني ذلك؟ ويحك يا بيرس، لا يمكنك أن تقول عبارة كتلك و لا تشرحها."
ضحك انما بتجهم و علق بقوله من فوق كتفه: "ألم تتعلمي بعد اني استطيع ان افعل اي شيء أريده؟ اضافة لذلك، أنك لست مستعدة بعد للاصغاء إلى تفسيرات."
ثم تجاهلها، نظر إلى الشمس و أضاف: "لقد حان الوقت لنعود، سنتأخر ان انطلقنا الآن، و أنا لا أريدهم ان يرسلوا فرقة للبحث عنا."
قال ذلك و هو يقف إلى جانب العارضة الخشبية، تاركا أليكس تختنق بغيظها، فقالت بحدة: "ذلك لن يجدي نفعا."
"لا تكوني متذمرة، ستجعلينني اعتقد انك اصبت بالاحباط."
صرت أليكس على اسنانها و قالت له: "احيانا احتقرك فعلا، يا بيرس مارتينو."
التقط الصندوق المبرد، و سار نحوها ليعطيها إياه، إلا انه لم يتركه على الفور عندما أمسكته، سألها برقة: "لكن ماذا عن الأوقات الأخرى؟ بماذا تشعرين نحوي عندها يا أليكس؟"
أجابته: "أحاول في الأوقات الأخرى ان لا أفكر بك أبدا."
و أمسكت بالصندوق، الذي تركه أخيرا.
ضحك ضحكة خافتة و قال برضى: "إذا هناك أمل لي بعد، فطالما أنك ما زلت تحاولين، فإني استنتج من ذلك انك لم تفلحي." ثم احنى رأسه نحوها.
رفعت أليكس على الفور يدها الطليقة لتبعده، ثم ذكرته قائلة و ان بشق النفس: "قلت لن تلمسني!"
اتسعت ابتسامته ورفع يديه بعيدا عن جسمه و قال: "أنظري. يداي بعيدتان." و أحنى رأسه ليطبع على وجنتها قبلة سرقة انفاسها و جعلت النار تجري في عروقها.
ارتجفت و لم تعد تقوى على كبح ردة الفعل التي يريدها.
لكن، من حسن حظها انها كانت تمسك بالصندوق. شكرت حظها على انها لم تتماد عندما ابتعد بيرس عنها بعد دقائق قليلة فقط.
كانت عيناه الزرقاوين تظهران عاطفة مكبوتة حين قال: "اني احافظ على وعدي دائما، يا أليكس... إلا إذا كنت تريدينني ان استمر؟"
لم تكن تريده ان يفعل، و كان يعرف ذلك، و كان هذا هو السبب الذي جعلها ترجع خطوة إلى الوراء بساقين مرتجفتين، و اجابته: "قلت ان علينا العودة."
انتصب و قد زالت نظرة العاطفة لتحل محلها نظرة مرحة و قال: "بإمكانك أن تجعليني ابدل رأيي."
أخذت أليكس نفسا متقطعا و قالت: "لا أريد أن أفعل ذلك."
قال لها: "سأفعل يوما ما تطلبه مني عيناك، و ليس ما تقوله شفتاك، حينها لن تقاومي حتى." و ذهب ليرفع المرساة.
أخذت تحدق في ظهره، و هي تعرف ان ذلك صحيح، كان القتال يصبح اصعب أكثر و أكثر عندما تكون هي العدوة اللدودة لنفسها. تنهدت تنهيدة عميقة و نزلت إلى الأسفل.



القارئة111 24-10-09 12:13 AM

الرواية روووعة....شكرا لك

رفيلة 24-10-09 09:31 AM

رواية جميلة جدا شكرا لك

المهندسة 24-10-09 01:10 PM

https://img39.imageshack.us/img39/589...mxouuh13sc.gif

sleeping beauty 24-10-09 08:27 PM

:eh_s(7):بليز وين التكملة عنجد حرام هيك شوقتينا كتير مشكورة ومتاسفين على الالحاح :44:

أمل بيضون 26-10-09 07:01 PM

الفصل التاسع


كان موعد العشاء قد حان تقريبا عندما رسى اليخت في الميناء. لم يعرض عليها بيرس محاولة قيادة الدفة مرة أخرى. أما أليكس فقد كانت غارقة في أفكارها الخاصة لمجرد الحلم حتى في ان تطلب ذلك. كان لديها الكثير الكثير لتفكر به، فكثير من الأشياء قد اتضحت لها أخيرا، كان في كل مرة القليل فقط يقال فيزاح بعض الغموض.
و خامرها احساس متزايد بأن شيئا مهما و حيويا سيتضح لها عندما يزول آخر وجه من هذا الغموض.
لم يكن هناك شك الآن في تصديق روايته في ما يختص بأسطول السفن التجارية، و عرفت فيما هي تفكر بالأمر الآن، بمعزل عن ألم خيانته الذي لطالما ضلل حكمها، ان بيرس كان يقول الحقيقة دائما. لكن، كما قالت له ان ذلك لا يبرر ما فعله، و مع هذا فإن الأمر اصبح غير واضح تماما الآن. ان اضفنا له ما قاله بأن مساعدته لوالدها كانت من أجلها... و فجأة لم تعد تعرف بماذا تفكر. لقد خمدت حدة غضبها.
كم تمنت لو أنه اخبرها ذلك من قبل، لكن حدسها جعلها تعترف بأنها ما كانت لتصدقه. قال أنها ليست على استعداد بعد لسماع ما يريد قوله، و لم تكن كذلك، إلا انها كانت تقترب من تلك الحالة الآن. لكان الأمر مختلفا حتى قبل أسبوع، اما الآن فإنها تريد أن تسمع... لو أنه يتكلم فقط.
تعثرت فيما كانت تخطو نحو حاجزالماء على الميناء، إلا ان حركة بيرس السريعة أنقذتها من الاصطدام بالاسمنت و سحبها بثبات نحوه، رفعت نظرها إليه، مباشرة إلى تلك العينين الزرقاوين اللتين لا يسبر غورهما.
سألها بيرس بصوت بدا مضطربا: "هل أنت بخير؟"
و أجبرت أليكس نفسها على أن تطلق ضحكة متوترة من حنجرة مطبقة. و قالت مازحة: "لا اعتقد اني استعدت قوة ساقي المتخدرتين بعد؟" فيما كان صوت في داخلها يقول لها ان كل ما عليها القيام به هو ان تلغي الفجوة الصغيرة التي بينهما.
قال لها: "إذا، علي ان احملك، أليس كذلك؟" و أقرن القول بالفعل قبل أن تتمكن أليكس من الأعتراض، و لم تكن تنوي ذلك. حملها إلى عربة الخيل التي أحضرها إلى هناك، تاركة نفسها للسعادة التي هي على مقربة منها.
وضعها في مقعدها، و بقي بيرس منحنيا فوقها و سألها برقة: "هل احصل على شكر؟"
و قررت أليكس فجأة أنه كفاها التفكير مرتين. و لم تفكر هذه المرة على الاطلاق، انما قبلته قبلة رقيقة، و سألته برقة مماثلة: "هل تفي هذه بالغرض؟" فانتصب و هو يتأوه.
و اجابها بسخرية لطيفة: "ليس كثيرا، أنما هنا في العلن، إنها كل ما يمكنني أن ارجوه." و استدار ليجلس في مقعده تاركا أليكس و قد اتقدت وجنتيها.
كانت الرحلة غلى الفيلا قصيرة، انما كافية بالنسبة إليها لتعترف بأنها قطعت مسافة طويلة منذ الأمس، حتى منذ هذا الصباح، و أنها تقوم بأشياء في العلن كانت لتقاتل ضدها بيديها و اسنانها قبل ساعات قليلة فقط، ربما السبب في ذلك يعود إلى الجزيرة، أو لعدم عدائية بيرس. لكنها كانت تدرك ايضا أنها لم تعد تهتم كثيرا لكبريائها.
التقتهما كاتينا التي كان قلقها واضحا عندما دخلا إلى الفيلا ليجدا حشدا من اليونانيين، الأمر الذي أثار حيرة أليكس و جعل بيرس يقطب حاجبيه.
سألته أليكس: "مشاكل؟" عندما عادت مدبرة المنزل إلى المطبخ.
اجابها و قد بدا غارقا بالتفكير: "اتمنى ألا يكون كذلك. كانت الشركة تحاول الأتصال بي، هذا كل ما في الأمر." كان ينظر إليها و هو يتكلم، فابتسم و اضاف: "لن يتطلب ذلك وقتا طويلا، سأنضم إليك بعد ذلك لتناول العشاء."
راقبته أليكس فيما كان يبتعد، ثم اتجهت إلى غرفة النوم. كانت مدركة تماما فيما كانت تستحم و تبدل ملابسها انهما على ابواب نقطة تحول. و مع ذلك أتجرؤ هي على القيام بتلك الحركة المهمة فقط لأجل ما حدث خلال يوم واحد؟ ارادت ذلك، لأنها تحبه، لكنها بحاجة لتعرف ان كان هو يهتم بها حقا. و لم يكن هناك سوى اثبات بسيط على ذلك حتى الآن، لذلك ما زالت مترددة.
رغم ان بيرس لم يعد إلى غرفة النوم قبل ان تغادرها، إلا انه لم يمض وقت طويل حتى انضم إليها في غرفة الجلوس. و مع ذلك، فقد بقي منشغلا بأفكاره طوال فترة تناول الطعام.
كانت اجاباته لمحاولاتها الهادفة لإقامة محادثة بينهما قد اصبحت مختصرة بشكل متزايد، لذا توقفت أليكس عن ذلك أخيرا.
و استمر الصمت طويلا حتى بعد ان خرجا إلى الشرفة لتناول القهوة. و وجدت نفسها تحدق في ظهر بيرس فيما كان واقفا يتأمل البحر. فقررت عند ذلك بأنه يكفي إلى هذا الحد.

أمل بيضون 26-10-09 07:02 PM

فسألته: "ما الخطب يا بيرس؟" و عيناها تنظران إلى عضلات ظهره المشدودة تحت سترته البيضاء.
لابد أنه كان سارحا بعيدا جدا، لأنه جفل عند سماع صوتها، و استدار نحوها و هو يبتسم ابتسامة اعتذار و قال: "آسف، هل كنت اتجاهلك؟"
صرت أليكس على اسنانها و قالت بنوع من الحدة المرتبكة: "لا تحاول التظاهر هكذا. هناك خطب ما، أليس كذلك؟ ألا يمكنك ان تتكلم عنه؟"
لم يقل شيئا، بل سار ليجلس على المقعد إلى جانبها، و وضع ساقا فوق الأخرى. ثم قال: "ليس هناك من شيئ لتزعجي نفسك بالتفكير فيه. من المفترض أن تكون هذه عطلة."
كان ذلك المسار الخاطئ، إن كان يفكر في أن يحول انتباهها عن الأمر. ضاقت عيناها و قالت بإصرار: "انها ليست عطلة. انه شهر عسل. أنا زوجتك." و شعرت بإعتصار في معدتها لصدى الملكية التي توهي بها تلك الكلمات إلا انها تابعت: "إن لم يكن بإمكاني القيام بأي شيء، على الأقل استطيع ان استمع و احاول تخفيف العبء."
نظر بيرس إلى قهوته، ثم اجابها بلهجة ساخرة: "لقد اخترت وقتا ملائما لتبدأي في تثبيت وضعك." و سرت في جسدها رجفة لتلك الكلمات.
جعلها ذلك الاستنتاج تتوقف فجأة و تفكر قبل ان تقف على قدميها، شيء ما لم يكن يبدو صحيحا، و ضغطت على شفتيها عندما ادركت ما هو. فقالت بثبات: "لا يمكنك ان تجعلني اتجادل معك يا بيرس. اريد ان اعرف."
اجابها و هو يضحك استهزاء: "حسنا، حسنا، حسنا، عرفت انه سيأتي يوم تبدأي فيه ادراك ما في نفسي، لكني لم اتوقع ان يحدث ذلك الليلة. حسنا، إن كنت تصرين. لقد حدث صدع صغير في احد مراكز منشآتنا. انه احد مشاريعي المحببة، لذا من الطبيعي ان اجد صعوبة كوني لست على مقربة لمد يد المساعدة."
"اي نوع من التصدع؟"
حك بيرس جبهته و سألها: "هناك عدة أسئلة، مثل من يملك الأرض التي نبني عليها؟"
شعرت أليكس ان بعض التوتر قد فارقها و سألته بارتياب: "هل هذا كل ما في الأمر؟ اعتقدت من تصرفك ان الأمر اهم من ذلك."
ابتسم ابتسامة رقيقة و سألها: "و هل أكذب عليك؟"
اجابته: "أجل، ان كان عليك ذلك. ان اعتقدت ان ذلك ضروري." و عرفت على الفور ان ذلك ليس سوى الحقيقة.
و لقد كانت على الأرجح الحقيقة دائما... و كان يجب ان تدرك شيئا من ذلك.
بدا بيرس هادئا تماما، إلا ان عينيه كانتا يقظتين. قال: "الآن هناك سؤال ممتع. هل تعتقدين أنك أخيرا قد أصبحت قادرة على فهمي، يا أليكس؟"
ادارت أليكس بوجهها استياء، لأنها لأول مرة في حياتها بدأت تعتقد انها تفهمه. فقالت ساخرة: "ألم تقل انه قد حان الوقت لذلك؟" و قد شعرت انها بحاجة لبعض الحماية حتى في هذا الوقت.
مرر بيرس يده في شعره بعد سماعه اجابتها تلك تاركا إياه مبعثرا، ثم سألها: "أمور كثيرة فات موعد استحقاقها منذ زمن طويل بيننا. فأية نتائج استخلصت؟"
اجابته: "انك رجل معقد جدا." فيما هي تنظر إليه من خلال اهدابها و رأت الطريقة التي لوى فيها شفتيه.
قال موافقا: "معقد كما احجية صينية." و جفلت أليكس قليلا للمفاجأة.
اجابته: "كان لدي احجية صينية يوما، كانت معقدة جدا. و حدث في يوم من الأيام، صدفة تقريبا، اني اكتشفت فجأة مفتاحها، و بالطبع وجدت انها لم تكن صعبة لتلك الدرجة اطلاقا. يمكنني حلها و عيناي مغمضتين." و شعرت بإضطراب غريب في داخلها، دون أن تعرف سببا لذلك.
عاود بيرس النظر إليها برزاة و قال لها: "الأسئلة الصعبة هي تلك فقط التي لا تعرفين لها اجوبة."
"تعني ان هناك جواب منطقي لكل شيء؟"
بسط ذراعيه و اجابها: "حتى أنا."
كانت هذه لعبة بين الهرة و الفارة مع فارق هو أن الأمر هنا كانت نتيجته مخاطرة و ليس مجرد نصر في معركة الكلمات. فقالت له: "الأمر الذي يتركني امام سؤالين، هل اريد ان اعرف الإجابة؟ و ان كان الأمر كذلك كيف علي أن ابحث عنها؟"
غابت عن وجه بيرس كل تعابير المرح فيما كان ينظر إليها من خلال عينيه اللتين ضاقتا، و اجابها بحدة متعمدة في نبرة صوته: "حسنا، في الوقت الحاضر لا استطيع مساعدتك فيما يتعلق بالسؤال الأول، اما بالنسبة للسؤال الثاني كم مفتاح تريدين، يا أليكس؟"
سألته بحدة: "كيف لي أن أعرف فيما انت تعطيني نصف الحقائق فقط؟" و قد شعرت ان الفرصة تفلت منها في الوقت الذي بدا لها انها تحرز تقدما.

أمل بيضون 26-10-09 07:03 PM

نهض بيرس واقفا على قدميه بحركة مفاجئة. و اجابها بفظاظة: "انك لا تريدين الحقائق، يا اليكس. انك تريدين تأكيدات."
فانفجرت هي ايضا قائلة: "و هل تلك جريمة؟ ماذا تريد مني، يا بيرس؟" و يا ليته ادرك انها كانت صرخة من القلب.
اجابها برقة: "ماذا تريدين انت مني، يا أليكس؟" ثم و قد رأى ارتباكها الجلي، تنهد بعمق و قال: "ان قررت ذلك، تعرفين اين تجدينني. علي ان اقوم باتصال هاتفي آخر. اعذريني."
نظرت إليه أليكس و هو يذهب بقلب غائر، لقد كانا قريبين جدا، عرفت ذلك في قرارة نفسها. و مع ذلك... قريبان من ماذا؟ لماذا يجعل الأمور معقدة لهذه الدرجة؟
و رغم ذلك الم تقل للتو ان الأحجية الصينية بقيت معقدة غلى ان عرفت مفتاح حلها؟ ذاك يعني ان هناك اجابة بسيطة، لماذا تكبد كل هذه المتاعب لكي يساعدها؟ كان يستطيع ان يقوم بذلك بسهولة تامة دون الزواج منها! مما يعني فقط انه اراد الزواج منها.
بدأ رأسها يؤلمها فضغطت يديها على صدغيها. كان ذلك كله لا يحملها إلى نتيجة عقلانية، و لا يتفق مع ما عرفته عنه دائما. و مع ذلك بدأت اليوم فقط تكتشف انها لم تعرفه فعلا على الاطلاق. مما يعني... ماذا؟ ان ما من شيء كان كما بدا لها، سواء في ما مضى أم الآن. إلا انه لم يكن هناك ما ينكر الواقع و هو انه جرحها بقسوة كبيرة. و من الصعب أن يكون ذلك امر يقوم به رجل محب. ثم تذكرت انه مد يد العون لوالدها في حين لم يكن مجبرا على القيام بذلك.
أوقف التفكير بوالدها تساؤلاتها فجأة، ليخطر لها انه كان من المفترض بها ان تتصل بالمنزل. نظرت إلى ساعتها نظرة سريعة فأدركت ان الوقت ليس متأخرا جدا ان تصرفت بسرعة. فذهبت للبحث عن بيرس و هي تعتزم ذلك. و حينما لم تر أي أثر للهاتف، أدركت أنه لا بد موجود في غرفة مكتبه، اين يمكن أن تكون تلك الغرفة؟
و حدث أن ألتقته خارجا من الغرفة. قال و في نبرة صوته نبرة حادة للسخرية: "تبحثين عني؟"
اجابته: "اردت استعمال الهاتف للاتصال بوالدتي. كان علي ان افعل ذلك بالأمس." و شعرت لسبب ما بحياء كبير.
ربما كان ذلك نتيجة لملامح وجهه المتجهمة التي جعلتها تشعر انها مخطئة نوعا ما.
اختفى التجهم عن وجهه، و عادت السخرية لتظهر في نظرات عينيه و سألها بتعب: "هل من شيء آخر؟" و اعاد فتح الباب مظهرا كياسة بالغة متعمدة و أضاء النور ثم قال: "تفضلي. ان رمز هاتف المدينة موجود على مجموعة الأوراق إلى جانب الهاتف."
"شكرا." تمتمت بتهذيب فيما كانت تمر امامه.
ضحك بفظاظة و قال لها: "لماذا تشكرينني؟ انه هاتفك ايضا. كل شيء هنا ملك لك الآن، يا حلوتي أليكس. بلغي والدتك حبي، هلا فعلت؟" ثم اقفل الباب وراءه.
و جفلت بعد مغادرته. كل شيء هنا لها؟ هل يعتبر نفسه ضمنا؟ و ان كان الأمر كذلك، فماذا يعني؟ بدأت تشعر انها ضائعة، و كأنه كان يضحك عليها لأنها و مع كل مفاتيح الحلول التي أعطاها لها، ما زالت غير قادرة على رؤية الجواب!
تخلت عن تلك الأفكار و قد اربكتها و ذهبت لتجري اتصالها الهاتفي. و كما توقعت كانت أمها ماتزال مستيقظة، و تكلمتا لنحو ساعة تقريبا قبل ان تتساءل إميلي بتراكوس بشأن الفاتورة التي تسجلانها، و شعرت أليكس أنها مرغمة على تمني ليلة هانئة لها. شعرت بتحسن بعد تلك المخابرة رغم انها لم تحل شيئا، لكن من الجيد ان تعرف ان صحة والدها كانت تتحسن الآن حيث لم يعد من داع للقلق.


أمل بيضون 26-10-09 07:04 PM

تنهدت و بقيت جالسة إلى المكتب، و أخذت تجول بعينيها ارجاء الغرفة في نظرة فضولية. بدت و كأنها تعكس شخصية بيرس تماما فقد كانت عملية انما مريحة. كانت الجدران مزينة بخزانة للكتب. بعضها ملئ بالكتب و البعض الآخر ملئ بصور تذكارية. كانت هناك الصور العائلية المعتادة على احد الرفوف. و دون تفكير نهضت و سارت نوها. كانت هناك صورة لرجل عرفت انه جد بيرس، إلا إنها لم تكن الصورة نفسها التي أراها لها يوما في الشقة في نيويورك و لا بد ان الصور الأخرى كانت لافراد اخرى من عائلته. و كانت هناك صورة زفاف ايضا مدسوسة في الخلف، و صدمت عندما لاحظت انها صورتهما، إلا ان تلك الصدمة لم تكن تذكر نسبة إلى الصدمة التي شعرت بها في ما بعد عندما تيقنت انها كانت صورة لزواجهما الأول!
وقفت هناك مذهولة. لقد احتفظ بيرس بصورة لهما؟ لماذا، بينما و باعترافه انه تزوجها فقط ليستعيد اسطول السفن التجارية؟ لماذا رجل يضمر الانتقام يفعل ذلك، إلا إذا..؟ و هزت رأسها غير مصدقة. لا، لا يمكن ان يكون كذلك، سيكون الأمر مستحيلا جدا! لكن و فيما كانت تشيح بنظرها وقعت عيناها على عنوان احد الكتب، مقتطفات شعرية، و تذكرت انه اشار إلى الشاعر لوفليس بعد ظهر ذلك اليوم، فلم تتردد في تناول الكتاب و فتحه للبحث عن الفهرس.
إلا انها لم تكن بحاجة لذلك لأنها فيما كانت تبحث عن تلك الصفحة انفتح الكتاب من تلقاء نفسه. و كان هناك قصيدة شعر سطر تحت آخر سطرين بخط أحمر.
ما كنت لاستطيع حب حبيبتي إلى هذه الدرجة، لم أني لم احب الشرف أكثر.
حب؟ شرف؟ و تكسكت بالمكتبة و قد شعرت ان ساقيها لم تعد تقويان على حملها. أكان طوال هذه الفترة يحاول أن يخبرها أنه يحبها؟ و انه احبها دائما؟ لم تصدق تحليلها للأمور. و رغم ذلك و لدهشتها، توضحت الأمور فجأة.
الأسباب التي قدمها لمساعدة عائلتها، و اصراره على الزواج. فعل كل ذلك لأنه احبها؟
كم تاقت لتصديق ذلك، لكنها كانت قد جرحت بشكل عميق ذات مرة مما حال دون تصديقها انه احبها. لم تتصور انها تستطيع ان تمر بتلك التجربة مرة اخرى و تبقى على قيد الحياة. خاصة و ان تفسيرات اخرى تناسبت مع الظروف التي كانت تحيط بها، لكن ان كان يحبها، لماذا لم يخبرها؟
لأن لديه كبرياءه. ايضا، فحتى اشجع الرجال يخاف ان يرفض. و هي لم تمنحه اي سبب يجعله يفترض انها سترحب بحبه. انما على العكس، كانت سريعة في جرحه خشية ان تجرح، و لهذا اخبرها انها ليست على استعداد بعد لسماعه.
و كان كل ما فعله هو ان اعطاها وردة و قال لها ممازحا انه قد يكون اهداها إياها لتضع قلبه بشكل رمزي على الأرض و تدوس عليه بقدميها بدورها.
آه، يا بيرس.
كان من الممكن ان تكون مخطئة، بالطبع، لكن عليها ان تعرف ذلك، بطريقة أو بأخرى، عليها أن تعرف ذلك أخيرا لأن مستقبلها كله يعتمد على ما تكتشفه. لذا اعادت الكتاب متجهة إلى الفناء. إلا ان بيرس لم يكن هناك و لم يكن في غرفة الجلوس ايضا، فلم يعد هناك إلا غرفة نومهما.
وجدته هناك، و كان الضوء يظهر قامته الطويلة و هو واقف على الشرفة، و شعره الرطب يلمع، دليل على انه قد انهى استحمامه و خرج للتو. ترددت للحظة، ثم خلعت حذائها و سارت على السجادة نحوه دون ان تصدر اي صوت. توقفت على مقربة منه، و رغم ذلك لم يظهر أية حركة تشير إلى انه سمعها تقترب منه.
قالت: "بيرس؟" كان صوتها صرخة خافتة بالكاد سمعتها هي بنفسها. و رغم ذلك تشنج، فقد كان في موقف انتظار. تكلمت ثانية فيما هي تمد يدها هذه المرة لتلمس كتفه و رددت: "بيرس؟"
كانت ردة فعله سريعة جدا، إذ استدار و هو يتأوه، مد يديه ليمسك بها و يضمها بين ذراعيه قائلا بانفعال: "انك امرأة قاسية، يا أليكس. اعتقدت انك لن تأتي ابدا!" و احنى رأسه نحوها.
شعرت ان قلبها قفز من مكانه. و امتدت يداها نحو كتفيه و في نيتها ان تبعده لأنها ترفض ان تنصاع له و قالت: "لا. لا تفعل ذلك يا بيرس، اني..." و ماتت بقية الكلمات.
ترددت قبل ان تتابع كلامها قائلة: "بيرس... انتظر!"
رفع رأسه، و نظر بعينيه المتقدتين في عينيها، و قال بصوت اجش: "لم يعد هناك وقت للانتظار، يا أليكس، كلانا بحاجة إلى بعضنا. أليس كذلك؟" و شعرت أنها تكاد تختنق.
كان محقا. ما فائدة الكلام الآن. و اختفى السبب الذي دفعها إلى المجيء إليه.
"اني بحاجة إليك يا أليكس." و ضاعت تحت ذلك الاعتراف اليائس حاجتها إليه لمعانقته.
كانت تريده، ان يعانقها ليزيل فراغ و وحدة السنين الماضية. و رفعت رأسها لتقول له ذلك لكن و قبل ان تنطق بأية كلمة احنى رأسه لقبلها من جديد... و ليجعلها زوجته بكل ما في الكلمة من معنى.
و تمتم قائلا: "لا! لن افقدك مرة ثانية."
و كانت الكلمات و كأنها تخرج من بين شفتيه رغما عنه.
تنهدت أليكس عند سماعها هذا الاعترف، و اعتصر قلبها داخل صدرها. و ترقرقت الدموع في عينيها فجأة، فإن سماع زوجها الواثق من نفسه بقوة يقول ذلك، ملأ الفراغ الذي كان يعذبها. انه يهتم لأمرها. يجب ان يكون الأمر كذلك. لكن ما حصل كان كافيا، لأنها حتى الآن لم تتأكد من شيء.
لذلك جاء صوتها منخفضا و جشا عندما قالت: "اني لست ذاهبة إلى اي مكان."
سحبها نحوه و قال: "آسف." ثم ضمها بين ذراعيه.
لم تشعر أليكس قط بأمان أو تدليل اكثر من الآن.
و تساءلت ان كان يحبها أم لا، لكنها تمنت أن يكون مغرما بها، لأنها ماعادت تستطيع اخفاء حبها له بعد الآن. ستعرف غدا. غدا.


أمل بيضون 26-10-09 07:05 PM

استيقظا في الصباح على صوت غريب مألوف. تحرك بيرس أولا و حركاته هي التي اعادت أليكس إلى أرض الواقع. كانت ما تزال نائمة، إلا ان بيرس حرر نفسه و غادر الفراش. رفعت نفسها على مرفقيها و نظرت بعينين غائمتين على قامته المنتصبة فيما كان يسير نحو النافذة.
سألته: "ما الأمر؟" إذ لم تكن واعية تماما بعد لتستطيع معرفة الصوت.
اطلق بيرس تنهيدة عميقة. و رفع كتفيه، ثم استدار ليخبرها بصوت مروع: "انها طائرة مروحية." مما ازال على الفور حالة النعاس التي كانت تنعم بها و جعلها تجلس و تتنبه لما يحدث.
ظهر على جبهتها نوع من التجهم عندما لاحظت انه لم يفاجأ اطلاقا لوصولها، انما العكس، و سألته: "هل كنت تتوقع حضورها؟"
ابتعد بيرس عن النافذة فيما كان يمرركلتا يديه من خلال شعره، و اجابها: "لقد تدبرت ذلك الليلة الماضية، لكني لم اتوقع ان استغرق في النوم هذا الصباح."
الواقع انه كان يعرف، و رغم ذلك لم يقل شيئا، جعل خوفا لا تدرك ما هيته يجمد الدم في عروقها. و شعرت أليكس ان فمها قد جف إلا انها سألته بصوت خفيض اجش: "لم هي هنا؟"
نظر بيرس إليها نظرة خاطفة و قال بصوت حاد: "اخشى ان شهر العسل قد انتهى، يا أليكس." و جعل انعدام العاطفة في نبرة صوته فيما كان يتكلم، القلق يخامر قلبها فجأة.
كان الأمر و كأنه مدبر، و كأن الاحداث التي جرت قبل خمس سنوات تعيد نفسها الآن، و رغم ذلك رفضت ان تستسلم للتوتر الذي زحف إلى حنايا نفسها. لم تكن على استعداد بعد لتصدق بأن الليلة الماضية لم يكن لها أي معنى.
فسألته: "و ماذا يعني ذلك؟"
اجابها بيرس من بين فكين ثابتين قائلا: "ذلك يعني انه من الافضل أن ترتدي ملابسك و تحزمر حقيبتك، اما البقية فيمكن ارسالها في ما بعد."
سبح قلبها في موجة سريعة من الارتياح. كاد يصيبها بالهلع! و انطلقت منها ضحكة متقطعة و قالت: "اتعني انها جاءت لأجلنا؟ اخبرني إلى اين نحن ذاهبان لأعرف ماذا احزم."
رفع رأسه و اخذ نفسا عميقا و قال: "ستكونين على متن الرحلة التي ستقلع إلى انكلترا."
ما كانت لتصدم أكثر لو انه ضربها بالفعل، و اطبقت أليكس اصابعها على الملاءة و سألته و قد تشوش تفكيرها: "أترسلني بعيدا؟" دون ان تستطيع رفع عينيها عن عينيه.
و جاءت إيماءة رأسه للتصديق على ذلك مفاجئة لها و قال: "من الأفضل ان تبدأي بالتحرك الآن. فالوقت قصير و قد اضعنا ما يكفي منه حتى الآن."
اضعنا وقتا؟ ايقول بأن كل ذلك الحب كان مضيعة للوقت؟ كانت صفعة أخرى، إلا ان هذه المرة اعادتها من الصدمة. لن تدع التاريخ يعيد نفسه، هذه المرة ترفض أن تختفي بهذه القساوة. فسألته: "لماذا؟"
فردد بشكل نزق: "لماذا ماذا؟" فشعرت و كأن كرة من الغضب بدأت تكبر داخل نفسها.
فأعادت سؤالها بشكل موسع و بلهجة لاذعة: "لماذا ترسلني بعيدا؟" و ابعدت عينيها الغائمتين عن عينيه.
إلا انه اجابها: "لأن عندي اشياء علي القيام بها و لا أريدك هنا فتعرقلي ذلك."
و كان من السهل جدا في تلك اللحظة، ان تدع عواطفها تسيرها، إلا انها كانت أكبر و أكثر حكمة الآن. كانت هناك نواقيس تدق في رأسها واحداها لم تكن دقاته متناغمة. اشياء عليه القيام بها؟ أية اشياء؟ كان هذا و حتى الليلة الماضية مجرد شهر عسل. أما الآن عند الصباح فقد كان يبعدها. فما الذي حث خلال الليل؟
ثم عرفت بالطبع، فقالت: "كذبت علي، أليس كذلك؟ ذاك الاتصال الهاتفي ليلة أمس حمل إليك أكثر مما أخبرتني به."
و قد ازعجتها الطريقة التي استبعدها فيها، و التي ما زال يستبعدها عما يجري. فأضافت: "هذه هي الحقيقة. أليس كذلك؟ لم لا تستطيع ان تخبرني؟ أليس لي الحق بأن اعرف؟"
و وقعت عينا بيرس على الاتهام الذي كان ظاهرا في عينيها الرماديتين مما جعله يشد بقوة الحزام الذي كان يضعه و قال بإختصار: "لم يكن هناك من داع لإزعاجك بشكل غير ضروري." و على الفور قفز قلبها من مكانه.
فسألته بغضب: "اتعتقد ان اخباري لأحزم حقائبي و اذهب أقل إزعجا؟" و نهضت من الفراش. امسكت روبها و ارتدته.
اجابها بتوتر: "ما كنت آمل في تجنبه هو هذا النوع من الجدال العقيم."
رددت بصوت يحمل نبرة من السخرية: "عقيم؟ انا اعتقد انه مهم جدا. كيف لي ان اثق بك فيما انت تعاملني هكذا؟ ما الذي لا تريد ان تخبرني به عن هذه العقدة الصغيرة؟"
بدت نظرات بيرس هادئة فيما هو يقول بإصرار ثابت: "اخبرتك كل ما انت بحاجة لمعرفته." إلا ان ذلك زاد من اتقاد غضبها.
فصرخت قائلة: "اخبرتني كل ما تريدني ان اعرف، و هذا امر مختلف كليا! ماذا ستفعل عندما ابتعد من الطريق بشكل ملائم؟"

أمل بيضون 26-10-09 07:06 PM

بدا واضحا ان سخريتها لم تعجبه فقال بحدة: "لدي رحلة خاصة بي علي ان اقوم بها. انها رحلة عمل، و لا اريدك ان تكوني برفقتي."
قالت مستنتجة: "مما يعني انها خطرة، مهما كانت."
اجابها بفظاظة: "عبور الشارع خطر، ان لم تنتهبي لما تقومين به." مما زاد من خوفها، و لم يخففه على الاطلاق.
كان موقفه من "زوجته الصغيرة" يزيدها غضبا و يجرحها ايضا، انها تستحق افضل من هذا منه. سارت نحوه و امسكت بطيات ياقة روبه و صرخت قائلة: "توقف عن معاملتي و كأني طفل مجنون، يا بيرس، اخبرني إلى أين انت ذاهب."
مد يديه ليمسك بشدة على يديها، إلا انه لم يقم بأية حركة ليبعدها. و اجابها: "اخباري لك بذلك لن يشكل أي فارق."
جالت عيناها في عينيه فلم تجد سوى جدارا مربكا من الغضب، و مع ذلك عندما يصل الأمر إلى تشبث كل منهما برأيه فإن لها حصة جيدة في ذلك ايضا، فقالت: "حسنا، لا تخبرني، لكني زوجتك، يا بيرس مارتينو. و لقد عبرت الشوارع بأمان لسنوات. اني ذاهبة معك حيثما انت ذاهب."
و بدا الجو في غضون لحظة بينهما مشحونا بالتوتر بكل ما في الكلمة من معنى. و تحطم الجدار ليظهر غضبا جامحا و ضغط بيديه بقوة على معصميها قائلا: "انك كذلك تماما! لكنك لن ترافقيني إلى اي مكان."
رفعت أليكس رأسها بتحد و قالت: "حاول ان تمنعني!"
استطاع بيرس بشكل واضح ان يسيطر على غضبه و بدا في عينيه بريق ساخر حين قال: "ما هذا؟ منذ اسابيع و كنت تحاولين الهروب مني. أما الآن فأنت تتشبثين بي. ماذا حدث؟"
كانت كلماته الساخرة، التي كرهتها، و كأنها صفعة على الوجه إلا انها رفضت التراجع، و قد ادركت انه فعل ذلك عن تعمد ليثير غضبها و توافق على الرحيل. لذا ذكرته برقة: "ما حدث هو ليلة الأمس، أو انك نسيت؟"
تنهد بصوت عال عند سماعه كلماتها تلك، و بدت تقاسيم وجهه عميقة و متجهمة. قال باقتضاب: "مناورة فاشلة، يا أليكس."
قالت بتحد: "أنت من بدأ هذا بناء على أوامرك! حسنا، أنا لن انفذ الأوامر دون سبب منطقي. الزواج مشاركة و أنا لست ضعيفة، استطيع تحمل الحقيقة، اني استحق ذلك. سأذهب معك لأنك لم تعطني سببا واحدا يمنعني من ذلك!"
ترك يديها و امسك بكتفيها، ثم هزها قائلا: "اصغي، ايتها الحمقاء الصغيرة، الخطر الوحيد هو ان جدالي معك لا يصحح الخطأ!"
قالت تنصحه بإختصار: "إذا، توقف عن الجدل."
تراجع مبتعدا عنها و قال: "لا وقت عندي لهذا. لن ترافقيني و هذا قرار نهائي."
غمرها مزيج متساو من الغضب و الألم فقد اصبحت القضية الآن قضية مبدأ، فإما ان يكون زواجهما مكتمل من كل النواحي أو لا يكون هناك زواج بينهما... لا يمكنه ان يأمرها هكذا دون اي تفسير، و إن كان يتوقع منها ان تثق به، فلها الحق إذا ان تعرف الحقيقة. و لكن ألا يستطيع ان يرى ايضا كم هي قلقة؟ و كان كلما ازداد كتمانه يجعل قلقها يزداد! إن هناك خطب ما و هي تريد ان تساعد. انها تحبه، و لن توافق على الجلوس جانبا بهدوء و تدعه يسير إلى فم الأسد لوحده!
كان اختلاط حبها و خوفها هما اللذان دفعاها لقول جملتها التالية، إذ قالت: "ارغمني على المغادرة دون سبب معقول يا بيرس، و سوف لن تراني بعد ذلك." كانت كلمات التحدي هذه صدمة لأليكس عندما خرجت من بين شفتيها كما كانت بالنسبة لبيرس، الذي تجمد و كأنه تمثال.
سألها بصوت عذب: "أتهددينني، يا أليكس؟"
شحب لون وجهها كورقة بيضاء، لكن لم يكن هناك مجال للتراجع عما قالته، رغم انها ندمت على الفور. عرفت انها لم تكن تلك الطريقة الصحيحة التي يجب أن تتبعها، لكنها ارادت منه ان يكلمها، لا ان ينطوي على نفسه! اما الآن و قد بدأت فعليها المتابعة، فقالت: "لن أوافق على ان استبعد!"
"و أنا ارفض ان اخضع لتهديدات."
ازدردت ريقها بصعوبة و قالت: "إذا فإنها ورطة، أليست كذلك؟"
ابتسم بيرس ابتسامة مقززة و اجابها: "ليس تماما، فما زال عليك ان تحزمي امتعتك، لن تجدي صعوبة في ان تستقلي طائرة من البر الرئيسي إلى انكلترا."
لم تصدق انه كان يدعوها لتنفيذ تهديدها فقالت بصوت اجش: "إذا لقد انتهى الأمر، هكذا؟"
"انه قرارك، يا أليكس."
حدقت به و قلبها يخفق بقوة لدرجة أنها كانت متأكدة من انه يستطيع سماعه. اين ذهبت كل وعود الليل؟ كيف توصلا إلى هذا بسرعة كبيرة؟ شعرت بالغثيان، و تمنت بيأس لو انها تستطيع التراجع، لكنها وجدت ان الكلمات تكاد تخنقها
قالت: "لا، انه قرارك. ما كان يجب ان تصل الأمور إلى هذا."
"لقد وصلت."
احرقت دموع حارة عينيها، إلا انها لم تدع أية دمعة تنهمر، و قالت له: "إذا، فالليلة الماضية لا تعني لك شيئا؟"
ومض شيء في عينيه للحظة و اجابها: "على العكس، يمكنك ان تسميها وداعا رائعا. و الآن، إن لم يكن لديك ما تضيفينه فمن الأفضل ان اذهب و أرى من وصل." و دون ان يضيف أية كلمة أخرى، استدار و سار مبتعدا.
و قفت تحدق في الباب المقفل و هي مصدومة. لم تستطع التصديق بأنه وافق على أن تنفذ انذارها. لا بد انه عرف بالتأكيد انها لم تكن جادة في ما قالته ، و إن ذلك كان زلة لسان. سارت على ساقين متلكئتين إلى السرير، حيث جلست بإمتنان. لم تعرف كيف حدث كل ذلك بهذه السرعة، فبعد ان كانت مصرة على مرافقته، انتهى الزواج فجأة و اصبحت هي في طريق العودة إلى الوطن!
كان الأمر و كأنه كابوس فقد بدا كل شيء مشوشا. اعتقدت الليلة الماضية انها أخيرا فهمته، ثم حدث كل هذا.
لماذا رفض بعناد ان يخبرها إلى اين هو ذاهب و لماذا؟
و بسرعة حل الغضب مكان الصدمة فيما كانت تمعن التفكير بما حدث خلال الدقائق القليلة الماضية. لا و لن ترحل، ليس قبل ان تحصل على تفسير مقنع. قال الليلة الماضية أنه لن يدعها ترحل و الآن اخبرها بهدوء ان عليها الرحيل؟ ذلك ليس منطقيا.
لكن ذلك بدا منطقيا بالطبع، حالما فكرت بالنقيض، فتنهدت عاليا. و ادركت انه استغل ببراعة غضبها ضدها، و كانت على وشك ان تدعه يفوز، تلك المعرفة منحت نفسيتها المحطمة عزما جديدا.
و نهضت لتسير نحو غرفة الملابس لتأخذ بعض الثياب و تتجه نحو غرفة الحمام. استحمت و ارتدت سروالا من الجينز و قميصا. و لم تزعج نفسها بأكثر من تمرير الفرشاة على شعرها، لم تكن تتحمل الوقت الحاضر. لأن مهما كان قد قاله بيرس فإنها مصممة على البقاء حيث هي. و رغم ذلك حزمت الحقيبة و تركتها على السرير مع حقيبة يدها فقد تحتاجها لكن ليس للذهاب إلى انكلترا.


أمل بيضون 26-10-09 07:07 PM

و هكذا دخلت إلى الردهة، بعد أقل من عشر دقائق، مستعدة للقيام بمعركة، لتجد ان بيرس قد وجد بطريقة ما متسعا من الوقت ليرتدي ملابسه هو ايضا و قد كان غارقا الآن في محادثة مع رجل طويل أملس الشعر. استدارا كلاهما عند دخولها. و كانت ملامح وجه زوجها متجهمة فيما دعاها للدخول.
و عرفهما ببعض بصوت بارد قائلا: "أليكس، هذا بات داننغ، انه مساعدي الخاص."
قال بات داننغ بلهجة تكساسية ودودة: "يسعدني لقائك أخيرا ، يا سيدة مارتينو." و صافحها فيما بدت ابتسامته متوترة نوعا ما، إذ اضاف: "يؤسفني ان علي ابعادك عن زوجك."
قابلت ابتسامته بابتسامة لاذعة و قالت: "لا بأس، لأني لست ذاهبة على أية حال."
تنفس بيرس بنفاذ صبر إلى جانبها و قال بتوتر: "اعتقدت اننا قد سوينا هذا الأمر."
رفعت أليكس كتفيها بلا مبالاة. رغم ان ذلك تطلب منها جهدا كبيرا لتبدو غير آبهة و قالت: "كنت أكذب و انت تعرف ذلك."
و التقت عيونهما في معركة صامتة، دون أن يحاول أيا منهما ابعاد نظره. شد بيرس على فكه، ثم اجابها: "لم أكن اعرف." رفعت ذقنها بكل بساطة فحذرها قائلا ببرودة: "ما بك يا أليكس؟ لا ترغميني على القيام بأشياء أندم عليها!"
بدت تعابير العناد على ملامحها كما قد يتوقعه تماما، و قالت: "لا اصدق انك ندمت على شيء في حياتك! و أنا أرفض أن أرحل قبل أن تشرح لي لماذا علي القيام بذلك."
ارتعش ذلك العصب في فكه من جديد، و صاح قائلا: "ماذا تحاولين يا أليكس؟ انني حصلت على كل ما اريده منك، و الآن يمكنك الرحيل، حسنا. إن كان ذلك ما يتطلبه الأمر. اعتبري اني قلت ذلك!"
شعرت بدمائها تغلي غضبا لقساوة تلك الكلمات التي تعمد قولها، و ربما كانت لتصدقه قبل خمس سنوات، لكن مع تبصرها رأت أن شيئا ما جعل توترا غريبا يملأ نفسه، الأمر الذي جعلها ترفع ذقنها مرة أخرى و تجيبه برقة: "اني لا اصدقك، و الطريقة الوحيدة التي يمكنك اخراجي بها من هذه الجزيرة هي أن تجعلني افقد الوعي."
مما جعل بيرس يسترسل في السباب لمدة طويلة و بشكل قاس.
قاطعه بات داننغ، إذ قال: "تأخر الوقت يا سيدي."
جعل ذلك التعليق أليكس تدير رأسها نحوه و في الجزء التالي من الدقيقة سمعت بيرس يتمتم: "آه، يا للهول!"
فأستدارت لتلتقي قبضة يده القوية. اسودت الدنيا في عينيها و غابت عن الوعي على الفور.
امسكها بيرس قبل ان تسقط و قد بدت شاحبة الآن كما كانت من قبل و قال: "انها بخير، لقد تهاونت في تسديد ضربتي. احضر حقائبها من غرفة النوم، انها هناك، هلا فعلت، بينما اضعها في الطائرة المروحية؟" ثم حملها إلى الخارج و قد علت وجهه تعابير التجهم وضعها داخل الطائرة و مرر يده بلطف على البقعة الداكنة على ذقنها و تمتم: "أنا آسف يا أليكس. ايجب أن تقاتليني دائما؟" ثم استدار عندما جاء بات داننغ ليصعد إلى الطائرة.
نظر بتساؤل إلى مستخدمه و سأله: "أمتأكد انك تريد أن تجري الأمور بهذه الطريقة، يا سيدي؟"
فأجابه: "اخرجها من هنا فقط، هلا فعلت يا بات؟ و تأكد أنها بمأمن."
اشار بات إلى الطيار، ثم قال بصوت عال ليسمع رغم ضجيج صوت المحرك الذي ادير: "سأفعل ذلك، لكنني بالتأكيد ما كنت لأرغب في أن أكون مكانك حين تعود! فهمت ما أعنيه يا سيدي."


أمل بيضون 26-10-09 11:49 PM

استيقظا في الصباح على صوت غريب مألوف. تحرك بيرس أولا و حركاته هي التي اعادت أليكس إلى أرض الواقع. كانت ما تزال نائمة، إلا ان بيرس حرر نفسه و غادر الفراش. رفعت نفسها على مرفقيها و نظرت بعينين غائمتين على قامته المنتصبة فيما كان يسير نحو النافذة.
سألته: "ما الأمر؟" إذ لم تكن واعية تماما بعد لتستطيع معرفة الصوت.
اطلق بيرس تنهيدة عميقة. و رفع كتفيه، ثم استدار ليخبرها بصوت مروع: "انها طائرة مروحية." مما ازال على الفور حالة النعاس التي كانت تنعم بها و جعلها تجلس و تتنبه لما يحدث.
ظهر على جبهتها نوع من التجهم عندما لاحظت انه لم يفاجأ اطلاقا لوصولها، انما العكس، و سألته: "هل كنت تتوقع حضورها؟"
ابتعد بيرس عن النافذة فيما كان يمرركلتا يديه من خلال شعره، و اجابها: "لقد تدبرت ذلك الليلة الماضية، لكني لم اتوقع ان استغرق في النوم هذا الصباح."
الواقع انه كان يعرف، و رغم ذلك لم يقل شيئا، جعل خوفا لا تدرك ما هيته يجمد الدم في عروقها. و شعرت أليكس ان فمها قد جف إلا انها سألته بصوت خفيض اجش: "لم هي هنا؟"
نظر بيرس إليها نظرة خاطفة و قال بصوت حاد: "اخشى ان شهر العسل قد انتهى، يا أليكس." و جعل انعدام العاطفة في نبرة صوته فيما كان يتكلم، القلق يخامر قلبها فجأة.
كان الأمر و كأنه مدبر، و كأن الاحداث التي جرت قبل خمس سنوات تعيد نفسها الآن، و رغم ذلك رفضت ان تستسلم للتوتر الذي زحف إلى حنايا نفسها. لم تكن على استعداد بعد لتصدق بأن الليلة الماضية لم يكن لها أي معنى.
فسألته: "و ماذا يعني ذلك؟"
اجابها بيرس من بين فكين ثابتين قائلا: "ذلك يعني انه من الافضل أن ترتدي ملابسك و تحزمر حقيبتك، اما البقية فيمكن ارسالها في ما بعد."
سبح قلبها في موجة سريعة من الارتياح. كاد يصيبها بالهلع! و انطلقت منها ضحكة متقطعة و قالت: "اتعني انها جاءت لأجلنا؟ اخبرني إلى اين نحن ذاهبان لأعرف ماذا احزم."
رفع رأسه و اخذ نفسا عميقا و قال: "ستكونين على متن الرحلة التي ستقلع إلى انكلترا."
ما كانت لتصدم أكثر لو انه ضربها بالفعل، و اطبقت أليكس اصابعها على الملاءة و سألته و قد تشوش تفكيرها: "أترسلني بعيدا؟" دون ان تستطيع رفع عينيها عن عينيه.
و جاءت إيماءة رأسه للتصديق على ذلك مفاجئة لها و قال: "من الأفضل ان تبدأي بالتحرك الآن. فالوقت قصير و قد اضعنا ما يكفي منه حتى الآن."
اضعنا وقتا؟ ايقول بأن كل ذلك الحب كان مضيعة للوقت؟ كانت صفعة أخرى، إلا ان هذه المرة اعادتها من الصدمة. لن تدع التاريخ يعيد نفسه، هذه المرة ترفض أن تختفي بهذه القساوة. فسألته: "لماذا؟"
فردد بشكل نزق: "لماذا ماذا؟" فشعرت و كأن كرة من الغضب بدأت تكبر داخل نفسها.
فأعادت سؤالها بشكل موسع و بلهجة لاذعة: "لماذا ترسلني بعيدا؟" و ابعدت عينيها الغائمتين عن عينيه.
إلا انه اجابها: "لأن عندي اشياء علي القيام بها و لا أريدك هنا فتعرقلي ذلك."
و كان من السهل جدا في تلك اللحظة، ان تدع عواطفها تسيرها، إلا انها كانت أكبر و أكثر حكمة الآن. كانت هناك نواقيس تدق في رأسها واحداها لم تكن دقاته متناغمة. اشياء عليه القيام بها؟ أية اشياء؟ كان هذا و حتى الليلة الماضية مجرد شهر عسل. أما الآن عند الصباح فقد كان يبعدها. فما الذي حث خلال الليل؟
ثم عرفت بالطبع، فقالت: "كذبت علي، أليس كذلك؟ ذاك الاتصال الهاتفي ليلة أمس حمل إليك أكثر مما أخبرتني به."
و قد ازعجتها الطريقة التي استبعدها فيها، و التي ما زال يستبعدها عما يجري. فأضافت: "هذه هي الحقيقة. أليس كذلك؟ لم لا تستطيع ان تخبرني؟ أليس لي الحق بأن اعرف؟"
و وقعت عينا بيرس على الاتهام الذي كان ظاهرا في عينيها الرماديتين مما جعله يشد بقوة الحزام الذي كان يضعه و قال بإختصار: "لم يكن هناك من داع لإزعاجك بشكل غير ضروري." و على الفور قفز قلبها من مكانه.
فسألته بغضب: "اتعتقد ان اخباري لأحزم حقائبي و اذهب أقل إزعجا؟" و نهضت من الفراش. امسكت روبها و ارتدته.
اجابها بتوتر: "ما كنت آمل في تجنبه هو هذا النوع من الجدال العقيم."
رددت بصوت يحمل نبرة من السخرية: "عقيم؟ انا اعتقد انه مهم جدا. كيف لي ان اثق بك فيما انت تعاملني هكذا؟ ما الذي لا تريد ان تخبرني به عن هذه العقدة الصغيرة؟"
بدت نظرات بيرس هادئة فيما هو يقول بإصرار ثابت: "اخبرتك كل ما انت بحاجة لمعرفته." إلا ان ذلك زاد من اتقاد غضبها.
فصرخت قائلة: "اخبرتني كل ما تريدني ان اعرف، و هذا امر مختلف كليا! ماذا ستفعل عندما ابتعد من الطريق بشكل ملائم؟"
بدا واضحا ان سخريتها لم تعجبه فقال بحدة: "لدي رحلة خاصة بي علي ان اقوم بها. انها رحلة عمل، و لا اريدك ان تكوني برفقتي."
قالت مستنتجة: "مما يعني انها خطرة، مهما كانت."
اجابها بفظاظة: "عبور الشارع خطر، ان لم تنتهبي لما تقومين به." مما زاد من خوفها، و لم يخففه على الاطلاق.
كان موقفه من "زوجته الصغيرة" يزيدها غضبا و يجرحها ايضا، انها تستحق افضل من هذا منه. سارت نحوه و امسكت بطيات ياقة روبه و صرخت قائلة: "توقف عن معاملتي و كأني طفل مجنون، يا بيرس، اخبرني إلى أين انت ذاهب."
مد يديه ليمسك بشدة على يديها، إلا انه لم يقم بأية حركة ليبعدها. و اجابها: "اخباري لك بذلك لن يشكل أي فارق."
جالت عيناها في عينيه فلم تجد سوى جدارا مربكا من الغضب، و مع ذلك عندما يصل الأمر إلى تشبث كل منهما برأيه فإن لها حصة جيدة في ذلك ايضا، فقالت: "حسنا، لا تخبرني، لكني زوجتك، يا بيرس مارتينو. و لقد عبرت الشوارع بأمان لسنوات. اني ذاهبة معك حيثما انت ذاهب."
و بدا الجو في غضون لحظة بينهما مشحونا بالتوتر بكل ما في الكلمة من معنى. و تحطم الجدار ليظهر غضبا جامحا و ضغط بيديه بقوة على معصميها قائلا: "انك كذلك تماما! لكنك لن ترافقيني إلى اي مكان."
رفعت أليكس رأسها بتحد و قالت: "حاول ان تمنعني!"
استطاع بيرس بشكل واضح ان يسيطر على غضبه و بدا في عينيه بريق ساخر حين قال: "ما هذا؟ منذ اسابيع و كنت تحاولين الهروب مني. أما الآن فأنت تتشبثين بي. ماذا حدث؟"
كانت كلماته الساخرة، التي كرهتها، و كأنها صفعة على الوجه إلا انها رفضت التراجع، و قد ادركت انه فعل ذلك عن تعمد ليثير غضبها و توافق على الرحيل. لذا ذكرته برقة: "ما حدث هو ليلة الأمس، أو انك نسيت؟"
تنهد بصوت عال عند سماعه كلماتها تلك، و بدت تقاسيم وجهه عميقة و متجهمة. قال باقتضاب: "مناورة فاشلة، يا أليكس."
قالت بتحد: "أنت من بدأ هذا بناء على أوامرك! حسنا، أنا لن انفذ الأوامر دون سبب منطقي. الزواج مشاركة و أنا لست ضعيفة، استطيع تحمل الحقيقة، اني استحق ذلك. سأذهب معك لأنك لم تعطني سببا واحدا يمنعني من ذلك!"
ترك يديها و امسك بكتفيها، ثم هزها قائلا: "اصغي، ايتها الحمقاء الصغيرة، الخطر الوحيد هو ان جدالي معك لا يصحح الخطأ!"
قالت تنصحه بإختصار: "إذا، توقف عن الجدل."
تراجع مبتعدا عنها و قال: "لا وقت عندي لهذا. لن ترافقيني و هذا قرار نهائي."
غمرها مزيج متساو من الغضب و الألم فقد اصبحت القضية الآن قضية مبدأ، فإما ان يكون زواجهما مكتمل من كل النواحي أو لا يكون هناك زواج بينهما... لا يمكنه ان يأمرها هكذا دون اي تفسير، و إن كان يتوقع منها ان تثق به، فلها الحق إذا ان تعرف الحقيقة. و لكن ألا يستطيع ان يرى ايضا كم هي قلقة؟ و كان كلما ازداد كتمانه يجعل قلقها يزداد! إن هناك خطب ما و هي تريد ان تساعد. انها تحبه، و لن توافق على الجلوس جانبا بهدوء و تدعه يسير إلى فم الأسد لوحده!

أمل بيضون 26-10-09 11:55 PM

كان اختلاط حبها و خوفها هما اللذان دفعاها لقول جملتها التالية، إذ قالت: "ارغمني على المغادرة دون سبب معقول يا بيرس، و سوف لن تراني بعد ذلك." كانت كلمات التحدي هذه صدمة لأليكس عندما خرجت من بين شفتيها كما كانت بالنسبة لبيرس، الذي تجمد و كأنه تمثال.
سألها بصوت عذب: "أتهددينني، يا أليكس؟"
شحب لون وجهها كورقة بيضاء، لكن لم يكن هناك مجال للتراجع عما قالته، رغم انها ندمت على الفور. عرفت انها لم تكن تلك الطريقة الصحيحة التي يجب أن تتبعها، لكنها ارادت منه ان يكلمها، لا ان ينطوي على نفسه! اما الآن و قد بدأت فعليها المتابعة، فقالت: "لن أوافق على ان استبعد!"
"و أنا ارفض ان اخضع لتهديدات."
ازدردت ريقها بصعوبة و قالت: "إذا فإنها ورطة، أليست كذلك؟"
ابتسم بيرس ابتسامة مقززة و اجابها: "ليس تماما، فما زال عليك ان تحزمي امتعتك، لن تجدي صعوبة في ان تستقلي طائرة من البر الرئيسي إلى انكلترا."
لم تصدق انه كان يدعوها لتنفيذ تهديدها فقالت بصوت اجش: "إذا لقد انتهى الأمر، هكذا؟"
"انه قرارك، يا أليكس."
حدقت به و قلبها يخفق بقوة لدرجة أنها كانت متأكدة من انه يستطيع سماعه. اين ذهبت كل وعود الليل؟ كيف توصلا إلى هذا بسرعة كبيرة؟ شعرت بالغثيان، و تمنت بيأس لو انها تستطيع التراجع، لكنها وجدت ان الكلمات تكاد تخنقها
قالت: "لا، انه قرارك. ما كان يجب ان تصل الأمور إلى هذا."
"لقد وصلت."
احرقت دموع حارة عينيها، إلا انها لم تدع أية دمعة تنهمر، و قالت له: "إذا، فالليلة الماضية لا تعني لك شيئا؟"
ومض شيء في عينيه للحظة و اجابها: "على العكس، يمكنك ان تسميها وداعا رائعا. و الآن، إن لم يكن لديك ما تضيفينه فمن الأفضل ان اذهب و أرى من وصل." و دون ان يضيف أية كلمة أخرى، استدار و سار مبتعدا.
و قفت تحدق في الباب المقفل و هي مصدومة. لم تستطع التصديق بأنه وافق على أن تنفذ انذارها. لا بد انه عرف بالتأكيد انها لم تكن جادة في ما قالته ، و إن ذلك كان زلة لسان. سارت على ساقين متلكئتين إلى السرير، حيث جلست بإمتنان. لم تعرف كيف حدث كل ذلك بهذه السرعة، فبعد ان كانت مصرة على مرافقته، انتهى الزواج فجأة و اصبحت هي في طريق العودة إلى الوطن!
كان الأمر و كأنه كابوس فقد بدا كل شيء مشوشا. اعتقدت الليلة الماضية انها أخيرا فهمته، ثم حدث كل هذا.
لماذا رفض بعناد ان يخبرها إلى اين هو ذاهب و لماذا؟
و بسرعة حل الغضب مكان الصدمة فيما كانت تمعن التفكير بما حدث خلال الدقائق القليلة الماضية. لا و لن ترحل، ليس قبل ان تحصل على تفسير مقنع. قال الليلة الماضية أنه لن يدعها ترحل و الآن اخبرها بهدوء ان عليها الرحيل؟ ذلك ليس منطقيا.
لكن ذلك بدا منطقيا بالطبع، حالما فكرت بالنقيض، فتنهدت عاليا. و ادركت انه استغل ببراعة غضبها ضدها، و كانت على وشك ان تدعه يفوز، تلك المعرفة منحت نفسيتها المحطمة عزما جديدا.
و نهضت لتسير نحو غرفة الملابس لتأخذ بعض الثياب و تتجه نحو غرفة الحمام. استحمت و ارتدت سروالا من الجينز و قميصا. و لم تزعج نفسها بأكثر من تمرير الفرشاة على شعرها، لم تكن تتحمل الوقت الحاضر. لأن مهما كان قد قاله بيرس فإنها مصممة على البقاء حيث هي. و رغم ذلك حزمت الحقيبة و تركتها على السرير مع حقيبة يدها فقد تحتاجها لكن ليس للذهاب إلى انكلترا.
و هكذا دخلت إلى الردهة، بعد أقل من عشر دقائق، مستعدة للقيام بمعركة، لتجد ان بيرس قد وجد بطريقة ما متسعا من الوقت ليرتدي ملابسه هو ايضا و قد كان غارقا الآن في محادثة مع رجل طويل أملس الشعر. استدارا كلاهما عند دخولها. و كانت ملامح وجه زوجها متجهمة فيما دعاها للدخول.
و عرفهما ببعض بصوت بارد قائلا: "أليكس، هذا بات داننغ، انه مساعدي الخاص."
قال بات داننغ بلهجة تكساسية ودودة: "يسعدني لقائك أخيرا ، يا سيدة مارتينو." و صافحها فيما بدت ابتسامته متوترة نوعا ما، إذ اضاف: "يؤسفني ان علي ابعادك عن زوجك."
قابلت ابتسامته بابتسامة لاذعة و قالت: "لا بأس، لأني لست ذاهبة على أية حال."
تنفس بيرس بنفاذ صبر إلى جانبها و قال بتوتر: "اعتقدت اننا قد سوينا هذا الأمر."
رفعت أليكس كتفيها بلا مبالاة. رغم ان ذلك تطلب منها جهدا كبيرا لتبدو غير آبهة و قالت: "كنت أكذب و انت تعرف ذلك."
و التقت عيونهما في معركة صامتة، دون أن يحاول أيا منهما ابعاد نظره. شد بيرس على فكه، ثم اجابها: "لم أكن اعرف." رفعت ذقنها بكل بساطة فحذرها قائلا ببرودة: "ما بك يا أليكس؟ لا ترغميني على القيام بأشياء أندم عليها!"
بدت تعابير العناد على ملامحها كما قد يتوقعه تماما، و قالت: "لا اصدق انك ندمت على شيء في حياتك! و أنا أرفض أن أرحل قبل أن تشرح لي لماذا علي القيام بذلك."
ارتعش ذلك العصب في فكه من جديد، و صاح قائلا: "ماذا تحاولين يا أليكس؟ انني حصلت على كل ما اريده منك، و الآن يمكنك الرحيل، حسنا. إن كان ذلك ما يتطلبه الأمر. اعتبري اني قلت ذلك!"
شعرت بدمائها تغلي غضبا لقساوة تلك الكلمات التي تعمد قولها، و ربما كانت لتصدقه قبل خمس سنوات، لكن مع تبصرها رأت أن شيئا ما جعل توترا غريبا يملأ نفسه، الأمر الذي جعلها ترفع ذقنها مرة أخرى و تجيبه برقة: "اني لا اصدقك، و الطريقة الوحيدة التي يمكنك اخراجي بها من هذه الجزيرة هي أن تجعلني افقد الوعي."
مما جعل بيرس يسترسل في السباب لمدة طويلة و بشكل قاس.
قاطعه بات داننغ، إذ قال: "تأخر الوقت يا سيدي."
جعل ذلك التعليق أليكس تدير رأسها نحوه و في الجزء التالي من الدقيقة سمعت بيرس يتمتم: "آه، يا للهول!"
فأستدارت لتلتقي قبضة يده القوية. اسودت الدنيا في عينيها و غابت عن الوعي على الفور.
امسكها بيرس قبل ان تسقط و قد بدت شاحبة الآن كما كانت من قبل و قال: "انها بخير، لقد تهاونت في تسديد ضربتي. احضر حقائبها من غرفة النوم، انها هناك، هلا فعلت، بينما اضعها في الطائرة المروحية؟" ثم حملها إلى الخارج و قد علت وجهه تعابير التجهم وضعها داخل الطائرة و مرر يده بلطف على البقعة الداكنة على ذقنها و تمتم: "أنا آسف يا أليكس. ايجب أن تقاتليني دائما؟" ثم استدار عندما جاء بات داننغ ليصعد إلى الطائرة.
نظر بتساؤل إلى مستخدمه و سأله: "أمتأكد انك تريد أن تجري الأمور بهذه الطريقة، يا سيدي؟"
فأجابه: "اخرجها من هنا فقط، هلا فعلت يا بات؟ و تأكد أنها بمأمن."
اشار بات إلى الطيار، ثم قال بصوت عال ليسمع رغم ضجيج صوت المحرك الذي ادير: "سأفعل ذلك، لكنني بالتأكيد ما كنت لأرغب في أن أكون مكانك حين تعود! فهمت ما أعنيه يا سيدي."



القارئة111 27-10-09 12:14 AM

رواية في منتهى الروعة


شكراً على المجهود الرائع


الساعة الآن 02:12 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.