كيف حال الجميع ؟ يا رب بصحة وعافية .. أعلم لقد أثقلت عليكم بتأخيري .. لكنني لا أرضى لكم إلا ما يليق بعيونكم الجميلة والذي يرتقي لذائقتكم .. فأنتم نخبة لا يستاهن بها من القراء ..




أسمحوا لي بأن أهدي هذا الفصل المتواضع.. للتي في يوم واحد أوصلتني كل ما يخالجها من أحاسيس لامسها قلمي ..لقد أستمعت بكل حرفة كتبته .. وتشرفت بشهادتك بقلمي الذي بالكاد بدأ خطواته في عالم الكتابة .. وخاصة بأنك كاتبة أستمتع بقلمها .. وقريبا سوف أصل حد الأدمان عليه .. لكِ (( نور لينه )) أهديك الفصل العاشر ^__^




مسعدون .. أنطلقووووووا ^__*







^ الفصل العاشر ^




*لماذا ؟ *





(( لمـــــــــــــــــــــــ ــــــاذا ؟ ))
صرخة أخترقت حواجز الجليد اللتي غلفت بها قلبي الذي الآن يعتصر على مسكة الملامة ..
تركتها تحت رحمة ذلك النذل الحقير .. يفعل بها كيفا يشاء بسذاجتي .. وبكبريائي الغبي الذي كم أود الآن بأن أسحقه تحت ساقي ..
جحافل غضبي سكبتها على قبضة يدي التي توشك على تهشيم هاتفي النقال الذي نقل لي من خلاله أبشع خبر ..
تمنيت حينها بكل جوارحي لو لم أصر على أبي الذي ألتمست في نبرته غصة بأن يفرغ ما في جعبته من خبر ينغص عليه سكونه الذي عهدته طوال تلك الأيام الماضية التي أتصل بها به .. لكي أطمأن عليه وعلى أمي .. وعلى .. وعلى .. وعلى نرجس بطريقة غير مباشرة .. لكن هذه المرة كان صوته غير طبيعي .. يكاد يميل إلى البكاء بإنكساره المرير..
لهذا أرغمته على البوح بما يخفيه عني .. ويا ليتني مت قبل أن أسمع كلامه الذي بشق الأنفس همس به.. والألم يسلخ نبرته ببشاعة تدمي القلوب المتحجرة:
- " ماذا أقول لك يا مجد ؟! كم أنا نادم لأني خرجت للجمعية في تلك الساعة المشؤومة .. لربما .. لربما أنقذتها من ذلك النذل .. الذي أستفرد بها .. و..و "
كتائه في غياهب كلماته قلت بلا هداية:
- " ماذ الذي تتكلم عنه أبي ؟!! "
ملأت أذني تنهيدة أرتاع لها قلبي المقبوض .. تلتها خناجر أردت روحي قبل جسدي قتيلة على أرض الصدمة:
- " نرجس لقد أستفرد بها سامر .. وأبرحها ضربا ..لقد تلقيت منها إتصالا. وبشق الأنفس أخذت تقول لي بين آهات الألم بأن سامر تهجم عليها وأبرحها ضربا .. ومن ثم سمعت صوت التطام شيء.. وأخذت أصرخ كالمجنون باسمها دون مجيب .. فهرعت لشقتها لأجد الباب مشرعا .. وأدخل وقلبي ينذرني بالأسوء .. فأفجع بمنظرها الذي .. الذي "
لتخنق عبراته المكتومة كلماته وهي في المهد ..
في حين أنني تخبطت بين الصدمة وعدم التصديق ..
لم يوقظني منهما إلا صوت فاطمة المتسائل بوجل:
- " مجد ماذا هناك ؟! "
نظرت صوبها هي الواقفه على يساري .. بعينان أغشتهما ظلمة أعمت بصري .. أردت بأن أجيبها ... لكن أين صوتي؟ .. فلقد تبخر .. وأين نبضي؟ .. فقد توقف .. وأين أنفاسي؟ لقد ضاعت ..
لقد وقعت ُفي هوة من الضياع عميقة ساحقه لا قعر لها ..
دون وعي مني كما يبدو مشيت .. لم أدرك فعلي إلا على صرخات فاطمة المرتاعة:
- " إلى أين أنت ذاهب يا مجد؟! "
التفت نحوها بتهالك .. والجمود يقنع وجهي .. وأرفع يدي المخدرة .. وأشير لها بمعنى الرحيل .. بعد أن ألتجم لساني ..
وأكمل بعد ذلك خطواتي صوب .. صوب ..
صوب طريق طويل ملغم بقنابل القلق الذي لم يخلو من الذعر الذي ينشر فيروسه القاتل في أنفاسي ... وهذا الطريق كان .. كان يؤدي إليكِ.. إليكِ أنتِ فقط ... يا معذبتي ..



***


الظلام الذي يمتد على مد بصري لا يضاهي جزءا من الظلام الذي يعتكف عليه قلبي في كوخه الصغير الذي يرتعد من ضربات الذعر التي لا تجعل له وقت لألتقاط أنفاسه ..
هكذا باختصار كان حالي حين دلفتُ إلى تلك الغرفة التي هجمت علي بعصف قارص محمل بأبشع المشاعر اللتي شعرت بها الخليقة ..
حين أبتلعتني الصدمة بأنيابها الحادة وأنا أرى وجهها الذي أختفت ملامحه وباتت هضابا لا يحدها سطح منبسطة .. لقد أعاد خريطة وجهها ذلك المتوحش ..
أحسست ساعتها بأني معلق ما بين السماء والأرض .. تتقاذفني الرياح الهوجاء الخاوية من أي معالم من المشاعر ..
لم أحس بشيء .. وكأن الأحاسيس قد أغتيلت بداخلي .. وأنا أرى بعينانٍ شخصت أبصارهما انعكاس معذبتي وهي ترقد تحت الغطاء الأبيض .. تتخلل جسدها المتورم أسلاك لا نهاية لها من بداية .. وأصواتها النشاز تصم أذني ..
حطت يد على كتفي .. لم تحرك شعرة من جمودي ...
تبعها صوت يتحلى بالجلد المزيف:
- " بني دعنا نخرج .. فوجودنا لا معنى له .. فهي الآن مخدرة .. ولا تحس بمن يحيط بها .. دعنا نخرج "
لم أبعد بصري إنشا واحدا عنها وكأنه مربوط بخيط غير مرئي بها ..
وأنا أستنشق حرقة الألم الذي ينفخ في رئتاي رياح الغضب الهادر ..
التي وجدت طريقها صوب عقلي الذي صحى على صرخة الأنتقام التي تردد صداها في كل انحاء جسدي .. فانتفضت كل خلية تنبض بالحياة في بدني ملبية ً نداء الواجب ..
فركضت بخطى واسعة لا أسمع خلالها إلا صوت الأنتقام .. الذي يتغذى عليه قلبي .. الذي أشتدت ضرباته على قفصي الصدري وكأنه يتمرد علي .. وعلى الصمت الذي حبسته ورائه أمدا طويلا ً..
ألتهمت المسافات بأقدامي ولهيب من براكين الغضب تندفع من رئتي .. ودماءٌ تفور بكل عرق يسكن بجسدي .. فجرت قنبلة الغضب الذي لا يحتويه شيء في قسمات وجهي ..
ركضت وركضت لا أرى أحدا أمامي إلا طيف ذلك المجرم .. الذي شحذتُ قوايا لكي أنقض عليه .. وأنا عاقد العزم بألا أبقي عظمة واحدة ً سليمةً بجسده ..
وصلت إلى وكر الذئب .. وبدون تأخير أخذت أضغط على جرس الباب بدون توقف ..
لتخرج فريستي من وراء الباب .. فأنقض عليها بمخالبي كأسد مفترس ..
غير سامحٍ لذلك الوغد مجرد التفكير ما اللذي يحدث ..
وكالقطة لم يقدر على ردع موجي الهائج .. فهو لا يقوى على التكشير عن أنيابه إلا على النساء الضعيفات ذلك الجبان الحقير..
بعد أن أفرغت جزءاً صغيراً من غضبي الذي لا يسعه الكونُ بأكمله .. كان لا بد بأن أعرف الجواب .. الجواب الذي لا يفتءُ سؤاله يدور بعقلي بحثا عنه بلا هوادة منذ عاد إلى الصورة ..
فسألته وأنفاسي المضطربة تقاطع جملتي .. وأنا أستمتع برؤيته يتلوى من الألم على الأرض .. والذل يدوسه:
- " لماذا عدت ؟!! ما السبب الذي جعلك ترغب بنرجس من جديد ؟!! .. لا تقل لي بأنك تحبها .. فوغد مثلك لا يحب .. وأكبر دليل بأنك تركتها وهي في أمس الحاجة لكِ تكلم .. انطق "
صرخت آخر كلمة وأنا أهوي جاثيا أمامه .. أجذب ياقته رافعا رأسه الغارق خلف خصلات غرته .. وعلامات التالمِ جليةٌ على ملامحه التي حرصت بأن تتلون بلون الدم والتي لازالت لم تشفي غليلي بعد..
لم يرد علي ذلك الوسخ .. لهذا أغدقت عليه بسيل من الصفعات يستحقها وبكل جدارة .. وأنا أزئر بوجهه بأعلى طبقة أمتلكها من صوتي المشبع بالحنق والغضب:
- " تكلم أيها المجرم .. تكلم وإلا .."
وكورت يدي وفي نيتي بأن أسكنها وجهه الوسيم هذا الذي أمقته وبشدة ..
إلا أنه صرخ والذعر يتآكل ما تبقى من تعابير وجهه المضرجة بالكدمات:
- " لأني أردت شقتها .. شقتها "
تقوس حاجبي إلى أعلى وأنا أنشد المزيد من نبع الجواب الذي بدأ بتدفق من جوف سامر الخسيس:
- " ماذا تقصد بأنك تريد شقتها ؟!! "
لمحت تفاحة آدم الخاصة به تتحرك مترجمة ارتباكه .. ووهو يستنجد بالكلمات لكي تخرج من جوفه.. فارا ببصره بعيدا عن حمم غضبي الفائرة في وجهي :
- " لقد دخلت مشروعا من أحد أصدقائي منذ عام ونصف .. لكن هذا الصديق الخائن خدعني .. وأخذ المال .. وورطني بديون لا أول لها من آخر .. فلم أجد لي حلا إلا نرجس .. كنت أعلم بأنها صارت وحيدة .. فلن يصعب علي خداعها .. والظفر بمنزلها وبيعه فأسدد بذلك الديون التي برقبتي وأفك رهن بيت أهلي هذا .. وأنقذ نفسي من السجن "
حدجته والذهول يكتم فمي .. في حين أني أخذت نفسا أعمق من العمق نفسه .. خرج من جوفي مرتجف الأوصال ... أعقبته ببصقي على وجه ذلك .. ذلك .. الذي حتى لا أجد وصف يصف قذارته وحقارته .. وكرهي له ..
رميته من يدي كقذارة تلوث جلدي ... وقمت بكل شموخ .. انظر إليه بكل تقزز وازدراء .. وأنا أقول متوعدا .. وكل ذرة بداخلي تستشيط غضبا :
- " إذا رأيت وجهك مرة أخرى بالقرب من نرجس فلن تلوم إلا نفسك .. أقسم لك يا سامر .. أقسم لك "
قلت وعدي هذا وأنا أشهر سبابي عليه كنصل السيف ..

وأوليته ظهري راحلا .. فأنا لم أعد قادراُ على البقاء أكثر في مكب القذارة هذا ..
هذا المكان الذي لم أقوى على مسحه من خريطة ذاكرتي رغم محاولاتي الحثيثة .. فكيف أقدر وفيه يسكن الرجل الذي خانتني معه معذبتي .. آآآآآآآآآآآآه منكِ يا معذبتي ..آآآآآآآآآآآآآآآآه ..

عدت للشوارع أهيم فيها .. أترافق جنبا مع جنب مع ظلمة الليل العابس هذه الليلة .. والذي تلبد وجه سمائه بالغيوم اللاتي تنذر بنزيف السماء الذي تقشعر له الأبدان من هيبته .. وأنينه الذي يخترق شغاف القلوب ..
كنت أصارع تلك الصرخة التي تتجلجل في داخلي .. تطالب بالرحيل للعالم أجمع ..
وكل عرق ينسج تحت جلدي يقرصني .. يريد بأن يفجر الدماء المغلية التي تشويه بحرقتها .. وقلبي الناحب .. يترجاني لكي أسمح له بأن يصرخ بدون قيود الصمت التي تكبله ..
بدأت أنفاسي تتسارع من وراء ضلوعي ..
لأنهار على طرف الرصيف التابع للشارع الذي شحت السيارات فيه .. وخلت أطرافه من المارة .. فأجلس .. وقد تهدم جدار القوة الهش الذي بنيته على عجل خلال الساعات الأخيرة الماضية ..
لأعتصر كفي بقبضتين من صوان ..
وأشتم نشيجي الذي أجاهد لكتمه وطمره في مقبرة الجلد...
فأبتلع أحد قبضتي .. وأنيني ينساب من فاي لا يردعه أحد ... عاصرا جفوني .. اللتين فاض الدمع منهما .. لتشق حمم الوجع طريقها على وجنتيه اللتين تكادان تتفحمان من شدة اللهب المتقد بهما ..
وصورتها التي أفتجعت بها توخز مخيلتي كالموس ..




***



للمرة العشرين ضغطت على زر الإغلاق .. مخرسا صرخات هاتفي الذي لم يفتك عن الصياح خلال الساعات الثلاثة الماضية .. فأنا أريد أن أنسلخ عن العالم الحالي .. وأبقى معها في عالم خاص بنا .. لا يزعجنا أحد فيه .. ولا حتى يجرحنا ..
عدت أسكن رأسي على الجدار .. لا أحيد ببصري الناعس عنها .. هي التي أستسلمت مجبرةً للغة النوم ...
كنت انتظرها لتصحو .. لكي أعتذر لها عن حماقتي .. عن تركي لها وهي في أمس الحاجة لي .. كان اللوم لا يفتءُ يفتح علي جوفه .. ليوبخني بفوج جديد من العتاب ... بأنني السبب في ما آل لها من حال ..
وبالفعل أنا الملام في كل شيء .. كل شيء حل بها .. من حادث قتل مستقبلها .. وجعلها حبيسة لكرسي متحرك .. إلى حياة زوجية ملئها الشقاء .. نهاية .. نهاية بتواجدها على هذا السرير الأبيض الذي يحتضن أوجاعها ...
أحسست بسائل لزج يدفء جفوني ...
لقد كان نزيف قلبي الذي ترجمته عيناي بصورة دمع مالح .. يحاكي المرارة التي أستقيها الآن في جوفي ..

كان وجهها المخملي ساكناً لأول مرة .. لا يشكل ذك الوجه الذي يتقد حقدا وكراهية كلما وقعت عيناي بعينيها ..
لقد تلذذت بمتابعة تلك الملامح السرمدية التي علقتني في سحرها .. سحرها الذي أمتزج بمقادري تتصدرها الرموش اللتي كرموش المها من طولها .. وتلك الشفاه المتفجرة بمعالم الأنوثة الصارخة بحياءها الوردي .. وذلك الأنف الشامخ بكبرياء الأميرات .. أما شعرها الكستنائي ذو التموجات اللولبية فهذا لوحده حكاية .. لا تكفي عقودا لسردها ... والذي حرمت من تكحيل عيني به منذ أن أرتدت حجابها ... فتنقطع عني خمره من حينها مخلفا قفارا من الشوق لمرآه ..
" آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ آآآآآآآآآآآآآآآه "
خرجت من نياط قلبي لتلك الكدمات التي عكرت صفاء تلك الصورة الملائكية .. رفعت يدي أريد بأن أمسح تلك الضربات التي شوهت صفاء بشرتها القطنية .. مررتها برفق على وجهها المستسلم لسبات المهدء خوفا من أن أجرحها بكفي الخشنة ..
لكن تلك الجراح وقفت متحديتا لي .. وأبت الرحيل ..
مما زاد من فوج الدمع المنطلق من بؤبؤتا عيناي ...
وأنا منغمس في ظلمة الملامة الممتزجة مع الوجع الصارخ في أعماقي زحف صوت أنسي:
- " لماذا تعذبها وتعذب نفسك ؟!! "
رفعت رأسي دون تفكير مسبق .. وحبل التعجب يجترني .. لأجد والدي واقفا أمام صفحة الباب .. وكلا عيناه تنطق بالأسى ..
حين هممت على عجل أهرب بدمعي بعيدا عن مجهر عيناي .. أوئدها من عيناي بكفي .. وأمسح طرقاتها التي شقتها من على خدي ..
ليعود صوت والدي يجذبني رغما عني من كينونتي :
- "مجد أجبني على سؤالي .. "
أبتلعت بقاي ريقي الذي حلت به السموم .. وأنا أجذب شيئا من قواي الضامرة صوب حنجرتي .. لأمدها بالقوة التي أفتقدتها أثر عصف الدمع الهائج :
- " أبي ألا يجب بأن تكون مع والدتي ؟! .. فالوقت متأخر .. وهي بحاجتك "
قلت قولي هذا وأنا لا أزال أتهرب من عيناه الواسعتان .. اللتان لا شك بأنهما سوف تصدان ما يخالجني من مشاعر حرصت على طمرها بعد جفائها ..
لامس طبلتي أذني صوت خطواته الدانية مني .. وما إن توقف صوتها .. حتى تسلم زمام الأمور صوته الصارم :
- " خالتك مع أمك .. فلا تقلق عليها .. هيا أجبني ولا تغير الموضوع "
عدت أبل ريقي بأشباه لعاب .. وأنا أجاهد من أجل أن أضبط وتر صوتي المهتز .. وأشحذ قوتي اللتي توشك على الأنهيار ..
لأقول بعد مضي دقيقة يتيمة هزمت فيها شر هزيمة أمام جيوش مشاعري المنقلبة على صوت عقلي المتجبر المانع لها من الأنفجار لغمر كل أرجاء جسدي الذي وهن .. فما كان مني إلا الرضوخ لمطالبها .. والأنصياع للغة الأعتراف ..فصوبت عيناي صوب والدي الذي فوجئت بأنه لا يفصلنا سوى السرير الذي يحتوي نرجس في حضنه.. وقلت ومع كل كلمه أنبس بها ينغرس رمح في قلبي:
- " أنا لست المعذب يا أبي هي تكرهني .. ولا ألومها .. لقد قتلتها منذ زمن حين أفقدتها القدرة على المشي .. وأنهيت مستقبلها الواعد .. وحبستها في زواج فاشل ...لم أذقها يوما طعم السعادة معي .. لأنني كنت تائه .. لكن .. لكن هي وجدتني .. بطريقتها الخاصة وجددتني .. أنا نفسي لا أصدق كيف حصل هذا الشيء .. طوال حياتنا كنا نرى بعضا .. لم ألحظها .. لكن هذه السنتان .. آآآآآآآآآآآآه من هذه السنتان .. لا أعلم ما الذي فعلته في حينها.. رغم كرها .. زحف شيء في قلبي .. رغم جفاءها .. تمسك ذلك الشيء الغريب كالوباء في قلبي .. وكأنه يعاندني ويعاندها .. أمر غريب لا أجد له تفسيرا صدقا .. لم يظهر بالعلن إلا حين رأيتها ذلك اليوم حين كنت قد نسيت فيه هاتفي في الشقة وعدت لك أحضره .. فصدمتُ بسامر وهو يكلمها أمام عتبت الشقة وهي .. وهي .. وهي تضحك .. تضحك كمن لم تضحك قبلا .. لم أرها بهذه السعادة طوال الأيام التي قضيتها معها كزوج وزوجة .. أحسست حينها بأن .. بأن مدية أنغرسة في قلبي ... ومن حينها وأنا .. وأنا أتعذب .. أتعذب ولا أعلم ما الذي يجدر بي ان أفعله .. فهذا الشعور أكبر من أحتمالي .. أكبر بكثير يا والدي ..بكثير "
شعرت برعشة تجتاح شفتي .. فأعتكفت ألي الصمت رغما عني .. فالحرقة تحتل كياني ...ولا تدع لي مجالا للراحة .. التي لا أظنني سوف ألقاها قريبا ..
تأوه أبي وهو يهز رأسه بأسى مغمض العينان .. وقال:
- " لا حول ولا قوة إلا بالله .. لا أعلم ما الذي يجب بأن أقوله .. "
جدت على رئتي بأكسير الحياة الذي هجرها .. متسلحا بفتات جلد .. وقلت مدعم كلمات بالثبات:
- " لا تقل شيئا .. ربما من الأفضل بأن أرحل .. لكي أسهل علي مهمة نسيانها .. وأيضا أريحها من وجهي الذي تكرهه بكل جوارحها .. "
وبالفعل نفذت ما نطق به لساني .. فهممت بالوقف .. ليجيئني صوت والدي الفائض بالدهشة:
- " أجننت .. أسوف تجعلها لقمة سائغه لسامر وأشكاله "
كورت يدي أمتص بهما براكين الغضب المتدافعة في صدري على ذكر ذلك المجرم .. وقلت وشرر يتطاير من عيني:
- " ذلك الحقير أدبته .. ولن يجرأ مرة أخرى بأن يلمسها .. وإذا فعل .. أقسم برب الكعبة سوف أقتله .. أستغلاليٌ خسيس أستغل ضعفها لكي يحصل منها على المنزل ويبيعه فيسدد ديونه .. لم أرى أحقر منه قد "
ألتف والدي من حول السرير الذي لم تتحرك زائرته من على سطحه .. وما إن صار بالقرب مني .. وضع كفه على كتفي وقال والأمل يضيء وجهه الذي نحته الزمن:
- " لهذا يا بني يجب أن تبقى فهي بحاجة لك "
عادت تلك الغصة المرة تغلف حنجرتي وأنا انظر إلى أبي بعينان شبه مفتوحتان .. وقلت بصوت تدنت نبرته لرضوخها لصفعات الوجع المتفشي كالوباء في بدني:
- " قربها أصعب بكثير من بعدها .. أنا بحاجة لكي أبتعد عنها ولو لفترة وجيزة .. لعلي أقدر بأن أكتم هذا الشعور "
لأحلق بيدي اليسرى .. فأحطها على منبع حياتي الذي تمرد من وراء سجنه .. وأكمل قائلا.. وقد ذبلت مقلتي:
" الذي يوجعني .. يوجعني "
أحسست بقبضة والدي تشتد على كتفي وكأنه يشد من أزري لكن بلغة أخرى غير الكلمات ..
وضعت يدي الأخرى على يده المشجعة لي .. وقلت وطيف ابتسامة تهتز على شفاهي مهددتا بنهيارها :
- " البركة فيك يا والدي .. أمانة أعتني بها .. أرجوك "
وضغط على يده .. أستجديه الموافقة .. ليرد علي بعد أن تعمق في النظر في عيناي بهزه لرأسه بمعنى نعم ..
ثم أطلقت سراح قدماي من أكبال قلبي الذي يأبى الرحيل .. وشرعت بالمشي الذي أثقل خطواته أرطال الحزن ..وما إن وصلت خط الوداع .. بترت حركت قدمي .. فهناك مغناطيس قوي يجتذبني صوبها .. لا يمكني مقاومته أكثر من ذلك .. فألتفت ببطء إلى ورائي حيث ترقد زهرتي النرجسية .. وودعتها برمشي الذي قفزت دمعة يتيمة متشبثة بطرفه ..
لأنهي مشهد الوداع بسرعة البرق.. ذلك المشهد الذي حبس أنفاسي .. وفجر قنابل أحزاني ..
وبخطى واسعة أبتعدت عن نبع حبي وعذابي في نفس الوقت .. بلا رجعه ..




***



من أنا ؟!!
شخص أقتلعت روحه منه وهو على قيد الحياة دون أن يتحرك ساكناُ ...
هذا بأختصار تلخيص حالي حين وصلت إلى ملاذي .. وقد تسلقت الشمس لترتقي إلى أعالي السماء ..
مددت يدي لأضع المفتاح في جوف القفل .. لأفتح الباب .. ومن ثم أتهالك في أول كرسي أراه .. فقد تعبت .. تعبت تماما ..

لكن الباب باغتني بانفتاحه دون سابق إنذار ... كاشفا من وراءه عن فاطمة وفي يدها حقيبة سفر ..
حدجت بها و الاستغراب يتآكل محياي .. والسؤال يتقافز من جوفي:
- " ما هذا يا فاطمة ؟! "
وأشرت بسبابتي إلى تلك الحقيبة الممتلئة حتى بكرة أبيها ..
لأجد وجهها قد تغير لونه .. وقد تراجعت شفاهها لتختفي في فمها ..وهي تفر ببصرها بعيدا عني ..
حين انفجرت صارخا .. فما كان في من حمل ثقيل يكفيني وزيادة .. وليس هناك وسع لأي ثقل آخر :
- " سألتك فأجيبيني "
لمحت نفضتها التي طالت بدنها ..
لكنها لم تدم .. حيث أنقلب شكلها للنقيض .. حين .. هاجمت علي بعينان ترسل شررا .. ووجه يعتصره الغضب .. لم يسلم منه صوتها الذي يصل إلى قمم الجبال:
- " راحلة .. لقد أضعت الفرصة أضعتها البارحة .. كم مرة اتصلت بك .. وكنت كل مرة تغلق الخط .. لقد جن جنوني .. خرجت كالمجنون من الشقة متجاهلا ندائي .. تاركا إياي أتقلب على جمر الخوف والقلق طوال الليل دون أن ترد علي .. إلى هنا يا مجد ويكفي .. لم أعد أحتمل "
ذابت معالم الغضب من على وجهي .. ليتجلى الانكسار بضعفه .. تبعته كلماتي المنهكة كصاحبها:
- " فاطمة أصغي إلي أنا عندي مبرر منطقي .. أنا .."
قطعت جملتي بصوتها الراجف:
- " أنت تحبها .. تحبها "
قالتها وعيناها تصرخان بالأسى .. غير الدمع الذي عكر صفاء وجهها الطفولي ..
وبدأت بهز رأسها وكأنها تنفض شيئا ما لم أتعين هويته .. وهي تقول بصوت تعثرت نبرته بعبراتها:
- " لا تكابر أكثر من ذلك .. ولا تخدعني بقولك أنك لا تحبها فلن أصدقك .. والدليل هروعك كالمجنون بعد أن كلمت والدك .. بالتأكيد الموضوع متعلق بها .. "
أردت بأن أنطق .. بأن بأن .. لا أعلم صدقا ما الذي أردت أن أقوله .. فأنا كنت في معمعة من المشاعر .. غير الضياع الذي يحاصرني من كل صوب ..
لهذا لم يخرج من جوفي إلا كلمة مبتورة .. لا هوية لها :
- " أنا...أنا .."




***