آخر 10 مشاركات
6 - كذبة واحدة تكفي - كارول مورتيمر (الكاتـب : فرح - )           »          13- نجمة الجراح - كارول مورتيمر (الكاتـب : فرح - )           »          354 - الحلم و الحقيقة - هيلين ستراسر - المركز الدولي** (الكاتـب : angel08 - )           »          وقيدي إذا اكتوى (2) سلسلة في الغرام قصاصا * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : blue me - )           »          355 - ليلة الليالي - ايما دارسي - م.د*كاملة* (الكاتـب : سنو وايت - )           »          337 - خذ بيدي وحدي - فران هوج - م . د** (الكاتـب : سنو وايت - )           »          356 - الحب في فصل الخريف - فايرين مك أنيني - م.د** (الكاتـب : سنو وايت - )           »          عاطفة من ذهب (123) للكاتبة: Helen Bianchin (الجزء الأول من سلسلة عواطف متقلبة) كاملة (الكاتـب : salmanlina - )           »          البجعة الورقية (129) للكاتبة: Leylah Attar *كاملة & تم إضافة الرابط* (الكاتـب : Andalus - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
[/TABLE1]


التعديل الأخير تم بواسطة اسطورة ! ; 24-02-14 الساعة 11:10 PM
قديم 24-02-14, 04:40 AM   #1

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي سنلتقي بعد دهر الكاتبة / فضاء , فصحى , مكتمله


[TABLE1="width:100%;background-color:silver;border:6px double deeppink;"]





الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف حالك إن شاء الله دائما بخير ؟

نقدم لكم رواية سلنتقي بعد دهر بقلم فضاء
للعلم الكاتبة مو نفسها فضاء كاتبة اجمل غرور ورومانسيات قلوب متوحشه
الكاتبتين مختلفات

نتمنى تحوز على رضاكم



قراءة ممتعة
اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-14, 04:44 AM   #2

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

سنلتقي بعد دهر
_ 1 _

( و افترقنا )
صرير الحقائب المجرورة على أرضية الغرفة يضج بالمكان . . و قضى صراخ الأطفال
على ما تبقى من طبلتيها !
رمت إليها بسؤال بصوتها حاد : . .
- ماذا تفعلين ؟ !
لم تجب عليها بل اكتفت بحمل طفلها الصغير معها بينما هي تجر حقائبها جراً إلى
حجرة
هديل و صياح الأطفال الصغار حولها يمنعها من سمع همستها الوحيدة . .
أكملت هديل صراخها على خالتها . .
- ما الذي جلبك إلى هنا ؟ ..ماذا تريدين ؟ . .أرجو أن تحلي مشاكلك بنفسك
بعيداً عنا . .
أمسكت الهاتف وضغطت على عدة أرقام ثم أردفت . .
- سأتصل عليه و سيأتي ليأخذك و تذهبين معه . . أنتِ و أطفالك . .
أتاها صوت من خلفها :
- لن يرد عليكِ . .
استدارت لترى ذات القوام الممشوق تبتسم ببرود . .
ردت عليها بصوت بارد و ابتسامة مقهورة . .
- و لِمْ ؟ . . أتريدون أن يتطلقا والدي ؟
- ليست بالفكرة السيئة ، لكن ليس هذا سبب قدوم أمي بجيشها الصغير . .
استشاطت هديل غضباً من ردها المثلج . . حاولت أن تحافظ على بقايا هدوءها . .
بينما أكملت هناء حديثها . .
- انتهى كل ما حصل بنهاية غير متوقعة ..
ضحكت ضحكة جافة . . فسألتها هديل بنبرة مفجعه متخوفة :
- أتطلقا ؟ !
- يا ليت . .
- إذن . . ماذا !
- امم . .
جلست هناء على الأريكة و وضعت ساقاً فوق ساق . . أخرجت سيجارة من حقيبتها و
همت بإشعالها . .
جحظت عينا هديل و هي تنزع السيجارة من بين أصابعها ، و زعقت بها . .
- ماذا تفعلين . .! ؟
سحبت هناء السيجارة من بين يدي هديل المذهولة بخفة . . وقالت وهي تشعل
السيجارة :
- أدخن . .
نفثت سموم تلك السيجارة في الهواء ثم أردفت بابتسامة صفراء . .
- لم أخبرك القصة بعد . . أخي جابر تم تجنيده في الجيش إلزامياً كما حصل
لجميع شباب البلاد ،. .
أردفت وهي ترسم دوامات دخانية بتلك السيجارة ببرود . .:
- حسنا , هذه ليست قصتنا . . قبل شهر خرج علينا والدي منهاراً من عمله و
خائفاً من كل شيء من همومه و الأزمة . . إلخ ، أخذت أمي تخفف عنه و تشد من
أزره بكلماتها المعهودة ، بأنه سيسدد الديون في يوما ما و أنه قريب و و و و
إلخ . . لكن المفاجأة الحقيقة هي أن والدي . . قد طرد من عمله . .
استنشقت من السيجارة ما استطاعت ثم بثت غبار السموم حولها . .
وقالت مكملةً حديثها وهي تخرج كرة هوائية صغيرة و تلوح بسيجارتها يميناً و
شمالا :
- هذا سيكون شيئاً عادياً في ظِل الأزمة السياسية و الاقتصادية في البلاد . .
لكن ما هو غير متوقع . .
أن يمسك أبي بالزناد و يطلق طلقات عشوائية حوله . . و أن تخترق إحدى الطلقات
دماغه الغبي هكذا . .
ضحكت ضحكة مجلجلة وهي تشير بأصبعها على رأسها . . و تقول . .:
- أتصدقين هكذا . . بكل بساطة انتحر . . و . . أمامنا . .
ذهلتْ هديل مما سمعت و اغتنت عينيها بالدموع بينما تابعت هناء قص قصتها ،
محدقةً في الفراغ مبتسمةً ببلاهة . .
- هذا ليس كل ما حدث ، مرت أحدى الرصاصات بجانب أخي محمد الذي يرقد في
المستشفى حالياً . . بالطبع . .
اممم . . و ماذا أيضاً . .؟

طفرت الدموع من عينيهما وضحك هناء الهستيري مازال مستمراً . .
- د تذكرت أخيراً . . تم طردنا من منزلنا . . طردنا المالك بعدما تركنا
أسبوعاً لندبر مالاً للانتقال إلى منزل آخر ،
و بعد كل ذلك هو من دفع أجرة السائق . . أليس هذا مضحكاً . .؟
و انخرطت في بكاء مرير تارة و تارة أخرى في ضحكات هستيرية مبعثرة ، ثم رمت
بسيجارتها على سطح الأرضية ، لتنطفئ . .


|||
شيعتهم بتحياتي على أمل أن لا ألتقيهم مرةً أخرى . . و ابتسامة بلهاء منطبعة
على وجهي .:
- إلى اللقاء ..
أوصتني أم تركي وهي ترتب مظهرها و تتأكد من زينتها . . بقولها . . :
- اعتني بـ تركي . . و إذا احتجتما للأسلحة ستجدونها في مكانها . .
أوه ، متى ستزول هذه الأزمة . .
رددت و أنا أحاول المحافظة على ابتسامتي . .
- حسناً يا خالتي . . أتمنى أن لا نضطر لذلك . .
لوحت بيدي لهم لأعلن انتهاء هذا التوديع الذي لم ينتهي بعد . .
ردت هيفاء بنعومة و غنج زائدين . . :
- إلى اللقاء
- إلى اللقاء
و اخيرا تخلصت من عائلة تركي المستفزة ، أم مُتصابِية و فتاة كـ الدمية ، و
أب صامت لا محل له من الإعراب لا ينصب و لا يرفع فقط مبني على الكسر . و ما
أن خرجوا حتى انطلقت إلى حجرته . .
دخلت إلى غرفته . . ووجدته كعادته ، الأوراق ممدة على المكتب و كأنها مريض
بينما يرسم هو فوقها الخطوط و التعاريج كـ طبيب يفحص مريضة و بذات الحرص و
الدقة . .
- السلام عليكم . .
لا رد !
أعدت حديثي بصوت أعلى عله يسمعني :
- السلاام عليكم !
أشار لي بيده الممسكة بالقلم .
- انتظر لحظة واحدة فقط . .
رددت منزعجاً من تلك الإيماءة القلمية :
- هاي أنت .. أن ألقي السلام فيجب أن تـ . .
رد منزعجاً هو الآخر :
- و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته . . تفضل لست محتاج لمحاضراتك الآن !
و انكب في عمله مرة أخرى ، جلست على سريره استكشف آخر خرائطه التي رسمها . .
- ما هذا يا فتى الخرائط . .! لقد غطيت جوانب المدينة كلها !!
أجابني من بين خطوطه و مساطره و أدواته الغريبة بابتسامة سعيدة تعلو محياه .
.
- أتحسبني فلتُ من التجنيد لعباً ؟ !
- أأنت أيضاً فلت منه ؟
ترك ما بيديه بغتة . . و قال بفرحة . . :
- إذن ستذهب معي للغابة . .
انعقد حاجبيّ مع بعضهما عجباً . .:
- ولم ؟ ماذا ستفعل ؟
أجابني متحمساً . .
- سأستكشف المكان هناك و ارسمه على خارطة تحتوي على كل تفاصيل الغابة و كل ما
تحويه من نباتات و حشرات و حشائش . .
- و من سيساعدك في هذا ؟
هب من مقعده و احتضنني بقوة . .
- أنت يا فتى الحشائش . .
- هدئ من روعك يا فتى ، لم سنذهب إلى هناك ؟
قفز إلى أريكته الطويلة و تربع عليها بحماس . . :
- قلت لك مسبقاً أطمح إلى استكشافها . .
وقف و أشار إلى الغابة على الخريطة بحماس . .:
- لم يقم أحد ما مسبقاً بتغطية هذه المنطقة و وصف ما فيها أشجار و نباتات و
حيوانات . .
- بصراحة هناك من قام بتغطيتها . .
ابتسمت وأنا أتمم . .:
- لكن لا بأس فليس لدي ما أفعله و خاصة أني اشتقت لتلك الحشرات الصغيرة . .
انطلقت من بعدها أجهز حقيبتنا بينما تابع تركي فحص خرائطه و الانتقال من
تفصيل إلى آخر . .

|||
علقت ذرات الهواء في حنجرتها و أطبق الصمت على شفتيها . . نهضت و الذنب
يخرسها . . لا تعرف ماذا يجب أن تقول عن تصرفاتها الخرقاء . . اكتفت في ذلك
الوقت بمساعدة خالتها في ترتيب الحقائب و إعداد الطعام وهي لا ترى شيئا
فالضباب غطى كل شيء . . قهقهة هناء و حتى رائحة سيجارتها و صياح الأطفال لا
تشعر به مطلقاً . .
وضعت الطعام أمام تلك الأجساد الصغيرة المنهكة . . وهمست مذكرة . . :
- لا تنسوا بسم الله . .
لم يسمعها أحد منهم أو هكذا خيل لها فقد انقضوا على الطعام كمن لم يأكل أبداً
. .
ذهبت إلى خالتها تساعدها على إفراغ الحقائب على أرضية غرفتها . . حاولت بث
القليل من الشجاعة لحل شفتيها فتحت فاها للحظة ثم عاود الأطباق بـ جبن . .
- لا داعي للاعتذار . . أقدر موقفك . .
نطقت خالتها بذلك بينما ألقت هديل بنفسها في حضن خالتها . . و دمعاتها تنسكب
لتبلل شفتيها . . وقالت بكلمات متحشرجة نادمة . .:
- لم . . لم . . أكن . . أعلم . .


|||
طلع الصبح . . أغلقت عيني محاولة كف هذا الضوء المزعج عن التسلل إلى عيني . .
و لم ينجح ذلك ! . . نهضتُ و أنا ألمم فراشي و أبعده عني . . ما أن استويتُ
عليه جالسة حتى تفاجأتُ بأطفال خالتي نائمين بجانب بعضهم البعض بينما كانت
خالتي بوجهها الكسير ترتب ملابسها في خزانتها . .
آه . . تذكرت ما حدث بالأمس !
تذكرت اندفاعي و كأنني مراهقة . . بلا تفكير . . و لا وزن !
ألتفتت إلي خالتي و هي تبتسم ببؤس . .:
- صباح الخير . . أسرعي قبل أن تتأخري على الجامعة . .
ابتسمت بينما كنت أحاول جمع بأسي . . :
- صباح النور . .
سرت إلى خزانة ملابسي و أنا أحوال تفادي دهس أحد هؤلاء الأطفال الصغار . .
سحبت ما وصلت إليه يداي . . ذهبت لتبديل ملابسي و الخروج من الغرفة بذات
الحذر . .
ما أن بدلت ملابسي حتى ذهبت لمساعدة خالتي في تحضير الفطور . . و كالعادة ها
أنا أراقبها و أخفق البيض بتعاسة بينما هي تقطع الطماطم و البصل و كأن شيئاً
لم يكن ، تجمع شتات ابتسامة مكسورة لتعيش يومها فكل يوم جديد يستحق أن
نستقبله بابتسامه كمن سبقه و من سيتليه ، لا أعرف أن كانت تمتلك ذلك التفاؤل
أو ذلك بؤس الذي يمكنها من الابتسام كل يوم و بابتسامة متكسرة متناثرة بين
ليل و فجر كل يوم . . لا استطيع التحدث معها عما حدث بالأمس فهي ستتظاهر و
كأن شيء لم يكن و كأن ذلك قد حدث قبل ميلادي بعشرين سنه و لم يحدث بالأمس . .
- أأنت معجبة بي لتنظري إلي هكذا ؟
سألتني و ابتسامتها تحاول ضم حطامها . .
- هاه
- صباح الخير . . سيفسد البيض ما لم توقفي الخفق . .
بقيت أحدق بها بلا وعي . .
- ما بالكِ . . هل فقدتي عقلكِ . . ؟
انتزعت وعاء البيض من بين يدي . .
- اذهبي لتجهيز حقيبتك . . سأتكفل بالفطور . .
- حسنا . .
ذهبتُ و صوتها يتبعني . .
- لا تنسي أن توقظي أخوتك . .
كان ردي كالهمس . .
- حسنا . .

جمعتُ كتبي ثم وضعتها في الحقيبة ذهبت بعد ذلك لأحمد لإيقاظه ليذهب إلى
مدرسته . .
ما أن استيقظ حتى ذهبت لأجد الإفطار قد أعد و خالتي تضع الأطباق على الطاولة
. .
ابتسمت لخالتي بينما كنت أضع حقيبتي على الكرسي . .
أخرجت ما بصدري من هواء . . و طفقت أساعدها في وضع الأطباق
- أين جابر ؟
توقفت عن صف الأطباق فجأة . . أردفتُ :
- أعني لِم لم يـ . .؟
- تم تجنيده . .
وطغى الصمت على لمكان . .


|||
أوقف السيارة بجانب الطريق فتح الباب ثم ترجل من السيارة . . فتح الباب
الخلفي للسيارة و أنزل الحقائب . . نظر إليه عبدالله وسط تلك التصرفات
الغريبة متعجباً !
قال له تركي وهو يهم بإغلاق باب السيارة الخلفي . .
- ماذا تفعل عندك . . تعال أحمل معي الحقائب !
- أنت ما الذي تفعله !
ألتفت إلى أرض الخالية بجانب الطريق . .
- أود استكشاف الغابة من هذه الجهة . .
أخذ يشير إليها بينما عبدالله مأسور في حالة ذهول . . أكمل تركي . :
- أعني تغطية الغابة من هذه الجهة أولا . .
- من هذه الجهة !
ابتسم باضطراب مترقب و قال تركي :
- ماذا تنتظر ؟
- اذهب لوحدك يا ابن بطوطة . . لستُ ذاهب إلى أي مكان . .
رد تركي بنبرة طفولية :
- لكن منظر الغابة سيكون من هناك أجمل . .
- سيكون ؟! . . ثم كم تبعد المسافة من هنا إلى الغابة ؟
ألقى تركي نظره إلى جهازه الصغير . .
- تقول الخريطة الإلكترونية . . 3 كلم فقط . .
ابتسم بابتسامة أوسع . . ينتظر استجابة عبدالله . . و لما طال الانتظار سأله
. .:
- ألن تأتي معي ؟
لم يرد عبدالله بل اكتفى بإدارة محرك السيارة . .
- أن كنت ستذهب معي اركب حالاً . .
رد تركي بإحباط :
- انتظر . . انتظر . . سأعيد الحقائب إلى السيارة . .
وضعها تركي بسرعة و ركب بجانب كرسي السائق عبدالله . .
- فيما كنت تفكر بترك السيارة هنا ! . . تفقد صوبك و تصبح كالطفل إذا فكرت
فقط في التخييم . .

وصلت السيارة إلى بيت الشاطئ الكبير . .
قال تركي وهو يشير . . :
-ها هو بيت الشاطئ الجديد الذي اشتراه أبي قبل فترة قصيرة . .
علق عبدالله مبتسماً . .:
- يبدو جميلاً من الخارج . . دعنا نراه من الداخل . .
فتح الباب وهم بالنزول . . أوقفه تركي بقوله الجاد . .:
- لا تنسى أننا لم نأتي هنا لتسكع بل أتينا لاستكشاف الغابة . .
نظر إليه بابتسامة لعوب . .:
- أود لو تنسى ذلك . .
- في أحلامك . .

وضعا حقائبهما عند المدخل . . سأله عبدالله متعجباً . . :
- أليس هنالك أي خدم ؟
- كلا ، في الظروف الراهنة لم نستطيع تدبير خدم دائمين للمنزل . .
همهم عبد الله وهو يستكشف المكان . .
- تفضل من هنا . .
أشار تركي إلى أحد الأبواب البعيدة . .
- هناك حجرتي . .
- و لم هي بالطابق السفلي ! ؟
ابتسم تركي ابتسامة واسعة . .:
- لكي أستطيع الخروج و الدخول بسهولة . .
- ماذا تعني ؟
سأله عبد الله بعينين واثقتين و ابتسامة ماكرة . .
- لستُ كما تظن . .!
و تابع الاثنان جدالهما أو كما يسمونه نقاش الذي ليس له نهاية . .
|||


ودعته و دمعاتها تعبر عن خوفها الساكن فيها و الذي يبدو أنه سيظل يعمر معها .
.
شهقت وهي تترجاه أن لا يذهب و تمسك ببذلة العسكرية . .:
- أرجوك لا تذهب . . أتود أن يرى أبننا النور دون أن يرى والده ؟ . .
- لا استطيع الوطن يناديني . .
مسح على رأسها برقة . .
- لكي أحميك
مسح على بطنها و أكمل . . :
- و أحميه . . و أحمي أهلك و أهلي و وطنك و وطني . .
- لكن هذه الأزمة لم و لن تنتهي أبداً منذ ولدت و أنا أتذوق مرارتها . .
طمأنها بصوته العذب . . :
- ثقي بالله . . ثقي بي . . سنضع لها نهاية بإذن الله . .
خرج و لم يعد . . انخرطت آمال في بكاء صامت و عينيها تراقب آخر
خطواته ,
تتمنى له العودة سالماً و لم تطمع أن يكون غانماً . . فقط . .
تريده سالماً . .

أحكمت إغلاق حقيبتها . . و شرعت في صف ملابس صغيرة جداً لطفلها المترقب . .
سيخرج بعد شهر و نصف ليرى الدنيا دمار . .
و سينشأ كأمه جائعاً , هارباً من المجهول . . من لا شيء . . سيصعد الجبال و
ينزل الوديان . .
سيتوسد الأرض . . و يلتحف السماء . . و ينام في بـ. . .

نهرت نفسها عن التفكير بهذا اليأس . . يجب أن تتمنى له مستقبلاً أفضل
مستقبلها
و تتطلع إليه . . ماذا سيجابه عبد السلام ؟ تتمنى أن لا يواجه ما واجهها . .
أكملت تطبيق ملابسه و ترتيبها في حقيبته الصغيرة بجانب مفرشه الناعم و رضاعته
الصغيرة . .

سحبت حقائبها الثقيلة لوحدها و هي تحمل معها بطنها الكبير . .
كان ذلك شاقاً عليها جداً . .
أوقفت سيارة أجرة حينما كانت تحاول ضبط زمام حقائبها من الانزلاق بعيداً عنها
. .
فتحت الباب و ركبت . .
سألها السائق . . :
- إلى أين نذهب . .؟


|||

بدلا ملابسهما ولبسا ملابس مريحة تناسب الرحلة التي سيخوضانها . .
مشا إلى الغابة سيراً على أقدامهما . .
استقبلتهما أشجار الصنوبر
بدا تركي ساكناً ليس كما يكون في رحلاتهما السابقة . !
سأله عبد الله . . :
- ماذا بك ؟ . .
رد تركي و هو يقطع ورقة إحدى الأشجار إلى قطع صغيرة . . :
- لا أدري . .
سكتا بعد ذلك برهة حتى . . :
- أتعرف . . لا أظن أن انفلاتنا من التجنيد فكرة جيدة . .!
تطلع عبد الله إلى تركي متعجباً من حديثه . ! رد تركي على تلك النظرة بقولة .
.:
- أعني أن هذا ليس جيداً . . الكل يذهب ليحمي هذا الوطن و يحمي عائلته بينما
نحن هنا نخطط لمشاريعنا و . .
قاطعه عبدالله . .:
- أنظروا إلى من يتحدث و كأنك لم تكن أول من نادى بإفلات من التجنيد . .
ثم عائلتك ليست هنا هربت هي الأخرى من هذه المعمعة . . و هذه الأزمة ليست
بجديدة علينا لقد ولدنا في سابقتها . .
- لكننا لم نكن هنا . . لم نرى كيف تكون الحرب مخيفة . .
- و ها نحن سنراها كأي شخص بقي في البلاد . . ثم نحن هنا ليس للهو بل توثيق
كل ما نراه عل خريطة ستكون مفيدة على جميع الأصعدة . .
صمت تركي يفكر . . شد انتباهه حديث عبد الله وهو يراقب إحدى الحشرات من بعد
ليس بقريب . .
- هذه إحدى الحشرات التي تسمى بالنتنة و تتغذى على أوراق الخضروات . .
أشار إلى أحد الأشجار . . و قال . .:
- مثل دوار الشمس . . أعني أنك تجدها بين نباتات الخضروات غالباً . .
انشغل تركي بتوثيق هذه المعلومات و اخذ صورة لتلك الحشرة الصغيرة و غذائها .
. ثم سأل . . :
- ماذا عن فوائدها و أضرارها . .؟
- لديها مادة على ظهرها تساعد في التئام الجروح بشكل أسرع و تعمل كمطهر . .
لكن يجب أن تكون المعالجة بها و هي ميتة حديثاً . .
-
حتى لا يغطي النتن ظهرها . . فهذه إحدى وسائل دفاعها ضد الحشرات و الحيوانات
التي تلتهمها . .
- لكن كيف سنقتلها قبل أن تخرج نتنها ؟
- هذا عملي . . فلا بد و أن هنالك طريقة ما . . سأبحث عن ذلك في مكتبة
الجامعة . .


|||

يقلب صفحات الجريدة بهدوء و روية و رشفة رشفات متباينة من الشاي الأخضر . .
مازال يقرأ الجريدة بتركيز و كأنني لا أحادثه مطلقاً . .
- أبي ، أبي ، أبي . . أبي أبي . .!
طوى الجريدة ببطء و حتى بدت لي لا مبالاته السابقة لحديثي . . :
- نعم . . ماذا هناك . .؟
- كيف لا يمكن لنا العودة إلى هناك ؟
- ماذا تقصدين بـ هناك ؟
رددت بغيظ . .:
- أبي أنت تعرف !
رشفة رشفة من الشاي الذي أخاله قد تجمد من برودته و قال . .:
- لا ، لا أعرف . .
حاولت مسك السيطرة على نفسي فهو مازال أبي . .:
- بلى تعرف أن أخي عبد الله هناك و أن صديقتي هناك و أن عائلتنا كلها هناك .
. !
قال و كأنه لا يدري في أي وادي أهيم . . :
- أين ؟
قلت و أنا أكاد أبكي مما أحس به . .:
- في الوطن . . يا أبي . .
- و ماذا تريدينني أن أفعل ؟ !
- أريد أن نعود إلى هناك . .
- أترك عملي و تتركين دراستك ! . . ثم هذا هو اختيارهما و هذا ما أراداه !
- أبي بسمة ضعيفة لا تحتمل شيئا , و أخي عبد الله متهور . . و الأدهى أنك
تركته يفلت من التجنيد و لم تجلبه إلى هنا . .
- هو من رفض أن يأتي . .
- و ماذا عن بسمة ؟
- ستعتني بنفسها . .!
- و ماذا لو . .
أغلق الموضوع برفعه للجريدة و قوله . .:
- سيعتني بها عبد الله . .
رشفة آخر قطرة من الشاي الأخضر . . :
- لقد انتهينا . .


قمت عن كرسيي و دفعته بقوة عله يحس بغيظي ! . . و قلت . .:
- لن أذهب إلى المدرسة . . !
تركت حقيبتي على المنضدة بعنف . .
و ذهبت إلى غرفتي بينما صرخة الباب هي ما سمعتها بعد دفعي لها . .
بدلت ملابس المدرسة بملابس البيت . . و الغضب مازال يحتويني . .
أود لو أضرب أحداً . . يجب أن أهدئ . .
ألقيت نظرة من خلف زجاج النافذة لأرى زحام المدينة من عشرين طابقاً . .
كم هذا مزعج . . ضوضاء تملئ الهواء . .
انفتح الباب من خلفي ثم انغلق بهدوء . . ابتسمت في سري سيأتي ليراضيني . !
- آنستي يخبرك سيدي بأنه سيذهب إلى عمله . . و يود لو تعودي إلى رشدك . .
- حسناء !
- نعم !
- لا تجعليني أغضب أكثر من ذلك . . أرجوك . .
- حسناً . .
- أتعلمين أن العصبية تؤدي إلى التهابات في المسالك البولية . !
ألتفت إليها بابتسامة بلهاء . . و شاهدت آثار معلومتي عليها . . كانت
كالمصعوقة كهربائياً . !
- لا ترتعبي لستُ مصابة بإحدى هذه التهابات . . لكن . .
جلست على الأريكة المتمددة على الأرضية . . بينما كان نظري محلقاً إلى السماء
التي تمنعني عن رؤيتها الكثير من المباني . . و أكملت . .:
- أتعلمين أن أحد الأشياء التي تجعلني غاضبة من أبي أنه لا يلقي بالاً بأخوتي
. . فهو يأخذ أي موضوع يمسهم ببرود و كأنهم ليسوا أخوتي . . أولاً أبعدني
عنهم و هاجرنا إلى بلاد أخرى . . و لم أعد أراهم إلا في العطل . . و في حالة
السلم أو الحرب لامناص من الخروج من هذه البلاد إلا في العطل . . و هذا ما
يقلقني . . ألأنهم أخوتي من أمي فهم ليسوا من عائلتنا ! هذا ليس بعـ ..
ألتفتُ لأرى الفراغ يهزئ بي ! كم هذا محرج . ! ليس هنالك أحد يسمعك هنا
مطلقاً و كأنهم صم بكم لا يفقهون !


|||

قطعت شوطاً كبيراً لأصل إلى الجامعة و سيراً على الأقدام !
وكنت طوال طريقي من المنزل إلى الجامعة أحاول منع ضميري في التفكير في
تصرفاتي الخرقاء و ما قلته في الليلة الماضية . . يالسخرية . . في يوم ولادتي
تم الاصطلاح بين الأخوين و في يوم ميلادي العشرين يتخاصمان و سيؤدي خصامهما
إلى نشوب الحرب مرة أخرى . !
بعد أن كانت بلادنا تعيش في أمان في ظل الحاكم . . أنجب توأمين و الذين انقضا
على الحكم بعد وفاة والدهما و أنشأت الأحزاب معنا أم معهم . . عمت الفوضى
البلاد بعد ذلك أدى الوزراء السابقين في تهدئة الفتنة بصلح نقض عدة مرات
بمناوشات بسيطة لم تكن تأثر على الشعب و لم تكن هناك قوى عسكرية تستعد للحرب
. . حينما يتم تجنيدك لتقاتل أخوتك المسلمين قد يكون احد أصدقائك أقربائك
مهما كان و ما يكون مادام ليس يعيش على أرضنا فهو ليس منا . . يستحق القتل و
يستحق الموت . . مادام بقي هناك في الجانب الآخر للجزيرة . . تم قطع الجسد
الواحد إلى قطعتين سرعان ما تشعبت لتتقطع إلى قطع أصغر و أصغر . . أصحت
البلاد و شاهدت يدها تمزق يدها الأخرى و جسدها يمزق بعضه لمن المؤلم أن تكون
أحد مشاهدي هذا الجسد وهو يمزق نفسه . . فيكف أن كنت بداخله كنت أحد الأطراف
الممزقة ترى دماء مهدرة . . و رقاب تتطاير . .
لأجل قطعة أرض . !
لأجل الطمع . !
لأجل السيطرة . !
لأجل الحكم . !
قطعت طريقي في التفكير في مستقبلنا البائس بيأس . .
- صباح الخير . .
حيتني بسمة بابتسامة مشرقة متفائلة لم استطع مقاومة مبادلتها تلك الابتسامة
بابتسامة بائسة . .
- صباح النور . .
و كأننا سنرى النور . !
- ماذا بك . ؟
وجهت سيري إلى المقهى أجبتها و أنا أسير. . :
- انتحر زوجي خالتي . .
توقفت برهة عن السير بينما تابعت سيري و قالت متفاجأة . . :
- انتحر !
- نعم . . ببساطة آثر الموت على العيش في هذا التمزق . !
- أوه . . آسفة على ذلك . .
ردت بحزن و همست . . :
- سآتي للتعزية . .
رددت بانزعاج من كل شيء . . :
- كيف تعزين في شخص انتحر . ! و منذ شهر . !
- شهر !
- لا أزال لا أصدق هذا . . أعني ما وصلنا إليه . . أوصل بنا الخوف إلى هذه
الدرجة . . أبعد الأمن و الأمان يحصل هذا . !
صمتت بسمة لم تعد تدري بما ترد . . أو لم تعد تستطيع لومي على ابتسامتي
اليائسة و عصبيتي التي بدت تطفو على السطح بسبب كل تلك الأفكار و التخيلات و
الضغوط ! أتمنى لو استرخي . . لو رزقني الله باللامبالاة بما حولي . !
- لا تأخذي المشاكل و كأنها مشاكلك لوحدك فهذه الأمة مشكلة شعبية يضطرب لها
شعبنا و يتشاركها كلا الشعبين كما الأرض الشمالية تعاني فالأرض الجنوبية
تعاني أيضاً . .
- ليس الموضوع بالبساطة التي تتصورينها . .
- و ليس الموضوع بالضخامة التي تتصورينها . !
صمتُ كارهةً بدأ جدال لا معنى له بين التفاؤل المطلق و الواقعية و الذي لن
يفيدنا في شيء . .
أردت أن أبدد ذلك الصمت بموضوع مغاير . .
- ما أخبار ريناد ؟
مازالت هالة الصمت تحيط بها و هي تفكر بعيداً و تتعدى البحار و المحيطات تفكر
في أختها الصغيرة و كأنها ستراها . .
- إنها بخير . .
- الحمدلله . .
و جلسنا على إحدى الطاولات المتناثرة . .


|||

حشد شبابي كبير محبوس في ساحة كبيرة . . و أمامهم يتحدث عسكري ذو رتبة عالية
. .
يتحدث بفمه الكبير و أوداجه المنتفخة لصراخها بينما يستقبل الميكرفون ما
يتطاير من فمه بصبر أيوب . .
- أنه لم المخزي أن نخسر هذه الحرب . . و أن تأخذ أرضنا و تسلب أمام أنظارنا
، و من قبل أعدائنا و نحن صامتون . ! يجب علينا أن نجهز جيشنا . . أن لا
تأخذنا بهم رحمهم ما داموا لم يرحموا صغارنا و نسائنا . . فمن يفعل ذلك يستحق
القتل أن كان صديقك أو أخوك أو حتى أبوك . . مهما كان مبررة . . يجب قتله ما
دام ضدنا . . ضد بلادنا . . ضد أمننا . .
تأمل جابر في الحشد الكبير الذي أتى ليلبي نداء الوطن سواء رضي أم أبى . . كل
من به القوة أتى . . تاركاً أهله و أحبابه خلفه ليواجه هو العدو و يبقوا
بأمان . . ليسمعوا هذه الكلمات عن قتل أخوته و أصدقائه لمجرد أنهم ضده . !
بحث بين الحضور عن أبوه . . فلابد و أنه أتى . . و لن يستطيع الاتصال به لأنه
من الممنوع الاتصال بالأهل حتى يعتادوا على قسوة القلب . !
تم توزيع اللباس العسكري و توزيع الغرف بعد تلك الخطبة العسكرية الطويلة . .
فتح حقيبته و أخذ يخرج ملابسه منها . .لاحظ أن حقيبته كانت من الداخل أصغر من
المعتاد . ! تلمس ذلك السطح الجديد . . حتى وجد خيط يخرج منه سحبه فلم يخرج
سحبه بقوة ليتفاجأ بكمية من الحلويات و الطعام المعلب المخبئة بحرفية و ورقة
صغيرة

-----
أعرف كم من السيئ أن تكون مجنداً . .
أخبرتني صديقتي أن والدها كان يعاني من سوء التغذية
لهذا حضرت لك أطعمة خفيفة يمكنك أكلها بخفية . . : )


هناء
-----
ابتسم وهو يقرأ تلك الورقة المنزوعة من مفكرتها الوردية . .
- أهناك شيء يدعو للابتسام . . ؟
أغلق حقيبته بسرعة و كرمش الورقة في يده . .
- كلا . . لا شيء . .
- لاشيء . !
رمى بنفسه على السرير المجاور لجابر . .
- الكل هنا يقول لا شيء . . و كأن هذا شيء طبيعي أن تجند إجبارياً . !
تابع جابر إدخال ملابسه في الخزانة . .
- كم هذا مزعج . !
لم يعر جابر اهتماماً لما يقوله رفيقه في الحجرة . . بينما أكمل الآخر حديثه
. . :
- أعني أن تكون محبوساً هنا . . سيكون السجن أرحم من ذلك . . فهم لن يتعبوك
بتدريبهم القاسي . .
- هلّا كففت عن التذمر . !
تحدث جابر بعد أن انتهى من إغلاق حقيبته . .
- أوه و أخيراً تحدثت . . ظننتك أصم . .
- هذا ليس مضحكاً . .
رد بنصف ابتسامة و نبرة مستفزة . :
- أوه , أنت أحد هؤلاء الذين ينادون بالقسوة !
- بل أحد هؤلاء الذين يكرهون التذمر الذي لا فائدة منه !
- ألست معي بأن هذا ليس بعدل ؟ . . أعني أن أولاد الأغنياء يتنزهون بالخارج و
نحن هنا نعاني . !
صمتا لفترة . .
ثم هب ذلك الصبي من مكانه . . وقال وهو يمد يده و ابتسامة صافيه تجمل وجهه .
.
- بالمناسبة أنا حبيب . .
مد جابر يده هو الآخر . . :
- تشرفنا . . معك جابر . .
ابتسم جابر بسخرية ممتزجة بأسى في سره . . فهذا الصبي ذو الستة عشر عاماً كما
يبدو . . مازال طرياً ليكون جندياً . . لم يجابه الحرب و لم يرى قسوتها . .
فكيف يجندونه ؟ !


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-14, 04:51 AM   #3

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

_2_
(لا بأس )
قال و عيناه المشتعلتان تضيقان شيئاً فشيئا ثم صرخ بها . :
- كم من مرة يجب أن أقول لكِ أن هذا ممنوع ؟
اصطكت أسنانها ببعضها ، عضت على شفتها بغيظ . . حاولت خفض صوتها قدر
استطاعتها .:
- ممنوع ! و من أنت لتحدد لي ما هو الممنوع . .
- أنا أخوك . ! و سأحدد ما ينفعك شئتِ أم أبيتِ . !
- تقصد، تمنعني من العيش حياتي بدون تدخلاتك وتوصياتك المتسلطة !
ممنوع الخروج . ! ممنوع الزيارات . !
أكملت و صوتها يعلو رويداً رويدا . .:
- ممنوع !
ممنوع !
ممنوع !
متى ستمنعني من العيش و تريحني !
- و قرن في بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى . !
جحظت عيناها حتى كادت أن تخرج من محجرها و قالت بغضب . .:
- و هل تراني متبرجة ! ؟
- المرأة ليس عليها إلا السمع و الطاعة . .
نظرت إليها بعينان ضيقتان تشعان بالتحدي و ابتسامة سخرية ترتسم على شفتيها .
:
- لستُ بامرأتك حتى تأمرني و تنهاني كما تريد ! و لست بولي أمري . !
- حسناً . !
اتجه إلى الباب و قبل أن يصفقه قال :
- لكي ما تريدين ، ستكونين امرأة أحدهم و هذا الأسبوع . !
دفعت بذلك الهواء المحبوس في صدرها بصرخة صغيرة . .
اتجهت إلى النافذة الكبيرة مررت أناملها بعبث على الأريكة المستندة إلى
النافذة . .
جلست على الأريكة و وجهها صوب الشارع الضيق
و صفحة جريدة ضلت الرياح تدحرجها على الإسفلت حتى تعبت . .
زمت شفتيها بضجر ، لا يمكنه أن يزوجني . . من يظن نفسه !
ألا انه كان ضالاً ثم اهتدى يبقون الناس ضالين ما داموا ليسوا مثله !
هذا هراء . !
شعرت بحركة أكرة الباب من خلفها رغم بعده . .
فهذه الطريقة في إدارته . . تميزها من بين كل الاستدارات . .
ما أن انفتح الباب حتى رفعت يدها و أشارت لها أن تأتي دون أن تلتفت إليها . .
بقيت محدقة في الشارع . .
شعرت بلمستها الرقيقة على كتفيها و هي تشد من أزرها . .
ابتسمت رهام براحة ثم استدارت إليها و أشارت لها أن تجلس بجانبها . .
رفعت هبة يديها و أخذت تثني أصابعها بسرعة بحركات مختلفة
بلغة الإشارة و علامات التساؤل و الخوف ترتسم على وجهها . .
ابتسمت رهام لتطمئنها بأنه ليس هناك شيء ،
تحدثت ببطء و هي تحرك و تثني أصابعها لكي تستطيع هبة فهمها . :
- لقد زعق علي يريدني أن لا اتصل بالعالم الخارجي . .
أقصد الانترنت . . فقلت بأن هذا ظلم . . و ارتفع صوته فارتفع صوتي . .
و في النهاية . .
ضحكت رهام بينما كانت علامات الدهشة ترتسم على أختها الكبرى
ثم أكملت . :
- انتهينا بأنه سيزوجني هذا الأسبوع !
بان على هبة الضيق و تكدر وجهها . .
مدت رهام يدها وضعت أنملة سبابتها و أنملة إبهامها على زاويتي شفتيها
لترفعهما صانعة ابتسامة على وجه هبة . . و أشارت لها بأن لا تقلق . .
أشارت لها هبة بنفس مثبطة . . كيف لا تقلق و هو سيزوجها حتماً . !
أشارت لها رهام بضحكة صغيرة . . لأنه سيجند في الجيش غداً أو بعد الغد . .
وقفت رهام ثم سارت تخطو بخطوات عسكرية . .
استدارت إلى هبة المذهولة وحيتها بتحية عسكرية . .
التي زادتها عجباً . .
- ألا تعلمين ؟
هزت رأسها بـ لا
جلست رهام بجانبها على الأريكة . . ثم قالت و هي تشير . :
- تم تجنيد شباب العاصمة و غداً سيتم تجنيد شباب المدن الأخرى . .
حل الرعب على وجه هبة و أشارت بـ لماذا ؟
- لأن الحرب ستقوم . .
قامت رهام و هي تمثل دور جندي في الميدان . .
ثم يمسك بمسدسه و يطلق برشاشه في عدة جهات . .
كان وجه هبة جامداً و عيناها تحدقان في خواء . .
آخر أصوات سمعتها عادت من جديد لتسكن أذنيها . .
ضربات رصاص تضج بالمكان و دمار يغص بالأمان . .
لا نور هناك إلا نور الطلقات و الانفجارات . .
وهي تملئ الفضاء دخاناً لتزيده حلكة و تكتم الأنفاس . .
ضغطت على أذنيها وهي تأن بأنين حاد اخترق طبلة رهام . .
توقفت رهام عن دورنها برشاشها الخيالي و طلقاتها الوهمية . .
و استدارات إليها . .
شخصت عينا هبة للأعلى و يديها ما تزال تحكم قبضتها على أذنيها . .


|||

ترجلت من سيارة الأجرة بصعوبة بسبب بطنها المنتفخ . . اتجهت إلى الباب . .
وضلّت تلوم نفسها على حملها خلال هذه الفترة الحرجة
حتى فتح لها الباب و دخلت. .
تفاجئت الاثنتين ببعضهما وقالتا بصوت واحد . .:
- هناء !
- آمال !
- ماذا تفعلين هنا ؟
سألت آمال هناء و التعجب مرتسم على وجهها قالت وهي تغلق الباب . :
- سأحكي لكِ لاحقاً . . تعالي قبل أن تلدي هنا . .
جرت هناء الحقائب الثقيلة إلى مدخل المنزل وهي تقول . :
- يالكِ من قوية . . كيف جررت هذه إلى هنا !
لم تنبس لها ببنت شفة . .
بل اكتفت بمراقبة وجهها المصفر و عينيها المنتفختان . .
سألتها بقلب قلق . .
- ماذا هناك هل حصل شيء ما ؟
توقفت هناء عند مدخل المنزل أراحة يدها على أكرة الباب ثم قالت . .
- لا شيء يذكر كالعادة . .
واجهتها و هي تجر الحقائب إلى الخلف إلى داخل المنزل . . و قالت . :
- ماذا عنكِ . ؟ ، ما الذي جلبك إلى هنا ؟
تنهدت وهي تضع يدها إلى ظهرها تسنده في حمل هذا الوزن الزائد . .
- تم تجنيده . .
- كـ حال كل الشباب !
دخلتا ثم أغلقت آمال الباب بينما أكملت هناء و الحقائب المجرورة طريقهما
إلى الصالة و من ثم إلى الطابق العلوي إلى حجرة آمال سابقاً . .
تفجرت الأسئلة من مزنه وهي ترى بين يدي هناء حقائب كبيرة تجرها . .
أيعقل أن تكون جلبت رجل ما إلى هنا ! ؟
ساورتها الظنون التي ألجمتها عن سؤالها عن السبب . .
- السلام عليكم . .
ارتبكت من صوت أنثوي أتاها من خلفها . .
قابلتها آمال وهي تبتسم و تقول . :
- ما بكِ يا أمي ؟ ! . .
حملقت بها بـ فاه منفرج يكاد يسقط إلى الأرض . .
ابتسمت آمال وهي تكتم ضحكتها و قالت . :
- ألم تتعرفي على صوت ابنتك . !
زمت شفتيها بدلال ثم توجهت إليها وجلست بجانبها على الأريكة البيضاء . .
- ما الذي جلبكِ إلى هنا . ؟
سألت آمال و قلبها يخفق خوفاً . .
زمت آمال شفتيها أكثر وهي تقول . :
- أهكذا تلقين السلام . !
وضعت حقيبتها الصغيرة بجانبها ركزت عينيها على السحاب وهي تلعب به . .
ثم أردفت . :
- لقد تم تجنيده أيضاً . .
طردت الهواء الساكن من صدرها ثم استنشقت نفساً عميقاً . .
- ما هذه الرائحة ؟ ! . . من ذا الذي يدخن هنا ؟
انعقد حاجبيها وهي تنظر إلى أمها تنتظر جوابها . .
و بعد أن طال صمت أمها . .
استحضرت كل شخص يعيش هنا لتتوقع من هو صاحب هذه الرائحة . :
- أهو أحمد ؟
أشارت أمها بـ لا . .
مرت هناء وهي تحمل أخوها حكيم الصغير ذو السنتين و بيدها الأخرى رضاعة فارغة
. .
- آمال . .
وجهت آمال انتباهها إليها . . أكملت هناء و يدها بالرضاعة تشير إلى الأعلى .
.
- رتبت لكِ حقائبك ، أرجوا أن تسمحي لي بالنوم معك ، ستجدين فراشي مطوي هناك
. .
ابتسمت ثم توجهت إلى المطبخ . .
ألتفت آمال إلى أمها بينما كان بصر أمها يتابع هناء حتى دلفت إلى الطبخ ،
توقف بصرها هناك و كأن الزمن في تلك اللحظة قد توقف . .
نقرت آمال أمها بأصبعها و قالت :
- ما بكِ ؟
بدت أمها تحلق خارج هذا العالم الذي تعيش فيه . .
خرجت هناء و هي تحمل حكيم القابض على الرضاعة يمتص منها الحليب الدافئ . .
بينما كانت آمال حائرة إزاء هذا الموقف الغريب . .


|||
ذهبت مسرعة إلى الباب لتوقف منيرة عن ضغط الجرس مرارا و تكرار كعادتها . .
بينما كانت هبة تشاهدها و هالة من الحيرة تكتنفها . .
وقفت عند الباب وهي تصرخ . :
- لن افتح لكِ أيتها المزعجة . . حتى تفكي عن إزعاجنا !
تركت الباب ثم عادت له بعد برهة و قالت بصوت غاضب عالي .:
- و أبقي إلى الصبح . !
- ألا يوجد استثناء لي ؟
جمدت يد رهام على الباب من هذا الصوت الرجولي . .
شعرت بنار الحرج تحرقها . . و قالت بصوت منخفض من خلف الباب . :
- من ؟
- أنا منور من تظنين !
أحست رهام بحرارة الدماء تسري في عروقها . . فعلتها تلك الـ .. !
فتحت الباب قليلاً . . ثم دخلت إلى الداخل بسرعة . .
أوقفتها هبة تسألها عما حصل . .
أشارت لها بحركات سريعة و هي تقول بوجه محترق
لا تدري إن كان من الإحراج أو من الغضب . :
- لقد فعلتها و أحضرت فارس معها !
حتى يتسنى لها إحراجي . . لكنني سأريها !
تهادى لها ضحكة فارس :
- هل تصرخ عليك هكذا دائماً . .
و تابع ضحكه بضحكة أعلى . .
أشارت رهام بيديها لتترجم ما تقوله بعصبية لـ هبة . :
- أرأيت أنها تريده أن يضحك علي . .
سأريها من سيضحك في النهاية . .
ثم أشارت لها بيديها أن تنادي سعد الذي لم تحادثه منذ ذلك اليوم . .
و في الساحة . .
تابع ضحكه بينما كانت منيرة تحاول جاهدة إسكاته . .
أمسكت بذراعه الطويلة . :
- فارس أرجوك . . لن تتركني أعود سالمةً اليوم . !


|||

وضعتُ آخر كتاب لآخر محاضرة في حقيبتي بكسل . .
كم هو متعب أن تسير بين ممرات الجامعة الطويلة التي تبدو لا منتهية . .
خرجت من القاعة و التعب قد أخذ مني ما أخذ . .
رفعت يدي اليمنى قليلاً بسبب ثقل الحقيبة الذي يجذبني إلى الأسفل . .
تقدمت بسمة و هي تضحك علي . . رددت على ضحكتها قائلة . :
- أهذه هي تحيتكِ ؟
- و أنتِ أهذه تحيتكِ ؟
و غرقت في الضحك . .
غضبت فلا يوجد شيء مضحك . !
- ما المضحك . ؟
- يدك و تحيتها المتعبة . .
- و ما بها . . أهذا جزاء من أراد تحيتك ؟
ابتسمت و قالت . :
- لا . .
ابتسمت لها بابتسامة مشرقة . .
- جيد . .
- نعم هذه هي الابتسامة التي أريدها . .
ضحكت بسخرية في سري . .
فكيف تستطيع بسمة الابتسام وهي تعيش معيشة ضنكا . .
تعيش مع أخيها الحاضر الغائب . .
الذي يقضي معظم وقته مع صديقه المرفه و لم يتحمل مسؤولية في حياته
و أجراها على وجهها الصحيح . .
ودعتُ بسمة عند محطة الحافلات و كل منا تمتطي حافلة آخر . .
تخطت الحافلة الشوارع و الأشجار . .
و كل ما تخطيته سيراً على الأقدام هذا الصباح . .
دقائق و وصلت إلى المنزل بينما أقطع هذا الطريق
في نصف ساعة سيراً على أقدامي . .
نزلت من الحافلة و أخرجت مفتاحي و فتحت الباب . .
دخلت ثم أرخيت حجابي . . الجو حار جداً . .
خلعت نعليّ عند مدخل البيت و ارتديت بدلاً منهما نعليّ المنزل . .
تخطيت المدخل مسرعة إلى غرفتي في الطابق العلوي . .
لمحت امرأة حامل تجلس بجانب أمي و لم أعرها اهتماماً . .
تذكرت لولهة أنها تشبه أختي آمال . .
توقفت في منتصف الدرج ثم ألتفت إليها . .
لم أدري بنفسي إلا ساقطة عند أسفل درجات الدرج . .
رأسي على الأرض و قدماي متمددتان على بداية الدرج . .
بينما يداي معقوفتان بجانب راسي . .
كان الألم يحيط بكل جزء من أجزاء جسمي . .
حينها تذكرت أنني كنت مسرعة في النزول و أن قدمي زلت فتدحرجت من الدرج . .
استدرت برأسي المتصدع إلى الدرج و رغم أن كل شيء بدا ضبابياً
لكني مازلت استطيع لمح كتبي المتناثرة هنا و هناك . .
أحسست بشيء ينبض في يدي فأدركت انه الوريد أو ذلك الشريان ..
و أن ذلك يعني أن قلبي يخفق بقوة ،
صوت تنفسي يعلو و تزداد صعوبة التنفس ثانية بعد ثانية . .
- هديل ما بكِ ؟
سألتني أمي و الخوف ينهشها . .
أمسكت آمال برأسي وهي تضربني على وجهي بخفة تحاول إفاقتي . .
و هي تقول . :
- استيقظي . . أرجوك . .
رويداً رويدا بدت الرؤية تضمحل و الأصوات تبعد شيئاً فشيئا . .
.
.
كنت في الحافلة أشاهد الناس يسيرون بجانبنا و الأشجار تودعنا مبتعدة . .
أيقنت أنني نائمة و أحلم . .
فتحت عيني لأستيقظ . .
تفاجئت بمن حولي و عيني تجول حولهم . .
ممرضات . .
طبيب . .
أمي . .
و آمال .!
كان دهشة تملأني فقد كنت أحلم قبل قليل و نائمة في بيتي ما الذي جلبني إلى
هنا . !
قال الطبيب . :
- لا تخشي شيئا . . لقد حصل لك حادث . . و سقطت من الـ . .
تخليت عن سماع حديث الطبيب و مضيت استرجع ما حصل . .
عدت إلى البيت ثم دخلت ثم شاهدت آمال ثم سقطت من الدرج . .
- لا بأس عليكِ بإذن الله . .
وجهت بصري الشارد إلى المتحدث و كانت آمال . .
خرج الطبيب و جعل الممرضة تقيس ضغطي . .
- أريد أن أعود إلى المنزل . .
جلست بغتة لأرى أن الجبيرة قد أحاطت قدمي اليمنى . .
ارتددت إلى السرير بعجز . .
- متى سأخرج ؟
أجابتني آمال . :
- إذا انتهت الفحوصات . .
قالت أمي و ابتسامة واسعة مرتسمة على شفتيها . :
- لقد أرعبتني . . الحمدلله على سلامتك . .
قلت متممة . :
- الحمدلله . .

.
.
احضروا لي الكرسي المتحرك ليقلني إلى السيارة . .
رفضت الجلوس عليه عدة مرات وتحت إصرار الطبيب جلست فيه . .
بينما العكازين مع أمي . . و الممرضة تدفع الكرسي إلى بوابة الخروج . .
كانت تلك هي أول مرة أسير فيها بين الممرات و أنا جالسة . .
المرة الأولى التي أحتاج فيها لرفع رأسي لأرى من يمر بجانبي . .
أن أقاد لا أقود . .
يمكن بدفعة من احدهم أن اسقط أرضاً . .
أحسست لحظتها بأنني شعرت و لو قليلاً بما يحسه من ارتبط بهذا الكرسي لمدة يوم
واحد فقط . .
ركبت السيارة بمساعدة أمي . .
جلست أمي في المنتصف بيني و بين آمال . .
سار بنا السائق ذاهب إلى المنزل . .
سألت أمي و عيني ترقب العالم الخارجي . :
- ماذا حصل مع أبي . ؟
سكتت أمي . . و كان سكوتها مؤكداً لشكوكي . .
أحبت آمال أن تلطف الجو . .
- ألم تعلمي يا هديل . ؟
- ماذا ؟
- سأبيت عندكم إلى وقت ولادتي . .
- أجند أيضاً . ؟
سكتت آمال هي الأخرى و حل الصمت . .
أرحت رأسي إلى إطار النافذة . .
لماذا تأتي المصائب أزواجاً أزواجا . !


|||

قالت لي وهي تحرك يديها و أصابعها بطريقتها الغريبة . .
و عينيها الجاحظتان تحدق فيّ بشكل إجرامي . :
- أهكذا تفعلين بي . ؟
- اهدئي دعيني أخبركِ بالقصة . .
هدئت قليلاً و قليلاً فقط . .
جلستُ على الكرسي . . فجلستْ على الكرسي المقابل لي . .
ضمت ذراعيها إلى بعضهما و وضعت ساقاً تهتز فوق ساق وهي تنتظر مبرراً لي . .
لاحظت أنها أشارت بلغة الإشارة لأحد ما خلفي . .
ألتفت إلى هبة ثم ابتسمت لها بصعوبة . .
ذهبت هبة . .
- أخبريني هيا . !
صرخت بغضب . . ألتفت إليها و أنا اشتمها في سري . .
كم تخيفني إذا تحولت إلى هذه الحالة . .
- حسنا , لقد تشاجرت مع نورة بالأمس شجاراً عنيفاً . .
عنيفاً جداً . . منعتني من استخدام جهازها في الدخول
إلى الانترنت و لكي احرق قلبها . .
أتيت اليوم لأستخدم جهازك . .
ابتسمتُ بحذر . . قالت رهام .:
- ثم . .
- ثم طلبت من فارس أن يحضرني إلى هنا . .
رفض و رفض إلى أن أغريته بدفع فاتورة المطعم . .
- إذن هذا سبب تهذبك اليوم تريدين أن تستخدمي حاسوبي . . هاه ؟
أومأت برأسي بـ نعم . . و ابتسامة رائعة ترتسم على شفتي . .
ابتسمت هي الأخرى و قالت . :
- يبدو أن الأمس كان اليوم العالمي للشجار الأخوي . .
- أتشاجرت مع سعد مرة أخرى . !
أومأت بـ نعم . .
تقدمت هبة منا و بين يديها الشاي و الفطائر . .
وضعتها مع ابتسامة لطيفة . . جلست في كرسي . .سكبت الشاي في الأكواب . .
ثم أعارت انتباهها إلى رهام التي كانت تخبرها بما حصل . .
رغم أنني أصغر من رهام بخمسة أعوام . .
إلا أنني أعتبرها صديقتي و أحضر إلى بيت خالي لأجلها . .
و لأجل الاستفادة منها بالطبع . .
تكره رهام أخي فارس لأنها عندما كانت صغيره تكلمت أمي إلى خالتي
و قالت أنها تريد أن تزوجهما إذا كبرا . .
كانت في ذلك الوقت لا ينفك شجارهما أبداً . .
و خاصة أن رهام من محبي الشجار و لا تترك حقها أبداً أبداً . .
كما أن الندبة الذي بجانب شفتها العليا لن تنساها لـ فارس أبداً . .
و أنه هو من تسبب فيها بضربها بسيخ معدني . .
كانوا أطفالاً لكن حقدها عليه ما زال موجود . !


\|/
|||

- o.k .. o.k … if you want any thing else from me just call me . .
( - حسنا . . حسنا . . إذا كنت تريد أي شيء آخر اتصل بي . . )
دخلت ثم أغلقت الباب بقوة . . لتثير انتباهه . .
أشار لها بالجلوس في الكرسي الذي يقابله . .
ترك كرسي ثم سار بعيداً عنها أدار لها ظهره ثم تقدم إلى النافذة
و تابع حديثه إلى من يحادثه . .
وضعت حقيبتها فوق مكتبه بضجر ثم رمت بنفسها على كرسيه بحنق . .
دفعت الجدار برجليها و أدارت الكرسي . .
ابتسمت بـ عبث وهي تحس بنشوة الانتصار . .
بعد أن رأت بقعة حذائها على الجدار الناصع . .
أغلق الهاتف . . التفت إليها وهو يضع يده في جيب بنطاله . .
- ماذا تريدين . ؟
قالت وهي تدير الكرسي بسرعة أقوى . .
- No thing . .
تقدم إليها و امسك الكرسي على حين غفلة منها . .
كادت أن تقع أرضاً بسبب التوقف المفاجأ . .
أدار الكرسي لتكون مواجهةً له و قال بصوت جامد يهددها . :
- إن لم تكفي عن عبثك سأبعثكِ إلى المدرسة الداخلية . .
حدقت في بؤبؤيه بعينين ضيقتان محترقتان و لم تنبس ببنت شفة . .
- ألم تسمعيني . ؟
لم يكن يرى أي رد فعل . . عدا تلك النظرات الحاقدة و المشتعلة . .
فكر في أنه أخطأ في تدليلها أكثر مما يجب . .
فجأةً . .
قامت ثم دفعت الكرسي بعيداً بغضب جامح . .
قبضت على حقيبتها قالت و هي تمنع دمعتها من الهبوط . :
- أفعل ما شئت . .
خرجت ساخطة من الحجرة و أغلقت الباب مصدرة ضوضاء في ذلك السكون . .
ابتسم لطيف هذه المراهقة الصغيرة . . كم يكره ردودها المنفعلة . .
و كم تذكر بنفسه عندما كان صغيراً . . لكن ستعلمها الأيام الهدوء و ضبط النفس
. .
بعد أن أغلقت الباب . . أدخلت يديها في حوامل الحقيبة بسرعة . .
سمعت صوته البارد يقول للسكرتيرة . .
- send me someone to clean this . .
) أرسلي لي أحداً لينظف هذا . . )
نزلت من الدرج بعصبية و هي لا ترى أي شيء أمامها . .
ضغطت على الأرقام حتى دفنتها بأصابعها . .صرت على أسنانها و هي تقول و بلا
ندم . .
- Hello . . when you can bring me the Bogus Passport ?
( مرحباً . .متى يمكنك أن تجلب لي جواز السفر لمزيف . ؟ )


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-14, 04:53 AM   #4

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

_3_
( أفسددت الثمرة )

خرجت من الطائرة و نشوة الانتصار تحتويني و ابتسامة رقيقة ترتسم على شفتيها .
.
شددت يديّ على طوقيّ حقيبتي الملاصقة لظهري . .
نزلت إلى المطار . . سرت و أنا أحاول تخيل تفاجئ أبي برسالتي
و إتباعه للمعلومات الخاطئة التي بداخلها . .
أني في تلك البلاد الغبية . . بينما أنا في وطني الآن . .
حررت يداي و حركتهما في الهواء بكسل . .
أخيراً سأعانق الحرية . . و أرى أخوتي . .
اتجهت إلى موقع وجود حقيبتي و أنا أتمطى . .
ما أن أتت تلك الحقيبة الصغيرة حتى أخذتها بحركة سريعة بهلوانية . .
أعتقد أنها رائعة . !
ابتسمت لتنفسي هذه المغامرة الشيقة . .
فلا يمكن لأي احد كان أن يسافر بجواز يجعله اكبر من عمره بثلاث أعوام . .
في السن القانونية تماماً لتسافر وحيداً و تعيش حراً . .
أخرجت ما بصدري من الهواء . . و استمتعت باستنشاق هذا الهواء العليل . .
كم هذا مريح . .
تقدمت إلى المقهى و أنا أجر حقيبتي الكبيرة معي
بينما هناك أخرى تستريح على ظهري . .
جلست على الكرسي و أمسكت بـ قائمة المشروبات . .
ألقيت نظره إلى القمر المنير من خلف زجاج المطار الكبير . .
كم الساعة الآن . . الواحدة و النصف . .
و المطار مكتظ بالمسافرين و القادمين . !
طلبت شوكولا ساخنة . .
أزحت حقيبتي عن ظهري ثم فتحتها لأخرج حافظة نقودي . .
بحثت عنها . . و لم أجدها ! .
ما هذا . !
أنا متأكدة أنني حشرتها في حقيبتي في ذلك المطار الأخرق . !
بحثت عنها عدة مرات . .
لكنها غير موجودة . !
آه لا بأس . . لدي البطاقات المصرفية . .
اوه . . لا !
أنها مستدفئة في تلك المحفظة . .
لقد سرقت . !
غادرت المقهى بسرعة و أنا أفكر في حل لهذه المعضلة . .
بدا حس المغامرة يختفي و استوطن بدلاً منه الخوف . .
عصرت عقلي لأجد حلاً لكن ما من مجيب . !

|||
دقت أناملها على ذلك الشيء الصلب . .
استرخت على السرير أكثر و هي تغرق في التفكير . .
ربما من الأفضل لها أن لا تفكر بتلك السوداوية . .
ربما من الأفضل لو فكرت في شيء يسعدها و يسعد من حولها . .
بدلاً من جعلهم يعيشون الحزن مرتين . .
انتبهت إلى صوت صرير الباب المفتوح . .
وهو يفتح ببطء و كأنه شيء يصعب دفعه . .
خرج من خلفه الطفل حكيم وهو يبتسم بلطف . .
مدت يديها إليه . . تشير إليه لكي يأتي . .
تقدم إليها على استحياء . .
بينما توجأهه بابتسامتها التي أشرقت برؤيته . .
رغم كسر قدمها . .
رغم هرب أبيها خارج البلاد . .
رغم ما تواجهه من مشاكل . .
رغم تلك الأزمة . .
قررت أن تستنشق الأمل مع نسمة كل صباح . .
و أن تواجهه مشاكلها و تحلها مهما كانت صعب . .

من السهل أن نحلم . . لكن الأصعب أن نحقق هذا الحلم . .
|||
تقدمت آمال إليّ . .
و رغم أنها رأتني على هذه الحالة . . ابتسمت لي . .
ثم أتت و جلست بجانبي . .
كان ذلك غريباً . . فكل من بالمنزل يقاطعني بسبب تلك الـ . .
- ماذا تفعلين . ؟
أوقفتْ سيل أفكاري ، غادر بصري إلى السماء المزدانة بضوء القمر . .
اضطرب حالي . . فلم يسألني أحد بهذه اللطافة عما أفعل . .
أحسست بأني فقدت شيئاً كان بين أصبعي . .
بحثت في الأرض عنها . . علها تخفف مما بي . .
و لم أرها . !
أتفت إلى آمال . .
فوجدتها بين يديها تكاد تضعها في فمها . .
و بدون أن أشعر سحبتها منها و رميته تحت قدمي ثم رصعتها بها . .
نظرت إليّ متفاجأة . .
بينما حاولت تفادي نظرتها بالنظر إلى السماء الواسعة . .
لن أسمح لها أن تسمم نفسها بها . .
- لماذا فعلتي ذلك . ؟!
سألتني . . و لم أدري كيف سأبرر فعليّ . .
حدقت في السماء ألف مرة و رسمت خطوطاً وهمية بين النجوم عليّ أجد شيئاً يبرر
فعليّ ؛
أو تنسى ما فعلته بالسيجارة . .
وضعت يدها على كتفي و يدها الأخرى على بطنها . .
شعرت بابتسامتها الرقيقة بجانبي . .
- ما دمتي تعلمين أن هذا خطأ و مضر بصحتي لماذا ترضين لصحتك أن تعاني منه . ؟
لم أجبها . . حاولت الابتعاد عما تقوله . .
و صم إذنيّ عن حديثها باستماعي و تركيزي على أي شيء آخر . .
لم أحرك ساكناً . .
توالت و تساقطت الذكريات من صندوق الذاكرة . .
ما زلت أذكر أول يوم استنشقت فيه سيجارة و كم تقززت من رائحتها و طعمها . .
حتى أفرغت معدتي بما فيها . .
ما زلت أسمع ضحكاتهن عليّ و هن يردن السماع عن مغامرتي و أي إثارة وجدتها
فيها . .
أقنعوني باستنشاقها مرة واحدة لأعانق ذلك الإحساس الذي يراود شاربها . .
شعور من يمسكها بين يديه و يضعها بين شفاهه . .
هذا من باب الفضول لا غير . .
ثم بعد ذلك بدأن يفصحن عن تجاربهن معها . .
إحداهن تعرفت إليها عبر صديقها . .
و إحداهن اختطفتها من علبة أخيها النائم و استنشقتها في حجرتها المقفلة . .
أم الأخرى بقيت صامته و لم تحدثنا كيف تعرفت إليها
و تقول الشائعات أن صديق أمها أعطاها إياها وخجلت رفض طلبه . .
أعفان ولدت أعفانا . .
و كنت أنا تلك الثمرة التي سمحت لنفسها بالتعفن هناك . .
لم يكن هناك ما يبرر لي فعل هذا . .
لكنني وجدت المبرر الآن . . عندما انتحر والدي وجدت لي مبرراً ؛
و عندما أدمنتها أيقنت بأن عذري كان واه جداً حد التلاشي من ذرة نسيم . .
كم هذا مضحك . .
فرغم أنني أعلم بأنها خطأ يوازي خطأ . .
إلا أنني ما زلت مستمرةً فيه . !
توقفت فجأة . . و خرجت من تلك الأعماق السحيقة من نفسي . .
لأجد شفاهي تنطق بما كنت أفكر به و تتحدث عن تلك الذكريات المخجلة لآمال . .
مددت يدي لأمنع شفاهي عن سبر أغواري أكثر . .
سقط بصري إلى الأرض خجلاً منها و خجلاً من كل شيء كشفته إليها . .
شعرت بلمستها الحانية على شعري . .
- لا بأس . . كلنا نخطأ ؛ لكن الخطأ الأكبر أن نستمر على ذلك و نصر عليه . .
و أن كن صديقاتك هكذا فمن الجيد أنكِ هجرتيهن . .
شعرت بنفسي تصغر أكثر و أكثر . ثم قلت نادمة و المياه تغزو عيني . :
- لكني لا أنفك عن الاتصال بهن . .
- يكفي أنكِ تدركين أنهم على خطأ . .
سقطت دمعة من مقلتي أندت التراب . .
- لكنني ما زلت على ذلك الخطأ . !
- و ها أنتِ تسعين لتصحيحه . .
رفعت ذقني حتى أصبحت بمستواها و أدارتني إليها . :
ثم قالت . :
- أليس هاتان العينان تعبران عن ندمهما . . و ترغبان في تصحيح أخطائهما . ؟
أليس كذلك . ؟ !
رمت ببصرها إلى السماء و قالت . :
- كان من المستحيل أن يصل المرء إلى السماء . . لكنه الآن وصل إلى الفضاء . .
فليس هناك شيء مستحيل إن كانت هنالك العزيمة و الإصرار . .
ثم ابتسمت بحب . .

|||
طرقاتُ أناملها على لوحة المفاتيح أقلقتْ مضجعها . .
قالت و يدها تكبس على الوسادة المتوارية خلفها إذنيها . .
- منيرة . . وافقت على مبيتكِ عندي لتستمتعي . . لا أن تحرمي عينيّ من النوم
. .
لم تلتفت إليها . . يبدو أن السماعات قد أصابتها بالصمم . .
أرتدت بعجز على سريرها . .
أحست بحركة خلفها ، استدارت ثم أشعلت نور بسيط
تسلل بين المساحة التي بين سريرها و سرير هبة . .
رأت إشارات هبة تسألها عما بها . ؟
أشارت لها من بين ضحكات منيرة . .
بأنها لا تستطيع النوم بسبب إزعاج منيرة . .
و أن السماعات تمنع منيرة من سماعها . .
دق الباب بقوة . . قامت عن سريرها بضجر . .
ما الذي سيأتي به في آخر الليل . !
تتبعت هبة ببصرها خطوات رهام و استعجبت من توجهها للباب . .
توقفت منيرة عندما رأت رهام ذاهبة ، أبعدت السماعات عن أذنيها
لتفاجأ بصوت طرق قوي . .
خرجت رهام . .
انكمشت منيرة على نفسها ، عندما سمعت صراخه عليها . .
و ردودها المستفزة عليه . .
ما الذي جعلها تبيت هنا . . كم يشعر هذا بالرهبة و الخوف . .
لكنها لكما تذكرت أن هذه هي آخر ليلة له هنا أطمئنت . .
تمنت لو كان على فساده لارتاحوا منه . !
سارت هبة إلى منيرة و أشارت إليها عما يحصل ،
اكتفت منيرة بالإشارة بأنها لا تدري . .
دخلت بهدوء و كأن شيئا لم يكن . .
سألتها منيرة . :
- ماذا حصل . ؟
تكلمت وهي تشير إلى هبة بإشارات مغايرة لموضوع حديثها
حتى لا تعرف هبة ما تقوله . :
- لقد وبخني . . قائلاً بأننا نصدر أصوات مزعجة . .
كانت تتكلم وهي تبتسم في وجه هبة . . و كأنها تخبرها بشيء يسر . !
ابتسمت هبة . . ثم أشارت إليها بإشارات . .
استنتجت منيرة بمعرفتها المحدودة جداً بلغة الإشارة أن هبة تدعو لأحد ما . !
و كم تملكها العجب حينذاك . !
عادتا إلى فراشهما حينما أعادت منيرة انتباهها إلى من تحادثهم . .
أعطت رهام ظهرها لهبة مواجهةً الكرسي الجالسة عليه منيرة . .
- لا تلتفتي أبداً . . مهما قلت . . لا أريد أن تعلم هبة بأننا نتحدث . .
- حسناً . !
- حسناً . ! لقد وبخني سعد لضحكك الذي يتسم بالصوت العالي . .
أرجو أن تنتبهي إلى هذه النقطة . !
- مفهوم . .
- ثم . . منذ متى سمحت لكِ بدخول الدردشة من حاسوبي ؟
ألتفت إليها منيرة بسرعة بوجه مصدوم و كأن قنبلةً انفجرت في وجهه . .
- كيف علمتِ ذلك . ؟
جلست رهام ثم ألقت بصرها على هبة فوجدتها نائمة . . ارتاح قلبها ،
فيكفي ما سببته لهبة من مشاكل بالأمس و إثارتها لتلك الذكريات المشئومة . .
- هل رأيتني و أنا أتحدث . ؟
ألتفتت رهام إليها ثم قالت . :
- هذا لا يهم . !
أطفئت الإضاءة البسيطة ثم قامت من سريرها . .
بينما تداركت منيرة نفسها و استدارت إلى الحاسوب بسرعة لتغلق تلك الصفحات
الكثيرة . .
انعكس نور الشاشة على وجه رهام . .
- لا ألوم نورة إذا منعتكِ من فعل هذا الهراء على حاسوبها . !
نظرت منيرة إلى وجه رهام بعيني مذنب ثم قالت . :
- أنا لم أفعل شيئاً . ! كنت أدردش فقط . !
- و لو كان هذا غير خاطئ لفعلتي ذلك أمامي أليس كذلك . ؟
- نعم هذا صحيح . .
- إذن أدخلي إلى تلك الدردشة ، التي مازلت أذكر اسمها و اسمك . .
صمتت لبرهة ثم أضافت وهي تشدد على حروفها . :
- المخزي . !
جمدت يد منيرة على الفأرة . . لم تحرك ساكناً . .
ربتت رهام على كتفي منيرة بخفة متناهية بعد أن تذكرت ذلك الشيء . .
ثم قالت بسرعة بصوت مرعوب . :
- ابتعدي عن الحاسوب . . لا داعي لفتح تلك الدردشة . .
مال رأس منيرة إلى الطاولة بخزي . .
طرقت رهام على الطاولة بقوة . . و قالت بغضب . :
- هذا ليس وقت الشعور بالخزي . . انهضي قبل أن تحصل مصيبة . !
قامت منيرة ببطء . . و لم تستطع رهام صبراً فدفعتها أرضاً . .
جلست على الكرسي بسرعة . .
قالت بغضب لمنيرة وهي تضرب بأناملها على المفاتيح بقوة . .
- ألا تعلمين في أي مصيبةً وضعتني . !
هذا ما كان ينقصني أن يجد سعد علي شيئاً . .
نهضت منيرة من الأرض بجزع و كأن شيء قرصها . .
قالت بدهشة . :
- سعد . !
هزت رهام رأسها . . و هي تقول . :
- أرجو أن تدركي خطأك على الأقل . . و أنه قد يؤدي إلى شنقي . . و بسببك . .
- لم . !

تابعت ضرب المفاتيح حتى كادت تقلعها من مكانها . .
قالت بسرعة و هي تحاول السيطرة على أعصابها . :
- لأني اكتشفت منذ يومين أن سعد زرع برنامج تجسس في جهازي
يصله بحاسوبه مباشرةً . .
و هو ليس بالبرنامج العادي الذي تكتشفه برامج الحماية من الفيروسات . .
رأيته بالصدفة و أنا ابحث عن صورة ما . . وجدت مجلد فارغ باسم ذلك البرنامج .
.
قالت منيرة بخوف متوجس . :
- و ماذا يفعل ذلك البرنامج . ؟
أخرجت رهام ما بصدرها من الهواء . .
- ما لا يمكنك تخيله . . يقوم بنسخه صورة لشاشة الحاسوب كل ثانية
و يسجل كل نقره يقوم بها المستخدم على لوحة المفاتيح . .
برزت عينا منيرة وهي تشهق . :
- أتعنين أنه علم بكل ما كتبت . ؟
هزت رهام رأسها و هي ترخي أصابعها على لوحة المفاتيح . .
- لا أعلم . . فهو يرسل المعلومات عن طريق البريد . .
و يتم تغيير الإعدادات من نفس الجهاز . .
ذهبت بالفأرة إلى أبدأ ثم ضغطت على إيقاف تشغيل الحاسوب . .
و بدأ الحاسوب بإغلاق نفسه . .
ألتفت رهام إلى منيرة بالكرسي و قالت بجمود و صوت صارم . :
- حري بكِ أن تخافي من الله . . قبل أن تخافي من سعد . !
توجهت رهام إلى سريرها ثم استلقت عليه . . و قالت . :
- لن أحاسبكِ على أخطائك . . ربك هو من سيحاسبكِ عليها يوم القيامة . .
ثم غطت نفسها بفراشها . .
تحررت منيرة من جمودها بعد خمس دقائق من الصدمة التي صلبتها . .
اتجهت إلى فراشها . . و سمعت رهام تقول من تحت فراشها . :
- فكري لو كنت أنا في مكانك . . و فعلتُ ما فعلتي . .
ماذا سيكون موقفك مني . !
أزالت رهام الغطاء عن وجهها ثم جلست بعد أن تذكرت شيئاً . .
قالت لمنيرة المتكورة على نفسها . :
- كنتِ تقولين سابقاً عندما ابتدأتِ هذا المشوار الخائب . .
أنكِ لست من النوع الذي نظنه و أنكِ لن تقعي فيما وقع فيه غيرك . .
و ها أنتِ تسقطين فيما لم يخطر ببالك أن تصلي إليه . .
أتمنى أن لا تكوني قد ارتكبتِ ما هو أعمق من هذا . !
ارتدت رهام إلى سريرها تحاول النوم ، و التفكير في طريقة تساعدها في حل هذه
المشكلة . .
هل تخبر خالتها بخيبة ابنتها . ؟
هل تعلم نورة عم فعلت أختها . ؟
أم نورة تعلم بذلك و تقوم بفعل ذلك أيضاً .؟ !


|||

اتجهنا معاً إلى كوخه الجديد . . كوخه الخاص الذي اشتراه بمال والده . .
ظهر لنا ذلك المنزل الصغير من خلف الأشجار . .
كان تركي متحمس جداً ليريني إياه . .
ابتسمت له بذات الحماس ، تقدمت إليه حتى أصبحت بجانبه . .
وهو يلتفت كل حين إلي و يقول بهدوء يحاول به إخفاء شوقه لرؤية ذلك لكوخ . :
- أرأيته ؟ . !
تابع حديثه و بصره متعلق به و بما حوله . .
- أليس جميلاً رغم بساطته . ! ،
البحر الهائج . . و الأشجار المنتشرة بالأرجاء تضفي جواً من الألفة،
رغم بعده عن المدينة و إزعاج الناس المتطفلين . .
اقتربنا منه أكثر حتى وصلنا إلى عتبة بابه . .
بحث تركي عن المفتاح تحت احد الأحجار . .
و أخرجه من تحتها . . ثم قال وهو يبتسم بفرح . :
- هنا كان يخبئ المالك السابق مفتاحه . .
سألته بينما نحن ندلف إلى داخل الكوخ . :
- متى اشتريته . ! ؟
- بالأمس . .
ذهلتُ من رده . . فقد كان معي بالأمس . !
- لكن كيف اشتريته . . و قد كنت مع طوال اليوم . !
أشار إلى السقف وهو يضحك . .:
- ما بك .؟ . . انه عصر الانترنت و الأقمار الصناعية . .
اخذ يجول في المنزل . . يتلمس جدرانه و يفحص حالته و كأنه يراه لأول مرة . !
انتبه تركي أني واقفاً أتابع ما يفعله بدهشة . .
فقال وهو يبرر لي منظر المنزل العادي . :
- لم أكن أريده لتفاخر أو لاستجمام . . أردته ليكون مكاناً لمبيتي . .
لقربه من الغابة و مقابلته للبحر . .
أمسك بإحدى الوسادات الصغيرة ثم جلس على الأريكة المنفردة و قال بترقب فرح .
.:
- ما رأيك فيه . ؟
تلمست ملمس الجدار . . ثم ذهبت لألقي نظرة من خلف الشرفة . .
كان المنظر ساحراً . .
وقفت هناك ثم قلت . .:
- أنه رائع . !
وقف تركي بسرعة ثم قال . :
- جيد . . ما رأيك أن نرى ما يحتوي من حجرات . ؟
اندهشت و للمرة الثانية . !
- ألم يرك صاحب المنزل الصور . ؟
صعد إلى الأعلى مع الدرج وهو يقول . :
- كلا . . لقد اكتفى بوصف المكان . . لم يستطع تصويره لأنه خارج البلاد . .
حسناً . .
صحيح أنني قد أكون أبلهاً في بعض الأحيان . .
لكن ليس هكذا . .
أأشتري منزلاً لم أره . !
و من مالك مسافر . ! غير موجود . !!
لكنه لا يهتم لشيء مادام المال يتساقط تحت قدميه . .
فكرت للحظة . .
حتى أنا يتساقط المال تحت قدميّ . .
أوه لماذا أشغل نفسي بالتفكير و كأنني أحد الحكماء . !
- ألن تأتي . ! ؟
صعدت على الدرج و أنا أقول . :
- أنا قادم . .
ظهرت لي في البداية سطح الطابق الثاني و كانت مرصوفة إحدى أنواع السيراميك أو
الأحجار . .
في الحقيقة . . لم أعرف ما هي . !
ثم بدا بعد ذلك صالة صغيرة تحتوي على تلفاز و آرائك متراصة بلا أي تناسق جميل
. .
ما أن تصعد إلى الطابق العلوي . .
حتى يتفرع الطريق بك إلى قسمين يتوسطهما الصالة . .
عن يميني ممر يقف فيه تركي ، فتح باب إحدى الغرفتين ثم دخل بها . .
تابعت خطواته ثم دلفت إلى الحجرة . .
كان الحجرة من أول نظرة تخبرك بأنها حجرة فتاة ،
لامتلائها بالفراشات الساقطة المتشبثة بالسقف بخيط دقيق . .
تبدو الفراشات و كأنها تطير في الهواء ، فوق رأسك . .
وهي تبدو يدوية الصنع . .
حلقت أصابعي حول إحدى الفراشات الطائرة ، ثم لممت أصابعي و ضغطت عليها . .
فتحتها لأرى الفراشة قد غدت كالعجوز بتجاعيدها . .
ابتسمت و أنا أوجه بصري إلى تركي . .
قال وهو يمسك إطار صورة بين يديه و يتأمل في صورة ما . :
- كان مستعجلاً جداً . . لدرجة أنه نسي أن يأخذ صورة ابنته . !
سكت برهة ثم ألقى تركي نظرة أخرى . و قال . :
- تبدو في بداية العشرينات . !
ابتسمتُ و أنا متحمس لأراها . . قلت و أنا اتجه إليه . :
- حقاً . !
هبّ تركي واقفاً وهو يرفع الإطار . .
خرج مسرعاً من الحجرة و صوته يتردد في أرجاء المنزل . .
- حاول أن تمسك بي . !
و انطلقت خلفه . .

|||
وضعت يدي تحت الماء البارد . . ثم غسلت وجهي به . .
عليّ أصحو من هذا الكابوس . !
لكنه لم يكن حلماً . . كان هذا من صنع يديّ . .
فأنا من خطط للهرب و أنا من يجب أن يجد طريقه بنفسه . .
أغلقت صنبور الماء . .
مسحت يديّ بالمنديل ثم رميته على الأرض مبللاً مشتت في قطع صغيره . .
لم تستطع أناملي مقاومة تمزيقه أرباً أربا . .
أمسكت حقيبتي ابحث فيها عن هاتفي النقال . .
بحثت عنه في كل مكان . .
بدآ حاجبي متحدان ببعضهما . .
لا يمكن أن أكون قد نسيته أيضاً . .
شعرت بيدي تلمس شيء صلب . .
أوه الحمد لله . . ها هو . !
وجدته . .
قبضت عليه بيدي و أنا اقفز و أردد بفرح . .
- yes . .yes .. yessssssss
خرجت من حمام النساء . . و مشاعر الفرح قد حجبت خوفي . .
أمسكت بهاتفي . .
دققت رقم هاتف بسمة . .
لم تضيء الشاشة . .
ضغطته مرة أخرى . .
و لم تضيء أيضاً . !
أوه لا . .
أنا متأكدة أنني قد شحنت البطارية . !
فتحت الهاتف من الخلف . .
و لم أجد البطارية . !
هذا اليوم ليس بيوم حظي أبداً . !
اتجهت إلى السيدة الكبيرة و الوحيدة الجالسة في قاعة الانتظار . .
- عفواً هل يمكنني استخدام هاتفك . ؟
سألتها . . و لم تجبني . !
كررت سؤالي . .
- هل يمكنني استخدام هاتفك . ؟
قالت بعينيها النزقتان . :
- لا !!
- أرجوك . . أنا في مشكلة . !
- حليها بعيداً عني . . و أتصلي على صديقكِ ليأتي إليكِ . .
أكملت بقلب حقود و هي تهذي بنزق . :
- هذا ما تقمن بفعله هذه الأيام . . تصادقن الشباب . .
و عندما يأخذونكم لحماً و يرمونك عظماً تبكون و تصيحون . .
و كأنكم لم تخطأوا . . و من الغد تصبحن إحدى بنات الهوى . !
تركت تلك العجوز تكمل هذيانها لوحدها . .
تلفت حولي بجزع . .
فلم يتبق أحد في هذا المطار إلا القليل من الناس . .
شعرت بالوحدة و الخوف . .
اتجهت إلى أحد الهواتف المعدنية . .
بحثت بين جيوبي علي أجد أي عملة تنفعني لأتصل على بسمة أو عبد الله . .
خرجت يداي من جيبي خاوية الوفاض . .
خاب أملي أكثر و أكثر و ازداد عمق خوفي و وحدتي . .
تقدم إليّ شخص ما مريب و مخيف . .
ثم قال بصوته المريع و ابتسامته المقززة . :
- إلى أين تريدين الذهاب يا آنسة . ؟
تراجعت إلى الخلف أخبره انه ليس معي نقود عله يبتعد عني. :
- شكراً . . لكن ليس معي نقود . .
ابتسمت بحذر ثم التفت لأحاول الهرب . .
أحسست بيد قوية تمسك بذراعي و صوت يقول . :
- لا تهمني النقود . . أن من سيدفع لكِ النقود أن أردتي . .
ثم ابتسم ابتسامته البشعة مرةً أخرى . .


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-14, 04:56 AM   #5

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

_ 4 _
( كابوس )

صوت أزيز المنشار زاد من عدم ارتياحي و قلقي . .
أخذت أتأمل في الجبيرة و هي تجزر من وسطها ، و كأن ساقي تجزر بدلاً عنها . .
ظللت أحملق في المنشار خوفاً من أن يجز لحمي . .
توقف صوت المنشار عن الأزيز . . ارتحتُ قليلاً . .
ثم عادت دوامة الهلع تبتلعني . . حينما احضروا مقصاً كبيراً ليقصوا رجلي . .
أقصد القطن المحيط لقدمي . .
ابتسمت الممرضة و هي ترى قسمات وجهي الخائفة . .
- يمكنك الآن تحريكها . .
ما أن قالت الممرضة هذا . . حتى بدأت بتحسس قدمي بفرح . .
فقد أصبحتْ حرة أخيراً بعد أن كانت تحمل على عتقها جبيرة صلبة ثقيلة . .
حركتها بصعوبة طفيفة . .
تحسست ساقي و أخذت أدلكها . .
ابتسمت الممرضة بعمق و قالت . :
- حاولي الوقوف عليها . .
ارتفع حاجبي و ابتسمت شفاهي ببهجة . :
- أحقاً يمكنني الوقوف عليها . !
ابتسمتْ بلطف . :
- بالطبع . .
تنحيت عن السرير بسلاسة ثم حاولت الوقوف و يديّ متشبثة بحواجز السرير . .
حركت قدمي على الأمام و الخلف بسعادة . . شعرت و كأني ولدتُ من جديد . .
فيمكنني الآن العودة للدراسة في الجامعة و التخلص من تلك الأريكة الكئيبة . .
ألتفت إلى الممرضة لأشكرها . .
فوجدتُ بصرها شارد يحدق في آمال المتعبة و المسترخية على إحدى الكراسي . .
فقلت لأوضح . :
- أصرت أختي على القدوم معي . .
ابتسمت لها . . أدارت بصرها إلي لبرهة ثم عادت به إليها و قالت . :
- تبدو في الشهور الأخيرة . .
اتجهت إلى السرير و جلست عليه حتى ألبس حذائي الآخر القاطن في الكيس . .
و قلت . :
- أنها في الشهر التاسع . . أسبوعان و ستدخل المنطقة الحرجة . .
ابتسمت باضطراب . . لا استطيع تخيل صعوبة الولادة . .
أتت إليّ بغتة و قالت بجدية فاجأتني . :
- يجب أن تتعلمي كيفية الولادة المنزلية . .
- الولادة المنزلية . !
فكرت للحظات بأن أقوم بتوليد آمال . . هذا مستحيل . !
لن أتحمل رؤية الدماء . !
- يجب عليك ذلك . . الأوضاع تزداد خطورة و جدية . .
بهتُ فجأة من جديتها في الموضوع . . ظننت أنها تمزح . !
- ماذا تعنين بأنها تزداد خطورة و جدية . ؟ !
أخذت تجمع القطن و بقايا الجبيرة و تلقي نظرة قلقة على آمال بين الحين و
الآخر . .
و هي تقول . :
- لقد بدأ الوزراء و من لهم صلة بالملك بالتحصن في مواقعهم . .
- ماذا تعنين . ! ؟
- كما أن الجيش بدأ بالمناوشة على حدود البلاد مع البلاد الآخر . .
رمت ما بيديها في القمامة و قالت . :
- لدي كتاب عن الأمومة و الطفل . . و الولادة و ما يتليها سأهديه لك . .
ازداد رعبي . . هل الأمر بهذه الجدية و الخطورة . !


|||

لم أتجرأ على الصراخ و طلب العون من أي أحد حولي . .
كنت أحاول فقط سحب يدي من قبضته بضعف واهٍ . .
و صلنا إلى البوابة المنارة بالأضواء . .
كانت الناس قليلون و لم تمتلكني الشجاعة الكافية لأستنجد بهم . .
لمحت من بين غشاوة عيني المائية وجه مألوف معه شخص آخر . .
بدأت الشجاعة تلبسُني . .
صرختُ بقوة . .
لم أعرف بأي شيء تلفظت . .
شعرت بقبضته تحرر يدي بسرعة . .
و رأيت طيفه الأسود يولي هارباً بينما يقترب مني شخصان ضحكاتهما المتبادلة
العالية . .
و حديثهم يصل إلى أذني . .
رمشت بجفني حتى اتضحت الرؤية كان أخي عبد الله و شخص ما . .
ابتسمت و أحسستُ ببعض الآمن . .
انطلقت إليه بشوق عارم و احتضنته بقوة و أنا أقول . :
- اشتقتُ لك . .
شعرت بيدي وهو يبعدهما . .
و يبعد رأسي و كأنه في قمة الإحراج . .
ما باله أخي يحرج من أمر كهذا . !
رفعت رأسي لأرى أخي يقف بقربه و عيناه جاحظتان . .
شحب وجهي للحظة . .
ماذا فعلت . !
لقد أخطأت في العنوان . !
لم أشعر إلا بطعم الدم يسري في فمي . .
قال عبد الله ضاحكاً و بشكل أبله . :
- لا بأس كان حادثاً . . accident . . accident . .
ثم أضاف بعد برهة وهو يخرج منديلاً . .
- أن شفتك تنزف . .
ابتعدت قليلاً عنهما . . بصمت و منديل أخي في يده . .
كم هذا محرج . !
كيف سأقابلهما . ؟ !
سمعت عبدالله يقول لمن معه وهو يغير الموضوع . :
- و كنت تقول أنها صورة فتاة، و هي صورة منظر طبيعي . ! يالك من مخادع . !
ضحك صديقه بخفة و كأن شيئاً لم يكن . .
ألتفت إليهما و أنا اقنع نفسي بأن أتصرف بشكل طبيعي و أن أنسى ما حدث . .
و لكي أحرج نفسي أكثر . .
ركزت بصري على عبد الله ثم قلت فجأة . :
- أنا جائعة . !
قال عبد الله لصاحبه وهو يحاوره . :
- ما رأيك أن نتناول العشاء في مكان ما . ؟
بدا على وجه صديقه عدم الموافقة لكنه قال على مضض . :
- لا بأس بذلك . .
تذكرت للحظة أنهما لم يسألني عمن كان معي . ؟ !
و كيف لم ينتبه لي من البداية . !
هذا شيء يثير أعصابي حقاً . !
اتجهنا إلى السيارة . .
ركبتُ بالخلف . .
بينما أدار صديقه المقود و أخي يجلس بجانبه . .
كان واضحاً من تلك الأدوات المبعثرة و الخرائط حولي ، أنهما كانا في رحلة . .
أمسكت بإحدى الخرائط المتهرئة ، فتحتها . .
كانت مثيرة للاشمئزاز . . بخطوطها و ألوانها الباهتة . .
كم أكره الجغرافيا . !
سمعت صوت صاحبه ، يقول بحنق بسيط . :
- لا تعبثي بها . . هلّا أعدتها إلى مكانها . !
أشرت برأسي بنعم . .
و ملامح الاستخفاف تلعب بوجهي ، كيف له أن يخاف على شيء كهذا . !!
طويتها ثم أعدتها إلى مكانها مع باقي الخرائط . .
توقفنا عند مطعم ما ، خرج أخي و صديقه ليبتاعا الطعام و تركاني وحيدة في
السيارة . !
فتحت الباب ثم ترجلت من السيارة . .
مازال باب السيارة مفتوحاً و نفسي تراودني في الدخول إلى المطعم أو الجلوس في
السيارة . .
ابتسمت بشقاوة و لهو . .
أظن أنه من الأفضل . .
أن أظل في السيارة و أعبث بما بها ماداما ليسا موجودين . .
ركبت السيارة و أغلقت الباب . .
تقدمت برأسي إلى الأمام و أصبحت بين المقعدين الأماميين . .
أخذت أعبث في الأدراج . .
و لم أجد إلا خرائط لا تشبع فضولي . .
وجدت حقيبة أخي . .
أخذتها ثم فتحتها ,. .
أمسكت بملف ما . .
أووه كم هذا مقزز . . مازال يبحث في تلك الحشرات . .
و لم يجد إلا الصراصير لتكون عنوان بحثه . .
كم هذا مقرف . !
أدخلت يدي داخل الحقيبة تحسست صندوقاً زجاجياً و صندوق آخر مستطيل الشكل
وأكبر حجماً من الصندوق الأول ..
أخرجت الكبير كان ابيض اللون و في منتصفه زجاج يتيح للفضولي أمثالي معرفة ما
به . .
اندلع لساني دون أن اشعر ، وغدت قسمات وجهي كآكل الليمون الحامض . .
أوه . . لا . .
صراصير محنطة . .
أبعدت عيناي عنهم بسرعة . .
اشتدت قسمات وجهي للخلف . .
سأفرغ ما بمعدتي . .
ألم تجد يا أخي حشرات أفضل من هذه . !
ألقيت نظره عليهما . .
فوجدتهما يدفعان الحساب . .
رميت الحقيبة بعنف إلى المقعد الأمامي المجاور للسائق و عدت إلى مقعدي . .
متظاهرةً بالهدوء . .
بينما كنت أرقب حضورهما . .
أحسست بشيء يقفز و يحاول الطيران قرب الزجاج الأمامي . .
و لأن الضوء كان خافتاً . . خمنت بأنها فراشة صغيرة . .
ابتسمت ابتسامة واسعة . .
ما هذا أيعقل أن تكون فراشة . ! ؟
شعرت بها تقترب إليّ . .
اتضح لي أنها صرصور بعدما هبط بين يديّ . .
فتحت الباب بسرعة و أن أصرخ . .
و جلد مقشعر من وقعته عليّ . .
بينما هو يدور طائراً كالأعمى حولي ، يصطدم بباب السيارة و السيارة الأخرى .
.
هبط على الأرض . .
عندها استجمعت ما عندي من شجعه و أغمضت عيني . .
ثم دست عليه بكل قوتي . .
بقيت قدمي واقفة عليه . .
تقززت نفسي أكثر بعدما تذكرت أنني ظننته فراشة . .
ياللقرف . !
اقترب مني عبد الله مسرعاً لاهثاً وهو مرعوب من ملامح وجهي المفزوعة . .
سألني عبد الله بعد أن ألتقط نفسه . :
- ما الذي حصل . ؟
كدت أبكي بعدما تذكرت تلك المفاجئة المشئومة . .
اقترب صديقه بعد لحظات و بيده كيس العشاء . . و قال . :
- ما الذي حصل يا جماعة . ؟
رفعت قدمي ببطء و أنا أقول بنفس مشمئزة . .
- لقد ظهر هذا الصرصار الطائر في وجهي . .
أغمضت عيني و أنا أدعك أسفل حذائي بالإسفلت عله يبعد بقايا الصرصار . .
ضحك صديقه و قال . :
- أليس هذا يشبه صوصو . ؟
ضحك أكثر وهو يقول . :
- ألم أقل لك يا عبدو أن أمانيّ تتحقق . ! فهاهو اليوم مقتول و مثلما تمنيت
بدهسه من احدهم . .
قلت بحنق . .:
- لست بأحدهم . . اسمي ريناااد . .
فتحت الباب . . ثم ركبت السيارة ثم جلست بروية و أنا أعاين مكاني
و أتأكد من صلاحيته للجلوس . .
ركبا الاثنان . .
ركب صديق عبد الله و ابتسامة انتصار و سرور تعلو محياه . .
وضع الكيس بينهما . .
ركب عبدالله أو عبدو كما ناده صاحبه وهو مكتئب و يهذي . .:
- لقد ربيته منذ صغره . . أردت أن أراه وهو يطير . . و من ثم أضيفه في
مجموعتي . .
كنت سأجري عليه الأبحاث . .إلخ .
بينما كان صديقه يضحك بين الحين و الآخر على ما حصل . .
أصممت أذني عما يصدرانه من إزعاج . .
فليست مواجهة الصرصار و لوحدك شيء مضحك . .
و ليس بفقدانه أيضاً شيء محزن . !
أخذت أتأمل في الشوارع التي افتقدها ،
خطر ببالي سؤاله عن كيفية معرفته بمكاني . !
أرخيت أذني لأسمع تذمر عبدالله . .
- هذا هو ثاني صوصو يقتل . . الأول مات خنقاً بإبادة تركي . .
بينما الآخر داست عليه الآنسة ريناد . .
هذا ليس عدلاً أريد أن أحضر طيرانه فكلكما حضرتماه إلا أنا . !
كتمت ضحكتي فأخي يبدو طفلاً صغيراً حينما يفقد شيئاً و تصرفه مغاير لما يفعله
الآخرون ،
و ذلك لأن عصبية والده التي طبعت بصمات على جسده مازلت موجودة ، فهو يمقت
نفسه
حينما يتصرف بشكل عصبي و لذلك يبقى مرحاً طوال الوقت و يحاول حبس غضبه قدر
استطاعته و يتذمر بدلاً عن ذلك . .

ابتسمت بعطف ، هذا هو أخي الذي أحبه . .
عاد السؤال مرةً أخرى ليتجول في عقلي . .
فآثرت طرحه على التفكير فيه . :
- عبد الله . .
اسند رأسه إلى يده المستندة إلى الباب قائلاً بضجر . :
- نعم . .
- ما الذي . . .
قطع سؤالي رنين هاتفه النقال . .
رفعه و رد على المكالمة . .
- أجل . . أجل . . أخبرتكِ بأنها معي . .
رفع رأسه متنهداً . :
- حسناً . . سنتناول العشاء و نحضرها إليكِ . .
ألتفت إلى العالم المتحرك خلف زجاج النافذة . .
أيعقل أنني أشكل عبئاً على أخي . .
بالطبع . !
فقد قتلت صوصوه المقزز . .
لحظة لست وحدي من قتل صوصوه ، فهناك من أباد صوصوه الأول . !
أوه . . مهما كان لابد أن أعتذر . .
ألتفت إليه . :
- أنا . .
رمشتُ بعيني مرةً أخرى غير مصدقة لما أره ، فتأكدت بأن هاتفه قبالة وجهي
مباشرة . .
- تفضلي . . بسمة تريد محادثتك . .
شعرت بفرحة عظيمة و ابتسامة كبيرة ترتسم على شفتيّ . .
كم هذا رائع . !
سحبت الهاتف من بين يديه بقوة . .
- اشتقتُ لكِ كثيراً . . جداً ، جداً ، جداً ، جداً ، جداً ، جداً
سمعتها ضحكتها الرقيقة عبر الأثير . :
- توقفي أرجوك . . لقد أدركت مدى شوقكِ لي . .
- كيف سمحت لكِ المدرسة الداخلية بمحادثتي في هذا الوقت . !
قالت بلطف . :
- كم يلزمكِ من الوقت لتعلمي بأني في الجامعة الآن . . و أنني لست بطفلة
صغيرة . .
و أنني أكبر منكِ سناً أيضاً . .
- حسناً . . حسناً . . لقد أدركت ذلك الآن . . لا داعي للعصبية . .
- متى ستصلون إلى العاصمة . ؟
- العاصمة . !
- نعم . . انتقلت إلى هناك لأكمل دراستي . .
- لحظة . .
أغلقت الميكروفون بيدي و قلت لعبد الله بلهجة مؤنبة . :
- ما الذي تفعله بسمة لوحدها في العاصمة . ! ؟
- و ما الذي تفعلينه وحدكِ في الطائرة و أنتِ تحت السن القانونية . !
أخرسني ذلك الأحمق . !
عدت لبسمة و أبعدت يدي عن الميكروفون . .
- كيف علمتم بأني وصلت . ؟
- لقد أتصل علي والدك ينشد عنكِ و يسأل عن حالك . . و أن كنت وصلت أم لا . .
ظهرت ملامح اليأس على محياي ألا يمكنني خداعه و لو لمرة واحدة . !
أنصتُ لما تقوله بسمة حينما قالت . :
- و سيأتي ليعيدك حينما تتحسن الأحوال الجوية لديهم . .
عندما أحست بصمتي قالت بصوت مطمئن . :

- لا تخافي سوء الأحوال الجوية مرتبط بحركة الملاحة فقط . .
و في الحقيقة لم يكن هذا ما ألزمني الصمت . .
فأبي سيأتي ليبعدني عنهم و لن أراهم حتى تنتهي الحرب أو ينتهوا . .
غرقت عيني بقطرات الدموع . .
- ريناد هل أنتِ بخير . ؟
- نعم . . أنا بخير . . وداعاً . .
أغلقت الهاتف و أنا واثقة أن بسمة قد أصابها القلق بسبب صوتي المبحوح . .
ناولته الهاتف . .
و قلت . :
- رجاءاً دعنا نذهب إلى بسمة أولاً . .
- ماذا عن العشاء . ؟
- لا أشتهيه . .
تدخل تركي موجهاً حديثه لعبد الله . .:
- ما رأيك أن نتناول العشاء في السيارة . ؟
أومئ عبدالله بالموافقة . .
ثم وزعنا الشطائر . .




|||

كانت الممرضة تكلمني بوجه جامد . .
- يجب أن ترحلي . . يجب أن ترحلي . ،
أذهبي إلى أي مكان . . أذهبوا بعيداً عن هنا . .
و بدأت تخرج ونين حاد و طويل يشبه صوت الطائرات ثم اختلطت معه أصوات صفارات
الإنذار و صوتها العالي يخترق أذني . .
وجدتُ نفسي بعدها أجلس بجانب آمال المتمددة في الشارع و الآلام المخاض ترنو
إليها
بينما الدماء تغطي يدي و تغطي ما حولي و النيران و المتفجرات تتفجر من حولنا
. .
كنت مرعوبة لا أعرف ماذا أفعل . .
ألتفت حولي أبحث عن مساعدة فوجدت النيران قد منعت خالتي من مساعدتي
بينما حجب الدمار و الحديد المتناثر محاولاتي اليائسة لجذب انتباه أمي
و التي تمشي بهدوء يتضاد مع ذلك الدمار . .
اختفى المشهد فجأة . .
أغمضت عيني ثم فتحتهما . . شعرت بالماء الذي رطب وجهي و شعري و جزء من ملابسي
..
أدرت عيني إلى من حولي . .
كان خالتي تنظر إليّ و بيدها كوب ماء . :
- لا بأس عليكِ يا ابنتي كان كابوساً . .
درت بعيني حولي مرةً أخرى لأرى الأطفال الصغار مستيقظين ما عدا محمد الذي
يشتكي من ضعف في السمع . .
أيقنت عندها أنني صرخت بأعلى صوتي و أنني قد أيقظت هؤلاء الأطفال . .
مسحتْ على وجهي بالماء لتعيد إليّ وعيي مرةً أخرى ، و هي تردد . :
- بسم الله . . أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق . .بسم الله الذي لا
يضر مع اسمه شيء في الأرض و لا في السماء و هو السميع العليم . .
قربتْ كوب الماء إلى شفتي المرتجفتين . .
أكان كل ذلك حلماً حقاً . !
لا يمكن أن يحدث هذا . .
هببتُ من سرير مسرعةً للبحث عن ذلك الكتاب الذي أعطتني إياه تلك الممرضة . .
أخذت أفتح الأدراج . . بحثاً عنه بينما خالتي تحيطيني بأذكارها . .
لم أجده هناك . .
بحثت عنه مرة أخرى و هلعي يزداد بازدياد كل خفقة يخفقها قلبي . .
وجدته . !
قبضت عليه بقوة . .
يجب علي قراءته الليلة . .
اتجهت إلى سريري وجلست القرفصاء و الكتاب بين يديّ . .
و خالتي تتابعني بعينين مشفقتين على حالي . .
نهضت من سريري و خرجت من الغرفة لأبحث عن مكان يبعدني عن عينيها . .
خرجت إلى الساحة و جلست على الدرج المتدرج من مرتفع مدخل بيتنا الداخلي . .
التهمت الكتاب بنهم الجائع من مقدمته حتى انتصفت فيه . .
تسلل إلى أذني نداء الصلاة . .
" الله أكبر . . الله أكبر . . اشهد أن لا إله إلا الله . . أشهد أن محمداً
رسول الله . .
حي على الصلاة . . حي على الصلاة . . حي على الفلاح . . حي على الفلاح . .
الصلاة خير من النوم . . الصلاة خير من النوم . . الله أكبر . . الله أكبر .
.
لا إله إلا الله . . "
أغلقت الكتاب و أنا أتنهد باطمئنان . . وكلتُ أمري إلى الله . .
ثم توجهت إلى الداخل لأتوضأ و استعد للصلاة . .


|||
قامت عن فراشها برأس مثقل بالنعاس . .

حاولت فتح عينيها و مقاومة النعاس الذي يغريها للعودة إلى النوم . .
سحبت أقدامها إلى خارج الغرفة . .
و قبل أن تخرج ألقت نظره إلى حاسوبها فرأته على هيأته منذ الأمس . .
الأمس . . هل كان ذلك بالأمس . !
أغلقت الباب خلفها . .
شعرت بأحد ما يقف بعيداً عنها . .
رفعت رأسها بتثاقل و هي ترمش بعينيها لتزيل الأثقال التي تجذبها لإغلاق
عينيها . .
و لتحاول أن تعي ما حولها . .
كان سعداً واقفاً هناك ببذلته العسكرية . .
خرج من شفتيها هذا السؤال . :
- أستذهب . ؟
- نعم . !
قالها بجمود . .
أمسكت أذنها اليمنى و أخذت تمرر أنملتها على الصيوان مفكرةً لولهة
ثم استدارت إلى الحمام . .
لحظة . !
أهذا يعني بأنها يمكن أن لا تراه مرةً أخرى . !
ألتفت إليه بسرعة . .
لتجد الرياح تعبث بمكانه الفراغ . .
اتجهت إلى الطابق السفلي تبحث عنه ، يجب عليها أن تودعه على الأقل . .
نزلت الدرجات بسرعة و انطلقت إلى الخارج . .
توقفت بجانب الباب مستندةً إليه بكسل و هي ترقبه وهو يودع والدتها الباكية .
.
أرخت رأسها إلى الباب . .
ابتسمت له وهي تكتم دمعتها الآسية حينما رفع رأسه بنظرته الخالية من أي تعبير
. .
تركت الباب ثم ذهبت إليه . .
صافحته و ابتسامتها تناضل شفتيها تحاول التشبث بهما . .
وقفت على أمشاط قدميها ثم قبلت رأسه ثم قالت . :
- اعتني بنفسك . .
لم ينبس بشيء . . خرج و نظرة عينيه لم تتغير . .
أغلقت الباب خلفه و هي تشاهد والدتها تنحب و تبكي على ابنها . .
تهاوت ابتسامتها أخيراً و ارتجفت شفتيها بينما عينيها أغرقتا بالدموع . .
- هاي . . ألن تأتوا لتناول الفطور . ؟
نطقتها منيرة بمرح . .
خرجت إلى الخارج و هي تراقب ذلك الموقف الدرامي . .
قالت محاولة إضافة القليل من المرح على الموقف . :
- ألن تكفا عن محاولة تقليد الأفلام الهندية . ؟
ألقت رهام بصرها عليها تحدق فيها بنظرات مؤنبة لم تنسى ما فعلته بالأمس . .
- آآآ . . ما رأيكن لو دخلنا لتناول الفطور . ؟
لم تزل عيني رهام لم تغادرها . .
قالت بارتباك . :
- حسنا . . سأذهب . . لـ غلي . . الماء . .
استدارت عائدةً حتى أوقفها ذلك الصوت . :
- لماذا أتعبتِ نفسك و أنتِ ضيفة في بيتنا . .
ألتفت إلى خالتها و هي تبتسم و نظرات رهام لم تهجر عينيها بعد . :
- هذا . . واجبي . .
ثم دلفت إلى الداخل . .
غادرتا الساحة الصغيرة و دلفتا إلى المنزل . .
ما أن أنهوا فطورهن حتى هّبت منيرة لتنظيف الأطباق . .
و دخلت في محادثة بسيطة معاتبة من خالتها بأنها ضيفة و يجب أن لا تغسل
الأطباق معهم . .
ذهبت رهام لتغسل يديها . .
فتحت الصنبور و جعلت يديها تنعم بالماء الدافئ و هي تحدق في مجرى المياه
شاردة . .
أتت يد ما و أغلقت الصنبور و لم تنتبه إلى ذلك ،
إلا عندما توقف الماء عن الانسلال بين يديها . .
ألتفت إليها ، ابتسمت هبة في وجهها و أشارت لها . . ( عما تفكرين . ؟ )
قالت رهام وهي تشير إليها . .
- لا شيء . .
أخذت المنشفة لتجفف يديها . . أحست بنقرة هبة على كتفها . .
التفتت إليها . .
أشارت لها هبة . .( ما الشيء الذي وقعت فيه منيرة . ؟ )
ابتسمت رهام و قالت . .
- و ما الذي يجعلك تظنين هذا . ؟
أشارت لها هبة . . ( أنها تتفانى في عرض خدمتها اليوم . . و هي لا تفعل ذلك
إلى إذا كانت مخطئة . . )
تابعت رهام الابتسام و هي تقول . :
- و كيف علمتِ ذلك . ؟
أشارت لها . . ( أتذكرين حينما كانت معجبة بإحدى الفتيات . . و كشفتي رسالتها
. . و أيضاً عندما فعلت ذلك الشيء. ؟ )
ضحكت رهام بخفة . .
أشارت لها . . و قالت كاذبة بابتسامة مزيفة . :
- هذه الفتاة مليئة بالمشاكل لكنها لم تخطئ هذه المرة . .
ربما تود أن تبيت عندنا أكثر من ليلة ، خاصةً بعد رحيل سعد . .
أشارت لها هبة و هي تبتسم باطمئنان . .
( كم هذا مطمئن لقد خشيت أن تكون قد وقعت في مشاكل مرةً أخرى . . )
عادتا إلى الصالة و هبة تراقب تصرفات منيرة المثيرة للإعجاب . !

|||


تابعا الحديث و المناقشات المملة بالنسبة لـ ريناد و تجاهلوها و كأنها ليست
في نفس السيارة . .
كتمت غيضها بقضم قطع كبيرة من الشطيرة اللذيذة . .
و شرب المشروب الغازي الغير مفضل لها بتاتاً . .
استقبلتهم أضواء العاصمة باليمن و الترحاب ،
بينما تراخت أشعة الفجر و استراحت خلف أضواء العاصمة . .
كانت هذه أول مرة تدلج فيها ريناد إلى العاصمة منذ مدة طويلة . .
أخذت تقلب عينيها و تراقب ما حولها بشفتان مزممتان ضجرتين ، و هي تفكر . .
متى سأصل إلى سكن بسمة هل هو بعيد إلى هذه الدرجة . !
لقد طلع الصبح و أنا لم أصل بعد . !
أووه . .
كم هذا متعب . !
كم من الـ ( كم ) هنا في هذه البلاد . !!
لـ ربما لو جلست في منزلي لكان أفضل لي من أن تحدث لي تلك الحوادث . .
فأولاً سرقت محفظتي ،
ثم نسيت أين وضعت بطارية هاتفي النقال ،
ثم ذلك الرجل المقزز ،
و أخيراً ذلك الصرصار الغبي المجنون . !
تنح الآن شعورها بالمغامرة و تسلل شيئاً فشيئاً و احتل موقعه الضجر . .
توقفت السيارة . . حينما ترجل صاحبه من السيارة ،
قال عبد الله وهو يهم بالنزول . :
- سنذهب لنشتري بعض الكتب و الخرائط . . يمكنك المجيء إذا أردتي . .
نزلت ثم أدارت بصرها عما حولها فوجدت نفسها أمام إحدى المكتبات الكبيرة
و أشعة الشمس تحاول غزوها بنورها الساطع . .
ما الذي يفعلانه في الصباح الباكر . !
دلفت إليها و رأت عبد الله و تركي يذهبان إلى ما يريدانه . .
أخذت تقلب نظرها ذات اليمين و ذات الشمال، تعتبر المكتبة شبه فارغة من الناس
. .
و لا يوجد ألا هذا الرجل الطاعن في السن و نسوة قليلات تناثرن يبحثن عن
غايتهن في القراءة . .
بحثت عن قسم الروايات لترى ما هي آخر الروايات التي نزلت لديهم . .
قرأت عناوين القصص لكن لم تنجح رواية ما في شدها لاقتنائه . .
زفرت بضجر .. وهي تدير عينيها على من حولها . .
رفعت قدمها و جعلت أسفل حذائها على مرمى بصرها . .
لم تجد بقايا واضحة للصرصار . .
أخذت تتنقل بين الأقسام الواحد تلو الآخر حتى تعمقت في المكتبة . .
- ما رأيكِ بهذا . ؟
- لا ليس به ما أريده . .
أرخت أذنها لتسمع تلك المحادثة و صوت الكتب و الأوراق التي تفتح و تغلق . .
- امم . . ماذا عن هذا . ؟
- يبدو مناسب بعض الشيء . .
كانت ترى يديّ الفتاتين و لم تكن تستطيع رؤية وجهيهما
بسبب ذلك الحاجز وتلك الكتب المصفوفة أمامها . .
أغراها الفضول و الفراغ في الاتجاه إليهما و رؤيتهما عن كثب . .
سارت بجانب الحاجز حتى انتهى ثم استدارت لتصعق برؤية شخص ما . .
قالت و السعادة تغمرها . :
- بسمة . !
رفعت بسمة رأسها لهنيهة ألقت نظرة إليها ثم عادت إلى ما تقرأه . .


فجأة تركت الكتاب الذي بين يديها بعد أن أدركت ما رأت . .
هبت إلى ريناد بقلب مفتوح ، التقت الفتاتان و اكتنزت كل منهما الأخرى بين
أحضانها ،
دمعتان انحدرتا على خديهما و اختلطت بشعراتٍ شاذة فتندت بتلك الدموع الحارة .
.
قالت بسمة بقلب محروق . :
- هل أنتِ بخير . ؟ ، كيف تفعلين هذا بي . ؟
كيف تأتين هكذا دون تخبري أحداً و تجعليننا نقلق عليكِ . .
كانت ريناد تحتضن بسمة بصمت و هي تتذكر لحظات وحدتها و حياتها الفاترة و
حيرتها
التي وقعت بها في هذا العمر و لم تجد أم أو أخت تسألها و تثق بها . .
تقدمت هديل و عدة كتب بين يديها . .
- كيف أمست أمسيتك . ؟
خففت ريناد من حدة إمساكها لـ بسمة ثم أبعدت يديها
و هي تزيح دمعة خرجت من عينها بيدها ،
قالت و هي تصافح يد هديل الممدودة بابتسامة . .
- أمسى سعيداً . .
ابتسمت في وجهه ببشاشة و قالت . :
- هذا حسن . .
ألتفت إلى بسمة و قالت . :
- أنا ذاهبة لشراء هذه الكتب . .
تركتهما لتتحدثان ثم اتجهت إلى قسم المحاسبة . .
وضعت الكتب و همت بفتح محفظتها لدفع النقود . .
و سمعت حواراً خلفها لـ شابين و قد أثار هذا استغربها
خاصةً بعد خلو المدينة من الشباب ..
- أرأيت ريناد . ؟
أومئ رفيقه بـ لا . .
- حسنا أنا ذاهب لأبحث عنها . .
بينما استدارت هديل لترى من ذا الذي يعرف ريناد . !
وجدت الشاب يرتب خرائط و أطالس ، و بعض الكتب التي تبدو من غلافها أنها لعالم
الأحياء . .
زاد عجبها و كأن ليس هناك ما يدعو للقلق في هذه البلاد . !
لمحت ساعته الباهظة الثمن . .
عندها أدركت أنه أحد الفارين من الالتحاق بالجيش . !
كيف يُسمح لهم بذلك . .
لم تنتبه إلى نظرته المتعجبة بسبب حديثها مع المحاسب . .

|||
نهضنا على صفير صفارة الإنذار المزعجة و المياه مسكوبة فوق رؤوسنا . .
نهضت مشوشاً كباقي كل الأفراد المشاركين لنا في الحجرة . .
بملابسي العسكرية التي لا يمكننا خلعها و استبدالها بملابس النوم . .
هذا ظلم و انتهاك لحقوق الإنسان . !
نزلت من سريري بسرعة و كدت أسقط على جابر الواقف بشموخ ،
رغم تقاطر قطرات الماء من وجهه . .
أديت التحية العسكرية متأخراً بعد أن أداها الجميع . .
كيف لهم أن ينقلونا إلى حجرة كبيرة و يحشدون فيها الكثير من المجندين . .
أعاد صراخ العميد فكري إلى ما يقوله و هو يصول و يجول بيننا . :
- هذه الحرب سنكون المنتصر فيها . . سنحارب بكل أرواحنا و دمائنا لننقذ هذا
الوطن و المليك و الأهل . .
ابتسمت بسخرية و كأن هذا المليك ليس هو من حشرنا في هذه الحرب
لأجل طمعه و أخيه على قطعة أرض و نهر وفير الخيرات . .
- هاي أنت . . ألا تسمعني . !
- هاه . .
ضربني بعصاه على كتفي و بقوة . .
- كيف تحمي ملكك و وطنك و أنت شارد الذهن . .
ألتفت و تابع حديثه أقصد صراخه علينا و كأنه لم يسبب لي ألماً و كاد أن يخلع
كتفي . .
أنصتُ إلى همسة جابر . .
- تحمل . . أني أرى الصبح قريب . .
أي صبح يتحدث عنه بحق الله . !
آخر ما سمعته و كاد أن يموت منه قلبي خوفاً . .
- غداً سيكون يومكم الحقيقي . . ستدافعون عن وطنكم . . عبر الحدود . .
ألجمتني الفاجعة عن التذمر أكثر . . أسأكون بوجه المدفع و أحاول قذف الرصاصات
بمسدسي . .
و قد يكون أحد الذين أقتلهم عائلة خالي الذي فرقت بيننا الحدود و منعتنا من
الاتصال ببعضنا . !

.
.
ركبنا الشاحنات و بنادقنا تسترخي بجانبنا . .
كانت تلك الوجوه في ذلك اليوم عليها غبرة ترهقها قترة . .
تودع بعينيها الممتلئة بالدمع من يحبونهم . .
يحاولون استحضار وجوههم الواحد تلو الأخر ليودعهم بقلوبهم دون أن يلتقوا . .
سارت دمعة على خدي دون إحساسي بها ،
حينما تذكرت والدتي و والدي الذي فقد قدمه بسبب تلك الحرب الماضية المشئومة .
.
نزلنا إلى تلك المخيمات التي تبدو في مكان ما قرب الحدود . .
و أخذ يخبط فينا خطيب يحدثنا عن هدفنا السامي و ما يجب أن نفعله . .

|||
فُتح الباب بهدوء . .
تقدمت إلى مدخل الغرفة و هي ترمي بصرها حولها بينما يدها متعلقة بأكرة الباب
. .
أحاطت بعينيها الممتلئتان بالدموع المحتبسة على سريره إلى حاسوبه و إلى خزانة
ملابسه ،
ثم إلى مكتبه . .
أغلقت الباب خلفها توجهت إلى مكتبه وهي تجر خطاها خطوة تلو الخطوة . .
تلمست صورتهما الباسمة السعيدة . .
تأرجحت دمعة بين رموشها ثم سقطت على خدها . .
عادت بها إلى ذلك اليوم . ،
حينما كان في بداية التزامه و عودته إلى رشده و تركه لأصحاب السوء . .
كان ذلك الانقلاب هو سبب سعادة العائلة . .
فبعد أن كان شخصاً فاسقاً و بذيئاً لا يقدر أحداً و يبخس الأشياء حقها . .
هداه الله إلى صراطه المستقيم فاستقام و استقامت حياته و أصبح من رواد
المساجد . .
لا تنسى ذلك اليوم الذي أتى فيه وهو يقبل إلى الصلاة و يتوضأ مع أخوها هادي .
.
كان ذلك الشيء شيء يستحق أن يحتفل به . .
ابتسمت بألم . . وهي تذكر ما حدث ذلك اليوم . .
بعد أن سافر هادي لإكمال دراسته ،
تبدل اعتدال سعد شيئاً فشيئا إلى غلو في الدين و التشكيك فيها و في أي حركة
تقوم بها . .
فُتح الباب بغتةً خلفها ليعرق سيل أفكارها الجارف ، رأت منيرة تتسلل إلى
الحجرة بخفة . .
استدارت رهام إليها و توقف بصرها يحدق فيها . .
انتبهت منيرة إلى رهام المستندة بظهرها إلى مكتب أخيها ،
تحدق بها بنظرة باردة و مازالت آثار الدمعة محفورة على خدها . .
ارتبكت منيرة و قالت . :
- آ . . آ .. أوه أنتِ هنا . !
أغلقت فمها لبرهة و هي تحاول أن تبحث عن كلمة مناسبة . ،
ثم تابعت حديثها بعد أن رأت صمتها . :
- كنت أبحث عنكِ . .
و أضافت باضطراب . :
- و وجدتكِ هنا . .
جلست منيرة على سرير سعد و قالت . :
- ماذا تفعلين هنا . ؟
عادت رهام إلى وضعيتها السابقة و بقت تحدق في الصورة . .
اقتربت منيرة من رهام حتى أصبحت خلفها . .
- لم يكن هكذا قبل سفر هادي . . لم يكن يرضى منعي من حقوقي و يشدد عليّ . .
تفاجئت منيرة من انفجار نبع دموع رهام التي تابعت الحديث من قلبها المفطور .
:
- كان أخ حكيم . . ينصحني باللين . . و يعينني و يساعدني فيما يستطيع القدرة
عليه . .
كيف آلت علاقتنا إلى هذا التعقيد . !
أن أتناقش و أتشاجر معه كل يوم عن أبسط حقوقي ،
أن يكون خروجي و حديثي مع صديقاتي و زيارتي لهن بأجمعها مشكوك فيها . !
بكت و بكت بمرارة بينما منيرة تشاهد دموعها بوجه جامد و عينان جاحظتان . .
تساءلت منيرة في داخلها . . أكان لها قلب . ! و تحب أخوها . !
و كان له قلب ليساعدها و لم يكن يصرخ عليها . !
- بعد أن سافر أخي هادي . . تعرف سعد على شاب كان فاجراً و أحقر منه بكثير
سابقاً . . أخبره ذلك الشاب عن قصة استدراجه لإحدى الفتيات المتدينات و كيف
أوقعها في حباله * . . و كم كان نادماً على ذلك . . و لا أعرف ما الذي حدث لـ
سعد بعد تلك الحادثة . . تلاشت ثقته بي و أصبح يتتبع كل ما أقوم به . . و لا
يحادثني إذا شك في شيء ما . !
كفكفت رهام دموعها ثم غادرت الحجرة بقلب مكلوم . .
حينها التقطت منيرة أنفاسها . . و قالت . :
- ما بها اليوم . . تبدو غريبة . !
ثم أخرجت صورة ما خبأتها بين ثيابها . .

|||
فتحتُ باب السيارة ثم أرحت الأكياس على مقعد المجانب لي . .
جلستُ على مقعد السائق و قدمي مسترخية خارج السيارة . .
ترى هل أتصل بها . ؟
أم . .
ألقيت نظره على المكتبة . .
ربما من الأفضل أن أذهب و أرى أن كانت ستعود معي أم لا . ؟
ترجلت من السيارة و سحبت المفتاح ثم قمت بإغلاقها . .
سرت إلى بوابة المكتبة . .
خرج منها شخص ما . . يحمل معه خرائط ما و أكياس مملوءة بالكتب . .
ابتعدت عيناي عنه . .
فعار عليه أن يكون مرتاحاً هنا بينما هناك من يبذل دمائه لأجل هذا الشعب و
الوطن . .
أحقاً هناك أشخاص مثله . !
ولجت إلى المكتبة . .
رأيت ريناد و شخص ما يتحادثان بينما انتبهت إليّ بسمة و أشارت لي بأن أعود
إلى السيارة . .
عدت إلى السيارة و أدرت المحرك و أنا أضغط على الاتصال بـ بسمة . .
لأسألها أن كانت تريد أن تعود معي أم لا . .
- السلام عليكم . .
- و عليكم السلام . .
- أتحتاجين إلى توصيلة . ؟
- لحظة . .
تركتني على الخط لدقائق ثم عادت و قالت . :
- أظن ذلك . . انتظري عدت دقائق و سآتي مع ريناد . .
خرجتا من المكتبة . .
ابتسمت بسعادة و أنا أشاهد ريناد المجنونة تقفز هنا و هناك ،
ممسكة بيد بسمة ذات الشفاه المنفرجة بسعادة و بهجة . .
حدقت في ريناد الحيوية . .
ربما لا تدري ريناد بأن بسمة لم يغمض جفن ليلة الأمس قلقاً و خوفاً على أختها
الوحيدة . .
ركبت بسمة بجانبي بينما ركبت ريناد و هي تتذمر بشكل طفولي صانعةً على شفتي
ابتسامة . :
- هذا هو نصيبي . . أن أجلس بالخلف دائماً . . هاه . !
سرت بالسيارة و هي تتابع تذمرها اللانهائي. .
و أنا أحاول كتم ضحكتي بصعوبة ،
بابتسامة واسعة تكاد تفصح عن الضحكة المتوارية خلفها . .
فقالت بغضب . :
- أضحكي . . أضحكي . . فلست من جابهاً صرصاراً لوحده . .
ضحكت بسمة وقالت بعد أن هدئت قليلاً . :
- لم تخبريني بعد عما حصل معكِ . . أيتها المجنونة . .
ارتمت ريناد على الكرسي وهي تتثاءب و تقول . :
- إنها قصة طويلة سأحكيها لكِ بعد أن ارتاح . .
بدت لي طريقتها في الحديث هي تهرب لا غير ،
لكني لم أعر ذلك اهتماماً كبيراً . .
سألت بسمة . :
- هل أخبرتي عبدالله بأنكِ ستبيتين عندي الليلة . ؟
أومأت برأسها بـ نعم . .
هبت ريناد قائمة من استرخائها . .
- أسنبيت عندهم ؟؟ .. لم . ؟
ردت بسمة . :
- ستسافر هديل غداً بعد خروجها من الجامعة إلى المدينة المجاورة . .
لذا سآتي لمساعدتها في تحميل الأغراض اللازمة . .
تقدمت و حشرت نفسها بين كرسيينا و قالت موجهةً السؤال إليّ . :
- و لم ستذهبين . ؟
قلت لها بصراحة مطلقة . :
- لأن الأوضاع هنا غير آمنة ، و أختي قاربت على الوضع . .
كما أنني سأذهب إلى الجامعة لإيقاف دراستي مؤقتاً . .
أومأت بالتفهم . .
و انطلقنا لجمع ما يلزمني للسفر غداً . .

.
.
- ما رأيكِ بهذا . ؟
أومأت بـ لا لـ ريناد فبدا الضجر على وجهها . .
أخذت تنظر إلى الورقة التي بين يديها بعجز . و قالت . :
- أعرف بأني من اقترح مساعدتك . . لكن . .
أخذت تعبث بشعرها بيدها ، بشفتين حائرتين . . ثم قالت . :
- ما رأيكِ أن نتبادل . ؟
- نتبادل . ؟ !
أومأت برأسها بمرح و هي تقول . :
- نعم نتبادل المهام . . أنت تمسكين بورقة الأطعمة و أنا آخذ ورقة المستلزمات
الصحية . .
ما رأيك . ؟
فكرت بالأمر للحظة و كان يبدو جيداً . .
تبادلنا الأوراق ثم انطلقت ريناد إلى القسم بروح نشطة . .
بحثت بين الممرات عن قسم الأطعمة المعلبة . .
رأيت بسمة في أحد الممرات فاتجهت إليها . .
- السلام عليكم . .
وضعتْ كيس الأرز داخل السلة . . ثم قالت . :
- و عليكم السلام . .
- أنا . .
و ما أن رأت معاني الأسف تنبع في وجهي حتى قاطعتني و قالت . :
- لا بأس . . أنا من عرض مساعدتي عليك ، أما عن ريناد فيسعدها أن تبات معي
الليلة و في أي مكان كان ، كما أن محل سكني تقام فيه إصلاحات كما أخبرتك . .
نحن من سيثقل كاهلك و سيزاحمكِ في منزلك . .
- لكن . .
قالت بلطف . :
- بلا لكن . . تفضلي و أكملي عملك . . فقد أشغلتني عن عملي . .
و دفعت العربة خارج الممر . .
.
.
ما أن انتهينا من جمع ما يلزمنا انطلقنا بالسيارة إلى المنزل . .
أدخلت السيارة إلى داخل المنزل . .
ترجلنا من السيارة ، فتحتُ الباب الداخلي و تبعتني بسمة بهدوء و ريناد بفضول
طفولي . .
قلت بابتسامة . :
- تفضلا . .
تقدمت و تفاجئت بالفوضى المحرجة التي تعج بالمكان . .
المكان غير مرتب بتاتاً و أحمد مرتمي على الأريكة يلعب بالـ ( بلاي ستيشن )
بينما محمد نائم في حضن خالتي بشكله البائس و القطن الملفوف حول أذنه . .
سمعت صوت هناء تنادي . :
- حكيم . ! حكييييييم . ! توقف . . !!
دخل حكيم الصغير العاري يركض إليّ وهو يضحك هارباً من هناء التي تلاحقه
بثيابه
لتلبسه إياها . .
آه هذا محرج جداً . !
بهتت هناء عندما رأتهما ثم حملت حكيم و جرت به إلى الداخل . .
استدرتُ إليهما و رأيت ابتسامتان مرتسمتان على شفتهم . . حاولت تدارك الموقف
بابتسامة واثقة . :
- كما ترون عائلة عادية . . و تحصل في أحسن العائلات . .
ضحكت ريناد و قالت . :
- كل أطفال العالم يفعلون ذلك أيضاً . .
انتبهت خالتي إليهما فوضعت محمد بحذر على الأريكة . . و غطته . .
اتجهت إلينا بملابسها البسيطة ثم ألقت الابتسام و السلام عليهما . .

|||
استيقظت بعينين مغلقتين لم أستطيع فتحهما . .
استسلمت من محاولة فتحهما و أخذت أبحث عن المغسلة لأغسل وجهي . .
تسلل إلى أذني صوت طنين طائرات و متفجرات و صفارات إنذار الحرب ترن بصوت عالٍ
جداً . .
رميتُ الماء على وجهي ثم فتحت عيني ببطء . .
و قلت بضجر و صوتي يشوبه النعاس . :
- ألم يسأم من هذه الأفلام . !
جررت قدمي حتى أخرج إلى الصالة لأخفض من صوت التلفاز قليلاً . !
و ما أن ظهرت حتى بغت برؤية التلفاز مغلقاً و الأثاث مبعثر بينما تركي يبحث
كالمجنون بينها ..
سألته بعينين ناعستين . :
- ماذا هناك . . ما بك . ؟
سار بسرعةً إليّ بوجه ثائر و هو يرتدي حقيبة على ظهره . .
نظرت إلى الساعة فوجدتها العاشرة صباحاً . .
لم يخرج أحد من عمله بعد . .
أوه . .
لقد استيقظت مبكراً بسبب هذا الغبي . !
أحسست بقبضته القوية توقظني من نعاسي وهو يصرخ بوجهي . :
- أخيراً استيقظت . . ما الذي تفعله . !
و عندما رأى عدم درايتي بالموضوع قال وهو يصرخ . :
- ألا تسمع . !
غادر و أخذ يكمل بحثه المجهول . .
حاولت الإصغاء بإذني لكني لم أجد شيئاً غريباً . !
سألته و أنا أتكئ إلى الحائط . .
- ما الذي تبحث عنه . ؟
لم يرد علي بل أخذ يفتح و يغلق كل شيء يراه أمامه بغضب . .
ثم فجأةً فقد صوابه و رمى التحفة التي بيده فتكسرت و تحطمت إلى أشلاء صغيرة .
.
دوى صوته في المكان وهو يقول . :
- اذهب و ارتدي ملابسك و حذائك . !
ذهبت إلى الحجرة و بحثت عن ملابسي ثم بدلتها . .
ما أن انتهيت حتى اتجهت إلى الستارة . .
و فتحتها . .
صعقت ، كادت أن تخرج عيناي عن محجريهما و يتوقف قلبي عن النبض . .
كان الدخان يحيط بالمكان و الطائرات تقصف كل ما تمر به . !
أصمت أصوات التفجيرات التي تعلو و تعلو و أزكمت رائحة الدخان أنفي . .
لاح ببالي صورة بسمة و ريناد و هما مرعوبتين أو مصابتين . !
هرعت إلى تركي . . و قلت و أنا أجري بسرعة مغادراً . :
- أنا ذاهب . .
لحق بي و قال . :
- إلى أين . ؟ كيف ستذهب و سيارتي في الصيانة . !
جريت بسرعة إلى الدراجة النارية و ارتديت الخوذة ثم أخرجت المفتاح من جيبي و
أدرت المحرك . .
- انتظر لحظة . . سأجلب شيئاً . .
صرخ بي تركي ثم ذهب مسرعاً . .
ذهب و قشع كل خريطة كانت في حجرته و أخرج الأسلحة من مخبأها ثم حشرها في
حقيبته و أسرع إليّ . .
ركب الدراجة النارية و ارتدا الخوذة بسرعة و تمسك بي بشدة حتى لا يقع . .
خرجنا إلى الشوارع و انطلقت إلى منزل صديقة بسمة و أنا أحاول تذكر موقعه . .
- إلى أين أنت ذاهب ألن نخرج من هنا . !
ربما كنت أصم ذلك الوقت أو تجاهلته لم يكن أحد اهتماماتي ما يقوله . .
فطنين الطائرات و أصوات ضرب الصواريخ . . و البيوت المتفجرة و الدخان المنبعث
من كل مكان حتى غطى على نور الشمس . . كفيلةٌ بإفقادي صوابي . !
توقفت فجأة أمام منزلٍ قد وقعت عليه غارة . .
ملتف بالسواد . . و سيارة تحترق بداخل المنزل خلف الجدار المنهار . .
و آثار قطرات دموية على زجاج السيارة المحترقة . .
ما الذي حدث . !


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-14, 05:05 AM   #6

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

_ 5 _
( ومضات )
1/2
قلبت الكتاب ذو الخربشات الكثيرة و التوقيعات المختلفة . . ابتسمت بسخرية . .
- ألن تكفي عن العبث بأغراض الصبي . ! ؟
ألتفتت إلى بسمة و قالت وهي تبرر فعلها بابتسامة و كأنها اكتشفت شيئاً مثيراً
. :
- أني أحاول استكشاف شخصيته . !
- من طريقة توقيعه . !
أومأت برأسها بـ نعم و قالت . :
- كريستينا دوماً ما تنجح في تحليل الشخصيات باستخدام خط اليد و التوقيع . .
سكتت لبرهة ثم تابعت حديثها و عينيها تسرد ما على غلاف الكتاب . :
- أنه يعيد كتابة اسمه عدة مرات و بعدة خطوط مزخرفة . . أيظن أن خطه جميل . ؟
. . لحظة . . أعتقد أنه يعاني من النرجسية . .
قلبت الكتاب بقسمات وجهها الحائرة لترى الغلاف الآخر . . :
- كما يكتب أنواع السيارات التي يحبها . . هذا غريب أيضاً . .
رفعت عينيها إلى بسمة التي تكتم ضحكتها . .
وضعت الكتاب بغضب . . ثم ذهبت و جلست بجانبها على السرير و قالت وهي تراقب
شفتيها المبتسمة تناضل ضحكة مجنونة خلفها . .
- اضحكي . ! اضحكي . ! هذا هو ما ألقاه منذ جئت إلى هنا . .
انفجرت بسمة بالضحك أخيراً على ريناد بينما تابعت الأخرى حديثها . :
- لقد تكبدت المخاطر و نسيت ما نسيت لأصل إليكم . . و النتيجة أحدكم يوبخني
لدوسي على صوصوه بدلاً من أن تشجيعي على مجابهته لوحدي . !
نظرت إلى بسمة فوجدتها تتابع الابتسام الضاحك .، صرخت بها و هي تقول :
- و أنتِ تضحكين علي . ! دون أن تسألين كيف أمضيت يومي في المطار و كيف استطع
الإفلات من يد ذلك الشرير و كيف نسيت حاجياتي . . و كيف و كيف . !
قامت من السرير دون أن تنتبه إلى وجه بسمة المتفاجئ . !
أمسكت بكتاب أحمد . . و أخذت تقلب صفحاته بين يديها . .
- ما الذي حدث لكِ هناك . ! ؟
ألتفتت ببرود مصطنع يثير الأعصاب . :
- هل يهمكِ هذا حقاً . !
هرعت إليها و الخوف ينهشها من أن تكون قد أصيبت بأذى . :
- ما الذي حدث بحق الله . ؟
وضعت ريناد الكتاب على المكتب الصغير . . ثم اتجهت بخطوات صغيرة إلى مكتبته
الممتلئة بأشرطة ( البلاي ستيشن ) . .
كانت مستمتعةً برؤية انعكاس وجه بسمة القلق على زجاج المكتبة . .
التفتتا إلى صوت نداهما . .
- ألن تأتيا لتناول العشاء . ؟
بقت بسمة ولهة حتى استوعبت ما قالته هديل بيدها التي مازالت متعلقة بأكرة
الباب . .
أومأت بوجهها المبتسم بقلق . . و قالت . :
- سنأتي بعد قليل . .
أغلقت هديل الباب بعد خروجها بهدوء . .
ثم توجهت إلى حجرة الطعام وهي تتساءل عن سبب تعابير وجهيهما المختلفة . .
.
.
تناولت هديل طعام العشاء و هي تراقب النظرات المختلفة بين بسمة و ريناد . .
بعد انتهائهم من تناول العشاء استأذنت ريناد . :
- عن أذنكم سأذهب لأنام ، فأنا متعبة . .
قالت بسمة . :
- و أنا كذلك . .
لحقت بسمة بـ ريناد و دخلتا للحجرة ثم أغلقتا الباب . .
جمعت هديل الأطباق وعلامة تعجب مرتسمة فوق رأسها . .
فليس من عادة بسمة أن تذهب دون أن تساعدهم في رفع الأطباق . .
رفعت الأطباق وهي تخرج كرة هوائية من صدرها و عينيها محدقتان في الباب المغلق
. .
/
.
.
وضعتُ الأطباق المتسخة في المطبخ ، رأيتُ خالتي تغسل الأطباق . .
خجلت من نفسي فكيف تغسل خالتي الأطباق بينما أنا هنا . :
- أذهبي و ارتاحي سأكمل غسلها . .
شرعتُ في غسل الأطباق بعد أن غادرت خالتي و حملت معها رضاعة حليب . .
دخلت آمال وهي تجر رجليها بصعوبة ثم جلست على الكرسي بتعب . .
ردت على نظرتي المشفقة و قالت مازحة . :
- سيأتي يوم و تتزوجين و تحملين و سأشفق عليكِ . .
- و ستكونين أنتِ من يغسل الأطباق و أنا أقوم بالتمدد فقط . . مثلكِ تماماً .
.
ابتسمت لها بعد أن غسلت يدي و أغلقت صنبور الماء . .
صاح أبريق الماء المغلي خلفي . .
رفعته عن النار بعد أن أطفئتها، ثم سكبت الماء في كوبين و وضعت القليل من
السكر . .
أغمست كيس الشاي في الكوبين ثم وضعتهما على طاولة المطبخ بجانب آمال . .
جلست على الكرسي بينما مددت يدي لآخذ ملعقة لإذابة السكر في الشاي . .
أدرت الملعقة حتى صنعت زوبعة في كأس الشاي . .
قالت وهي تتأوه . :
- ألا يمكنكِ أن تأجلي الرحلة حتى ألد . ؟
مضت برهة أفكر بها في ما قالته تلك الممرضة . .
- أحس هذه الأيام بالتعب يزداد و الطلق أصبح يأتيني بين فترات ليست ببعيدة عن
بعضها أخشى أن ألد قبل أن نصل إلى المنزل . . ما رأيكِ لو مكثنا أسبوعاً ثم .
.
قلت و أنا أقاطعها بحزم . .
- لا . !
- لكن . .
قمت من الكرسي منهية النقاش . .
ثم خرجت إلى الساحة و كوب الشاي بيدي . .
ارتشفت منه رشفة . .
لو كنت أعلم ما يخبئه الغد لمكثنا هنا إلى أن تلدي . .
وضعت كوب الشاي فوق سطح السيارة الأمامي بحيث لا ينزلق . .
فتحت باب السيارة . .
تأكدت من وجود الكتب التي ابتعتها ، تصفحتها بسرعة دون أن أنوي قرأتها . .
وضعتها أمام عجلة القيادة و اخترت إحداها لأتصفحها بينما أشرب الشاي . .
مددت يدي لأرشف رشفةً من الكوب ، فلم أعانق سوى الهواء . .
نسيت بأنه ليس بداخل السيارة . .
تركت الكتاب جانباً و خرجت من السيارة و أخذت كوب الشاي من فوق سطحها . .
رشفة رشفةً أخبرتني ببرود الشاي . .
عدت إلى الداخل و وضعت كوب الشاي فوق طاولة تتوسط المدخل . .
ألتفت إلى الباب و الذي تقف أمامه السيارة ، شعرت بالعجز . .
فكيف سيمكنني أن احشر هذه المجموعة من البشر بداخل سيارة جيب . !
و احد هؤلاء البشر حامل . !
نفضت عن رأسي هذه الأفكار البائسة و ذهبت إلى الصالة لأحضر صندوق الإسعافات
الأولية . .
خرجت بسمة من الحجرة و الحيرة تكسو معالمها . .
سألتها و أنا اتجه بصندوق الإسعافات الأولية إلى الخارج . :
- ما بكِ . ؟
تبعتني حائرة . :
- لا أدري . . ريناد تخفي عني شيئاً . . و هي لا تريد أن تخبرني بذلك شيء حتى
ألح عليها في السؤال . . عندها ستخبرني . .
وقد نامت الآن بعد رحلة متعبة أمضتها من مطار المدينة المجاورة إلى العاصمة .
.
وضعتُ الصندوق على الأرض و فتحت الباب الخلفي للسيارة . .
لم أتفاجئ بالأكياس المبعثرة هنا و هناك . .
أخرجت جميع الأكياس من السيارة و بسمة تساعدني . .
قلت بينما أدخل الصندوق و أرتب الأغراض . .
- و لما لا تلحّي عليها . ؟
- لأنني لا أريدها أن تعتاد على هذه الطريقة في استخراج المعلومات . .
اتجهت إلى الداخل بعد أن احترت في كيفية ترتيب هذه الأشياء . .
ففكرت في وضعها في حقائب . .
- أنتِ تعلمين بأن ريناد عنيدة و ستفعل ما برأسها . .
- و هذا ما يتعبني حقاً . !
توجهت على حجرتي في الطابق العلوي . .
بحثت في خزانتي عن حقيبة مناسبة لحفظ الأطعمة و الأدوية . .
وجدت حقيبتين مناسبتين لذلك , أخذتهما و نزلت إلى الأسفل و من ثم إلى الساحة
. .
ناولت بسمة التي ترتشف من كوب شاي عدة رشفات وهي تتأمل في المكان . .
- هلّا وضعتي بها الأطعمة و دعي الأخرى سأضع بها الباقي . .
تركت كوب الشاي جانباً فوق الدرج . .
اتجهت إلى السيارة المحجوبة بغطاء الأزرق . .
- ما هذه السيارة المحجوبة بالغطاء الأزرق . ؟
سألتني بسمة بينما كنت أتجه إلى سيارة أخي . .
أجبتها حينما أزلت الغطاء عن السيارة ذات الزجاج المكسور منذ خمس سنوات . .
- هذه سيارة أخي حسام . .
- حسام . !
أردفت و زفرة خرجت من رئتي . :
- رحمه الله . .
سكتت بسمة و لم تقل شيئاً سوى أنها أضافت . :
- رحمة الله . .
أخرجت المفاتيح أبحث بينها عن مفتاح سيارته . .
أدخلته في ثقب المفتاح غير متأكدة من إمكانية فتح السيارة . .
أخذت أدير المفتاح يميناً و شمالاً و لم يفتح . .
ضاعفت قوتي . . سمعت صوت ما . . صوتٌ كصوت تحرك xxxxب الساعة . .
حاولت إخراج المفتاح . . لم يخرج . !
جذبته بقوة و لم يخرج . . أيضاً . .
زاد غضبي و أخذت أديرة بعنف يميناً و شمالاً حتى انكسر . !
رميت سلسلة المفاتيح على الأرض بعنف ، يجب أن أخرج بعض الأشياء المهمة من
هناك . !
شعرت باقتراب بسمة مني . .
توجهت إلى مقدمة السيارة و جلست فوق مقدمة السيارة بعجز و أنا أتأمل ذلك
الزجاج المشعّر فـ بدفعة واحدة يمكنك تحطيمه تماماً . .
راقت لي الفكرة كثيراً . .
حاولت الوقوف متزنة فوق مقدمة السيارة . .
- ماذا تفعلين . ! ؟
أجبتها و أنا منغمسةً في الذكريات و في محاولاتي لتحطيم الزجاج . .
- أحاول تحطيم هذا الزجاج . . منذ خمس سنوات . . كان أخي حسام أبن أبي المفضل
. . لا أدري ما السبب لكنه كان كذلك . . و قد توفي بعد أن دعت أمي عليه بقليل
لأنه لم يسمع نصيحتها و ذهب في رحلة خلوية مع أصدقائه . . لم يسمع أحد ما
كانت تدعي به . .لكن أبي كان مصراً أن دعوتها هي سبب موته . . و لكي يعذبها
أخذ سيارته ووضعها هنا لتراها أمي كل يوم ، لتبكي أمي عليه كل يوم . . بعدها
تفككت العائلة و أصبحت كما ترين . !
تحطم الزجاج و تحطمت معه كل ذكريات هديل السعيدة . .
لم أستطيع رؤية أي شيء أمامي ، حيث حجبت الدموع عيني و لم أستطع رؤية الزجاج
المتحطم جيداً . .
أمسكت بسمة بقدمي و هي تناجيني . :
- أنزلي أرجوكِ . .
دخلت إلى السيارة من خلال فتحة الزجاج الأمامي دون أن أراعي شذرات الزجاج
الناشزة هنا و هناك . .
لم تنل مني أي منها . .
جلست على المقعد المجاور للسائق و أخذت ابحث عن أي شيء يساعدني في محنتي . .
فتحت الدرج المواجه لي فوجدت كشاف صغير و شيءٌ مستطيل يحتوي على سكين و عدة
أشياء لا أدري ما فائدتها . !
اتجهت إلى المقاعد الخلفية . .
التقيت بمعطفه الذي بلا كمين و الذي كان يستخدمه حسام في وضع أهم أدوات
الرحلات في جيوبه . .
أخذته و عانقته بدموع ثم ارتديته . .
ولجت إلى مؤخرة السيارة الصغيرة ، بحثت بين الأشياء المبعثرة عن شيء يفيدني .
.
نظرت خلف الزجاج من بين ذرات الغبار ، وجدت بسمة تغادرني إلى الحقيبة و ترتب
الحاجات كما قلت لها . .
تابعت بحثي فالمشوار طويل . .
وجدت خيمة بسيطة ملفوفة فوق بعضها البعض ثم وجدت خيمة أخرى . .
قبضت عليهما بسرعة ثم انطلقت لـ ذات الفتحة بزجاجها المتهشم و الناشز هنا و
هناك . .
خرجت مسرعةً دون أن أعير انتباهاً إلى ذلك الزجاج . .
وصلت إلى مقدمة السيارة . .
جلست على سطحها و أنا أحس بألم في رأسي . .
أصبحت يدي رخوة و لم استطع السيطرة عليها كانت كالأسفنج المبتل . .
فسقطت تلك الخيام الملفوفة على الأرض نزلت من السيارة حتى التقطها رغماً عن
ألم رأسي . .
استندت على سطح السيارة و مسكت الخيمتين بوهن . .
سقطت قطرة دم كسقوط قطرة مطر . .
وقفت و أنا أحاول صلب طولي بالاستعانة بسطح السيارة الزلق . .
رأيت قطرات دم تزيد من لمعان إحدى الزجاجات المتشبثة بإطار الزجاج الأمامي ،
و تابعت خطواتها الحمراء إلى أن وصلت إلى يدي . .
تحسست بداية رأسي بيدي الأسفنجية . .
أخذت الدنيا تدور من حولي ، و لم أستطع متابعة دورانها أكثر فسقطت على الأرض
. .
كان آخر ما سمعته صوت بسمة و هي تصرخ . :
- هديــل . .
و قبل أن تغلق الدنيا عليّ في مكان مظلم ، أدركت أن كل ما أقوم به هو معاندة
مع القدر . .
استسلمت و جعلت الدنيا تغلق علي و على رأسي بألمه الحاد . .
.
.
خرج لي الضوء رويداً رويدا و أناس متحلقون حولي . .
رمشت بعيني لتتضح الرؤيا لدي ، رأيت بيد أحدهم حية سوداء ذات رأس لامع . .
شعرت بأيدهم و هي تمسك برأسي و بتلك الحية و هي تلتهمي جلدة جبهتي . .
و عدت إلى الظلام مرةً أخرى . .
.
.
ميزت صوت والدتي المبحوح من بين كل الأصوات و كانت تسأل عن شيء ما . .
عاندتني عيني و بصعوبة استطعتُ فتحها بشكل طفيف . .
سمعتُ صوت بسمة يخرج من جسم ذائب بين البياض و الصور . :
- لا تقلقي ستكونين بخير بإذن الله . .
شعرت بيدها الدافئة تمسك يدي و صوتها المتراخي يتسلل إلى أذنيّ . :
- جرح رأسك بجرح خطير احتاج إلى عشر غرز . . و تم بعد فضل الله إزالة بقايا
الزجاج من رأسك . .
أرخيت رأسي في الوسادة أكثر متجاهلةً الألم المتصاعد . .
يبدو أني سأمكث هنا لمدة ليست بقصيرة . .
أغمضت عيني ثم فتحتها بعد أن تذكرت أن حجابي لم يعانق رقبتي و لم يحمي رأسي .
.
نطقت بصوت مهتز . :
- أريد غطاء لرأسي . .
وضعت أمي شيئاً ما على رأسي لم استطع تمييزه من شدة تعبي . .
.
.
عدت إلى البيت بعد أن صرح لنا الدكتور في ساعةٍ متأخرة من بعد منتصف الليل
بالخروج . .
استقبلني عند مدخل المنزل . .
دماء متساقطة من بداية سطح سيارة أخي ، حتى تساقطت على الأرضية ثم انقطعت في
مكان بعيد عن السيارة . .
وضعوني على سريري ببطء . .
كان رأسي ثقيلاً جداً غفوت غفوة قصيرة استيقظت منها على كابوس . .
سمعت صوتاً من أصوات ذلك الكابوس . .
مددت يدي إلى الساعة التي بجانبي لأرى الساعة تقارب الرابعة فجراً . .
قمتُ لأتوضأ و أصلي فمن المؤكد أنهم قد أدوا الصلاة منذ نصف ساعة . .
توضأت و عيني تحدق في ذلك الرباط الملفوف على جمجمتي ،
أديت الصلاة و رأسي يثقل شيئاً فشيئا . .
تناولت حبتي مسكن عله يخفف الألم الحاد ، ثم ذهبت إلى المطبخ . .
أشعلت النار على إبريق غلي الماء و انتظرت برأس منكس إلى الطاولة صفارته
المميزة . .
بعد أن زمر و اختلط صوته بصوت ضجيج ذلك الكابوس في رأسي . .
أخرجت كوبي و وضعت فيه البن و السكر و الحليب و مبيض القهوة . .
طوال تلك المدة لم أكن أحس بنفسي فقد كان نصفٌ يعي و نصفٌ مني لا يعي أين هو
. !
خرجت بكوبي و ملعقته العائمة فيه . .
جلست على الدرج الأمامي أمزج تلك المكونات مع بعضها و أراقب منظر قطرات الدم
المتحجرة . .
أخرجت الملعقة و وضعتها بجانبي ، رشفة رشفات صغيرة ثم وضعتُ كوب القهوة . .
يبدو جلياً أن سيارتي لم تتحرك من مكانها ، و ذلك لأن بابها الخلفي مفتوح . !
أنقلوني إلى المستشفى بواسطة سيارة أجرة . ؟ !
رفعت رأسي إلى السماء الصافية و النور يغزوها شيئاً فشيئا و قد تلونت السماء
بموجات الأزرق . .
ذهبت إلى سيارة أخي و تذكرت حينما نظرت أمي إليها يوم دلفنا إلى المنزل برأسي
المعصوب . .
التقطت الخيمتين الملفوفتين حتى أصبحتا بحجم كفيّ ، ثم رميتهما بلا أدنى
اهتمام بداخل السيارة . .
تحسست معطف أخي و تأكدت من أني ما زلت أرتديه . .
عدتُ إلى كوبي عله يوقظ نصفي اللاواعي ، رشفت رشفات و بصري شاخص بالسماء . .
أصبح الضجيج القاطن برأسي يعلو صوته مع انتشار نور الصباح حتى شعرت به و كأنه
أصوات طائرات تقترب . .
مرت أمامي عيني لهنيهة طائرات غريبة تشبه طائرات الـ. ...
نفضت رأسي بـ لا ، فتولد صداع عميق . .
ها قد بدأت أتوهم مرةً أخرى يبدو أن الزجاج قد تغلغل في دماغي . .
نقلت بصري بين سيارة أخي وسلسة المفاتيح المرمية بجانبها . .
ذهبت إليها و كوبي يعانق يدي . .
التقطت سلسلة المفاتيح ، بينما الأصوات تقترب مرةً أخرى و تسير فوقي . .
رفعت بصري بسرعة هذه المرة لأتأكد مما أراه حقاً و لأمحِ تلك الوساوس التي
ابنيها . .
و كأن صاعقةً فرغت شحناته بي . . شخص بصري بالأعلى غير مصدقاً . .
ذهلتُ . !
كانت طائرات حربية . !
و . . و عليها شعار العدو . !!
قبضت على سلسلة المفاتيح و أخذت ارمي كل ما حول السيارة إلى داخله ثم أغلقت
الباب الخلفي بقوة . .
انطلقت إلى الداخل لأوقظهم فقد حان وقت الرحيل . !
|||
ترجل من الدبابة النارية بقلب مرعوب و جسده يكاد يحتضر . .
انطلق ثم وقف فجأة أمام السيارة المدمرة المحاطة بنيران صغيرة يحدق بعينين
جاحظتين غير مصدقتين لما يجري . !
يحدق في تلك الدماء التي تقطع الساحة و يقطعها السواد ، يقطعها الموت و
الظلام . !
نزل تركي من الدبابة و هو في حالة ليست بأفضل من صديقه . .
أيعقل أن تكون قد ماتت . !
كيف يحدث ذلك . ! ؟
دارت عينه حول ذلك الخراب ، كيف آل المكان إلى هذا المنظر . !
أهذه هي حقاً قسوة الحرب . !
لفتت انتباهه أخيراً تلك النيران التي بدأت تلتهم جزءً من السيارة . .
هبّ إلى صديقه و جذبه بعيداً فجأة ، دون أن يبادر الآخر بأي ردة فعل . .
كان الذهول و إحساسه بالذنب قد أخذ منه ما آخذ . .
فهو أخوهما . .
كان يجب عليه أن يعتني بهما و أن يفتح لهما صدره و يضمنهما تحت أجنحته . .
لا أن يتركهما يقضيان الليل في منزل من لا يعرفها و لا يعرف حتى أسرتها . !
كيف تركهما دون أن يقترب منهما و يعرف عما تفكران فيه عما تشعران . . و كيف
تعيشان . !
كان فكره منصب حول أخواته و عقدة الذنب توثق وثاقها بجانب أخواتها ، و قلبه
يتمزق أرباً أربا . .
هوى قلبه حينما سمع صوت انفجار السيارة خلفه . .
حاول أن يلتفت أو أن يعود و يرمي بنفسه تحت هذا الجسم المتحرك . .
لكنه كل محاولاته قابلها الخذلان . .
أخذ يبكي و يبكي حتى تعبت عيناه . .
توقفت الدراجة النارية أمام مكان ما لم يستطع تميزه و لم يرد أن يعرف ما هو .
.
كان يريد أن يموت و يعذب مائة مرة و لا أن يحس بهذا العذاب و هذا الندم . .
نزع تركي مفتاح الدراجة النارية من ثقبها . .
ثم خلع طوقيّ حقيبة الظهر الرياضية المستندة إلى ظهر عبدالله ، فقد أستطاع
بهذه الطريقة أن يمنع عبدالله من الحركة أو السقوط ، و رغم ذلك واجهة صعوبات
في قيادة الدراجة النارية . .
كان المكان يعج بالدخان و النيران منتشرة هنا و هناك و أزيز الطائرات يصم
الأذان . .
و كان المشهد أشبه بـ بركاناً انفجر بالقرب من المدينة . .
نزل تركي من الدراجة بسرعة و هو قابض على يد عبد الله بقوة . .
لم يكن عبدالله يصدر حركة كان ساكناً سكون الأشباح و الدموع لم تفارق عينيه .
.
بعد بحث دقيق بين ذلك الدخان الرمادي ، استطاع أخيراً تركي أن يميز رقم مسار
السيارات الذي يسيرون فيه . .
حاول التذكر بأسرع ما يمكن أين يمكن أن يركنوا سيارته . .
جر عبدالله معه وهو يفكر في لو . .
لو كان لم يرسل سيارته للفحص لكانا الآن بعيدين عن هذا الخطر . .
ارتجف جسمه بغتةً حينما شاهد إحدى الصواريخ و هي تقع بموقع يبعد عنهم كيلو
مترين اثنين ،
لم يكن ما أثار هلعه سقوط الصاروخ بل صرخات الناس و صياح الأطفال الذي كان
يخرق أذنيه خرقا . !
هاج عبدالله فجأة و أصبح يصرخ و يصرخ بجنون بلا وعي . . بينما وقف تركي
ساكناً في حالة يرثى لها ، مذهولاً من هذا الموقف . .
أهذا فيلم رعب أم فيلم حرب أم فيلم موت . !
لم يكن يصدق أن هذا يدور أمام عينيه الاثنتين وهو يقف أعزلاً بلا حراك . !
انتفض بخوف بعد أن اهتز شيء في جيبه . .
أصابه الرعب ، فقنبلة في جيبه . .
قنبلة . !
أخرجه من جيبه دون أن يراه ثم رماه بعيداً عنه . .
جرى ثم توقف فجأة مندهشاً بعد أن سمع صوت تلك القنبلة . !
لم يكن صوت انفجارها بل كان نغمة هاتفه المحمول . .
صدى صوت الموسيقى و ألحان في وسط تلك الضوضاء و الفوضى . .
اقترب من هاتفه الساقط أسفل إحدى السيارات المموّه بالدخان الكثيف و يبدو ان
هناك شيئاً يحترق خلفها . .
جر معه عبدالله الذي أصبح يبكي و يهذي بشحوب الأموات . .
فقد خسر كل ما يملكه اليوم . .
فما هي الحرب . ؟
اقتتال جيشان . !
لا . .
بل هلاك أوطان . !
بالكاد استطاع أن يصل الهاتف بعد أن مد يده أسفل تلك السيارة وهو يكمم فمه و
انفه بطرف بثوبه ، امسكه و كتم الرنين . .
وقف و بيده الهاتف و بيده الأخرى عبدالله الشاحب . .
فتح الخط و حادث والدته ، و كأن شيئاً لم يكن . .
- نحن بخير . . لا بأس لقد ذهبنا إلى بيت الشاطئ . . نعم قررنا المغادرة
بحراً غداً . . هذا صوت التلفاز . . وداعاً . .
أغلق الهاتف وهو يبحث بعينيه الدامعتين بفعل الدخان ، عن سيارته . .
اخرج المفتاح الإلكتروني و ضغط زر فتح القفل حتى يرى أنوار سيارته و يسمع صوت
فتحها المألوف . .
أصغى بأذنه إلى الصوت فلم يسمع سوى صوت الصواريخ و الصراخ . .
حاول أن يلمح بعينيه نور المصابيح فلم يرى سوى احتراق الأشجار . .
ضغطه مرةً أخرى بعنف وهو يسب و يشتم . .
فجأةً خرج صوت من السيارة التي أمامه و صدر ذلك الصوت المألوف . .
كاد أن يطير فرحاً . .
فتح باب صاحب السائق و وضع عبد الله على الكرسي . .
اتجه مستعجلاً إلى بابه . .
ركب و أغلق الأبواب و اتجه بالسيارة بسرعة إلى الخارج قبل أن تحترق بالحريق
الذي يشتعل خلفها . .
داس بقوة على دواسة البنزين . .
و انطلق إلى طريق مختصر يؤدي به إلى خارج العاصمة . .
ما أن خرج خارج العاصمة حتى توقف على جانب الطريق البري . .
و حذا نحو الخلاء يسير حسب خريطته الإلكترونية . .
وهو يلقي نظره إلى الطريق و نظره إلى عبدالله الذي غفي دون وعي منه . .
_ 5 _


( ومضات )
2 / 2
|||

استيقظتُ أخيراً من نومي العميق و الذي تخللته كوابيس مزعجة ، و حقيقةً لا
أدري من الذي سمح لها بالولوج . !


فتحت عيني على طريق ما و رأسي مستنداً إلى زجاجٍ ما . .

ذهلتُ مما أراه أمام عيني . !

لقد كنت نائمةً في منزل صديقة بسمة . !

أين أنا . ؟

هل يعقل أن أكون خطفت و أجر إلى زريبةً ما . ؟

أم . .

عاد ذلك القبيح لأخذي . !

حلّ الرعب على قلبي و كبت عليه . .

ماذا سأفعل لو كنت مخطوفة . !!

حاولت الالتفاف برأسي لأرى من بجانبي ، و لم استطع . .

كان هنالك شيء ما يضغط على راسي . !

يا ويلي لقد خطفت فعلاً . !

و قبل أن انطق بحرف أو اصرخ . .

سمعتُ صوت امرأة تقول . :

- آسفة . . يمكنكِ التحرك الآن . .

استدرت ببطء . .

لأجد أكوام من البشر مصطفون بجانبي . .

كنت في سيارة هديل . !

و ما كانت تلك الأكوام إلا عائلتها . !

ما الذي يجري . .

التفتُ إلى الشارع مرةً أخرى ، و رأيتُ جزءاً من كوابيسي يلهو هناك . !

و سيارات الجيش تعبر بجانبنا إلى داخل المدينة . !

نطقتُ اسمه فجأة بعد أن تذكرته . :

- عبد الله . !

ردت عليّ صوت بسمة من خلف خالة هديل و هناء . :

- أني أحاول الاتصال به مراراً و تكراراً و ما من مجيب . !

اعتصر القلق قلبي ، و لم استطع تخيل ما قد يحدث له . !

- لحظة . !

قالت بسمة ذلك بصوت يشوبه القلق ، ثم قالت بفرح متحمس . :

- ربما يكون هو . !

أصغيت إلى محادثتها الرسمية للمتصل . :

- ألو . . أهلاً . . نحن بخير و الحمدلله . . هانحن خارجين خارج المدينة . .
أأنا


ذاهبون إلى مدينة أخرى . . حسنا . . حسنا . .

امتد هاتفها المحمول حتى وصل إليّ . .

التقطته من الأيدي الموصلة دون أن اسأل بسمة عمن يحادثها . .

قلتُ بصوت سكنه الشوق و الخوف . :

- أين أنت . ؟ هل أنت بخير . ؟

أتاني صوت بعيد عن صوت أخي عبدالله و قريب من صوت شخصٍ أبغضه . !

صوت جامد نوعاً ما . :

- أنا بخير . . أنني في البلاد الآن . . ما أن تصلي سألتقطك و أهرب بكِ
بعيداً عن هذا الدمار . .


رددت بصوت يملئه الدهشة . :

- ماذا عن عبد الله و بسمة . ! ؟

- لستُ بوالدهما . ! و لا أستطيع أن . .

أغلقت السماعة بغضب في وجهه قبل أن يكمل جملته . .

أنهما أخويّ . !

ثم من قال بأني سأعود معه ،

لأن أموت هنا أكثر رحمة من العيش تحت وطأة بروده و الضجر المحيط به . !

لا يمكنني أن أتصور ذلك . .

ودعنا ذلك الشبح الرمادي الصادر من العاصمة معلناً توقفه عن سيره معنا . .

ألتفتُ إلى ذلك الدخان بعينين بائستين ، كيف سيتصرف من بداخل العاصمة . .؟

ضُغط الكابح . . اندفعت فجأة إلى الأمام ثم ارتددت إلى الخلف بقوة . .

توقفت السيارة بغتةً . .

أصابني الهلع كما أصاب الجميع . .

حاولت الاستفسار من هديل عما حصل . .

جحظت عيناي خوفاً عليها ، فقد كان رأسها المعصوب و المحتجب بالحجاب

منكساً مستنداً إلى مقود السيارة بينما تدلت يداها بجانب رأسها مسترخية . .

صرخت والدتها الجالسة خلف هديل . .

مدت يدها إليها . . و أخذت تنقر كتف هديل برعب . .

بينما كانت آمال الجالسة بجانب هديل تحاول رفع رأس هديل عن المقود و إراحته
على مسند الكرسي بيدين مرتجفتين . .


كان الجو متذبذباً مشحون بشتى مشاعر الخوف و القلق . .

أدرت رأسي إلى الخلف لأرى رؤوساً صغيرة قلقه ،

تحاول التقاط صورة لـ هديل و تطمئن عليها . .

ترجلت من السيارة بسرعة و أنا اسمع تساؤلات بسمة القلقة تتبعني . .

- إلى أين أنتِ ذاهبة . ؟

توجهت إلى باب هديل و فتحته بروية حتى لا تسقط على الأرض . .

ثم أشرت إلى أخوها أحمد بالخروج و مساعدتي . .

لا يجب أن تقف السيارة هكذا في منتصف الطريق السريع و في حالة بلاد كهذه . !

نزل أحمد بينما تحاول بسمة ثني أم هديل عن النزول . .

حاولت رفع رأس هديل ثم أسندت رأسها على ظهر الكرسي . .

كان أحمد يقف حائراً خائفاً خلفي قلت له بلهجةٍ آمرة . :

- تعال ساعدني في حملها . !

تقدم بسرعة . .


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-14, 05:09 AM   #7

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

سألته و أنا أحاول إزاحة هديل عن الكرسي و أختها الحامل تشير إليّ بأن لا
أفعل ذلك . :


- كم عمرك . ؟

رد بسرعة قائلاً . :

- خمسة عشر عاماً . .

- كم وزنك . ؟

- لا أدري . . ربما 59 كجم . .

أزحت هديل إلى جانبي أخيراً و قلت له . :

- جيد يمكنك أن تحمل من هو أقل منك وزناً . !

أضفتُ بعد أن أحسستُ بثقلها عليّ . :

- على ما أعتقد . !

أتت بسمة و ساعدتنا في حملها و وضعها بجانب خالتها مكان مقعدي ، أغلقتُ الباب
خلفها . .


فتولت خالتها مسؤولية إيقاظها بينما تحاول والدتها أن تصل إليها . .

وجهتُ سؤالاً إلى أحمد و أنا أدير بصري حولنا و أرقبُ السيارات الطائرة عن
شمالنا . :


- هل تعرف القيادة . ؟

أشار برأسه لا . .

ألقيت بنظره على بسمة و أشارت بـ لا أيضاً . . زفرتُ ما بصدري من كدر . :

- حسنا . . أركبا السيارة أنا من سيقودها . !

قالت بسمة معارضة . :

- لكنكِ لا تعرفين . .

قاطعتها قائلة و أنا أجلس على مقعد السائق . :

- لقد حصلتُ على رخصة القيادة من هناك . !

أغلقت الباب و أشرتُ لهما بالركوب . .

أدرت مفتاح السيارة بقلق . .

كان يجب أن لا أكذب . !

اممم . .

حسناً لست اكذب . !

اليوم سأتم ستة عشر عاماً و لو كنت هناك لكنت استخرجت الرخصة في مساء هذا
اليوم الأسود . !


إضافةً إلى أنا " جينس " علمني كيف أقود السيارة قبل أسبوعين و يمكنني أن . .

- هل أنتِ متأكدة من قدرتكِ على ذلك . ؟

قطعت بسمة خيط هيامي في القلق . .

استجمعت كل ما أملكه من الشجاعة ، فكما استطعت قتل صرصار أخيراً يمكنني أن
أقود هذه إلى المدينة الأخرى . .


دست على دواسة البنزين بخفة ثم تركتها بعد أن اندفعت فجأة إلى الأمام . !

يا ويلي . ! ماذا سأفعل . !

أنني لا أستطيع القيادة أبداً . .

كلا . . يمكنني ذلك . .

كنت في صراع نفسّي مع نفسي . !

صرخت بي آمال فجأة . :

- أركني السيارة جانباً ستؤدين إلى قتلنا . .

دست مرةً أخرى على دواسة البنزين بحذر اكبر و برقة . .

سارت السيارة بهدوء . . جيد . !

بتُ أجشع نفسي أكثر و أستذكر " جينس " و كيف قاد السيارة و قدتها معه . .

أدرت المقود إلى اليمين إلى خارج الطريق لتكون بعيداً عن السيارات الطائرة .
.


أوقفت السيارة على بعد عدة أمتار عن الطريق . .

تنفست الصعداء ، فقد وصلنا سالمين . .

ابتسمتُ براحة . .

- هديل . . هديــل . .

ألتفتُ إلى الخلف بسرعة لأرى ما حصل . .

صدرت منها ونين تقطع بآهات . .

رفعت يدها بوهن وهي تمسك رأسها بملامح متوجعة . .

همست بشيء لم يصل إلى أذنيّ . .

هزت خالتها رأسها بالموافقة و أمرت أحمد . :

- أجلب لي الماء . .

أخذت تدور هديل بيديها المرتجفتين تبحث عن شيء في معطفها بينما أمها تردد . :

- هداكِ الله . ! لقد طلب منكِ الطبيب أن ترتاحي . .

كيف تقول لها ذلك وهي من أنقذنا من خطر عظيم . !

وجد أحمد أخيراً الماء وسط متابعة الأطفال الصغار لبحثه بعيون بائسة تنقل
بصرها بينه و بينها . .


سلم الماء لخالته . .

أخرجت هديل حبات دواء ما من معطفها . .

تناولتها ثم شربت الماء كمن سيموت عطشاً ، خرجت من بين شفتيها قنوات للمياه
بللت معطفها . .


قالت بصوت متعب وهي تدير عينيها حول الأشخاص الجالسين بجانبها و خلفها و
أمامها . .


أدارت بصرها الشارد إلى النافذة و أخذت تبحلق في الطريق القريب منا لولهة . .

ضاقت عينيها بالتفكير . . و هي تبصر ازدحام السيارات التي بجانبنا . .

امتلئ فجأة الطريق فجأة بالسيارات المتوقفة و أصوات أبواقها يثير الأعصاب . .

قالت هديل و هي تفكر بصوت منخفض . :

- نقطة التفتيش . !

تأوهت ثم استندت إلى الكرسي مرةً أخرى . .

لاحظت أخيراً أننا جميعاً نراقبها حاولت أن تضحك رغماً عن ألمها الظاهر
للعيان . .


- في ماذا تحدقون . ؟

لما رأت صمتنا و أعيننا المشفقة و الخائفة ، قالت . :

- لا بأس أنا بخير . .

فتحت الباب دون أن تبالي بمحاولات خالتها في ثنيها عن النزول . .

أغلقت الباب خلفها ثم استندت إلى سطح السيارة الأمامي تراقب السيارات . .

أخرجت شيئاً من معطفها الذي بلا أكمام . .

كانت خارطة صغيرة لشيء ما . . أظنه المدينة . .

فتحتُ الباب ثم نزلتُ إليها . .

كان من الواضح على هديل أنها تحاول أن تتماسك أمامنا و أنها متعبة بما فيه
الكفاية ،


فقد كانت تتمايل كأنها مصابة بالدوار . !

و تستند إلى سطح السيارة . .

لم أنتبه إلى الفتاة الحامل و كلامها عن إحساسها المتزايد بالطلق ،

إلا بعد لحظات من شخوص بصري على هديل . .

|||
حاولتُ الصمود أمام صف السيارات المتحرك نحوي . .

استندتُ إلى سطح السيارة ، أغلقت عيني بشكل مستميت . .

ليس هذا وقت الدوار . !

تحاملت على نفسي و ألقيت نظره إلى صف السيارات . .

يبدو أن نقطة التفتيش التي على بعد كيلومترين قد أعاقت تقدمهم . !

ليست بعلامة جيدة . .

سنصل بعد خمس ساعات أن استمر تقدم هذا الصف بهذا الشكل . !

أمسكت رأسي محاولة القبض على هذا الصداع و الدوار اللذين لا ينفكان عن إزعاجي
. !


يجب أن أتحمل .! ، يمكنني أن ارتاح و أنام إذا وصلنا سالمين . .

فتشت في معطف أخي عن أي شيء مفيد . .

وجدت خارطة بها تفاصيل تفيد الرحالين و قاطعين البراري و البحار . .

كانت الخارطة دقيقة لا تغفل اسم شارع أو طريق إلا و ذكرته
و تغطي المدن الكبيرة و الصغيرة و القرى المحيطة بمنطقتي . .


وجدتُ الطريق الذي نسير فيه . . تتبعت بأنملة أصبعي الخنصر سيره . .

كان يتفرع في النهاية إلى فرعين فرع يتجه إلى المدينة التي أقصدها و فرع يؤدي
مدينة أخرى بعيدة كل البعد و سيتخذ قطع الطريق إليها في الأحوال العادية ثلاث
ساعات . .


هذا ليس جيداً البتة . !

كان أقرب شيء إلي هي مدينة صغيرة كانت قرية قبل أن تُطور قليلاً . .

كانت هذه القرية بالاتجاه الشمالي الغربي على الخارطة . .

تلفتُ حولي و الدوار بدأ يضللني من جديد . .

أحتاج إلى بوصلة . . بوصلة . !

من المؤكد أن هناك واحدة ما في هذا المعطف . .

أخذتُ أبحث و أبحث دون جدوى . !

- هديل . .

سمعت صوتها المتحشرج الخائف من شيء ما . .

التفتُ إليها ببطء و أنا استند إلى السيارة بضعف . .

قلت لها و أنا أحاول جر الكلمات من حنجرتي جراً . .

- ماذا . . هناك . ؟

قالت ريناد و الارتباك باد على وجهها . :

- لا ادري . . آمال تقول بأنها الطلق يزداد عليها ، و تخشى أن تلد . !

لم أستوعب ذلك إلا بعد مضي هنيهات . .

لكنها من المفترض أن تلد بعد أسبوع ، و ليس اليوم . !

بعد أن وصل المعنى الصحيح لعقلي الواعي صرخت . :

- ستلد . ! الآن . !!

لملمتُ الخريطة بسرعة و طويتها بشدة دون رحمة . .

لا أدري أين وضعتها . ؟ ، و لا أدري أين ذهب ذلك الدوار و الوهن الذي كان
يسكنني . .


تبخرا و حل محلهما طاقة غريبة . .

ركبتُ السيارة و كنت أحاول طمأنة آمال بكلمات لا أدري ما فحواها . .

ألقيت نظره على من خلفي عن طريق المرآة المستحوذة على وسط الجزء الأعلى من
زجاج السيارة الأمامي . .


أدرتُ محرك السيارة و أنا أشاهد درجة الحرارة الرقمية . .

و اتجاه السيارة ، انتبهتُ فجأة إلى وجود بوصلة في السيارة . .

بوصلة . !

أدرتُ السيارة إلى الاتجاه المطلوب الشمالي الغربي وسط ذهول الموجودين . .

بحثت عن الخريطة مرةً أخرى . . وجدتها أخيراً . .

فتحتها و أنا أقلب بصري بينها و بين آمال التي كانت تصر على أسنانها بقوة . .

سرتُ على بركة الله في مغامرة غير مأمونة العواقب . .

و لستُ أدري إلى أين ستؤدي بي كل الطرق . ؟

قطعت بالسيارة عدة كيلو مترات . .

دون أن تظهر تلك القرية بعد . !

ألقيت نظرة قلقة على مؤشر خزان الوقود كان يكاد ينفد . .

وضعت يدي على رأسي أحاول بها تصفية عقلي من تلك الهواجس و منع أذني من سمع
تأوهات آمال . .


أبطئت السيارة من سرعتها رويداً رويداً حتى توقفت . .

- ماذا . . هناك . ؟

- هل ضعنا . ؟

- لماذا توقفتِ . ؟

- هل أنتِ بخير . ؟

تطايرت الألسن تسألني . .

وضعتُ يديّ على وجهي للحظة ثم مسحت وجهي بهما قبل أن تتحدان مع بعضهما و
تقفان بين أنفي و بوابة شفتيّ . .


كيف سأحل هذه المعضلة . !

رغم أن ما حلمتُ به لم يحصل لكنني الآن متوقفة في وسط البراري . .

ضائعة و لستُ لوحدي ضائعة بل معي ثلة تاهت تحت قيادتي . .

أحسستُ بيد تربتُ على كتفي ، التفتُ إليها بعين كسيرة . .

كنتُ أرى صر أسنانها على شفتيها بين حين و آخر وهي تتحامل على نفسها و
تحادثني . :


- لا بأس ، ما دامت هذه الخريطة كانت لحسام فلابد و أنها صحيحة . .

ترجلتُ من السيارة و بيدي الخريطة . .

نزلت إلى الأرض بعينين شاردتين تعاين المكان بقلب مفطور . .

وجهتُ بصري إلى الخارطة عدة مرات . .

لماذا لم تظهر بعد . ؟

بحثتُ عن أقرب طريق يؤدي إليها . .

كان حسب مقياس الخارطة يبعد مسافة كيلومترين تقريباً . .

أنه بعيد . !

فلو سرتُ على الأقدام سيستغرق هذا ساعة و ربما أكثر . !

حدقتُ في الخارطة بعين بائسة و أنا أعض على شفتي بعجز . .

كم أنا عطشه . .

اتجهتُ إلى السيارة فوجدتهم يراقبونني جميعاً . !

آه . .

جميعهم يعتمدون علي لا أريد أن أخذلهم في هذه اللحظة . .

أشرتُ لهم و أنا اتجه إليهم بأن يحضروا لي الماء . .

فتحت بسمة الباب و خرجت و معها الماء أعطتني الماء و كانت الشمس تقف فوقنا
تهزئ بي و تسلط أشعتها الحارقة علينا . .


ناولتني الماء . . تلقفته بسرعة و فتحت الماء لآخذ عدة رشفات متتابعة . :

- لماذا توقفتِ . ؟

سألتني فتوقفت المياه في حلقي . .

اختنقت بها ، ثم أخذت أسعل بشدة . .

بينما كانت بسمة تربت على ظهري ، هدئت نفسي قليلاً . .

آثرت أن أخبرها بالحقيقة على أن أكذب عليها و أخسر الوقت و الجهد . .

أعطيتها الماء ثم بدأت أبحث عن بوصلة في هذا المعطف . :

- لقد نفد الوقود . . لهذا لا يمكن أن تسير السيارة أكثر من هذا . .

وجدتُ البوصلة أخرجتها من ذلك الجيب المخفي . .

أطلعتُ بسمة على الخارطة و البوصلة و أخذتُ أشير لها إلى الطريق البريّ . .

- لهذا سأقطع كيلو مترين حتى أجد سيارة تقلنا أو تجلب لنا الوقود ، سأعود
إليكم بعدها لأقلكم . .


الطعام ستجدونه في الحقيبة الحمراء بينما توجد كميات كبيرة من الماء في علب
توجد في الحقيبة الرياضية الكبيرة ، ستجدينها أسفل الحقائب . .


أخذا الماء منها و قلت . :

- هذه سأبقيها معي حتى لا يصيبني العطش . .

احتضنتها و كأنني أراها للمرة الأخيرة ، أعلم بأن ما أفكر به ليس بفكرة صائبة
. .


لكن ليس لدي حيلة . .

استدرتُ و أنا اقبض على الخريطة في يد و في اليد الأخرى البوصلة . .

ثم تابعت سيري . .

كنت استرق لمحات من وجههم التي تتطلع إليّ . .

رأيتُ أمي تحادث بسمة . .

رأيتُ عيني أحمد المذهولتان . .

رأيتُ أعين صغيرة تتبع تحركاتي . .

و عينان شاردتان في لا شيء . .

كانت أذني تصغي إلى كل صوت تتطلع إلى شيء ما . .

أُصغي إلى صوت خطواتي فوق تلك الحصوات الصغيرة و أنا اطحنها . . أو . .
تعيقيني . .


أو . .

يبقى كل منا واقف فوق الحصوات الباقية بشموخ عابر ينتهي بدفعة من أحدهم
فنسقط و نتدحرج فوق من كنا فوقهم و من ثم نكون أسفلهم . .


توقفت خطواتي على صدى صوت أمي التائه بين الحصوات الصغيرة و الفضاء الشاسع .
:


- توقفي . .

لم استدر إليها حتى لا يتهاوى شموخي و أتمزق إلى ألف قطعة
تتساقط و تتناثر بين تلك الحصوات . .


أمسكت بكتفيّ من خلفي و قالت بصوت يملؤه الرجاء . :

- لا تذهبي . ! أنتِ متعبة . .

لم استطع أن أتابع سيري فقد دفعني أحدهم قبل هنيهة . .

استدارت حتى واجهتني وهي تنظر بعمق في عيني الشاردتين في ذلك الفضاء الشاسع .
.


عندما لم يصدر مني سوى إيماءة مرتجفة تلكأت قبل أن تعبر شفتي للحظة . .

سحبت أمي مني الخارطة و البوصلة . .

عندها . !

انفجرتُ ببكاء مر . . و ومضات من حلمي الأسود تسيطر على مخيلتي . .

بكيتُ و بكيت في حضني أمي . .

و توالت شهقاتي و ارتجافاتي . .

اكتنزتُ أمي بين يديّ . :

- لا يمكنكِ أن تذهبي . ! لن أسمح لكِ بذلك أبداً . .

كانت فكرة فقدان أمي تسيطر عليّ و صورتها وهي تسير بهدوء و تخلفني بين ذلك
الدمار . .


جذبتني أيديّ قوية ، جعلتني أصرخ كالمجنونة . .

و صورة أمي تسير بين ذلك الدمار تتراقص أمام عيني . .

عيني اللامعتين بدموعٍ تساقطت على وجنتي ، كمطر هطل على أرض جدباء . .

كنت أصرخ بلا صوت . . و أراها بلا روح . .

و كأن روحي غادرتني هي الأخرى و تبعتها . .

|||

جرت ساعة من الزمن أمام ناظري هديل . .

كانت تراقب ما حولها بجسد بلا روح و كابوسها يمضي عليها كـ ومضات أضحت حقيقة
. .


شعرت بيد آمال تمسك بيدها و تضغط على يدها بقوة حتى تحجر الدم . .

حتى أصبح الجزء العلوي من يدها لا تشعر به . .

التفت بقلب يكاد أن يقفز من جسدها . .

الومضة التالية ، ستلد أختي آمال . !

تلبس لها ذلك الكابوس مرةً أخرى . .

لكنه هذه المرة أمام ناظريها وهي بلا حول و لا قوة . !

خرجت آه عميقة من شدة ألم آمال و أخذ العرق يسيل منها . .

انتبهت خالة هديل و هناء و بسمة و ريناد و كل من كان موجوداً إليها . .

تقدمت خالة هديل إليها و قالت بمقلتين فزعتين . :

- ماذا هناك . ؟

قالت هديل بشفتين مرتجفتين و عينان تشرفان على البكاء . :

- لا أدري . . ربما أتاها المخاض . .

و . . و . . ستلد . !

كانت خالتها تسأل آمال عن شعورها ، و هل حقاً أتاها المخاض . ؟

فتحت هديل الباب هاربةً من هذا الموقف . .

و لأول مرة تقف هديل بجبن ، تراقب حالة آمال بلا حراك و بلا وعي . !

وقفت للحظات ،

وثب في ذهنها أخيراً أن تخرج صندوق الإسعافات الأولية . .

فتحت باب السيارة الخلفي . .

و أخذت تبحث بين الحقائب و تصيح بالأطفال . :

- ابحثوا عنها أنها زرقاء . . زرقاء . . أين هي . ! ؟

سلمها لها أحمد بعد أن وجدها بين أكوام الحقائب . .

فتحت باب ريناد حتى تنزل خالتها و رمت بالحقيبة عليها . .

كان رأسها يدور و ما تنفك التخيلات المشئومة عن الظهور في مخيلتها . .

عادت إلى باب السيارة الخلفي من جديد ،

بعد أن تنبهت أخيراً أن السيارة ليست مكاناً مناسب للولادة . !

لم ترى الانفعالات و التعبيرات التي اعتلت وجههم ،

كانت تبحث فقط عن شيء ملائم لكي ترتاح عليه آمال ،

عوضاً عن تذكُرها أنها لم تجلب معها أي غطاء أو وسادة . .

وجدت شيء ما يمكن أن يستخدم كشيء يجلس عليه . .

أخرجت الخيمتين الملفوفتين كل واحده على حده . .

بسطتهما أمام باب آمال . .

و وضعتهما فوق بعضهما . .

كانت خالتها الواقفة بجانب آمال و بيدها الحقيبة تمسكها بلا وعي ،

و تسأل آمال بين حين و آخر . .

أخبرتها هديل أن تريح آمال على هذه الخيام ،

ريثما تبحثان عن طريقة لحل هذه المعضلة . !

جلست خالتها و هي تمسك يد بيد آمال التي تصارع نفسها لإخراج الطفل . .

بينما بقيت هديل بعيدةً عنهما تعضُ يدها و أصابعها و كل ما تتلقفه أسنانها
بقلق . .


أخذت تسير جيئة و ذهباً تفكر . ،

ليست لديهم أي مؤهلات لاستقبال الطفل . .

ليس لديهم وعاء و ماء نظيف . . و لا مقص مطهر . .

و لم تعد لهذا الحدث شيء أبداً . !

يجب أن تنقلها إلى المدينة . . ، لكن كيف . ! ! ؟

استدارت إليهما بعد أن عبرت أخيراً فكرة ما . .

دعت أحمد لينزل من السيارة و كذلك هناء و بسمة . .

اصطفوا و قد عبث بهم الاضطراب و أخذ منهم ما أخذ . !

سألت هديل خالتها . :

- في غضون كم تتوقعين أن تلد . ؟

- لا أدري . .

التفت إلى آمال مرةً أخرى تسألها ثم قالت . :

- ما زال الوقت مبكراً قليلاً ، ربما . . ساعة أو ساعتين . . أو أكثر . !

التقطت هديل الحقيبة الزرقاء و أدخلت بها ما احتواه صندوق الإسعافات الأولية
. .


ثم أمرت المصطفين بضم أطراف الخيمتين إلى بعضهما و كأنهما جزء واحد . .

و طلبت من خالتها أن تبقى مع الأطفال . .

- سنذهب بها إلى الطريق فقد تتلقفنا سيارة ما . ! و سأعتمد في اتجاهاتي على
بوصلة الحقيبة . .


ألقت خالتها نظره مستعجبة على البوصلة الصغيرة و التي كانت بحجم مفصل الإبهام
. .


ثم قالت . :

- لا يمكنكم الذهاب بها هكذا . !

ردتْ عليها هديل وهي تحزم ما يمكنها أن تستفيد منه الكتب التي ابتاعتها ، ماء
، طعام . :


- لكننا بذلك سنختصر المسافة و سنقطع الطريق في ساعة و نصف . .

رفعت الطرف التي تمسك به ،

ثم قالت بجدية و هي تحاول منع تلك الأفكار القانطة عن الظهور بين جنبات فكرها
. :

- أعدك . !


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-14, 05:19 AM   #8

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

_ 6 _


( المطر يهطل )
انطلقت بنا هديل بعد أن نطقت بوعد لأظن بأنها ستستطيع الإيفاء به . !

هذا الشعور كان يساورنا جميعاً ،

و نحن نراقبُ أشعة الشمس المتوهجة حتى تعبت من ملاحقتنا فـ برد وهجها و
ابتعدت إلى الغرب


لتغادرنا هي الأخرى كما غادرنا الأمن و السلام و الكرامة . .

تصدرتنا هديل بالمسير ، تجابه ذلك الفضاء الواسع . .

و يديها متعلقتين بأسفل الخيمتين تقبض عليه بقوة حتى لا تفلتان من بين يديها
. .


رغم أنني مازلت أحمل عليها في قلبي ، لصراخها في وجه أمي و استقبالها الرائع
لنا . !!


إلا أنني لم أستطع لومها بعدما غادر أبها و تركهم لتعبث بهم الرياح كيف تشاء
. .


التقطت نفساً ساخراً من هذه الدنيا . !

فكل الرجال سواء أن أكرمتهم خذلوك و أن تجاهلتهم لحقوا بكِ ،

و هكذا دواليك . !

أدرت بصري حول السماء النارية و قرصها المتوهج يلقي رمقه الأخير . .

ستكون جميلة جداً أن كنت في وضع يختلف عن هذا . .

سيكون جابر حينها يتأمل في السماء و يسرد فلسفته

عن كيفية تكون الضوء أو عن جمال هذه السماء . !

بينما سيكون والدي يداعب أخي محمد و يضحك على أي نكتة يلقيها أحد الصغار

رغم أنه قد سمعها للمرة المليون . !

لكن حالي و ما ألت إليه . .

على هامش الحياة ، بقلبٍ يتلو التعازي على نفسه لأنه ينتظر أن تحل فاجعةً ما
. !


يحاول أن يهيئ نفسه ليرتشف الألم وهو متلذذ به . !

أسير معهم . ،

و قلبي يهيئ نفسه لموت أحدنا أو ضياعنا أو أن ينزل جيش من السماء ليلتقطنا ،

و نصبح أسراه يلهو بنا كيف يشاء . !

كنت انتظر تلك اللحظة فقط . .

أخطو بعقلي الشارد الذي يدور حول فلك

( كيف سيخلي ذاكرته ممن يحبهم و يرتب أموره مع وضعه الجديد ) . .

- هناء , أتريدين أن تشربي ماءً . ؟

جرت لحظة حتى انتبه عقلي إليها و توقف عن التفكير . .

ثم تناولتها منها و رشفة عدة رشفات متتابعة و بصرها لا يزال يراقبني . !

انتهيتُ ثم ناولتها لها و قلت مبررة و أنا أزيل عن فمي قطرات الماء . :

- ربما تكون هذه المرة الأخيرة التي أرشف بها ماء صافي . .

وجهتْ نظرة استعجاب إليّ ثم ناولت الماء إلى أحمد . .

رشفه هو الآخر حتى أنهاه عن بكرة أبيه . .

ثم أعادها إلى ريناد . .

أطلت بها ريناد بعينين جاحظتين و قالت . :

- ما هذا . . لقد أنهيتها . !

رد أحمد وهو يمسح قطرات العرق الملتصقة بجبينه . :

- أنني متعب . . أننا نسير في هذه الخلاء لمدة ساعة و لم يظهر لنا أي شيء . !

ردت بغضب . :

- كلنا متعبون . . و لكن هذا لا يعني أن تشرب حتى ينتهي الماء . !

توقفت ريناد عن السير و ملامح الغضب تجعد وجهها . .

توقفت هديل فتوقفنا جميعنا ،

التفت هديل إلينا بوجه كـ لون الليمون الأصفر و شفتين جافتين و قالت . :

- ماذا هناك . ! ؟

جالت ببصرها علينا على بسمة الصابرة و أحمد المتعب و ريناد الغاضبة و أنا
اليائسة . .


أنزلت بصرها إلى آمال التي بلغ بها التعب حتى امتنعت عن الحديث و أكتفت
بهمسات متعبة . .


أنزلت هديل طرفها فأنزلناه معها . .

اقتربت من آمال ثم جلست بجانبها بعجز و قالت هي تحاول البحث بعينيها عن قدر
ألم آمال . :


- هل أنتِ بخير . ؟

كيف تحسين . ؟

كانت تحادثها و كأنها في عالم آخر . . و كأنها ليست في وسط العراء . ! . :

- سنصل للطبيب لا تقلقي . .

لا أعلم أن كانت هديل تهذي أو في عقلها . .

إلا أن حالها لم يكن طبيعياً و قد تناقلت العيون نظرات القلق ثم وجهتها إلى
هديل . .


عادت هديل إلى وضعيتها السابقة و شحذت قواها لرفع البساط لكن قواها خارت ،

استدارات إلينا بابتسامة تهتز بتعب . .

انعكس ضوءٌ على وجوهنا . .

التفتنا إلى مصدر الضوء و مصدر سماع صوت تكسر الصخور الصغيرة تحت عجلات
السيارة . .


أشعت أضواء سيارة على أعيننا فأعمتنا عن رؤية صاحبها . .

أغمضتُ عيني بشدة لأحميها من هذا الضوء الساطع . .

توقفت السيارة ثم ترجل منها شخصان هبّا إلينا بسرعة . !

بينما ظهرت خلفهما سيدة بطرف حجابها المرفرف تركض إلينا . .

وصل الرجلان إلينا بأنفاس لاهثة و هما ينظران بفزع إلى آمال . .

اتضحت ملامح تلك السيدة تحت أشعة الشمس الآفلة . .

كانت خالتي " والدة آمال "

ابتسمتُ أخيراً ابتسامة لامعة بين هذه الظلمة . .

هرعتْ إلى آمال ثم جلست بجانبها . .

- هل أنتِ بخير . ؟

أومأت آمال بضعف بأنها بخير . .

ألقيت نظره على هديل حتى أرى وجهها وهو يستنير بابتسامة . .

تفاجئت بمظهرها . !

تعدا ( الشابين و خالتي ) هديل ، وهي مازالت ساكنه سكون الأشباح . .

ابعد أحد الشابين هديل حتى يرفع البساط و يذهب بآمال إلى السيارة . .

التفت هديل بعينين منفرجتين و فم جامد و وجهها قد توشح باللون الأصفر . .

شخص بصري عليها ، كانت شبحاً بحق . !

لم تحرك ساكناً بل كانت تراقب بـ عقل لا يستوعب الكثير . .

حمل الشابين آمال و اتجها بها إلى السيارة بينما لحقت خالتي بهما

فتحت الباب ثم ساعدتهما في وضع آمال في السيارة . .

عادت إلينا مهرولة و يمشي خلفها أحد الشابين و بيده علبة ماء بها سائل لم
استطع تمييز لونه بسبب طغيان لون الشفق الأحمر . .


توقفت خالتي و قالت لنا من بين أنفاسها اللاهثة ، أثناء وصول الشاب إلينا . :

- معه بعض الوقود سـ يفي بإيصال السيارة إلى المدينة . .

التقطت نفساً ثم نادت وهي تلتفت إلى موقع هديل . :

- هديل . . هديـــل . .

التفتنا إلى موقعها السابق فوجدنها قد غادرته جاريةً إلى تلك السيارة . .

|||

بحثت عنهم في حجرهم فلم أجد أحداً في الطابق العلوي . .

اتجهت إلى الدرج علّ أذني تعملان و تلتقطان أي صوت خافت

أو حتى تشعر بـ وشوشة بسيطة حولي و لا أن أغرق في هذا الصمت . .

أغمضت عيني بألم محاولة بيأس التخلص من ذلك المشهد المحروق على جبين ذاكرتي .
.


نزلت من الدرج و بحثتُ عنهم معتمدةً على بصري ،

الحمدلله ، على الأقل ما زلت أُبصر . .

حاولت نطق عبارة عل أن يسمعها أحد و حاولت ضبط صوتي

عن طريق إحساسي باهتزاز حبالي الصوتية . .

أُرخ صمتي بتاريخ آخر حرب خاضها الملكان . .
ألتزمني شجاعة بالغة لمحاولة فعل ذلك و فُتح فمي للحديث بعد أن أغلق لمدة
عشرين عام . .

فتحت فمي لأتحدث ،

شعرت بنقرة على كتفي أغلقت فمي تارةً أخرى . .

استدرت إلى صاحبـ/ـة النقرة ، كانت منيرة تبتسم بشكل يثير عجبي . .

قالت شيء ما لم تلتقطه أذنايّ و لم أستطع فك رموزه لسرعتها في الحديث . !

حينما رأت علامات الجهل بما تقوله ترتسم على وجهي

أشارت إلى الصالة الداخلية المتوارية خلف حاجز ما . .

ثم رسمت جهاز تلفاز و صنعت وهم مشاهدته . .

هززتُ رأسي بالفهم . .

ثم توجهت إلى الصالة . .

ظهرت لي ظهورهم و وجههم المتسمرة على جهاز التلفاز . .

كانوا متحلقين حوله و الخوف قد لعب في قسمات وجوههم . .

ألقيت نظرة على ما يشاهدونه . .

و لم أستطع تحمل رؤية ما حصل لي . . يتكرر أمام عينيّ . .

/

.

.

أراحتها على الأريكة و هي تخبر أبناء خالتها الابتعاد عنها . .

استندت ركبتيها على الأرض و تعلق بصرها بـ هبة . .

حالتها الصحية أصبحت هشة ، و ازداد فقدانها لوعيها هذه الأيام . .

و ودعتها شهية منذ فترة ليست بقصيرة . !

جلبت أمها الماء البارد و منشفة صغيرة . .

قامت رهام عن الأرض لتفسح لأمها مجالاً للجلوس . .

قالت بينما تغرق أمها المنشفة في الماء البارد و تعصرها لتخرج الماء منها . :

- أمي . . ما بها هبة . ؟ ، لماذا يغشى عليها إذا رأت شيئا ينتمي للحرب . ؟

وضعت والدتها المنشفة على جبهة فتاتها المتعبة و هي تناضل دمعة لتبقيها في
محجرها . .


و لتحاول نسيان تلك الليلة السوداء التي يتهربون من ذكرها جميعاً ، خاصةً أن
هبة فقدت سمعها في تلك الليلة . !


التقطت المنشفة المبللة من يد والدتها المرتجفة . .

زفرت ما كدّر صدرها لتجدد الهواء الراكد ، حلت محل والدتها و أخذت تغرق
المنشفة و تعصرها ثم تضعها على جبهة هبة ، وهي تراقب تقاسيمها الجامدة . .


أطفئت والدتها التلفاز بعد أن شاهدت الدمار الذي حل بالعاصمة . .

و الذكريات ترتد إليها تنهش قلبها ،

كانوا في تلك الليلة يغادرون منزلهم القاطن في العاصمة . .

عادت إليها صورة المنزل . .

زجاجه الذي قد تكسر رغم محاولات الأكياس البلاستيكية التشبث بإطار النافذة عن
طريق الشريط اللاصق . .


التقطوا ما خف وزنه و غلا ثمنه سواء كان مادياً أو عملياً ،

ركبوا السيارة و انطلقوا إلى البحر ليصعدوا على آخر سفينة تغادر هذه الجزيرة
المنكوبة . .


أوقفوا السيارة بجانب البحر ، و أشاروا للسفينة المنطلقة أن تنتظر للحظات

حتى يصعدوا على قارب صغير يوصلهم إليه . .

نزلوا و أصوات صفارات إنذار الحرب تصم أذانهم ، اتجهوا بسرعة إلى القارب
الوحيد . .


رغم أن الليل في أشد حلكته إلا أن نيران الصواريخ التي تلحق بالمدنيين
البريئين


تفتك بهم و تحيطهم و تنير سمائهم بنيران مختلطة برماد . .

صعد الجميع على القارب عدا الطفلة هبة المرعوبة . .

أشار لها والدها بالإسراع و اللحاق بهم . .

جرت إليهم بسرعة و جفنيها يضمان محجريهما بقوة . .

لم تكن ترى ما أمامها . .

تعثرت بشيء ما و كان أخرى ما سمعته صوت انفجاره . .

انفجر اللغم تحت قدميها الصغيرتين ، هبّ والدها إليها

و حملها بين يديه بملابسها الممزقة و جلدها المحترق و وجهها المتضرر . .

لم تكن تلك الفتاة التي بين يديه فتاته أبداً . .


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-14, 05:25 AM   #9

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

صحا من غفوته وهو يبتهل إلى الله أن يكون هذا كابوساً مزعجاً . .

رفع رأسه ليستكشف المكان الذي يجلس به . .

ظن أنه في سيارة تركي ، كاد يشك في صحة ظنه

لولا أنه رأى الخرائط و مستلزمات الرحلات في المقعدين الخلفيين . .

نفض رأسه حتى ينثر الكابوس بعيداً عنه . .

رأى تركي يحادث بعض الأشخاص ذوي زي الحربي ،

كانوا كما يبدو يصرخون عليه و هم يشيرون إلى قصر الشاطئ الكبير العائد لأسرة
تركي . .


ترجل من السيارة ليرى ما الخطب . ؟ !

أثار عجبه السيارات العسكرية المصطفة في مواقف القصر الشاطئي . !

وصل إلى تركي و أرخى أذنه ليسمع ما يقولون . .

كان أحد الضباط يصرخ عليه و يقول . :

- هذا ملكٌ للدولة تم التنازل عنه من قبل صاحبه ، و أن كنت تعارض هذا الشيء
أنضم إلينا !!


ثم لا أرى أنك مريض ، هل هربت من الجيش و أنت تدعي المرض . !

تجهمت وجههم بشكل مخيف . .

تراجع تركي بجبن إلى السيارة فـ لحق به عبد الله ،

أغلق الباب ثم انطلق بالسيارة و سارا على الطريق . .

قال تركي بصوت مسئول . :

_ أحسن الله عزائك . .

فغر عبد الله فاه متفاجئاً وهو يستعيد ذكريات ذاك الصباح الرمادي . !

أضاف تركي . :

- سنتجه إلى كوخي الصغير ، لا أظن أنهم نالوه . .

فتح جهازه الإلكتروني ليرى موقع الكوخ على الخارطة الإلكتروني . .

بحث عنه و بحث ، لكنه لم يجده . !

ألتفت بوجه مرعوب إلى عبد الله و قال . :

- هل تعرف أين ذلك الكوخ . ! ؟

لم ينبس ببنت شفة بل اكتفى بطرح أمطار ملحية من غيمتين سوداوين تحدقان فيما
خلف ذلك الزجاج . .


|||

حل المساء و سحبت الشمس آخر خيوطها . .

وصلت السيارة ذات الحوض الخارجي إلى المستشفى . .

ترجلت هديل من مقعد السيارة منطلقةً بأقصى سرعتها إلى المستشفى

تستدعي طاقم تمريض أو أي أحد لجلب سرير لـ آمال . .

ترجل مُحسن من السيارة و أشار إلى أخيه ذو الأربعة عشر عاماً ،

أن يقود سيارة هؤلاء النسوة إلى منزله خاصةً بعد أن أصبح منزلهم الكبير ملجأ
لمنكوبيّ العاصمة . .


ربما لحسن حظ هذه العائلة أنه كان يقوم بنقل الوقود ليملأ به سيارة أخيه
المركونة بجانب المنزل . .


استطاع بلمحة أن يعرف بأن تلك الفتاة التي جلست بجانبه ،

لم تنم نومً هنيئاً منذ أيام و لم تضع في فمها طعاماً منذ مدة طويلة . .

كانت شاردة الذهن طوال الوقت و تفرك الجزء الظاهر من عصبةٍ لُف بها رأسها . .

أُحضر السرير و سارع الطاقم بجلبه ، ليقلوا به الفتاة الحامل إلى داخل
المستشفى . .


دخل الجميع بينما بقي هو ،

بقى يتأمل ذلك البناء الذي حفظ حجراته و حفظ مرضاه المداومين على زيارته كما
حفظوه . .


كان يود أن يصبح طبيباً بدلاً من أن يكون مريضاً بلا حول و لا قوة . !

لكن شاء الله . !

دخل وهو مقتنع بأن هذه هي إرادة الله . .

اتجه إلى قسم النساء و الولادة ليرى ما الذي حصل معهم . .

كانت والدة الفتاة الحامل قد دلفت مع ابنتها إلى حجرة الولادة

بينما بقت الفتاة المتعبة تنتظر على كراسي الانتظار . .

تسند وجهها الليموني إلى يدها الواهنة . .

و يسقط رأسها بين حين و آخر غافياً ثم تستيقظ بسرعة تلتفت يميناً و شمالاً ،

دون أن تنتبه لجلوسه أمام الكرسي المقابل لها . .

شعر بالشفقة عليها و ودّ لو ارتاحت قليلاً ،

أسقطت رأسها أخيراً لتغفو دون مقاومة . .

عم السكون و لم يجد شيئاً ليقطع به هذا السكون ،

فكر عما تفعله والدته الآن و من المؤكد أنها تحكي لهم

عن قصة حصولهم على هذا القصر و بكل فخر . .

قطع تفكيره سماعه لصياح طفل ،

ابتسم ابتسامة واسعة فرحة ( فالحياة مستمرة رغم أنفها ). .

انتبه إلى الفتاة التي استيقظت على صياح الطفل ،

أدارت بصرها حول المكان بلا استيعاب توقف بصرها لولهة عليه ثم على حجرة
الولادة . .


قامت على أمشاط أقدامها مسرعةً إلى باب الحجرة . .

ظهرت والدتها وهي تحمل الطفل قائلةً بفرح لأبنتها . :

- إنه صبي . ! إنه عبد السلام . !

ابتسمت الفتاة بفرح متعب ثم قالت وهي تداعب الوليد بأنملة أصبعها . :

- كيف حال آمال . ؟

- إنها بخير و الحمد لله ، لكنها ستبيت الليلة هنا . .

سكتت الأم للحظة تأملت بها وجه ابنتها ثم أضافت . :

- اذهبي إلى المنزل لترتاحي و سألحق بكِ غداً . .

ابتسمت هديل بسخرية و قالت . :

- أي منزل تتحدثين عنه . ؟

هبّ محسن إليهما و قال متدخلاً . :

- منزلي ، يمكنكم المبيت فيه كما أن أفراد عائلتكم المتبقية قد ذهبت إلى هناك
. .


هزت هديل برأسها نافيةً تلك الفكرة . .

و قالت . :

- لن أذهب إلى هناك . !

ردت والدتها . :

- لكن يجب أن . .

قطع حديثهم خروج الممرضة التي تناولت عبد السلام من يديّ أم هديل و قالت . :

- إنه يحتاج لبعض الفحوصات . .

ألتفتت إلى أم هديل ثم أضافت . :

- أبنتك تحتاج إليكِ . .

دخلت والدتها و تركتها مع ذلك الشاب الغريب عنها . .

قال لها مستفسراً . :

- هل نذهب . ؟

تجاهلت هديل سؤاله و اكتفت بالجلوس على كراسي الانتظار مغمضةً عينيها تنشد
الراحة . .


جلس على الكرسي المقابل لها يتأمل ملامحها المجهدة . .

اقترب منها و قال . :

- عذراً . .

فتحت عينيها بصعوبة و قالت . :

- نعم . !

أشار بيده إلى إحدى الممرات . :

- توجد هناك حجرة للمرافقين يمكنكِ أن ترتاحي بداخلها . .

قامت وهي تحاول صلب جسمها ، تبعت خطواته حتى دخلت الحجرة التي أشار عليها . .

قالت قبل أن تقفل الباب خلفها . :

- أخبر والدتي بأني أرتاح هنا . !

أغلقت الباب ثم قفلته قبل إجابته . .

أرخت حجابها ثم نامت على السرير دون أن تعير انتباهاً لما يوجد بداخل الحجرة
. .


/

.

.

استيقظتُ و رأسي مستند إلى زجاج نافذة سيارة . .

ألتفتُ حولي بعينين تجتهدان لرفع أجفانهما ،

كانت أمي بجانبي و تتليها آمال المتعبة و طفل صغير . !

بدأت مقتطفات من الليلة الماضية تظهر ،

استذكرت طرقُ الباب و استيقاظي بسرعة و ركوبي السيارة بلا وعي ،

و وقوعي في النوم مرةً أخرى ..

توقفنا عند منزل كبير أشبه بقصر قديم . .

ترجل السائق من السيارة قائلاً بابتسامة . :

- تفضلوا . .

ترجلت من السيارة و أنا أتأمل مظهر المنزل . .

ولجنا إلى منزله أو أن صح التعبير ملجأه . .

كان المنزل مليئاً بالأطفال الذين تهافتوا لتحيته مادين أيديهم إليه . .

وزع عليهم الحلوى طفلاً طفلاً بابتسامة واسعة . .

أتت إحدى السيدات و بيدها ملعقة غرف الطعام و قالت . :

- نسي فريد إحضار الطماطم . . هلّا اشتريته من الدكان . ؟

أومئ برأسه موافقاً و قال . :

- حسناً . .

تبعته والدتي وهي تسند آمال إليها . .

توقفنا لدى باب فتحه بعد طرقه ،

ظهرت لنا حجرة كبيرة الحجم ، جلسوا بها خالتي و أبنائها و بسمة و أختها و
أحمد . .


قال مبتسماً بعد أن ترك أكرة الباب . :

- اتخذوا هذا المنزل كـ منزلكم . .

وجه حديثه لأحمد قائلاً . :

- أحمد . . يمكنك أن تبيت معي و مع أخي ،

قال قبل أن يغادر . :

- عن أذنكم سأذهب لشراء الطماطم . .

خرج بعد أن أرسل ابتسامة واسعة إلينا . .

قام الجميع من فوق السرير الوحيد ، استلقت آمال عيه و تمدد عبد السلام
بجانبها


بقبضته الصغيرة المتمسكة بأصبعها الذي يبدو ضخماً مقارنةً بيده الصغيرة . .

تسللت أحاسيس رائعة إلى صدري ، و كأن الحياة قد بدأت من جديد . .

عبث هذا المشهد في وجوهنا فصنع ابتسامة مرتاحة هانئة غابت عنا ،

و تحلقنا حول ذلك الضيف الجديد . .

.

.

ضرب الجرس الذي فاجأنا و أثار استعجابنا

و وصل إلى مسامعنا صوت سيدة تصرخ و تقول . :

- وقت الغداء . . الغــداء . . طعام . . طعام

خرج الجميع بينما بقيت أداعب عبد السلام بجانب آمال . .

دخلت السيدة بعد طرقها للباب و قالت مبتسمة بسماحة . :

- عزيزتي ، لقد حان وقت الغداء ، تعالي شاركينا في قاعة الطعام . .

وضعت حافظة طعام بجانب سرير آمال و علب معدنية و قالت . :

- هذا غدائها . . و هذه العلب بها أدوية شعبية لفترة ما بعد الولادة ،
ستفيدها بإذن الله . .


ابتسمت بحنان وهي تمس أرنبة أنف عبد السلام النائم و قالت . :

- هل سميتموه . ؟

قلت و أنا أضعه بجانب آمال النائمة . :

- عبد السلام . .

علقت قائلة . :

- اسم جميل . .

نهضتْ و سرتُ معها إلى قاعة الطعام ،

مررنا خلال ما قطعناه بعدة أزقة تغص بالأبواب المطلة على الحجر . .

كان ذلك المنزل قصراً بحق . !

أصغيت إلى ما تقوله تعليقاً على استعجابي من عدد الغرف . :

- لقد كان هذا القصر للملك ، الملك السابق و ليس أحد ابنيّه . .

توارثته عائلتنا حتى وصل إلينا . .

الجناح الذي تبيتون فيه هو الجناح الخاص بالملك سابقاً لذا لا ترين به الحجر
متراصة


بل واسعة ، و كما ترين كل هذه الأزقة امتلأت بالناس المتشردين أبناء هذه
الحرب . .


سألتها بعد أن ولجنا إلى قاعة الطعام التي تبدو بحجم صالة طعام لقاعة أفراح .
:


- جميعهم من العاصمة . ؟

قالت بينما كنت أدير بصري على الأطفال الصغار و المصابين الذي يتناولون
الطعام


و كأنهم لم يتناولوا طعام قط . !

- من العاصمة و من المدينة السهلية . .

- المدينة السهلية . ! ؟

ثم أضافت موضحة . :

- ألم تري الأخبار . ؟ ،

تعرضوا بالأمس للقصف بالنيران و قد ورد بالأخبار أن جيوش الأعداء قد اقتحمت
العاصمة . !


قلبت نظري بين هؤلاء الضحايا و المنكوبين و يدي تمسك بصحن الطعام . .

وصل دوري غرفت لي أحد السيدات الأرز و وضعت لي أخرى المرق و اللحم . .

أشارت لي والدتي إلى مكانها ،
جلست على الأرض بجانبها و أنا أحاول مضغ الطعام دون الشعور بالمرارة


كلما رأيت هؤلاء الضحايا . .

جرفت حبات الأرز الصغيرة لصحن محمد ، ابتسمت لي خالتي شاكرة . .

ابتسمت بسخرية و عيني تحيط بالشخوص ،

المبكي حقاً أننا نخوض الحرب طمعاً في النفوذ و السلام الأبديين . ! وهذا ما
نناله . !


بعد انتهاء الجميع من الغداء رفع كل شخص صحنه الفارغ أو الأشبه بالملحوس

ليضعه فوق طاولة مخصصة لذلك . .

ذهبوا الفتيات لرفع بساط الغداء بينما ذهبت السيدات لغسل الأطباق . .

أعنتهم في العمل حتى انتهينا منه . .

كانت القاعة ممتلئة بالنساء اللاتي ذهبن إلى حجرهن

و لم يبقى إلا النزر القليل ممن يقوم بتبادل الأحاديث و الأخبار و التوقعات
إلخ . .


دخل أحمد ومعه محسن و أخوه . .

توجه أحمد إليّ بينما ذهب محسن و أخوه إلى والدتهما . .

وضع أحمد مفتاح على يدي ، سألته . :

- هذا مفتاح لـ . ؟

ابتسم وقال . :

- لـ سيارتكِ أنسيتِ . !

توجهت إلى جناح المحتوي على حجرتنا سألته بينما نسير في الطريق

و يدي تلعب بالمفتاح و ترميه من يد إلى أخرى . :

- و لِم هو معك . ! ؟

- ليعلمني فريد قيادة السيارة . .

توقفت لولهة ثم استدرتُ إليه . :

- فريد . !

أومئ رأسه بحماس قائلاً . :

- نعم . . فرغم أنه أصغر مني بسنة إلا أنه يستطيع قيادة السيارة بطريقة
محترفة . .


تابعت سيري إلى الحجرة و أنا أفكر في صغر سن فريد . !

فـ لو كان في العاصمة لما أستطاع أن يقود دراجة . ! من شدة الزحام . !

.

.

حزمتُ حقائبنا لمغادرة هذا المكان بعد أن لبثنا فيه عدة أيام ، حتى تعافت
آمال قليلاً . .


وضعت آخر حقيبة بداخل السيارة و أغلقت بابها الخلفي . .

أتاني فريد و بيده كيس أسود . .

ناولني إياه قال مبتسماً . :

- هذا لحم طازج ذبح للتو هديةً منا . .

تناولته منه على استحياء و قلت . :

- نحن من يجب أن نشكركم على سعة صدركم . .

ركبتُ السيارة و أغلقت الباب بعد أن تأكدت من ركوب الجميع . .

لوحت لهم بابتسامة أمل تحاول المحافظة على شمعتها المشتعلة تحت المطر . .

خرجنا إلى الطريق و أيديهم تشيعنا مودعة . .

و من يدري فقد لا نراهم مرةً أخرى أبداً . !

سرت على الطريق الطويل المؤدي إلى منزلنا الصغير . .

ذلك المنزل الذي أختاره حسام بعناية مراعياً خصوصيتنا و قربة من موارد الحياة
. .


كان موقعه مميزاً لمن يريد أن يرتاح و يبتعد عن ضوضاء المدينة

و يتمتع بصوت هدير البحر الساحر . .

و رغم سعره المرتفع إلا أن أبي دفع مبلغاً كبيراً من المال

لأجل ابنه الوحيد الذي جلبته امرأته التي أحبها ،

صعقتني هذه الحقيقة . ! حينما أدركتها . .

لم أعي دوماً السبب الذي كان أبي يفضل حسام علينا إلا بعد أن سمعت دعاء أمي
له ليلة الأمس . .


أصغيت إلى بكائها الممزوج بعدة كلمات ثلاثةٌ منها فقط هي من صعقتني . .

و التي كانت . :

( ربي أنت تعلم أن حسام ليس قطعة مني و لم يكن ابني . . لكنه عبدك الضعيف
اليتيم . . )


عند سمعت تلك الكلمات أدركت عندها تفسيراً لكثير من الكلمات الملغمة

و فهمت الكثير و الكثير من المواقف كما يجب . .

ابتسمت بسخرية . :

عش يوماً ترى عجباً . !

أرجأت تأكدي من هذه المصيبة لصباح الغد أن كتبت لي الحياة . .

قطع تفكيري مرور الكثير من السيارات العسكرية و دخولها منطقة للقصور الشاطئية
الخاصة . !


توقف بصري على منارات تلك القصور . .

يبدو أنها أضحت مُلكً للدولة . ! ، أرجو أن لا يلحق هذا بمنزلنا . !

سرت على طول الطريق إلى أن وصلت إلى منعطف منزلنا . .

سرت عدة كيلو مترات لم تظهر خلالها أي سيارة عسكرية ، ساهم ذلك في تهدئة روعي
قليلاً . .


أوقفت السيارة بجوار المنزل و أنا ابتسم بسعادة

فـ طالما كان هذا المنزل بمثابة جنة الله في أرضه بالنسبة لي . .

ترجلت من السيارة و عيني تتابع أطياف الذكريات السعيدة . .

هنا كنت ألعب و هناك على ذلك الشاطئ بنيت أقبح قصر رملي . .

ضحكت في سري حينما تذكرت تعليقاتهم عليه و بكائي لذلك . .

ابتسمت بسعادة غامره و أنا استنشق نفساً عميقاً عبق بعبير البحر . .

غمر البحر جزء من قدمي ،

غمرها و كأن الأيام لم تمر و لم أُصبح على هذه الحالة . .

مازال مائه بارداً يروي القلوب بالسحر و يغذي الجروح ملحاً يحييها و يشفيها .
.


ذو وجهين جميلين . . رغم كل شيء . .

عدتُ إليهم ، كانوا يضعون الحقائب بالأرض و جزء منهم يقف عند الباب بانتظاري
. .


هرولت إليهم فقد نسيت فتح الباب . .

وصلت إليهم بنفس لاهث و قلت معتذرةً . :

- آسفة نسيت نفسي . .

و بدلاً من بحث مطول عن المفتاح في سترتي أو بالأصح سترة حسام . .

بحثت عن المفتاح بجانب الأحجار ، وجدته تحت أحد الأحجار . .

فتحت الباب و أنا أحاول تفسير العبث الموجود على الرمل المجانب للأحجار

و آثار أصابع آدمية . !

ألقيت نظره متفحصة على المنزل ، لا يبدو أن هناك شيء تبدل أو وضع في غير
مكانه . .


كان كما كان قبل خمس سنوات . .

صعدت بسرعة إلى حجرتي ،

استقبلتني تلك الفراشات الصغيرة الجميلة التي صنعتها بيدي هاتين بينما علقها
حسام على السقف . .


ابتسمت لسيل الذكريات و يديّ تقلب الفراشات بين أصابعها . .

و كم ثار عجبي حينما وجدتُ إحداها مجعدة مشوهة بطريقة بشعة . !

العبث بالرمال . !

آثار الأصابع . !

الفراشة المشوه . !
أيعقل أن يكون أبي قد مر من هنا . !!


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-14, 05:32 AM   #10

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

_7_
( التقينا ولو بعد دهر )
توقفا لدى إحدى المزارع التي تبدو مهجورة يحيط بها أشجار مهملة إما
آفلة أو ميتة . !
ترجل تركي من السيارة وهو يضرب في جهازه و يلعن الخارطة الإلكترونية
التي خذلته حينما احتاج إليها ،

كان متشبعاً بالندم و القهر . .
و ودّ لو حدد موقع ذلك الكوخ " القبيح " على الخارطة التقليدية . .
تقدم حتى تعدا سور المزرعة المنهار جزئياً أو كما يبدو كلياً . !
خلع نظارته الشمسية بعد سقوط ظلال الأشجار المهملة عليه . .
كانت تلك المزرعة مخيفة و موحشة كالزريبة إذا شاهدت قشورها ،

لكن كلما تعمقت فيها كلما اكتشفت سحر و جمال لبها . .

أشجار التفاح الأحمر تتوسط البستان بينما تحيط بتلك الأشجار أشجار مهملة
متعبة ،


كان ذلك المنظر عجيباً و غريبا . !

توجه إلى إحدى الشجيرات المثمرة و قطف تفاحة ناضجة تغريك لـ التهامها . .

فركها بملابسه ليزيل عنها ذرات الغبار و صديقتيها ،

قضم منها قضمة . .

- ألم تتعلم من والديك أن السرقة حرام . ؟

ألتفت و التفاحة متعلقةٌ بأسنانه إلى مصدر الصوت ،

إلى ذلك الذي رسمت عليه خطوط الزمن ،

ذا الحاجبين اللذان يكودان أن يسقطا على عينيه

بينما جذبت الجاذبية الأرضية ظهره تاركةً إياه
يعتمد على عصاً غليظة حتى لا يسقط عليها . .


قال تركي بعد أن أكمل قضمته الثانية . :

- أهذا التفاح يعود لك . ؟

أشار الشيخ لأشجار التفاح الشهي المنتشرة حولهما . .

- نعم . . أنت قد أخذت مني مالا ليس به لك حق و . ..

قطعه تركي بإخراج الخريطة و قال وهو يقضم من التفاحة مرةً أخرى . :

- أخبرني عن الطرق البرية المتفرعة من هذه الطرق المسفلتة . .

أتجه الشيخ إلى شجرته التي سرق منها ثمرها . .

قال وهو يمسح على جذعها بيده التي أكل عليها الدهر و شرب . :

- سيكون عقابك على سرقتك تفاحتي هو قطف ثمار هذه الشجرة و وضعها في هذا
الصندوق . .


أشار إلى الصندوق . .

ثم أضاف وهو يشير إلى أشجار البستان . :

- أما كوني دليلا لك ، فهذا ليس بالشيء المجاني . . إذا قطفت لي ثمار هذه
الأشجار عندها سأخبرك بما تريد و يزيد . .


واجهه تركي بوجهٍ تعلوه علامة تعجب . . :

- ماذا تقول . !

ابتسم الشيخ ابتسامة جعدت جلده الرقيق راسمة خطوط إضافية حددها الزمن و تفنن
في التوائها . :


- لكل شيء ثمن . .

رمى تركي بقايا التفاحة المقضومة دون أدنى اهتمام

و رحل بالسيارة باحثاً بنفسه عن الطريق المؤدي إلى الكوخ . .

.

.

ولجت سيارته بعد ساعتين من البحث المضني ،

مخترقةً خلوة الشيخ الذي اعتلت وجهه ابتسامة منتصرة . .

ترجل الشابان إحداهما يبدو حانقاً منكس الرأس

بينما الآخر يمشي على هونه يحدق في لا شيء شارداً تارة و مبتسمً باكياً تارةً
أخرى . .


تقدم تركي و قال . :

- ماذا تريدنا أن نفعل . ؟

أشار الشيخ إلى الشجرة التي ميزها بالنظر إلى جذعها فقط و قال مشيراً بسبابته
إليها . :


- أبدأ بقطف التفاح من الشجرة التي سرقتها أولاً . .

اتجه تركي إليها صاغراً بينما تبعه عبد الله باستكانة . .

- أنت . !!

توقف تركي و توقف معه عبد الله . .

استدار إليه فرحاً ظناً أنه قد عدّل من رأيه . :

- نعم . .

قال شيخ وهو يحاول التقاط ملامح عبد الله بعينيه الضعيفتين . :

- ليس أنت بل هو . !

أشار إلى تركي ثم قال حانقاً . :

- أنت من سرقت و أنت من سيتحمل مسئولية فِعلك لوحدك ، فليسترح هو . .

أم هذا الصندوق الفراغ أريده أن يمتلئ بالتفاح حتى يفيض به . .

قال موجهاً حديثه إلى عبد الله . :

- تعال يا بني . .

نقل عبد الله بصره بينهما ثم توجه إلى الشيخ . .

أرخى الشيخ عصاه ثم جلس مستنداً إلى الجدار ماداً رجليه الضعيفة الواهنة فوق
البساط ذو ألوان الباهتة . .

أشار لـ عبد الله بالجلوس و قال . :
- ما بك يا بني . ؟ أراك شارد الذهن و في حالة لا تسر عدواً و لا صديق . .

بني ،

لا تحزنْ منْ كدرِ الحياةِ ، فإنها هكذا خُلقتْ .

إنَّ الأصل في هذه الحياة المتاعبُ والضَّنى ،

والسرورُ فيها أمرٌ طارئٌ ، والفرحُ فيها شيءٌ نادرٌ

وقال النبي 

قال عبد الله بصوت حزين وهو يخرج نفساً كدر صدره و يحاول أن ينصت لكلام ذلك
الشيخ الذي لا يدري ما به و لو علم لم لامه أبداً . :


- عليه الصلاة و السلام . .

تابع الشيخ حديثه رغم رؤيته لتعبير عبد الله الغير مقتنع . :

- (( الدنيا سجنُ المؤمنِ ، وجنَّةُ الكافرِ ))
جفَّ القلمُ ، و رُفعتِ الصحفُ ، و قضي الأمرُ ، و كتبت المقادير ،
﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا ﴾ ، ما أصابك لم يكنْ
لِيُخطئِك ،
وما أخطأكَ لم يكنْ لِيُصيِبك .
يا بني ،
لقد فقدت زوجتي في الحرب الماضية قبل عشرين عاماً
و توفيت أبنتي بسبب مرض السرطان وهي بعمر الزهور ،
تتألم و تعاني حتى أراحها الله بموتها . .
أما ابني الوحيد فهو في عداد المفقودين منذ خمس سنوات . .
منذ خمس سنوات و أنا أعيش لوحدي دون زوجة أو ابن أو ابنة ،
كان هذا قدري الذي يجب أن أرضى به . .
و لم يرجع بكائي و سخطي زوجتي و لم تعد صرخاتي أولادي إلي . .
بني ،

لا تظنُّ أنه كان بوسعِك إيقافُ الجدار أن ينهار ، وحبْسُ الماءِ أنْ
ينْسكِبُ ، ومَنْعُ الريحِ أن


تهبُّ ، وحفظُ الزجاج أن ينكسر ، هذا ليس بصحيحٍ على رغمي و رغمك ، وسوف يقعُ

المقدورُ ، وينْفُذُ القضاءُ ، ويحِلُّ المكتوبُ ﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن
وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾


هذه هي الدنيا دار عمل و تعب أما الراحة الأبدية سنجدها في الجنة إن شاء الله
.


تابع الشيخ حديثه على هذا المنوال رغم شرود ذهن عبد الله . !

أعلنت الشمس عن رحيلها و تصدر لون الشفق صدر السماء . .

نادى الشيخ تركي الواقف فوق جذع الشجرة يقطف التفاح متذمراً . :

- بني . . بـــنــي . .

أقترب الشيخ من الشجرة ،

ألتفت في تلك اللحظة تركي يمني نفسه بأنه قد أسِف عليه

و أخذته الشفقة به ليوقفه عن العمل . .

- يا بني . . توقف عن العمل . .

- حقاً . !

قفز تركي من الشجرة فرحاً دون أن يحسب المسافة التي بينه و بين الأرض . .

سقط على قدميه بقوة ، صرخ متألماً . . ثم ابتسم حينما دنا منه الشيخ و قال .
:


- هل أنت بخير . ؟

أومأ بـ نعم و قال . :

- أنا بخير . . هل قُلت أتوقف عن العمل . ! ؟

استند تركي على الشجرة ليقف . .

قال الشيخ مؤكداً حديثه . :

- نعم توقف عن العمل لنصلي المغرب و من بعدها ستستأنف العمل . .

هبط تركي جالساً على الأرض و خيبة الأمل تطفح على وجهه . :

- ماذا قُلت . ! ؟

- قلتُ فلنصلي . .

اتجه الشيخ إلى داره المستند إلى حائطها عبد الله الحزين . .

نقر على كتف عبد الله ثم أشار إلى باب داره قائلاً . :

- تعال توضأ للصلاة و أطلب الرحمة لهم . .

رفع عبد الله رأسه و استغرق عدة لحظات حتى يفهم ما قال الشيخ ،

وقف بجانبه ثم تبعه إلى داره . .

ولجا إلى دار بسيطة يجد الوالج على يمينه جلسة أرضية بوسائد متشتتة

هنا و هناك جزءٌ منها قد خرج قطنه من بين ثقوب القماش . .

- هذه الوسائد حاكتها زوجتي بنفسها لذا لم استطع رميها بأي حال من الأحوال .
.


ابتسم الشيخ بعد توضيحه لـ عبد الله سبب إبقائه على هذه الوسائد في مجلسه ،

اتجه به إلى المغاسل ليتوضآ لصلاة المغرب . .

ولج تركي إلى داخل الدار وهو يعرج و يسب و يشتم كونه بين يدي هذا العجوز ،

ذهب باتجاه صوت تدفق المياه ، وجدهما يتوضأن محتلين المغسلتين الوحيدتين . .

انتظر حتى انتهى عبد الله ثم حل محله و فتح الصنبور . .

- كيف كان شعورك و أنت تقطف التفاح . ؟

رد تركي على العجوز بينما كان يمرر الماء على ذراعيه . :

- بائساً . !

- و لِم . ! ؟ ألم تستمتع بجنيه . ؟!

سأله تركي بعد أن أغلق الصنبور . :

- إلى أين تتجه القبلة . ؟

تقدم الشيخ إلى خزانة عتيقة و أخرج منها سجادتين عتيقتين فاخرتين

رغم مرور الزمن عليها . .

فرشهما باتجاه القبلة ، إحداهما بسطها بالطول

و خلفها سجاده أخرى فُرشت بالعرض ،

ثم قال . :

- يا ذا النظارات السوداء ، ستكون أنت إمَامَنا . .

قال تركي ذو النظارة الشمسية المتعلقة بجيب قميصه . :

- أنا . !!

- نعم . .

دفعه الشيخ بيديه الواهنتين إلى السجادة المفروشة بالطول

حتى وقف عليها و قال موجهاً حديثه لـ عبد الله . :

- لا توجد لدي إلا سجادتين لذا سنصلي معاً على هذه السجادة . .

ابتسم الشيخ في وجهه

ثم ألتفت إلى تركي الذي لا يزال لا يصدق بأنه سيجعله يكون إمامهما . .

فهو منذ زمن لم يصلي و من المحرج أن يذكر هذا للشيخ . !

تساءل في نفسه عن كون صلاة مغرب جهرية أم سرية . .

يعني هل يجهر بتلاوته أم لا . .!

وقف أمام هذا السؤال عاجزاً ، قطع الشيخ حيرته قائلاً . :

- ألن تصلي بنا . ! ؟ أم تنتظر خروج وقت الصلاة . . هاه . ؟ !

حار تركي أكثر هل يسأله أم لا . ! ؟

و حينما حمى و ازداد تقريع الشيخ له ، سأله بسرعة فجأةً و دون مقدمات . :

- هل صلاة المغرب جهرية أم سرية . !! ؟؟

- جهرية أم سرية . !! أتسأل هذا السؤال بينما طفل في الصف الابتدائي

يستطيع أجابتك عليه و يستطيع طفل ذو ست سنوات يداوم على حضور المسجد أن يجيبك
. !!


حك تركي رقبته حرجاً بوجهٍ مطليٌ بالحمرة . .

و بعدما انتهى الشيخ من توبيخه أجاب أخيراً . :

- جهرية . . يا بني جهرية !!

اتجه تركي إلى القبلة رفعاً يديه قائلاً . :

- الله أكبر . .

كان تركي ساهياً عن صلاته و لم يكن يدري بالضبط ما يتلوه ،

و كان ما يشغله فكره هو معرفة متى كانت آخر مرة قد صلى فيها لـ وجه الله . !

و كم كان ذلك الشيخ يذكره بجده المرحوم . .

- يا بني . . اقطع صلاتك . !

استلزم تركي عدة هنيهات حتى ينتبه على الشيخ الواقف بجانبه . .

قطع صلاته مذهولاً متسائلاً ما الذي يحدث . !؟

أعاده الشيخ و أوقفه بجانب عبد الله وهو يتبرم قائلاً . :

- حتى الصلاة لا تعرفون كيف تصلون بالناس دون أن تسهوا . !!

كبر الشيخ و كبر خلفه تركي و عبد الله ، وهذه المرة كان تركي أكثر خشوعاً

بعدما أصغى إلى صوت الشيخ الرخيم في تلاوة القرآن . .

بعد انتهائهم من الصلاة سمح الشيخ لـ تركي بأخذ استراحة بعدما أزعجه تركي
مطالباً باستراحة . .


منذ أن كان تركي في الثامنة لم يكن مزعجاً بهذا القدر لأحد أبداً ،

و لم يشعر بهذا القرب و المودة لأحد أبداً . .

فبعد وفاة جده لم يجد من يهتم به و يراعيه و يسأله عنه و كان الكل يتجاهله

حتى أصبح يعيش لوحده مع خارطة حائطية معلقة بحجرته أهداها إليه جده . .

- تفضلا بعضاً من التفاح . .

عاد تركي بتفكيره إليهما ، ابتسم في وجه الشيخ و قال مازحاً

كما كان يمزح مع جده أيام طفولته . :

- هل هذا مجاني . ؟

رد الشيخ مؤكداً مع ابتسامة . :

- مجاني . .


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الكاتبة, سنلتقي, فضاء

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:49 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.