أخذت تشجع نفسها.
ثم نهضت وسارت على رؤوس أصابع قدميها ودخلت غرفة الجلوس, وعلى ضوء القمر, لاحظت أنه لا يوجد شيء غريب فيها, فوقفت أمام باب غرفة أخيها ودقت بهدوء.
"
ايميت, ايميت"
لم تسمع أي جواب , فأحست برعب قوي, هل نامت دون أن تدري وخرج أخوها في هذا الوقت؟
ثم عاد الضجيج مرة ثانية, ولكنه كان هذه المرة في غرفة أخيها.
فتحت الباب ودخلت وحاولت أن تتعود على ظلام الغرفة.
"
ايميت"
كان ينام نوما عميقا, لكنه كان يرتجف وينطق بكلمات غير مفهومة, ويدير رأسه ذات اليمين وذات اليسار.
"
لا! لا يجب...."
قال وهو نائم.
"ايميت استيقظ"
وأقتربت منه أكثر.
وظل ايميت يتململ في كابوسه فنادته راشل مرة أخرى ولكنه لم يستيقظ , فتسائلت راشل هل يجب أن توقظه أم يجب عليها أن تتركه وتخرج .
وفجأة رأته يجلس وينظر إليها دون ان يراها ويصرخ
"أوه , سيدي! لا الرحمة!............."
وكان صوته يدل على الألم والعذاب , فلم تتردد راشل وأنحنت فوقه وضمته بذراعيها .
وعندما شعر بها, انتفض بقوة, ثم أرتاح شيئا فشيئا, ولكن أنفاسه ظلت متلاحقة بسرعة, وترك رأسه يتكأ على رأس الفتاة وهي لا تزال تردد كلمات تطمئنه, هذه الكلمات التي طالما كانت تود سماعها عندما تكون وحيدة ويهددها الخطر.
"لا شيء ايميت, كل شيء يسير على ما يرام, أنا هنا لا تخشى شيئا"
إنها مجرد كلمات لا معنى لها ولكن ما يهم؟ يكفي أن يسمع صوتها ليشعر بالطمأنينة وشعرت بأنها تحسن وعادت أنفاسه للانتظام .
"لا تتركيني!"
طلب منها بصوت متقطع ".
أبدا, أبدا, لن أتركك أبدا"
إنه بحاجة لها لأول مرة تشعر بأن وجودها ضروري لأحد, ونظرت إليه فوجدته قد نام نوما عميقا واختفت أحلامه المزعجة .
ولكن كيف ستتأكد من أن هذه الكوابيس المزعجة لن تعود له مرة ثانية؟.
لقد وعدته راشل بأنها ستبقى قربه, وهي متمسكة بكلامه, حتى ولو ظلت مستيقظة طوال الليل , ستسهر عليه وستبعد مخاوفه.
ولكن ما هي هذه الذكريات التي تزعجه وتقلق نومه؟ لن تطرح عليه هذا السؤال, ستنتظر على أن يثق به أكثر ويكلمها عنه بنفسه, أما هي فكان يكفيها أنها علمت بأنه يرغب بوجودها.
فتمددت بقربه وهي لا تزال تضمه , وكانت سعيدة لفكرة أنها لن تنام فإن هذه اللحظات الودية التي تقضيها مع أخيها هي نادرة وثمينة! ومرة أخرى شعرت أنها وصلت إلى شاطئ الأمان بعد عذاب طويل فابتسمت وغفت دون أن تنتبه .
عندما أستيقظ ايميت شم رائحة الياسمين, لقد كان أعتاد على هذه الرائحة التي تتعطر بها راشل ليلا ونهارا .
ولكن.... هل هو يتخيل؟ إن جسما ناعما ودافئا يتمدد بقربه .
بصعوبة تنهد بخيبة أمل عندما أكتشف بأنه ليس وحده على هذا السرير الكبير, كانت راشل بقربه تغط بنوم عميق ودون أحلام .
"أيتها الأخت الملعونة! ماذا تفعلين هنا؟ أنا لا أريد أن أؤذيك أكثر من اللزوم, أنت رقيقة جدا ولكني فتحت عيوني في الصباح ووجدتك بقربي, فكيف سأستطيع المقاومة؟ فلا رابطة دم تربط بيننا, هذا صحيح, ولكنك أنت تجهلين وخطأك هذا فظيع"
كان يحدث نفسه وقد بدأ يفقد أعصابه.
فنهض على مهل لكن راشل لم تستيقظ بل تقلبت في السرير وظلت نائمة , فتأملها ايميت طويلا, وجهها البريء ورموشها الطويلة....
وشيئا فشيئا تذكر ما حصل له, من المؤكد أنه حلم بالكابوس مرة أخيرة , بعد كم شهر وكم سنة سيتمكن أخيرا من نسيان ذلك المكان الضيق, وصراخ وأنين المساجين, وتلك الوجوه المعذبة؟.
لقد جاءت راشل كي تهدئه , للأسف هذه الفكرة لا تطمئنه أبدا, إنها هنا, بريئة وساذجة, ومستعدة لكل شيء من أجله , نعم , لكل شيء , حتى ولو أنها لا تعلم بعد , أنه يعرف النساء جيدا ويفهم بأنها ترغب به ولا تدري وعاجلا أم آجلا ستفهم ذلك , عندئذ هل ستهرب؟ أم ستبدأ تشك بأنه ليس أخاها؟
لن يسمح لنفسه بالمخاطرة, لقد تخلى عن حذره عندما سمح لها بالبقاء هنا, وعندما وثق بها كما لم يفعل في حياته مع أي أحد منذ عدة سنوات , فهل بدأ يصدق كذبته, هل بدأ يعتاد على فكرة أن راشل شاندلر هي أخته الصغيرة؟
لكن لا, وطرد هذه الفكرة بسرعة , أن شعوره نحو راشل شاندلر هو ليس شعور الأخوة , وهو يعلم هذا جيدا , كما لا يمكنه أن يلبي رغباته الجسدية معها كما يفعل مع مالي وغيرها.
راشل شيء فريد , يحاول أن ينكره بكل الوسائل , لكنه لايستطيع , وإذا أستمر وفقد حذره سينتهي به الأمر على التخلي عن هدفه الذي يركز عليه منذ خمسة عشرة عاما, وكل هذا من أجل لا شيء .
وعندما ستكتشف راشل شاندلر الحقيقة, وهذا شيء محتم ستكرهه بالتأكيد.
هيا! لماذا نضع المطرقة على رأسنا؟ فلنتلذذ بهذه الأيام وبما تحمله من سعادة, ولنستغل هذه اللحظات مع راشل, برؤيتها تروح وتجيء في هذا الشاليه , ونتأمل قامتها الطويلة الرشيقة , ووجهها المعبر الخجول.
عندما خرج من المحيط , رأى ايميت الرجل الذي يرتدي لباسا أبيضا تحت سقف غرفته , وهو ليس بمزاج يسمح له بالحديث مع هاريس شاندلر هذا الصباح , فأقترب منه وهو يشعر بالضيق .
"ماذا تفعل في الخارج بهذا الوقت المبكر؟"
كان هاريس يجلس على المقعد المريح ويحمل فنجان قهوة بيده .
"صباح الخير يا أبن أخي , نشف نفسك أولا قبل أن تبللني بالماء فإن طقمي نظيف , فهل تشعر بحساسية ضد المناشف؟"
"نعم"
وجلس ايميت على الكرسي وتناول فنجان القهوة الذي ناوله إياه هاريس .
"ماذا تريد شاندلر؟"
"يا لهذا الاستقبال! لدي أخبار يا صغيري العزيز, أخبار شيقة تهمك بالتأكيد"
"أنا أستمع إليك ما هي هذه الأخبار؟"
سأله ايميت بجفاف .
لم يجبه هاريس فورا, وتلذذ برؤيته يفقد صبره .
"لقد شوهد ايميت شاندلر على الجزيرة , ايميت شاندلر الحقيقي".
عندئذ نهض ايميت فجأة