عرض مشاركة واحدة
قديم 29-06-20, 11:33 PM   #4190

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

تابع الفصل الاربعون

"أسوأ الحروب التي تخوضها نفسك عقل يرفض ، وقلب يريد "شكسبير



كانت تمسك بيده الباردة تنظر لوجهه الشاحب برهبة، تحدق فيه بلوعة الخوف، ورعب الفراق، بينما اللسان يصرخ فيه بألم وقهر.. "لماذا.. لماذا الآن تقتلني بتهديد فراقك ..استفق يا راشد من أجل إياب.. من أجلي"

سيطر خالد على انهيارها, يلف ذراعيه حولها ويسحبها من فوق صدره يجذبها بعيداً حتى يسمح للأطباء بأخذه بعيداً وإسعافه، خارجاً بها من غرفة الطوارئ كلها وهو يهدر فيها بسطوة "توقفي، ظننتكِ أكثرهن قوة!"

قوة!!

أيلومها أحد ويطالبها بالقوة وهو ملقى على طاولة فاقداً أنفاسه ومهددة بفقدها حياته.. إنه رجل عمرها.. حبها الأوحد.. عدوها الحبيب.. غريمها العاشق.. رغم كل شيء ورغم وجيعتها منه هي لم تتخطى راشد قط.. لم تتخيل يوما بأنها قد تقدر على عيش حياة هو لا يتنفس فيها...

أنفاسها كانت مقطوعة الآن تحدق في باب الغرفة المعتم الذي أغلق ،ببصر لا يرى بل كان شارد في اللامكان وضائع في اللازمان.. تمر عليها كل لحظة خاضتها معه.. متى أحبته أول مرة.. نظرت إليه بوله دون أن يراها.. أول مرة تجرأت فيها وصراخها الصريح في وجهه أنها تحبه.. متى أسرته هو كما كانت أسيرة غرامه حتى وهو غائب عنها.. وكيف حطمها للصميم ونزع فؤادها منها.. لقد دمرها.. وحطمته كما حطمها هو عند أخذه "ابنهما" وفراره به..

استدارت بدور برتابة مهيبة تحدق في وجه خالد المذعور رغم محافظته على صلابته تمسك بفوضى صدره وهي تهمس بذهول وتوسل وكأنها تريده أن

ينقذها كما وعد ان يجبرها كما تعهد " لقد تمنيت موته ...انا

كنت أتمنى موته من شدة وجعى منه ،

كيف استطعت فعلها ...كيف كان لقلبى أن يتحمل فقده "

صمتت لبرهة امام وجهه المصدوم ثم تابعت بهزيان



" الا أن لسانى فقط من كان يدعوا يا خالد من شدة يأسى علّ ابنى يعود لىّ ..!"

كان خالد ينظر إليها بوجه مصدوم من اعترافها،

أمسك كفيها بصرامة وهو يقول بأنفاس مكتومة "أنتِ لستِ المذنبة، كلاكما تمنى لصاحبه الأبشع"

هزت رأسها رفضاً وهي تهمس برعب "كيف لراشد أن ينهار.. هو لا ينهار.. يبقى صامداً أبداً... أنا... أنا سأموت هذه المرة إن تركني وغادر"

قال خالد مجددا من بين أسنانه مهاجمها ليس لشيء إلا ليجعلها تستفيق من انهيار آخر يلوح في الأفق مهدد توازنها المفقود أصلاً "لن يموت أحد يا بدور.. يجب أن تتماسكي كما عهدتكِ من أجل راشد وابنكِ..."

"لقد فعلت أشياء بشعة، لقد قالت بأني قتلته مرة!" كانت تتحدث بتيه وكأنها كائن آخر لا يعرفه.. وكأن سقوطه هو هذه المرة جرفها هي معه مجدداً كما ليلة فقدانها لإياب.. تراجع بها خالد على أحد المقاعد الحديدية وأجلسها هناك ثم انحنى أمامها يمسك كتفيها المرتعشين بتشدد وهو يكرر "كلاكما فعل.. وإن وجب عليكِ التماسك الآن من أجل مساندتي.. أنا أعول عليكِ يا بدور"

كانت روحها مهشمة كما كل ذرة في كيانها إلا أنها هزت رأسها موافقة وشفتاها تهمس بكلمات متفرقة ضائعة لم يلتقط منها إلا أنها تحاول أن تستعيد ثباتها.. بينما عيناها تشردان في الوجوه الشاحبة حتى توقفت على الصغير الذي بح صوته الآن من البكاء ولم يتبقى فيه إلا انتفاضات متقطعة من شدة بكائه يرتجف لها جسده الذي تضمه سَبنتي بقوة إليها.. ارتجفت بدور مرة أخرى بعنف وهي تحدق في وليدها بوجع بلغ حده.. فربت عليها خالد مانحها دعم آخر لأن تتسلح بالصبر من أجل أن تحتوي طفلها ..وعيناه كما قلبه الذي فقد انتظامه تحدق في محبوبته الضائعة كليا "سَبنتي"..

****



الهرج كان أكبر من اللازم.. أكبر من أن يستوعبه عقلها البسيط جداً في تلك اللحظة إذ أنها كانت مثال للبلادة والغباء وهي تراقبهم يضعونه في سيارة خالد الذي كان رغم فزعه يتحرك بثبات شديد وخطوات سريعة مدروسة بعناية رافضاً أن ينتظر سيارة إسعاف للقدوم، إذ أن الوقت لم يكن في صالحهم... هي لا تذكر حتى من دفعها لأن تستقل السيارة بجانبه, هل كانت بدور التي تتصرف أيضاً بنوع من الهذيان دجج حقدها عليها، أم هي من صعدت طواعية رافضة تركه كالمرة السابقة منذ أعوام..

صراخ جهوري معتم, سرير جرار يدفع وأطباء عديدين وممرضين ساعدوا خالد بجانب عاملي المزرعة.. ثم طبيب يتفحص حالته، وآخر يحاول أن يفهم من خالد إن كان له تاريخ طبي يجب أنيعلم عنه قبل أن يمنحوه أدوية.. أسئلة متداخلة عديدة لم يتمكن أحدهم من الإجابة عليها إلا هي ولكنها كانت أكثر ذهولاً و"بلادة" من أن تمنحهم ما يريدون...

"ارتفاع خطير في ضغط الدم وزيادة معدل ضربات القلب أي أنها أقرب للذبحة الصدرية"

بعين الخيال كانت ترى شهقات بدور الجزعة، وهي تنظر للطبيب منتفضة حتى انهارت بين ذراعي زوجها بكلمات أفقدتها هي صوابها حتى أجلسها خالد أخيراً على أقرب مقعد..وجه خالد الذي يحدق فيها الآن كان أسود يتصبب منه العرق بشكل ملحوظ ولكنه كان يصر على المقاومة، شيماء كانت أيضاً هناك تبكي بنشيج خافت تمتم بشيء مدعية أنها السبب..

أما هي في تلك اللحظة أسندت رأسها إلى الجدار متراجعة للخلف مغمضة العينين ويدها تسند إياب المنهار في بكاء مرتعب ويلف كلا ذراعيه حولها وكأنه أصبح بطريقة ما جزء من جسدها كيان واحد متمثل في عثرة الحظ واليتم الذي يلوح في الأفق..

هما ليس لهم أحد غيره حرفياً.. هو الأب والسند.. البيت الذي يلمهم والظل الذي يحمي كليهما.. كيف يفقدانه وقد تخلي عنهما الجميع في وقت سابق.. كل غارق في أنانيته وترميم جروحه الخاصة غير ناظرين لهما إلا أنهم مجرد روحين ستطبب أخطائهم..

قبضة غاشمة عصرت قلبها عصراً.. ولكن لا دموع.. لا انهيارات، فقد نضبت منذ وقت طويل إلا أن وجع الجفاف أشد قسوة من الألم المبلل بالبكاء..

"سيعود.. ساعتين فقط.. امنحه ساعتين وسيفيق مبتسم في وجهنا ويخبرنا أن لا شيء قادر على أخذه منا حتى وإن كان الموت كما المرة السابقة يا إياب، أنت كنت أصغر إدراك من أن تذكر ولكني أذكر ذلك اليوم المميت جيداً..."

لم تعلم أن همسها الأحادي كان أكثر علوا لتنتبه إليه الوجوه الشاحبة التي تواجهها حتى أحست بيد خالد التي قبضت على ذراعها بقوة وسمعت صوته يقول بتشدد "عمّا تتحدثين.. هل هذا حدث من قبل؟!"

رفعت رأسها تنظر إليهم بعينين فارغتين، لا أثر للروح فيهما ولم تجيبه..

صرخ فيها خالد نافضها من مكانها حتى أصاب إياب بالفزع مرة أخرى جاعله يصرخ بطريقة أشد من قبلها "انطقي.. لا وقت لانهياراتكِ وألاعيبكِ.. هل حدث هذا من قبل.. يجب أن يعلم طبيبه؟!"

ألاعيبها ..هل يظن أن فقدها لأبيها مجرد حدث تستغله لتلاعبه.. هل في الأساس عاد فيها روح لتلاعب أحد أو تتعامل بذكاء كانوا يتغنون به في الماضي.. لقد ماتت سَبنتي التي تعرفها منذ زمن طويل.. دفنت في قبر جدها وسط أشباحها وما عاد فيها أي رغبة قتالية لتعود لهناك وتنتشلها...

ما زالت نفس العينين المطفأتين تحدقان فيه بفراغ.. بينما إياب يضرب بيديه وقدميه في اللاشيء محارباً لأن يتشبث فيها أكثر..

كانت تراقب أمامها.. مجرد خيالات لأناس تتحرك ويؤدون أدوارهم المطلوبة بفعالية جبارة.. حتى أنها أرادت أن تضحك بقوة حتى تفقد حواسها من يراهم الآن يعتقد أنهم يهتمون به فعلاً.. من يرى انتفاض بدور الباردة بالذات يتوهم أنها أحبته يوماً وبأنها لا تتمنى موته لترتاح من وجوده أبداً..

سمعت صوت بدور المليء بالرعب تحاول أن تدعي الصلابة على ما يبدو عندما تقدمت ببدن مسلوب وأبعدت خالد عنها وهي تقول "الصراخ لا يساعد الآن يا خالد.. ابتعد عنهما.."

مدت يدها تحاوط جسد إياب المرتعش بأصابع منتفضة غير ثابتة.. قبل ان تقول بنبرة قاربت التوسل وهي تبتلع غصة رعب في حلقها "سَبنتي أرجوكِ تحدثي، قلتِ بأني قتلته في الماضى .. هل هذا يعني بأنه حدث من قبل.. إن كان يجب أن نعرف؟!"

ظلت سَبنتي للحظات تحدق فيها بنفس تلك العينين التي أصابت الجميع بالذعر حتى قالت أخيرا بنبرة ميتة "نعم حدث, ولكنه استفاق من أجل إياب.. كان لديه دافع أن لا يتركنا وحيدين في أرض غريبة، كان ما زال لديه أمل في الإصلاح, ولكن الآن بعد أن علم بزيف كل شيء... بزيف هذه الدنيا أيضاً.. ما الذي يدفعه للبقاء؟!"

"يا إلهي.. يا إلهي.." نطقت بدور بذهول واندفع خالد نحو غرفة العناية الفائقة يصرخ بصوت جهوري أن يخرج أحدهم ليخبره ما لديه من معلومات جديدة فأجابه أحدهم على الفور وهو يخرج من هناك يستمع إليه شارحاً و ظلت بدور تحاول سحب ابنها لتضمه إليها مهدئة إياه.. ولكن كانت طامتها الكبرى ووجيعتها الأخرى أنه رفض قطعيا حتى النظر إليها ممسكاً في سَبنتي محتمي فيها منهم وكأنه يخبرها باختصار بأنهم قوم زائلين زائفين بدفئهم وأمانهم.. بينما سَبنتي وحدها الحقيقة الثابتة في حياته وملجأ أمانه...

صوتها كان ضائع الآن أكثر جفافاً من أن تنطق وأكبر ذهول من أن تستوعب ما يجري حولها "أعطني إياب.. دعيني أُطمئنه وأضمه.."

ظلت تنظر إليها بنفس الوجه الغبي البليد، دون أثر لأي مشاعر تفهم منها ما تمر به أو ربما صدمتها الخاصة والوجع الشديد والرعب الأشد حالا بينها وبين أن تفهم ما تمر به الشابة الصغيرة الآن حتى قالت سَبنتي أخيرا "وهل منعته عنكِ إن استطعتِ أخذه من ذراعيّ أمه التي يعرفها يقيناً... فتفضلي لن أمنعكِ!"

انخفض كتفا بدور بانهزام مستندة بيدها على ذراعها و انحنى جذعها للأمام وكأن ظهرها كسر وما عادت قادرة على نصبه ثم قالت بصوت خشن إثر الدموع التي تكافحها أن لا تهبط مجددا وتفضح ضعفها "ليس وقته الآن يا سَبنتي.. جمعينا نعيش القلق عليه.. راشد ليس أخاكِ فقط وإنما هو..."

قاطعتها سَبنتي بنبرة خافتة بدت كمشرط حاد يمرر في حرير قلبها الضعيف "هو الرجل الذي خان الأميرة وحطم أحلامها الخيالية، فكان عليه أن يعاني لما تبقى من عمره.. الرجل الوضيع الذي سرق ابنها بينما هي كانت تزف لأخيه... نعم, نعم أوافقكِ راشد يجب أن يحرق عقاباً، يجب أن يدفع الثمن عمره كله.. من مثله لا يجب عليه أبداً أن يرتاح ويحيا كما البشر!"

كانت الأرض تميد بها شاعرة أنها ستنهار في أي لحظة، ولكنها كانت أكثر وعياً أن لا تشتبك في شجار ليس وقته ولا مكانه، ومع فتاة تبدو فاقدة لعقلها غير مدركة لما تقوله من الأساس بل تردده بدافع الخوف دون أن تقصد حرفاً منه بمعانيه...

"إن أصاب راشد مكروه سأموت قبله.. هكذا هو حبنا يا سَبنتي ذلك النوع من الحب الذي لا يجلب سوى الألم والدمار.. ولكن كلانا لا يستطيع أن يتخطى عشقه و لا رؤية الحبيب الغريم يصاب بمكروه"

قالت سَبنتي بوجوم "حبكما؟! هل تظنين بأني قد أصدق تلك الكذبة مثلهم، حبكما المدعو هذا كان ستار واهي لغروركِ، لشبح انتقامكِ، لعقدكِ التي وجدتِ فيه هو متنفس مناسب لتخرجينها عليه!"

كانت بدور تتأرجح على قاب قوسين أو أقرب من الانفجار وانهيار قد يجرف أمامه الأخضر واليابس.. ربما هي تحولت لجبل جليد كما يعتقدون أو حتى ربما قارة قطبية بأكملها، ولكن حقيقة النفس المحطمة.. تلك الروح التي عانت من جرح يعقبه كسر ثم حرمان ثم وجع لا يشبهه قط وجع.. جعلتها من الداخل بركان خامد بثورته منذ سنين إن قرر البوح عن ما يخزنه بين جنباته لن يبقي على أحد...

صرخت فيها وهي تقفز من مكانها تجبراً "لا تعيشي الدور، سمحت لكِ بالتنفيس عن نفسكِ لشدة ما تعانين، ولكنكِ لا تملكي حق لومي، هو من خدع وهو من سرق ابني.. هو الجاني، فلا تحوري الحقائق.. أنا من رميت بين الحياة والموت.. بين الجنون والانهيار أعاني الألم والفقد.. أدفع ثمن جرم لم أرتكبه"

لم تكن صورة سَبنتي الجامدة مطابقة تماماً لانهيارها الداخليولكن منذ متى أخذها أحدهم في عين الاعتبار..

"بل أنتِ مجرمة بقدره.. عانيتِ.. وهو دفع الثمن"

دبت بدور بكلا كفيها على الحائط وهي ترفع رأسها بحدة ليتطاير معها شعرها الذي فقد عقاله بشكل مجذوب وهي تصرخ "أي ثمن هذا, أتصدقين نفسكِ لقد هدد وتوعد بموتي حية.. بدفني دون موت, بينما هو فاز بابني وبسلامكِ وسلامه؟!"

قالت سَبنتي بنبرة قاربت الهذيان وقد بدت عيناها غائرتان مشوشتان مكررة ما همست به منذ وقت "لقد قتلته مرة.. توقف قلبه عن الخفقان من أجلكِ مرة.. وها أنتِ تعيدينها.. لا.. لا.. أنا وأنتِ من قتلناه هذه المرة!"

كانت بدور تستطيع الإحساس بالدماء تهرب من وجهها قطرة قطرة.. حتى باتت لا تشعر بأي شيء حولها.. عقلها توقف عن التفكير عندما سألتها بنبرة أجشة "ماذا تعنين بهذا تحديداً.. كيف لي بأذيته وقد كان رحل بالفعل بعيداً عني؟!"

أطلت من عينيّ سَبنتي نظرة أشد ظلام وقسوة وهي تقول من بين أسنانها المصطكة بالغضب "بعد أسابيع من الرحيل لا أذكرها تحديداً إذ أن كل الأيام أصبحت تشبه بعضها.. ظلمة تعم النفس.. طفل يبكي ليل نهار مطالب بصدر أمه.. رجل يتلطم بيننا محطم النفس وبدا كأنه ينتظر شيء أو شخصاً يستحيل قدومه"

((لقد كنت أنتظركِ, أن تأتي ليّ, لم يخطر على عقلي أبداً أنكِ كنتِ ضعيفة حد الانهيار))

"رباه" همست بدور بوجه شاحب متذكرة همسه المصر الذي لم تصدقه مطلقاً ولكن الآن....

"لقد كنت ملقاة في مصح.. ماذا توقع وهو ينزع فؤادي مني؟!"هتفت بدور مستنكرة مضطربة

صرخت سَبنتي والوجه الجامد ينكسر شيئاً فشيئاً كألواحالرخام لتختفي القسمات اللطيفة المذعورة الذاهلة ويحل مكانه شيء أكثر بشاعة من أن تتحمله بدور في هذه اللحظة "لقد وصله جيداً وبوضوح تام أنكِ تتنعمين بين ذراعيّ رجل آخر.. بأنكِ ذهبتِ لمكان ما حتى تستطيعي تخطي أزمتكِ وتتناسي ابنكِ..لقد صدق.. اللعنة عليكِ.. لقد صدق فشله.. صدق بأنكِ أكملتِ للنهاية وأنتِ كنتِ بالفعل قد ساعدتِ في هذا مقدمة له كل الأسباب ليقتنع بأنكِ قادرة جبارة حد أن تشطبي كل ما يخصه.. بأنكِ أردتِ طعنه بنفس الصورة التي طعنكِ بها..."

هتفت بدور بشحوب "لقد سرق ابني.. كان معه ولدي.. كيف له أن يقتنع بتلك الحجة العبثية، كيف لي أن أنسى ضنايا؟!"

كان فزع إياب الآن فاق الحد غير المعقول بصراخه الذي ملأ المشفى جاذباً الأعين الفضولية لهم ولكن كلتاهما كانتا مشحونتان بأحاسيس تضارب فيها الغضب والذعر مع الحرص على طفل يعاني... قالت سَبنتي صارخة "حسناً.. هو الملام الآن.. هو من رمى ابنه ذو عمر الأسابيع وذهب للزواج من غريم أبيه.. من أخ أبيه الذي كان يحوم بالفعل كضبع عفن حولكِ وأنتزوجة أخيه وحامل بطفله.."

هتفت بدور "هذا ظلم وقلب للحقائق!"

قالت سَبنتي بدون تنازل "وما وقع على أبي ظلم أيضاً.. وما ندفعه أنا وإياب ظلم بيّن منكم جميعاً.. ليتنا لم نولد.. ليتنا ما كنّا بين جنبات عائلة بغيضة لم يفكر أحدهم فينا مرة واحدة"

قالت بدور بشرر فاقدة السيطرة "إياكِ أن تجرؤي وتقارني وضعكِ المشين بابني يوماً فهو أبداً لا يشبهكِ"

صرخة خالد الجهورية أتت من خلفها مزلزلة مرعبة "خسئتِ"

شحب وجه بدور بقوة وهي ترفع كلا كفيها تضغط على فمها بتشدد "رباه.. أنا لم أقصد.."

ابيضّ وجه سَبنتي حتى نافس لون الجدار الذي تستند عليه.. عيناها كما روحها باتت مهترئة بفظاعة وكأنها تذوب حية داخل صهريج متجمّر.. متساقطة نفسها لمليون شظية تحت أقدامهم التي شعرت بها تدهسها دون رحمة...

شعرت بيد خالد تمتد نحوها فنزعت نفسها سريعاً تدعي القوة وعدم التأثر.. لكن كل شيء كان حطم بالفعل مخرج أسوءأشباحها..

"ابتعد عني.. لا تلمسني" همستها بنبرة ضائعة

سمعته يقول بصوت أتاها من بعيد محاول أن يلبسه بلسم يرطبجرحها الحي ولكن منذ متى كان هناك علاج فعال مع قيحها المتعسر..

"حبيبتي أنتن أكثر انهياراً الآن لتدركن ما تقولانه.. هلّا جلستِ من أجل إياب على الأقل؟!"

لم تجبه بل رفعت عينيها الحزينتين المذبحوتين نحو وجه بدور الهلع ثم همست بوضوح تام فالآن ما عاد مكان لأسرار تحفظها كما وعدته "لقد بحث عنكِ، لقد أراد أن يتراجع من أجل إياب ويعيدكِ إليه، لذا رفض تصديق شائعات الصحف واثقاً بكِ للنهاية، وطلبكِ على هاتف كان قد تركه لكِ كما أخبرني، ولكن هناك رجل ما أجاب على الهاتف وقال أن من خلفته عروس أتت مع أسرتها ثم حدث شجار ما عقب عقد قرانها ورحلت.. لقد انتظر الرجل عودتكِ ولكنكِ لم تعودي أبداً.. كما لم تأتي باحثة عن إياب.. وراشد وقتها سأله فوق المئة مرة عن ما يقصده بعقد القران فأكد الرجل بما لا يقبل الشك أنه تم.. وكان حاضر بنفسه ثم... ثم كان هناك آخر على صله بكم أكد له ما نشر بالسابق.."

رجفة كانت تجتاح جسد بدور دون رحمة وهي تهمس بعينين قاربتا على الجنون "هل تريدين مني تصديق هذا الهراء.. رجل وهاتف وكلام أحمق لا يصدق؟!"

قالت سَبنتي بجمود "ما عادت تفرق, تصديقكِ من عدمه، الأمر سيان.. راشد كان محق امرأة مثلكِ مضطربة, وحشية, عديمة الرحمة والإنسانية.. ما كانت تنفع مع أخي"

صمتت قبل أن تكمل مصححة بمرارة "عفوا سيدة بدور.. أعني إياب.. فأنا لا يليق بي وصفه بأخٍ ليّ..."

ضمت بدور فمها بكفيها أكثر, عيناها تذرفان دموع لا تتوقف, تهز رأسها برفض مرير فبدت في هذه اللحظة صورة سريالية للحزن والوجع والخوف غير المحدود "أنا لم أقصد أذيتكِ.. بل لم أرد جرحكِ.."

شهقت مرة أخرى بوجع.. بينما تسمع خالد يقول بنبرة هادرة خفيضة "كفاكن فضائح.. ألا تكتفيان؟! هو يصارع الموت بالداخل وأنتن هنا تفعلان الشيء الوحيد الذي تجيدانه.. تدمير بعضكن.."

رفعت سَبنتي وجهها الميت نحو خالد ثم كررت بصوت واضح "هي قتلته.. لا أعلم ما الذي أخبرته به.. ولكنها المذنبة.. لقد عادت الطاووس لتقضي على المتبقي منه"

همست بدور مكررة سؤالها بإصرار "كيف انهار من قبل؟! انطقي.."

قالت بوجوم متشدد "عندما علم بعد فوات الأوان بأنكِ كنتِ تعانين مثلنا.. بأنه دمركِ بالفعل كما دمر نفسه وابنكما قبلكما.."

هتفت بدور بصوت أثقله الألم "لا.. لا، هذا ظلم آخر.. ليته عاد.. ليته واجهني.."

دفع خالد سَبنتي مجدداً وراء ظهره راغباً في منعهما من مواجهتهن الدامية "كفى.. وإلا سأرسلكما بعيداً"

"أنا قاتلة... أنا أضحيت كما تمنيت يوماً مثلكِ.. قاتلة يا بدور"

كانت شيماء في هذه اللحظة ترتجف بعنف, تبكي بصمت وهي تقلب رأسها بينهم.. ولكن عند هذا الحد كانت تقف تتخبط بين الجدران والمقاعد حتى اصطدمت أخيراً بذراع بدور فشدتها بعنف تتشبث فيها بأظافرها وهي تقول بألم يرتعش خوفاً وبرداً "بل أنا المسؤولة.. لقد أخبرته بكل شيء.. سرنا البشع يا سَبنتي.. لقد عرف راشد بوصول والدي لكِ.. بتواصلنا أنا وأنتِ أعوام دون أن يشعر بنا أحد.."

صرخت سَبنتي بنبرة عنيفة ومتحشرجة.. إن كان يصلح جمعهما معاً.. وجهها شاحب تماما وشفتيها مبيضتان منشقتان رعباً وصدمة "ماذا... فعلتِ؟!!"

تمتمت شيماء بحرقة "كان يجب أن يعلم.. الستر آن له أن ينكشف.. لم أقدر على حمل وجع المعرفة وبغض نفسي أكثر"

كررت سَبنتي بذهول وبغض "لم يكن من حقكِ، لقد خنتِ سري بالنهاية، حطمتِ ما حاولت حمايتهم منه، كيف استطعتِ خيانتي.. كيف لكِ أن ترميهم مجدداً في بئر ضياعنا؟!"

ضمت شيماء جسدها المرتجف وهي تهتف بنيران الذنب التي تلتهمها "لم أقصد.. أنا آسفة.. آسفة له.. آسفة لكِ يا بدور.. أنا لم أملك الجرأة لأخبركِ باكراً"

وكانت القسمة الكاملة لبدور وهي تنظر إليها مقتطعة الأنفاس غير مستوعبة "الحقيقة" التي يتبادلان الإقرار بها...

أغلق خالد جفنيه على عينيه المحمرتين بالقهر والوحشية، وبدّل وقوفه أمام شيماء حاجبها بعيدا عن بدور التي ترنحت بقوة في مكانها وهو يسمعها تسأل بعدم ترابط وبارتجاف بلغ أشدّه "ماذا تقولين أنتِ.. أبي وصل لها؟! أين ومتى؟! وأنتِ كنتِ تتواصلين معها.. أي من الممكن أنكِ سمعتِ صوت ابني وتعلمين عنه بينما تراقبيني أموت كل لحظة يا شيماء.. لا ليس أنتِ أرجوكِ.. ليس أنتِ.. لقد تعشمت فيكِ الكثير.. هذا كذب.. كذب.."

همست شيماء بضعف من بين بكائها العنيف مرددة "أنا آسفة.. والله أني آسفة.. لم أملك حل آخر.. ليس بعد ما فعله والدكِ بها"

لم ترد بدور بشيء بل خلعت ذراعها منها بصمت قاتل.. إذ أنها لم يعد فيها قدرة على سماع المزيد من أحدهم, لا تبريراتهم ولا حقائقهم لقد اكتفت! .. تاركة الدفاع لخالد الذي احتار من يساند ومن يرمم ويعالج.. نفس الحيرة القديمة ونفس الحمل الثقيل والإجابة العاجزة.. بل زاد فوقها طفل بح صوته من صراخه وتجمد ذعراً وهو يحفر أنيابه الصغيرة في كتف سَبنتي رافضاً تركها...

"إياب.. أرجوك ترأف بقلبي يا بني" كفاها الرقيقان عادا يحاولان احتواءه دون يأس.. ولكنه زاد من ذعره وعناده، يزجها بيده دون أن ينظر إليها صارخاً ببغض يحمله للمرأة الشريرة التي رآها تقتل أباه..

"آاااه.." انحنت بدور للأسفل مقسومة لنصفين, شاعرة بنفسها على وشك السقوط ومجاورة الراقد تحت أيدي الأطباء..

قاطعهم خروج الطبيب متوجه نحوهم ينظر إليهم بوجوم وغضب مشتعل ولكنه تحكم فيه عندما نطق "وضعه لا يبشر بالخير، لقد فعلنا معه الإجراء المتبع وسنحاول تدريجياً خفض ضغط دمه المرتفع.. ولكن بالطبع كون الأمر تعدى مجرد وعكة خفيفة كما حدث من قبل كما أخبرتني فنحن بصدد تهديد حقيقي لحياته أي (ذبحة صدرية).. سيد خالد"

شعر خالد بطعنة حادة اخترقت صدره برعب الفقد الذي لم يفارقهم بعد.. فشبح الموت ذلك الحق الوحيد المكروه في الكون لم يترك جدران منزلهم بعد بل كانت زيارته لهم قريبة جداً..

"أي ذبحة.. عمره لم يتخطى الثمان والثلاثون؟!"

قال الطبيب بحدة "وهذا السبب أدعى تحديداً لآمر بإبعاده عن أي اضطرابات للمدة التي أحددها بنفسي، ويمنحني الحق أن أخبرك إما أن تلتزموا الهدوء أو سأستدعي تدخل الأمن وأخرجكم فوراً"

قال خالد بحدة مسيطرة مستخدم مكانته لأول مرة "هل تعلم عن من تتحدث.. أو مع من؟!"

قال الطبيب بغضب "لا أهتم.. كل ما أعرفه أن الرجل الذي بالداخل في مقتبل عمره يعاني جلطة.. ذبحة صدرية افهمها كما شئت.. وبعد عرضكم الجميل هذا، أظن بأني علمت ما الذي أوصله لتلك الحالة.. ذلك الأمر بالذات يصبح أكثر خطورة على صغار السن من العجزة.. من بعد إذنك سيد خالد"

لم ينتظر الطبيب رده بل التفت منصرفاً على الفور عائداً لغرفة العناية الفائقة...

هبطت سَبنتي على الأرض بحدة.. عيناها الواسعتان تحدقان في الفراغ بذهول ورعب بلغ أشده...

وفي تلك اللحظة بالذات علم خالد أنه عاجز تماما عن قول أو فعل شيء يخفف ما تعيشه...

فجلس بجانبها آخذاً شيماء جواره والتي أخذت تبكي بكاء عنيف لا ينقطع وهي تهذي تقريبا "لا موت جديد.. لا أريد أن أعيش ذلك الألم مجدداً.. لا أستطيع احتماله.. ليس ويديّ عليها آثار دمائه"

أسند خالد رأسه للوراء على الحائط بتعب و مد ذراعيه يلتقط إياب جبراً ولكن للغرابة لم يقاومه الفتى بل لجأ إليه يحفر بأظافره المقلمة فوق كتفيه.. وهو ضمه إليه شاعراً بألم آخرقاتل حسرة على الصغير الذي بلل نفسه من شدة ما يعاني..

"سأقتل نفسي.. ليس لي بعد أبي حياة!" همهمت سَبنتي بضياع..

مد خالد ذراعه الآخر وأجبرها على أن تدس رأسها بين جانبه وساعده.. ترتعش بعنف, بعمق.. ولكن لا دموع بل جسد كلوح الثلج.. وظلام مرعب طويل.. طويل للغاية وبطيء يؤخر انقشاعه غيم ظلل على رؤوسهم في ليل أسود داكن..

انسحبت بدور من المشهد الدامي عارفة أنه ما عاد لها مكان بينهم، تبحث عن أول باب خالي تستطيع الاختفاء خلفه وحين وجدت ضالتها تسللت ببطء، تحدق في الفراغ بصمت جارح، و أحداث الليلة الكئيبة المدمرة تمر أمام عينيها متخللها كل جريمة وخطأ ارتكتبه في حياتها منذ البداية فبدت كمشهد سينمائي بطيء وسلسلة من الحلقات المعذبة والمحطمة لا تنتهي ..

كل ذكرى وأخرى كانت تصفعها صفعاً ترديها قتيلة.. كيف كانت بهذه البشاعة.. كيف كانت معمية العين والقلب والبصيرة.. كيف ارتكبت تلك الفظائع وماذا جنت من زرعها الأشواك..

ملامحها كانت في هذه اللحظة عاجزة تشيخ بصمت بتعاقب.. مرتعبة، ذعرة، نادمة, مجروحة وجارحة ظالمة ومجرمة، مجني عليها وجانية.. مقتولة بيده.. قاتلة"

", جانية, بشعة, أنتِ السبب قاتلة.. لن يفيق.. والدكِ كان يعرف سرنا.. تواصلنا.. لقد خدعت.. لم أعود.. لا ستحطمينه.. أنتِ قاتلتي يا ابنة ياسر..

شيماء كانت تعرف.. أبوها كان يعرف.. هو لم يعد، ابنها يكرهها..

بالنهاية هي خسرت ليس الرجل الذي عشقته حد التطرف، حد الجنون فقط.. ولكن خساراتها الأكبر كانت لنفسها... لماذا كانت من التعنت لأن لا تسمع نصيحة أمها.. لما ملكت من الغباء والكبر أن لا تتركه وقت خيانته لها وراء ظهرها...

لماذا امتلكت من الضلال أن تستمر في حلقتهم التي ضاقت واستفحلت حتى كمدتها وحدها عاصرة إياها عصراً لتصبح النتيجة والخسارة فقدها لصغيرها، الذي لن تكسبه أبداً..

"أعادك لي جسداً يا إياب، وفقدتك قلباً وحباً يا رضيعي.. لما لم تصمد قليلاً من أجلي.. ليتني هربت قبل أن أستمر في تلك المسرحية عله وقتها كان عرف بأنك كل ما اهتممت به في الدنيا.. وتركك لي"

"آه.. آااااه.."

كل شيء كان يدور حولها في حلقات نارية تلفها, تلحفها, تصفعها بقسوة, وتلكمها بتوحش.. حتى شعرت بكل إنش فيها مدمي ومكدوم...

ببطء وشيئاً فشيئاً كانت تعود تكمم فمها بقوة تنحدر على الباب ببطء مميت.. نبرتها تعلو بصراخ تدريجي بطيء.. صراخ يزداد حدة بوتيرة موجعة.. تهبط وتهبط لأسفل الدرك.. رأسها يتحرك برفض قاسي لشيء لا تعرفه.. أو ربما لتعدد صدمتها فيما تبكيه وفيما تندم عليه لم تحدد ما الذي هي ترفضه.. فقط كانت تهبط لأسفل كاتمة شفتيها بقوة.. دمعها يهبط دون أن يكف مغرقاً وجهها، شعرها متهدل وراء ظهرها وحول ملامحها مخفيها حتى جلست القرفصاء أخيراً تضم ركبتيها على صدرها.. تمر حياتها ببطء أمامها حتى وصلت لجسده الهامد الخالي من علامات الحياة بين ذراعيها وإنفجر كل شيء مرة واحدة.. تصرخ وتصرخ بانهيار كامل.. تمسح على نحرها بكفها بعشوائية علها تتخلص من الغصة الهائلة.. كتفاها يهتزان بقوة ينحنيان بقسمة.. تشعر أن جرحها وقلبها المكسور لن يرمم أبداً...

ثم همس القلب بما لن يبوح به اللسان مجدداً بإقرار واحد تغلبها إليه كل مشاعرها الآن "لا قدرة لي على الحياة بعدك.. لا تغادر.. لا تتركني.. لا تغادر.. لقد كنت أكذب.. لم أتمنى موتك.. لم أدعو حقيقة.. رباه ارحمني فقد بلغ عذابي وعسرتي مداها.."

********



أطلقت شيماء شهقة قوية وهي تشعر بذراعي والدتها أخيراً تحتويها.. مرتجفة, خائفة وهشة للغاية.. كانت تهذي للنفوس التي شعرتهم حولها بنوع من الضياع "لم أقصد أن يصل إلى هنا.. لم أعرف أنه مريض بالفعل.. لقد بدا كما كان دائماً وحش لا يتأثر.. لا يشعر ولا ينهار مثلنا.. لذا أخبرته بكل شيء وأعلمتهبالسر الوضيع لأبي حتى يمنعها ويقدر على كبح جنونها.. أردتأن أصلح كل شيء لا أن أفسده!"

همست منى تكبح دموع الفؤاد المهتز "إهدئي صغيرتي.. ما حدث قدر ليس إلا.. هو مجرد بشر.. إنسان عادي يتأثر بما يحدث حوله"

"أنا آسفة.."

ضمتها منى إليها بقوة.. بينما حدقتيها الغائرتين داخل جفنيها يحدقان في ربيبتها المنفصلة عن الواقع.. هامدة وصامتة.. ضعيفة للغاية, مستسلمة بشكل يقطع الأحشاء دون أن يوصلها...

انحنت نوة تجلس القرفصاء أمام خالد محاولة أن تكون هي أكثرهم تحكم في هذا الموقف الصادم والمؤلم.. إذ أنهم عندماتناقلوا الخبر منذ ثلاث ساعات أو أكثر من إيهاب الذي كان الوحيد الذي بلغه خالد كي يأتي جانبه جزعوا بما فيه الكفاية...

قالت نوة بهدوء وهي تخرج من حقيبة نسائية جلدية كبيرة نسبياً غطاء ثقيل تدثر به الصغير النائم بدموعه الجافة على كتف خالد "مريم قالت أنك طلبت منها ملابس مناسبة لزوجتك وإياب أيضا.. هل يمكنك إقناعها بالوقوف إذ أنها لا تبدي أي استجابة لأحد؟!"

نظر خالد إلى سَبنتي التي ما زالت على وضعها منكمشة عارفاً أنها لا تدرك في الأساس من استسلامها إليه.. كانت ما زالت ترتدي قميص نومها القطني، إذ أن الموقف لم يسعف أحدهم للتفكير.. ولكنه بالطبع كان من الوعي لأن يخلع سترته القطنية في وقت ما وجعلها ترتديها ساترها عن الأعين.. أما عن البنطال فيذكر بشكل ضبابي قبل هرولتهم إلى الأسفل أنهاالتقطت بنطال منامة طفولي وارتدته على عجل... قال أخيرا بتهكم "لا تتعمشي بأنها ستمنحني الأفضلية فتأثيري عليها مثلكم تماماً.. هي تلجأ لي الآن لأني المتوفر.. لا البديل"

تنهدت نوة بالألم قبل أن تريح ركبتيها على الأرض.. ثم تستغل ستر خالد لها بجذعه الضخم.. وشرعت في خلع سترته عنها..

"ابتعدي..." همست سَبنتي بضعف وهي تقاوم يديها.. ولكنها كانت هزيلة بحد موجع لأن تدفع أحدهم عنها.. مررت نوة الفستان المحتشم سريعاً عبر رأسها ثم بصعوبة شديدة كانت تمرره في ذراعها ... وأسدلته أخيراً حولها حتى غطى ركبتيها ثم سحبته بتمهل ليستر ساقيها.. وهي تقول بخفوت "الأفضل إنرآها طبيب وأعطاها مهدئ"

قالت سبنتي بصوت خشن وكأن أحبالها الصوتية أُهلكت في معركتها القصيرة السابقة مع بدور بالتزامن مع عقلها المغيب "لا أحتاجه, هل تريني أقطع في شعري.. فقط ابتعدوا عني كما كنتم طوال أربع سنوات.. وسأصبح بخير"

الوضع كان أكثر كآبة لأن تجادلها نوة بإيجابية إذ أنها احترمت حزنها، وهي تستدير مرة أخرى نحو أخيها محاولة التقاط إياب الذي فزع على الفور وبدأ في صراخ حاد خلع قلوبهم خلعاً.. بشكل ضبابي كان الفتى يزيح صدر خاله مقاومه ثم يرمى بنفسه على جذع سَبنتي التي استقبلته بترحاب تضمه إليهابقوة دافنة رأسه على قلبها، ووجهها هي في شعره ثم أخذت تهمس بصوت هادئ "ماما هنا.. ستحميك.. لا تخف يا صغيري.. لن يأخذك أحد مني.. سأحميك كما قدم هو الحماية لي"

اهتزت ملامح نوة بقوة وهي تبتلع ريقها الجاف تنظر لخالد الذي هز كتفيه بعجز وقال "حاولت بدور أخذه مني ومنها عدة مرات بالفعل.. ولكن كما ترين رد فعله لا يتغير"

همست مريم التي كانت تجلس بجانب زوجها المتجهم بالقلق ونوع من الغضب "هذا أكبر من أن يتحمله طفل في عمره.. لماذا لا تعيدهما هو وهي للمنزل؟!"

"أنا لن أتحرك من هنا إلا مع راشد" نطقت سَبنتي بحدة..

قال إيهاب بصوت أجش "الأمر قد يطول كما أخبرنا الطبيب.. وبالفعل الوضع غير صالح لإياب.. سيضر به هذا"

حركت رأسها برفض صامت..

قالت نوة بهدوء "إذاً أقنعيه بالذهاب لبدور، وهي ستعتني به"

مرتجفة ومضطربة كانت تقلب عينيها في وجوههم شاعرة أنهافي المكان الخاطئ بين أناس غرباء.. تواجههم وحيدة، غير آمنة ومذعورة.. ذعر ليس له أمان يردعه.. ثم همست بصدق مؤلم "أتمنى أن يذهب إليها.. أن يشعر بالاستقرار مع غيري.. أنا أثق بأن راشد يرغب في هذا.. أن يلجأ إليها هي بالذات.. فتبعده عن هذا... هذا العذاب.."

أطل وجه بدور الشاحب أخيراً تنضم إليهم في ردهة المشفى قادمة من أمام غرفة العناية دون أمل في سماع عنه أي شيء يطمئنهم... وقد كانت منذ وصولهم تتجنبهم كلياً وكأنها تشعر بأنها لا تنتمي إليهم.. الجميع خدعها.. الجميع نكّل بجرحها.. كلهم فضلوا تطبيب جروحهم الخاصة دون النظر لمرارتها ووحدتها لسنوات... ثم قالت أخيرا بأنين "أتركوه معها.. لا أحديحاول نزعه منها.. أنا أعلم أنه أكثر استقراراً في هذه اللحظات مع أخته"

رفعت سَبنتي وجهها المهزوم نحوها تحدق فيها بمرارة.. ثمابتسمت بتهكم ساخر دون أن تعلق بشيء... كانت وكأنها ترد لها ضربتها بتهكمها ذاك وتمنحها الدليل القوي والموجع بأنه كان محق عندما خبأ عنها بالذات في الماضي حقيقة نسبها...

أسبلت بدور جفنيها بإنهاك بلغ أشده ثم استندت بكتفها إلى الإطار للباب الحديدي الفاصل بين الغرف ولم تعلق إذ أنها بدت كمن استنزف كل ما لديه من مشاعر...

شذى كانت هناك أيضاً ولكنها كعادتها لا تتدخل ولا تقترب, فقط تراقب بصمت.. تبكي وتأن دون صوت متسائلة إلى متى ستظل معاناتهم.. هل بالفعل سينتهي كل شيء بهذه السهولة، سيموت هو دون أن يحصلوا على استقرار أمل فيه.. دون أن يدفع ثمن جرم رهيب ارتكبه في حق أختها.. أختها وماذا عنها إن لم تستطع أن تتخطاه وهو حي يرزق و يجرم في حقها.. فكيف لها الآن أن تتعامل مع التهديد بفقدها حياته؟!!

أحست منى بالدموع تحرق عينيها من جديد، بكل الألم يعود يغرز سكينه في صدرها, بكل الأمل في تغيير نحسهم وتشتتهم يخبو من جديد..

"كتب عليكِ أن تشاهدي عمركِ كله وصورتكِ المثالية محطمة من الخارج كما هي مهشمة من الداخل يا منى"

*********


يتبع الان
:a555::a555::a555::a555:

https://www.rewity.com/forum/t459560-420.html



التعديل الأخير تم بواسطة رغيدا ; 30-06-20 الساعة 12:09 AM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس