الموضوع: أرواح هائمة
عرض مشاركة واحدة
قديم 27-07-20, 11:29 PM   #13

سمر شكري

? العضوٌ??? » 474025
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » سمر شكري is on a distinguished road
افتراضي أرواح هائمة

الفصل السادس









رسالة نصية أتتها، جعلتها تحملق بهاتفها لا تصدق محتواها، كلمات قليلة تخبرها أن زوجها متزوج بأخرى غيرها، ومرفق عنوان منزلها إن أرادت أن تتأكد. أمسكت هاتفها تحاول الاتصال به ولكنه خارج التغطية، بدَّلت ملابسها وتناولت حقيبة يدها، قادت سيارتها مسرعة إلى العنوان الموجود بالرسالة.

وقفت أسفل المنزل تتردد بالصعود، هل تصدق حقًا أنه قد يفعلها! يطعنها بسكين الخيانة! كادت أن تعود أدراجها، ولكنها حسمت أمرها سريعًا وصعدت إلى المنزل؛ فلا ضرر من التأكد وإبعاد الشكوك.
ارتجفت أصابع يدها وهي تطرق الباب، فتحت لها امرأة في أواخر العشرينات تبتسم لها ابتسامة انتصار؛ فهي قد حققت مرادها، رحبت بها ودعتها للدخول:
- مرحبًا بكِ يا دكتورة بتول، تفضلي بالدخول.




احتارت (بتول) بأمرها، لا تتذكر أنها رأتها من قبل، ولكن يبدو أن هذه المرأة تعرفها، دخلت إلى المنزل بتردد، وجدت طفلة صغيرة تجلس أرضًا أمام ألعابها، ابتسمت لها الطفلة ملوحة بيدها فبادلتها (بتول) الابتسامة، دعتها المرأة للجلوس:
- تفضلي.
رأت الحيرة ونظرات الشك بعين (بتول):
- هل تشكين بصدق المعلومات التي أرسلتها لكِ؟

لم تجِبها (بتول)، ظلَّت توزع نظراتها بينها وبين الفتاة، تبحث بعينيها عن زوجها بالمنزل، لاحظت المرأة ذلك فأكملت حديثها:
- هو ليس هنا الآن، ولكنه على وشك القدوم، انتظريه لتتأكدي بنفسك، بالمناسبة أنا نجوان زوجته.
وأكملت مشيرة إلى الطفلة:
- وهذه مَيس، ابنتنا.



وهنا كانت الصدمة، فالفتاة يبدو أنها بعمر الثالثة أو الرابعة، وهذا يعني أنه قد خدعها لأكثر من أربع سنوات. تلألأت الدموع بمقلتيها، التفتت إلى الباب الذي فتحه (أدهم) للتو ليتفاجأ من وجودها بمنزل زوجته الأخرى:
- بتول!
اقتربت منه ودموعها تحفر أخاديدًا على وجنتيها:
- لماذا؟ أخبرتك أني لن أستطيع تحمل هذا الأمر، طلبت منك أن تتركني وتتزوج بأخرى، أعلم أنه ليس ذنبك أني لا أُنجب، طلبت منك مرارًا أن تطلقني وتبحث عن زوجة أخرى تهبك الأطفال، أنت تعلم أني لن أطيق وجود امرأة أخرى بحياتك، ومع ذلك فعلتها.

تحول (أدهم) بنظراته إلى زوجته الأخرى (نجوان)، صرخ بوجهها:
- لماذا أخبرتِها؟ لمَ فعلتِ ذلك؟
تعالى صوت (نجوان) هي الأخرى:


-من حقي أن أحيا أنا وابنتك دون خوف أن تعرف زوجتك الأولى بأمر زواجنا، يحق لنا أن تقضي معنا وقتًا أكثر من تلك اللحظات التي تسرقها لمجرد رؤيتنا والاطمئنان علينا.

اقترب (أدهم) من (بتول) يحاول تهدئتها:
- بتول، هيا نذهب إلى المنزل ونتحدث بمفردنا.
ابتعدت عنه (بتول):
- لا، لن أذهب معك إلى أي مكان، هنا نهاية المطاف، طَلِقني يا أدهم.

أنهت جملتها وأسرعت تخرج من المنزل، تهبط درجات السلم عدوًا، تبعها (أدهم) بعد أن ألقى نظرة حانقة على (نجوان) ولم يبالِ بنداءات تلك الأخيرة عليه.
تناولت (نجوان) هاتفها الذي صدح رنينه لتجيب المتصل:
- نعم يا حازم.


استمعت إلى ما يقول، ثم صرخت به:
- ماذا فعلت؟! أدهم برفقتها الآن بالسيارة.

أدارت (بتول) السيارة، ركب (أدهم) بجوارها قبل أن تنطلق بها بسرعة، كانت تزيد من سرعتها كلما سمعت اعتذاراته وتوسلاته أن تسامحه، ضربت يدها على المقود بقوة صارخة به:
- اصمت، كفى، لا أريد أن أسمع شيئًا آخر، كنت أتمنى معرفة الأمر منك، ربما حينها لم أكن سأشعر بالغدر.

استمرت (نجوان) بالاتصال برقم (أدهم)، اضطر أن يجيبها ليريح رأسه من اصرارها، زعق بها:
- ماذا تريدين يا نجوان؟ لا أريد التحدث معكِ الآن.
جحظت عيناه عندما سمع ما أخبرته به:
- لا تركب معها، أرجوك عد يا أدهم، لقد عطَّل حازم فرامل السيارة.



أغلق الخط بوجهها، التفت إلى (بتول) يحاول أن يتحدث بهدوء:
- بتول، حاولي تخفيف السرعة واقفزي من السيارة.
- قلت لك اصمت، لا أريد سماع صوتك.
صرخ بها:
- فرامل السيارة معطَّلة، حاولي تخفيف السرعة.
ولكن تحذيره قد تأخر، استمعا إلى صوت زُمور متتابع يأتي من جهة اليمين، فما كان من (أدهم) إلا أن قفز من مقعده يحمي (بتول) بجسده قبل حدوث الاصطدام.
***********

تقاذفت كل تلك الذكريات إلى عقلها دفعة واحدة، أحداث اليوم التي فقدتها هاجمتها، أسقطها عقلها الباطن من قبل لرفضه تصديق ما عرفه عن زوجها، ولكنه يُعيد كل شيء إليها الآن.




جلست تبكي، تذرف دموعها، لا تعرف سبب بكائها، ربما تبكي فقدان حبيبها وزوجها، ومن المحتمل أنها تبكي حالها، سنواتها التي قضتها مخدوعة، يخبرها بأنه لن يتخلى عنها، يَعدُها بأنه لن يكون لغيرها، ولكن ها هو يضرب بكل تلك الوعود عرض الحائط، وربما هي تبكي قلبها الجريح المطعون بنصل الخيانة، قلبها الذي لا زال حبه يتربع على عرشه، تمنت لو توأد تلك الدقات.

انتشلها من كل هذا ندائه باسمها، يطلب الصفح:
- بتول! أرجوكِ لا أستطيع رؤيتكِ هكذا، أنتِ تزيدين عذابي.
بدا كأنها لم تسمع شيء مما قاله، سألته بشرود:
- لماذا أرادا قتلي؟
أجابها ونبرة الألم تطفو بصوته:
- أرادت نجوان أن أكون لها بمفردها وألا يشاركها أحد بي، ساعدها وساوس حازم بعقلها بأنها لابد
-
-
-
- أن تتخلص منكِ ليكون كل شيء لها هي وابنتها فقط.
كفكفت دموعها، تمتمت بخفوت:
- كنت أحتاج لشيء قوي يؤكد سوء أفعاله، وما أخبرتني به الآن كافٍ بالنسبة لي، لقد حان الوقت أن ينال عقابه.

التقطت هاتفها تبحث عن رقم ما مُسجل به، رقمه الذي حصلت عليه من الملف الخاص بشقيقته، اتصلت به وانتظرت أن يجيب، لم تنتظر كثيرًا، أجابها بصوتٍ رخيم:
- ألو.
- مرحبًا يا سيد حازم، أنا بتول؛ طبيبة نجوان، لقد أردت محادثتك بشيء يخص حالة نجوان، هل لديك الوقت لآتي إليك وأحادثك قليلًا؟





فكر قليلًا، فهو غير متأكد إن كانت تتذكره أم لا، ولكنها لم تبدِ أي شيء يدل على ذلك خلال مقابلاتهم، تردد في البداية ولكنه حسم أمره قائلًا:
- لا مانع لدي، متى تريدين مقابلتي؟
- الآن إن كنت لا تمانع، أخبرني عنوان منزلك وسآتي في الحال، فالأمر لا يحتمل التأخير.

أنهى المكالمة بعدما أملاها عنوان منزله ظنًا منه أن حالة شقيقته تستدعي ذلك.
شعر (أدهم) بالخوف على (بتول)، سألها عما تنوي فعله، نظرت إليه بتحدي:
- لقد آن الأوان لكي ينال كل شخص جزائه.
ثم التفتت حولها تبحث بعينيها في الفراغ، يرتفع صوتها مناديًا إياهم:
- يوسف، باسمة، أين أنتما؟ لماذا لم تعاودا الظهور لي مجددًا؟ لقد وجدت حازم، عرفت عنوانه، حان الوقت لتنتقما لنفسكما.
*********


بعد مرور نصف ساعة كانت تجلس بمنزله بحجرة المعيشة، بينما يعد لها مشروب ليُضايفها، أخبرها (يوسف) و(باسمة) بما عليها فعله، المهمة بسيطة شرط ألا يراها أحد تصعد لشقته؛ وهذا ما تأكدت منه، واحتياط آخر بارتداء قفازات بيدها لكي لا تترك بصماتها بالمكان.

عاد إليها (حازم) مُرَحبًا مرة أخرى، وجدها تضع يدها على رأسها، تتصنع الشعور بدوار يطيح برأسها، طلبت منه أن تتوجه إلى الحمام لتغسل وجهها ربما تشعر بتحسن بعدها، تقدَّمها يُريها الطريق، توقف أمام باب الحمام ولكنه لمح بعينها نظرة غريبة لم تدم رؤيته لها كثيرًا؛ حيث اقتربت منه بحركة مفاجئة ترفع يدها اليُمنى التي كانت تُخبيء ما بها وراء ظهرها، تطلق رذاذ الزجاجة بيدها أمام وجهه ليترنح شاعرًا بعدم الاتزان، وآخر ما سمعه منها قبل أن يفقد وعيه هو:
- أدهم، يوسف، وباسمة يرسلون إليك تحياتهم.


سحبت جسده إلى داخل الحمام لتلقيه أرضًا، ثم خرجت بأمر من (يوسف) و(باسمة)، وما كادت تفعل حتى فُتح صنبور المياه ليُغرق الأرض وقُطع سلك الكهرباء المتصل بالسخان الكهربائي ليلامس المياه، شعرت برهبة أخمدها تذكرها لرغبته بقتلها، وقفت تحملق شاردة بجسده الذي ينتفص كالطير الذبيح، ولم تفق سوى على صوت (أدهم) يخبرها أن تترك المنزل، فعلت ما قاله وتأكدت أن لا أحد رأى خروجها كذلك.
********

وقف شبح (يوسف) ينظر إلى خطيبته السابقة، تجلس بجوار خطيبها الحالي الذي يُلبسها حلقته الذهبية بإصبع يدها اليُمنى. اطمئن أنها قد تجاوزت الأمر وتقبلت أن تُكمل حياتها بدونه. كانت ترفض تصديق التهمة التي أُلصقت به وقت وفاته، أخذت وقتًا كبيرًا حتى تجاوزت ذلك. اقترب منها يهمس بأذنها:


-لطالما أحببتك، أتمنى لكِ السعادة بدوني.
كانت آخر كلماته قبل أن يتلاشى جسده في الهواء، شعرت هي بنسمة خفيفة دافئة تلفح جانب وجهها، فابتسمت.

حانت لحظة الوداع، وقفا متقابلان، ينظر كل منهما بعين الآخر، لحظة صمت طويلة قطعها (أدهم) قائلًا:
- لقد انتهى أمري العالق هنا، أرجوكِ فلتسامحيني يا بتول.
تحدثت بصوت مختنق من أثر البكاء:
- إن كنت أعلم بأن تخلصي من حازم سيجعلك تغادر ما كنت فعلتها، بالرغم من كل ما عرفته إلا أن قلبي ما زال ينبض لك، يرفض رحيلك.
تعالت شهقاتها أكثر:
- أشعر أني سأموت بدونك.
- أكثر ما أتمناه الآن هو احتضانك، الوداع يا بتول، أتمنى أن تغفري لي يومًا ما.



اختفى تمامًا من حياتها، وبات عليها أن تحاول لم شتاتها.
*********

عادت إلى منزل والديها، لم تتحمل الجلوس بمنزله الذي يحمل عبقه بكل ركن من أرجائه، لم تتحمل تواجدها بالمشفى بوجود (نجوان) بين جدرانها، تفهمت نظرات والدتها لها كلما سألتها عن (أدهم)، اتضح لها سبب عدم حضوره أمام والدتها أثناء مرافقتها لها بفترة مرضها.

تسكن برفقة والديها منذ ما يقارب الشهرين، تركت وراءها كل شيء، تحاول أن تبدأ من جديد.
استيقظت من نومها على صوت طرقات متتالية بباب المنزل، نظرت إلى هاتفها تتبين الوقت لتجد أن الساعة لا تزال العاشرة مساءً، ويبدو أن والديها قد خلدا إلى النوم.



توجهت لرؤية من الطارق، فإذا بها جارتهم، يبدو على وجهها علامات الهلع، تخبرها:
- لقد شممت رائحة حريق، خشيت أن تكون آتية من منزلكم.
- لا، لا تقلقي لا يوجد شيء.

طمأنتها، فعادت إلى منزلها وأغلقت (بتول) الباب، عادت أدراجها إلى غرفة النوم، ولكنها توقفت فجأة حين تذكرت بأن جارتهم قد ماتت محترقة منذ عامين، يبدو أنهم لن يتركوها بشأنها وسيستمرون بالقدوم.



تمت بحمد الله


سمر شكري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس