عرض مشاركة واحدة
قديم 06-06-22, 07:47 PM   #352

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile21 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثانية عشرة: القسم الأول

القصاصة الثانية عشرة
(اختيار)


نعيش على هذه الدنيا ونحن مدفوعون بقناعة واهية، مفادها أن جميع الفرص متاحة أمامنا، وليس علينا سوى الاختيار..
وتقنعنا الظروف أننا نختار بمحض ارادتنا، لأن هناك دائما بديلا.. فكل اختيار هو عبارة عن باب يُفتح نحو مستقبل واعد مليء بالانجازات ولحظات الفخر والرضا..
غير أن الاختيارات بصورتها المجردة ليست سوى مجموعة من المقامرات، لكل منها تبعات ونتائج.. بعضها يكون على قدر التمنيات، وبعضها قد يتحول لـ خسارة فادحة لا تُعوض..
أحيانا نظن أننا أحرار لتحديد الاختيار الأنسب، لكن في أغلب الأحيان، لا يكون الاختيار سوى اضطرار جبري يتخفى بهيئة تفضيل حر، لكنه يكاد يكون أمرا واقعا فرضته الظروف.. بل قد يكون تضحية مباشرة بشيء عزيز لكي نصل لتلك النتيجة المرجوة..
في النهاية.. الاختيار لا يعكس مدى حريتك، بل يكشف مدى شجاعتك، لأنه يبقى مجرد تجربة تحتمل الصواب.. أو الخطأ..




ماشي أنا تمام.. بس ما تصدقِنيش لما أقولك بنام
دايماً سرحان ودماغي مش فيا.. ومخبي كلام
شوفي أنا بضحك زي الشمس.. وبعيط زي المطر
أنا البرق والرعد لما أحس بغلط
مفيش حاجة بالغلط كله كان لغرض.. ولو عالمرمطة ف دي أزياء البطل

لا لا ما تلاقيش ضمادة ولا حفاضة.. كل ده مجهود ذاتي لا في ماما ولا بابا
أنا وانتي برفكت ماتش.. بس نبعد عن الشطاطة.. ما يقدروش علينا لو بحصان طراودة


كان يعد فنجانا من شاي المريمية في مطبخ شقته الصغير بهمة منصتا بنصف تركيز لأغنية شاهين "أنا تمام" المنتشرة حاليا بقوة عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي..
تعجبه سيمترية اللحن برغم غرابة الكلمات التي لم يكن منتبها لنصفها، لكنه يعترف بأنها مناسبة تماما لحالته المزاجية كضوضاء منغمة، يرحب باحتلالها للأجواء لأنها تعطي نوعا من الحياة لهذا المكان البارد الكئيب..
أي شيء يجعله يشعر بالحياة من جديد، سيقبل به فورا..
وكم يشتاق لأن يشعر من جديد أن الحياة عادت لابتسامتها المشرقة، فتستقر أنواءه وتهدأ زوابعه..
أخذ يرتشف من فنجانه الذي حمله وتحرك بخطوات رتيبة صوب غرفة المعيشة لكي يسترخي مستمتعا بتدخين لفافة من التبغ – النقي- وهو يأمل أن يسحبه النوم لعالمه الهادئ كي يحصل على بعض الراحة التي ينشدها جسده بلا كوابيس أو حتى أحلام..
لقد عاد بحر لتوه من السويس من رحلة طويلة قاد خلالها السيارة لمدة ثلاث ساعات خلف سيارة أمواج طوال الطريق، كي يطمئن لعودتها سالمة..
لم يكد يتمدد متكئا على بضع وسادات، ويضع أمامه صينية عليها ورق لف التبغ وبعض التبغ المستورد، حتى رن جرس الباب معلنا عن زائر جديد..
حين فتح بحر الباب، لم يكن أمامه سوى سفيان الذي دلف للداخل وتحرك صوب غرفة المعيشة دون حتى أن يلقي عليه التحية..
سار بحر خلفه بتلكؤ، حتى تهاوى على الأريكة من جديد، بينما سبقه سفيان بالجلوس على المقعد المجاور له، قبل أن يبادر قائلا: "حمدا لله على سلامتك.. تبدو مسترخيا على غير حالتك عندما سافرت بالأمس"..
قال بحر بتململ: "حتى الساعات الأخيرة في الإجازة لم أستطع الاستمتاع بها.. ما الذي جاء بك يا سفيان في هذه الساعة؟"..
طالع سفيان الصينية المستقرة أمام بحر بتوجس، ثم سأله رافعا حاجبه: "ما هذا؟ هل تلف الحشيش؟"
ناظره بحر لعدة ثوانٍ بعد أن تأكد أن ثمة حوارٍ جمعه بأمواج، فحاول استكشاف مدى ما يعرفه، وهو يسأل نفسه بغيظ: (هل حكت له كل شيء؟ تلك الغبية)..
أمسك بورقة صغيرة وأخذ يرتب فيها التبغ المفتت والمرشح الاسفنجي، ثم يلفها بتمكن، ثم سأله مدعيا عدم الاكتراث: "هل شكتني زوجتي إليك؟"..
بادله سفيان النظر بدهشة، وهو يشعر أن صديقه قد نجح بشكل ما في ترميم أحد الجسور المنهدمة في علاقتهما.. فصديقه يبدو أقل تيبسا عما كان عليه طوال عامين، وحين يناديها "زوجتي" وليس باسمها المجرد، فهذا يعني أن قلبه يشتاق لإعادتها لمكانها الطبيعي والمنطق، لذا حاول القائد استفزازه بتعليقه التالي كي يستشف رد فعله، فقال ساخرا: "أفق يا بُنيّ.. إنها طليقتك وليست زوجتك.. لا تجعلني أصدّق أنك تتعاطى الحشيش الآن"..
ازدرد بحر ريقه بعد أن أيقن أن أمواج لم تكشف زلته القذرة – الأخرى - أمام صديق عمره..
حبيبته ومكمن أسراره لم تكشف يوما عن أمر يخصهما لأحد..
وما بينهما ليس بقليلٍ..
منذ أن جمعت بينهما شرارة العشق الأولى وتسللت من بين عيونهما إلى قلبيهما لتربطهما برباط أبدي.. كان عشقهما نفسه هو الستار الذي يسدله كلا منهما على مشاكلهما دون أن يدخلا أطرافا أخرى بينهما فتتعقد الأمور..
وكما حفظت سره الأول قبل عامين.. ما زالت على العهد..
تخفي نواقصه وأخطاءه عن الآخرين وتحافظ على صورته ومكانته في غيابه قبل حضوره..
لا يصدق بحر أن تلك القطيطة الصغيرة التي لا يزيد طولها عن مائة وخمسة وخمسين سنتيمتر ووزنها عن خمسين كيلو جرام، هي نفسها كرة النار التي يخشى دوما من لسعاتها إذا اندفعت نحوه بغرض إحراقه، لكنها أيضا منارته التي تضيء له الطريق حتى في أكثر أيامه عتمة، وتمنحه الدفء في أكثر لياليه برودة..
شرد بحر في جنون عينيها لحظة واجهته ممسكة بذراع قفل عجلة القيادة كهراوة معدنية تريد أن تهشم رأسه بها لاعتقادها أنه قد خانها..
وهل يجرؤ؟ هل يستبدل كنزه الأثمن بحفنة من الثرى الملون؟
حتى إذا تلونت حبات الرمل.. تظل في النهاية لا شيء أمام لؤلؤة حقيقية نمت بكنفه، فتوسدت شواطئه، وداعبتها مياهه..
ستمر السنون، ولن يعترف بحر أبدا أمامها كم يخشاها؟
قوتها الحقيقية التي تخضعه دوما لسلطانها، تكمن في أمواج عينيها التي تسحبه بين مدها وجزرها فيبقى معلقا منتظرا لحظة رحمة تستكين فيها وتعانق شواطئه..
والنظرة التي سكنت عينيها حين حكى لها عن سقطته الغبية، كادت أن توقف قلبه..
لقد لمح في عينيها إقرارا بالهزيمة، سارع بمطاردته حتى تلاشى حين اعترف لها كطفل مذنب أنه لم يفعلها.. ولم يستطع شرح المزيد..
من حسن حظه أن رحمتها توازي جنونها، فتتمكن دوما من ترويضه في اللحظة المناسبة..
هو لا يستحقها.. يعرف ذلك.. لكنه لا يملك سر قلبه، ولا ذلك الرباط الأبدي الذي يسكن البقعة الوحيدة في روحه التي لم يطالها الظلام بعد..
تلك الممهورة بتوقيعها الخاص.. والتي لولاها لكان قد توقف عن المقاومة بالفعل..
خرج بحر من شروده على صوت نحنحة من سفيان، ثم ابتسم بمرارة وهرش بذقنه بحرج، وقال مُقرِا: "أجد صعوبة في تصنيف علاقتنا هذه الأيام"، ثم نهض من مكانه متوجها صوب المطبخ، وهو يسأل سفيان: "هل تشرب شاي المريمية أم أعد لك قهوتك؟"
سار سفيان خلفه، ورد ببساطة: "أريد شايا.. اشتهيته بعد أن تشممت رائحته الزكية"..
انشغل بحر بإعداد الشاي، فجاء صوت سفيان من خلفه بنبرة لا تخلو من التوبيخ: "ألم يكن الطلاق قرارك وكنت منتشيا به؟"..
زفر بحر، ولم يعقب، فظن سفيان أنه لن يرد، لكنه استدار نحوه ومنحه فنجانا زجاجيا تفوح منه نكهة الشاي العطرية، قبل أن يقر معترفا: "كنت غبيا.. هل كنت تنتظر هذا الاعتراف؟"..
ابتسم سفيان بسخافة بعد أن ارتشف القليل من الشاي، وقال: "أحب أن أسمعك تعترف أنك غبي.. والله أحسها كالموسيقى"، ثم زفر وتساءل بضيق: "ما هذه الموسيقى المزعجة؟ ما الذي تسمعه بالله عليك؟"
هز بحر كتفيه بصبيانية، ذكرّت سفيان بوقتٍ آخر حين كان بحر شاب عشريني في مقتبل حياته، يتخذه ونبيل قدوته ويتبعهما في كل مكان داخل الكتيبة..
كم مرت السنوات سريعا..
متجاهلا حالة الحنين التي داهمته فجأة والتي أعادت لذهنه بعض الومضات من مواقف جمعته ببحر ونبيل، حين كان الأخير لا يزال على قيد الحياة، قال سفيان ممازحا: "لماذا لا تستمع لموسيقى حقيقية.."
رد بحر بعناد: "لا تقترح عليّ أن أسمع (منير) خاصتك.. لستُ في حالة مزاجية مواتية"، وبداخله يهتف بغيظ: (كما أنني لا أحب أن أستمع لمنير إلا وأنا منتشي)..
هاجمه سفيان متحيزا لمطربه المفضل: "منير لا يحتاج لأمثالك يا تافه.. منير هو من يصنع المزاج.. بل هو المزاج نفسه"..
حين لم يرد بحر، اقترح سفيان قائلا بعدم رضا: "استمع مثلا لأم كلثوم.. على الأقل موسيقى أغنياتها متعة لا تضاهى، وصوتها رائع وكلمات أغنياتها تثير الشجن والحنين"
كانا قد وصلا إلى غرفة المعيشة حيث استقرا على الأريكة مجددا، فقام بحر بإشعال لفافته، لكنه تحرك هذه المرة صوب النافذة كي ينفث دخانه بالقرب منها ولا يضايق سفيان الذي لا يحب رائحة الدخان، ثم سحب نفسا طويلا، وزفره ببطء ليرد بضيق: "أتقصد تلك المخادعة التي تلاعبت بأجيال كاملة؟"
رفع سفيان حاجبيه، وسأله مندهشا: "ماذا تقصد؟"
رد بحر: "كانت تغني الأشياء وعكسها، ولم يلتفت أحد لخداعها، مثلا تقول (لسه فاكر) ثم تتبعها بـ (دارت الأيام)، أو تغني (حيرت قلبي)، وتتبعها بـ (رق الحبيب).. وغيرها الكثير.. أساسا لا أحب سماع الأغنيات العاطفية"..
أمسك سفيان هاتف بحر، ثم أغلق تطبيق الموسيقى، وقال: "هل أنهيت مزاحك؟ نحتاج للحديث بجدية"..
سحب بحر بعض الأنفاس السريعة من لفافته، قبل أن يطفئها داخل المرمدة، ويعود للجلوس بانتباه أمام سفيان مجددا، فقال الأخير: "سأتحدث إليك أولا كصديق، وبعدها لي كلمات أخرى كرئيسك في العمل"..
حين لم يقاطعه بحر بالتعليق، تابع سفيان: "لقد هاتفتني أمواج، وأخبرتني عن بعض تصرفاتك غير المسئولة أول أمس.. ألن تتوقف عن حماقاتك تلك؟"..
قال بحر بنبرة مستكينة: "اطمئن.. سأتوقف.. لا أملك خيارا آخر"..
فوجئ سفيان بتصريح صديقه الذي خرج منه بنبرة صادقة وكأنه تعهد وليس مجرد إعلان، فسأله باهتمام: "ما الذي فعلته بك أمواج تحديدا حتى تقنعك بهذا الخيار هذه المرة؟ أم ربما عليّ أن أسأل عما فعلته أنت حتى تصبح مجبرا على الانصياع لرغباتها بهذه السلاسة؟"
تنحنح بحر وأطرق رأسه بحرج، وهو يتمتم بالحمد لامتناع أمواج عن سرد تفاصيل تصرفه الغبي مع فتاة الليل على مسامع سفيان.. لن يتحمل سخرية صديقه، لذا أخفى شعوره بالحرج، وناظره بكبرياء مفتعل، وهو يقول: "لنقل فقط أنها أقنعتني بتحمل الجزء الذي يخصني من مسئولية الطفلين"..
أنهى سفيان ارتشاف آخر رشفة من شايه، ثم وضع الفنجان على الطاولة الممتدة بينهما، واعتدل في جلسته، ثم سأل صديقه: "اشرح لي بالظبط ما اتفقتما عليه"..
تنحنح بحر، فهو لن يخبر صديقه أن ما وافق عليه لم يكن باتفاق مشترك بقدر ما كان قرارا منفردا من أمواج التي وصفته بأنه (فقط نصف فرصة أخيرة له وإلا ستخرجه من حياتها نهائيا وتسمح لرجل آخر أن يكمل معها رحلة الحياة بديلا له)..
لا يزال بحر يشعر بضيق كلما تذكر كلماتها، لكنه يعلم أنه هو من صنع القيد لنفسه وأحكم وثاقه على رسغيه، ولا يحق له أن يلومها بعد أن منحته فرصة تلو الفرصة لدرجة أنها تخلت عن كرامتها في بضع مناسبات حتى ترمم شروخ روحه العميقة.. وهو بغباء جمع كل تلك الهدايا التي لا تُقدر بثمن في كومة وأضرم فيها النيران قربانا للشياطين التي تسكن دواخله علّ براكينه تخمد أخيرا.. لكنها للعجب كانت تزداد فورانا، وهو ظل يتجاهلها أحيانا، ويخدرها أحيانا أخرى..
لقد تخلى كثيرا حتى كاد أن يفقد كل شيء، والآن عليه أن يكدح لاستعادته بكل نبضة بقلبه وكل قطرة عرق يتفصد عنها جبينه.. وحتى أي تنازل تجبره هي عليه.. خاصة بعد فرمانها الأخير..
زفر بحر وقال: "اتفقنا على أن أحمل عنها بعض مسئوليات الأسرة بعد أن تحملتها لوحدها طوال عامين.. كأن أخرج مرة أسبوعيا مع كيان حتى تتوطد علاقتنا أكثر، وأن أساعدها أكثر في تلبية احتياجات المنزل.. مثل معاونتها مثلا في إصلاح السيارة.. وشراء بعض الأغراض أو إنهاء معاملات حكومية تضطر هي لقضاء ساعات طويلة في إنهائها.. وأن أحضر الفعاليات الخاصة بدراسة كيان وتنافساتها الرياضية.. وهذا البند الأخير لا جدال فيه.. ولا أنوي أن أتقاعس عنه بعد الآن"..
ضحكة مدوية صدرت عن سفيان، فجعلت بحر يشتعل غضبا لكنه ظل يحافظ على نظرته الرتيبة برغم تورد وجنتيه بحمرة الانفعال، قبل أن يسأله بسخافة: "ما الذي يضحكك هكذا؟"
تخلى سفيان عن مطاردة بقايا ضحكته كي يستعيد رزانته وهو يقول: "لن تجد سوى أمواج تلفك حول إصبعها كما تريد تماما.. هل وافقت يا أحمق على كل تلك الشروط دون أن تطلب منها العودة إليك؟ لا أفهمك والله يا بحر.. ترفض أن تعيدها لعصمتك.. لكنك قبلت بشروط تجعلك ببساطة تؤدي كل المهام التي يفترض بالزوج عملها.. هذا هو الزواج يا بني.. فلِمَ تفر منه؟"
ازدرد بحر ريقه، ثم قال بنبرة محايدة: "لقد رفضت العودة إليّ لأنني غير مقتنع بحاجتي للعلاج النفسي.. فأردت أن أثبت لها أنني بخير ولا أحتاج إليه"..
تنهد سفيان وقال بنبرة مشفقة: "حتى الآن لا أفهم سبب امتناعك عن الإفصاح عما جرى لك.. صدقني العلاج النفسي مفيد جدا.. وأنا خير دليل أمامك.. حين عدت للقاهرة كنت شبه محطم تماما بسبب ما حدث لك ونبيل، ثم تهشمت عزيمتي نهائيا بعد ما جرى لوالدي وأم التوأم رحمهما الله.. في البداية انغلقت على نفسي حتى كادت الأفكار السلبية أن تخنقني، فقررت الذهاب لأخصائي نفسي ساعدني قدر استطاعته، ثم لجأت مؤخرا لطبيبة تتعامل مع حالات (اضطراب ما بعد الصدمة)"..
ناظره بحر بنظرة تتأرجح بين العناد والاهتمام، فتابع سفيان: "جربت مرة واثنتين حتى أستعيد توازني.. كتمانك لما يملأ رأسك لن يكون مفيدا لك بأي حال من الأحوال.. وسينفجر بوجهك فجأة يا بحر.. أرجو فقط ألا تندم عندها"
حين انتصر عناده على اهتمامه، رد بحر مغلفا كلامه بنبرة جامدة: "الوضع تحت السيطرة.. ليس هناك ما أحتاج لزيارة الطبيب بشأنه"..
رفع سفيان كفيه مستسلما، وقال: "أنت أدرى بحالك.. لن تقبل بخيار العلاج قبل أن تكون مجبرا.. في لحظة غادرة، سيتكالب عليك كل ما تكتمه بداخلك فينفجر بشكل مرعب.. سجّل كلامي هذا"..
أمسك بحر بصندوق دخانه، وقام بصنع لفافة أخرى طازجة، وتحرك مجددا صوب النافذة كي يدخنها بعيدا عن صديقه الذي حدّثه بنبرة أكثر جدية: "لنعود للأمر الآخر.. الآن أحدثك كرئيسك في العمل.. وتحذيري هذا أوجهه مرة واحدة فقط، بعدها سيكون لي تصرف آخر معك.. يجب أن تتوقف عن (الهباب) الذي تدخنه قبل أن ترتكب حماقة لا يمكن مداواتها؟"..
ابتلع بحر سبة، مداريا حنقه على أمواج التي أبلغت سفيان بواقعة تدخينه الحشيش، فهتف بعناد: "لقد رميت خبيئتي كلها قبل أن أصنع منها (ﭼوينت) واحدا وخسرت بضعة آلاف من الجنيهات"..
رفع سفيان حاجبيه بدهشة، ثم سأله غير مصدقٍ: "هل رميت قطعة المزاج خاصتك بالفعل؟ لماذا؟"
قال بحر بغيظ يشوبه الندم: "لقد ضبطتني أمواج"..
عاود سفيان الضحك مجددا، ثم قال: "يا ليتها قد ضبطتك سابقا.. هي فقط من تستطيع تهذيب جموحك.. اسمع.. ستعود لتواظب على التدريبات البدنية معي.. وكذا ستشرف على تدريبات الحراس الذين انضموا للشركة.. أنت ستكون مسئولا بالكامل عن الجزء البدني، وهذا سيعوّض ما كنت تفعله في السويس في تلك التنافسات الدموية غير الرياضية أو كعتّال بداخل شركة الشحن"..
شد بحر خصلات شعره الأمامية وهو يهتف: "تبا لك يا فرات.. أخبرت الجميع كل شيء يا وغد"، موجها سبابه بحنق صوب أخيه وكأنه شاخص أمامه في تلك اللحظات..
ابتسم له سفيان هازئا، ثم قال: "هل ظننت أن وجودك في مدينة أخرى سيجعلك تغيب عن ناظري؟ أم تراك ظننت أنني تركت صداقتنا تموت لمجرد أنك عزفت عن السؤال عني طوال تلك الفترة؟ كنت أعرف كل خطواتك... حتى استخدامك للحشيش كنت أعرف عنه.. لكنني ظننتك كرجل مسئول قد توقفت عنه بعد أن وافقت على العمل معي"..
بنبرة دفاعية، قال بحر: "كانت مجرد وسيلة للتعايش مع مشاكلي.. ولم أكن لأدخنه أبدا في محيط العمل"..
زفر سفيان، ورد منفعلا: "إذا فكر كل من لديه مشكلة في التغلب عليها أو تخفيف تأثيرها بتعاطي المخدرات.. سنصبح كلنا مدمنين.. اسمع يا خِمتوْ.. لقد عاملتك بحذر لفترة طويلة.. لكن هذا سيتوقف الآن يا بحر.. سأساعدك على التخلص من تلك العادة، وسأظل خلفك حتى تستعيد نفسك من جديد لتعود لأسرتك"..
ناظره بحر مستقرئا لأول مرة، وكأنه قد لمح بعينيه طيفا جديدا.. بريقا مضيئا قد ترك انعكاسه على محيط وجهه بأكمله ليعطيه هالة مختلفة عن تلك التي اعتاد أن يراه به، فهتف دون تصديق: "تبدو مختلفا.. بعينيك لهفة وحنان لم يكونا بهما من قبل.. ما الذي جرى لك مؤخرا يا (حاتي –عا)؟؟"
نهض سفيان من مقعده، ووضع يديه بجيبيه ليقف بهيبته كاملة أمام تابعه، ثم قال بحذر: "لا أفهم ما تقصد.. أنا كما أنا.. كما عهدتني دوما"..
منحه بحر نظرة طويلة متأملة، لكنه لم يستطع المرور عبر القناع الذي أحكمه سفيان على ملامحه ومشاعره، فزفر الأول بغيظ، كونه لا يزال عاجزا عن استنباط خبايا صديقه رغم مرور كل تلك السنوات على صداقتهما..
يظل سفيان لغزا عسيرا ما لم يمنح هو بنفسه الآخرين دلالات كشف غموض دواخله..



يتـــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس