آخر 10 مشاركات
رواية / قبلة الموت ..../مجدد .. فجر عبدالعزيز (الكاتـب : فجر عبدالعزيز - )           »          1- العروس الاسيرة - فيوليت وينسبير - ع.ق (تصوير جديد) (الكاتـب : Gege86 - )           »          لن..أغفر لك! (48) للكاتبة heba45 ×كــــاملهـ× مميزة (الكاتـب : heba45 - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          سعر حبوب #الاجهاض# #سايتوتك# (الرياض) (0563940846) الدفع عند #الاستلام# (الكاتـب : دكتور تركي - )           »          أثر تغزله النچمات (الكاتـب : Lamees othman - )           »          غيوم البعاد (2)__ سلسلة إشراقة الفؤاد (الكاتـب : سما صافية - )           »          219 - صديقان ...وشيئا ما - جيسيكا ستيل (الكاتـب : Fairey Angel - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          الستائر السوداء (الكاتـب : ررمد - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree12263Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-06-22, 04:57 PM   #351

صل على النبي محمد
 
الصورة الرمزية صل على النبي محمد

? العضوٌ??? » 404607
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,286
?  نُقآطِيْ » صل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond repute
افتراضي


اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

لا تنسوا الباقيات الصالحات

سبحان الله

الحمد لله

لا إله إلا الله

الله أكبر

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


صل على النبي محمد غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا إله إلا الله وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
رد مع اقتباس
قديم 06-06-22, 07:47 PM   #352

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile21 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثانية عشرة: القسم الأول

القصاصة الثانية عشرة
(اختيار)


نعيش على هذه الدنيا ونحن مدفوعون بقناعة واهية، مفادها أن جميع الفرص متاحة أمامنا، وليس علينا سوى الاختيار..
وتقنعنا الظروف أننا نختار بمحض ارادتنا، لأن هناك دائما بديلا.. فكل اختيار هو عبارة عن باب يُفتح نحو مستقبل واعد مليء بالانجازات ولحظات الفخر والرضا..
غير أن الاختيارات بصورتها المجردة ليست سوى مجموعة من المقامرات، لكل منها تبعات ونتائج.. بعضها يكون على قدر التمنيات، وبعضها قد يتحول لـ خسارة فادحة لا تُعوض..
أحيانا نظن أننا أحرار لتحديد الاختيار الأنسب، لكن في أغلب الأحيان، لا يكون الاختيار سوى اضطرار جبري يتخفى بهيئة تفضيل حر، لكنه يكاد يكون أمرا واقعا فرضته الظروف.. بل قد يكون تضحية مباشرة بشيء عزيز لكي نصل لتلك النتيجة المرجوة..
في النهاية.. الاختيار لا يعكس مدى حريتك، بل يكشف مدى شجاعتك، لأنه يبقى مجرد تجربة تحتمل الصواب.. أو الخطأ..




ماشي أنا تمام.. بس ما تصدقِنيش لما أقولك بنام
دايماً سرحان ودماغي مش فيا.. ومخبي كلام
شوفي أنا بضحك زي الشمس.. وبعيط زي المطر
أنا البرق والرعد لما أحس بغلط
مفيش حاجة بالغلط كله كان لغرض.. ولو عالمرمطة ف دي أزياء البطل

لا لا ما تلاقيش ضمادة ولا حفاضة.. كل ده مجهود ذاتي لا في ماما ولا بابا
أنا وانتي برفكت ماتش.. بس نبعد عن الشطاطة.. ما يقدروش علينا لو بحصان طراودة


كان يعد فنجانا من شاي المريمية في مطبخ شقته الصغير بهمة منصتا بنصف تركيز لأغنية شاهين "أنا تمام" المنتشرة حاليا بقوة عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي..
تعجبه سيمترية اللحن برغم غرابة الكلمات التي لم يكن منتبها لنصفها، لكنه يعترف بأنها مناسبة تماما لحالته المزاجية كضوضاء منغمة، يرحب باحتلالها للأجواء لأنها تعطي نوعا من الحياة لهذا المكان البارد الكئيب..
أي شيء يجعله يشعر بالحياة من جديد، سيقبل به فورا..
وكم يشتاق لأن يشعر من جديد أن الحياة عادت لابتسامتها المشرقة، فتستقر أنواءه وتهدأ زوابعه..
أخذ يرتشف من فنجانه الذي حمله وتحرك بخطوات رتيبة صوب غرفة المعيشة لكي يسترخي مستمتعا بتدخين لفافة من التبغ – النقي- وهو يأمل أن يسحبه النوم لعالمه الهادئ كي يحصل على بعض الراحة التي ينشدها جسده بلا كوابيس أو حتى أحلام..
لقد عاد بحر لتوه من السويس من رحلة طويلة قاد خلالها السيارة لمدة ثلاث ساعات خلف سيارة أمواج طوال الطريق، كي يطمئن لعودتها سالمة..
لم يكد يتمدد متكئا على بضع وسادات، ويضع أمامه صينية عليها ورق لف التبغ وبعض التبغ المستورد، حتى رن جرس الباب معلنا عن زائر جديد..
حين فتح بحر الباب، لم يكن أمامه سوى سفيان الذي دلف للداخل وتحرك صوب غرفة المعيشة دون حتى أن يلقي عليه التحية..
سار بحر خلفه بتلكؤ، حتى تهاوى على الأريكة من جديد، بينما سبقه سفيان بالجلوس على المقعد المجاور له، قبل أن يبادر قائلا: "حمدا لله على سلامتك.. تبدو مسترخيا على غير حالتك عندما سافرت بالأمس"..
قال بحر بتململ: "حتى الساعات الأخيرة في الإجازة لم أستطع الاستمتاع بها.. ما الذي جاء بك يا سفيان في هذه الساعة؟"..
طالع سفيان الصينية المستقرة أمام بحر بتوجس، ثم سأله رافعا حاجبه: "ما هذا؟ هل تلف الحشيش؟"
ناظره بحر لعدة ثوانٍ بعد أن تأكد أن ثمة حوارٍ جمعه بأمواج، فحاول استكشاف مدى ما يعرفه، وهو يسأل نفسه بغيظ: (هل حكت له كل شيء؟ تلك الغبية)..
أمسك بورقة صغيرة وأخذ يرتب فيها التبغ المفتت والمرشح الاسفنجي، ثم يلفها بتمكن، ثم سأله مدعيا عدم الاكتراث: "هل شكتني زوجتي إليك؟"..
بادله سفيان النظر بدهشة، وهو يشعر أن صديقه قد نجح بشكل ما في ترميم أحد الجسور المنهدمة في علاقتهما.. فصديقه يبدو أقل تيبسا عما كان عليه طوال عامين، وحين يناديها "زوجتي" وليس باسمها المجرد، فهذا يعني أن قلبه يشتاق لإعادتها لمكانها الطبيعي والمنطق، لذا حاول القائد استفزازه بتعليقه التالي كي يستشف رد فعله، فقال ساخرا: "أفق يا بُنيّ.. إنها طليقتك وليست زوجتك.. لا تجعلني أصدّق أنك تتعاطى الحشيش الآن"..
ازدرد بحر ريقه بعد أن أيقن أن أمواج لم تكشف زلته القذرة – الأخرى - أمام صديق عمره..
حبيبته ومكمن أسراره لم تكشف يوما عن أمر يخصهما لأحد..
وما بينهما ليس بقليلٍ..
منذ أن جمعت بينهما شرارة العشق الأولى وتسللت من بين عيونهما إلى قلبيهما لتربطهما برباط أبدي.. كان عشقهما نفسه هو الستار الذي يسدله كلا منهما على مشاكلهما دون أن يدخلا أطرافا أخرى بينهما فتتعقد الأمور..
وكما حفظت سره الأول قبل عامين.. ما زالت على العهد..
تخفي نواقصه وأخطاءه عن الآخرين وتحافظ على صورته ومكانته في غيابه قبل حضوره..
لا يصدق بحر أن تلك القطيطة الصغيرة التي لا يزيد طولها عن مائة وخمسة وخمسين سنتيمتر ووزنها عن خمسين كيلو جرام، هي نفسها كرة النار التي يخشى دوما من لسعاتها إذا اندفعت نحوه بغرض إحراقه، لكنها أيضا منارته التي تضيء له الطريق حتى في أكثر أيامه عتمة، وتمنحه الدفء في أكثر لياليه برودة..
شرد بحر في جنون عينيها لحظة واجهته ممسكة بذراع قفل عجلة القيادة كهراوة معدنية تريد أن تهشم رأسه بها لاعتقادها أنه قد خانها..
وهل يجرؤ؟ هل يستبدل كنزه الأثمن بحفنة من الثرى الملون؟
حتى إذا تلونت حبات الرمل.. تظل في النهاية لا شيء أمام لؤلؤة حقيقية نمت بكنفه، فتوسدت شواطئه، وداعبتها مياهه..
ستمر السنون، ولن يعترف بحر أبدا أمامها كم يخشاها؟
قوتها الحقيقية التي تخضعه دوما لسلطانها، تكمن في أمواج عينيها التي تسحبه بين مدها وجزرها فيبقى معلقا منتظرا لحظة رحمة تستكين فيها وتعانق شواطئه..
والنظرة التي سكنت عينيها حين حكى لها عن سقطته الغبية، كادت أن توقف قلبه..
لقد لمح في عينيها إقرارا بالهزيمة، سارع بمطاردته حتى تلاشى حين اعترف لها كطفل مذنب أنه لم يفعلها.. ولم يستطع شرح المزيد..
من حسن حظه أن رحمتها توازي جنونها، فتتمكن دوما من ترويضه في اللحظة المناسبة..
هو لا يستحقها.. يعرف ذلك.. لكنه لا يملك سر قلبه، ولا ذلك الرباط الأبدي الذي يسكن البقعة الوحيدة في روحه التي لم يطالها الظلام بعد..
تلك الممهورة بتوقيعها الخاص.. والتي لولاها لكان قد توقف عن المقاومة بالفعل..
خرج بحر من شروده على صوت نحنحة من سفيان، ثم ابتسم بمرارة وهرش بذقنه بحرج، وقال مُقرِا: "أجد صعوبة في تصنيف علاقتنا هذه الأيام"، ثم نهض من مكانه متوجها صوب المطبخ، وهو يسأل سفيان: "هل تشرب شاي المريمية أم أعد لك قهوتك؟"
سار سفيان خلفه، ورد ببساطة: "أريد شايا.. اشتهيته بعد أن تشممت رائحته الزكية"..
انشغل بحر بإعداد الشاي، فجاء صوت سفيان من خلفه بنبرة لا تخلو من التوبيخ: "ألم يكن الطلاق قرارك وكنت منتشيا به؟"..
زفر بحر، ولم يعقب، فظن سفيان أنه لن يرد، لكنه استدار نحوه ومنحه فنجانا زجاجيا تفوح منه نكهة الشاي العطرية، قبل أن يقر معترفا: "كنت غبيا.. هل كنت تنتظر هذا الاعتراف؟"..
ابتسم سفيان بسخافة بعد أن ارتشف القليل من الشاي، وقال: "أحب أن أسمعك تعترف أنك غبي.. والله أحسها كالموسيقى"، ثم زفر وتساءل بضيق: "ما هذه الموسيقى المزعجة؟ ما الذي تسمعه بالله عليك؟"
هز بحر كتفيه بصبيانية، ذكرّت سفيان بوقتٍ آخر حين كان بحر شاب عشريني في مقتبل حياته، يتخذه ونبيل قدوته ويتبعهما في كل مكان داخل الكتيبة..
كم مرت السنوات سريعا..
متجاهلا حالة الحنين التي داهمته فجأة والتي أعادت لذهنه بعض الومضات من مواقف جمعته ببحر ونبيل، حين كان الأخير لا يزال على قيد الحياة، قال سفيان ممازحا: "لماذا لا تستمع لموسيقى حقيقية.."
رد بحر بعناد: "لا تقترح عليّ أن أسمع (منير) خاصتك.. لستُ في حالة مزاجية مواتية"، وبداخله يهتف بغيظ: (كما أنني لا أحب أن أستمع لمنير إلا وأنا منتشي)..
هاجمه سفيان متحيزا لمطربه المفضل: "منير لا يحتاج لأمثالك يا تافه.. منير هو من يصنع المزاج.. بل هو المزاج نفسه"..
حين لم يرد بحر، اقترح سفيان قائلا بعدم رضا: "استمع مثلا لأم كلثوم.. على الأقل موسيقى أغنياتها متعة لا تضاهى، وصوتها رائع وكلمات أغنياتها تثير الشجن والحنين"
كانا قد وصلا إلى غرفة المعيشة حيث استقرا على الأريكة مجددا، فقام بحر بإشعال لفافته، لكنه تحرك هذه المرة صوب النافذة كي ينفث دخانه بالقرب منها ولا يضايق سفيان الذي لا يحب رائحة الدخان، ثم سحب نفسا طويلا، وزفره ببطء ليرد بضيق: "أتقصد تلك المخادعة التي تلاعبت بأجيال كاملة؟"
رفع سفيان حاجبيه، وسأله مندهشا: "ماذا تقصد؟"
رد بحر: "كانت تغني الأشياء وعكسها، ولم يلتفت أحد لخداعها، مثلا تقول (لسه فاكر) ثم تتبعها بـ (دارت الأيام)، أو تغني (حيرت قلبي)، وتتبعها بـ (رق الحبيب).. وغيرها الكثير.. أساسا لا أحب سماع الأغنيات العاطفية"..
أمسك سفيان هاتف بحر، ثم أغلق تطبيق الموسيقى، وقال: "هل أنهيت مزاحك؟ نحتاج للحديث بجدية"..
سحب بحر بعض الأنفاس السريعة من لفافته، قبل أن يطفئها داخل المرمدة، ويعود للجلوس بانتباه أمام سفيان مجددا، فقال الأخير: "سأتحدث إليك أولا كصديق، وبعدها لي كلمات أخرى كرئيسك في العمل"..
حين لم يقاطعه بحر بالتعليق، تابع سفيان: "لقد هاتفتني أمواج، وأخبرتني عن بعض تصرفاتك غير المسئولة أول أمس.. ألن تتوقف عن حماقاتك تلك؟"..
قال بحر بنبرة مستكينة: "اطمئن.. سأتوقف.. لا أملك خيارا آخر"..
فوجئ سفيان بتصريح صديقه الذي خرج منه بنبرة صادقة وكأنه تعهد وليس مجرد إعلان، فسأله باهتمام: "ما الذي فعلته بك أمواج تحديدا حتى تقنعك بهذا الخيار هذه المرة؟ أم ربما عليّ أن أسأل عما فعلته أنت حتى تصبح مجبرا على الانصياع لرغباتها بهذه السلاسة؟"
تنحنح بحر وأطرق رأسه بحرج، وهو يتمتم بالحمد لامتناع أمواج عن سرد تفاصيل تصرفه الغبي مع فتاة الليل على مسامع سفيان.. لن يتحمل سخرية صديقه، لذا أخفى شعوره بالحرج، وناظره بكبرياء مفتعل، وهو يقول: "لنقل فقط أنها أقنعتني بتحمل الجزء الذي يخصني من مسئولية الطفلين"..
أنهى سفيان ارتشاف آخر رشفة من شايه، ثم وضع الفنجان على الطاولة الممتدة بينهما، واعتدل في جلسته، ثم سأل صديقه: "اشرح لي بالظبط ما اتفقتما عليه"..
تنحنح بحر، فهو لن يخبر صديقه أن ما وافق عليه لم يكن باتفاق مشترك بقدر ما كان قرارا منفردا من أمواج التي وصفته بأنه (فقط نصف فرصة أخيرة له وإلا ستخرجه من حياتها نهائيا وتسمح لرجل آخر أن يكمل معها رحلة الحياة بديلا له)..
لا يزال بحر يشعر بضيق كلما تذكر كلماتها، لكنه يعلم أنه هو من صنع القيد لنفسه وأحكم وثاقه على رسغيه، ولا يحق له أن يلومها بعد أن منحته فرصة تلو الفرصة لدرجة أنها تخلت عن كرامتها في بضع مناسبات حتى ترمم شروخ روحه العميقة.. وهو بغباء جمع كل تلك الهدايا التي لا تُقدر بثمن في كومة وأضرم فيها النيران قربانا للشياطين التي تسكن دواخله علّ براكينه تخمد أخيرا.. لكنها للعجب كانت تزداد فورانا، وهو ظل يتجاهلها أحيانا، ويخدرها أحيانا أخرى..
لقد تخلى كثيرا حتى كاد أن يفقد كل شيء، والآن عليه أن يكدح لاستعادته بكل نبضة بقلبه وكل قطرة عرق يتفصد عنها جبينه.. وحتى أي تنازل تجبره هي عليه.. خاصة بعد فرمانها الأخير..
زفر بحر وقال: "اتفقنا على أن أحمل عنها بعض مسئوليات الأسرة بعد أن تحملتها لوحدها طوال عامين.. كأن أخرج مرة أسبوعيا مع كيان حتى تتوطد علاقتنا أكثر، وأن أساعدها أكثر في تلبية احتياجات المنزل.. مثل معاونتها مثلا في إصلاح السيارة.. وشراء بعض الأغراض أو إنهاء معاملات حكومية تضطر هي لقضاء ساعات طويلة في إنهائها.. وأن أحضر الفعاليات الخاصة بدراسة كيان وتنافساتها الرياضية.. وهذا البند الأخير لا جدال فيه.. ولا أنوي أن أتقاعس عنه بعد الآن"..
ضحكة مدوية صدرت عن سفيان، فجعلت بحر يشتعل غضبا لكنه ظل يحافظ على نظرته الرتيبة برغم تورد وجنتيه بحمرة الانفعال، قبل أن يسأله بسخافة: "ما الذي يضحكك هكذا؟"
تخلى سفيان عن مطاردة بقايا ضحكته كي يستعيد رزانته وهو يقول: "لن تجد سوى أمواج تلفك حول إصبعها كما تريد تماما.. هل وافقت يا أحمق على كل تلك الشروط دون أن تطلب منها العودة إليك؟ لا أفهمك والله يا بحر.. ترفض أن تعيدها لعصمتك.. لكنك قبلت بشروط تجعلك ببساطة تؤدي كل المهام التي يفترض بالزوج عملها.. هذا هو الزواج يا بني.. فلِمَ تفر منه؟"
ازدرد بحر ريقه، ثم قال بنبرة محايدة: "لقد رفضت العودة إليّ لأنني غير مقتنع بحاجتي للعلاج النفسي.. فأردت أن أثبت لها أنني بخير ولا أحتاج إليه"..
تنهد سفيان وقال بنبرة مشفقة: "حتى الآن لا أفهم سبب امتناعك عن الإفصاح عما جرى لك.. صدقني العلاج النفسي مفيد جدا.. وأنا خير دليل أمامك.. حين عدت للقاهرة كنت شبه محطم تماما بسبب ما حدث لك ونبيل، ثم تهشمت عزيمتي نهائيا بعد ما جرى لوالدي وأم التوأم رحمهما الله.. في البداية انغلقت على نفسي حتى كادت الأفكار السلبية أن تخنقني، فقررت الذهاب لأخصائي نفسي ساعدني قدر استطاعته، ثم لجأت مؤخرا لطبيبة تتعامل مع حالات (اضطراب ما بعد الصدمة)"..
ناظره بحر بنظرة تتأرجح بين العناد والاهتمام، فتابع سفيان: "جربت مرة واثنتين حتى أستعيد توازني.. كتمانك لما يملأ رأسك لن يكون مفيدا لك بأي حال من الأحوال.. وسينفجر بوجهك فجأة يا بحر.. أرجو فقط ألا تندم عندها"
حين انتصر عناده على اهتمامه، رد بحر مغلفا كلامه بنبرة جامدة: "الوضع تحت السيطرة.. ليس هناك ما أحتاج لزيارة الطبيب بشأنه"..
رفع سفيان كفيه مستسلما، وقال: "أنت أدرى بحالك.. لن تقبل بخيار العلاج قبل أن تكون مجبرا.. في لحظة غادرة، سيتكالب عليك كل ما تكتمه بداخلك فينفجر بشكل مرعب.. سجّل كلامي هذا"..
أمسك بحر بصندوق دخانه، وقام بصنع لفافة أخرى طازجة، وتحرك مجددا صوب النافذة كي يدخنها بعيدا عن صديقه الذي حدّثه بنبرة أكثر جدية: "لنعود للأمر الآخر.. الآن أحدثك كرئيسك في العمل.. وتحذيري هذا أوجهه مرة واحدة فقط، بعدها سيكون لي تصرف آخر معك.. يجب أن تتوقف عن (الهباب) الذي تدخنه قبل أن ترتكب حماقة لا يمكن مداواتها؟"..
ابتلع بحر سبة، مداريا حنقه على أمواج التي أبلغت سفيان بواقعة تدخينه الحشيش، فهتف بعناد: "لقد رميت خبيئتي كلها قبل أن أصنع منها (ﭼوينت) واحدا وخسرت بضعة آلاف من الجنيهات"..
رفع سفيان حاجبيه بدهشة، ثم سأله غير مصدقٍ: "هل رميت قطعة المزاج خاصتك بالفعل؟ لماذا؟"
قال بحر بغيظ يشوبه الندم: "لقد ضبطتني أمواج"..
عاود سفيان الضحك مجددا، ثم قال: "يا ليتها قد ضبطتك سابقا.. هي فقط من تستطيع تهذيب جموحك.. اسمع.. ستعود لتواظب على التدريبات البدنية معي.. وكذا ستشرف على تدريبات الحراس الذين انضموا للشركة.. أنت ستكون مسئولا بالكامل عن الجزء البدني، وهذا سيعوّض ما كنت تفعله في السويس في تلك التنافسات الدموية غير الرياضية أو كعتّال بداخل شركة الشحن"..
شد بحر خصلات شعره الأمامية وهو يهتف: "تبا لك يا فرات.. أخبرت الجميع كل شيء يا وغد"، موجها سبابه بحنق صوب أخيه وكأنه شاخص أمامه في تلك اللحظات..
ابتسم له سفيان هازئا، ثم قال: "هل ظننت أن وجودك في مدينة أخرى سيجعلك تغيب عن ناظري؟ أم تراك ظننت أنني تركت صداقتنا تموت لمجرد أنك عزفت عن السؤال عني طوال تلك الفترة؟ كنت أعرف كل خطواتك... حتى استخدامك للحشيش كنت أعرف عنه.. لكنني ظننتك كرجل مسئول قد توقفت عنه بعد أن وافقت على العمل معي"..
بنبرة دفاعية، قال بحر: "كانت مجرد وسيلة للتعايش مع مشاكلي.. ولم أكن لأدخنه أبدا في محيط العمل"..
زفر سفيان، ورد منفعلا: "إذا فكر كل من لديه مشكلة في التغلب عليها أو تخفيف تأثيرها بتعاطي المخدرات.. سنصبح كلنا مدمنين.. اسمع يا خِمتوْ.. لقد عاملتك بحذر لفترة طويلة.. لكن هذا سيتوقف الآن يا بحر.. سأساعدك على التخلص من تلك العادة، وسأظل خلفك حتى تستعيد نفسك من جديد لتعود لأسرتك"..
ناظره بحر مستقرئا لأول مرة، وكأنه قد لمح بعينيه طيفا جديدا.. بريقا مضيئا قد ترك انعكاسه على محيط وجهه بأكمله ليعطيه هالة مختلفة عن تلك التي اعتاد أن يراه به، فهتف دون تصديق: "تبدو مختلفا.. بعينيك لهفة وحنان لم يكونا بهما من قبل.. ما الذي جرى لك مؤخرا يا (حاتي –عا)؟؟"
نهض سفيان من مقعده، ووضع يديه بجيبيه ليقف بهيبته كاملة أمام تابعه، ثم قال بحذر: "لا أفهم ما تقصد.. أنا كما أنا.. كما عهدتني دوما"..
منحه بحر نظرة طويلة متأملة، لكنه لم يستطع المرور عبر القناع الذي أحكمه سفيان على ملامحه ومشاعره، فزفر الأول بغيظ، كونه لا يزال عاجزا عن استنباط خبايا صديقه رغم مرور كل تلك السنوات على صداقتهما..
يظل سفيان لغزا عسيرا ما لم يمنح هو بنفسه الآخرين دلالات كشف غموض دواخله..



يتـــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-06-22, 07:50 PM   #353

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثانية عشرة: القسم الثاني

في شقة ذكرى، تجمعت الفتيات من أجل جلسة الدردشة التي تأجلت بعد سفر أمواج المفاجئ مثيرة فضول وتساؤل المجموعة بالكامل، فأصر الجميع على الحضور هذه المرة..
ونظرا لعدم استقرار حالة والدة ذكرى، فإن الأخيرة امتنعت مؤخرا عن الخروج إلا للعمل كي تكون إلى جوار والدتها، خوفا من أن تصيبها جلطة أخرى مفاجئة..
ولهذا، اقترحت زهو أن يكون التجمع في شقة ذكرى، على أن تتولى هي ومرح مسئولية تجهيز طعام الغداء، فحضّرت هي بعض الأطباق السريعة بينما طلبت مرح بعض الأصناف من داخل المطعم الذي يتولى إدارة مطبخه صديقها الشيف تامر جميل..
بعد انتهائهن من تناول الغداء في هدوء غير معتاد، كانت شذى هي من دشنت المحادثة هذه المرة، كونها الأقل توترا من بينهم، فقالت بغيظ: "لماذا تبدين كئيبات كجمع من المطلقات؟"
ضحكت أمواج، وقالت بسخرية: "نحن جمع من المطلقات بالفعل.. وأنتِ أولنا"..
رفعت مرح يدها، وهتفت بمزح: "لستُ مطلقة.. لقد نجوت من هذا الوباء"، ثم أشارت نحو زهو، وقالت: "أما هذه فهي أرملة حسناء"..
ناظرتها زهو بعتب، فقالت أمواج: "لماذا تعترضين يا زهو؟ ألا يحاول ذلك الرجل الدبق التقرب منكِ؟"..
سألتها شادن بدهشة: "من يحاول التقرب منكِ؟"
رمقت زهو أمواج بغيظ، فأخفضت الأخرى عينيها حنقا من نفسها لاندفاعها..
بعد لحظات من الصمت، قالت زهو: "إنه أحد مرتادي النادي، قابلني مرة صدفة أمام حديقة الألعاب، وبعدها طلب الخروج معي، ولكنني رفضت"..
بتردد سألتها شادن: "هل تريدين الخروج معه؟"
تعلم زهو جيدا سبب توتر شادن المفاجئ.. هي ليست مستعدة بعد لمشاهدة زهو مع رجل آخر بعد شقيقها نبيل.. لكن ما لا تعلمه أن زهو لم تتخطى تماما صدمة رحيل زوجها رغم مرور عامين كاملين.. وبالتالي فهي غير مستعدة لمقابلة ذلك الرجل أو غيره.. لذا سارعت زهو بالرد: "حاليا لا أفكر سوى في تربية ساري وتعويضه عن فقدانه لوالده"..
حاليا.. تلك الكلمة أومضت ببريق مشع في رأس شادن، لتخبرها بوضوح أن زهو وإن كانت غير مستعدة للارتباط بعد، إلا أنها قد تغير رأيها في أي وقتٍ قريبٍ، وأن عليها كصديقة عمرها أن تدعمها بصرف النظر عن آية مشاعر حزينة ستنتابها وقتها..
لكن، ألا يحق لزهو أن تمضي قدما بحياتها بعد رحيل نبيل، خاصة وأن زهو نفسها تتسم بشخصية بسيطة ناعمة لا تحب الصراعات ولا المشكلات، ولن تقدر على تحمل أعباء الحياة بمفردها أو تنشئة ساري كما يجب بعد رحيل نبيل، خاصة عندما يكبر الطفل ويدخل في عمر المراهقة ويحتاج لنموذج سلطة أبوية في حياته، وهذا ما لن تستطيع هي كعمته أن توفره له، فضلا عن غياب عمه نادر في بلاد المهجر..
مع سيل الأفكار الذي احتل رأسها في تلك اللحظات، همست شادن في نفسها: (عليّ أن تتقبلي الأمر إن عاجلا أم آجلا)، ورغم ذلك فإنها لم تستطع أن تغير من ملامح وجهها التي اكتست نوعا ما بالجفاء والجمود، ما دفع أمواج لتغيير دفة الحديث سريعا لشعورها بالذنب، فهتفت بنزق: "لقد رفضت عرضا ثانيا من بحر بالعودة لعصمته"..
تعالت شهقات الفتيات، قبل أن تسألها شادن: "ماذا حدث؟"..
زفرت أمواج وأخذت تشعث شعرها بانفعال، ثم قالت: "لا جديد.. هو يرفض العلاج النفسي وبالتالي لا تزال مشكلتنا قائمة"..
رفعت شادن حاجبها بتساؤل، لكنها لم تدعم بفضولها بالتلفظ بما يلوح بعينيها من أسئلة تعلم جيدا أن أمواج لن تجيب عليها بعد أن جمعت أسرار ما حدث بينها وبين بحر قبل عامين ودفنته في جرة معدنية ورمتها بباطن كهفها الخاص..
أمواج لن تطلع أحد على سرٍ يخص علاقتها ببحر..
هكذا كانت منذ أن وقعت في حبه لأول مرة.. تظل علاقتهما دائما مليئة بالألغاز التي لا يمكن للمحيطين بهما سبر أغوارها.. وهي في ذلك تشبه كثيرا ابنة خالتها الكبرى شذى، التي لم تتحدث لأحدٍ بعد عما دفعها لطلب الطلاق من مازن بعد قصة حبهما..
علقت زهو بغيظ: "لا أفهم حتى الآن كيف يتركه الدكتور عبد المنصف الحلواني يفلت بأفعاله الطائشة تلك؟"
ردت أمواج بأسف: "إنما أنا من أمنعه عنه، وإلا لكان أبي قد حطمه لأشلاء بالفعل، وحوّله من بحر لبركة صغيرة"..
تعالت ضحكات الفتيات، فاقتربت شذى من شادن تسألها: "وأنتِ.. لا تبدين على طبيعتك اليوم"..
تنهدت شادن، وأمسكت بذيل جديلتها الجانبية وأخذت تعبث بها متلهية قليلا، ثم قالت: "أظن أن مشاعري القديمة نحو سفيان قد عادت بالكامل.. وهذا الأمر غير مبشر على الإطلاق"..
ابتسمت زهو بتعاطف، بينما قالت أمواج باندفاعها المعهود: "وهل اختفت مشاعركِ يوما يا شادن؟ أظن أنكِ فقط وضعتها في المجمد عندما تزوجت من وليد، وفور أن وقعتِ ورقة الطلاق، بدأت الجليد يذوب عن قلبك رويدا رويدا، حتى عاد الآن ينبض باعتيادية كما كان قبل سنوات.. السؤال الآن.. كيف ستتصرفين معه هذه المرة؟"
أكملت زهو تعاضد أمواج: "بالفعل.. في المرة الأولى ظللت تكتمين مشاعرك تماما فلم ينتبه هو أبدا حتى تزوج، وبعدها تزوجتِ أنتِ.. والآن، هل ستلمحين له؟"
تدخلت ذكرى بالكلام، وقالت: "السؤال يجب أن يكون.. هل هناك فرصة؟ هل تشعرين ببصيص أمل؟"
اشتعلت وجنتا شادن باحمرار لم تستطع إخفاءه..
بالطبع لاحظت أن معاملة سفيان معها قد تغيرت مؤخرا.. هي لم تعد ساذجة حتى تمر تلك الإشارات عليها دون أن تتمكن من تفسيرها بشكل صحيح..
وهذا تحديدا ما أربكها عندما استقبل تلك المحادثة المرئية من خال التوأم..
كيف لها أن تحلم به من جديد؟ كيف لها أن تفكر بأي أملٍ يجعلها جزء من عالمه، بينما سيكون وجودها سببا في تشتيت عالمه هذا وإبعاد الطفلين عن عائلة والدتهما لتخبو ذكراها يوما بعد يوم..!!
كانت هي ممتنة فقط للقاءات التي تفرضها عليهما الظروف، وتربت على قلبها ألا أمل.. خاصة وهو يعاملها دائما بتلك الفظاظة..
وعند أول تغير من جانبه ليعاملها ببعض الرفق، تسارع هي وتبني قصورا من الرمال، متجاهلة العواصف التي تزف زوابعها في الأفق تحذرها من مغبة ما تأمله لنفسها.. معه..
همست شادن بضعف في نفسها:
(يتساءلون كيف أحبه بشخصيته الفظة تلك! لكنهم لا يعرفونه كما أعرفه أنا.. أنا لم أحب تلك النسخة من سفيان.. النسخة الحانقة المحتدة دائما والصارمة طوال الوقت.. أنا أحببت النسخة الأصلية التي تعرفت عليها قبل سنوات عديدة.. كان لطيفا، حنونا، مهذبا، ولبقا.. لكن كل تصرفاته تبدلت فجأة.. وأجزم أنني أعرف السبب..
المؤسف أن النسخة البديلة أصبحت هي درعه الذي يحتمي به من الآخرين.. فيتصرف معهم بصرامة وديكتاتورية كيلا يمنحهم الفرصة حتى يخذلوه من جديد..
واليوم فقط شعرت أن ذلك الدرع قد تصدع.. فظهرت انعكاسات طفيفة لشخصيته الأصلية.. لكنني لن أركض خلف أحلام ملونة لا يلجمها رباط المنطق.. سأحمي قلبي هذه المرة لأنه لم يعد قادرا على تحمل وجع جديد)..
لم تدريِ شادن أنها رغم صمتها وغرقها في التفكير، إلا أن انفعالات وجهها فضحت دون رتوش كل انفعالاتها ومخاوفها، لدرجة أن زهو سارعت باحتضانها لكي تخرجها من تلك الحالة قبل أن تحرج نفسها بشكل أكبر..
أما ذكرى فقررت سحب أنظار الفتيات عن شادن التي أصابها التوتر، فتطوعت مفجرة قنبلتها بقولها: "لقد جاءني عريس.. بل اثنان"..
تحولت كل الأنظار إليها دفعة واحدة، وكانت أمواج هي الأسرع في التعليق، حيث قالت: "والله لن أستغرب إذا جاءك دزينة من الخاطبين يوميا.. أنت يا صديقتي أميرة كما تلقبك والدتك.. جمال وأناقة وجاذبية وحضور وثقافة وطموح.. رقم صعب لا يمكن تقليده.. والأحمق فقط من يمر بعالمك ثم يغادر ليكمل حياته وكأن شيئا لم يكن"..
ابتلعت ذكرى غصة في حلقها، ثم قالت بنبرة ساخرة تخفي مرارتها: "على ذكر الأحمق.. لقد طلب مني العودة.. بل أمرني بالعودة.. وأنا رفضت"..
كادت أمواج ترد، لكنها رفعت يدها توقفها، وتابعت بنبرة حسيرة: "وقبل أن تتحدثن عن حماقتي بالرفض.. أخبركن أن العودة له ستكون هي أكبر حماقة أرتكبها في حياتي.. لم يتغير شيء.. لا يزال كما هو"..
صمتت ذكرى، لكنها أكملت بصوت غير مسموع: (عابث مشاكس أحمق طفولي يحتمي بظل أمه)..
محاولة تشتيت توتر ذكرى الذي كان ينضح من بين كلماتها ونظراتها المغمومة، سارعت أمواج تسأل شذى: "وأنتِ.. هل هناك جديد؟"
أخذت شذى تربت على ساعة يدها الفاخرة برتابة لتداري شعورها بالإحباط، ثم قالت بمرارة: "لا شيء جديد.. لقد تطلقنا.. نقطة آخر السطر.. ليس هناك من عودة.. ولا أنوي الارتباط مجددا حاليا.. لا زلت أستوعب الأمر قبل أن أسمح لأحمق آخر بالدخول إلى حياتي والعبث بها كيفما يشاء"..
رفعت مرح كفها الأيمن بمشاكسة وقالت: "وأنا التي كنت طبيبة ملء السمع والبصر في دبي أعالج المشاهير فقط، مازلت عاطلة عن العمل هنا في مصر المحروسة لأنني لا أجد شركاء لأفتتح معهم مركزا طبيا متكاملا لعلاج وتجميل الأسنان"..
قالت شادن: "يمكنني أن أسال أبي وعمي منصف لأجلك.. وسفيان كذلك.. ابن الحج عاصم مرتجي لديه الكثير من المعارف"..
تدخلت ذكرى هامسة بتردد: "يمكنك أن تطلبي منه أن يقترح الأمر على ذلك الأحمق آدم.. لديه أيضا العديد من المعارف.. فعائلته كلها أطباء وجميع أصدقاء عائلته أطباء.. حتى الجيران أطباء أيضا"..
صمتت قليلا وهي تفكر: (يا إلهي.. يمكنهم أن ينشئوا دولة صغيرة لا يسكنها سوى الأطباء)..
خرجت ذكرى من شرودها، لتزفر بضيق، لكنها وجهت أنظارها نحو مرح، وقالت بجدية: "حين تحسمين أمورك وتقررين شراء أجهزة طبية لعيادتك أو مركزك.. أخبريني.. سأحضر لكِ أفضل العروض من أفضل الشركات.. لديّ الكثير من المعارف في مجال الهندسة الطبية لكن أغلبها يتعلق بأمراض القلب والعناية المركزة وطب المسنين، ورغم ذلك سأستغل معارفي لأحصل لكِ على خصومات رائعة"..
ضمت مرح قبضتيها إلى صدرها وناظرتها بامتنان، ومنحتها ابتسامة صافية، قبل أن تندفع أمواج تقول: "أووووف.. لقد ضجرت من أجواء ربات البيوت الكئيبة تلك.. تعالين نسجل مقطع فيديو (كاريوكي).. نتدلل قليلا ونغني صمتا وتتزامن حركات شفاهنا مع أصوات الغناء الأصلية.. أو نقوم بعمل حركات طريفة أثناء الغناء.. مثل مقاطع الـ (تيك توك)"..
سألتها زهو بامتعاض: "ألا يفترض بك الاسترخاء والراحة بعد رحلة سفر طويلة؟"..
حركت أمواج حاجبيها بسخافة، وقالت: "لم تكن الرحلة متعبة.. لقد رافقني بحر طوال الطريق"..
فرقعت شادن إصبعيها الوسطى مع الإبهام، ثم قالت بتسلٍ: "يبدو أننا سنسمع اسم بحر كثيرا في الفترة المقبلة.. اشتقنا والله"..
رسمت أمواج ابتسامة عريضة على وجهها، وقالت: "بالفعل.. ستسمعن اسمه كثيرا"، ثم همست تقسم أنها ستعيده إليها هذه المرة ولن تتركه يدور بعيدا عن مدارها بعد الآن..
استأذنت ذكرى كي تطمئن على والدتها، ثم تحركت صوب غرفة آمال، بينما سارعت شذى تجهز أجواء التسجيل بعد أن نجحت في إقناعهم بنشر المقطع عبر انستجرام بعد إضافة المقطع الصوتي للأغنية الأصلية..
أما أمواج، فقد انفردت بشادن عند أحد الأركان، وسردت على مسامعها الحلم الغريب الذي راودها داخل بيت عائلة بحر، ما جعل شادن تدخل في نوبة ضحك هيستيرية، قبل أن تسألها أمواج بحرج: "ألا تحلمين بوليد أحلاما غير بريئة؟"
من بين ضحكاتها، ردت شادن: "ولا بريئة والله.. لكنني أظن أن هذا الحلم داهمك في هذا الوقت تحديدا كرسالة مستترة من عقلك الباطن لكي يطمئنك أنكِ لا زلتِ سيدة قلبه الوحيدة وأنه يخصك أنتِ فقط"..
ارتد صدى كلمات شادن في عينيّ أمواج اللتين كستهما غلالة ضبابية، فتيقنت ابنة عمها أنها تخفي شيئا ما يخص بحر..
تُرى ما الذي حدث في السويس ودفعها للسفر إليه في الساعات الأولى من الصباح بهذا الشكل؟
في تلك الأثناء، انضمت إليهما ذكرى التي خرجت لتوها من غرفة والدتها، فكررت أمواج على مسامعها نفس السؤال: "وأنتِ يا دكتورة ذكرى.. هل تحلمين أحلاما خليعة بآدم رغم طلاقكما"..
سعلت ذكرى بعد أن فشلت في تدارك صدمتها وتلوّنت وجنتيها بدرجة داكنة من الأحمر، فصرخت أمواج بانتصار: "كنتُ متأكدة"..
وقبل أن تتخلص ذكرى من آثار شعورها بالإحراج، تدخلت شذى قاطعة اللحظة عالية التوتر بقولها: "هيا سنغني جميعا أغنية دانكن لورانس (Loving You is a Losing Game).. تناسب كآبتنا بشدة"..
وبالفعل، انغمست البنات في أداء نسخة حركية تعبر عن أجواء الأغنية التي تدور حول شاب يشعر بالانكسار بعد انفصاله عن حبيبته، كما يحاول استيضاح مشاعره الحالية وتفنيد أي أمل لديه في عودة مستقبلية بينهما، لأنه كان دوما يشعر أن حبه لها كان دوما لعبة خاسرة أكبر من إمكاناته ومهاراته..
في مساء نفس اليوم، نشرت شذى المقطع بعد إضافة بعض التعديلات الطريفة عليه ليبدو ملفتا للأنظار، ثم سارعت الفتيات بإعادة نشره، كلٌ عبر حسابها..
كان هناك شابان في دبي يطالع كلٌ منهما المقطع من مكانه بنوع من الآسف والضيق.. كونهما لا يستطيعان تغيير ما حدث..
أما في القاهرة، فقد تابع أحدهم مقطع أمواج بغيظ، وهو يقسم أنه سيضطر لتهشيم رأسها يوما ما بسبب نظرات التحدي التي تطلقها عيناها كسهام تحذير مصوبة لقلبه مباشرة، بينما تموج غلالة من الدموع حول مقلتيها تناجيانه الإسراع إليها وإعادتها لأحضانه حيث موطنها الأصلي والوحيد..
ولما نشرت شادن مقطعها، كان هناك متابعان، أحدهما يعض أصابع الندم على الطريق الذي سار فيه وهو يعلم أنه سيدفعها لطرده من جنتها.. أما الآخر، فأخذ يزفر ويضرب على مكتبه وهو يهتف مغتاظا: "كيف تسللتِ لعالمي يا سيدة الجدائل؟ هل كان ينقصني ملاحقتكِ كالمراهقين عبر منصات التواصل؟ أشعر أن هيبتي ستضيع بسببك"..
من جانبها، لم تكترث زهو بنشر الفيديو من الأساس، لكن نشر مرح وشذى له كان كافيا لكي يراه أحدهم، ويقوم بإعادته مرارا وتكرارا، وهو يركز فقط على بؤس عينيها المنطفئ حماسهما، ويقسم بداخله أنه سيعيد إلى أجفانها البسمة يوما ما..
وأخيرا، حين نشرته ذكرى عبر حسابها الذي لم تقم بتحديثه طوال الأيام الماضية لانشغالها بالعمل ورعاية أمها، فإنها قد تلقت آلاف الإعجابات.. ولم تدرك صاحبة المقطع أن زوجا من العيون ظلتا تتابعان المقطع بتشوق محروم، فصاحبهما دأب خلال الأسابيع الأخيرة على تصفح حسابها مرة يوميا على الأقل، كمدمن ينتظر جرعته التي تسحبه من عالمه الخانق إلى عالم آخر أرحب.. أو كمسكين ينتظر نظرة عطف وابتسامة رضا.. حتى وإن كانتا مغلفتين بالحزن والخذلان..
وأخيرا.. كان هناك زوجٌ آخر من العيون تتابعان المقطع باشتهاء غريب وحقد دفين...!


يتبــــــــــــــــــــــ ــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-06-22, 07:55 PM   #354

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثانية عشرة: القسم الثالث

غادر سفيان شقة بحر بحالٍ غير الذي جاء به، فحين هاتفته أمواج تنقل إليه تصرف بحر الأحمق بتدخينه الحشيش وإصراره على قيادة السيارة وهو في حالة انتشاء، تحولت أعصابه إلى مزيج مخيف بين الغضب والذعر، حتى أنه أقسم إذا وقع بحر بين يديه في نفس توقيت ارتكابه لحماقته، لكان أوسعه ضربا ليرقد في المستشفى لأسابيع..
لكن أمواج كعادتها دائما، تقفز إلى قلب الإعصار وتحكم قبضتها على مركزه وتطوّعه بين يديها ثم تخبر الجميع بابتسامة باردة عن كم الأهوال التي عانتها وهي تصارع المجهول..
لو كانت أمواج أخته، لكان أوسعها ضربا هي أيضا وجعلها ترقد في المستشفى إلى جوار زوجها – طليقها – حتى يتعقلا، ولكن كيف له بمعاقبة تلك المتهورة؟؟
في الحقيقة، ورغم تأكيد أمواج أن بحر بحالٍ أفضل وأنهما قد وصلا للقاهرة سليمين، إلا أن عقله لم يتوقف عن تخيل أسوأ الأمور..
أن يصاب بحادث، أو يقود سيارته إلى عرض البحر في لحظة جنون، أو حتى أن يتهور أكثر ويتناول أحد المواد المخدرة القوية التي قد يكون تأثيرها قاتلا مع الحشيش، فتودي بحياته فورا..
لذا، حين وصل إلى شقته، كان على وشك تهشيم عظام وجهه بقبضته، لكنه ما أن اقتحم عليه كهفه الجديد المغلف بعلامات المدنية، وجده في حالة مزاجية رائعة، بل ويحتسي شاي المريمية أيضا، وكأن عالمه لم يدور لتوه دورة طائشة سابقة لأوانها حول القمر، فتبعثر مدى الجاذبية حول قلبه وخفقت نبضاته بحالة من الفوضى بين مدٍ وجزر..
كان بحر يبدو لأول مرة.. منتبها..
لا يقصد أنه كان فيما سبق يبدو منتشيا أو تحت تأثير الحشيش.. هو يعلم جيدا أن بحر لا يكذب عندما أخبره أنه يدخن الحشيش في لحظات نادرة، حين تتكالب عليه الضغوط أو حين تجره الذكريات قسرا إلى تلك الفترة الأكثر قتامة في حياته..
لكن بحر – الجديد - بدا مهتما.. مباليا.. منغمسا.. بل ومتورطا لأبعد مدى.. حتى نظرته قد تغيرت، وسكنها مزيج – غير مستحدث كليا - من اللهفة والحنان، كان قد هاجر نظراته مؤخرا، فلم يعد يرى في انعكاسهما سوى الجمود واللا مبالاة..
ما رآه سفيان في عينيّ بحر، أوحى له أن بحر الذي فقدت مياهه رغبتها في الحياة وارتكنت إلى الركود، قد استعاد شيئا من حيويته وأصبح لأول مرة منذ عامين ينشد تحقيق شيء..
وهو لن يكون سفيان عاصم مرتجي ما لم يساعده..
صحيح أن هذه الخطوة الضخمة لا تعني أن بحر قد شُفيّ فجأة من علة روحه، لكنها بالتأكيد قفزة هائلة قطعت شوطا من طريق طويل، وسيقوم هو بمساعدة أمواج وعائلة بحر في دفعه باستمرار حتى يكمل الطريق ويستعيد كل ما تخلى عنه طوعا أو غصبا قبل عامين..
الآن أصبح سفيان مسلحا بالإصرار، وسيبذل كل ما في وسعه لكي يقنعه بالتخلي عن عناده واللجوء للعلاج النفسي..
ارتمى سفيان على مقعد القيادة بسيارته بعنف، وأغلق بابه بقوة، حين ضربت رأسه فكرة أخرى..
رغم كل ما يعانيه بحر حاليا، لكن سفيان لم يمتلك السيطرة على شعور طفيف بالحسد يسيطر عليه..
في الحقيقة، ظل حب أمواج له وتمسكها به رُغم كل شيء، أمرا يثير إعجابه وغيرته في نفس الوقت، فهو نفسه لم يجرب الحب أبدا من قبل..
صحيح أنه تزوج وأنجب قطعتين من السكر أكسبتا حياته الصارمة نكهة حلوة، لكن قلبه لم يعرف أبدا تلك اللهفة التي تصيب العاشقين، ولم تتلون نظراته يوما بدفء ساكني جزر الغرام..
غير أنه لن يستطيع أن يتجاهل ذلك الأزيز الذي تصدره أعصابه حين تستنهض متأهبة كلما وقف قبالة سيدة الجدائل، يجادلها بخصوص أمرٍ ما..
لا يستطيع تفسير فظاظته التلقائية – وغير المقصودة – تجاهها، لكنه يظن أن شخصيتها الجديدة أصبحت كمغناطيس جاذب يسحبه دائما إلى شراك مناظرتها ومجادلتها، بل والإصرار على الخروج منتصرا..
تُرى هل السبب هو ما يظنه؟
سفيان لم يعتد أبدا الكذب على نفسه.. لكن لا يُعقل أن يكون ما يفكر به صحيحا..
في هذا العمر.. وتلك الظروف.. هل يُعقل أن يكون واقعا في الحب؟
جحظت عيناه بذعر، وكأنه على وشك خوض معركة جديدة أمام عدو مجهول لا يعرف له نقاط قوة من ضعف، ولا يمتلك سلاحا مناسبا لردعه..
لكن، هل يريد حقا ردعه؟
خرج سفيان من شروده، حين تنامى إلى مسامعه أصوات صياح تأتي من خلفه، إذ كان هناك شخصان يتشاجران على ما يبدو بسبب سيارة مصفوفة تسد الطريق أمام متجر للتحف، فسارع هو يحرّك عجلة القيادة صوب وجهته التالية..
عيادة الدكتورة مارية..
بعد حوالي ساعة ونصف، كان سفيان يجلس على بقعته المفضلة على تلك الأريكة الوثيرة داخل العيادة، بينما تجلس طبيبته أمامه بهيئتها التي تمزج بين الوقار والرفق، تمسك كعادتها بدفتر ملاحظات صغير وقلم، بينما بدأ هو الإفصاح، بقوله: "لقد تحسنت آلام ذراعي بعد التدريبات الأخيرة بجهاز (الميرور بوكس).. أعترف أنني كنت محرجا أن أحدثك عن تلك الآلام.. ولكن بعد اقتراح دكتور آدم وتشجيعك لي في الجلسات السابقة على الاستعانة به، بدأت أشعر بالكثير من الاختلاف"..
ردت الدكتورة مارية باهتمام: "عظيم.. بالمواظبة على استخدامه، ستستكين آلامك الوهمية.. أخبرني يا سفيان.. ماذا عن عملك الجديد؟"
قال سفيان بنبرة متفائلة: "بإذن الله سنفتتح الشركة رسميا قريبا.. لقد شارفنا على إنهاء التقسيم الإداري لها وقمنا بتعيين المجموعة الأولى من الحراس.. وسنبدأ حملة الدعاية لاجتذاب العملاء.. بقى فقط إنهاء بعض الأمور.. وسيصبح صديقي بحر هو المدير المسئول عن الإدارة وأنا سأتولى الإشراف بشكل متقطع.. وسنجلب مدير مالي لتولي شئون الحسابات والرواتب وما إلى ذلك"..
تنهدت الدكتورة مارية بتأمل، ثم قالت: "لكن إصرارك على انشغال صديقك بالإدارة يخالف شخصيتك الأساسية الشغوفة بتحمل المسئولية"..
رد سفيان متفكّرا: "بحر يحتاج أن يتولى مسئولية كبيرة حاليا.. عليه أن يتولى عملا ضاغطا يخرجه من لا مبالاته.. بالطبع لن أتركه يسقط.. سأساعده بشكل متقطع، حتي يستعيد الثقة التي يفتقدها"..
سألته الدكتورة مارية بعد نظرة خاطفة: "ماذا عنك؟ كيف ستقضي وقتك الآن بلا مسئولية ضاغطة؟"..
زفر سفيان، ثم أجاب بصدق: "خلال العامين الماضيين، لم أركز في شيء سوى العناية بالتوأم والتدريب لأجل البارالمبياد.. ومع العلاج النفسي.. أشعر أنني قد تخطيت جزء كبيرا من تأثير ما حدث قبل عامين.. أشعر أنني قد تحررت من حزن جسيم لكن ليس تماما"..
باغتته دكتورة مارية بسؤالها: "وهل لبحر وعائلته علاقة بهذا الأمر؟ ألهذا تصر على تمرير المسئولية إليه؟"
رفع سفيان حاجبيه بدهشة، ثم ترجم دهشته بكلمة واحدة: "كيف؟"
أردفت مارية كأنه لم يعلق: "هناك صوت بداخلك يخبرك أن إحساسك بالمسئولية تجاه الآخرين لن يتلاشى إلا عندما يعود بحر كما كان.. وليس هو فقط.. بل هو وزوجته وزهو.. وحتى شادن"..
طيف براق التمع بعينيّ سفيان على ذكر اسم شادن، لكن غيمة ضبابية طاردته عندما تذكّر تلك الارتجافة التي تصيبها مرة على الأقل في كل مقابلة تجمعهما..
يوما ما سيسألها.. الشعور بالجهل أمرٌ لن يعتاد سفيان أبدا عليه، وبكل صراحة لا يحبه..
أخرجته الدكتورة مارية من شروده بسؤالها التالي: "ما سر شرودك الآن؟ هل تريد أن تشاركني الأمر ؟"
تنحنح سفيان بحرج، ثم قال: "بصراحة هناك امرأة تخرج أسوأ ما فيّ.. تثير جنوني.. لا أعرف لِمَ أعاملها بتلك الفظاظة؟ فهي ليست وقحة أبدا.. لكنها تستفزني بشدة"..
وبرغم كلماته الجادة، إلا أن شيئا اختلج بدواخله عندما وجد نفسه يصف شادن بأنها امرأة وليست طفلة كما كان يراها دوما في حياة أخرى..
رفعت الدكتورة مارية حاجبها ورمقته بنظرة تراقص فيها الاتهام مع عدم التصديق، فتنحنح وتابع مستسلما: "حسنا.. أنا دائما فظ.. ولكنني معها أزيد الجرعة.. وكأننا في حرب أو ما شابه، وأحرص دوما على الخروج منتصرا، فلا أنتبه لثقل كلماتي إلا بعد فوات الأوان"..
زينت مارية وجهها بابتسامة متفهمة، ثم قالت: "ربما فظاظتك معها ليست إلا نوعا من الوقاية تفرضه على نفسك كمظلة حمائية لتحمي قلبك من الوقوع في حبها.. مثلا؟"..
تلكأت الكلمة الأخيرة على لسانها فجاءت كسؤال مذيل إجابته الوحيدة هي التأييد..
لكن سفيان الذي ضربته نوبة مفاجئة من التوتر زلزلت أوردته، لكن آثارها لم تكن واضحة على جسده الذي ظل مستكينا بهيمنة كعادته، فرّق ما بين شفتيه يهم بالكلام، إلا أن شيئا من الحروف لم يغادر حلقه الذي تيبس على نحو مفاجئ، فمنحته هي نظرة التمعت بالمعرفة، ثم تابعت: "لو كنتُ مكانك.. لاخترتُ أن أحبها.. أو على الأقل، ما كنتُ اخترت مقاومة حبها"..
وقبل أن تمنحه فرصة بالنفي والاستنكار، نهضت من مقعدها وجلست إلى جانبه على الأريكة، لتتخلى في لحظة عن معطف الطبيبة وتتحول لصديقة العائلة التي تعرف تقريبا كل شيء عن أسرته حتى ما لم تتم روايته على مسامعها، وتابعت بتفهم أخوي كان سفيان يفتقر إليه بسبب فارق السن الكبير مع إيلاف ودانة: "أنت رجل المسئوليات.. والحب أكبر مسئولية.. لذا أنت الرجل الأجدر بالحب يا سفيان.. هذا أكبر تحدي بالحياة.. وأثق أنك ستبلي حسنا إذا دخلت هذا المعترك يا سيادة القائد"..
شعر سفيان بالارتباك، لذا سعى فورا لتغيير دفة الحديث، فسألها: "هل أخبرتك لين عن صديقتها صفا؟"..
سألته الدكتورة مارية بدهشة: "لا.. لا أعرفها.. ماذا بها؟"
انطلق سفيان يسرد على مسامعها ما علمه من دانة عن انضمام بعض فتيات المدرسة لتطبيق إلكتروني جديد لتبادل الصور والمقاطع المصورة والبث الحي، لكنه يعتبر بوابة إلى عالم قذر يقوم على الدعارة الإلكترونية، ثم حكى لها عن تلك الفتاة التي تداول زملاؤهم في المدرسة صورها شبه العارية والمقتطعة من مقطع فيديو مسرب لها من داخل التطبيق..
شعرت مارية بالقلق، وبدأت تفكر في طريقة للتقرّب من ابنتها من جديد، متسائلة عن سر إخفائها لهذا الأمر رغم أنها تحرص على مشاركة والدتها بكل تفاصيل حياتها..
"كيف أدقق في تفاصيل حياتها وأراقبها دون أن أجعلها تشعر أنني لا أثق بها؟.. أريد أن أحميها دون أن أخنقها"..
لم تدري مارية أنها غمغمت بسؤالها بصوت مرتفع إلا حين أخرجها سؤال سفيان التالي من شرودها: "بل الأصح أن نفكر.. كيف هو السبيل الصحيح للتعامل مع هذا الجيل الذي نشأ في عصر يخوله للاستقلال الشخصي والانعزال.. خاصة في عمر المراهقة؟"..
بالفعل، كيف يمكن التعامل مع جيل تموهت أمامه الخطوط الحمراء، وغاب عنه مفاهيم ضرورية مثل الخصوصية، وزالت عنه قيم إنسانية ضرورية، خاصة في سن صغير، مثل الحياء والتهذيب والالتزام والمساندة، واختصر كل شيء في مفهوم واحد هو مساوي للنجاح والربح السريع..
الشهرة.. أيا كان الشكل الذي ستأتي به.. حتى لو بفضيحة مثلا أو مقاطع مهينة أو مخجلة..
تنهدت مارية بتعجب، ثم ردت: "ما أركز عليه مع لين هو معاملتها دائما بتفهم.. أن أضع نفسي في موقعها كلما حكت لي عن مشكلة.. أسعى دائما أن أرى المشكلة من وجهة نظرها بدون حكم مسبق من جانبي.. أتقبل استقلاليتها مع منحها بعض القواعد العامة التي لا يعد اختراقها مقبولا تحت أي ظرف.. ورغم كل ذلك فهي لم تحكي لي عن تلك الحادثة"..
تنهد سفيان وقال: "ربما خجلت منك.. هذا ما كانت دانة تفعله لولا أنني ضغطت عليها لتحكي لي.."
استمرت الجلسة لعدة دقائق تالية، وعند نهايتها تحرك سفيان للخارج، لكن رنين هاتفه الملح، جعله يتوقف للرد بدلا من النزول لسيارته أولا..
جاء صوت إيلاف على السماعة منفعلا على غير عادته، فأخذ يهتف: "سفيان.. عد إلى المنزل فورا.. دانة ليست بخير"..
سأله سفيان بجذع: "ماذا بها؟ هل صار لها شيء؟ تكلم؟"
رد إيلاف بتوتر: "لقد انتحرت صديقتها.. أنا الآن ذاهب إلى بيت صديقتها لين لأحضرها وأختها الصغيرة لبيتنا.. أمي لا ترغب أن تظلا وحدهما بالبيت.. ودانة تريدها إلى جوارها"..
رد سفيان: "حسنا أنا قادم.. وسأخبر والدة لين وأحضرها معي إلى منزلنا.. قد بحذر"..


يتبــــــــــــــــــــــ ـــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-06-22, 07:56 PM   #355

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثانية عشرة: القسم الرابع

بعد دقائق قليلة، كان إيلاف قد وصل إلى البناية التي تقطن بها الدكتورة مارية مع ابنتيها بنفس التجمع السكني الذي تعيش به أسرته، ثم سارع بالاتصال بها على هاتفها يخبرها أنه ينتظرها وشقيقتها أسفل البناية..
حين وصلت لين مع أختها ليان إلى السيارة، كانت في حالة غريبة.. فملامحها كانت تبدو جامدة مصدومة، لكن الدموع تنهمر من عينيها بحرية وكأنها لا تدري أساسا أنها تبكي..
سارع إيلاف بالخروج من السيارة، وفتح باب المقعد الأمامي لها لكي تتهاوى هي عليه بانهيار، ثم أغلقه بحرص، وبعدها فتح المقعد الخلفي لأختها ليان التي جلست في صمت وملامحها يسكنها الحزن رغم أن عينيها تنطقان بعشرات الأسئلة.. فهي على الأرجح لا تدري ماذا حدث.. لكن حالة شقيقتها ترعبها وتصيبها بالحزن..
كان إيلاف يقود السيارة متشجنا، يسترق النظر كل بضع دقائق لتلك التي تجلس إلى جواره وكأنها فاقدة للوعي رغم أن عينيها مفتوحتين ولم تتوقفا عن البكاء..
لا يعرف ما الذي يمكن أن يقوله لها حتى تخرج من تلك الحالة.. تبدو كمحارة هشة تشقق غطاؤها، فأصبحت على شفا الكسر..
أخرج إيلاف بضعة مناديل ورقية من صندوق السيارة ومد يده أمام وجهها كي تنتبه له، فشهقت بضياع ثم أمسكت المناديل بيد مرتعشة وأخذت تجفف عينيها وأنفها في صمت..
فور أن توقفت السيارة أمام بيت عائلة دانة، استعادت لين بعضا من تركيزها، وغادرت السيارة تسرع الخطى صوب غرفة صديقتها التي زارتها مئات المرات، كانت إحداها في ظروف مشابهة لتلك التي تعيشها الآن.. حين جاءت لتعزيتها لوفاة والدها منذ عامين تقريبا..
دائما أجواء الحزن والحداد تعيدها لذكرى رحيل والدها هي قبل سنوات قليلة، فقد مات والدها إثر مضاعفات جراحة قلبية حرجة قبل نحو ثلاث سنوات، وبعدها بحوالي عام تُوفي والد دانة..
والآن، جاءهما خبر انتحار زميلتهما صفا بهذه الطريقة المؤسفة، ليقذفها مرة أخرى في هوة سوداء تمتلئ بغيمات حالكة من الذكريات التي لطخت غيمة أحلامها الوردية ببقع داكنة أطبقت على روحها فتركت آثارها للأبد..
حين دلفت لين إلى الغرفة، سارعت دانة تركض نحوها لترتمي في أحضانها ليتبادلا المواساة والدعم وسط دموعهما..
كل ما كانت تفكر به لين في تلك اللحظات.. أنه لا يجب أن تعيش فتاة بعمريهما كل هذا الحزن المتتالي.. فهي ببساطة غير قادرة على التعامل مع ما يحدث حولها.. تماما كصديقتها..
أما في الأسفل، فقد تصرفت سميحة بكياسة أم عاشت الكثير وكان عليها دوما أن تظل متماسكة، فأخذت الصغيرة ليان إلى غرفة لعب مالك وملك لتشاركهما اللعب، ثم جهزت طبقا كبيرا من الحلوى والمسليات، كانت قد أعدتها قبل ساعات من أجل التوأم، وانضمت إليهم في غرفة اللعب تحاول التصرف بمرح لتشتيت الصغيرة عن أجواء الحزن التي جثمت على المكان، وهي موقنة أنها فعلت الصواب بمنح دانة ولين بعض الوقت لكي تتعاملا مع الحزن الذي يعصف بمشاعرهما..
أما إيلاف، فقد أخذ يدور حول غرفة دانة، لا يعرف كيف يتصرف، لكنه يعرف جيدا أنهما ليستا بخير وهو يعجز عن التدخل..
بعد قليل، وصل سفيان مع الدكتورة مارية التي اصطحبتها سميحة إلى غرفة دانة، بينما نزل إيلاف لكي يجلس إلى جوار أخيه يسأله بعينيه أن يفسر له ما يحدث، لكن سفيان التزم الصمت وتركه في حيرته، فيما حاول هو أن يستجمع أفكاره لربط الخيوط ببعضها علّه فقط يفهم..
في الأعلى، كانت مارية وسميحة تجلسان بين الفتاتين، وكل واحدة منهما قد أخذت ابنتها إلى أحضانها تهدهدها وتربت على ظهرها برفق وتلثم جبينها بين وقتٍ وآخر، حتى أخرجت الفتاتان كل ما في صدرهما من دموعٍ..
قطعت دانة الصمت بقولها بجمل متقطعة: "لقد نشرت صفا رسالة انتحار قبل أن تبتلع عدة أقراص دوائية.. كتبت أنها تعرضت للابتزاز.. تم عمل غسيل معدة لها وهي حاليا قيد المتابعة الطبية"
ابتلعت مارية غصة كونها كانت تجهل بالتفاصيل قبل أن ينقل لها سفيان بعض الوقائع، ثم سألت بتوجس: "لا أفهم.. أي ابتزاز؟ ما الذي يمكن أن يدفعها للقيام بهذا التصرف؟"
من بين الدموع، تقاسمت دانة ولين سرد القصة على والدتيهما، حتى أن لين قد حكت لأمها عن قيام صفا بمساعدتها بالتصدي لمجموعة من زملائهما المتنمرين، وبعدها تم نشر صورها الخليعة، ثم أقدمت هي على الانتحار لأنها لم تتحمل نظرات زملائها بعد الفضيحة..
موجة من الغضب الملتهب اشتعلت في أوردة مارية التي أقسمت على التحرك ضد المتنمرين داخل مدرسة ابنتها، ولكنها ظاهريا حافظت على هدوئها، لأن الأهم الآن أن تمنح الفتاتين مساحة آمنة للتعبير عن حزنهما ونقمتهما..
بعد قليل، قالت دانة بتفكر: "إن والديّ صفا مطلقان، وكلا منهما قد تزوج من جديد، وهي تقسّم وقتها ما بين منزل والدتها وبيت والدها.. كانت صفا دائما ذكية ومتفوقة، ولكنها مؤخرا أصبحت منطوية وتدنت درجاتها بشدة.. لكن الصدمة الحقيقية كانت تلك الصور التي انتشرت مؤخرا لها.. ليست كطبيعتها أبدا"..
تدخلت لين تهتف بعدم تصديق: "من المؤكد أن تلك الصور مزيفة وتم تركيبها ببرامج دمج وتحرير الصور"..
ردت دانة بتوتر: "لا يا لين.. الصور حقيقية للأسف.. لكنها تقول إنها تعرضت للابتزاز.. أريد أن أفهم كيف يمكن أن يحدث ذلك"..
بهدوء، ردت الدكتورة مارية: "هذا يحدث حين ينفصل الأبناء عن آبائهم كليا.. نحن نحترم خصوصية سن المراهقة وبداية الشباب، ورغبتكم في الاستقلال بالتفكير واتخاذ القرارات.. ولكن أحيانا الانفراد بحل المشكلة قد يزيدها تفاقما أو يخلق مشاكل أكبر.. حين يتدخل الأهل مبكرا، يمكنهم إنهاء الأمر من أساسه لأن المبتز والمتنمر سيجد نفسه في مواجهة شخص أكبر عمرا وخبرة ولديه الأدوات التي تمكّنه من بناء درع واقٍ حول الضحية.. حين يهدد شاب أو مجموعة شباب فتاة بصورة مفبركة أو حتى حقيقية وصلته بصورة غير مشروعة، فإن التصرف الأصح دوما هو أن تخبر البنت أهلها حتى يتصرفوا هم مع المبتز ويعيدون إليها حقها.. حتى وإن كانت مخطئة.. عقاب أهلها لها مهما كان، سيكون أرحم من أن تسلم زمام أمورها لعدوها"..
تدخلت سميحة بالكلام، وقالت: "بالفعل، لقد قرأت مؤخرا عن تفعيل قوانين بخصوص الابتزاز والتشهير على مواقع التواصل"..
أومأت الدكتورة مارية مؤيدة، ثم تابعت: "وهناك إدارة للمباحث متخصصة في تعقب مرتكبي الجرائم المتعلقة بابتزاز الفتيات عبر شبكة الانترنت.. لكن بعض الفتيات يتخوفن من الفضيحة، فيتسببن في فضيحة أكبر.. وهذا على الأرجح خطأ زميلتكما صفا.. أيا كان ما تعرضت له من ابتزاز.. كان عليها أولا اللجوء لمن يمكنه دعمها وحمايتها.. حتى وإن كانت تظن أن والديها منشغلان ولن يقدما لها الدعم الكافي.. كان عليها أن تجرب أولا وتطلب منهما المساندة"..
استمرت دفة الحديث تتحرك بين أربعتهم، إلى أن توقفت الفتاتان تماما عن البكاء، فأعلنت سميحة بنبرة أسكنتها بعض المرح: "هيا للأسفل.. سفيان وإيلاف قلقان للغاية.. ومن المؤكد أن ليان أيضا متوترة بشأنك يا لين.. لننزل جميعا لأعد لكُّن مشروب الكاكاو الساخن وسأضيف إليه شوكولاتة ومارشميلو ذائب"..


يتبــــــــــــــــــــــ ــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-06-22, 07:59 PM   #356

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
1111 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثانية عشرة: القسم الخامس

في الأيام التالية، حرص سفيان على اصطحاب دانة لنزهات يومية متتالية، بعضها بمفردهما، وبعضها بمصاحبة التوأم، وأيام أخرى بمرافقة الأسرة كاملة..
وبرغم انشغاله بوضع اللمسات الأخيرة لافتتاح شركته، وحرصه على حضور الاجتماعات الهامة مع بحر، إلا أنه كان يخصص هذا الوقت لعائلته بإصرار شديد، لشعوره بأهمية التقرب من أخته المراهقة حاليا.. تلك النزهات ساعدت على التقارب بينهما، كما جعلته يعوّض إيلاف أيضا عن انشغاله عنه طوال العامين الماضيين برعاية التوأم وتدريبات الرماية والتايكوندو..
لا.. ليكون صادقا.. كان سفيان بحاجة لتعويض إيلاف عن غيابه عنه منذ أن التحق بالكلية الحربية، وتعددت سفراته خارج البلاد..
بل لنقل، منذ زواج سميحة من عاصم..
أخيرا أصبح لديه الفرصة لسحق جدار شفاف من الجفاء كان قد بناه في لحظة غباء، وتحديدا منذ خطت سميحة خطوتها الأولى لبيت والده كبديلة لأمه الراحلة، وهو على أعتاب السابعة عشر، بينما كان عمر إيلاف الصغير بضعة أسابيع فقط..
واليوم، قرر سفيان اصطحاب عائلته كاملة إلى حفل يوم الطفولة العالمي بروضة "جنة الأطفال"، حيث سيكون إيلاف مشرف الأداءات الموسيقية للأطفال، كما سيؤدي مالك وملك أغنية "أبريق الشاي" على المسرح بحضور أولياء الأمور..
هذه هي عائلته، وهو فخور بكل فردٍ بها..
حين وصلت الأسرة إلى الروضة، أخذ إيلاف مالك وملك لغرفة الموسيقى لكي يجهزهما مع باقي أطفال فصلهما لفقراتهم المتتالية على المسرح، بينما صاحبت السكرتيرة سلمى باقي أفراد الأسرة صوب المسرح للجلوس على المقاعد الخشبية المتراصة كصفوف، استعدادا لبداية فقرات الحفل..
بدأ الحفل بالأداء الجماعي لبعض الأناشيد عن الطفولة والصداقة، وكذلك أدى كل فصل أغنية جماعية تتميز بالأداء الحركي الطريف، ثم بدأت الفقرات الفردية الاستعراضية، فدخل مالك يرتدي زيا تم صناعته من الورق المقوى المغلف بطبقة فضية لامعة وبعض الشرائط الملونة، ليصبح نسخة حية ضخمة لأبريق الشاي، أما توأمه ملك، فقد ارتدت فستانا أحمر اللون، وعليه حرملة بنفس اللون، ثم شرعا في أداء الجزء المقتطع من الأغنية مع صوت الموسيقى المنبعث من سماعات ضخمة..
لاحظ سفيان في تلك الأثناء أن إيلاف وشادن يقفان على حافة المسرح الجانبية ويقومان بتشجيع مالك وملك لإتمام أدائهما، ففعلا بكل مرح طفولي، وثقة اكتسباها من والدهما، لينالا تصفيقا حادا من الجمهور جعل والدهما يتورد فخرا بهما، حتى أنه ظل يطالع وحدات الإضاءة النيون في سقف المسرح كي يجمد الدموع في عينيه قبل أن تتسلل من أجفانه وتدمر في طريقها هيبته أمام الجميع..
بعد نهاية فقرة التوأم، بدأ الإعداد لفقرات الفصل التالي، وجاء ذلك تزامنا مع خروج أولياء أمور أطفال الفصل السابق من المسرح، ليتبادلوا أماكنهم مع أولياء أمور الفصل الآخر لتشجيع أطفالهم..
بالطبع كان يمكن لسفيان وعائلته الانسحاب كباقي العائلات، ولكنهم قرروا الاستمرار للنهاية لدعم إيلاف وشادن..
في طريقه للخارج، قابل سفيان حمزة الرافعي، حيث قام الأخير سريعا بتعريفه إلى عائلته التي حضرت بالكامل لحضور أداء باسم وباسل ابنيّ شقيقته، حيث التقى بأخته الدكتورة حنان التي حضرت مع زوجها السيناريست حسام عبد القادر والذي فهم أنها أيضا صديقة لشادن وباقي صديقاتها، وكذلك صديقيّ العائلة بسام الزين وزوجته الدكتورة شروق رحيم وابنتهما الكبرى ترياق التي جاءت لدعم أختها الصغيرة فجر التي ستؤدي أغنية بالإنجليزية عن المشاركة والتسامح..
استغلت دانة انشغال أخيها ووالدتها بالحديث إلى تلك العائلة، وتسللت للخارج، فناظرتها سميحة بألم، بينما ابتسم لها سفيان بتفهم..
يعرفان حاجتها للانعزال بعيدا عن الصخب من وقت لآخر في الفترة الأخيرة..
وجدت دانة بقعة هادئة بعيدا في الحديقة خلف مجموعة من الأرجوحات، حيث اكتشفت أن ساحة سيارات الأطفال البلاستيكية في الحديقة الخلفية مغلقة لانشغال الجميع بالحفل، بينما كان الأطفال الذين أنهوا فقراتهم الغنائية يلعبون مع أهاليهم بالحديقة الأمامية..
جلست أسفل شجرة وارفة عند أحد الأركان، وأخرجت من حقيبة ظهرها دفتر الرسم خاصتها، وأخذت ترسم خطوطها السريعة بطريقتها المعتادة وكأنها تخط خربشات عنيفة محتدة، لكنها في النهاية أخرجت بضعة صور متتالية تحكي قصة متتابعة، أرفقتها ببعض التعليقات، لكنها زفرت بضيق، وقامت بقطع الورقة من دفترها، ثم كورتها وقذفتها إلى صندوق المهملات المستقر في الركن المقابل، ثم نهضت متململة تزفر بحزن، لتعيد وضع الدفتر بحقيبتها، وتركض لتنضم للتوأم بعد أن لمحت سفيان يتوجه بهما صوب الحديقة الأمامية مع سميحة..
بعد قليل، تسلل شاب لنفس البقعة التي كانت تحتلها دانة قبل قليل، ثم تحرك صوب صندوق القمامة، وعبث بمحتوياته حتى عثر على الورقة المجعدة، وقام بفردها وتفحص تفاصيل القصة المصورة التي كان عنوانها (Suicide Note) أي (رسالة انتحار).. والتي تشبه في اسمها إحدى القصص المصورة اليابانية الشهيرة، وحتى في شكل الرسوم وطريقة عرض الفكرة، حيث أظهرت الصور المرتبة قصة فتاة تتعرض لابتزاز من مجموعة من الشباب، فتقرر الانتحار تاركة ملاحظة خلفها، ولكنها بعد نجاتها تقرر الانتقام ممن قادوها إلى تلك الهاوية، فردا فردا..


يتبــــــــــــــــــــــ ــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-06-22, 08:02 PM   #357

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
New1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثانية عشرة: القسم السادس

بعد عودته من السويس، ظل بحر نموذجا للرجل المستقيم طوال الأسابيع المقبلة..
استعاد الكثير من تركيزه، وانغماسه التام في تجهيز التفاصيل الأخيرة لافتتاح الشركة كان يسحب الكثير من طاقته، حتى أنه لم يعد بحاجة للمجهودات البدنية الجبارة لكي ينجح في النوم بلا كوابيس آخر الليل.. بالكاد..
كان يعلم جيدا أن أمواج لا تصدر قرارات واهية، ومن يرى الأمور من الخارج سيظن أنها قد ترأفت به أو حتى تساهلت معه.. لكنه هو من يعرف حقيقة الأمور.. كما يعرف حبيبته جيدا.. وبالتالي فهو متأكد أن نصف الفرصة التي منحتها له مهددة بالإلغاء إذا أقدم على أي تصرف أحمق، لذا فقد ابتعد عن الحشيش نهائيا، حتى أنه امتنع عن زيارة السويس خلال الأسابيع القليلة الماضية كيلا ينزلق مجددا تحت إغواء التحصل على قطعة صغيرة أو حتى لفافة واحدة ملقمة..
بصراحة، لم يعد يشعر بالتوتر العصبي والاختناق الداخلي الذي يدفعه في بعض الأحيان ليلجأ للحشيش كمسكن.. كما أن سفيان كان عند وعده.. حرفيا.. فقد كان يصطحبه وفريق الحراس الجدد للتدريبات البدنية الصارمة بشكل شبه يومي، ولا يتركهم إلا أيام الاستشفاء فقط.. حتى أن بعضهم كان يحسده على قوته الجسمانية ولياقته البدنية برغم بتر ذراعه الأيمن..
أما أمواج، فقد نفذت جانبها من الاتفاق بدقة، حيث كانت تداوم على استغلال أوقات فراغه، وكأنها تمتلك جدول أعماله بالكامل.. لن يشعر بدهشة إذا كان سفيان قد أخبرها بالفعل بتفاصيل جدول عمله وتدريباته لكي تخطط استغلال كل لحظة لا يكون فيها مرتبطا بعمل..
تارة تطلب منه اصطحاب سيارتها لإنهاء تراخيصها.. وتارة تطلب منه مرافقتها إلى المدرسة لحضور اجتماعات أولياء الأمور الخاصة بكيان.. وأوقات أخرى كانت تهاتفه في المساء تطلب منه مرافقتها للطبيب لفحص الصغير كنان الذي كانت تصيبه وعكات صحية بسيطة متكررة..
ورغم تلك المقابلات المتعددة التي كان يتحينها كمن يشتاق لقهوته المفضلة فتعدّل مزاجه وتخلصه من صداع الحياة، كانت أمواج حريصة على التصرف ببرود وجمود تجاهه، كفنجان قهوة سريعة التحضير بلا نكهة أو قوام..
أمست تحرمه من تلك النظرات الحارة التي كانت ترسلها عيناها لقلبه رغما عنها كلما قابلته بالصدفة خلال زياراتها للسويس على مدى العامين الماضيين..
وكأنها الآن تنتهج التباعد أسلوبا جديدا لتعاملها معها استعدادا للخطوة المقبلة.. الفراق التام..
وكأنها باتت موقنة أنه سيرسب في الاختبار من جديد..
ليس وكل شيء مهم في حياته على المحك هذه المرة..
لن يفشل ويخسر عائلته وحب عمره..
لقد ارتكن كثيرا إلى التجاهل وتجميد مشاعره في أعمق نقطة من قاع البحر، لكنه قد اعترف علنا الآن أن الفراق الذي كان يبتغيه دوما، سيكون قاتلا له إن حدث بالفعل..
لذا، فقد وصل اليوم بسيارته أمام البناية التي تحتضن عائلته بدونه بعد أن اختار هو الفراق، وللآن يدفع ثمن قراره التعس على الرغم من قناعته التامة أنه كان القرار الصحيح - وقتئذ..
رفع هاتفه إلى أذنه بعد أن طلب رقمها، فردت هي بكلمة واحدة: "جاهزة.. وستنزل حالا.. قابلها عند البوابة"..
ترجل بحر من سيارته، وتحرك صوب البوابة الخارجية للمبنى، وفتحها بمفتاحه الذي يحتفظ به، ثم تحرك للداخل، فوجد الجارة نرمين تجلس كعادتها في حديقة المبنى، وقد بدت وكأنها قد خرجت لتوها، حيث كانت تعد عدتها لتدريم أظافرها ووضع طلاء جديد..
اقترب بحر من البوابة الداخلية لكي يلتقي ابنته كيان على درجات السلم كي يصطحبها لنزهة قصيرة في النادي الاجتماعي القريب، كعادته في كل عطلة أسبوعية في الأسابيع الأخيرة..
كادت نرمين أن تقترب منه كعادتها وتحاول إغوائه بشكل تظنه مستترا، إلا أنه في تلك الأثناء، ظهرت سيدة شابة أنيقة بملابس شبه رسمية، وتحمل حقيبة جلدية عريضة بيدها.. كانت تنزل درجات السلم بأناقة خاصة.. وحين ارتفعت عينيه لوجهها بنظرة متفحصة، تذكر ملامحها..
إنها تلك المرأة التي تظهر كثيرا في المقاطع المصورة مع أمواج وصديقاتها.. صديقتهن وجارتهن ذكرى..
لا يعرفها بصفة مباشرة، لكنه سمع من سفيان أنها طليقة الدكتور آدم عزازي..
يا الله.. كم أن العالم صغير..
تحرك بحر جانبا يمنحها المجال كي تغادر البوابة، ثم قال مُرحبا بنبرة رصينة: "مرحبا دكتورة ذكرى.. أنا بحر الديب والد كيان"، بينما كانت نرمين قد تراجعت عدة خطوات للخلف، ووقفت تراقب المشهد أمامها..
ابتسمت له ذكرى، ومدّت يدها بكياسة للسلام الرسمي تتمتم بكلمات ترحيب، فصافحها بتهذيب لثانيتين ثم أنزل يده، لتنضم إليهما ابنته كيان في الدقائق التالية، وتقفز في أحضان والدها بفرحة حقيقية حركّت قلب ذكرى الذي هتفت نبضاته بأنين شوق لأمومة تُرتجى ولم تتحقق بعد..
ابتسمت ذكرى بتهذيب من جديد، ثم غادرت بعد أن تمتمت بتحية وداعية، لتقف مكانها الجارة نرمين التي سألته بفضول وغنج: "هل ستذهب مع كيان إلى النادي؟ هل أنضم لكما مع فهد؟ كنت أريد الخروج للنادي اليوم وتكاسلت بصراحة، لكن حيوية كيان نقلت لي بعض الحماس.. هل تنتظرنا كي أغير ملابسي وأجهز فهد؟ يمكنكما حتى الانتظار بالداخل ريثما أنتهي من تبديل ملابسي".
حين أنهت جملتها الأخيرة بغمزة غير بريئة، ناظرها بحر بامتعاض، ثم رد باترا: "آسف.. لا أملك وقتا للانتظار.. يجب أن نذهب للغداء ثم اللعب قليلا كي أعيدها لوالدتها قبل أن يحل المساء.. سلام"..
غادر بحر إلى سيارته متمتما بكلمات الاستغفار، فهتفت نرمين تشيّعه بغيظ: "يبدو أن الشمطاء ذكرى هي من تعجبك.. أعرف طريقتها الخبيثة في الإيقاع بالرجال.. التصرف برسمية ورزانة والتظاهر بالخجل، مع تسديد نظرات ناعسة لا يفهمها سوى أصحاب الخبرة ليعرفوا غرضها الحقيقي"، ثم تحركت تعود لبقعتها المفضلة كي تجدد طلاء أظافرها وهي تقسم بعناد أن بحرا سيكون لها يوما ما..
داخل السيارة، وضع بحر ابنته بالمقعد الخلفي وربط حزام أمانها، ثم تحرك نحو مقعد القيادة، وبدأ يحرك سيارته ثم سألها عن يومها في المدرسة، وصديقها ساري وأخيها كنان، فانطلقت الصغيرة بعفوية تحكي له أخبار الأسرة ثم كل ساكنات البناية، حتى أنه عرف منها أن زهو وجدت عملا جديدا وذكرى تقلق على صحة والدتها التي تتراجع باستمرار..
بعد أن تناولا الغداء في مطعم النادي، تحرك بحر مع ابنته صوب حديقة الألعاب، لكنها تركت يده فجأة وتحركت مسرعة بحماس شديد نحو طفلة أخرى، ظلت تناديها بسعادة: "حلا.. حلا".. إذ كانت تلك الأخيرة تلعب برفقة رجل يذكر بحر ملامحه جيدا..
هتف بحر بغيظ من بين أسنانه: "كوتش طارق"، ثم اقترب بخطوات باردة وعيناه تتفحصان الرجل كذئب أوقع ثورا في شراكه، ويبحث عن نقطة الضعف المثالية للانقضاض على فريسته ليرديه قتيلا بضربة واحدة..
لكنه توقف قبل أن يصل إليه بخطوتين، وأخذ يوبخ نفسه هاتفا بلا كلمات.. (اهدأ يا أحمق.. هذا ليس عدوك..)
زفر بحر الهواء الساخن من أنفه، وتابع يهدئ نفسه: (لقد وعدتك أمواج أن تصرف النظر عن الزواج.. وهو لم يعد يشكل لك أي خطر)..
اقترب الخطوتين الأخيرتين منه وقبل أن يمد يده لمصافحته أرسل إشارة لعقله مفادها: (تصرف بمدنية.. أنت لست بكهفك لتفرض قوانينك.. إذا أخرجت بدائيتك أمامه.. ستطردك أمواج من حياتها للأبد)، لذا ابتسم له ابتسامة باردة كانت هي أقصى ما يستطيع فعله الآن، وقال مشددا على كلماته: "مرحبا.. أنا بحر الديب.. زوج أمواج الحلواني.. ووالد كيان"..
ناظره الرجل مندهشا، ثم سأله بفضول: "مرحبا.. امممم.. ألستما مطلقين؟"
عاود بحر الابتسام بسخافة ووقف باعتداد كطاووس قد فرد ذيله بكامل ليظهر سطوته، قبل أن يقول بثقة لم يكن يمتلكها تماما، لكنه نجح في إخفائها عن طارق: "لقد اتفقنا على العودة.. إنها مسألة وقت فحسب"، ثم تركه وتحرك نحو ابنته يتابع لعبها على الأفعوانية الملتفة حول نفسها، بعد أن أوصل رسالته جليا..
بعد فترة من اللعب، طلبت كيان من والدها أن تجلس إلى جوار حلا على إحدى الطاولات لكي تلعبا معا، بينما انشغل خالها طارق بالحديث لأحد أصدقائه الذي جاء لتحيته، فانفرد هو بإحدى الطاولات يجلس مسترخيا أمام ابنته وصديقتها حتى تشعر بالملل وتعود إليه..
كان الضجر قد بدأ يتسلل إليه، فأخرج بحر هاتفه بنية تفحص بعض التطبيقات أو حتى الدردشة مع شقيقه فرات الذي اشتاقه كثيرا، لكنه فجأة شعر بشيء يتحرك بين ساقيه، فأخفض رأسه قليلا ينظر أسفل الطاولة بترقب، حتى وجد قطة تتمسح بساقه، فأخذ يحرك مقعده حتى ابتعد عنها، فغادرت هي نحو شخص آخر يشاركها اللعب وربما يربت على فرائها المنتفشة بلون المشمش..
حين عاود بحر الجلوس إلى طاولة أخرى، شرد في ذكرى مضببة لقطٍ أصفر بري فرائه بلون الرمال وأذنيه مدببتين وذيله طويل باللونين الرملي والأسود..
شعر فجأة بالاختناق وكأن شيء ثقيل يجثم على أنفاسه، فحاول أن يحرك يديه في الهواء كي ينتزع ذلك الشيء عن صدره ووجهه، لكنه شعر أن يديه مقيدتان خلفه، فظل يتنفس أنفاسا سريعة متلاحقة عالية الصوت وكأنه يجد صعوبة في إقناع رئتيه بأداء وظيفتهما الطبيعية... ثم...
خرج بحر من شروده عندما شعر بيد تتقبض كتفه وتضغط عليه بإحكام، ترجمه عقله الشارد لبادرة عنف، فنهض من مقعده بهياج كردٍ فعلٍ تلقائي، ودفع من كان يضع يده على كتفه، ليسقط الأخير أرضا، وحين هم بالانقضاض عليه ونيته اقتلاع قلبه من بين ضلوعه، سمع صرخة طفلة صغيرة تشعر بالهلع والذعر، وهي تردد: "أبي.. أبي"..
أغمض بحر عينيه بضع مرات، ثم فتحهما، ولا يزال يشعر أنه لا يرى شيئا حوله سوى ظلام تام.. فأغمضهما مجددا وأخذ نفس طويلا ثم حبسه بداخله قبل أن يزفره ببطء، ليفتح عينيه من جديد.. وتلك المرة، بدأت الرؤية تتضح شيئا فشيئا، حيث كان طارق متمددا على الأرض ويسند جسده بكفيه بعد أن تعرّض لدفعة قوية أسقطته..
تحرك بحر صوب طارق يمد يده ليساعده على النهوض، وهو يتمتم بكلمات اعتذار، لكن طارق رفض مساعدته، واستند بكفيه على سطح الأرض، لينهض بنفسه، وهو يتمتم بصوت خفيض لكنه وصل لمسامع بحر بلا أي التباس: "همجي مريض"، ثم تحرك صوب قريبته الطفلة وأمسك يدها وغادرا بخطوات متعجلة، فيما ظلت كيان واقفة بجمود في مكانها، ويديها على فمها، وعينيها تجحظان بذعر لم تستطع أن تنفضه عنها رغم أن الأمور صارت تحت السيطرة.. نوعا ما..
عاود بحر الجلوس على مقعده، وانحنى للأمام يدفن وجهه في كفيه محاولا السيطرة على نفسه متسائلا ما الذي أفقده ثباته هكذا.. وفي مكانٍ عامٍ..
بعد دقائق قليلة، شعر بيد صغيرة تربت على ظهره، فتشنج جسده، لكنه منع نفسه بكل قوته من الإتيان بأي رد فعل بعد أن اشتم رائحة ابنته كيان وشعر بيدها الضئيلة تربت على ظهره كي تمنحه بعض المساندة كيفما صوّر لها عقلها الصغير..
اعتدل بحر في جلسته، والتفت نحوها، وهتف بأسف: "هل أنتِ خائفة من بابا؟"
هزت كيان رأسها نفيا، وقالت بنبرة اختلط فيها التردد بالشجاعة: "أنا أعلم أنك مريض يا أبي.. وأدعو لك دائما بالشفاء"..
احتضن بحر يديها بكفيه وقبلّهما، ثم حملها وأجلسها على فخذيه، ثم أخذها بين ذراعيه في عناق دافئ، لا يعرف من منهما يواسي الآخر ومن يحتمي بالآخر، إلى أن شعر أنه قد استعاد السيطرة التامة على أعصابه كالمعتاد، فأخذها إلى ركن الحلوى كي يهديها المثلجات، علّه ينسيها ما حدث قبل قليل..
وفي طريقهما بالسيارة عائدين نحو البيت، ظل بحر يؤكد عليها ألا تحكي لأمها أي شيء مما حدث اليوم، وبداخله دعا الله ألا يسرد ذلك الأحمق طارق كل ما حدث على مسامع أمواج حين يقابلها في الجيم، وإلا ستكون النهاية..


يتبــــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-06-22, 08:05 PM   #358

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثانية عشرة: القسم السابع والأخير

بعد أيام قليلة، كان الموعد مع الافتتاح الرسمي لشركة (Safeguard for Security Services)، حيث كانت المرحلة الأولى من عملها قد بدأت بالفعل، بتركيز العمل على الحراسات الخاصة بالشركات والمراكز التجارية، على أن يتم الإعداد للمرحلة التالية القائمة على الحراسات الخاصة للمشاهير ورجال الأعمال خلال ستة أشهر، وبعدها سيبدأ التخطيط للمرحلة التالية بتقديم خدمات أمنية أخرى، مثل الاستشارات الخاصة بالمصانع والشركات للتأكد من مقاومتها للحرائق والكوارث الطبيعية الأخرى، وذلك بعد تدريب فرق عمل متخصصة لتكون مؤهلة لذلك النوع من الحماية الأمنية..
الحفل أقامه سفيان مرتجي في الحديقة المحيطة بمقر الشركة، حيث أصر على حضور فريق عمله الجديد بالكامل بالإضافة لأفراد عائلته، كما دعا شادن وصديقاتها بعد تشجيع من الدكتورة مارية التي دعاها أيضا مع ابنتيها لين وليان، بالإضافة لصديقه الدكتور آدم عزازي..
لم يكن سفيان ينوي تجاهلها في هذا الاحتفال.. صحيح أنها ليست منوطة بالحضور، لكنه شعر أن الاحتفال بدونها سيكون ناقصا، وهناك صوت بداخله ظل يلح عليه أنه قد اشتاق إليها بعد أن انشغل طوال الأسبوعين الماضيين لدرجة أنه لم يكن يحضر لتسلم مالك وملك من الروضة، فكان إيلاف وسميحة يتبادلان تسلمهما أو تتطوع هي بإعادتهما إلى بيت عائلته، لذا فكر أن يكون اليوم لطيفا معها بشكل استثنائي.. ليس بسبب إطلالتها الساحرة التي أحدثت رجفة غير مألوفة بين أضلعه، بل لأنها حقا تسديه معروفا بعد الآخر منذ أن عاودت الدخول لحياته، وهو لم يجد الفرصة لكي يشكرها كما ينبغي بعد..
كانت شادت متألقة بفستان باللون الأخضر الفيروزي من قماش الشيفون الكاشف والذي يعلو طبقة من الحرير من نفس اللون، بينما صففت شعرها كالمعتاد في شكل جديلة، لكنها هذه المرة قد صنعت جديلة دائرية تشبه الطوق الإغريقي، وزينت تلك الجديلة بزهور منمنمة بدرجات مختلفة من اللون الوردي لتبدو كسيدة الغابة التي خرجت لتوها من بوابة تفتح على عالم الأساطير..
كحاكمة لعالم بري، روضت كل الوحوش حتى خضعت تحت سطوتها الاستثنائية، لكنها قررت الخروج في ليلة أضاءها نور القمر المكتمل، لكي تتراقص على أوتار قلبه، فتنفخ غبارها السحري على عينيه، فتسيطر عليه بتعويذتها، ثم تغادر تجرجر ضحكاتها خلفها بلا اكتراث..
لم يملك سفيان سوى أن ينظر إليها بانشداه، وهو يسأل نفسه كيف تحولت لأنثى مكتملة الجاذبية هكذا بعد أن كانت مجرد طفلة ضئيلة الحجم بشعر مموج لا يستكين لمحاولاتها لتهذيبه..
بدت أمام عينيه وهي تتحدث مع صديقاتها كفراشة احتمت بشرنقتها طويلا حتى آن أوان اكتمالها فانطلقت تحلق بأجنحتها الخلابة تجوب الأفق فتسحر العيون وتخطف القلوب..
لاحظ نظرات تقييمية من جانب بعض الرجال الحاضرين، فشعر بميول استحواذية تظهر عليه لأول مرة كأعراض مرض غريب لا علاج له..
أعراض تدفعه لأن يقف في نصف القاعة ويعلن أنها تخصه.. ملكه.. أو أن يتصرف بشكل أقل فضائحية، بأن يتحرك مثلا صوب كل رجل ممن يسمحون لأعينهم بتفصحها، ويقوم باقتلاع أعينهم - مثلا - ببعض حركات التايكوندو ودون إراقة قطرة دماء واحدة..
لماذا عليها أن تبدو في قمة الجمال هكذا؟ أين ذهبت تلك الفتاة ذات الملابس الفضفاضة التي لا تكشف شيئا من أنوثتها؟ متى أصبحت بكل تلك الثقة كامرأة تجد نفسها جذابة؟
قاطع سيل أفكاره حركة رتيبة جذبت جانب عينه، فتتبعها بشكل مستتر، ليجد حمزة الرافعي يتحرك صوب دانة ولين اللتين كانتا تقفان عند أحد الأركان تتحدثان بانسجام وعفوية تليق بعمرهما..
ناظرهما لدقائق، وهو يتمتم بالحمد لله أن عادتا لحالتهما الطبيعية بعد صدمة محاولة صديقتهما الانتحار بسبب ذلك التطبيق..
لم يملك سفيان عدم التصرف حيال هذا الأمر، لذا سارع بإخبار أحد أصدقائه من ضباط المباحث، فوعده الأخير بالتكفل بتوصيل الأمر إلى القطاع الخاص بمباحث الانترنت لتولي أمر هذا التطبيق الملعون ومحاولة حجبه في مصر..
بعد قليل، انضم إيلاف إلى حمزة ودانة ولين، فتركهم سفيان لحديثهم، ليعاود النظر صوب تلك التي أربكت مشاعره وقد ظن أن قلبه محصن ضد أي مشاعر عاطفية تودي بهيبة الرجال..
لكنه على ما يبدو، قد حان دوره ليقع في نفس الحفرة التي ظل يغيظ بحر ونبيل لسنوات لسقوطهما بها برغم تحذيراته المتكررة لهما..
الآن، أيقن سفيان أن الحب كالقضاء.. يأتي في لحظة مباغتة في لمح البصر، فلا يمكن مقاومته أو الاحتماء منه..
اقتربت منه الدكتورة مارية، وهي تبتسم بخفة وكأنها قد أمسكته متلبسا، فنظر هو أرضا وتنحنح بحرج، قبل أن تقول: "أهنئك يا سفيان على الحفل الجميل.. أرجو أن تحقق شركتك كل أهدافها وتتسع وتنمو في أسرع وقت.. أثق أن الحظ سيكون إلى جانبك خلال الفترة المقبلة.. أنظر.. ألا يبدو الحظ رائعا بذلك اللون الفيروزي؟"..
تتبع سفيان يد الدكتورة مارية التي رفعت سبابتها وأشارت في الاتجاه الذي تقف به شادن، ثم زفر متصنعا الامتعاض وقال ممازحا بغضب كاذب: "هل لأنكِ صرتِ تعالجينني لأربعة أشهر، وتكبرينني فقط ببضع سنوات، وتصادقين أفراد عائلتي منذ سنين عدة، ستظنين أنكِ صرتِ صديقتي يا دكتورة مارية؟"
ابتسمت الدكتورة مارية وقالت: "بالطبع.. لقد شارفت حالتك على الشفاء، ولن تعود بحاجة لي كطبيبة.. لكنني أثق أنك ستظل بحاجة لي كصديقة تتفهمك جيدا وتقدم لك الاستشارات المجانية، خاصة في الجانب العاطفي الذي سيكون شغلك الشاغل في الفترة المقبلة"..
ضحك سفيان وقال بغيظ: "هل ستتحولين لطبيبة عواطف بدلا من النفسية؟"
ابتسمت مارية، ثم قالت بجدية: "والعواطف نفسها جزء من النفسية يا سيادة القائد.. أنا فقط أعرض خدماتي.. كامرأة تفهم النساء جيدا.. فإذا أردت نصائح فعالة لإيقاع ذات الفستان الفيروزي... فقط"..
قاطعها سفيان قائلا: "سيدة الجدائل"..
ضحكت مارية، وقالت تجاريه: "إذا أردت نصائح لإيقاع سيدة الجدائل في حبك.. فقط أخبرني.. غير أنني أشعر أنك لن تحتاج للكثير من المساعدة"..
فغر سفيان فمه غير مصدقٍ، لكنها غيرت اتجاه الكلام، لتقول بنبرة جدية: "جئتك الآن كي أحثك على القيام بتدريب بسيط.. اذهب إلى زهو وأمواج، وافتح معهما حديثا بسيطا.. لكن ليكن أطول قليلا هذه المرة.. لا تكتفي ببضع كلمات فقط كالمرات الماضية"..
أومأ سفيان برأسه، ثم أخذ نفسا عميقا، وتحرك صوب الفتيات، وهو يهمس لنفسه مشجعا: "بالنهاية ستكون شادن بينهن.. إذًا أنا الفائز بكل الأحوال"..
سار الخطوات الفاصلة بينه وبين جمع النساء، ثم قال بنبرة ترحيب: "مرحبا بالجميلات.. أين الأطفال؟"
ابتسمت الفتيات، ثم قالت أمواج الأسرع بالرد دوما: "تركنا الأطفال مع ذكرى في المنزل، ستراعيهما مع ممرضة والدتها إلى أن نعود.. أجواء الحفل لن تكون ملائمة لهم، خاصة كنان"..
تدارك سفيان شعوره بالأسف لعزوف ذكرى عن الحضور، إذ كان آدم يأمل بمقابلتها اليوم، لكنه سألها باهتمام: "هل هنأتِ بحر؟ لقد تعب كثيرا في الأسابيع الماضية.. يبدو وكأن بداخله مديرا كان يتوق للظهور في اللحظة المناسبة.. لم أظنه أبدا سيجيد العمل الإداري، وكنت أظنني سأضطر لمتابعة كل خطوة إلى جانبه، ولكنني للحق فخور للغاية به، ومطمئن جدا لإدارته للشركة"..
ابتسمت أمواج بفخر وتسللت لمعة أمل إلى عينيها، فأومأ سفيان رأسه مؤيدا وداعما لاتجاه أفكارها الذي استشعره، ثم نظر لشادن، وقال: "أرجو أن يكون الحفل قد أعجبك يا مِس شادن، وإن كنتُ أظنه لا يقارن أبدا بحفلاتك المبهجة المليئة بالألوان والموسيقى المنعشة"..
ابتسمت شادن بعفوية، وحركت رأسها تطوف المكان بنظرة دائرية، وتمتمت بكلمات ثناء على حسن التنظيم، بينما انشغل سفيان باختلاس نظرات قريبة لعينيها وابتسامتها ليخزنها بعقله لوقتٍ لاحق يستعيد فيه ذكرى إطلالتها المذهلة، متمنيا ألا تنتبه لما يفعله، لكنه في النهاية أبعد عينيه عنها بعد أن استشعر توترها وحرجها، فألقى نظراته صوب زهو التي سألها بحماس: "وأنت يا زهو.. كيف حالك؟"
ردت زهو بحيوية تخالف خجلها الفطري الذي كان معتادا عليه، وقالت: "أنا بخير حال.. أعمل حاليا لدى شادن كمعلمة إلقاء قصص وتدريس مهارات حاسب.. تخيل؟ كما أنني أقوم بالأداء الصوتي لتطبيقات وألعاب إلكترونية يساهم في تنفيذها حمزة الرافعي.. وقد قدّم لي أيضا فرصة للمشاركة بالتمثيل الصوتي لبعض أعمال الرسوم المتحركة.. بعد أن أحصل على التدريب الكافي بالطبع"..
ابتسم سفيان بسعادة، لكن بداخله همس حانقا: (تبا لك يا حمزة.. لِمَ تحوم حول كل من يخصونني.. وكأنك أصبحت فجأة صديق الفتيات)، لكنه نطق بكلمات مدح اعتيادية: "رائع.. مبارك.. بالتوفيق.. إذا احتجتِ أي شيء فقط أخبريني"..
أومأت زهو برأسها، بينما تبادلت نظرات مندهشة مع الفتيات، كون تلك هي المرة الأولى التي يتحدث معهم سفيان بتلك الحيوية بعد أن كان شبه مقاطع لهن منذ عودته من أفريقيا فاقدا ذراعه وصديق عمره، وعاجزا عن مساعدة الآخر الذي سقط أسيرا لدى أعداء متوحشين..
في النهاية، استجمع سفيان شجاعته، وقال موجها كلماته لثلاثتهن: "أعلم أنني لم أتقدم لكّن بعزاء لائق منذ رحيل نبيل، ولا باعتذار مناسب لما حدث لبحر.. حتى الآن مازلت أحاول السيطرة على حياتي والخروج من تلك الصدمات المتتالية وما تبعها.. لكن سيأتي ذلك اليوم.. وأرجو أن يكون قريبا.. لذا كُنّ صابرات فقط.. ولا تؤاخذن تقصيري بحقكن.. سأحاول تعويضكن"..
رفعت شادن كفها، وربتت به على مرفقه بقوة تنقل إليه بعضا من دعمها، وهي تقول: "لستَ مدينا لأي منا بشيء يا سفيان.. أنت أيضا وقعت ضحية بذلك اليوم.. ونثق أنك فعلت كل ما في وسعك.. فقط كن بخير.. وعُد كما كنت.. لا نريد سوى أن تكون أنت وبحر في خير حال"..
أومأ سفيان برأسه مرة واحدة عاجزا عن النطق بأي كلمة، ثم استدار وتحرك صوب جموع الرجال، وهو يزدرد مرارة حلقه محاولا استعادة مزاجه الرائق من جديد لإكمال الحفل كما يجب..
حين وقف سفيان إلى جوار بحر الذي كان يقف بهيئته الجديدة المتمدنة بين زملائه، إذ حرص على قص شعره وتدريم أطرافه وتنسيق لحيته بناء على تعليمات مشددة من سفيان كي يبدو مظهره احترافيا أنيقا، منحه ابتسامة رضا، وهز رأسه برزانة، وقال: "الآن تبدو كمدير لشركة واعدة، بدلا من إطلالة شبكة الصيد التي كنت تعتمدها طوال الفترة الماضية"..
ضحك بحر بعفوية، فربت سفيان على كتفه، بينما بدأ الحديث مع باقي الجمع حول تفاصيل الحفل، فانشغل بحر بمطالعة أمواج من موقعه بين الرجال.. كان يقسم تركيزه بإنصاف بين الحديث معهم واختلاس النظرات إليها.. فكلما أتته لحظة مناسبة كانت أنظاره تهرب إلى تلك التي تزينت بفستان أبيض من اللاسيه المبطن الذي ينتهي أسفل الركبتين، ليناقض ببراءته طبيعتها الجريئة التي تبرزها أطراف خصلات شعرها الزرقاء..
كان بحر يهمس بغيظ كلما سحبته أنظاره إليها: (أبيض؟؟ من تظن نفسها تلك؟؟ هل تدّعي أنها ملاك بريء؟)، ليضحك بعصبية على مزحته السرية، قبل أن يتابع بضيق: (أم تراها تظن نفسها عروسا؟؟ تلك المجرمة.. تسعى في كل مناسبة أن تستفز شياطيني بتصرفاتها التحريضية.. والله سأقتلها يوما ولن يلومني أحد"..
حاول تشتيت نفسه بتبادل الحديث مع سفيان وبعض الموظفين، ثم تحرك ليقف إلى جوار ثلاث فتيات سيتولين قسم السكرتارية والمساعدات الإدارية والتنسيقية..
ومع كل خطوة يقتربها من جمع الفتيات، كان يعلم جيدا أنه بذلك التصرف أشبه بمن ينصب مصيدة للفأرة، فيضع قطعة ضخمة من الجبن بداخل الشرك حتى تقترب هي بغباء، فيغلق عليها باب المصيدة..
وبالفعل لم تمر أكثر من عشر دقائق، حتى تحركت من خلفه كإعصار ليصطدم كتفها بكتفه، لكنه تماسك كيلا يترنح أمام الفتيات، قبل أن تقف هي إلى جواره، وتقول بابتسامة صفراء: "ما هذه الأناقة يا بحر؟.. لقد هذّبت شعرك وقصصت خصلاتك الثائرة.. أصبحت تشبه البشر بعض الشيء يا ابن الديب"..
منحها بحر ابتسامة مستفزة، وقال: "تأنقت بقدر أهمية المناسبة.. وضيوفها"، قبل أن يتحرك ببصره صوب الفتيات اللاتي كن يحطن به، فحاولت هي إخفاء شعورها بالاستفزاز خلف ابتسامة واسعة، قبل أن تسأله بلطف مصطنع: "ألن تعرفنا على الجميلات يا ابن خالتي العزيز؟"
بادلها بحر الابتسام بسخافة، ثم نظر للفتيات وقال: "سالي.. رباب.. أسماء.. قسم السكرتارية.. السيدة أمواج الحلواني.. ابنة خالتي وأم الأولاد"..
شهقات متتابعة صدرت عن الفتيات، وقالت إحداهن بإعجاب: "اسم حضرتك أمواج؟ رائع"، بينما هتفت الأخرى تسأل بفضول: "زوجتك يا مستر بحر؟"..
ابتسمت أمواج بضيق، وزفرت من بين أسنانها: (مستر بحر؟؟!!)، وحين اصطدمت عيناها بعينيه، وجدته يبتسم بكبرياء واعتداد، فأرادت أن تحطم سعادته غير المبررة، فقالت بنبرة محايدة: "طليقته.. هذا البحر لا يجيد التمسك بأمواجه"


نهاية القصاصة – قراءة سعيدة



مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 07-06-22, 12:09 PM   #359

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صل على النبي محمد مشاهدة المشاركة
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

لا تنسوا الباقيات الصالحات

سبحان الله

الحمد لله

لا إله إلا الله

الله أكبر

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

شكرا للتذكير

سبحان الله

الحمد لله

لا إله إلا الله

الله أكبر

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 07-06-22, 03:14 PM   #360

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,979
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

وانطوت صفحة الماضي
حبيت حوار سفيان مع بخر وخبيت تخذيرو الو انو بلحظة كلشي راح ينفجر بوجهه اذا ما افضى بمكنونات قلبو لشخص خبير ليطلع من دوامة الماضي واثرها عليه
هلا بحر ببن تهديد امواج وشروطها وبين تحذير سفيان زمتابعتو في امل لو قليل يقدر يخطو اول خطوة بطريق العلاج
حبيت عودة روح القاىد لسفيان وعودة تحمل مسؤلياتو امام عيلتو وعناصرو المتمثل ببحر
وهالبريق يا سيد بحر بعيون سفيان سببو ام الجدايل اذا كنت لا تعلم
جمعة الصبايا بتقى الاجمل بكل حواراتن واحداثها الثقة قوة العلاقة السند لبعض اهم شي بيميزها
هل تامر هوي العاشق لزهو
مين الند.ل مع نظرة الاشتهاء والحقد لذكرى
جلسة سفيان مع د.ماريا ضغطت عا جوهر الموضوع سغيان ما راح يترك.مسؤولياتو ليجي بحر يشاركو فيه
صفا كنت خاسة بهالشي وزعلت عليها ضويت عا آفة خطيرة بتسحب المراهقين والشباب الها كالمخدر والعواقب رهيبة بظل هالانتشار الكبير للتطبيقات وسوء استخدامو من البعض والبعض استعملو لغاياتو الدنيئة والابتزار ما يعرف باالجراىم الالكترونية
التنمر والابتزار اثار اللسلبية لانفصال الاهل عالاولاد قضايا اضفتيها لكتير قضايا مهمة ابدعت
مصارحة الابناء لاهلن هيي الطريقة الانثل لدرء هالاخطار متل ما قالت د.ماية
دانة وموهبة واعدة ياترى حمزة الغسل ياللي شاف الرسوم بتمنى
وحقك يا سفيان تغار منو استحوذ عا اهتمام كل العنصر النسائي بخفة دمو وعبقريتو وطيبتو
القفلة متل العادة رووعة امواج وبحر حالة خاصة بحد ذاتن
ابدعت


Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:57 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.