آخر 10 مشاركات
جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          روايه لا يغرك نبض كفي وارتجافه ضاق بي قلبي وشلته في يدي (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )           »          نقطة، و سطر قديم!! (1) *مميزه و مكتملة*.. سلسلة حكايات في سطور (الكاتـب : eman nassar - )           »          عشقتها فغلبت قسوتي-ج1من سلسلة لعنات العشق-قلوب زائرة-للكاتبة:إسراء علي *كاملة+روابط* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          صمت الحرائر -[حصرياً]قلوب شرقية(118) - للمبدعة::مروة العزاوي*مميزة*كاملة & الرابط* (الكاتـب : noor1984 - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          كاذبة للأبد (35) للكاتبة الرائعة: strawberry13 *مميزة & كاملة* (الكاتـب : strawberry13 - )           »          عن الحكيم إذا هوى (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة في الغرام قصاصا (الكاتـب : blue me - )           »          361-جزيرة الذهب - سارة كريفن - روايات احلامي (الكاتـب : Sarah*Swan - )           »          أترقّب هديلك (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree12256Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-06-22, 06:34 PM   #371

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 الاقتباس الثاني والأخير من القصاصة 13


الاقتباس الثاني والأخير من القصاصة 13

عاش آدم عزازي حياة مقننة مروضة خلف دروع واقية.. كانت حياته ممهدة أمامه، فلم يعاني ويجرب الخسارة.. لم يضطر للمقامرة برد فعل غير محسوب، ولم يذق لذة المغامرة بقرار مفاجئ سريع.. كان مثل بيدق يعرف دوره جيدا على رقعة الشطرنج ولا يحيد عنه مطلقا..
باختصار، تعود آدم على جانب واحدٍ فقط من الحياة، كمن عاش عمره كله داخل جزيرة منعزلة، جاهلا بكل ما يحمله العالم من أسرار غامضة وحكايات ملونة ومخاطرات منعشة..
لكنه حين قابل أميرته، انغمس في عالمٍ جديدٍ لبعض الوقت، قبل أن تهجره هي، فيعود لحياته الرتيبة من جديد.. لكنه، حين عاد هذه المرة.. شعر وكأنه بمنفى وليس مكانه الأصلي..
لم تكن ذكرى مخطئة تماما عندما وصفته بأنه (صاحب مصنع الألعاب وعاشق الدمي)، فهو لم يشعر بالنضج إلا في الأشهر الأخيرة عندما بدأ يتعامل مع آلام فراقها..
حتى رحيل والده قبل أعوام قليلة، لم يفلح في ثقب تلك الفقاعة وتفجيرها ليتعلم التعاطي مع الحياة ومواجهتها بشكل صحيح..
كل ما تعلمه آدم عن الحياة كانت ذكرى سببا فيه.. والآن يكمل سفيان رحلة تعريفه على هذه الحياة التي كان يحياها يوما بيوم بشكل آلي، دون أن يعيشها وينغمس فيها فعليا..
"لا زالت تعاند وترفض العودة".. انطلق آدم بالحديث فور أن استقر سفيان على المقعد المواجه له، فطالعه الأخير بنظرة مطولة يحاول أن يستقرئ من خلالها سر إصرار صديقه على العودة لزوجته السابقة..
"لماذا تريد العودة إليها برغم أنها لا تبدو مستعدة لتغيير قرارها؟".. سأله سفيان ببرود محاولا استفزازه لكي يرد بصدق، والأخير لم يخيب توقعاته، حين هتف بحرقة: "لأنني كلما أنظر لعينيها أشعر أنني قد ظلمتها بشكل ما.. لأنني لا أرى حياتي تتقدم في أي اتجاه بدونها، وكأنني علقت في حفرة عميقة بعد أن ابتلعني كومة من الرمال المتحركة في قلب الصحراء.. لأنني لا أرى حياتها تتقدم بدوني، وكأن الهموم تتكالب عليها وتستضعفها حتى تهلكها تماما.. وأنا.. لن أتحمل رؤية تسقط للقاع من جديد"..
تنهد سفيان بتعاطف.. يعلم أن هناك جانبا غير ناضج من صديقه، لكن ذلك الجانب لم يعد هو المسيطر على شخصيته بعد خيبة طلاقه، حيث أصبح أكثر بأسا وقوة في مواجهة أزماته، لكنه يعود أمام طليقته لذلك الطفل المشاكس الذي يرفض أن يختطف منه أحد لعبته المفضلة فيتصرف بعناد وتمرد..



مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-06-22, 01:15 PM   #372

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غيث نايا مشاهدة المشاركة
حبيت كيف اخذة من كل بستان وردة
شكرا لذوقك.. ارجو انك تستمري يالمتابعة والتعليق


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 13-06-22, 03:15 PM   #373

قلوب نابضة بالإيمان

? العضوٌ??? » 484184
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 67
?  نُقآطِيْ » قلوب نابضة بالإيمان is on a distinguished road
افتراضي

الاقتباسات كلها عن ادم احس بالغموض
فصل حاسم شكله فالانتظار


قلوب نابضة بالإيمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-06-22, 08:03 PM   #374

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile21 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثالثة عشرة: القسم الأول

القصاصة الثالثة عشرة
(زمن البكاء)



للحزن درجات وصور، بعضها يظهر في نبرة صوت مرتعش..
شهقة وجع.. أو غصة مُرة بالحلق..
رجفة باردة تصيب الأطراف.. أو انكماش مفاجئ يعصر القلب..
نظرة جامدة بالعين.. أو دمعة تنساب بهيمنة عبر الأجفان..
شعور عارم بالهزيمة أو فقد مباغت يجتاح الروح ويسكنها..
الحزن يشبه جرثومة خبيثة تتسلل إلى أعماقنا وتعلق بتلك البقعة التي ينبعث منها البريق بداخلنا، فتظللها بالسواد حتى تهاجر البسمة وترحل الفرحة..
وهنا فقط يبدأ.. زمن البكاء..




عاد لتوه من يوم عمل مرهق، حيث أجرى جراحتين دقيقتين، إحداهما لاستبدال مفصل الورك لسيدة عجوز، وأخرى لترميم الرباط الصليبي للاعب كرة قدم شهير بعد تمزقه..
لم يخصص وقتا للاحتفال بنجاحه برغم أن الجراحة الأولى جعلت أسرة السيدة العجوز في حالة امتنان شديد له، أما الثانية فقد سلطت عليه الأضواء عبر منصات التواصل الاجتماعي، كون اللاعب من أشهر نجوم النادي الأهلى ومنتخب مصر ..
لم يعد يزوره الفرح منذ غابت شمسه، ولذا لم يعد يهتم بالاحتفال بأي نجاح بعيدا عنها..
يشعر بالإجهاد الشديد، لكن ما يتعبه حقا هو اشتياقه المستفيض لها..
آه، كم يتوق الآن لأن تستقبله بين أحضانها الدافئة الحانية لتدللـه بعد نهاية مناوبته، فتصنع له أشهى أصناف الطعام وتجهز له الحمام، ثم تغمره بدلالها..
كانت هي بيته وملاذه، فلم يعد يجد الدفء بعد أن هجرته وغادر معها سلامه وفرحته..
كانت الحياة ملونة بوجودها، والآن صار عالقا في الرمادي الخانق.. أيام مملة مكررة بلا جديد..
تحرك برتابة اعتيادية صوب خزانته يُخرج بعض قطع الملابس ثم توجه للاستحمام، وبعد أن أنهى حمامه، توجه صوب الأريكة المبطنة بالجلد في غرفة المعيشة بشقته..
قام بتشغيل قائمة من الأغنيات، وأمسك هاتفه، وأخذ يتفحص حسابها عبر انستجرام..
لم تقم بأي تحديث لمدة أسبوع، عدا منشوراتها الدعائية الطبية ومقطع الفيديو الخاص بنصائح التغذية، والذي على الأرجح تم تسجيله قبل أسابيع..
يعلم أنها منشغلة ما بين عملها ورعايتها لوالدتها، ويريد أن يكون معها الآن..
يريدها أن تلقي بعضا من أعبائها على كتفيه ليثبت لها أنه ليس مجرد طفلٍ يحب اللهو، بل رجل يتحمل المسئوليات ويجيد العناية بها والوقوف خلفها، يحميها من الانهيار أو التعثر، لكنها لا تسمح له..
تبا لها.. تحرمه من مجرد فرصة كي يثبت لها أنها تخصه.. وليس لها سواه في عالمها البائس..
أرسل لها رسالة وثانية وثالثة.. لكنها لم ترد.. بل لم يظهر له إشارة أنها قد اطلعت من الأصل على رسائله..
أخذ يفكر بتوتر.. هل أضاع فرصته الأخيرة معها؟
هل ستظل على تمسكها بقرارها بإصرار عنزة جبلية كنود؟
ماذا إذا أخطأ من قبل أو تهور وفشل في ترويض حماقاته؟
ألا تغفر؟
هل يتوسلها؟
ألا تقرأ توسلاته في نظراته في كل مرة تلقاه فيها؟ ألا تعلم أنه حين يحتاج للاعتراف بحماقته، فإنه يجبن ويجد نفسه يلتحف الكبرياء ويتستر بالتبجح والعجرفة؟
ولكن، كيف تجرؤ وتشترط عليه أن يتوسل؟ ألم تخطئ هي أيضا بما فعلته في تلك الليلة؟
زفر آدم بانفعال، ورمى هاتفه، ثم أخرج من جيبه عبوة التبغ المستوردة خاصته، ثم أخرج لفافة بدأ في تدخينها، يزفر مع دخانها غضبه ومخاوفه وشعوره بالخذلان..
من نفسه ومنها..
أمسك جهاز التحكم ليرفع صوت الموسيقى ليرتفع صوت فضل شاكر الشجي بأغنية "لو على قلبي"، باعثا في نفسه أملا جديدا للمثابرة..

لو على قلبي ذاب في هواك وكفاية
ليل وسهر وعناد ويايا
جوا عيوني حنين وغرام مشتاق لعينيك
قلبي نادى لك حن في يوم وتعالى
وأديك روحي بس تعالى
يا اللي بحبك قرب طمن قلبي عليك
بتغيب أيام وليالي
وإنت ما بتغيب عن بالي
وتروح وتسبني عليك مشغول
بحلم بعنيك وغرامك
وبذوب في هواك وكلامك
وأنا ليه لياليا عليّ تطول



يتبـــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 13-06-22, 08:05 PM   #375

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
1111 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثالثة عشرة: القسم الثاني

في استراحة العاملين، كانت تجلس أمام طاولة جانبية، تسند رأسها للحائط وتمدد ساقيها أمامها لكي تقلل من تشنجهما بعد يوم عمل طويل شارف على الانتهاء، لكن سيتعين عليها القيام بجولة أخيرة على المرضى بقسم أمراض القلب، وكذلك قسم العناية المركزة، لمنحهم الأدوية المقررة في مواعيدها وتسجيل ملاحظاتها لطاقم التمريض الذي سيتسلم المناوبة الليلية..
أمسكت ذكرى ببعض أصابع البطاطس المقلية، ثم دستها تباعا بين شفتيها ومضغتها بآلية بلا شهية.. لا تريد تناول الطعام، لكنها تعلم أن جسمها - كمثل أية آلة – يحتاج للوقود كي يستمر في العمل بعد أن أوشكت طاقته على النضوب، لذا قررت الجلوس هنا لعشر دقائق لتريح عضلاتها المنهكة وتتناول خلالها بعض الأطعمة النشوية لكي تعيد الحيوية لجسمها سريعا..
لن تدقق الآن في مدى توازن الوجبة صحيا.. هي لم تتناول شيئا منذ صباح الأمس سوى بضعة أكواب من القهوة، وتشعر الآن أن جسدها لن يعمل لثانية أخرى بدون بضع لقيمات تمنحه التغذية الضرورية..
لا ينفك عقلها عن التفكير في وضع والدتها الصحي المقلق.. صحيح أن مؤشراتها الحيوية تبدو مستقرة نوعا ما، لكنها تبدو وكأنها قد ملت أوجاعها المستمرة ورقودها الدائم في سريرها..
كانت تشعر أن والدتها على شفا الاستسلام بعد أن ظلت لسنوات تقاوم امتصاص المرض للحياة من جسدها وروحها شيئا فشيئا..
زفرت ذكرى نفسا يثقل رئتيها، ثم أبعدت بظاهر كفها طبق البطاطس لآخر الطاولة، ومسحت يديها بمنديل مبلل، وكادت تهم بالعودة لاستكمال مناوبتها، لكن وصلت إليها إحدى العاملات أولا، لتخبرها أن هناك ضيفا يريد مقابلتها..
تحركت ذكرى خلفها حتى وصلت لمكتب الاستقبال، فوجدت والدها يقف منتظرا ويبدو عليه التحفز، فأشارت إليه أن يتبعها إلى الغرفة الصغيرة التي تتخذها كمكتب للإشراف على فريق التمريض في قسم أمراض القلب..
فور أن دلفا للداخل، وقبل حتى أن تغلق ابنته الباب كليا، هتف جمال شعبان بصلف: "أريد نقودا"..
كان يتحدث بشراسة ضبع لم يجد فتاتا من بقايا طرائد وحوش الغابة، ولمّا صار عاجزا عن مقاومة الجوع، قرر أن يقوم بترويع ظبية مسالمة، علّ أساليبه السادية تفلح في زعزعة تماسكها فتمنحه ما يسد رمقه من قوتها..
لكن ذكرى لم تكن قادرة على التصرف بكياسة هذه المرة.. لا ذهنيا ولا بدنيا ولا حتى مزاجيا، لذا ردت بصرامة: "لا أملك ما يمكنني أن أتخلى عنه لأجلك.. تعلم بالطبع أن تصرفاتك المعاندة وإثارتك للفضائح، قد جعلتني أخسر الكثير من العقود الدعائية.. والآن لا أملك سوى ما يكفي إيجار الشقة وأقساط السيارة ونفقات علاج أمي"..
قاطعها والدها بصلف: "غادري تلك الشقة.. لماذا تصرّين على الإقامة في مجمع سكني فاخر؟ هل صرتِ من أبناء الأغنياء فجأة؟"
ردت ذكرى بنبرة محتقنة: "لن أتركه.. لقد تعبت كثيرا حتى أجمع ما يكفي لتأسيسه.. لأنني أردت تعويض أمي عن كل خذلان تعرضت له"..
قالت كلماتها الأخيرة قاصدة تسديدها كسهام اتهام لوالدها، لكنه بدا وكأن ما نطقت به لم يوخزه حتى، فناظرها بازدراء، ثم قال: "الجميع يعلم أنكِ لستِ منهم.. من تخدعين؟ أم تراكِ تحاولين أن ترفعي مستواكِ وترقّعي ثوب الفقر خاصتك حتى تنجحي في إغواء طليقك بالعودة إليكِ؟"
ردت بعناد: "هذا المجمع السكني ليس للأثرياء يا أبي.. فالصفوة لهم مدنهم الخاصة حديثة الإنشاء وذات أعلى مستويات الرفاهية.. أما التجمع الذي أسكن به يعد من أقدم المجمعات السكنية وقاطنيه من أبناء الطبقة الوسطى الميسورين.. ولا شيء يجمعني بطليقي.. وأنت خير من يعلم ذلك خصوصا بعد ما نشرته بنفسك"..
أطلق والدها ضحكة قصيرة ساخرة، ثم ردد معارضا وهو يرفع سبابته لائما: "كل المقاطع التي تنشرينها تجعلك تظهرين كسيدة راقية.. ربما تحاولين الإيقاع بصيد ثمين جديد.. وإن كنتُ أعرفكِ جيدا.. فقد أوقعتِ هدفكِ الجديد بالفعل"..
ابتلعت ذكرى صرخة قهر، وداخلها ينزف من اتهامات والدها غير اللائقة بحقها.. هو قطعا لا يعرفها.. ولم يحاول أن يعرفها طوال سنوات عمرها البائسة..
ناظرته باتهام واضح.. لم تعد تشعر أنها مضطرة لأن تخفي مشاعرها الحقيقية تجاه الرجل الذي يأتي اسمه ملاصقا لاسمها في الوثائق الرسمية، لكنها لا تذكر مرة واحدة تصرف فيها على هذا الأساس..
لم يقف يوما خلفها ولم يساندها بمحنة أو يناصرها نحو تحقيق أمل يصبو إليه قلبها.. لم يحاول حمايتها من التعثر أو إعانتها على النهوض كلما تعرضت لكبوة.. بل كان هو العقبة التي ظلت في طريقها منذ عرفت معنى الحلم..
تنهدت و ردت بحرقة: "لم أفعل هذا لأحد.. فعلته لنفسي.. لماذا عليّ أن أعيش عمري كله في جحرٍ متهالك رائحته عطنة وأثاثه تالف وألوانه باهتة وتشققاته تنذر بكارثة على وشك الحدوث.. لماذا عليّ أن أتحمل سخافات الرائح والغادي، بينما يمكنني أن أشتري راحة بالي وسلامي الداخلي بمكان نظيف؟ لماذا عليّ أن أتحمل صخب القاهرة وزحامها بينما يمكنني أن أمنح أعصابي بعض الهدوء وأعطي كرامتي هدنة من الإساءات المتكررة على مدار اليوم من هذا وذلك؟؟ لا أفهم.. ما المشكلة أن أحاول الارتقاء بحياتي طالما أصبحت الوسائل متاحة أمامي؟.. خاصة أنني لم أقم بشيء مشين في رحلتي لتحقيق هذا القدر الضئيل من الرفاهية.. لماذا يا أبي تقف أمامي الآن وتخبرني بنظراتك وكلماتك أنني لا أستحق؟ من الذي حكم أنني لا أستحق؟"
زفر جمال بغيظ واحتقن وجهه حين لم يجد ردا يحاجيها به، فتابعت هي بنبرة باترة: "لا أمتلك شيئا لأمنحه لك يا أبي.. وأنت لا تمتلك حق إملاء طلباتك عليّ، لأنك ببساطة لم تفعل شيئا لأجلي أو لأمي.. من فضلك غادر.. لديّ عمل عليّ إتمامه.. أرجو ألا تتقاطع طرقنا ثانية".. أنهت كلماتها ثم غادرت للخارج كي تطوف على الحالات الموكل إليها متابعتها.. وبعد أن أنهت ملاحظاتها بتقارير الحالات، التقطت هاتفها، وسارعت بتحرير منشور جديد، هو الأول لها منذ أسابيع بعيدا عن المنشورات الدعائية، حيث كتبت من خلاله دعاء فك الكرب، وطالبت متابعيها بالدعاء لوالدتها، ثم بدّلت ملابسها وغادرت نحو المنزل..
وكأن اليوم يأبى ألا ينتهي بسلام، فالانهيار الجليدي يبدأ فقط بسقوط حبة ثلج صغيرة، تظل تأخذ في طريقها حبات أخرى صغيرة، تحيط كل منها بالأخرى وتلتصق بها لتشكّل معا كرة ثلجية ضخمة تضرب من يعترض طريقها ضربة قاتلة..
حين صفّت ذكرى سيارتها أمام منزلها، كانت نرمين قد ظهرت أمامها عند البوابة الداخلية، وكأنها كانت تتحين لحظة وصولها، فوقفت أمامها تطبق ذراعيها على صدرها، وتطالعها بازدراء يفضح شعورا بالمنافسة حاولت دفنه خلف نظراتها..
أما ذكرى، فلم تكن في حالة تسمح لها بمهادنتها أو التصرف بلطف معها، فهتفت باندفاع يخالف طبيعتها التي تميل إلى عدم افتعال المشكلات والتعامل بعقلانية: "لماذا تنظرين إليّ هكذا؟ ما مشكلتك؟"
ونرمين التي تشتعل غيظا منذ أيام، ردت بكل انفعال: "مشكلتي أنكِ لا تحافظين على تصرفاتك وتتعمدين إغواء الرجال بحثا عن عريس تنتزعينه بمخالبك وتسحبينه إلى المأذون"..
ارتسمت ابتسامة باردة على شفتيّ ذكرى، كانت تناقض تماما النظرة القاتلة التي تنبعث من عينيها، حين هتفت: "وإذا كنتُ أفعل.. ما الذي يضايقكِ؟"
قالت نرمين بانفعال: "يضايقني أنكِ تحاولين إيقاع زوج صديقتك في حبائلك يا خاطفة الرجال".. دون أن تنتبه لقدوم شاهدين وقفا يتابعان ما يحدث.. أحدهما بذعر، والأخرى بتوتر..
وضعت ذكرى كفها على صدرها، ثم ضحكت بسخافة، وتابعت: "هل تقصدين زوجكِ؟ أنا لا أعرفه أصلا.. كما أنكِ لستِ صديقتي"..
في تلك اللحظات، انتبهت نرمين لقدوم أمواج تمسك كف ابنتها كيان بيدها، بينما يتبعها طليقها بحر حاملا طفلهما كنان، وكانت نظراتهما تشي تماما بأنهما قد سمعا شجارها مع ذكرى، فرسمت ابتسامة متشفية على شفتيها، وتطوعت باتمام ما خرجت أساسا لكي تسمم ليلة ذكرى بقوله: "إنما أقصد تصرفاتك الوقحة مع بحر طليق صديقتك أمواج"، وهي تتصنع الحديث بهدوء كيلا يسمعها القادمان من خلف ذكرى..
فغرت ذكرى فمها بدهشة، ووقفت متجمدة لا تصدق الحماقة التي تتفوه بها تلك المرأة التي لا تجد وسيلة لتسليتها سوى إثارة الشائعات والأكاذيب المشينة حول جيرانها، لكن ما أنقذها كان صوت أمواج الذي أتى من خلفها، لتقول بنبرة باترة: "ذكرى لا تفتعل تلك التصرفات الوقحة يا نرمين.. بالتأكيد أنتِ أسأت الفهم"..
تنحنح بحر، ثم اقترب من أمواج يضع ابنهما بين ذراعيها، لتسارع هي بإمساكه، بينما تحركت كيان لتقبّله، ثم غادر هو مسرعا متمتما بكلمات وداعية عازفا عن التدخل في مشاجرات النساء، وكأنه ليس المعني بما قالته تلك الجارة المستفزة..
فكيف له أن يقف أمامها الآن يخبرها أن نرمين تلك هي من حاولت أن تلصق نفسها به كعلقة وتصر على الخروج برفقته إلى النادي، لولا أنه هرب منها بتذرعه بالتأخير..
لا.. لن يخبر أمواج عن فعلتها ويزرع برأسها أفكارا جديدة عن أي تصرف غبي قد يأتي به بعد فعلته الأكثر حمقا في السويس قبل أسابيع.. ستضعه بخانة المشتبه به، وهو لن يتقبل ذلك..
لا داعي لفتح بوابة جديدة للخلاف..
بمغادرة بحر، طالعتهما نرمين بضجر، ثم تحركت لداخل شقتها مغلقة الباب خلفها بهدوء بعد أن نجحت في زرع نبتة الشقاق بين ذكرى وأمواج..
تحركت أمواج صوب شقتها بالأعلى وهي تطلب من ابنتها كيان أن تتبعها، فسارت ذكرى خلفهما، وأخذت تتمتم ببعض الكلمات لتوضح الموقف لأمواج، لكن الأخيرة بدت جافة وغير راغبة في الاستماع، فزفرت ذكرى حانقة وهتفت لنفسها: (هذا ما كان ينقصني فعلا.. أن أصبح في وضعية اتهام أمام صديقتي وأن تصدق أنني أحاول اختطاف طليقها)..
فور أن وصلت ذكرى لشقتها، دخلت إلى غرفة والدتها تطمئن عليها، ثم استمعت لتقرير شفوي قصير من الممرضة عن وضعها الصحي قبل أن تسمح لها بالمغادرة، بينما غادرت هي لغرفتها لتبديل ملابسها.. وبعدها سارعت بمهاتفة شادن وزهو في مكالمة مرئية لكي تحكي لهما باختصار عما سردته نرمين أمام بوابة البناية وعلى مرأى ومسمع من بحر وأمواج، وبعدها روت لهما عن رد فعل أمواج البارد تجاهها، وطلبت منهما التدخل لديها لتوضيح الأمر من وجهة نظر ذكرى، خاصة بعد أن سردت لهما عن الموقف الوحيد الذي جمعها ببحر قبل أيام أمام البوابة بحضور نرمين..
حين أغلقت المكالمة، انتبهت لتوها لورود بضع رسائل متتابعة من آدم يطمئن عليها ويسأل عن أحوال والدتها الصحية.. لكنها ناظرت تلك الرسائل بجمود.. وكأنها ليست المعنية بها..
لم يعد بها ذرة طاقة واحدة للتصرف بلياقة..
ناظرت السماء تبتهل بعينيها لهذا اليوم أن ينتهي، لذا سارعت إلى سريرها وتمددت عليه وحشرت رأسها بين وسادتين تتوسل النوم أن يأخذها إلى عالمه ليحظى عقلها ببعض السكينة أو يغيب في هلاوس الأحلام التي مهما كانت مفزعة وغريبة.. ستكون أرحم مما تتعرض له في عالمها الواقعي..


يتبــــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 13-06-22, 08:07 PM   #376

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثالثة عشرة: القسم الثالث

في شقتها، انتهت أمواج من إطعام القطتين، ثم أخذت طفليها إلى الحمام وأنهت تجهيزهما للنوم، وبعد أن اطمأنت لنومهما، سارعت لغرفتها وأمسكت هاتفها تطلبه وهي تعلم أن الانفعال بداخلها لم يهدأ، ثم سألته باندفاع دون حتى أن تلقي عليه التحية: "ماذا بينك وبين ذكرى؟ ولماذا قالت نرمين ما قالته؟"
رد بحر بعد زفرة حانقة: "لم أقابلها صدفة سوى مرتين.. ولم أعرف اسمها إلا حديثا.. أنا لا أعرفها أساسا يا أمواج.. أنا غارق لأذنيّ في محاولة إقناعك بالعودة إليّ.. هل تظنين أن لديّ وقتا لأتقرب إلى امرأة أخرى؟.. تكفيني مجنونة واحدة بالله عليكِ"..
"لا أعلم.. بات لديك مؤخرا وقت لخيانتي مع هذه وتلك".. جاءت كلمات أمواج بنبرة عاتبة يخالطها الغضب باشتعالها المألوف، والذي دفع نبضات كهربية تعيد الحياة إلى جنبات يابسة من قلبه ظنّها فقدت الحياة نهائيا يوم أن غادرت هي حياته منذ أقل من عامين..
هتف بحر محذرا: "قلت لكِ من قبل ولن أكررها.. لا أحب الحرام يا أمواج"..
قاطعته بغيظ ترد بصوت كئيب: "تزوجها إذًا"..
ابتسامة بلهاء تخالف ملامحه الحادة تسللت إلى نبرات صوته لتصل لمسامعها، قبل أن يرد: "في ذهني أنا رجل متزوج بالفعل يا أمواج.. قلبي مشغول كما كان دائما.. حين وُلدتُ تم تأكيد الملكية الحصرية لصاحبته، ولا حاجة بي لامرأة أخرى.. لا تسمحي لتلك المرأة باستفزازك وتأليبك على صديقتك"..
بنبرة محتدة لائمة لا تخلو من بعض الاهتزاز البعيد كليا عن شخصيتها، قالت أمواج: "تبا لك يا بحر.. لماذا تجعلني أبدو ضعيفة وحمقاء أمام صديقتي؟ لا أفهم لِمَ أتحول لامرأة غبية ضيقة الأفق عندما يتعلق الأمر بك؟"
رد بحر بصوته الأبح بنبرة قاربت تلك التي كان يخصها بها في لحظاتهما المميزة: "هذا ما يفعله العشق بنا يا أمواج،خاصة بعد أن يطول الفراق.. لذا أسألك الآن للمرة التي لا أعرف عددها أن تعودي إليّ"..
استجمعت أمواج شجاعتها، وردت عليه بنفس الإجابة المعتادة والتي تصيغها بشكل سؤال: "هل ستبدأ العلاج النفسي؟"، ثم انتظرت لبضع دقائق، وحين لم تتلقَ ردا، هتفت بنبرة حزينة: "سلام"..
وحين أغلقت الهاتف، اشتعل رنينه مجددا يعلن وصول مكالمة جماعية من شادن وزهو، فتلقتها فورا وهي تتوقع محور المحادثة..
ولم يخب ظنها..


يتبـــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 13-06-22, 08:08 PM   #377

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثالثة عشرة: القسم الرابع

في اليوم التالي، أوصل سفيان توأمه إلى الروضة، ثم عرج على شركته خلال ساعات الصباح الأولى يتفحص سير الأداء، ويتأكد من سيطرة بحر على كل الأمور، قبل أن يتحرك بعدها صوب أحد المقاهي الشهيرة في حي مدينة نصر لمقابلة صديقه آدم، حيث قرر أن يجالسه هذه المرة خارج محيط الشركة بعد أن بدأت عملها بالفعل، عازما على ألا يحوّل المقر لمكان يلتقي فيه أصدقاءه من أجل الترفيه أو مناقشة أمور شخصية..
حين وصل إلى المقهى، كان آدم ينتظره بالفعل، والأخير كان يشعر وكأنه لم يعد قادرا على كتم ما بداخله من فوضى دون أن يطلب من صديقه أن يساعده على ترتيبها والوصول لقرار حاسم..
رغم أن صداقة سفيان وآدم عمرها لا يزيد عن عامين ونصف، لكن كلا منهما وجد بالآخر شيئا يفتقده ويحتاجه بشدة في تلك المرحلة من حياته..
أما سفيان، فقد وجد الصديق الذي يستند عليه بعيدا عن أجواء ذلك الحادث وشعوره بالمسئولية تجاه ما نال صديقيّ عمره، فيتحدث معه عن كل الصخب الذي أحاط حياته كإعصار جامح شتت ثباتها..
وعن آدم، فهو قد عثر على صديق بمكانة أخ أكبر.. هو عاش عمره كاملا طفلا وحيدا لأم تكبره بالعمر بسنوات طويلة وتقدس مكانتها المهنية قبل أي شيء آخر، وأب شبه غائب لانشغاله بنجاحاته العلمية والمهنية.. فافتقد القدوة والسند الفعلي، ولم يكن له من قبل سوى صديقة واحدة، فرّقت بينهما الظروف، لتعاود الوحدة محاصرته من جديدة.. ولم ينجح أبدا في تبديدها على مدار العامين الماضيين إلا بعثوره على سفيان، الذي جُبل على تحمل المسئولية والتصدى دوما لدور القائد بلا كلل ولا عجرفة فارغة.. بل تكاد تشعر معه أن يمتلك خبرة ومعرفة تجاه أي شيء في هذه الحياة.. وصحبته فائدة عظمى لمن يحظى بها..
لذا، فإن آدم لا ينظر إليه فقط كصديق.. بل كمرشد.. كخبير بالحياة التي يجهل هو كيفية التعاطي مع اختباراتها وتقلباتها بعد أن عاش سنوات عمره فيما يشبه فقاعة واقية، يشاهد الحياة فقط عبر غلالة شفافة كاشفة لكن لا يتعامل معها مباشرة..
عاش آدم عزازي حياة مقننة مروضة خلف دروع واقية.. كانت حياته ممهدة أمامه، فلم يعاني ويجرب الخسارة.. لم يضطر للمقامرة برد فعل غير محسوب، ولم يذق لذة المغامرة بقرار مفاجئ سريع.. كان مثل بيدق يعرف دوره جيدا على رقعة الشطرنج ولا يحيد عنه مطلقا..
باختصار، تعود آدم على جانب واحدٍ فقط من الحياة، كمن عاش عمره كله داخل جزيرة منعزلة، جاهلا بكل ما يحمله العالم من أسرار غامضة وحكايات ملونة ومخاطرات منعشة..
لكنه حين قابل أميرته، انغمس في عالمٍ جديدٍ لبعض الوقت، قبل أن تهجره هي، فيعود لحياته الرتيبة من جديد.. لكنه، حين عاد هذه المرة.. شعر وكأنه بمنفى وليس مكانه الأصلي..
لم تكن ذكرى مخطئة تماما عندما وصفته بأنه (صاحب مصنع الألعاب وعاشق الدمي)، فهو لم يشعر بالنضج إلا في الأشهر الأخيرة عندما بدأ يتعامل مع آلام فراقها..
حتى رحيل والده قبل أعوام قليلة، لم يفلح في ثقب تلك الفقاعة وتفجيرها ليتعلم التعاطي مع الحياة ومواجهتها بشكل صحيح..
كل ما تعلمه آدم عن الحياة كانت ذكرى سببا فيه.. والآن يكمل سفيان رحلة تعريفه على هذه الحياة التي كان يحياها يوما بيوم بشكل آلي، دون أن يعيشها وينغمس فيها فعليا..
"لا زالت تعاند وترفض العودة".. انطلق آدم بالحديث بنبرة يغلفها الحنق فور أن استقر سفيان على المقعد المواجه له، فطالعه الأخير بنظرة مطولة يحاول أن يستقرئ من خلالها سر إصرار صديقه على العودة لزوجته السابقة..
"لماذا تريد العودة إليها برغم أنها لا تبدو مستعدة لتغيير قرارها؟"..
سأله سفيان ببرود محاولا استفزازه لكي يرد بصدق، والأخير لم يخيب توقعاته، حين هتف بحرقة: "لأنني كلما أنظر لعينيها أشعر أنني قد ظلمتها بشكل ما.. لأنني لا أرى حياتي تتقدم في أي اتجاه بدونها، وكأنني علقت في حفرة عميقة بعد أن ابتلعتني كومة من الرمال المتحركة في قلب الصحراء.. لأنني لا أرى حياتها تتقدم بدوني، وكأن الهموم تتكالب عليها وتستضعفها حتى تهلكها تماما.. وأنا.. لن أتحمل رؤيتها تسقط للقاع من جديد"..
(ولأن قلبي أصبح فارغا بعد أن غادرته، فلا يزوره سوى عصف الرياح، فيؤلمني كلما اصطدم بجدرانه الباردة.. ولأن روحي صارت جافة قاحلة في غيابها، وكأن أوردتي قد أعلنت العصيان، فلم تقطر ندى الحياة على بساتين روحي فتشقتت جذورها وذبلت تماما)..
هكذا أكمل آدم في نفسه، رافضا أن يظهر شروخه العميقة أمام صديقه، محاولا الحفاظ على ما يمتلك من كبرياء..
تنهد سفيان بتعاطف.. يعلم أن هناك جانبا غير ناضج من صديقه، لكن ذلك الجانب لم يعد هو المسيطر على شخصيته بعد خيبة طلاقه، حيث أصبح أكثر بأسا وقوة في مواجهة أزماته، لكنه يعود أمام طليقته لذلك الطفل المشاكس الذي يرفض أن يختطف منه أحد لعبته المفضلة فيتصرف بعناد وتمرد..
ورغم أن سفيان لا يظن نفسه مؤهلا لتقديم النصائح العاطفية لأصدقائه، كونه مازال يتخبط متعثرا في أولى درجات حياته العاطفية بعد أن شعر بذبذبات العشق تتسلل لقلبه لأول مرة، لكنه كرجل يمتلك سمات القيادة، فإنه يميل لإرشاد كل من يطلب نصيحته أو مساعدته، لذا قال بنبرة محفزة: "حاول ألا تفرض نفسك على حياتها بصفة معينة"..
رفع آدم حاجبه ومط شفتيه للأمام بامتعاض، فتابع سفيان شارحا: "لا أطالبك أن تتوقف عن التواجد في حياتها أو مساعدتها، لكن لا تجعلها تظن أنك تستغل ظروفها كي تجبرها على العودة لك.. إذا كانت ترفض حاليا أن تعود لخانة الزوجة.. فإن هذا لا يمنعك كليا من أداء واجبك الاجتماعي تجاهها كصديق وسند حقيقي.. إذا كانت تظنك لازلت ذلك الشخص الذي ينشغل فقط بمسيرته المهنية والعلمية، فعليك أن تنسف هذه الفكرة تماما في رأسها بأن تثبت لها أنك قادر على أن تشاركها حمل أعبائها .. كما فهمت منك أن حياتها ليست سهلة.. وخصوصا بعد أزمة والدتها الصحية الأخيرة.. لذا حاول أن تكون ظلا خلفها يحميها من لسعات القدر إذا كانت هي تُحرّم عليك أن تقف إلى جوارها وتمسك بيدها"..
ابتسم آدم، وهّم أن يعقب، لكن ارتفاع رنين هاتف سفيان معلنا ورود مكالمة قاطع انسياب الحديث بينهما..
استقبل سفيان المكالمة عاقدا حاجبيه، حين جاءه صوت سميحة تهتف بقلق: "دانة أحدثت مشكلة في مدرستها والمديرة تطلب حضورا عاجلا من ولي أمرها.. هل أذهب إليها؟"
نهض سفيان واقفا بتحفز، ثم قال بتصميم: "بل أنا من سيذهب.. أخبريني ما حدث"..
بعد أن استمع سفيان لشرح مقتضب من أرملة أبيه عما اقترفته دانة برفقة صديقتها لين داخل المدرسة، اعتذر من صديقه آدم، وسارع لسيارته يقودها في طريقه للمدرسة..


يتبـــــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 13-06-22, 08:10 PM   #378

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثالثة عشرة: القسم الخامس

بعد حوالي ساعتين، خرج سفيان من غرفة المديرة وخلفه شقيقته تتحرك بتحفز ينافي شعورها الداخلي بالهزيمة والخذلان، بينما تسبقهما بخطوات قليلة الدكتورة مارية الخشاب التي كانت تتحرك وقد تأبطت ذراع ابنتها الكبرى لين، تسير معها في صمت إلى حيث البقعة التي تصف بها سيارتها، وكلتاهما تحتفظ بتعبير جامد على وجهها لا يفصح عن شعورٍ محدد..
حين استقر سفيان أمام عجلة القيادة، بينما جلست دانة إلى المقعد المجاور له، امتنع عن قيادة السيارة قبل أن يسيطر على انفعاله المحتقن بسببها، فهتف باندفاع: "ألا زلتِ غير مقتنعة بأن ما فعلتيه خطأ؟"
بنبرة معاندة لا تخلو تماما من اللوم، ردت دانة بعد أن التفتت إليه بنزق: "كيف يكون الدفاع عن شخصٍ ضعيفٍ خطأ يا أبيـه؟"
رد سفيان بنبرة أهدأ قليلا: "حين يكون هذا الدفاع عن شخص مخطئ.. خصوصا إذا كنا سنطالب له بامتيازات لا تناسب ما اقترفه من خطأ، فإن دفاعنا يصبح ظلما للآخرين الذين حافظوا على التزامهم ولم ينساقوا للخطأ مثله.. كيف تريدين منا أن نكافئ المخطئ؟"..
جحظت دانة كلتيّ عينيها وفغرت فمها بذهول رافضة منطقه، فتابع هو بنبرة أكثر رفقا: "اسمعي يا دندون.. إذا كنا سنعامل المخطئ بنفس طريقة معاملتنا للملتزم بالقواعد الدينية والأخلاقية العامة دون أن نعاقبه بقدرٍ ما.. ألا يعني ذلك أننا نقول للملتزمين يمكنكم أيضا أن تتخلوا عن الانضباط لأنكم ستفلتون أيضا من العقاب؟ إذا قام لص بسرقة منزلنا مثلا.. هل يجب أن يتلقى عقابا لأنه ارتكب تصرفا يظلم به نفسه والآخرين فيتعلم قيمة الالتزام والانضباط أم نربت على كتفه ونلتمس له عذرا؟ الجميع يمتلك عذرا إذا بحثتِ خلفهم.. لكن الكثيرين يضغطون على أنفسهم ويحرصون على التصرف بشكل سليم يرضي الله رغم أن التصرف الأصح يكون هو الأصعب في أغلب الأوقات.. لماذا علينا أن نتسامح مع المخطئ إذا كان الالتزام أصعب كثيرا من الاستسلام للذلل وإغواء تحدي المفروض أو تعجل الفوز حتى لو بطرق غير مشروعة؟"
هتفت دانة : "كل ما فعلته أنا ولين هو أننا أقمنا احتجاجا بسيطا مع بعض الطلبة الآخرين اعتراضا على قرار المدرسة بفصل صفا.. لكن المدرسة حرمتنا حتى من التعبير عن رأينا بحرية"..
قال سفيان بنبرة حازمة: "المدرسة ليست جهة للاحتجاج يا دانة.. كما أن الطلاب ليسوا منوطين بالاحتجاج.. أنتم أساسا تحت السن القانوني.. وأي إجراء تطالبون به لن يجبر الإدارة على الاستماع له وتطبيقه.. فهذا الأمر يجب أن يتم حله على مستوى أولياء الأمور.. هم المنوطون بتلك المطالب والمجادلات وليس الطلاب.. أنتم مطالبون فقط بالمذاكرة والنجاح.. وعلى والديّ صفا التدخل للمطالبة بحقوقها إذا كانت حقوقها قد أُهدرت جراء ما حدث"..
عقدت دانة ذراعيها أمامها بنزق، وهتفت دون أن تنظر لأخيها: "إذًا ستتحدث مثل أمي التي وبختني في الهاتف وأخبرتني أن ما فعلته لا يصح ولا يليق بي لأنه مرفوض من المجتمع"..
رد سفيان مستشعرا غضب شقيقته غير المعتاد: "ماذا تريدين تحديدا يا دانة؟"
تنهدت دانة ثم قالت: "أمي تقول إن دفاعي ولين عن صفا سيجعل الناس يظنوننا نشاركها نفس السلوك.. أو على الأقل لا نعترض على قيامها به"..
سألها سفيان رافعا حاجبه: "وما هو رأيك؟"
أدارت دانة وجهها إليه لتواجهه بثقة أذهلته: "لا أوافقها التصرف بالطبع، ولا أشجع أحدا عليه.. بالعكس لا أقبل أن يهين أي شخص كرامته بهذا الشكل.. ولكنني لا أعرف أسبابها الفعلية للقيام به.. ربما تم ابتزازها فعلا أو خداعها.. ما أقصده هو إذا كان المجتمع يطالبني بنبذ كل شخص يخطئ.. كيف نكون في النهاية مجتمع؟ إذا لم يحاول أفراد هذا المجتمع مساعدة من يخطئ وإعادته مرة أخرى للسلوك الملتزم المنضبط الذي ذكرته يا أبيــه.. فكيف نصبح مجتمعا بالله عليك؟"..
حين لم يجد سفيان ردا سريعا، تابعت دانة بنبرة متحسرة: "إذًا يبدو أن صفا كانت على حق حين قررت أن تنهي حياتها طالما أن المجتمع لن يمنحها فرصة لتصحيح خطأها.. أين الرحمة؟"
تنحنح سفيان، ثم قال بعد لحظات من التأمل: "أنا متفهم وجهة نظرك ولكن هذا هو المجتمع.. أحيانا يتحامل في عقابه على المخطئ.. خاصة من النساء، وذلك لضمان عدم تكرار الخطأ كيلا تنتشر الرذيلة وتتحطم منظومة الضمير والأخلاق تماما"..
ردت دانة: "وأنا أرفض الانسياق وراء ظلم المجتمع.. لن أتخلى عن صفا طالما أنها ليست مصممة على العودة لنفس الخطأ من جديد.. لأنها في يوم من الأيام كانت هي الوحيدة التي وقفت إلى جانبي أنا ولين حين تعرضنا لتنمر مهين من جانب بعض الحمقى"..
التفت سفيان نحوها، وقد تنبهت كل حواسه، وسألها بصوت خفيض لكن لا ينقصه العزم: "أي تنمر؟ ماذا حدث؟"
انطلقت دانة تحكي لأخيها ما حدث قبل بضعة أسابيع أمام مسرح المدرسة، فتقبض محاولا السيطرة على لسانه من الإفلات ببعض المسبات الوقحة في حق هؤلاء الطلاب عديمي التهذيب، لكنه ضمها بحمائية، وقبّل رأسها بحنو، وهو يتمتم بكلمات لطيفة تبثها الثقة وتشعرها أنها نجمة العائلة المحبوبة من الجميع، محاولا منع تأثير الكلمات السامة الملتوية لهؤلاء الطلاب أصحاب النفوس المريضة الذين حاولوا من خلالها الإساءة لذكرى والدهما المتوفي..
ظل سفيان يحدثها عن ثقته بها وفخره بموهبتها في رسم القصص المصورة وإعجابها باستقلاليتها وطريقة تفكيرها، حتى بالرغم من نزعتها الثورية، ولكنه كان ليفعل أي شيء الآن ليتأكد أنها لم تتأثر نهائيا بمحاولات التنمر الحقيرة ضدها..
حين انطلق سفيان بالسيارة، تحرك أولا صوب متجر المثلجات القريب من منزل العائلة، وأحضر كمية كافية لكل سكانه، بينما كان ذهنه منشغل بفكرتين..
الأولى هي.. كيف يجعل هؤلاء الحمقي يدفعون ثمن تنمرهم على أخته وصديقتها؟
والثانية هي شعوره بالفخر الشديد بأخته التي تمثل جيلا جديدا يتسم بالشجاعة ويسعى للتغيير في شكل قفزات سريعة قد لا يكون المجتمع مستعدا لها تماما..


يتبــــــــــــــــــــــ ع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 13-06-22, 08:11 PM   #379

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثالثة عشرة: القسم السادس

في اليوم التالي، كانت شادن تجلس في غرفة لعب الأطفال دون سن العام مع الحاضنات اللاتي تم تعيينهن مؤخرا كدفعة جديدة، حيث كانت تراقب طريقة كل واحدة في التعامل مع الأطفال في هذا السن، وتلاحظ مدى صبرها وكفاءتها..
كانت شادن تصر على أن تتحمل كل حاضنة مسئولية طفلين فقط حتى تعطيهما الرعاية الكافية خاصة وأن هذا السن حرج جدا، وتكون فيه مناعة الرضع ضعيفة وقابليتهم للإصابة بالأمراض كبيرة، لذا فقد سجلت في دفتر ملاحظاتها أسماء ثلاثة حاضنات لم يتحلين بالقدر المطلوب من الكفاءة والعناية بنظافة الأطفال، مقررة الاعتذار لهن عن عدم تعيينهن.. ومع نهاية اليوم، استدعت الثلاثة إلى مكتبها وأبلغتهن بقرارها متمنية لهن التوفيق في البحث عن عملٍ جديدٍ، ثم أرسلت رسالة نصية سريعة لحمزة الرافعي تطلب منه نشر إعلان جديد عن طلب حاضنات بالشروط الوظيفية التي كانت قد حددتها له من قبل..
بعدها، انضم إليها إيلاف بمكتبها بعد أن طلب الإذن بالدخول، ليقول بامتعاض وهو يتهاوى جالسا بمسرحية على المقعد المواجه لها: "أشعر فجأة أنني العم المكروه"..
ضحكت شادن بعفوية، ثم سألته بنبرة مرحة تدّعي التوبيخ: "هل أغضبت التوأم؟"
رد إيلاف: "لا والله.. لكنهما يخاصماني.. يرفضان العودة معي للمنزل.. وسفيان كان سيمر على المكتب اليوم فأخبرته أنني سأعيدهما في طريقي للبيت.. لكنهما يصران على حضوره هو"..
سارعت شادن برفع سماعة هاتفها الداخلي، وطلبت من سلمى أن تطلب من إحدى العاملات إحضار التوأم.. ولمّا وصلا بعد قليل، وقف مالك إلى جوار عمه، بينما تحركت ملك تلقائيا صوب شادن تحتضنها طالبة للدعم..
سألتها شادن بحنو: "ماذا هناك يا لوكا؟ لماذا ترفضين العودة للمنزل مع إيلي؟"
قالت ملك بنبرة غاضبة: "لا أريد.. أريد أبي.. ليذهب هذا مع إيلي" مشيرة بكفها الصغير نحو أخيها التوأم الذي هتف بدوره: "وأنا لا أريدك.. سأنتظر أبي واذهبي أنتِ مع إيلي"..
قالت ملك بغيظ: "أنا أخاصمك"، فأطرق أخوها رأسه بحزن، لتسأله شادن عما حدث..
رد مالك: "لقد رميت العصير الذي أحضره لها نوح وهي خاصمتني"..
سألته شادن بنبرة عاتبة: "ولِمَ رميته يا مالك؟ إن نوح صديقكما في الصف"
أجاب مالك بعصبية: "لا أريدها أن تلعب مع أحد غيري"..
قالت شادن بنبرة حانية: "تعال يا لوكي.."، فتحرك نحوها الصغير حتى وقف إلى جوار توأمه، لكن شادن مدت ذراعيها وحملته حتى أجلسته على فخذيها، ثم قالت وهي تربت على ظهره: "لقد أحضركما سفيان إلى هنا كي تتعرفا على أصدقاء جدد.. ومن الطبيعي أن يريد كل واحدٍ منكم أن يلعب مع أصدقائه الجدد لبعض الوقت، ثم يعود لشقيقه ويستكمل اللعب معه.. فأنتما في المنزل تقضيان كل وقتكما معا.. وهنا يجب عليكما مقابلة أصدقاء مختلفين"..
عقد مالك ذراعيه، وقال: "لا أريد.. ملك أختي أنا فقط"..
تابعت شادن كأنه لم يقاطعها: "ولكنك هكذا تهتم بما تريده أنت فقط، ولم تسأل لوكا عما تريد.. ولذا فهي حزينة وغاضبة"..
قال مالك بحزن: "وأنا أيضا حزين.. لا أريد أن تلعب مع أحد سواي"..
سألته شادن بنبرة هادئة: "هل تعرف ما معنى المشاركة يا مالك؟"
هز مالك رأسه نفيا، فشرحت هي: "أن ترغب في أن تمنح شخصا آخر بعضا مما لديك.. يعني أن تمنحه بعض الوقت باللعب معه.. أو صندوقا من العصير.. كما فعل نوح.. أو تمنحه لعبتك المفضلة ليلهو بها قليلا ثم يعيدها إليك.. أو حتى أن تسمح له باللعب قليلا مع لوكا.. هذه هي المشاركة.. كان يمكنك أن تطلب منه اللعب معكما سويا بدلا من أن ترمي العصير وتزعج أختك"..
مط مالك شفته السفلى لكنه لم يعقب، فقالت شادن: "هذا الأسبوع سأجعل مِس زهو تحكي لكم قصصا عن المشاركة.. وسأتابعك يا مالك.. إذا لم تتصرف بلطف مع أصدقائكما، سأجعل ملك تلعب معهم بمفردها.. لن تشاركها أوقات اللعب.. أتفهمني؟ سأجعل وقت اللعب مقسما، بحيث تلعب أنت وهي تشارك في حصة نشاط فني أو حاسب، ثم تلعب هي كما تريد وتذهب أنت لتلك الأنشطة"..
رافضا الهزيمة، قال مالك بتحدٍ وعنادٍ ذكرها بوالده: "سنرى"..
في تلك الأثناء، دخل سفيان الغرفة، فسألته شادن بدهشة: "ما الذي أتى بك إلى هنا؟"
ابتسم سفيان، وقال: "لقد هاتفتني سلمى وطلبت مني الحضور"، فأشارت له شادن بالجلوس، فتحرك إيلاف ناهضا، وقال بنبرة متلاعبة: "لقد تعبت.. سأذهب لتناول المثلجات.. أشتهي الفراولة"..
هتفت ملك: "أريد آيسكريم يا إيلي.. بالفاراورة".. فاحتضها إيلاف وحملها أعلى كتفيه متجها صوب الباب، ليأتيه صوت مالك بتردد: "وأنا أيضا.. أريد آيسكريم بانانا".. فاستدار نحوه إيلاف وفتح له كفه، فقفز مالك من جلسته على ساقيّ شادن ليركض نحو عمه يضع كفه الصغير بكفه، ليقوده الأخير للخارج مع شقيقته..
طالعت شادن سفيان بنظرة متسائلة، فمنحها ابتسامة متسلية، محاولا المحافظة على لياقته هذه المرة، وقال بنبرة ودودة لا تشبه صوته المحتد حين يحدثها بفظاظة: "في الحقيقة، جئت لأخبرك أنني حدّثت الدكتور آدم بخصوص الدكتورة مرح والي قريبتكم.. وقال إن بعض أقاربه يديرون مركزا متكاملا لطب الأسنان، لكنهم على استعداد لافتتاح فرع جديد تشارك هي في تأسيسه وإدارته بعد أن يتفقوا معها على بعض الضوابط.. لذا فإنه يطلب موافقتها قبل أن يرتب لاجتماع بينهم جميعا للحديث حول تلك التفاصيل"..
هتفت شادن بحيوية: "رائع.. أظنها ستفرح كثيرا بتلك الخطوة.. لقد ملت من الجلوس بلا عمل منذ عادت للقاهرة، وتعبت من الركض بالمكاتب الحكومية من أجل إتمام التراخيص.. اتضح أنها عملية مرهقة جدا.. حتى أنا قد نسيت هذه المأساة بعد أن أنهيت كل تراخيص الروضة.. وبصراحة لولا مساعدة أبي وعمو عبد المنصف ما كنتُ قد بدأت العمل حتى الآن"..
قال سفيان مشجعا: "لكنك بالفعل تبلين حسنا.. وتقومين بعمل رائع هنا.. هل تظنين أنني كنت لأترك مالك وملك بعيدا عن عينيّ لعدة ساعات يوميا في مكان لا أثق به؟"..
ابتسمت شادن بخفر وقد تسلل التورد إلى وجنتيها بعد كلمات الإطراء التي انطلق بها لسان سفيان لأول مرة، حتى أنه فاجأها حين تابع: "ولن أتحدث عن جهودك في تعليمهم.. ومساعدتهم على الحديث باللغة الإنجليزية بشكل مقبول قبل مقابلتهما للانضمام للمدرسة الدولية.. الطفلان انسجما تماما مع المكان برغم ميل مالك للاستحواذ والسيطرة وإبعاد أخته عن الآخرين"..
انطلق بعدها سفيان يضحك بعفوية، ثم أكمل: "أتعلمين؟ تلك الرسائل البريدية التي يمتلئ بها بريدي الإلكتروني تضايقني كثيرا.. لكنني بالفعل ممتن لكل الإرشادات والمحاذير التي ترسلينها لأولياء الأمور.. حتى حين طلبتُ منك أن ترسلي تحذيرا بخصوص التطبيقات الإلكترونية ذات المحتوى الجنسي والموجهة للصغار في سن المراهقة.. نفذتِ الأمر بشكل سريع وفعال.. أنتِ رائعة"..
"يجب أن تضحك دائما"..
حين توقف سفيان عن الضحك وفغر فمه دهشة، علمت شادن أنها قد قالت ما تفكر به عفويا بصوت مرتفع، فتنحنحت بحرج، ونهضت عن مقعدها، وتحركت صوب رفوف مكتبتها تعبث بالملفات بغير هدف، إلى أن شعرت بوقوفه خلفها وهو يهتف بنبرة خفيضة: "بل أنتِ من يجب أن تضحك دائما.. لا أعلم لماذا ترتجفين كلما قابلتكِ لكنني أكره هذا الأمر.. هل أصيبك بالتوتر يا شادن؟ لا أريد أن أخيفك أبدا ولا أدري سببا لشعورك هكذا.. لكنني"..
توقف سفيان عن الكلام ثم تحرك ليقف في مواجهتها، فحبست هي أنفاسها كليا شاعرة أن كلماته القادمة ستكون فاصلة..
أما هو فقد أرسل لها عبر نظراته الدافئة اعترافات عجز لسانه عن البوح بها، لكنه اكتفى بأن همس بنبرة راجية: "أريد أن أكون واحة أمان لك تلجئين إليها عندما تشعرين بالتوتر لتتلمسي منها الصلابة.. سأكون يا سيدة الجدائل حارسا أمينا على بلاطك أحميك من الجميع.. وحتى من نفسي"، ثم تحرك مغادرا للغرفة دون أن يمنحها فرصة للرد..
أما هي، فقد ضاع ثباتها بين أحرفه المترنمة التي ظلت تتراقص على أوتار قلبها عازفة لحنا أطرب روحها، وسهم لحظه قد أصابها في تلك النقطة التي كان قد صب بها القار الأسود في لحظة حالكة ذات يوم، لينبت بها وميض خافت، تعلم أنها إذا اعتنت به جيدا، سينمو ليضيء مجرة بأكملها..
لا.. اليوم لن تهتم بالتفسير.. بل ستنتشي فقط بتلك الكلمات التي تاقت لها بكل كيانها لسنوات طويلة.. وغدا ستفكر وتحلل.. ويمكنها حتى أن ترفض..
لكنها الآن.. ستسعد..!


يتبــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 13-06-22, 08:13 PM   #380

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
New1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثالثة عشرة: القسم السابع

بخطوات مرهقة بعد يوم عمل طويل، دلفت إلى شقتها ثم بشكل روتيني سارعت بالاستحمام وتغيير ملابسها، ثم تحركت صوب غرفة والدتها لكي تصرف الممرضة التي تجالسها بعد أن قدمت لها كالمعتاد تقريرا شفويا عن مجريات اليوم..
كانت ذكرى تشعر بالضيق منذ أن استيقظت صباحا على كابوس مفزع، ورغم انقباض قلبها إلا أنها استعاذت بالله وتوجهت إلى عملها كالمعتاد، ورغم محاولاتها طوال اليوم لتجاهل ما رأته بهذا الكابوس، إلا أن تفاصيله كانت تعود لترسم نفسها بوضوح على مقدمة صفحة أفكارها حتى أنهكت أعصابها تماما، وعند نهاية مناوبتها شعرت وكأنها تعمل منذ أسبوع كامل دون توقف لالتقاط أنفاسها..
لم تأكل شيئا منذ الأمس.. تشعر أنها خاوية من الداخل.. ليست جائعة، لكن طاقتها أوشكت على النفاد..
وهي، لم ترغب في أي شيء في تلك اللحظات سوى أن تتمدد إلى جوار والدتها تعُب من رائحتها لتطمئن روحها وتخلد في نوم عميق بلا كوابيس..
بعد أن استسلمت لسلطان النوم وغفت بين وسائدها الناعمة وأغطيتها الدافئة، لم تنتبه لرنين هاتفها بإشعار رسالة جديدة.. نامت لأربع ساعات كاملة دون أن تتحرك قيد أنملة، لكنها حين تقلبت في الفراش، نهضت مستيقظة بذعر وقلبها قد انقبض على نحو مفاجئ..
كانت تشعر بغيمة رمادية كئيبة تحيط بالجوار وبرود ثلجي ينتشر في الأجواء..
اعتدلت جالسة تتفحص من تتمدد إلى جوارها بسكون مشئوم.. لامستها برفق مشوب بالتردد، فشعرت ببرودة جبهتها وأطرافها..
فتحت ضوء المصباح الجانبي، ثم أخذت تتفحص نبضها بالعنق والرسغ، لكنها لم تشعر سوى بنبضات خافتة للغاية، فسارعت تطلب سيارة إسعاف، ثم حاولت إنعاشها برفع ساقيها وتلقيمها قطرات من الدواء لرفع ضغطها المنخفض، إلى أن وصلت السيارة وتم نقلها بصفة عاجلة إلى المستشفى..
لم تشعر ذكرى طوال الطريق للمستشفى بذرة اطمئنان رغم محاولات المسعفين مساعدة والدتها..
ظلت تفكر أنها قد تأخرت بشيء.. أنها قد أخطأت بشيء.. أنها ربما لم تنجح في إنعاش أمها كما يجب..
كانت تشعر أن الخسارة تلوح بوجهها القبيح، وأنها على موعد جديد مع الوجع، لكنه هذه المرة سيقصم ظهرها حتما..
هذه الخسارة لا يعوضها شيء.. فقدان الأم ليس كفقدان أي شيء..
حين وصلت للمستشفى، وسلّمت والدتها لأطباء الطوارئ بعد أن سلّمت كل أمرها لله، ظلت ذكرى تحاول طرد فكرة قاتمة عن رأسها دون أن تنجح نهائيا..
كان قلبها ينكمش مع كل دقيقة تمر، والعرق يتفصد عن جبينها برغم البرودة التي تجتاحها كليا.. هشاشة مفاجئة حطت عليها، وكأن تعب السنين كله قد تكالب على كتفيا مصرا على أن تخر صاغرة على ركبتيها..
وحين خرج الطبيب من غرفة الرعاية المركزة يخبرها بما شعرت به منذ صباح أمس، لم تكن هي مستعدة تماما.. ولا تظن أنها يمكن أن تكون مستعدة أبدا لهذا الخبر مهما منحوها من وقتٍ..
رفضت التصديق.. ظنت أنه كابوس جديد يعبث بأفكارها.. وأنها ستنام وتستيقظ لتجد أمها في فراشها من جديد.. تقاوم الألم وترفض الانزواء برغم ذبولها المتواتر..
لن تتركها وحيدة هكذا في هذا العالم القبيح.. لن تتركها دون سند يشد ظهرها رغم مرضها..
إذا استسلمت أمها الآن.. فلماذا تقاوم هي؟ لمن تقاوم هي؟
من سيكون لديه لتشاركه أحلامها ونجاحاتها؟ ما السبب للحياة بعد الآن؟
لذا، فقد تخلت تماما عن المقاومة في تلك اللحظة، وسقطت فاقدة للوعي..
لم تعلم كم ظلت راقدة فاقدة للوعي، لكنها حين استيقظت وجدت شادن تجلس أمامها على حافة الفراش تراقبها بوجل، فهمست بضياع وكأنها طفلة لا يتخطى عدد سنوات عمرها أصابع الكف الواحدة: "أمي ماتت"..
مالت شادن تحتضنها وهي تحاول السيطرة على دموعها، وظلت تربت على كتفها بصمت..
لا تعرف ما الذي يمكن أن تقوله في تلك اللحظات ليواسيها.. فهي من جهة لم تختبر فقدان الأم من قبل، ومن جهة ثانية لم تمتلك ذلك الرباط الخفي الذي يجمع ذكرى ووالدتها مع أمها.. لكنها أيضا ذاقت مرارة الفقد بأبشع صوره..
ورغم تلك الأفكار الغريبة التي كانت تدور برأسها في تلك اللحظات، إلا أنها رفضت أن تترك لها المجال لتعبث بعقلها وتتحرك إلى زوايا مظلمة في رأسها، لذا ظلت تهمس بالدعاء بالرحمة للراحلة وبالصبر لصديقتها المكلومة..
همست ذكرى بضياع: "ماذا أفعل؟ أريد أمي.."
شددت شادن من احتضانها لصديقتها التي كانت تبكي بضياع وتنتحب بكلمات تفطر القلوب، إلى أن جاءت ممرضة وأعطتها حقنة منومة أخرى استرخت لها أعصابها المشدودة، وعادت لنومها القسري من جديد..
تحركت الممرضة صوب سلة المهملات لكي تتخلص من المحقنة، وهي تغمغم بتعاطف: "لقد أمر الطبيب أن أعطيها جرعة مخففة هذه المرة حتى تتمالك نفسها.. ستنام لفترة قصيرة على الأرجح.. كان الله في عونها.. إنها متعلقة بوالدتها بشدة"..
هزت شادن رأسها بجمود ودموعها تنساب على وجنتيها حزنا على حال صديقتها وتأثرا لرحيل والدتها الحنون، فتحركت الممرضة للخارج بصمت كئيب..
في تلك الأثناء، سارعت شادن ترسل رسالة جماعية لصديقاتها تنقل إليهن خبر وفاة السيدة آمال والدة ذكرى، ثم أرسلت رسالة أخرى لسفيان، تطلب منه أن يرسل إيلاف لمساعدتهم في إنهاء الإجراءات الخاصة بالدفن..
بعد حوالي ساعتين، وجدت شادن أمامها جمعا من الأصدقاء يتهافتون للمساعدة.. فبينما كانت ذكرى راقدة في سباتها، وصل سفيان مع إيلاف، وبعده الدكتور آدم الذي كان متوترا للغاية، ثم وصلت أمواج وزهو اللتين تركتا أطفالهما بمنزل والديّ أمواج، ثم جاءت مرح وشذى..
سارعت أمواج باحتضان مرح وشذى، فكلتاهما يتيمتان ومن المؤكد أن حضورهما الآن قد جدّد لديهما الذكريات، خاصة وأن والديهما توفيا تباعا في دبي واضطرتا وقتها لإنهاء إجراءات نقل الجثمانين إلى القاهرة لدفنهما بمقابر الأسرة..
تحركت زهو نحو شادن، وربتت على كتفها وسألتها بحزن من بين دموعها: "كيف أتيتِ إلى هنا؟"
ردت شادن بعد أن جلست على أحد المقاعد وتبعتها زهو بالجلوس إلى جوارها: "لقد أرسلت لي ذكرى رسالة قبيل الفجر.. تخبرني أن والدتها نبضها ضعيف وستنقلها للمستشفى.. وأنا بعد أن نهضت للاستعداد للذهاب للروضة، قرأت الرسالة، فتحركت فورا إلى المستشفى، لكن طنط آمال رحمها الله كانت قد رحلت بالفعل.. فأخبرتني الممرضة أن ذكرى قد فقدت الوعي وتم منحها حقنة مهدئة، فجلست إلى جوارها ولم أرغب في أن أعلمكم بالخبر بأولى ساعات الصباح.. فانتظرت قليلا ثم أرسلت الرسالة الجماعية.. وطلبت من سفيان إرسال إيلاف لمساعدتنا.. لكنه جاء بالجميع كما ترين.. حتى بحر قد وصل للتو.. يجب أن أرسل رسالة لحمزة أيضا.. لقد صار صديقا لنا في الفترة الأخيرة وسيحزن إذا لم نعلمه بالأمر "..
ردت زهو: "إذًا دعيني أهاتفه وأشرح له الوضع.. ربما احتاجت ذكرى فعلا لمساعدته.. لا أدري إذا كانت ستقبل أية مساعدة من آدم"..
نهضت شادن تتحرك صوب غرفة ذكرى، وهي تهمس: "سأطمئن عليها.. ربما استيقظت"..
جلست شادن إلى جوار صديقتها الغائبة في النوم، وأمسكت يدها وأخذت تقرأ ما تيسر من آيات القرآن الكريم وتدعو لصديقتها بالصبر والثبات، إلى أن شعرت بيد صديقتها تشتد على أصابعها، فتيقنت أنها قد أفاقت..
نهضت ذكرى رغم الإنهاك الواضح عليها، فأسندتها صديقتها حتى اعتدلت جالسة وأنزلت ساقيها على الأرض، فهتفت بتعب: "أريد أن أرى أمي.. أريد أمي"..
تحركت معها شادن للخارج تسندها بكلتيّ ذراعيها، لتجدا أمامهما جمعا كبيرا من الأصدقاء يقف في مجموعتين.. إحداهما من الشباب الذين انضم إليهم حمزة الرافعي الذي قد وصل لتوه على ما يبدو، والأخرى للفتيات اللاتي سارعن صوبها يتبادلن احتضانها للشد من أزرها، إلى أن وصلت إليها أمواج التي سألتها: "إلى أين؟"
ردت ذكرى بتعب: "أريد أمي.. أريد أن أراها"..
تحرك آدم خطوتين تجاهها تاركا تجمع الرجال، لكنه تسمّر في مكانه عندما رمقته بنظرة تنهاه فيها عن الاقتراب منها في تلك اللحظة.. فهتفت مرح بعفوية: "أنا سأذهب معك"، ورددت زهو من خلفها: "وأنا أيضا"..
تحركت كلتاهما لتسندها كل واحدة من جهة ليمشين معا صوب الغرفة التي تم نقل جثمان والدتها إليها استعدادا للدفن..
أما آدم، فقد عاد لمجموعته يشعر بالاختناق والقنوط، فهمس لسفيان: "سأذهب لشراء الكفن"، ليرد حمزة: "لقد أحضرته بالفعل"..
تحرك آدم نحوه ووقف أمامه متحفزا، وسأله بضيق: "بأية صفة؟"..
رد حمزة بنبرة جامدة: "الناس لبعضها.. وهي الآن بمفردها وتحتاج لمن يقف إلى جوارها"..
رفع آدم كفه ولوّح بسبابته محذرا: "هي ليست بمفردها"، ثم أشار لنفسه بنفس الإصبع وقال بعصبية: "أنا موجود.. أنا موجود"..
قبل أن يمنحه حمزة ردا مستفزا يعطيه الفرصة لكي يخرج كل انفعاله عليه بقبضته، تدخل سفيان ووقف بينهما هاتفا: "ماذا تفعلان بالله عليكما؟ هل أنتما طفلان في الروضة؟"، ثم أشار لبحر الذي اقترب مسرعا، وأمسك بمرفق آدم يسحبه بعيدا عن البقعة التي يحتلها حمزة لكي يهدئه، أما سفيان، فقد وقف بقامته الفارعة أمام حمزة الذي لم يبدو عليه أبدا أنه قد تزعزع بمواجهته لاثنين من الرجال يفوقه كلا منهما عمرا بعقد على الأقل، وأحدهما على الأرجح أكبر منه بما لا يقل عن خمسة عشر من الأعوام..
طالعه سفيان بنظرة متفحصة محاولا استكشاف دوافعه الحقيقية للتواجد هنا.. نظرته كانت كافية لزعزعة أعتى الرجال، لكن حمزة للعجب ظل واقفا بموقعه بنفس الثقة يرمقه بحيادٍ، ليسأله سفيان نَمِرا: "لماذا أراك في كل مكان حينما يتعلق الأمر بأفراد عائلتي؟"..
بثبات وشجاعة يُحسبان له، أجاب حمزة: "ذكرى مثل أخت بالنسبة لي.. أُقدّرها كثيرا.. ربما لا تتفهم الأمر .. لكن يمكنك القول أن دعمي لها بمثابة وفاء لدينٍ تجاه شخصٍ ما"..
لمعت عينا سفيان بالتساؤل، فأكمل حمزة بنفس الثقة: "كما أنها شريكتي في العمل، وجزء كبير من نشاط شركتي الخاصة يعتمد على حملات التسويق التي نعمل عليها سويا.. وهي صديقة شقيقتي أيضا.. كل ما أنا متأكد منه حاليا أنها تحتاج لشخص مثلي حولها الآن.. فهي كما فهمت.. وحيدة بلا سند"..
اقترب سفيان منه خطوة إضافية، وهمس بهدوء: "فقط حاول ألا تثير غضب آدم حاليا.. فهو بالكاد يسيطر على نفسه"..
أومأ حمزة رأسه ولم يعقّب، فتحرك سفيان صوب آدم الذي كان بحر يجره للحديث لكي يشتته عن شعوره بعدم السيطرة..
سأله سفيان: "هل تعلم أين مدافن عائلة ذكرى؟"..
جحظت عينا آدم باستغراب ينم عن جهله بتلك التفصيلة، لكنه همس: "سأسالها فور أن تعود"..


يتبــــــــــــــــــــــ ـع في الصفحة التالية.. لا تفوتوا مطالعة باقي القصاصة، الرابط

https://www.rewity.com/forum/t486027-39.html

kaj, yasser20, dalia22 and 12 others like this.


التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 14-06-22 الساعة 12:00 AM
مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:20 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.