الموضوع: إلياذة العرب
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-04-14, 02:08 AM   #12

دكتور جيفاجو

? العضوٌ??? » 315386
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » دكتور جيفاجو is on a distinguished road
Rewitysmile27


تتمة الفصل الرابع
أمسك شامير عن الكلام والتزم الصمت دقائق حين دلف إلى غرفة الإجتماع أحد الخدم العاملين بالمحفل حاملاً إليهما بعض من الشاى الساخن الذي تعود الأستاذ الأعظم رابين على أحتساءه في تلك الساعة من الصباح ، وما أن خلت الغرفة من الخادم حتى أعتدل شامير في مقعده وشرد ببصره بعيداً فارتشف رابين رشفة صغيرة من كوبه وأصاخ السمع إلي مساعده الذي أكمل حديثه
" كنت في تلك الأثناء قد انتقلت من الإسكندرية إلي القاهرة للعمل بأحد المدارس , ولقد حدث ذات يوم أن قصدت المعبد للصلاة فالتقيت بجان وكان قد مر على إقامتها هناك نحو شهر"
كان شامير قد فرغ من صلاته فى ذلك اليوم وتأهب لمغادرة المعبد حين وقعت عيناه على جان , بدت له الفتاة حزينة كاسفة البال قد خفت بريقها وانزوت عن وجهها نضارته وهي تعبر ذلك الممر القصير الذي يربط غرفة المعبد بقاعة الصلاة فهم بأن ينطلق نحوها محيياً بيد أنه بدا له أن يدعها دقائق لصلاتها لما وجدها عليه من حزن ووجل , فجلس على أحد المقاعد منتظراً فروغها من الصلاة.
راحت جان تتمتم بصلاتها عند المذبح وقد جثت على ركبتيها خاشعة وانهمرت دموعها غزيرة لتبلل وجنتيها الشاحبتين حتى إذا ما فرغت وهمت بالنهوض شعرت بيد تربت على كتفها
" كيف حالك يا جان ؟"
جاءها الصوت من خلفها عطوفاً فالتفتت دهشة ليطالعها وجه شامير وقد علته بسمة رقيقة
اعتدلت جان واقفة ومدت يدها تصافحه بدهشة يشوبها سعادة واضحة
" الأستاذ شامير؟!!"
أحست الفتاة براحة تغمرها وانهمرت عبراتها وهي تشد على يده وكأنها غريق يشد على يد منقذه , فعلى الرغم من أنها لم تكن تغادر المعبد منذ أقامت به إلا ساعات قليلة كانت تقضيها بين جنبات الحي إلا أن المدينة بدت لها كصحراء مترامية ضلت فيها السبيل , ولعل ذلك كان ما يقف خلف شعورها بالضياع الذي ملك عليها النفس منذ أن ارتحلت إلي القاهرة بحثاً عن أخيها.
طلب منها شامير أن تقص عليه أمرها ففعلت حتى إذا ما انتهت أحس نحوها بشفقة لطول ما عانته فعقد عزمه على معاونتها في البحث عن إبرام , على أن ذلك العطف الذي كان يشعر به تجاهها لم يكن دافعه الوحيد لإقالتها من عثرتها , ذلك أنه كان على دراية بما تتمتع به جان من ذكاء متوقد وشخصية براقة فتمنى لو استطاع أن يضمها إلى محفل ( دانيال ) وقد كان منتسباً إليه آنذاك على درجة مساعد.
" أنني أشعر بضياع رهيب"
قالتها جان مختتمة حديثها حول مأساتها فأجاب متأثراً
" كلنا نشعر بمثل ما تشعرين به يا صغيرتي."
تطلعت إليه جان متسائلة عما يقصد فأردف مفسراً
" إنه لمن العار أن يعيش شعب الله المختار في مثل هذا الشتات , إننا أمة اليهود غرباء نعيش في غير وطننا تتقاذفنا النوازل على مر العصور وتهفو نفوسنا إلى جبل صهيون حيث الأصل والوطن"
" أتقول بأن ما أشعر به من ضياع ليس مرده إلى تلك الحياة البائسة التى أحياها؟"
" أجل يا عزيزتي , إن ذلك الإحساس بالتيه كامن في أعماق كل يهودي ولقد تجلى في صدرك مع ما تجابهينه من مشكلات"
قالت جان متعجبة
" ولكنني لا أعرف وطناً غير مصر , ففيها مسقط رأسي ومرتع طفولتي , أنت نفسكولدت ونئأت هنا."
" هذا صحيح , غير أني مسير في ذلك , ولو خُيرت ما أخترت غير أرضنا الموعودة مسقطاً للرأس."
بدت الفتاة متحيرة من ذلك المنطق العجيب الذي يتحدث به معلمها عن تلك الأرض الموعودة والوطن المزعوم , على أنها سرعان ما تناست حيرتها تلك مع ما داخلها من حبور لوعده أياها بمعاونتها في إيجاد شقيقها , ولقد كان شامير عند وعده هذا فلم تمض أيام حتى استطاع بمعاونة بعض من تلامذته في المحفل أن يقع على إبرام وأن يجمعها به , بل ولقد ذهب لأبعد من ذلك فكان وسيطاً لها في عملها بدار للصرافة.
كان لذلك الجميل الذي صنعه لها فعل السحر في عقلها وقلبها فتعلقت به حتى بات عوضاً لها عن والدها الراحل وأسلمت له قياد فكرها على نحو يسر له إقناعها بالانتساب إلي ذات المحفل الماسوني فانتظمت في سلكه كتلميذة له.
" هذا كل ما أعرفه عن الفتاة"
تخلى الحاخام رابين عن مقعده وراح يزرع الغرفة جيئة وذهاباً وهو يتفكر فيما قصه عليه شامير بصمت وشرود بحثاً عن سبيل لحمل جان على اقناع أخيها بالسفر إلي الأستانة , لقد عانت الفتاة كثيراً وألهب ظهرها سوط المحن ولم يعد لها في الوجود غير هذا الشقيق العائد بعد غياب , فهل ترضى بفراقه ثانية ولم يمض على لقائهما غير عام ؟
جاهد رابين في أن يخفي توتره عن مساعده الذي ألتزم الصمت إجلالاً لسيده حتى قال
" حسناً , لابد أنها في مقر عملها الأن , أليس كذلك؟"
أجاب شامير
" أجل يا سيدي "
ألتفت نحوه رابين وقال آمراً
" أعرج إليها الآن وأخبرها برغبتي في لقاءها مساء اليوم"
بهت شامير لقول الأستاذ الأعظم إذ لم يكن يتوقع منه مثل هذا الأمر لما فيه من خرق لقوانين المحفل وتعليماته
" ولكن يا سيدي ......"
أطلت من عيني رابين نظرة حادة ألزمته الصمت لوهلة ثم ما لبث أن أعتدل واقفاً وهو يقول متلعثماً
" حسناً , الأمر ما ترى يا سيدي."
" عجل بالأمر إذاً"
كانت عبارة الحاخام الأخيرة إيذاناً لشامير بالإنصراف فاعتدل واقفاً وألقى التحية على سيده وهو ينسحب من المكان دون أن تفارقه الدهشة.


دكتور جيفاجو غير متواجد حالياً