شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات أحلام المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f203/)
-   -   320 - الانتظار المر - شارون كيندريك - أحلام الجديدة ( كتابة/كاملة* ) (https://www.rewity.com/forum/t118063.html)

الحالمة دائما 14-06-10 12:04 PM

320 - الانتظار المر - شارون كيندريك - أحلام الجديدة ( كتابة/كاملة* )
 
هذة رواية هل اكتبها وام لا
الأنتظار المر شارون كيندريك320

الملخص

- هل تأتين يا صوفي وتعيشين معي في إسبانيا
خفق قلبها " سآتي"
قالت هذا بصوت منخفض, مفكرة بشوق وألم أن هذا يشبه تعهدات الزواج . لكنه لم يكن يعرض عليها الزواج .
نعم, إنه يريدها .... ولكن لاحب هناك ولا زواج .... يريدها فقط مربية لابنه
سألها: " هل ستتخلين عن وطنك وعملك وحياتك".
- نعم - لماذا !
كيف ستجيبه ! هل تقول له إنها تقوم بذلك لأجله.....
لأنها تحبه! إذا فعلت ذلك, قد تخسره.... إلي الأبد!

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

samome 14-06-10 03:18 PM

hiiiiiiii

الحالمة دائما 14-06-10 07:31 PM

– نظرات قاتلة
رن جرس الهاتف في اللحظة غير المناسبة على الإطلاق. صدرت عن صوفي آهة ضيق , فقد كانت مستغرقة تماما في العمل . مازال عليها أن تنجز الكثير , مع أنها جاءت إلي المكتب منذ بزوغ الفجر .
في العادة ، تبدأ عملها حوالي الثامنة وتبقي في المكتب إلي أن تنهي عملها مهما تأخر بها الوقت . لا أحد يمكن أن يتهم صوفي بعدم تكريس نفسها للعمل . لكنها المرة الأولي التي ترغب فيها إلي الخروج مبكر ، إذ عليها الاستعداد للخروج في الموعد، وهو موعد غير عادي مع أوليفر دنكان صاحب وكالة إعلانات " دنكانز" المنافسة.
خفق قلبها توترا لأنها على وشك أن تمضي السهرة مع أكثر الرجال جدارة في لندن، ما جعلها مثار حسد صديقاتها . ضغطت على زر الهاتف الداخلي: " والآن، قلت لك لا أريد أن يزعجني أحد ناريل".
قالت هذا مازحة لأنها تعلم جيدا أن ناريل هي أفضل مساعدة في العالم . ولهذا ربما كان الأمر هاما، بل لا بد أن يكون هكذلك !
لكن صوت ناريل كان منهكا:" مع الأسف، هذا الرجل لا يقبل كلمة (لا) جوابا. لقد أصر على التحدث معك".
فعبست صوفي: " هل أصر على ذلك ؟ لا أظنني أحب الإصرار من الرجال. من هو؟".
- إنه .... أنه..
وتنحنحت ناريل وكأنها لا تستطيع أن تصدق الاسم الذي ستتلفظ به: " إنه دون لويس دي لاكامارا"
لويس!!
تشبثت صوفي بمكتبها وكأنها تريد أن تنقذ حياتها الغالية. يا للجنون. . . ياللحماقة!
مجرد ذكر اسمه جعل العرق البارد ينضح منها. شعرت بالإثارة، لكن سرعان ما تلا ذلك شعور بالذنب.
ولكن، ماذا بشأن لويس دي لاكامارا؟ إنها تعرف أي نوع من الرجال هو . إنه سطحي ، مثير وغير ملتزم على الإطلاق. ومع ذلك ، ها هي ذي الآن!صوفي الهادئة العقلانية، التي يجدر بها أن تفكر فقط في أولفير وموعدها معه.
راح قلبها يخفق وكأنه قطار سريع وهي تحدق بالهاتف الداخلي . أصبح أوليفر منسيا، وحل مكانه رجل أسمر هو أكثر الرجال الذين عرفتهم تأثيرا.
تمالكت نفسها ، وراحت تتساءل لماذا يتصلذلك االإسباني المتغطرس بمكتبها ، ويصر على التحدث إليها ؟ أومأت كارهة:" لا بأس ناريل. صليه بي".
- حسنا.
بعد لحظة سمعة صوفي ذلك الصوت الرجولي العميق، الذي لا يمكن أن تخطئه، يتدفق عبر الهاتف. شعرة بالدم يتصاعد إلي وجنتيها الشاحبتين وذكرت نفسها بأنه متزوج من ابنة خالتها. . . وأنه الرجل الذي تحتقره. هل نسيت؟
كان عليها أن تعلم نفسها كيف تكرهه. فمن الأفضل أن تكره هذا الجل ، من أن تعترف بأنه يثير أحاسيسها بطريقة تبدو لها محيفة بقدر ما هي غير مناسبة . وكيف يمكنها ألا تشعر بالكراهية نحو رجل راح ينظر إليها ورغبة واضحة في عينيه، وذلك قبل زواجه من ابنتة خالتها بأيام؟
- صو...في ؟
إنه يلفظ اسمها كما لا يلفظه أحد آخر . بذلك الأسلوب واللكنة الخفيفة في الصوت ، اللكنة الإسبانية التي ترسل رعشة خفيفة في الجسم. قطعت صوفي الاتصال بينها وبين مكتب السكرتيرة، ثم رفعت السماعة الهاتف. آخر ما كانت تريده هو أن يملأ أرجاء مكتبها بنبرات صوته المميزة هذه.
منتدى روايتى
وأجابت باختصار وهي تضع قلمها: " إنها هي. حسنا، إنها مفاجأة تامة لويس".
وكان في قولها هذا تبخيس للواقع.
- نعم.
بدا صوته غير مألوف. كان تقيلا، صلبا، ومرهقا. وشعرة صوفي فجأة برجفة غامضة مهددة، عندما حل المنطق مكان ردة فعلها الغريزية الأولة. وارتفع صوتها بفزع :" ماذا حدث؟ لماذا تتصل بي إلي العمل؟".
مرت لحظة صمت زادت من مخاوفها، لأن صوفي لم تسمع لويس يتردد قط من قبل . فالتردد ليس واردا في قاموسه. بعض الرجال لا تعوزهم الكلمات، و دي لاكامارا هو مثال نموذجي لهؤلاء. وهمست: " ماذا حدث ؟ ما الأمر؟".
- هل أنت جالسة؟
- نعم! لويس، أخبرني بحق الله !
هناك في بلاد أخرى بعيدة ، تراجع لويس . لم تكن ثمة طريقة سهلة ليخبرها بالأمر. لا يمكنه أن يفعل شيءا يخفف من ألم الكلمات. راح يقول ببطء: " إنها ميراندا. عليِ مع الأسف أن أخبرك صوفي. . لقد حدث تصادم فظيع. ابنة خالتك . . . قُتلت!!".
كرر كلامه بلغته، وكأن ذلك يساعده على الاقتناع وتصديق حقيقة ما حدث هو نفسه.
صدرة عن صوفي صرخة ممزق جعلتها أشبه بحيوان جريح :" لا!".
- بل هو صحيح.
- هل ماتت؟ ميراندا ماتت؟
سألته وكأنها ما زالت ترجو أن ينكر ذلك. . . أن ينفيه.
- نعم، وأنا آسف صوفي. آسف جدا.
أصبتها هذه الكلمات في الصميم، فترنحت لهول الصدمة.
ميتة! ميرندا ميتة؟ ولكن هذا غير ممكن ! وأخذت تنشج باكية. كيف لامرأة في الخامسة والعشرين ورائعة الجمال أن تختفي من الوجود؟
- قل أن هذا غير صحيح لويس.
- ألا تظنين أنني كنت لأقوله لو أستطعت؟ لقد ماتت اليوم في حادث اصطدام سيارة.
قال هذا متابعا سرد قصتها التعيسة بصوت يكاد يكون رقيقا.
- لا!
ارتجفت صوفي وأغمضت عينيها . وما لبث أن ارتسم أمامها مشهد مفزع آخر ، ففتحتهما مرة أخرى بفزع: " وماذا بشأن تيودور؟ إنه لم يكن معها، أليس كذلك؟".
صرخت بذلك وقد انقبض قلبها ذعرا وهي تفكر في الطفل الغالي.
فقال لويس بصوت مثقل:" في الساعة مبكرة من الصباح ؟ كلا صوفي، لم يكن معها. كان ابني في فراشه آمنا تماما".
- آه ، الحمد لله.
قالت هذا بصوت خافت. اخترقتها موجة كبيرة من الحزن كالخنجر، وقد انطبعت كلماته في عقلها الواعي.
إذا، كان تيودور نائما في فراشه بأمان. فماذا كانت تفعل ميراندا في الخارج في سعاتالصباح الباكرة؟ ولماذا لم يصب لويس معها في الحادث؟ وسألته بعدم ثبات:" هل أصبت أنت أيضا، لويس".
في الجو المنزل الريفي الكبير المبرد بالمراوح ارتسمت علامات الكآبة والحقد على ملامح لويس الصلبة الداكنة، وهو يقول بخشونة:" أنا لم أكن معها في السيارة".
رغم أن أفكارها كانت ممزقة لضخامة ما أخبرها به، قطبت جبينها باضطراب. لم لا؟ وماذا كانت ميريندا تفعل في الشوارع في ساعات الصباح الأول من دون أسرتها؟
انقبضت يداها ، لا وقت الآن لكلمات مثل لماذا ، وأين ، وكيف. . . ليس الآن . بل المطلوب هو مواجهة هذا الموقف بأكثر ما يمكن من التعاطف. لا بد أن لويس حزين . . . لا بد أن يكون كذلك بالرغم مما قد يكون مر في حياته الزوجية مع ميراندا من أيام سيئة .ذلك أن الحياة الزوجية، كما تدرك صوفي ، لا تخلو مكن بعض المتاعب . أما الآن، فحيات زوجته وأم ابنه قد انتهت بشكل مأساوي. ومن دون اعتبار لما حدث من قبل ، لقد تفجر عالم لويس. لم يكن لشعورها الخاص نحوه أي حساب. . . ليس في وقت كهذا. إنه الآن بحاجة إلي تعزيتها وليس عدائها. وقالت بجفاء: "أنا . . . أنا آسفة للغاية ".
فقال بفتور:" شكرا. اتصلت بك لأبلغك الخبر بنفسي قبل أن تتصل بك الشرطة. ولأسألك إن كنت تريدينني أن أتصل بجدتك. . . ".
ذكرتها كلماته بالمهمة الفظيعة التي تنتظرها، وهي إخبار جدتها المسنة الواهنة الصحة بما حدث. وتنفست صوفي بألم. فكرة أن والدي ابنة خالتها لن يعانيا محنة موت ابنتهما الرائعة الجمال، ذلك أن موت الابنة قبل الأوان لم يكن هو الفجيعة الوحيدة على الإطلاق.
كان والدا ميرندا يعشقان التجوال في العالم. وقد جالا في أنحاء الدنيا الأربع ، يبحثان بنهم عن تجارب جديدة، من دون أن يتعبا من المغامرات والاكتشافات. إلي أن سقطت طائرتهما الخفيفة في أحد الأيام فوق الجبال. كانت ميراندا حينذاك في السابعة عشرة من العمر فقط، وسرعان ما أخذت تعيش وكأن ليس هناك غد. والآن لم يعد لها غد فعلا! قالت صوفي ببطء وهي تكبح دموعها :" لا، سأخبر جدتي بنفسي. ذلك سيكون أسهل. . .".
وابتلعت ريقها. إنها لن تنهار أمامه. لن تفعل ذلك:" إذا أخبرتها أنا، سيكون الأمر أقل إيلاما".
ستحاول أيضا أن تتصل بولديها اللذين يمضيان إجازة عمرهما مستمتعين بترف في إحدى جزر المحيط.
-هل أنت واثقة؟
- نعم.
- سيكون ذلك . . . صعبا. إنها امرأة عجوز .
بدا صوته ناعما كالزبدة. قوت نفسها كيلا تتأثر بذلك الصوت، فمن الضروري أن تبقي غير متأثرة بلويس دي لاكامارا، وذلك من أجل مصلحة الجميع.
- اهتمامك هذا هو مراعاة منك لمشاعرها.
أتراها تسخر منه بلهجتها الباردة الغامضة هذه؟
- طبعا، لأنها من الأقارب، صوفي . . .ماذا تتوقعين؟
ماذا تتوقع؟ إنها لا تعلم. وتسائلت كيف بإمكانه أن يلقي عليها سؤالا كهذا في وقت كهذا. لم تتوقع أن تموت ميراندا الحبيبة بهذا الشكل، أو أن ينشأ ابنها من دون أم وبعيدا عن بلدها. مجرد التفكير فيه حول صوفي من الحزن إلي الطاقة والعزيمة. فسألته: " متي الجنازة؟".
- يوم الإثنين.
وهذا يمنحها ثلاثة أيام.
- سأصل إلي هناك يوم الأحد بالطائرة.
تملك لويس الذعر، ذلك أنه شعر بانتصار مثير وشوق مستحيل لعلمه بقرب رؤيتها مرة أخرى. ولعن جسده الذي خانه إلي هذا الحد. وقال بتوتر:" اتصلي بي إلي بيتي أو مكتبي، لتعليميني بموعد وصولك. عليك أن تطيري إلي مدريد، ثم تنتقلي إلي بامبلمنا. سأرتب أمر سيارة تأخذك من المطار. هل فهمت ذلك؟".
- نعم ، وشكرا.
شكرته وهي تفكر في قدرته على ضبط نفسه. إلا أنها تذكرت أنه دوما منضبط، وأنه مهما حدث ، يبقي لويس دي لاكامارا. قال لويس برقة وبطء:" إلي اللقاء ، صوفي".
وضعت صوفي السماعة بيد مرتجفة ، وأخذت تحدق بجمود إلي الجدار أمامها وهي تفكر في ميراندا غير مصدقة، وقد دار رأسها.
يالابنة خالتها المسكينة، التي ماتت وحيدة في بلاد غريبة. وحيدة لأنها تزوجت رجلا مرغوبا. . . رجلا حملت بولده واستمتعت بأمواله لكن قلبه كان دوما مقفلا في وجهها. إضافة إلي ذلك ، فإن لويس دي لاكامارا ذو عينين سوداوين تنضحان بالقوة وبالمشاعر، ما جعل صوفي تشك بأنه سيبقي أمينا مخلصا لزوجته، حتي خلال السنة الأول من زواجهما. وعلى كل حال، تجاهلت هي الدعوة التي قرأتها فيهما ذات يوم، لأنها كانت تحب ميراندا. لكنها تشك في أن تكون لدي النساء الأخريات مثل هذه الحصانة أمام سحر لويس دي لاكامارا. والآن على طفل صغير أن ينشأ من دون أم. تحولت نظرات صوفي إلي صورة موضوعة داخل إطار فضي علي مكتبها بكبرياء، فتناولتها وأخذت تتأملها. إنها صورة تيودور، وقد أخذت قبل عيد ميلاده الأول مباشرة،أي منذ أسابيع قليلة. ياله من طفل حبيب ! إنه لا يشبه أمه بجمالها الأشقر بل يشبه أباه بلونه الرائع. وعندما أخذت تحدق إلي الصورة ، عادت الصورة وجه لويس الوسيم الصلب تتدفق إلي ذاكرتها بوضوح مر.
عندما رأته لأول مرة، لفت نظرها منه عينان سوداوان لامعتان مظللتان بأهداب سوداء كثيفة، كما أن شعره بدا كليلة دون قمر. لقد اصطدمت به في نهاية الطريق فوقف جامدا يحدق إليها بعنف، وكأنه يعرفها من قبل ، ولا يصدق عينيه. أما هي فساورها شعور نفسه. لقد قفز قلبها بعنف وفرح غير متوقع ولهفة شعرت معها بشوق حلو بطيء. يجب ألا يحدث ذلك لفتاة هادئة ورصينة مثلها. هل يمكن الوقوع في الحب في جزء من الثانية؟ تذكرة بعجز تفكيرها ذاك وهي تحدق في تلك الملامح الأرستقراطية التي يبدو أنها أمضت حياتها بانتظارها. رأت عينيه تظلمان، وقد تصاعد منهما اللهب فوق وجنتيه العاليتين. وانفرجت شفتاه الصلبتان الممتلئتان من دون وعي. لم ينظر إليها أحد قط من قبل بمثل هذه الوقاحة والغطرسة. وفكرت في أنه يريدها وهي تريده أيضا. واجتاحتها موجة ساخنة ووجدت نفسها تتساءل عما إذا كانت فقدت عقلها كليا.
وإذا بميراندا تظهر حاملة زجاجة عصير ، وقد فتحت فمها دهشة: " صوفي؟ يالله!" . هتفت بذلك ثم رفعت نظرها إلي الرجل من دون تلاحظ التوتر الذي يحيط بهما: " يا لها من مصادفة! كنا في طريقنا لرؤيتك، أليس كذلك ياحبيبي؟".
- حبيبي؟
برجفة أعمق من خيبة الأمل، نظرة صوفي ببلادة إلي ميراندا وهي تلمس بإلفه ذراع ذلك الرجل الطويل الأسمر صاحب العينين اللامعتين...
تلك الإلفة التي بدت بين قريبتها والرجل الغريب جعلت قلبها يغوص عميقا في صدرها. فقد أدركت أن هناك صلة ما بينهما.
- صوفي، عزيزتي. . أحب أن أعرفك إلي دون لويس دي لاكامارا.
قالت ميراندا هذا بزهو ثم ابتسمت لذلك الوجه الأسمر الغامض:" لويس. . . هذه ابنة خالي صوفي ميلز".
- ابنة خالتك؟
سألها مقطبا، بينما بدا صوته غليظا وكأن فيه لمحة من المرارو. تلاشت نظرته الغازية العنيفة على الفور. ورأت صوفي هزة كتفيه الآسفة التي احتلت مكانها ، فأدركت أن دون لويس دي لاكامارا لن يلقي عليها قط تلك النظرة مرة أخرى. لأنها، بصفتها قريبة لخطيبته، لا يصلح أبدا للعبث معها. لكن الرجل الذيينظر بهذا الشكل إلي امرأة قبل أيام من عرسه ، هو رجل عابث. أدركت صوفي ذلك بثقة عمياء، وكرهته لأجل ذلك. قالت ميراندا بابتسامة عريضة:" حسنا، إننا نمضي كل إجازاتنا معا، لهذا نحن أشبه بأختين في الواقع! صوفي، نحن سنتزوج! أليس هذا رائعا؟ طلب مني لويس الزواج!".
ارتجفت صوفي وهي تتذكر الغيرة التي تملكتها. أتكون غيورة من ابنة خالتها؟
أرغمت نفسها على الابتسام وعانقت ميراندا، ثم مدت يدها إلي لويس. لم يكن أي منهما غافلا عن الحرارة التي تملكتها بسبب تلامس أيديهما
انحني لويس رافعا أناملها إلي شفتيه بأسلوب مهذب، يدل بوضوح على سلوك الطبقة الأأرستقراطية التي ينتمي إليها. وقد بدة عيناه ساخرتين مكايدتين.
عادوا جميعا إلي شقتها وشربوا العصير معا. وبينما كانت ميراندا تفور بالحياة، كان الرجل الإسباني يجلس مراقبا، مختارا كلماته بعناية. وقد شعرت صوفي أن وجوده في شقتها يحمل تناقضا ما ، فمن جهة وجدته مناسبا جدا لعالمها، بينما أحست أن في ذلك خطأ كبيرا لأنه رجل ميراندا، كما أخذت تذكر نفسها. . . رجل ميراندا.
أبعدت عنها، بجهد، هذه الذكريات المزعجة، مرغمة نفسها على العودة إلي الحاضر، مركزة أهتمامها على صورة الطفل بدلا من معالم أبيه البالغة الرجولة.
على الأقل، وجه تيودور ما زال يحمل رقة البراءة، ويمكنها أن ترى فيه قليلا من الطيبة المنيعة التي تميز شخصية لويس.
تسائلفت عما سيحدث لتيودور الآن! هل ستتلاشي من ذهنه ذكرى أمه حتي النسيان تقريبا؟ وعضت صوفي شفتها. إلي إي حد سيخدمه الحظ فيعلم بما حدث لأمه، ويتعرف بموطنها الأصلي؟ وفجأة، خفف الحس الواجب من بعض الأسى الذي تشعر به. لن يأخذه لويس منا كليا، وكان هذا تعهدا منها . . . ستحارب للحصول على فرصة التعرف إليه وكأنه ابنها! وضغطت زر الهاتف الداخلي إلي ناريل بيد مرتجفة لتطلب منها أن تحجز لها تذكرة إلي إسبانيا.
ثم غسلت وجهها ومشطت شعرها ثم استدعت ليام هولينغزويرث إلي المكتب. ما إن رآها ليام حتي أجفل : " ما الذي تفعلينه بنفسك بحق الله؟ هل أنت بخير؟ ".
فقالت وصوتها مازال يرتجف قليلا :" لا، ليس تماما".
- بحق الله، صوفي . ما الذي حدث لك ؟ ما الأمر؟
- إنها ميراندا، إبنة خالتي . لقد قتلت. . . في حادث اصطدام. على . . . على أن أذهب وأخبر جدتي. . .
- آه، ياإلهي.
- ثم ، أسافر إلي إسبانيا لحضور الجنازة.
- آه، حبيبتي!
كان يقف بجانبها عند المكتب، يحدق إليها بنظرة اهتمام. وفجأة راحت تشهق بالبكاء.
- كفي، حبيبتي!
فشهقت:" أواه، يا ليام".
- تعالي.
قال هذا برقة وهو يضع ذراعه حولها. سمحت لنفسها بالبكاء على كتفه قليلا ، ولكن بعد لحظات ابتعدت ووقفت عند النافدة تحدق منها إلي العالم الذي لن يعود بعد اليوم كما كان . ثم قالت بتبلد:" مازلت لا أصدق". فسألها :" ماذا حدث؟".
- ما أعرفه قليل جدا. أعرف فقط أنها قتلت في حادث سيارة . كنت مصدومة إلي حد لم أسأل معه عن التفاصيل.
- كيف عرفت؟
- من زوجها لويس . اتصل بي وأخبرني.
فقطب حاجبيه :" ذلك الرجل المليونير؟ ذلك الذي لا تطقينه؟".
- هو نفسه.
قالت هذا متوترة ، وهي تفكر أن الحقيقة هي أكثر تعقيدا من مجرد أنها لا تطيق الرجل.
- متي موعد الجنازة ؟
- الإثنين. وسأذهب إلي هناك الأحد. ليام، لا أدري إن كنت سأستطيع أحتمال ذلك.
فأومأ بتفهم: " حسنا، سيكون الأمر صعبا. ولكن على الأقل ، بعد ذلك لن تكوني بحاجة للقائه مرة أخرة".
هزت صوفي رأسها :" لكن ذلك ليس سهلا. وياليته كان كذلك! لا يمكنني أن أنفي لويس من حياتي رغم رغبتي في ذلك . لا تنس أنه والد ابن ابنة خالتي، وأنا مدينة لميراندا وتيودور بأن أكافح لأجله".
بدت هذه الكلمات وكأنها آتية من مكان مجهول في أعماقها حدق ليام فيها :" تكافيحين لأجله؟ من المؤكد أنك لا تفكرين بطلب الوصاية على الطفل، صوفي؟ إذ لا أمل لك في ذلك . خصوصا أذا كان الرجل غنيا و ذا نفوذ كما تقولين. كما أنه والده".
دلكت صوفي صدغيها شاعرة بالتعب :" لا أدري ما أفكر به. . . ما عدا أن على الذهاب إلي هناك الآن. على أن أجعل ثيودور يعلم أن لديه أقارب وأننا نحبه".
- وعندما تنتهي الجنازة؟ هل ستعودين مباشرة؟
منتدى روايتى
فتقابلت أعينهما :" لا أدري. لا أستطيع تحديد وقت معين ، سيبقي بإمكاني القيام ببعض العمل . . إذ سوف أستخدم الإنترنت. وأظنكم ستتدبرون الأمور هنا من دوني . أليس كذلك؟".
- طبعا بإمكاننا ذلك . كل ما في الأمر أننا سنفتقدك.
- شكرا.
همست بذلك وهي تغالي دموعها ، ثم ابتدأت تجهز حقيبة أوراقها.
كانت معرفتها بليام قديمة. فقد تعارفا في الجامعة، واكتشفا تماثلهما.
في امتلاك روح النكتة والطموح إلي اكتساب المال . وهذا يفسر ظهور " شركة إعلانات هولينغزويرث ميلز" وهما الآن يندفعان نحو القمة. امتزاج الحماسة مع استخدام موظفين شبان متألقين مع التطلع إلي أهداف بعيدة متألقة، كان يعني أن ليام وصوفي يقفان الآن على حافة النجاح غير متوقع. ولكن من يهتم بمثل هذه الأمور. في وقت كهذا؟
وإذ لم تستطع أن تقود سيارتها لارتجاف يديها، استقلت القطار إلينورفولك. شعرت أن قلبها يبكي على جدتها، فيما هي تصعد مشيا ة إلي الكوخ الريفي حيث كانت تمضي وميراندا قسما من عطلاتهما المدرسيةكل صيف. كانتا تسيران أميالا على الشواطىء الخالية الفسيحة، تتسلقان الأشجار، وتطعمان البط السمين في البحيرة بقطع الخبز.وكانت صوفي تراقب جمال ميراندا الذي راح يزداد يوما بعد يوم. كما رأت بنفسها تأثير هذا الجمال الخلاب على الرجال. قرعت جرس الباب القديم الطراز، سائلة الله أن يلهمها الكلمات المناسبة لكي تخبر الجدة بما حدث. . . عالمة بأنها لن تجد كلمات لا تسبب الألم. كانت فيليستي ميلز في الثمانين من عمرها تقريبا، وقد علمتها الحياة دروسا قاسية. ألقت نظرة واحدة على وجه صوفي ثم قالت بفتور:" خبر سيء؟".
- نعم. عن ميراندا. . .
فقالت متخشية:" ميراندا ماتت، أليس كذلك؟".
.................................................. .......... ..
- كيف؟ كيف عرفت؟
همست صوفي تسألها بعد ذلك بوقت طويل ، بعد أن ذرفتا الدموع. ثم أخذتا تلتمسان التعزية في النظر إلي الصورة القديمة لميراندا عندما كانت طفلة، وعندما كانت تخطو أولى خطواتها، ثم بقية مراحل حياتها، إلي صورة تمثلها عروسا مذهلة.لم تشأ صوفي أن تطيل النظر في تلك الصورة. . . فتري وجه لويس الأسمر يسخر منها ويسبب لها وخز الضمير. وعادة تسأل الجدة:" كيف؟". فتنهدت هذه :" لا أستطيع التفسير! نظرة فقط إلي وجهك فعرفت ذلك. كانت ميراندا إلي حد ما ، معرضة لذلك. فقد كانت دوما تطير صاعدة نحو الشمس ما جعلها معرضة لأن تحتحرق يوما ما".
- ولكن كيف أمكنك أن تتقبلي الأمر بهذا الشكل؟
- وكيف لا يمكنني ذلك؟ لقد عشت سنوات الحرب ياحبيبتي . وبهذا تعلمت أن أتقبل ما لا يمكن تغييره.
ضغطت يد جدتها وقالت:" هل هناك. . . هل خناك شيء أقوم به لأجلك ياجدتي؟". ساد صمت طويل ثم نظرة الجدة إليها:" هناك شيء واحد. . . ولكن قد يكون مستحيلا . أنا أكبر وأعجز من أن أسافر إلي إسبانيا لأحضر الجنازة. لكنني أحب أن أري تيودور مرة أخرى قبل أن أموت". ابتلعت صوفي غصة في حلقها . من المؤكد أن هذا الطلب ليس كثيرا حتي على لويس. . . خصوصا في هذه الظروف. فقالت بصوت مرتجف:
- سأحضره أليك إذن. هذا وعد.
- ولكن ربما لن يقبل لويس بذلك.
لمعت عينا صوفي بدموع لم تنهمر:" بل عليه ذلك، عليه ذلك".
- هذه خدمة كبرى منه. عالجي الأمر معه برفق، يا صوفي ، فأنت تدركين الشعور العنيف بالتملك الذي لديه نحو أبنه. كما تعلمين أى نوع من الرجال من تتعاملين معه. أنت تعرفين سمعته. قليلون هم الذين يجرؤون على مواجهته.
- أرجو ألا يصل بنا الأمر إلي هذا الحد.
قالت صوفي هذا ثم حدقت بجدتها قائلة وقد بان الاضطراب في عينيها :" ألا تكرهينه ياجدتي لأنه جعل ميراندا تعيسة للغاية؟ .
فأجابت العجوز ببطء :" ليست السعادة هبة يمنحها شخص لآخر. السعادة تحتاج إلي شخصين، والكراهية هي مضيعة للمشاعر تماما. وماذا أستفيد إذا أنا كرهت والد ابن حفيدتي؟".
لكن إذا أخرجت صوفي الكراهية من المعادلة ، ماذا يبقي لها إذن؟ الجاذبية الطاعية التي كانت ترجو أن يضعفها مرور الزمن. كل ما تريده هو أن تكون منيعة إزاء شخصيته القوية ووجهه الأسمر الذي لا ينسى . إنهل لم تر لويس منذ عمادة تيودور، أي منذ سنة، عندما أحضرا الطفل إلي إنكلترا. تعمدت صوفي يومها أن تبتعد عن لويس ، رغم شعورها بأن عينيه الفولاذيتين تراقبانها وهي تتنقل في أنحاء الغرفة. تساءلت عما إذا كان قد إخلف بعهوده الزوجية حتي الآن. وعندما سنحت لها فرصة للاختلاء بابنة خالتها سألتها إن كان ثمة شيء سيء في زواجهما. لكن ميرندا هزت كتفيها فقط وأجابت بمرارة:" آه، كان على لويس أن يتزوج فتاة إسبانية مطيعة لينة لا تحب الخروج من البيت. يبدو أنه لا يستطيع أن يتعامل مع امرأة لا تعجبها حياة البيت الهادئة".
حينها وجهت صوفي نظرة نارية عبر الغرفة إلي لويس، فلم يقابلها إلا بنظرة ساخرة باردة.

.................................................. .......... ..............
هبطت طائرة صوفي في " بامبلونا" في وهج الحرارة التي ما زالت مستمرة حتي أواحر المساء الإسباني، فأسرعت تجتاز البوبات وعيناها تتفحصان الواصلين. توقعت أن تجد بانتظارها سائق سيارة يحمل بطاقة عليها اسمها، ولكن ما هي إلا لحظة حتي رأت شخصا طويلا بانتظارها. وبسرعة لاحظت العينين اللامعتين والفم غير الباسم والملامح الغلقة. بداأطول من أي رجل آخر هناك. لا شك أن وجهه يجذب النساء كالمغناطيس. لا ، إنه لم يتغير، واهيز قلب صوفي بشكل عنيف غير مرغوب فيه.

كان يقف بين الجموع ، لكنه يقف وحده. ويبدو أن لويس دي لاكامارا جاء لاستقبال صوفي شخصيا.

* فوفو * 15-06-10 01:05 AM

شكرا ليكى على الرواية

والرواية لم تنزل من قبل فى المنتدي كتابة كمليها فى إنتظارك

مرمر2000 15-06-10 07:01 PM

:icon30::icon30:
حلوه كتير كمليها

الحالمة دائما 16-06-10 01:27 PM

- هل أبعدوها ؟

أخذ لويس ينظر إلي صوفي وهي تدخل إلي قاعة الواصلين من السفر. لاحظ من دون أن يبتسم ، الرؤوس التي كانت تلتفت إليها فيما هي تسير. رغم أنها ،هي نفسها، بدت غافلة تماما عن ذلك. فهي تملك البشرة البيضاء والشعر الأشقر اللذين يجعلان قلوب معظم الرجال الأسبان تذوب . رغم أنها لم تكن تتعمد لفت انتباه أحد مطلقا. كذلك كانت ابنة خالتها ! شعر بنبضه يتسارع وهي تتقدم نحوه، وثوبها القطني الخفيف يكشف عن ساقيها الرشيقتين وكاحليها اللذين جعلاه يدهش لمقدرتهما على حمل وزنها. تذكر المرة الأول التي رآها فيها، عندما أسرت خياله بجمالها الطبيعي ورشاقتها وجاذبيتها التي لم تكن واعية لها. يوم التقاها شعر برغبة فيها على الفور، ثم احتقر الشعور الحاد الساخن الذي أوحت به إليه، وتلك المشاعر التي لايستطيع إيشباعها أبدا. وقفت أمامه بشعرها العسلي اللون ، وبشرتها البيضاء الشفافة، ورشاقتها التي تماثل في ليونتها شجرة الصفصاف. شعر أن نظراتها تنبئ بعزيمة عابسة تلمع في عينيها الزرقاوين المتألقتين.
منتديات روايتى
أحس لويس بالخطر من تلك العزيمة لكنه حاول تجاهلها . كسا وجهه قناع من التهذيب الرسمي وهو يحني رأسه محييا. لو كانت امرأة أخرة لربما قبلها على الوجنتين، ولكن ليس هذه المرأة. لقد رغب في معانقتها عندما رآها أول مرة. لكن الوقت كان قد فات حينذاك. وهو كذلك الآن!قال بانحناءة رسمية صغيرة:" صوفي، أرجو أن تكون رحلتك كانت مريحة؟". بدا طويلا إلي حد جعلها ترفع رأسها إليه، وغاص قلبها وهي تري أن رجولته الدفاقة ما زالت بتلك القوة والفعالية الليتين تعهدهما فيه. لكن الطريقة التي تكلم بها كانت أشبه بسؤال عن حالة الطقس. لم يبدو رجل مفجوع قد فقد زوجته حديثا. ولأول مرة، تساءلت صوفي عما إذا كانت تلك المأساة، في الواقع، وضعت نهاية مناسبة لزواج شقي. تمكنت من إبقاء وجهها حياديا خاليا من أي تعبير وهي تجيب:" كانت مريحة بما يكفي، شكرا". رغم أن الحقيقة غير ذلك؛ فقد أمضت السعات القليلة الماضية وهي تحاول أن تقوي عزيمتها لكي تبقي مهذبة ومتبلدة نحوه. تساءلت عما يكون عليه مشاعره، فالتأثر لا يبدو عليه. لم تري احمرارا في أجفانه أو أثرا لدموع ذرفها على أم ولده. ولكن من يمكنه أن يتصور رجلا مثل لويس يذرف الدموع؟ بدا لها اليوم
-
شارد الدهن ذا وجه صلب بارد، وكأنه قد من رخام عسلي اللون. لكن مع ذلك، فإن جاذيبته كانت واضحة إلي درجة بالغة. يبلغ طول لويس حالي الستة أقدام،كتفاه عريضتان قويتان. بنطلونه الصيفي الخفيف لم يخف تماما قوة ساقيه الجبارتين المنتصبتين أشبه بعمودين. وتحت كمي قميصه القطني القصيرين، بدة عضلاته المفتولة مظهرة القوة ذراعيه.إلا أن أكثر ما يسترعي الاهتمام فيه، وجهه الذي يحمل طابع أجيال من الأستقراطية الإسبانية. فقد ظهرت عليه الكبرياء تصل إلي حد القصوة، حيث لا يخفف من صلابة ملامحه سوي شفتيه الممتلئتين اللتين تنضحان بالإيحاءات. لا عجب فيأن تغرق ابنة خالتها في غرامه رأسا على عقب. فكرت صوفي في ذلك وقد تملكها الحزن المفاجئ تركها مقطوعة الأنفاس.
منتديات روايتى
لاحظ لويس أثر الدموع التي بللت عينيها الزرقاوين، وفضح ارتجاف شفتيها حزنها. مد يده ليمسك بيدها، فإذا بها بالغة الضآلة والبرودة في يده. قال بجد بالغ:" لك تعازي الحارة". رفعت وجهها، وهي تحبس دموعها. وسحبت يدها من يده الدافءة، وقد شعرة باليأس من هذه المشاعر الواضحة بينهما . تلك المشاعر التي تأمرها بأن تبقي يدها حيث هي بالضبط.
- شكرا.
أجابت برقة، تاركة نظراتها تسقط إلي الأرض، كيلا تقرأ عيناه الفطنتان السوداوان ما كان يدور في دهنها . نظر إلي رأسها المحني وكتفيها المتصلبتين. إنها حزينة على ابنة خالتها، كما ذكر نفسه، رغم أن لمعان التحدي حتي الغضب تقريبا كان ظاهرا في عينيها. ولم يكن فيه كثير من الحزن بكل تأكيد.
- تعالي، صوفي. السيارة بانتظارنا وأمامنا رحلة طويلة نوعا ما. دعيني أحمل حقيبة ملابسك.
منتديات روايتى
بدا كلامه أمرا أكثر منه عرضا للمساعدة. ورغم أنها أرادت أن تحمل حقيبتها بنفسها، رأت أن لا فائدة من المعاندة رجل مثل لويس. سيلح على ذلك، كما أخبرتها غريزتها، تماما كما اعتادت ابنة خالتها أن تخبرها عن أسرارهما. إنه من سلالة من الرجال ذوي السلطة، رجال يرون بوضوح الخطوط المرسومة بين أدوار الجنسين. قد تكون أسبانيا الآن دولة عصرية كغيرها من الدول أوروبا، لكن أشباه لويس من الرجال لا يتغيرون مع الزمن. إنهم يستمرون في اعتبار أنفسهم أولئك الغزاة العظماء المتفوقين. . . وأسياد كل المرئيات . رأت النساء يرمقنه
وهو يمر بنظرات جانيبية بعضها خجول وبعضها الآخر متشوق. لم تستطع أن تري ما يجول في عينيه، وتساءلت إن كان يبادلهن تلك النظرات الجائعة. ربما! ألم يفعل ذلك معها؟ قبل أن يكتشف هويتها؟ وهو طبعا الآن، من دون زوجة، يمكنه أن يتصرف كما يريد. فيمارس سحره ليحصل على أية امرأة يريدها. كان مبني المطار مكيفا، ولكن عندما أصبحا خارجه، لفحت وجهها حرارة قوية أشبه بقفاز مخملي، رغم أن الوقت قد تجاوز الظهيرة. رآها لويس تجفل تحت وطأة الحرارة، فأدرك أن عليه أن يحذرها من حرارة الشمس.
- لماذا لا تخلعين سترتك؟
فقالت متوترة :" أنا بخير". فتصلب فمه:" كما تشائين".
ولحسن الحظ ، أن السيارة كانت مكيفة. وانتظرة صوفي إلي أن خرج من موقف السيارات متجها نحو الطريق فالتفتت إليه قائلة:" أين تيودور؟".
- في البيت.
- أوه.
سمع خيبة الأمل في صوتها :" هل تصورت أنني سأحضره في هذا الطقس الحار، لكي ينتظر طائرة قد تتأخر؟ ".
- ومن يعتني به إذن؟
هل يحمل سؤالها تأنيبا؟ تساءل عن ذلك غير مصدق. أتراها تظن أنه يترك الطفل وحده؟
- إنه تحت رعاية مربيته. . .
منتديات روايتى
رآها تقطب بحيرة فعلم أنها مثل ابنة خالتها لا تعرف الإسبانية على الإطلاق. ساد صمت قصير. ما الفائدة من إخفاء الأمر عنها؟ سرعان ما يشيع الخبر بين الناس. كان يفكر بالأسبانية فانزلقت الاكلمات من بين شفتيه من دون وعي. ومع أنها لا تفهم الإسبانية لكنها استطاعت أن تفهم ما يقول من لهجته الثقيلة الفاترة. فأغمضت عينيها بيأس، :" آه، ياإلهي، إسراف في الشرب؟".
- لم تصدر بعد نتيجة الاختبار.
تملكها الغضب العنيف. . . ولأول مرة لم يكن غضبها من الرجل الذي يجلس إلي جانبها بل من ميراندا. لقد كانت أما بكل ما في هذه الكلمة من مسؤلية. ولديها طفل عليها أن ترعاه، فكيف كانت بهذا الغباء بحيث تخرج في سيارة سائقها ثمل؟ إلا إذا كانت لا تعلم ذلك.لكن ميراندا لم تكن غبية. كانت عنيدة صلبة . لكنها لم تكن غبية. إلا إذا هذا الرجل الذي
قود السيارته في أنحاء الريف الإسباني المظلم بخبرة بالغة قد جعل حياتها من التعاسة بحيث لم تعد تهتم بالمنطق ولا بسلامتها الشخصية. وهزة رأسها. لم يكن ثمة مبرر يجعل ميرندا تخرج من بيتها مع سائق ثمل كانت حالتها الزوجية. فهي دوما كانت حرة في أن تنهي هذا الزواج. وألقت صوفي نظرة جانيبية على الرجل الذي بجانبها. أم أنها مخطئة؟ ماذا لم أن ميراندا حاولت أن تهرب آخذة معها تيودور؟ أما كان لويس استعمل نفوذه وسلطته لإيقافها؟. أدارت رأسها وضغطت خدها على الزجاج النافذة البارد، ثم نظرة إلي الخارج، شبه مأخوذة بجمال البرية.
كان المنظر حولهما بنفسجيا داكنا والنجوم الساطعة ترصع السماء وقد بدت أكبر حجما وأكثر تألقا منها في إنكلترا. وبدا موطنها فجأة بعيدا جدا. ثم تذكرت أن لديها مسؤوليات هي أيضا. مدت يدها إلي حقيبة يدها وأخرجت هاتفها الخلوي، وسألته:" هل يعمل هذا الهاتف هنا؟". ضاقت عيناه وهو ينظر إلي الهاتف:" هذا يعتمد على نوعيته. ولكن لدي هاتف يمكنك أن تستعمليه".
منتديات روايتى
- هل لديك هاتف خلوي معنا في سيارة؟
فالتوي فمه بابتسامة عابسة:" هل تتصورينني أجري اتصالاتي بواسطة أعمدة التلغراف في الأدغال؟ ستجدين هنا كل أجهزة الراحة العصرية، حتي هنا في " لاريوجا" ياصوفي ". ومع ذلك بدا كلماته تسخر من حقيقة وجوده. لقد قال ( أجهزة الراحة العصرية) فيما هو، بشروده ولونه السمر، يبدو كأنه يمثل كل نقيض كل ما هو عصري .
أخذا ينظر إليها وهي تضغط على الأرقام ثم سألها برقة:" هل اتصالك هذا من الأهمية بحيث لا يمكن أن ينتظر وصولنا إلي البيت؟".
- على أن أخبر شخصا ما بأنني وصلت سالمة.
- أظنه رجلا؟
في الواقع نعم ،أنه، رجل هذا الأمر ليس من شأنه، ولكن فلتدعه يفسر كما يريد. لابد أنه يفعل. وفكر لويس: من الواضح أن في حياتها رجلا. هل تربطهما علاقة قوية؟ وتم الاتصال:
- ليام؟ هاي، هذا أنا. إلي جانبها كان لويس يحدق في الطريق أمامه، متسائلا عما إذا كانت تشبه ابنة خالتها في ميلها إلي الحرية في العلاقات. وقعت نظرته على غير عمد على ساقيها، ولم يكن مستعدا لوخزة الغيرة المفاجئة، لتصوره أنها تقيم علاقة مع رجل آخر. ذكر نفسه بأنه عرف نساء كثيرات مثلها. . . ذوات الشعر أشقر وأعين


الكبيرة الزرقاء وأجساد رشيقة. لهن أجساد نساء لكن بعقول الرجال فهن يتصرفن كما يتصرف الرجال منذ سنوات. ما أن يردن شيئا يرغبن فيه حتي ينطلقن للحصول عليه. ألم ترغب فيه صوفي ذات يوم؟ لكن ذلك حصل قبل أن تكتشف أنه سيتزوج ابنة خالتها، تماما كما رغب هو فيها. . . كانت رغبة لا مثيل لها،أشبه بصاعقة رعدية صعقته وتركته متشوقا ذاهلا. لقد حدث ذلك لها أيضا . رأي هذا بنفسه واضحا كالشمي. أخذ يستمع دون خجل إلي حديثها بينما السيارة تقطع الأميال.
- لا، أنا في السيارة الآن مع لويس . . . فترة صمت ثم:" لا. لا، حقا". فترة صمت أخي ثم نظرة إلي ساعتها :" إنها التاسعة تماما. لا، لا بأس في ذلك. نعم. أعرف هذا ، لكنني لا أستطيع أن أتكلم الآن في الحقيقة. نعم. لا بأس . شكرا يا ليام. أنا أرجو ذلك أيضا. لا بأس سأفعل هذا . سأتصل بك نهار السبت". قطعت الاتصال وأعادت الهاتف إلي علبته. وقالت بجحود" شكرا". ساد صمت عميق خطر عندما رآها تضع ساقا رشيقة بيبضاء فوق الأخري، وسألها بنعومة بينما الدم ينبض في رأسه:" هل اشتاق إليك صديقك بهذه السرعة؟". لم تصدق أذنيها. هذا القول كان من الفظاعة بحيث بقيت صوفي خرساء للحظة:" عفوا، لم أسمع جيدا" ظهرت على وجهه شبه ابتسامة ، بدت في العتمة في غاية الجمال والجاذبية. ومع ذلك ظل بإمكانها أن تحول صوتها إلي جليد، فقالت:" ليام، في الواقع، هو شريكي في العمل".
- آه
ثمة شيء قاتم، غامض، يحمل الخطر في هذه الكلمة. شعرة صوفي بخفقات قلبها تزداد لا لشء أكثر من مجرد الخوف:" هل هناك. . . شخص أخر مقيم في البيت؟".
سمع في صوتها رجفة، فشعر بتسلية رغم أنها جذبته وأشعرته بالأأحباط. أتراها خائفة منه أم من نفسها؟ هل مازالت تريده؟ سألها بعفوية:" أتعنين عدا تيودور؟".
- أنت تعلم أنني أعني ذلك.
- إحدي نساء المزرعة تأتي لتساعد في إطعامه. وبيرو، وهو بستاني والطاهي عندي، يعيش في البيت مع زوجته سلفادورا. إنها مربية تيودور، كما كانت مربيتي أنا من قبل، عندما كنت طفلا
- عندما. . . متى؟ من قبل أن تموت ميراندا
سألته صوفي وهي تفكر في أن سلفادورا لا بد معتادة قليلا على الطفل الآن. فتمتم مراوغا:" آه، قبل وقت طويل من ذلك. ابني متعلق بها، سترين ذلك بنفسك ".
اكتسحتها موجة سخط تبعها شعور آخر أكثر بدائية. أتراهم أبعدوا ميراندا عن ابنها إلي هذا الحد ؟ أتري المرأة الإنكليزية أبعدت جانبا لتحل مكانها أم بديلة. . . إسبانية تعلم تيودور لغة وتقاليد أبيه؟ حسنا، لن يدوم هذا مدة أطول بكثير، كما تعهدت صوفي. إنها بشكل ما، ستعلمه شيئا من تراث أمه. وعادت تفتش في حقيبة يدها عن فرشاة الشعر هذه المرة. قال وهو يلوي فمه:" لن يتأثر أحد هنا بجمالك، عزيزتي". ما عداه هو! وعندما رفعت رأسها، راح يراقب خطوط عنقها الطويل وصدرها الرائع.
- لم أفكر بذلك على الإطلاق!
وأخذة تمشط شعرها العسلي الجميل بعناية، فقد أصبح لزجا بعد رحلتها الطويلة هذه:"كل ما في الأمر أنني أريد أن أكون لائقة عند وصولي ". ورأت الأضواء تلوح من بعيد فسألته:" هل قاربنا الوصول؟".
منتديات روايتى
- نعم. نحن على وشك اجتياز كروم العنب. عادت تنظر من نافدة السيارة. إنها كروم " لاكامارا" الشهيرة. أكبر كروم في المنطقة. والتي يصنع منها العصير ممتاز يصدر إلي كل أنحاء العالم. استندت إلي الخلف في مقعدها وأغمضت عينيها. نظر لويس إليها مقطبا قليلا، وهو يري توتر كتفيها. تساءل عما إذا كانت على وشك البكاء. ورق صوته بشكل غريزي :" هل أكلت في الطائرة؟".
- لا. كان طعاما لا يمكن تمييزه في صوان من البلاستيك، كما أنني لم أكن جائعة.
- إذن سنتعشي معا حين وصولنا.
- لكن الوقت متأخر بالنسبة إلي العشاء.
- نحن في إسبانيا نتأخر في تناول العشاء. ألاتعرفين هذا؟ ألاتعلمين أن الإسبانيين يطيلون السهر أكثر من أي شعب في أوروبا؟ فهم يعتبرون الذهاب إلي الفراش قبل الثالثة صباحا انتقاصا من شرفهم الشخصي.
فهزة صوفي رأسها:" أنا لم أحضر إلي إسبانيا سوي مرة واحدة لمناسبة عمادة تيودور".
- إذن فقد فاتك الكثير.

بدا صوته الآن عميقا رقيقا تقريبا، ما جعله يبدو عطوفا:" وأتمني أن تكون زيارتك هذه المرة في ظروف أسعد، يا عزيزتي. من المؤسف أن ما سترينه من بلادي قبل عودتك إلي وطنك سيكون قليلا جدا".
ساد صمت مشحون، تجاهلته صوفي. لكن لويس عاد يقول :" بالمناسبة، لم تخبريني كم ستمضين هنا؟".
- لا. لم أخبرك.
- إذن؟
سرها وجود الظلام لأن طريقة لفظ كلمة تلك كانت أقرب إلي التهديد.
- أنا غير واثقة.
لن ترحل قبل أن تتأكد أن بإمكانها اصطحاب تيودور معها في عطلة إلي انكلترا ليري جدة أمه. أما الآن ، فالوقت غير مناسب للحديث عن ذلك. ثم ذكرت نفسها بأنها ، بصفتها ضيفته، عليها أن تكون مهذبة:" أحب أن أقيم عدة أيام على الأقل وربما أكثر، إذا وافقك ذلك. أحب أن أتملي من رؤية تيودور".
منتديات روايتى
ضاقت عيناه. لا! ذلك لا يوافقه. إنه لا يريد تلك المرأة في بيته مدة أطول مما هو ضروري. . . وذلك لسببين سهلين ومع ذلك معقدين للغاية: إنه يرغب بها، لكنه لا يستطيع أبدا أن يجعلها له. لا الآن ، ولا فيما بعد. . .
إل أنه قال برقة:" الأسبان مشهورون بحسن الضيافة، يا صوفي، ولهذا منزلي هو منزلك للمدة التي تريدينها ".
أومأت صوفي. هذا إلا إذا جعل إقامتها هنا مستحيلة:" شكرا".
- أهلا و سهلا.
صعدت السيارة الطريق المنزل المرصوف بالحصي والمظلل بأشجار غريبة رأت صوفي من خلالها أضواء البيت المرحبة بها.
فتح باب السيارة فخيل إليها أنها تشم روائح أشجار البرتقال والليمون، وكان نسيم الليل مغمسا بروائح براعم الأزهار الغريبة. نظرت إلي المبني الفخم المهيب ةالذي يبدو وكأنه موجود منذ الأزل. إنه يوحي بحس بالجمال والتاريخ، من المستحيل إنكاره بالرغم منالظروف المحطمة للقلب التي أحضرها إلي هنا. ثم ، إذا بسواد هاتين العينين الساخرتين يغمرها، وهو يقول برقة :" مرحبا بك في بيتي ، صوفي".

انتهاء الفصل الثاني


الحالمة دائما 17-06-10 01:34 PM

من يدفع الثمن ؟
كان بيت المزرعة من الداخل بارداً منعشاً, ولا بد أن هناك من علم بوصولهما. فما إن تناول لويس معطف صوفي ووضع حقيبة ملابسها على الأرض, حتى ظهرت امرأة متوسطة في السن في آخر الردهة. نظرت إلى لويس بابتسامة دافئة قائلة بالإسبانية: "مساء الخير, سيد لويس".
رأت صوفي وجهه يشع عطفاً وهو ينحني ويقبلها على خديها:"مساء الخير, سلفادورا".
قال بالإسبانية شيئاً بسرعة, ثم قال لصوفي بالإنكليزية ببطء وعناية:"هذه سلفادورا,مربية تيودور. هذه صوفي ميلز, إبنة خالة ميراندا"
- مساء الخير .
قالت صوفي هذا بالإسبانية بأدب. راودتها أفكار متشككة وهما في السيارة, في أن هذه المرأة أكبر سناً من أن تتحمل مسؤولية طفل لم يكد يتجاوز سنته الأولى, وها قد تعززت أفكارها تلك لدى رؤيتها لمظهر هذه المرأة المنهك الهش. خيل إلى صوفي أن الحذر بدا على وجه المرأة, فقد ضاقت عيناها وهي تشملها بنظراتها من أعلى إلى أسفل, لكن الخذر عاد فتحول إلى انحناءة احترام خفيفة؟"مساء الخير, سينورا ميلز. آسفة جداً لموت ابنة خالتك المفاجئ".
عضت صوفي شفتها، وحدثت نفسها لا تريد دموعاً. بإمكان الدموع أن تنتظر:" شكراً"
ثم تابعت،بجهد بالغ وبابتسامة مرتجفة: "أنت تتكلمين الإنكليزية بشكل جيد سلفادور !".
احلى منتدى
أومأت سلفادورا برزانة:"شكراً, دوماً كنت كذلك. كان لدي السيد لويس معلم للغة الإنكليزية عندما كان صغيرا، فتعلمت معه أنا أيضا!".
حاولت صوفي أن تتصور لويس صبيا صغيرا، يتعلم الإنكليزية، ولكن لم يكن سهلا أن تتصوره ذا وجه ناعم بريء كوجه ابيه.
- وطبعاً، من الضروري أن تعرف مربية تيودور لغة أمه.
قال لويس هذا فالتفتت صوفي إليه :"لماذا؟".
- لكي تتمكن المرأتان من التفاهم،أليس كذلك؟
قال هذا بجفاء ، وعندما رأى الدهشة على وجهها تصلب وجهه. هل تتصور أنه ينكر على ابنه تراث أمه ؟ هل تظنه شيطاناً شريراً؟
وتساءلت صوفي، ولم تكن تلك المرة الأولى ،عما جعل ميراندا تحتاج الى من يعاونها في تربية تيودور. فلم يكن لها وظيفة خارج البيت،كما أنها لم
تكن تعمل داخل البيت،كما علمت من اتصالاتها الهاتفية . تذكرت كم بدت ميراندا مسرورة عندما اكتشفت مبلغ ثراء لويس ونفوذه.
- إنه ليس رائعاً فقط ، أنما ثري أيضاً ، يا صوفي . ثري تماماً!
قطبت صوفي حاجبيها عند ذلك وهي تتساءل عما إذا كانت طفولة ميراندا المتقشفة قد أعمت عينيها عن الحقيقة. وأجابتها:" نعم، لكن المال ليس كل شيء ، صدقيني! ما دمت سعيدة ياميراندا ، هذا هو المهم ".
- آه ، لكنني سعيدة تماماً ! كيف يمكن الا أكون سعيدة في وضعي هذا، مع رجل مثل لويس؟ ثم ما أروع أن يكون لديك خدم. لا استطيع أن اصف لك.
موقف ميراندا هذا لم يعجب صوفي، مع أنها شعرت بوخزه من الغيرة، لكنها لم تقل شيئاً حينذاك. وحتى لو إنها قالت ، ما كان ذلك سيشكل فرقاً. فلطالما كانت ميراندا مستعدة للقتال بأسنانها وأظافرها للحصول على ما تريد. وقد أرادت لويس ! وأي عاقل يلومها لهذا؟
قطع أفكارها صوته العميق:" ستأخذك سلفادورا إلى غرفتك الآن ، يا صوفي".
قال لوسي هذا وهو يراقبها عن قرب، متسائلاً عما جعلها تقطب جبينها بهذا الشكل ، وسبب لها قشعريرة بدر انكمش معها جلد ذراعيها النحيفتين ، فبدتا باردتين ضعيفتين.
تلك النظرة الثاقبة أذهلتها، لكنها أرغمت نفسها على أن تتذكر السبب الرئيسي لقدومها إلى هنا : " هل . . . هل يمكنني أن أرى تيودور أولاً . . . من فضلك ؟".
احلى منتدى
رأى مبلغ شحوبها وتوترها ، و الظلال الخفيفة تحت عينيهاما جعل وجهها الجميل يبدو شارداً. فهز رأسه بعزم: " أولاً، يجب أن تأكلي شيئاً".
- ولكن . . .
- لا اعتراضات ، صوفي . اغتسلي وغيرّي ثيابك أولاً، ثم نتناول العشاء. لم تتعود مثل هذه السيطرة من أي رجل ، وأوشكت أن تحتج لولا أن وميضاً متسلطاً في عينيه الفاحمتين أنذرها بأن احتجاجها سيقابل بأذن صماء، وأنها سترى الطفل حين يسمح لها بذلك. وعليها أن تنهي الوجبة كلها أولاً. قالت، غير راغبة في الجلوس معه وحدها ، خوفاً من اضطرارها إلى مسايرته طوال الوقت ، أو صدّ الأفكار الممنوعة: " لا ضرورة إلى إزعاج أنفسكم بتقديم عشاء لي. يكفيني أن
أتناول شطيرة في غرفتي".
ضاقت عيناه غيظاً لرفضها ضيافته : " من غير الجائز عدم تقديم الطعام إلى ضيف قادم من رحلة طويلة ، هذا إلى أن أمامك غداً يوماً طويلاً مرهقاً. ستنضمين إليّ في غرفة الطعام لتناول العشاء ".
هكذا هو مرة أخرى . . . يأمرها بدلاً من أن يسألها ! ماذا سيفعل إن هي أصرت على البقاء في غرفتها؟ ولكن ألا يبدو هذا غباء منها؟ لا يمكنها أن تختبئ منه طوال مدة وجودها هنا. من الأفضل إذن أن تعتاد على تناول الطعام معه، مهما كانت هذه الفكرة مفزعة لها ومثيرة في الوقت نفسه . ومن المؤكد أن الوقت غير مناسب الآن للتفكير بهذا الشكل!
فأومأت:" لا بأس. سأغيّر ملابسي ثم أنزل مرة أخرى"
- سأكون في الانتظار .
شعرت صوفي بشيء من عدم التحكم في نفسها وهي تتبع المرأة العجوز إلى الطابق الأعلى . راحت تتساءل كيف يمكن ان يعتاد المرء على أن ينال كل أمنياته.
رغم أن راتبها هو أكبر من مريح ، فقد كانت دوماً تفتخر باستقلالها . فهي خلافاً لأكثر صديقاتها ، لا تستأجر من ينظف لها شقتها، كما أنها لترسل قمصانها إلى المصبغة لتنظيفها. دوماً كانت أمها تكرر عليها القول إن تكليفك من يقضي لك شؤون حياتك هي مهمة تجعلك تبتعدين عن حياتك نفسها.
احلى منتدى
كم هي الحياة مختلفة هنا، مع البستانيين و الطهاة و النساء اللاتي يعتنين بالطفل.
كانت غرفتها المنعزلة باردة يحتلها سرير عريض بسيط مغطى بملاءات ناصعة البياض. وقد وضع أناء فيه أزهار بيضاء لم تعرف نوعها على المنضدة، كما كانت هناك مروحة في السقف .
تمنت لو أن بإمكانها لأن تستلقي فقط وتغمض عينيها ، لكنها تعلم أن مضيفها غير المتسامح في انتظارها.
أشارت سلفادورا بإصبعها: " الحمام هنالك. أتحتاجين إلى شيء يا سينورا؟" .
السلام هو في قمة قائمتها، لكن لا سلام يلوح في المستقبل المنظور، مع وجود لويس الذي يبدو أشبه بملاك أسمر مغرٍ . أزاحته من ذهنها أن هناك أشياء أهم بكثير تريد أن تعرفها.
سألت: " كيف حال تيودور؟".
مجرد ذكراها اسم تيودور أدفأ قلبها :" هل يفتقد أمه كثيراً؟."
مضت لحظة لم تجب فيها سلفادورا ،وكأنها لم تفهم بعد أنه سؤال بسيط. ثم قالت بحذر :" طبعاً. إنه يعلم أن ثمة شيئاً حصل ، إنه يبكي ، لكننا سرعان ما نجعله يضحك مرة أخرى".
شعرت صوفي بالغثيان( إنه يعلم أن ثمة شيئا حصل)؟ لكن الطفل فقد أمه، وها هي ذي سلفادورا تجعل الأمر وكأنه ألقي لعبته من عربته! ولكن لدى سلفادورا سلطة أيضا، سلطة على تيودور، اكتسبتها من قربها منه ورعايتها له. وهي، أي صوفي، بحاجة إلي أن تخبرها بأنها تحب الطفل وهذا سبب حضورها إلي هنا. فقالت برقة:" أرجو أن أساعد أنا أيضا في جعله يضحك. شكرا سلفادورا. أرجوك أن تخبري لويس بأنني سأنزل للعشاء بسرعة".
- نعم سنيورا.
علقت صوفي ملابسها، وارتاحت وهي تغتسل لتتخلص من آثار السفر. ربطت شعرها المبلل في ضفيرة ولبست ثوبا قطنيا. كان البنطلون سيشعرها براحة أكبر، لكنها خافت من أن يكون للعشاء في هذا المنزل الفخم صفة رسمية معينة.
وكانت علي الصواب!
احلى منتدى
عندما دخلت غرفة الطعام، رأت أن لويس قد جلس إلي مائدة مستطيلة مجهزة لشخصين، وكان قد غير ملابسه. ما أن وقعت عيناها عليه حتي تسارعت ضربات قلبها بشكل مفاجئ . لقد استبدل القميص القصير الكمين بقميص ناصع البياض يبرز العضلات جسمه الصلب. وقد ترك الزرين العلويين مفتوحين، فبدة بشرته السمراء والشعر الأسود الذي يكسو صدره. وعندما نهض واقفا لدخولها بدا بنطلونه الأسود في غاية الأناقة، وكأنه قادم لتوه من إحدى اللوحات المعلقة على الجدران، والتي تمثل صور أجداده. جف فم صوفي حتي أصبح كالرماد.
قال لويس بلهجة رسمية وهو يقف:" مساء الخير. أرجو أن يكون كل شيء حسب رغبتك". مضت لحظة نسيت صوفي فيها كيف تسير بشكل صحيح، فوقفت مترنحة عند العتبة وهي تتشبت بمقبض الباب بأصابعها المرتجفة لتسند نفسها. أدركت أنها أصبحت وحدها مع هذا الرجل الرائع الذي ترغب فيه وتخاف منه في الوقت نفسه. قطب جبينه وهو يري شحوب وجهها الذي جعل بشرتها تبدو شفافة. وخاف من أن يغمي عليها فجأة، فأسرع نحوها:" هل من خطب؟".
هل من خطب! بالطبع! إنها تشعر بكل ما عليها أن لا تشعر به، مالا تريد أن تشعر به. أفكار قاتمة اكتنفتها وسجنتها بين تصورات ممنوعة
ووجدت نفسها تدعو الله أن يرحمها ويريحها من هذه المشاعر. عليها أن تركز مشاعرها على تيودور وعلى ذكرى ميراندا. . . وليس على تأثير مضيفيها الذي يذيب العظام. وهزت رأسها:" لا، أنا بخير".
- إجلسي إذن من فضلك.
وجذب لها كرسيا، ثم عاد إلي مقعده:" لأنك لا تبدين لي بخير".
جلست على مقعدها شاكرة، ورغبتا منها في إلهاء نفسها، لم تنظر إلي عينيه الفاحمتين، بل أجالت نظرها في المكان، متأملة بجلستهما الرسمية إلي العشاء. كانت المائدة مجهزة بأفخر أنواع الفضيات وأبهي الأزهار، ومضاءة بالشموع. فكرت صوفي أنها من نوع الموائد التي تحتاج إلي عصا البلياردو كي تدفع المملحة من ناحية إلي أخري، فقد كانت طويلة جدا. لم يحدث قط من قبل أن بدا لها تناول شطيرة في غرفة النوم بمثل هذه الجاذبية والأمان. قالت وهي تبتلع ريقها:" ما كان لك أن تتكبد كل هذا العناء لأجلي!". رفع حاجبيه متسائلا بغطرسة:" عناء؟ أؤكد لك أن هذا العشاء هو كالمعتاد بالضبط". فكرت صوفي أن ذلك أمر طبيعي. فهي لا تتصور لويس من أؤلئك الرجال الذين يتناولون عشاءهم على صينية أمام التلفزيون! قالت بشيء من الضعف:" آه، فهمت!".
أخذ يتأملها. لم يكن يتوقع نزولها بع، وكان يتصورها تغير مظهرها في غرفتها. لكنه لاحظ أن وجهها لم يمس ولا يزال كما رآه في المطار. لم تعبأ بوضع أية زينة عليه، كما أن شعرها ما زال مبللا من الدوش. وقد جعلها ثوبها تبدو نظيفة منعشة وأصغر من عمرها بكثير كما منحها مظهرا بريئا.
احلى منتدى
والتوي فم لويس بسخرية؛ لقد أعتاد على نساء يفعلن أي شيء للتأثير عليه. يضعن زينة الوجه بحذر ودقة ويرتدين أزياء مصممة بعناية بحيث تظهر جمالهن ورشاقة أجسامهن. في وقت كهذا لم يكن يتوقع ملابس فاخرة عليها، لكنه توقع أن تبذل ولو بعض الجهد فوق العادة. بدا واضحا أن صوفي ميليز لا تحاول التأثير عليه، القطني متواضع قدر الإمكان، ومع ذلك جعلت بساطته جسمها يبدو أكثر إغراء. بدت مزيجا مثيرا من البراءة والحنكة. شعر لويس بالإثارة على كره منه، وفكر في أن هذا التأثير قد يكون متعمدا. ربما هي تعلم بالضبط ردة فعل الرجل إزاء المرأة ذات المظهر البريء. قال بهدوء:" أرجوك أن تتناولي حساءك". أخذت ترتشف الحساء إلا أنها لم تستطع أن تقاوم انجذاب نظراتها إلي مضيفها. آه، كم يبدو مثبطا للهمة! ليس فقط لجلوسه في الطرف الآخر للمائدة. لا، بل تلك الروعة
بريق المحزن الذي يلمع في عينيه ألبعيدتي الغور، كانا يمنعانها من التحدث إليه.
- سنيور؟
نظرت صوفي حولها فرأت فتاة اسبانية رائعة الجمال ، صغيرة السن ، تقف عند الباب.
فقال إلى صوفي مشيراً إلى زجاجة:" أتريدين عصيراً؟" وكانت هي بحاجة إلى شيء ينعشها :" نعم . . رجاءً".
تمتم بالاسبانية فأسرعت الفتاة على الفور تسكب العصير في كأس صوفي البلورية ثم أكملت لتملأ كأس لويس.
شربت صوفي قليلاً من العصير :" إنه . . . لذيذ".
فرفع كأسه بنضرة مفكرة :" أظن علينا أن نشرب نخب الشكر لله لأجل حياة ميراندا".
وكان هذا أكثر مما تحتمل! وضعت صوفي كأسها على المائدة بيد مرتجفة ، وقد عجبت للمقدار الذي يمكن أن يصل إليه نفاق الرجل. أليس لديه فكرة أن ميراندا قد أفضت إليها بأن الدون لويس المدمّر الجاذبية لديه قلب من الثلج ؟احلى منتدى
فسألته :" أتعني حياتها بشكل عام، أم حياتها هنا؟ إذا كان الأمر كذلك ، فهذا لن يكون نخباً بهيجاً، كذلك يا لويس؟"
يا لمشاعرها المحمومة ! كما أخذ يفكر وهو يرى الغضب يلتهب في عينيها كالكهرباء . فواجه التحدي فيهما شاعراً بالنبض يخفق وامضاً بالحياة في صدغيه. سألها بجدية:"وهل كانت تلك حياة فظيعة؟"
لم تهتز نظراتها، وخرجت الكلمات من فمها بسرعة ملؤها المرارة:" يا ليت الله لم يجمعها بك! ".
أومأ لويس ببطء. لو لم يقابل ميراندا لما كان لديه تيودور، وهو لا يتصور حياته من دون ابنه هذا. كم أخبرت ميراندا صوفي عن حياتها معه؟أخذ يتساءل وهو يضع كأسه وينظر إليها متأملاً. ثم سألها ببطء:" صوفي هل تعرفين كيف كانت علاقتي بميراندا ؟".
- أعلم أنك التقطها من الطائرة حيث كانت تعمل كمضيفة .
جمد مكانه :" التقطها؟".
انطلقت هذه الكلمة من فمه بكبرياء غاضبة وكأنها رصاصة:" أتظنينني من نوع الرجال الذين يدورون حول العالم، يعرضون حبهم على المضيفات الطائرات؟".
- وما أدراني؟ لم تنقصك النساء قط ، أليس كذلك؟ لم أسمع بذلك. بريق المحزن الذي يلمع في عينيه ألبعيدتي الغور، كانا يمنعانها من التحدث إليه.
- سنيور؟
نظرت صوفي حولها فرأت فتاة اسبانية رائعة الجمال ، صغيرة السن ، تقف عند الباب.
فقال إلى صوفي مشيراً إلى زجاجة:" أتريدين عصيراً؟" وكانت هي بحاجة إلى شيء ينعشها :" نعم . . رجاءً".
تمتم بالاسبانية فأسرعت الفتاة على الفور تسكب العصير في كأس صوفي البلورية ثم أكملت لتملأ كأس لويس.
شربت صوفي قليلاً من العصير :" إنه . . . لذيذ".
فرفع كأسه بنضرة مفكرة :" أظن علينا أن نشرب نخب الشكر لله لأجل حياة ميراندا".
وكان هذا أكثر مما تحتمل! وضعت صوفي كأسها على المائدة بيد مرتجفة ، وقد عجبت للمقدار الذي يمكن أن يصل إليه نفاق الرجل. أليس لديه فكرة أن ميراندا قد أفضت إليها بأن الدون لويس المدمّر الجاذبية لديه قلب من الثلج ؟احلى منتدى
فسألته :" أتعني حياتها بشكل عام، أم حياتها هنا؟ إذا كان الأمر كذلك ، فهذا لن يكون نخباً بهيجاً، كذلك يا لويس؟"
يا لمشاعرها المحمومة ! كما أخذ يفكر وهو يرى الغضب يلتهب في عينيها كالكهرباء . فواجه التحدي فيهما شاعراً بالنبض يخفق وامضاً بالحياة في صدغيه. سألها بجدية:"وهل كانت تلك حياة فظيعة؟"
لم تهتز نظراتها، وخرجت الكلمات من فمها بسرعة ملؤها المرارة:" يا ليت الله لم يجمعها بك! ".
أومأ لويس ببطء. لو لم يقابل ميراندا لما كان لديه تيودور، وهو لا يتصور حياته من دون ابنه هذا. كم أخبرت ميراندا صوفي عن حياتها معه؟أخذ يتساءل وهو يضع كأسه وينظر إليها متأملاً. ثم سألها ببطء:" صوفي هل تعرفين كيف كانت علاقتي بميراندا ؟".
- أعلم أنك التقطها من الطائرة حيث كانت تعمل كمضيفة .
جمد مكانه :" التقطها؟".
انطلقت هذه الكلمة من فمه بكبرياء غاضبة وكأنها رصاصة:" أتظنينني من نوع الرجال الذين يدورون حول العالم، يعرضون حبهم على المضيفات الطائرات؟".
وما أدراني؟ لم تنقصك النساء قط ، أليس كذلك؟ لم أسمع بذلك..

جعلته يبدو وكأنه أحد قطط الأزقة. صرف لويس بأسنانه:" أنا لا أنشيء علاقات من دون تمييز. ولم أكن كذلك قط". ألقت عليه نظرة باردة غير مصدقة :" أحقا؟".
فقال بلهجة خطرة:" صوفي. . . ". ثم سكت. إنها هنا ربما لأيام معدودات فلماذا يسود ذكرياتها ويغامر بجعل حزنها لفقد قريبتها أسوأ مما هو عليه؟ وعندما لاحظت سكوته سألته:" ماذا؟". فهز رأسه:" لا شيء". ما الذي يخفيه عنها؟ ما الذي لا يجرؤ على إخبارها به؟ فقالت بعناد:" أريد أن أسمع قولك أنت عن كيفية تعارفكما". سادت لحظة صمت، ثم أخذ يسرد ذكرياته برقة وابتسامة جافة:"كنت أقوم برحلة عمل بالطائرة إلي نيويورك. أحضرت لي ميراندا شرابا ثم كتبت اسم فندقها على الفوطة المرافقة للكأس مقترحة أن نتقابل هناك لتناول شرابا".
- وأظن أنك لم تستطع أن تقاوم هذا العرض.
- ولماذا أقاومه؟ كانت فتاة جميلة مليئة بالحياة.
أخذت صوفي رشفة أخري مرتجفة من شرابها:" لا فرق بالنسبة إليك ، أيا تكن المرأة. أليس هذا ما تعنيه؟". شعر بالغضب وبالكبرياء:" لو أن المسألة كذلك، لكنت أمضيت حياتي كلها مع النساء". تسارعت خفقات قلبها واهتزت لقوله هذا:" هذه مباهاة متغطرسة يا لويس".
احلى منتدى
- إنها ليست مباهاة بل هي حقيقة بكل بساطة، يا عزيزتي.
لكنه رأي شحوب وجهها فلانت قسماته. كانت متعبة منهكة وحزينة للغاية، فقال بهدوء:" هيا، فلنشرب حساءنا بسلام، وندع الحدبث في هذا الموضوع". هزت صوفي رأسها. أرادت أن تعرف شيئا عن حياة ابنة خالتها هنا، فقد بدت الصورة غير واضحة بالنسبة إليها. كانت اتصالات ميراندا بها غريبة نوع ما. فهي لم تكن تكلمها إلا عندما تكون وسط الأزمات الكثيرة، التي يبدو وكأنها تتعقبها طوال حياتها.
- أريد أن أعلم. أريد أن أسمع تفسيرك لما حدث.
كانت تتكلم وكأنه يخضع للمحاكمة، كما أخذ يفكر بمرارة. لأجل ابنه واسم دي لاكامارا، يجب أن لا يحاكم ويثبت جرمه:" حسنا جدا. أنا لا أنكر أن الغرور تملكني لاهتمامها بي. عندما تفصح امرأة رائعة الجمال عن رغبتها في رجل ما، ما الذي لا يفعله الرجل؟".
- لكنني أظنك نويت على علاقة عابرة؟
فنظر إليها دون أن يفهم :" علاقة عابرة؟ وأي بهجة يمكن أن تنتج عن علاقة خاطفة كهذه؟". سمعت الحيوية والنشاط في صوته ورأت
العاطفة المشبوبة على ملامحه الوسيمة المتكبرة، فأدركت أن ميراندا في ملاحقتها للويس قد طارت حتي قاربت الشمس، ثم دفعت الثمن. أن تعرف رجل كهذا بشكل حميم، ثم تلد له ابنا لا بد رفعها إلي قمة تسبب الدوار حيث لا يبقي أمامها سوي الانحدار، أدركت صوفي بثقة عمياء، لم تستطع تفسيرها، أن لويس يملك شخصية مراوغة. فهو لا يمنح المرأة سوي جزء من نفسه. جسده. نعم، لكن قلبه؟ وتساءلت إن كان لرجل كهذا قلب في الحقيقة. وإذا ما كان يملك قلبا ، فهو كما قالت ميراندا مرة، مصنوع من الثلج وليس من لحم ودم.
- إذن فقد كنت تقدم إليها مستقبلا، إليس كذلك؟
فهز كتفيه:" ليس للعلاقات شكل معيّن أنا أسميها علاقة معترف بها".
- يا لها من كلمة باردة تطلقها على ذلك!
- لا أعني ذلك. كانت علاقتنا بهيجة للغاية، حينذاك على الأقل.
احلى منتدى
- لكن الطفل غير ذلك ، كما أظن؟
مرّ صمت قصير متوتر قال بعده بجمود:" نعم، صوفي. الطفل عيّر كل شيء".
- ولكن . . . ولكن. . . إذا لم يحصل ذلك، هل كنت ستتزوجها؟ .
قابل نظراتها بثبات، متسائلا عما جعله يتحدث إلي هذه المرأة بتلك الصراحة. كان يدرك أن سرد المزيد من الحقائق سيؤلمها، فما الغاية من ذلك؟ فقال برقة:" أظن أن هذا الحديث طال بما يكفي، أليس كذلك؟". فقالت متوسلة:" أخبرني".
- أظنك في أعماقك، تعرفين جواب هذا ، أليس كذلك يا صوفي؟
فقالت بصوت خافت:" إذن فأنت لم تحبها؟ أنت تزوجتها لكنك لم تحبها!".
- أنت تلقين سؤالا مستحيلا.
- ليس مستحيلا . . . ربما صعبا لكنه ليس مستحيلا.
ساد صمت عميق مشحون قبل أن يقول بهدوء:" لا أظنني أعرف ما هو الحب! أتعرفينه أنت؟ كل ما أعرفه هو أن ميراندا كانت حاملا وكان من واجبي أن أتزوجها. ومن مسؤوليتي أيضا".
- واجب؟ . . . مسؤولية؟
ليس هذه كلمات رجل أحب وخسر من يحب. وبقلب متألم تقبلت صوفي حقيقة أن الأستقراطي الإسباني المتكبر لم يحب ابنة خالتها حقا







القارئة111 17-06-10 03:02 PM


:: شكراااااااااااا على الرواية الراااائعه :44:

بالإنتظار التكملة
:cool:

توت بري 20-06-10 01:43 PM

ياريييييييييييييت تكمليييييها بليييييييز
حلوة كتير هالرواااااااااية
يعطيكي العافية

noga33 20-06-10 02:38 PM

روايه ررررررررررررررررررررررررا ئعه تسلم الايادى

الحالمة دائما 20-06-10 06:55 PM

ساد صمت عميق مشحون قبل أن يقول بهدوء:" لا أظنني أعرف ما هو الحب! أتعرفينه أنت؟ كل ما أعرفه هو أن ميراندا كانت حاملا وكان من واجبي أن أتزوجها. ومن مسؤوليتي أيضا".
- واجب؟ . . . مسؤولية؟
ليس هذه كلمات رجل أحب وخسر من يحب. وبقلب متألم تقبلت صوفي حقيقة أن الأستقراطي الإسباني المتكبر لم يحب ابنة خالتها حقا



- وهل علمت هي بأن زواجك منها مجرد واجب؟ هل أخبرتها بذلك؟ بأنها أصبحت زوجتك فقط بسبب الظروف؟ ألهذا كانت تعيسة إلي ذلك الحد؟
فقال بحدة :" انتهي الموضوع، ولن أتحدث فيه أكثر من ذلك، والآن تناولي حساءك". فتحت فمها لتعترض، لكن العينين السوداوين منعتاها من ذلك، فأدركت أنها قالت ما يكفي وأكثر. ولماذا تغضبه؟ يكفي الإرباك والقلق. لكن تحويل ذلك الغضب إلي شجار سيكون هزيمة لها، بينما هي بحاجة إلي رؤية تيودور. ولأجل ذلك تريد لويس إلي جانبها. . .
- تناولي طعامك من فضلك.
عاد يقول لها ذلك وقد رق صوته على غير توقع. وإزاء هذه الرقة، خف شعور المحاربة في نفسها، فأقبلت على طعامها بنهم لم تكن تتصوره. كانت" الغازباتشو" لذيذة وكذلك العجة الممزوجة بالأعشاب الحلوة التي جاءت بعدها، ثم الحلوى مع القشدة التي لم تترك منها شيئا. وعندما انتهت ورفعت بصرها رأته يراقبها متأملا، فقال برزانة:" كنت جائعة جدا".
- نعم.
روايتى
وحاولت أن تتذكر آخر مرة أكلت فيها وجبة كاملة. كان ذلك قبل اتصاله الهاتفي، أي منذ يومين:" حسنا، لم يكن لدي شهية مؤخرا". وضع فوطته على المائدة:" لا، طبعا، تعالي صوفي، يجب أن تنامي الآن". فهزت رأسها:" ليس الآن". ووقفت مترنحة فرأت التساؤل في عينيه. فأرغمت نفسها على أن تقول:" أرجوك لويس ، أحب أن أري تيودور الآن". كان يفضل أن تنتظر حتى الصباح فهي تبدو بالغة الشحوب والإنهاك في هذا الوقت من الليل. . . حتى أنه يخشى أن تقع بين ذراعيه في أية لحظة. حاول أن يكبح فكرة مبلغ البهجة التي سيجدها حينذاك. لكنه رأي التصميم الذي بدا في ذقنها المرفوعة فتنهد بخفة:" حسنا جدا، تعالي معي". تبعته وهي تتنهد بارتياح، شاعرة بالذنب والاضطراب لعدم تمكنها من تحويل نظراتها عن حركاته. ما كان لهذا الشعور أن يتملكها، الآن وهي معه. . . وخصوصا في وقت كهذا. آن لرغبتها فيه أن تغادرها منذ زمن طويل تاركة مكانها شعورا باكراهية، فإلي أي جهنم ذهب هذا الشعور الآن؟ اجتازا متاهة من الممرات ثم وقف أمام باب والتفت إليها :" عليك الآن أن تكوني هادئة جدا. لقد أصبح نومه قلقا مؤخرا، وعلينا ألا نوقظه مهما كان الأمر". فردّت عليه همسا:" لا عجب من أن يصبح نومه قلقا، فالأطفال يشعرون بالفطرة. .
ولابد أنه يفتقد أمه كالمجنون". بدا وكأنه يريد أن يقول شيئا، إلا أنه عاد فغير رأيه ووضع إصبعا على فمه:" هششش! . . . لا مزيد من الكلام. تعالي". دخلا الغرفة بصمت كشخصين يمثلان شخصية " سانتا كلوز"، وعندما وقفا بجانب السرير طفل واسع قديم الطراز، أخذ قلب صوفي يخفق . لم تكن صوفي رأت تيودور منذ تعميده، عندما كان عمره عدة أسابيع. ومع أن عدة الصور له وصلتها من ميراندا، وآخر صورة أخذت في عيد ميلاده الأول، ولكن لا شيء أعدها للصدمة العاطفية الناتجة عن رؤيتها طفل ميراندا مستلقيا هنا، غافلا عن العالم كله. كان فمه الوردي مضموما باستياء، وأهدابه الملائكية الكثيفة السوداء منسدلة على وجنتيه. وبدت خصلات شعره فاحمة السواد على الوسادة، وخيل إلي صوفي أنهل تري آثار دموع جافة على خديه. دمعت عيناها وهي تري براءته وضعفه. وفكرت أنه سيستيقظ في الصباح ويشعر بالتعاسة لأجل أمه، من دون أن يفهم سبب غيابها . مسكين تيودور الحبيب!مدت يدها بالغريزة لتبعد خصلة من شعره، لكن قبضة من الحديد أمسكت بيدها هذه قبل أن تصل إليه.
روايتى
- لا.
همس بذلك بصوت ناعم مهدد. وقبل أن تستطيع صوفي منعه، كان قد أخرجها من الغرفة وأغلق الباب خلفهما. بقي ممسكا بمعصمها. كان تشعر بأصابعه القوية مغروزة في لحمها، كما استطاعت أن تشعر بالغضب يلمع في عينيه السوداوين. كان أقرب إليها من أن تتجاهلة . . . أقرب من أن تشعر بالارتياح، ومع ذلك ليس قريبا بما فيه الكفاية. كل خلية في جسدها كانت تصرخ بأنه في مجال اللمس . وفي لحظة هوس وجنون أرادت صوفي أن تلمسه قبل كل شيء.تماما كما فكرت في المرة الأولى التي وقعت عيناها عليه فيها. أن تلقي بنفسها بين هاتين الذراعين القويتين، وتريح رأسها المنهك على كتفيه العريضتين وأن تشعر بقوة جسده. قال لويس بغضب:" حذرتك بألا توقظيه، يا آنسة. أتريدين لأن يبدأ بالبكاء بقية الليل ولا يقبل التعزية؟". فقالت وهي تنزع معصمها من قبضته:" لم أكن أفكر". شعرت بنبضها يخفق بقوة تحت أصابعه القوية، وتساءلت عما إذا كان هو أيضا شعر بذلك. ثم تساءلت عما إذا كان قد تكهن بأن سبب ذلك ليس الخوف أو الغضب.
- لا.
قال هذا عابسا ، وإذا بفمها المرتجف وعينيها المظلمتين توقظان فيه مشاعر مفاجئة ما زاد من حدة غضبه:" أنت لم تفكري. حسنا، حاولي

أن تفكري الآن. تيودور هو طفل وليس دمية. . . لا يمكنك أن تحمليه بدافع من نزوة في منتصف الليل مهما كانت الظروف، وخصوصا ظروف كهذه حاولي أن تفكري فيه وفي ما يحتاجه هو وليس أنت!".
أنهي كلامه بمرارة فحدقت إليه. لقد حاولت جهدها أن تخفي كرهها له ولكن يبدو أنه يفعل الشيء نفسه. تراجعت خطوة إلي الوراء وقالت بهدوء:" تصبح على خير، لويس، أنا ذاهبة إلي سريري الآن".

انتهاء الفصل الثالث
- لماذا أنتظرك ؟-4
نظر لويس إلى الرأس الأشقر و هو يفكر ... كانت صوفي ترتدي السود ، وتبدو صغيرة في السن إلى حد سخيف : "صوفي ".
رفعت إليه بصرها بتلبد : " ماذا "
ناولها فنجاناً صغيراً من القهوة ،و أمرتها عيناه السوداوان برقة : "هاك . اشربي هذا ".
اومات كأنها مخدر ثم أخذت منه الفنجان . فقد أمضت معظم النهار و هي تسير خلف جنازة مزينة بالزهور ، فشعرة و كأنها تتحرك كآلة جامدة .
أخذ ينظر إليها وهي ترشف القهوة من خلال شفتين متجمدتين . بدت له ضئيلة الجسم كدمية ، وهي مكومة في إحدى تلك الكراسي الكبيرة الحجم التي أجلسها عليها برفق . وكانت عيناها الزرقاوين الكبيرتين تحتلان وجهها الناصع البياض.
روايتى
تأوه لويس بصوت منخفض , كأنه يزيل ما يشعر به ، شاعراً بالارتياح لان هذا النهار شارف على نهايته. كانت الجنازة مزينة وقوراً في الوقت نفسه، وثمة أربعة كهنة يقومون بالطقوس الكنسية تبعاً لمركز لويس، وليس لان ميراندا كانت متدينة بشكل خاص.
سألها برقة: "هل تشعرين بتحسن الآن؟".
- نعم .
وكانت مسرورة لانتهاء كل شيء الآن . ها قد انقلبت صفحة أخرى تاركة المحنة خلفها. لقد مرّ بها النهار بسلام بشكل ما. خلال تشييع الجنازة وصلت مجموعة من الم****ن، براقي الأعين، أنقي اللباس، عددهم حوالي العشرين أو الثلاثين. أبلغها لويس عابسا، أنهم " شلة "ميراندا في الملاهي. لكن أكثر المحتشدين في الكنيسة كانوا من أسرة وأصدقاء لويس. . . وقد جاء والداه بالطائرة من مدريد لحضور الجنازة
.
م أعادتهما سيارة للتوّ إلي المطار. حدّقت إليها والدة لويس بفضول، لكنها عانقتها، ما جعل صوفي تشعر نحوها بالشكر. كانت ميريندا قد أخبرتها أن علاقتها بوالدة لويس ليست علاقة طيبة. . . فقد قالت في أحد المرات إنها كانت تفضل لو تزوج أبنها من إسبانية صغيرة ظريفة. لكن حزن والدة لويس بدا لها صادقا وقد تقبلت صوفي تعزيتها وهي تترنح. نظرت في أنحاء الغرفة. كان الجميع قد ذهبوا، ولم يبق سواهما في غرفة الجلوس المزخرفة والوقور في الوقت نفسه. بدا لويس في ملابسه السوداء الرسميا إلي حد بالغ. . . بدا رجل غريبا أسود الشعر وفي ملابس سوداء. . . لم تكن تفصلهما عن بعضهما البعض سوي بضع خطوات ومع ذلك قفد بدا بعيدا عنها مليون ميل. سألته :" أين تيودور؟".
- سلفادورا تحمّمه .
- أليس الوقت مبكرا لذلك؟
فأجاب متهكما :" أظنني أدرى بمصلحة ابني، أليس كذلك؟".
عضت شفتها بإحباط. لم تكد تري الطفل منذ سحبها أبوه الغاضب من غرفته ليلة أمس، ظنا منه أنها تحاول أن توقظه عمدا. واليوم أحضروه إلي الكنيسة في سيارة خاصة مع سلفادورا، وقد تعلق بعنقها طوال الوقت. قابلت صوفي نظرة لويس اللامبالية بتمرد مفاجئ:" لويس، هل تحاول أن تبقيني بعيدة عن ابن ابنة خالتي؟". رفع حاجبيه وكأنها قالت شيء غير مفهوم:" ولماذا أفعل شيئا كهذا؟".
- أظن هذا واضحا. ألا تريدني أن أعرفه؟ أو لعلك لا تريده أن يعرفني؟
فقال بحرارة:" يا إلهي . . . الطفل يشعر بالتشتت وضياع. . . ".
روايتى
- حسنا، طبعا هو كذلك. فقد فقد أمه لتوّه.
فتح فمه ليجيب ثم غير رأيه ونظرت إليه بإحباط:" أليس لديك جواب لذلك؟ ألا يمكنك أن تتصوّر أهمية هذا الأمر بالنسبة إلي طفل ؟ منذ لحظة كانت أمه هنا. . . وإذا بها في اللحظة التالية. . .". وتلاشي صوتها وتأوهت. إنها تصعب الأمر بالنسبة إليه. ورفعت بصرها إليه وقد تألقت عيناها:" حسنا؟". فقال بصوت ثقيل:" صوفي. الأمر ليس كما تتصورينه. كان يمكن أن يكون أسوأ".
- وكيف؟
اختار كلماته بعناية، كأنه يقتلع أشواكا غرزت في لحمه:" لم تكن مرياندا من نوع الأمهات اللواتي يمضين مع الطفل كل ساعة من
يقظته". سمعت في صوته إشارة إلي شيء غير معروف:" أتريد أن تخبرني أنها أم سيئة؟".
- أنا أقول إنها لم تكن . . . بقربه. . . أغلب الأوقات. كانت تترك أكثر العناية بالطفل إلي سلفادورا. . . ولابد أنك رأيت البرهان على ذلك اليوم. أي شخص يمكنه أن يري أن تيودور متعلق بها كليّا .
لم تشأ أن تصدق، مع أن لهجته بدت صادقة. وعضت شفتها وهي تتذكر حديث ميراندا عن حياتها بعد أن أصبحت أما. ألم تقل أن الأمومة ليست تماما بالجمال التي يصفونها به؟ ألم تقل لصوفي إنها لن تقدر قيمة الحرية إلا بعد أن تفقدها؟ قطبت صوفي جبينها. هل كانت ميراندا تهمل ابنها بغيابها عنه؟ . . . هل أجبرتها تصرفات لويس على الابتعاد عنه؟ ربما لم تتمكن من احتمال اهتمامه بالنساء الأخريات؟ وتأملت وجهه الجامد. حتي لو كانت تلك هي القضية، هل هناك فائدة من أن تدع ذلك يعيقها عن هدفها الحقيقي من وجودها هنا؟ وماذا يفيد تيودور أن تلوم هي أباه وتعنفه؟ كان لويس يراقب التعبير السلخط الذي بان في زمها لشفتيها، وتنهد :" ماذا تريدين صوفي؟ أخبريني بصراحة وأنا سأهتم برغباتك". لكن الرعب تملكها وشعرت بقشعريرة باردة. فكلماته الخافته قد تحمل تفسيرا آخر. أتراها مجرد خدعة من الطبيعة تجعلها تشعر به كرجل يهتم بها؟ تساءلت بيأس صامت. هل الموت وحده هو الذي يظهر قوة الحياة؟ ابتلعت ريقها مركزة على الوقائع وليس على رغباتها، ثم قالت ببطء:" سأخبرك بما أريد لويس .
روايتى
أريد أن أمضي بعض الوقت مع ابن ميراندا لكي يعرفني ويحبني. . . ". فكرر غير مصدق:" أن يحبك؟".
- وهل هذه جريمة؟
- لا، ليست جريمة. ولكن هل تظنين حقا أن هذه الأشياء يمكن أن تحدث بين ليلة وضحاها؟
- طبعا لا أظن ذلك. لكنها أيضا لا تحدث إذا أنا بقيت بعيدة عنه. كنت أحب أن أراه وهو يأخذ حمامه. . . فقال بهدوء:" ظننتك متعبة، وأكثر حزنا اليوم من أن تهتمي بنظام تيودور اليومي".
- مثلك، كما أظن.
- أنالست مدعيا صوفي، أنا أتألم لحيات فتية ضاعت سدي،لكني لن أذرف الدموع على الوسادة الليلة.
ضاقت عيناه مفكرا:" من يدري؟ البعض يقول لا. هذا ما كانت النساء تقوله أثناء فترة شبابي. لكنني سأخبرك بأمر يا صوفي : عندما يتعلق الأمر بأبني، من المؤكد أن لدي قلبا وتصميما بالغا بألا أدع شخصا أو شيئا يؤذه على الإطلاق. هل أنا واضح؟". واضح كالبرور! وكذلك نبرة التهديد في ذلك الصوت العميق الغني. قوة شخصيته هذه قد ترهب أي امرأة ألآخري بسهولة لكن صوفي لديها قضية تناضل من أجلها. . . أو بالأحرى، شخص. اقتناعها أنها تناضل لأجل تيودور منحها القوة لكي تبادله نظرة التحدي.
- ليس لدي النية في إيذاء تيودور على الإطلاق، لويس.
- ولا رغبة لديك في وصف أبيه بأنه شيطان أسود القلب؟
قابلت الشموخ والكبرياء في نظرته من دون أن تجفل:" حتى ولو كان هذا رأيي . . . لا يمكن أبدا أن أحاول التأثير على مشاعر طفل صغير. ربما أنت لا تشعر نحوي بأية مودة، لويس. . . لكن علاقتنا ليست هي الشيء الهام هنا، وإنما علاقتي بتيودور". فقال بهدوء:" ولكن لا علاقة حقيقية لك بتيودور".
روايتى
- صحيح، لا علاقة حقيقية لي به. وربما ما كنت سأراه سوى في مناسبات عائلية عرضية. لكن الأمور تغيرت. ما حدث من قبل ليس له صلة بالموضوع الآن. ميراندا ماتت وأنا أريد أن تسنح لا بنها فرصة بتعرف فيها إلي الشق الثاني من أسرته. أن يعلم عن جذوره الإنكليزية، بدءا من الآن.
فقال وقد ضاقت عيناه:" الآن؟". فأومأت وهي تقف وتسوي تنورتها:" وفي هذه اللحظة، بعد أن ينهي تيودور حمامه، أريد أن أقرأ له حكاية قبل النوم. لا أظن أن لديك اعتراضا على ذلك. لويس؟".
تسلل شعاع من الشمس من بين مصراعي النافذة فأحال شعرها إلي خيوط ذهبية. ومع بشرتها الناصعة البياض المناقضة تماما للون ثوبها الأسود بدت له غاية في النقاء، ما جعل النبض في صدغه يتسارع. فأجاب بصوت أجش:" طبعا لا أعتراض لدي، لكنك لن تعترضي إذا كنت أنا أيضا موجودا".
- أتخاف أن أخطفه وأهرب به؟
قاوم دافعا يدفعه إلي أن يجيبها بشكل منطقي، فهي لا تملك جواز سفر لابنه. لكن المبدأ هنا كان أهم من المنطق العملي؛ على صوفي ميلز أن تعرف تماما حقيقة وضعها ووضعه. فقال بصوت ناعم مبطن بالتهديد:" حاولي القيام بشيء كهذا يا صوفي. أتعلمين ما معني أن أغضب؟ أنا "

ي لاكامارا" ولا شيء يمكن أن يأخذ مني عنوة، هل فهمت؟". كانت ملامحه الصلبة قد توترت بمشاعر مظلمة بدائية لا أثر فيها للحضارة، ما جعله يبدو كعدو لا يرغب معظم الناس في مواجهته. وتملك صوفي اليأس للحظة. . . لماذا أختارت ابنة خالتها أن تقرن نفسها برجل كهذا؟ لماذا لم تستقر وتسعد مع أحد أؤلئك الرجال الذين كانوا يعشقونها حتى العبادة؟ هل لأن الفوز به كان صعبا، وهذا وحده يكفي؟ ألم تكن ميراندا دوما تلاحق من يهرب منها؟ وتألقت العينان السوداوان:" هل فهمت"
وفجأة، اكتسحتها موجة من الإرتياح بردت شيئا من توتر الذي أصابها. لقد أنتهي أسوأ جزء من هذا النهار. . . وهي ستقرأ للطفل القصة:" آه، لأجل الله يا لويس، لا تبالغ في مشاعرك هذه! سأذهب لأحضر الكتاب القصص من غرفتي". ولأول مرة هذا النهار، ابتسم:" حسنا جدا. وأنا سأحضر تيودور إلي هنا لينتظرك". وفي غرفتها غيرت ملابسها مستبدلة بثوبها الأسود بنطلونا وبلوزة قديمتين. فالأطفال هم الأطفال حتى ولو كانوا قد اغتسلوا حديثا. وهكذا لم يعد يقلقها إذا تقيأ على ثيابها أو سال لعابه. هي بحاجة أن تكون مرتاحة الأعصاب معه بقدر ماهي متلهفة إلي احتضانه. تناولت أحد الكتب التي قد أحضرتها معها وطردا ملفوفا بورق متألق الألوان ، ثم أغلقت باب غرفتها خلفها وعادت تهبط السلم إلي غرفة الجلوس. لكنها عندما وصلت إلي الباب المفتوح وقفت جامدة تستوعب المشهد الذي بدا أمامها. كان لويس ممددا على السجادة يلعب مع ابنه. ولا بد أنه كان قد خلع سترته وربطة عنقه، وفتح أزرار قميصه العليا أن صدره الأسمر بد مكشوفا. لم ير صوفي وهي تدخل لأن اهتمامه كان مركزا على ابنه الممتلئ الجسم والذي كان يملأ الجوّ ضحكا وهو يصرخ: بابا!. . . بابا! وكان لويس يضحك هو أيضا، ملقيا برأسه المغطي بالشعر الأسود إلي الخلف، منطلقا على سجيته في البهجة. تنفست صوفي بعمق غير مصدقة، وهي تراه يلوي قسمات وجهه بشكل مضحك حتى ليكاد يصبح غير مميز. هل هذا حقا لويس دي لاكامارا؟ وتمتلكها الذهول. كانت عيناه السوداوان قد رقتا والتوى فمه بابتسامة عطف وتسامح، فيما القبضة الصغيرة السمينة تتشبث بكثفيه. عاد يضحك وهو ياقي برأسه إلي الخلف بينما الأصابع الصغيرة تخدش ذقنه. رنين ضحكه هذا جعل شيئا داخل صوفي يثب إلي الحياة بشكل غير مرغوب فيه. لم تشك يوما
بجاذبيته تلك، والتي كانت واضحة لكل امرأة على وجه الأرض . لكن لويس هذا، الرقيق الحنون، فاجأها تماما. لم تره قط بهذا الشكل، من قبل، أو بهذه
لجلسة المسترخية البهيجة. كان يبدو. . . كان يبدو صبيانيا تقريبا، عندما أخذ يتمتم شيئا في أذن تيودور. حاولت أن تقنع نفسها بأن الغريزة فقط هي التي جعلت قلبها يبدأ بالذوبان، تماما كالغريزة التي تجعلك توجه ضربة إلي الذبابة التي تئز قريبا من وجهك. والغريزة ليست عقلانية وإنما هي قاسية عشوائية. هزت رأسها وكأنها تنكر أن يكون في شعورها ذاك غير الجاذبية الجسدية. . . لأن التحكم في ذلك كان سهلا تماما. بينما من الخطورة البالغة أن تبدأ في النظر إلي لويس بعطف ناسبة إليه صفات غير موجودة فيه . أنه شغوف بابنه وهذا كل شيء . . . هذا كل شيء عند ذلك رفع لويس نظره إليها، وإذا بملامحه تتغير وكأنه بسحر ساحر، وكأن غطاء امتد عليها فجمدت، أما هو فََقَدَ وجهه بعض حيويته ونشاطه. وربما أحس تيودور بما أصاب أباه فأدار رأسه المغطي بالشعر الأسود فجأة، ليحدق في صوفي بعينين واسعتين متسائلتين. البراءة والاضطراب اللذين قرأتهما في عينيه أحدثا غصة في حلقها، فسارعت نحوه. ارتجفت يدها التي تحمل الكتاب والهداية تأثرا برؤيته مرة أخرى . إن تيودور جزء منها، جزء من لحمها ودمها هي أيضا، مثل لويس. ركعت بجانبه على الأرض، وسرورها لرؤيته أعماها عن رؤية ساقي لويس الممتدتين على بعد إنشات منها. قالت برقة وبصوت متهدج متأثر:" هالو، حبيبي تيودور". تابع الطفل تحديق فيها والرزانة بادية على وجهه الصغير فقال لويس برقة بالإسبانية:" تيودور. . . هذه صوفي ابنة خالتك. أنت قتبلتها مرة وأنت صغير جدا". فقالت مرة أخرى:" هالو، حبيبي". لكن الشعور بالحقارة تملكها وهي تري شفتيه ترتجفان والدموع تسيل من بين أهدابه السوداء الكثيفة وهمست بعجز:" أواه، تيودور، لا تبك".
روايتى
جلس لويس ، وأخذ يهز ابنه بين ذراعيه وهو يتمتم له بالأسبانية بأرق وأنعم طريقة يمكن أن تصدر عن رجل. أما هي فجعلته بيكي.
نظر لويس إلي وجهها المصدوم وتملكته شعور بالعطف على كره منه.
كان الطفل قد هدأ بين ذراعيه ، فقال لها بهدوء : "لا تلومي نفسك يا عزيزتي . فهذا وقت صعب بالنسبة إليه ".
قابلت نظراته فرات فيها تفهماً خطف أنفاسها :"نعم".
- أنظري . لم يعد يبكي .
قال هذا وهو يعبث بشعر ابنه الأسود . أومأت صوفي وهي تتساءل عما إذا كان الطفل سيعانقها ذات يوم كما يع أمسك لويس بالكتاب ثم قال شيئاً بالاسبانية لابنه ، فأومأ برأسه على كتفه ثم التفت ببطء .
فسأله أبوه :" هل نقرأ الكتاب معاً ، نحن وصوفي ؟ تعالي . تعالي يا صوفي "
أشار إلى احد الأريكتين . وتبعته هي وقد أحست بالخجل فجأة . أنتظرها لويس حتى جلست ، فجلس ماداً ساقيه بينما ظل ابنه متعلقاً برقبته أشبه بقرد صغير .
ربضت صوفي على حافة الأريكة ، وقد افعمت خياشيمها رائحة هي مزيج من محلول بعد الحلاقة ورائحة رجولته الخاصة. ثم فتحت الكتاب .
مال لويس نحوها لينظر إليها، فأصبح محلول بعد الحلاقة أشد تأثيراً .
وسألها :"ما هي القصة ؟"
- أنها أغاني أطفال .
كانت قد اختارت الكتب التي أحضرتها بعناية فائقة ، متروّية ، خائفة من أن تجلب ألاغاني ذكريات مؤلمة عن ميراند .
- أرجو أنك تحب أغاني الأطفال يا تيودور !
فترجم لويس لابنه قولها فمال هذا إلى الأمام . وجذبت نظراته صورة براقة رائعة الجمال لشجرة جوز فضية واجاصة ذهبية .
فقال لويس :" انه يعرف قصصاً اسبانية فقط "
ولكن من المؤكد أن ميراندا كانت تقرأ لابنها قصصاً انكليزية :" حسناً، هذه قصة انكليزية تتحدث عن اسبانية . وهكذا تبدو رائعة ! والآن اسمع ، تيودور : كان عندي شجرة جوز لا تحمل ثماراً ... "بدأت تنشد الأغنية ببطء وتنغيم، وأخذ تيودور يصغي وقد بدت عليه البهجة. وعندما وصلت إلي الفقرة التي تقول:" ابنة ملك إسبانيا جاءت لتزورني وكل ذلك لأجل شجرة الجوز الصغيرة التي عندي!".
روايتى
ضحك لويس ، ووجدت صوفي نفسها تضحك معه. أذاب الضحك الجليد بينهما، ثم تلاشي كليا عندما قرأت صوفي حوالي عشر أغنيات. ثم شعرت بلمسة خفيفة على ذراعها، وعندما ألتفتت وجدت عينيّ لويس مسمّرتين عليها وقد بدا فيهما الأسف:" تأخر الوقت يا عزيزتي. أنظري إنه يشعر بالنعاس". رأت الصبي يفرك عينيه بقبضته ثم يتثائب، وهو يجاهد لكي يسمع المزيد من الأغاني. فأغلقت الكتاب وهمست:" سأقرأ لك المزيد من الأغاني غدا يا تيودور. هل تحب ذلك؟". ترجم له لويس ما قالته بالإسبانية ، فكوفئت بإمائة صغيرة للغاية جعلت خصلات شعره تتراقص، ثم ما لبث أن وضع إبهامه في فمه، ثم عاد يريح رأسه على انق أباه. ولم يبد لها ذلك محتملاً.

كتف أبيه. نظرت إلي لويس وهو يقف، ثم أزاحت خصلة من شعرها عن وجهها:" أيمكنني. . . أيمكنني أن أساعدك في وضعه في السرير؟". جمد مكانه وقد أسرته منها هذه الحركة فكادت تفقده توازنه، الطريقة التي أعادت بها شعرها إلي الخلف جذبت انتباهه إلي صدرها تحت قميصها المقفل الحائل اللون. ضاقت عيناه وشعر بخفقة في صدره، وبموجة ساخنة تكتسحه. لعنها بصمت رغم أن هذا الإغراء صدر منها من غير وعي ولم يكن متعمدا. وقال بفتور:" لا. ليس الليلة". رفعت حاجبيها متسائلة، فعاد يشير بشفتيه بغطرسة بكلمة(لا)، من فوق رأس ابنه. ألقت صوفي عليه نظرة متمردة. لم تشأ إثارة جلبة أمام تيودور، مع أن الأمر لم يعجبها مطلقا. كيف يجرؤ على أن يتراوح تصرفه معها بين السخونة والبرودة، فيتصرف وكأنها طلبت منه أمرا فاحشا؟ فكل ما طلبته هو أن تساعده في وضع ابنه في السرير، وذلك بعد جلسة قراءة ودية للغاية. لكنها منحت تيودور ابتسامة رقيقة وقالت بلطف:" تصبح على خير". ثم كررتها بالإسبانية وسرعان ما كافأها الطفل بالتواء سريع من فمه، أنبأها بالضبط كيف كانت شفتا لويس عندما كان في مثل سنه. صعد لويس بابنه السلم وهو يزفر، منتظرا أن تنزاح هذه المشاعر التي تمتلكه، وتمتم في سره: تباً لها.
روايتى
راح جسده ينبض بالمشاعر وحواسه تحترق، ما جعله يشعر باضعف. ماذا فعلت به، وكيف؟ ولماذا يزيد الزمن من شوقه إليها بدلاً من أن يخمده كما يحصل معه عادة؟ في غرفة تيودور أخذ يراقبه منتظرا وهو يمرر على شعره بيده إلي أن نام الطفل. عند ذلك فقط تنفس لويس بعمق ينظر إلي ابنه، وهو يفكر بحزن ومرارة، كم هو مسكين و بريء! أمه دفنت اليوم، وكل ما بإمكان أبيه أن يفكر فيه مشاعره الجسدية الملحّة.


جلست صوفي قبالته إلي العشاء وهي في مزاج من يعاني من الصداع. في البداية، لم تنطق سوى بكلمات معدودات. كما بدت فاقدة الشهية. قطب لويس حاجبيه:" أليس الدجاج لذيذاً؟".
- إنه لذيذ جداً.
- لماذا لم تأكلي منه جيداً إذن؟
لكن جوابها قوطع برنين الهاتف، وبعد ذلك بلحظة دخلت سلفادورا:" دون لويس؟".
- اماذ فقالت بسرعة:" إنها ألخاندرا".أومأ لويس ثم نهض وافقاً، وتمكنت صوفي من رؤية النظرة العابسة في عينيه.
- هل تسمحين لي؟
- بالطبع.
حاولت أن تصغي إلي حديثه، تماما كما أصغى إلي حديثها مع ليام. لكنها لم تستطع أن تفهم كلمة من الإسبانية السريعة التي كان يتكلم بها. أياً كانت ألخاندرا هذه، فهو على علاقة حميمة معها بكل تأكيد، فقد بدا ذلك من طريقة حديثه معها. ولكن عندما عاد إلي الغرفة، خيّل إلي صوفي أنه يبدو متوتراً. فقد بدا وجهه الوسيم متوتراً مظلماً، كما أنه راح ينظر إلي ساعته بين الحين والآخر. وأخيراً، وضعت فنجان قهوتها على المائدة بشدة:" هل أنا أعطلك عن سيء ، لويس؟". فقال :" تبدين متعبة قليلاً".
- نعم، وكذلك أنت.
فقال محاولاً ألا يطيل النظر إلي عنقها العاجي الطويل:" هل لي أن أقترح أن تنسحبي إلي غرفتك في أول فرصة؟ كان النهار شاقاً".
روايتى
- وأنت؟ هل تنوي النوم باكراً؟
تصلبت شفتاه وأخذ النبض يخفق في صدغه . هل تصورت أن وجودها هنا كضيفة يمنحها الحق في أن تحاسبه على تصرفاته؟ فقال بنعومة:" عليَّ أن أخرج، إذا لم يكن لديك مانع". تساءلت صوفي عما سيفعل إذا أجابت بأن لديها مانعاً فعلاً. هل يلغي ما جعله يبدو بهذا الشرود؟ ومع ذلك ، ربما من الأفضل أن يخرج. يمكنها أن تتصل بليام وتتفحص بريدها اللإكتروني، وتهتم ببعضشؤنها الخاصة. وهكذا ستشغل نفسها عن تذكر أحداث هذا اليوم الهائل، وتبقي أفكارها بعيدة عن هذا السيد الأسةد العينين الذي نهض واقفاً الآن.
وقف لويس ينظر إليها ويداه في جيبي بنطلونه. لم تستطع صوفي أبعاد نظراتها عنه . شعرت بحلقها يجف، فأرغمت نفسها على الانتباه بينما راحت أصابعها تطوي فوطة المائدة. نعم. . . من الأفضل أن يخرج ويبتعد عنها إلي أقصي ما يمكنه. فقالت بصوت مبحوح:" طبعاً ليس لدي مانع". ألقي نظرة أخيرة عليها. بدت جميلة للغاية. جعلت أضواء الشموع لون شعرها بلون العسل السائل البرّاق وهو ينسدل كأجنحة الملائكة على جانبي وجهها. هل تدرك أنها أحياناً وهي تتحدث إليه، تعلق شفتيها بلسانها فتتألقان بإغراء كما لو أنهما مطليتان بأثمن أنواع أحمر الشفاه؟ هل جاءت إلي بيته لتعنيفه بسبب أمور ما كان يملك قدرة لتغييرها؟ ألم تدرك أن كراهيتها الواضحة له ليس لها أي تأثير عليه على الإطلاق، كما لا تؤثر بشيء على التوتر الذي يبدو دوما في الجّو بينهما؟ وقال:" تصبحين على خير، سنيوريتا".
جعلت خشونة صوته هذا التهذيب الرسمي دون معني:" سأقابلك في الصباح فلا تنتظريني، رجاءً".
رفعت إليه نظرها وقالت ببرودة:" وما الذي يجعلني أنتظرك، لويس؟".

انتهى الفصل الرابع



الحالمة دائما 20-06-10 07:11 PM

5 - والحياة تستمر - 5

بعد مغادرة لويس، بدت الغرفة والبيت خاليين بشكل غريب، ومع أن صوفي تعلم أن سلفادورا وبييرو ما زالا في المنزل، وتيودور نلئم في الطابق الأعلى، فقد شعرت وكأن أشباح الماضي نهضت لتصبح هاجسها. تخيلت ميراندا وهي تجلس هنا، تتناول الطعام اللذيذ في غرفة الطعام الرائعة الجمال. لكن الجنوح أكثر من ذلك في الخيال بدا لها صعباً. فالمنزل ممتاز لكنه منعزل. وكانت ميراندا دوماً تحب الاختلاط بالناس، وتفضل الحفلات على الانفراد. تساءلت صوفي إن كانت قريبتها قد أزعجت نفسها بالتفكير في طراز حياة لويس قبل أن تتزوجه. شربت كوباً صغيراً من القهوة الثقيلة اللذيذة التي تركتها سلفادورا على المائدة، وعندما لم تستطع أن تكبح تثاؤبها ، صعدت إلي غرفتها واستحمت قبل أن تلجأ إلي سريرها . كان السرير واسعاً مريحاً، لكنها أمضت وقتا طويلاً قبل أن تستغرق في النوم ولم تجد في نومها هذا ملجأً مريحا، ذلك أن أحلامها لم تمنحها السلام. فطبيعة هذه الأحلام كانت مزعجة، بقدر هوية الرجل الذي أخذ يتسلل إليها بشكل متسلط خطير.
لويس!
بدا وسيماً، قوياً. . . وجهه الأسمر يسخر منها من بعيد ، وعيناه السوداوان يجذبانها كعادتهما على الدوام. مدت يديها إليه لكن الجوّ كان فارغاً، ورجاؤها فيه كان زائفاً كالسراب. تناوبت عليها البرودة والسخونة، ولمست جسدها فإذا به ينضح بالعرق. دفعت عنها الأغطية وأخذت تتقلب في الفراش شبه مستيقظة، تتأوه محتجة على ضربات قلبها السريعة، غير قادرة على تخليص نفسها من الصورة الجبارة لذلك

لإسباني المتكبر ذي الوجه الصلب والجسد الحار. عاد وجهه يسبح أمامها، وهذه المرة. . . كان بإمكانها أن تصل إليه. وللحظة أمسكها بين ذراعيه وسحقها على صدر. لكنه عاد فهز رأسه نبذاً وازدراء، فدفعها إلي السرير ثم ابتعد عنها. وتأوهت من أعماقها قائلة بصوت ممزق:" لويس".
في تلك اللحظة كان لويس يمّر من أمام غرفتها على رؤوس أصابعه سمع صرخة جفلى صادرة من الغرفة صوفي فجمد مكانه. وقف خارج الباب صامتاً، وما لبث أن سمع صوتاً آخر. . . لكنه بدا هذه المرة كنواح. ثم سمع اسمه. كانت تصرخ باسمه! اسمه! ياإله السموات! التوي قلبه، وجعلته صرختها متشوقاً بشكل لا يحتمل. وبخفة بالغة، لوى قبضة الباب ثم دفعه. جمد مكانه إلي أن اعتادت عيناه الضوء. وهمس دون وعي:" رباه". لا بد أنها فتحت مصراعي النافدة، لأن القمر كان ينساب عليها من خلال النافذة ساطعاً براقاً ما جعلها تبدو بلون الفضة. بل أشبه بمخلوقة خرافية لا يكسوها سوى قميص نوم خفيف باهت اللون. أما شعرها فقد انتشر لامعاً فوق الوسادة، بينما امتدت ذراعها بتراخ إلي ما فوق رأسها. أخذ لويس ينظر إليها مبهوراً . تحركت صوفي متقلبة في السرير، فبدا انعكاس الضوء والظل على جسمها ساحراً أخّاذاً. رآها تعود فتنقلب إلي الجانب الآخر، ثم تقطب جبينها . بدا واضحاً أن نومها متعب، وتساءل عن السبب كل ذلك الضيق والكرب البالغين اللذين تعاني منهما. يا إله السموات!
روايتى
هل كانت تحلم؟ أم هو الذي يحلم؟ تساءل عما إذا كان عليه أن يوقظها، ولكن هل يمكنه أن يثق بنفسه عند أقترابه منها بهذا الشكل؟ ماذا لو استيقظت فوجدته في غرفتها، مشرفاً على سريرها ، ووجهه متوتر بسبب رؤيتها نائمة في فراشها. . . ؟ ألن تصرخ حينذاك ، فتقيم الأرض ولا تقعدها؟ تقدم نحو السرير من دون أن يهتم لحماقة تصرفه هذا، وأخذا يحدق فيها، فلاحظ قطرات العرق الضئيلة للغاية التي جعلت بشرتها تتألق وكأنها مضاءة من الداخل. ومرة أخرى شعر بحرارة مشاعره المؤلمة. وقفته هذه والنظر إليها جعلتاه يشعر بعذاب لا يطاق ، فعض شفته مستعداً لمغادرة الغرفة.
وإذا بعيني صوفي تنفتحان على أتساعهما، وتريان ذلك الوجه الوسيم المتكبر، وقد بدت عيناه سوداوان أكثر مما تعهدهما، وهما تنظران إليها. حتى في ضوء القمر استطاعة صوفي أن تري وهج الانفعال يلوّن وجنتيه.
- لويس!
همست بذلك غير مصدقة، وكأنما تحقق حلمها فجأة. فقال بصوت مرتجف:" سمعت صوتك". لكنه أغفل أن يذكر ما كانت تقوله:" ظننتك. . ربما تعانين من كابوس". انتصبت جالسة.، وارتفعت يدها إلي عنقها:" ما. . . هو الوقت الآن؟". ابتلع لويس ريقه:" الوقت متأخر. . . أو بالأحرى مبكر جداً. الساعة الآن الرابعة، وما زالت الطيور ساكنة في أعشاشها. عودي إلي نومك يا عزيزتي. نامي، نامي. أنت بحاجة إلي النوم". لم تسمع صوفي صوته بهذه الرقة قط من قبل، ولا بهذه البهجة. واستندت إلي الوسائد خلفها.
- نامي.
عاد يحثها، فجذبت ملاءة الفراش حتى ذقنها . استحسن لويس ذلك منها وكرهه في الوقت نفسه . وقف ينظر إلي أهدابها تنسدل فوق عينيها بينما هي تتأوه المرة بعد الأخرى. . .
انتظر حتى هدأت أنفاسها، ثم، بألم قد غزا كل خلية من جسده، ابتعد بحزم عن السرير . أغلق الباب بهدوء كما فتحه. بعد أن اطمأن إلي تيودور ذهب إلي حمامه وأخذ دوشاً عنيفاً قوياً من الماء البارد. ثم استلقي في سريره وأخذ يراقب الفجر وهو يزحف من النافذة بعينين فارغتين. استيقظت صوفي برأس مثقل وشعور غريب بالذهول لم يستطع الحمام الطويل أن يمحوه. أخيراً، نزلت إلي الطابق الأسفل. كان الإفطار جاهزاً على الشرفة المزينة بالزهار والتي غمرتها أشعة الشمس، لكن مكان لويس مازال فارغاً. مسحت الخبز بالمربى، ثم نظرة ، بخيبة أمل، إاي سلفادورا التي كانت تسكب لها القهوة:" هل تناول لويس فطوره؟". فتردّدت المرأة:" لا، سنيوريتا. دون لويس لم ينزل من غرفته بعد". أتراه تأخر في الخارج؟ وأخذت صوفي تحدق في صحنها من دون أن تري، بينما عادت أجزاء من الحلم مزعج إلي ذاكرته. وضعت سلفادورا أمامها طبقاً من الفاكهة الطازجة وسألتها:" ربما تريدين بعض البيض؟".
روايتى
- لا، شكراً. الخبز وحده يكفي. ولكن عندما ذهبة سلفادورا، لم تأكل صوفي سوى القيل من وجبتها . أبعدت عنها الصحن، وجلست تجيل نظراتها في ما يحيط بها من جمال. هذا المكان هو، حقاً، من أجمل الأمكنة التي رأتها في حياتها. بدت السماء زرقاء فوق التصوّر ، ومن بعيد كانت أشجار الليمون تبدو صفراء متدرجة الألوان ومثقلة بالثمار. وقفت ثم سارت تتكئ على الدرابزين وتتفرج على البساتين المنظمة بشكل رائع. وأدركت أن هذا المكان هادئ ومسالم للغاية.

فكرت في عزلة المزرعة. . . في عزلة ميراندا بصفتها زوجة أجنبية بعيدة عن وطنها. اكتسحتها موجة من الحزن،وهي تدرك غلطة ابنة خالتها في القدوم إلي هنا. ولكن لو أن ميراندا لم تفعل هذا ، لما جاءت صوفي إلي هنا ! وتنهدت. طبعا ما كان هذا سيحدث، فهي لم تكن لتعرف هذا المكان إلا من خلال ميراندا . كما أن الحظ ما كان ليجمعها بلويس دي لاكامارا. عليها ألا تنسي ذلك أبدا. آه ميراندا. . . همست بذلك بعجز، وأخذت دموع الشعور بالذنب تنساب من بين أهدابها. هل كانت ستصدم أو تدهش لو علمت أن صوفي كانت دوماً ترغب بزوجها خفية؟ أخذت صوفي تطلب الصفح من الله بصمت. رآها لويس من داخل البيت، وعلم أنها تبكي حتى قبل أن يقترب منها إلي حدٍ كاد يري معه لمعان الدموع على خديها الناصعين. أجفل، وكأنما هو الذي فجّر دموعها . ربما كان من الأفضل لها أن تبكي فهذه المرة الأولي التي يراها تذرف الدموع فيها. اقترب منها برقة:" صوفي؟". سمعت وقع قدميه لكنها لم تلتفت، بل أخذت تجفف دموعها بفوطة السفرة. لا تريده أن يراها بهذا الضعف والضياع، خائفة من أن تتكهن هاتان العينان الذكيتان بجزء من ذنبها الخفي.
روايتى
- -لماذا تبكين؟
سألها بعد أن أصبح من القرب منها بحيث أمكنه أن يلمس خصلة من شعرها الحريري . هزت رأسها وهي تبتلع آخر دموعها:" لا شيء. . . أنا بخير الآن". فقال بلطف:" لا، بل أخبريني عن سبب بكائك". لطفه أذاب كل دفاعاتها:" كنت . . . كنت فقط. . . ". وارتجف صوتها :" أفكر في ميراندا. متمنية لو أن الأمر كان. . . ".
- مختلفاً؟ وعندما أومأت، قال بلطف:" آه، صوفي . . . صوفي"., كانت دموعها تنهمر على وجهها. قال لويس يواسيها:" لا بأس". ورفع يده بحركة آلية يملّس بها على رأسها، وأنامله تتمهل على شعرها الحريري:" لا بأس". حتى في منتصف العاصفة، ألهبت لمسته حواسها، حرارته، صلابته، رائحته، قدرته على إثارة العواطف، وقدرته على الاستفزاز برجولته الفياضة. وقبل أن تهزمها مشاعرها، أخذت أجراس الإنذار تقرع في عقلها الباطن. لقد حلمت به. . . فقالت تتهمه:" أنت كنت في غرفتي في منتصف الليل! ". تمني لو أنها لم تذكره بذلك . ذلك أن ذاكرته ابتدأت تسبب له ألماً وضيقاً :" سمعتك تناديني فدخلت لأطمئن عليك". تملكها ارتباك بالغ بعد أن تذكرت الحلم. وتساءلت عما عسي أن تكون قد نادت. بدا لها

من الأسهل والأقل إزعاجاً أن تركز على ما كان يفعله هو هناك، فقطبت جبينها:" كنت لا تزال في الخارج، أليس كذلك؟ كان الوقت متأخراً جداً".
- - نعم، كنت ذاهباً إلي غرفتي عندما سمعتك. روايتى
- خرجت لتري امرأة، تلك المرأة التي اتصلت بك هاتفياً أثناء العشاء، ألخاندرا؟
فقال موافقاً:" نعم، ألخاندرا. هذا صحيح". شعرت أن لهجته تحمل نبرة مختلفة. أتري أحداث الأيام القليلة الماضية عمّقت قدرتها على الملاحظة ؟ علمت بيقين بالغ أن علاقته بهذه المرأة ألخاندرا ليست علاقة صداقة بريئة. سألته وعيناها تخترقان عينيه:" إنها صديقتك. . . منذ متي؟". لم ينكر هذا . . . وكيف يمكنه ذلك؟ لم يستطع أن يحول نظراته. وساد صمت طويل ثقيل قبل أن يجيب كارهاً:" منذ ستة أشهر". قال هذا بعد أن حدث نفسه بأن ليس لديه ما يجعله يكذب عليها. ولكن رغم هذا دهش لردة فعلها. اندفعت بعنف وشعرها الأشقر يتطاير شاهرة أظافرها قرب وجهه الأسمر الجامد لولا أنه أمسك بمعصميها بقوة، وهو يقول:" أغضبي مني واشتميني قدر ما يرضيك. ولكن لا تتركي آثاراً على وجهي".
- لمَ؟ ألن يعجب ذلك ألخاندرا؟
- كفي، صوفي.
- هل لك أن تترك يديّ من فضلك؟
- إذا وعدتني بأن تتوقفي عن محاولة خدشي.
- لن أخدشك.
تركها لويس وعندما عادت فشهرت أظافرها في وجهه، عاد يمسكها مرة أخرى:" آه، كنت تكذبين، إذن، أليس كذلك يا عزيزتي؟ لقد وعتني ألا تخدشيني مرة أخرى".حدقت إليه وقلبها يخفق بعنف وألم:" أنت. . . أنت أمضيت الليلة الماضية. . . مباشرة بعد الجنازة بين ذراعي امرأة أخرى؟ كيف أمكنك أن تفعل هذا، لويس؟".
فقال بهدوء :" أنت تطلبين أجوبة ، وما ذنبي أذا كانت لا تعجبك؟"
تمنت لو بإمكانها ان تضربه بشيء ، أن تلكم صدره المغطى بالحرير بقبضتيها :" أنت . . . أنت تركت ابنك نائماً وذهبت لتنام مع امرأة أخرى".
- نعم كان ابني نائماً برعاية سلفادورا







الحالمة دائما 20-06-10 07:19 PM

انت رجل بلا قلب! أما كان بإمكانك أن تتأخر وقتاً كافياً قبل أن تطلق العنان لشهوتك؟
- هل هذا نوع من الاشياء التي اعتدت ان تؤذي بها ميراندا أثناء حياتها؟
- أخفضي صوتك!
فهزت رأسها: " أي نوع من الرجال ذلك الذي يزور عشيقته ليلة جنازة زوجته؟"
شعر بحرارة القتال تبرد فيها فتركها. وهذه المرة سارت متعثرة إلى كرسي جلست عليه بعينين متبلدتين. ثم قالت وأنفاسها ترتجف :" رباه، لا عجب في أن ميراندا كانت تعيسة للغاية"
شعر لويس أنه نال الكفاية من اتهاماتها وإدانتها له ، فتقدم إليها ورفعها لتقف على قدميها غارزاً أصابعه في لحمها الطري:" أنت لا تعرفين شيئاً عن زواجي!"
- أنا أعلم ما يكفي!
- -هل لك أن تهدئي ، صوفي ؟
- أبداً.
روايتى
- رأى شفتيها ترتجفان تمرداً فاندفع شيء في أعماقه، أشبه بحبل من المطاط قد شُدّ حتى عاد ينقطع. و بزائير غاضب جدبها إليه وعانقها بقوة. الغضب ، الإحباط ، الهياج، و الإحساس بالظلم . . . تفجرت كلها في داخلها ما إن شعرت بذراعيه القويتين تضمانها بشدة، كما حلمت بهما الليلة الماضية في السرير.
لكن هذه المرة أصبح الحلم حقيقة. ومع أن الأمر أعجبها، إلا أنها تعلم أن ذلك خطأ. كله خطأ، فلماذا تتركه يعانقها إذن ؟
كان تنفسها ضعيفاً للغاية، إلا أنه لم يمنع آهة صغيرة من ؟أن تنطلق من بين شفتيها. لماذا تشعر وكأنها تذوب وكأنها لم تعرف عناق رجل من قبل ؟ في الحقيقة، لم يفعل ذلك رجل آخر. ليس مثله على أي حال!
وشعر لويس بذراعيها تلتفان حول رقبته. وصرف بأسنانه غاضباً :" يا إلهي . . . يا إلهي . . . "
شعرت صوفي بالحرارة و الشوق يغليان في داخلها. و مع ذلك، هذا هو الزجل الذي خدع ميراندا. . . و الذي زار عشيقته الليلة الماضية فقط. إنه يملك من القوة و الوسامة ما يجعل أية امرأة يريدها رفيقة منسجمة غير متذمرة، نهمة إلى عناقه و لمساته ، تماماً كما هي الآن.

الحالمة دائما 20-06-10 07:21 PM

سلخت نفسها من بين ذراعيه وإذا بها ترى السخرية السوداء الكريهة في عينيه. استعادت أنفاسها بسرعة غريبة ، ما جعلها تنفجر متهمة بعد لحظة:" ذلك يخبرني بكل ما أريد معرفته، وأي نوع من الرجال تزوجت ميراندا . إنه رجل بإمكانه أن يعانق أية امرأة من دون تمييز . . . فقط لكي يمنعها من الكلام!".
لكن لويس هز رأسه. لم يكن يعانقها من دون تمييز منه. لا ، أبداً . فقد أراد أن يفعل ذلك أثناء الليل و مرات كثيرة قبل ذلك. إحساسه الآن بنعومتها ودفئها و براءتها جعله يشعر و كأنه سينفجر إحباطاً.
و قال بغموض: " لقد استغرق هذا زمناً طويلاً لكي يحصل بيننا، ونحن الاثنان نعلم هذا. ولهذا لا تزعجي نفسك بإنكار ذلك إمامي، صوفي".
كانت أنفاسها ما تزال مضطربة و عيناها متوهجتين: " نعم ، أتذكر الطريقة التي رحت تنظر بها إلي في المرة الأولى التي رأيتني فيها. . . و كأنك لم تر امرأة في حياتك ".
فقال بنعومة :" ولكن لم تبد لي نظراتك حينها أقل خطراً".
روايتى
لقد نطق لويس بالحقيقة ، ما زاد في شعورها بالخزي:" عرفت حينذاك أي نوع من الرجال تزوجته ميراندا. رجل مستعد لأن يقفز إلى أحضان امرأة ترغب فيه. ويا ليتني أخبرتها بذلك! لكنت فعلت لو أنها لم تكن حاملاً حينذاك! "
- أضنك الآن تضغطين عليّ كثيراً يا صوفي.
قال هذا بصوت ناعم إلى حد الخطر. بقد حاول أن يحترم ذكرى زوجته الراحلة، لكنه لن يمضي حياته كاذباً، كما لن يدع صوفي تأخذ فكرة زائفة عنه و تلعنه إلى الأبد في عينيها. إن كرامته لا تقبل بذلك.
- أنت لا تتركين لي خياراً سوى أن أخبرك الحقيقة عن زواجي. عند ذلك فقط سيكون لديك الحق في أن تدينيني.
- طبعاً، الآن يناسبك أن تكذب عليّ!

ألقي عليها نظرة احتقار باردة كالثلج :" أتظنينني أحمي نفسي بالكذب ؟ أبداً!"
استغربت صوفي كيف أن الغضب و الاحتقار الارستقراطيين اللذين ظهرا في صوته جعلاها تصدقه.
راح يقول ببطء :" من المؤلم استعادة سرد الذكريات. في البداية، أعجبتني ابنة خالتك كثيراً. كانت حلوة مرحة و على شيء من الجنون".



الحالمة دائما 20-06-10 07:24 PM

وتنهد وهو يتساءل كم أن حياة الكثيرين قد تتغير لو أنهم استطاعو معرفة المستقبل:" ا و قد استمتعنا معاً بعلاقة كانت ترضينا معاً".
- أنت تجعل تلك العلاقة تبدو باردة للغاية، لويس!
- لم تكن باردة. . . وإنما كانت كما نتمناها . أنا لست منافقاً، يا صوفي! وأنت تعلمين ذلك. لا أتظاهر بمشاعر لا أملكها.
كانت شمس الصباح الدافئة تنصب عليه بقوة ، لكن لويس كان يشعر بالبرد:" أنا لم أقع في غرام ميراندا قط، وكانت هي تعلم بذلك. ولم أحاول إخفاء الأمر عنها . كانت جميلة جدا ومتألقة، وكنا مسرورين معاً. لكنها كانت أيضاً تعلم أن ليس لعلاقتنا مستقبل". حدقت إليه بقنوط:" لكنك تزوجتها! أي جهنم جعلك تتزوجها من دون حب؟".
- تزوجتها لأنها كانت حاملاً بابني كما تعلمين. . . وهو طفل لم نخطط لقدومه. . . على الأقل لست أنا الذي خططت لذلك.
قال الجملة الأخيرة ببطء وتثاقل . هزت صوفي رأسها. لن تصدق هذا. لن تصدق :" إذا كنت تحاول أن تخبرني أن ميراندا تعمّدت ذلك، فأنا أعلم أن هذا غير صحيح . فهي لم تكن شديدة اللهفة إلي الأمومة، كما أنها كانت تستعمل حبوب منع الحمل . لقد أخبرتني ذلك بنفسها!".
- بماذا أخبرك غير ذلك؟
- أخبرتني بأن ذلكحصل صدفة. فقد شعرت بوجع في بطنها، وذلك. . .
روايتى
فقاطعها:" صوفي، أنا لا أريد أن أشوّه ذكري ميراندا، لكن الأمر لم يحصل مصادفة. صدقيني. كنت أبحث عن بعض الأوراق عندما وجدت أن حبوب منع الحمل لم تمسّ. وواجهتها بالأمر، وإذا بها تعترف بأنها توقفت عن تعاطيها من دون أن تخبرني".
- آه، رباه!
قالت صوفي هذا بصوت خافت. تذكرت ثرثرة ميراندا بعد العرس مباشرة، حين أخبرت صوفي أن لويس هو أكثر الرجال الذين عرفتهم جاذبية وصممت على الحصول عليه بأي ثمن. أتراها خططت لذلك حقاً؟ مستعملة أقدم الحيل المعروفة لجعل الرجل يتزوجها؟ وتكهنت بالجواب وقلبها يغوص. وقالت تدافع عنها:" آه، لقد أمضت ميراندا طفولة فظيعة. لم يهتم بها والداها قط. كانت تعاني من شعور مزمن بعدم الإحساس بالأمان". فقال برفق:" أنا لا ألوم ميراندا لتصرفها، وإنما أخبرك فقط كيف حدث الأمر

الحالمة دائما 20-06-10 07:25 PM

وتزوجتها لمجرد أنها حملت بابنك؟ لم يعد الرجال يفعلون ذلك يا لويس. إذا لم تكن تحبها، لا بد أنك كنت تعلم منذ البداية أن الزواج لن ينجح.
- سبق وأخبرتك أنني تزوجتها بسبب إحساسي بالواجب. فالطفل هو ابني بقدر ما كان ابنها ! ولم تكن ميراندا تريد أن يولد الطفل غير شرعي، ولا أنا في الواقع . وهكذا قررنا أن بإمكان الزواج أن ينجح. أرادت أن تنعم بالطمأنينة التي ستكسبها بالزواج مني، كما أنني سأحصل على الطفل الذي بدأ قلبي يحنّ إليه.
- لقد كان زواج مصلحة إذن؟
- أو. . لنقل زواجاً مناسباً.
فسألته بحرارة:" وهل كنتما صادقين مع بعضكما البعض منذ البداية؟ هل أخبرتها بأنك لن تبقي مخلصاً لها وأنك ستبدأ قريباً بالبحث عن سلوى عند امرأة أخرى؟". ساد صمت آخر قبل أن يجيب:" لا. لم تكن هي صادقة، ولا أنا! لقد أردت الوفاء بعهودي الزوجية كلياً، يا صوفي. أنا رجل شريف!". وضاقت عيناه وهو يتذكر:" ولم يكن صعباً عليّ أن أبقي مخلصاً لامرأة مثل ميراندا. فالزواج يمكن أن يؤسس على أكثر من مجرد حب، كما تعلمين. وفي الواقع ، حضارات كثيرة تؤمن بأن الزواج ينجح إذا كان مؤسساً على الثقة والاحترام أكثر منه على الحب. ولكن. . . ".
- ولكن ماذا؟
اختار كلماته بعناية، فهو لايريد أن يؤلمها. ولكن قد لا يكون هناك مناص من الألم إزاء الحقيقة:" لا أضنني قدمت إلي ميراندا نوع الحياة التي تريدها حقاً".
- آه ، لا تقل هذا، لويس . . . كانت تحبك بشغف.
روايتى
فقال بحزم:" لا. كانت تحب ما أقدمه لها . لكن الحقيقة قصرت عن بلوغ الهدف. كانت تعشق حياة الترف والرجال المتألق المنغمس في الماذات. . . كما كنت أنا حين تعارفنا. أما الحياة في هذا البيت، " لاريوجا" والقيام بدور الزوجة والأم فلم يناسبها على الإطلاق. لقد وجدت أن الحياة الهادئة البطيئة هنا لا تطاق، فأرادت أن تعيش في برشلونة. . . وقد اعتادت أ؟ن تسميها " باريس الحرية" لكن ذلك لم يكن ممكناً ".
- كان بمكانكما الوصول إلي حل وسط والذهاب إلي هناك أثناء العطلات الأسبوعية.. .

الحالمة دائما 20-06-10 07:28 PM

الأمر كذلك لفترة. حتي أن تيودور ذهب معنا مرة، ولكن. . . كما أخبرتك مرة . . . وجود الطفل يغير كل شيء.
- هذا ليس ضرورياً. . .
فتنهد:" هذا كلام من ليس لديه طفل. لكن الطفل يغير الأمور، يا صوفي، أكثر مما تظنين. عندما يكون لديك طفل، لا يمكنك التأخر في النوادي الليلية، والنوم حتى الظهر".
- هل كانت تفعل ذلك ؟
- نعم ، كانت تفعل ذلك. وفي الفترة الأخيرة كانت تذهب بالطائرة إلي " برشلونة" وحدها تاركة تيودور هنا ، بينما تسهر هي في الحفلات حتى الصباح. فقلت لها إنها إذا استمرت على هذا المنوال فسيحدث بيننا ما لا مناص منه، فيعيش كل منا حياة منفصلة. وهذا ما حصل.
- وهل كان ذلك عندما وجدت لنفسك صديقة؟
فبدا الأسى على وجهه:" لا، وإنما اقترحت أن نعقد جلسات للتشاور . تابعت ميراندا الجلسات الثلاث الأولى قبل أن تخبرني بأنها تقيم علاقة مع رجل آخر . عند ذلك رحت أبحث لنفسي خارج بيت الزوجية عما حُرمته في بيتي".
سمعت رنين الحقيقة في صوته. وبالرغم من كل شيء هفا قلبها إليه، فهمست:" أواه، لويس. هذا فظيع. لماذا لم تتطلقها؟". فضحك بمرارة:" أتظنين الأمر بتلك السهولة؟ ربما هو سهل في إنكلترا. . . ولكن لم تكن لدي نيّة في أن أدع تيودور يتمزق في معركة الوصاية. أو أن أدعه يعيش، ولو لفترة قصيرة، مع أم لا تهتم به كما يجب. كثير من الزيجات تستمر على هذا النحو يا صوفي".
روايتى
- ثم ماتت.
وسمّرته بنظرة تابتة. مدركة أن "الرجل الحديدي" الذي كانت تظنه، لم يكن له وجود. فلويس إنسان كبقية البشر. مع أن هذا الرجل الوسيم الغني الواسع النفوذ لم يمنح قلبه لميراندا، لكن لديه ضميراً حياً للغاية وشعوراً بالواجب.
- أظن أنك شعرت بالراحة في التخلص من مثل هذا الزواج الفارغ.
فتصلب فمه:" أتظنينني غولاً أسود القلب بحيث أتمني لأم إبني الموت؟".
- لكن سلوكها لم يكن يعجبك!
فتنهد:" لا لم يكن يعجبني. . . لا أنكر أنني شعرت بشيء من الارتياح لأنه لم يعد هناك شقاء. ولكن، صدقيني، شعرت بالذنب لهذا التفكير



noga33 25-06-10 01:56 PM

:smi65::67:

ام مزن 30-06-10 09:20 AM

رواية جميلة جدا منتظرين التكملة
ربنا يكون فى عونك
شكر ليك
:eh_s(7): :eh_s(7): :eh_s(7): :eh_s(7):

ام مزن 30-06-10 04:39 PM

نحن منتظرين باقى الرواية حبيبتى
انشاء الله المانع خير

samaahmeds 03-07-10 02:30 AM

بليييييييييييز ممكن التكمله

MooNy87 03-07-10 02:43 AM

تسلم ايدك يا قمر

الحالمة دائما 03-07-10 08:06 PM

للنساء فقط

مال لويس إلي الأمام يخاطب السائق:" قصر سانتو مورو من فضلك".
- نعم، سيدي.
خرجت سيارة الليموزين الفخمة من المطار نحو وسط مدريد، بينما عاد لويس يستقيم في مقعده. ثم قال بلطف:" أنظري إلي مدريد، صوفي. وتملّي من جمالها بنفسك" . أطاعته صوفي وأخذت تنظر من نافذة السيارة وهي تفكر أن جمال المدينة يبهت أمام روعة الرجل الذي يجلس إلي جانبها . لكم تغيرت علاقتهما منذ أخبرها عن حقيقة زواجه. إنه شيء لا يصدق! لم يعد هناك المزيد من الشجار أو الإتهامات المتبادلة. . . لقد أصبحا مهذبين بشكل حازم مع بعضهما البعض. رغم أنهما يتعاملان بشكل حذر، فقد صمما على أن يحافظا على مسافة بينهما قدر الإمكان. وكان لويس على حق.

لقد أدركت صوفي ذلك الآن. إنها حقاً ليست في وضع يسمح لها بانتقاده لاتخاذه صديقة فهذه حياته والخيار يعود إليه،وهي ليست جزءاً من هذه الحياة. كانت تشعر بالألم كلما فكرت بهذا الأمر، لذا حاولت أن تبعده عن تفكيرها بقدر استطاعتها. وقد سهل عليها ذلك أنه، حسب علمها، لم يعد إلي زيارة ألخاندرا مرة أخرى. . . وهذا يعني لا مزيد من مواعيد الليلية . تكهنت بأنه ينتظر عودتها إلي


نكلترا. ورحلة العودة هذه حاضرة في ذهنها إلي درجة كبيرة، لكن ما زال عليها أن تقرر موعد رحلتها. فهي تعلم أنها لا تستطيع البقاء في إسبانيا إلي أجل غير محدّد، لكنها لم تستطع استجماع شجاعتها بعد، لتسأله عن مسألة اصطحابها لتيودور معها. كانت تنتظر اللحظة المناسبة، وتلك اللحظة لم تأت بعد. وهي ما زالت خائفة مما يمكن أن يكون عليه جوابه. لا يمكنها أن تنكر أن الأيام السابقة للعرس كانت أياماً ممتعة للغاية. . . تقريباً ممتعة أكثر مما يجب. في الصباح، خرج لويس إلي العمل تاركاً صوفي تساعد سلفادورا في الاهتمام بتيودور. وقد اكتسبت صوفي الآن ثقة سلفادورا وكذلك مودة تيودور. بدت المرأة المسنة متلهفة إلي أن تكلفها بمزيد من المهمات. ولم يكن لدي صوفي مانع في هذا. وتحت عيني سلفادورا المراقبتين، أخذت تعلم تيودور السباحة. عاد لويس من العمل مبكراً بشكل غير متوقع، فوجدهما يتخبطان في بركة السباحة ببهجة بالغة.
- ما هذا؟
فرفعت صوفي بصرها وقد جعل البلل شعرها يلتصق بجمجمتها وراح الماء ينساب من وجهها، بينما بدا تيودور غارقاً في الضحك بقربها.
- أنا أعلّم تيودور السباحة.
- دون إذني؟
- لقد فزت بكأس السباحة على الصدر . فهو آمن تماماً معي!
فأجاب بلطف:" أري ذلك بوضوح. لكن في المستقبل يجب أن تبحثي الأمور معي مسبقاً ، صوفي، هل هذا مفهوم؟ ".
- تماماً.
قالت هذا ثم غطست قليلاً في الماء فقد شعرت فجأة أن بذلة السباحة مكشوفة للغاية. قال لويس بإيجاز:" هذا إذا ما فكرت بأن تأخذيه إلي تسلق الجبال". عند العصر بعد انتهاء القيلولة، أراد لويس أن يعرف صوفي على بقية أنحاء المنزل " لاريوجا" والمناطق الريفية المحيطة به قدر ما يسمح به الوقت. جعلتها هذه الجولة تزداد حباً لهذا المكان، فقد شغفت بجو المنطقة المسالم وجمالها الطبيعي اللذين جعلا لندن تبدو بالمقارنة بها غبراء بالغة الازدحام. رأت بنفسها مياه نهر " إبرو" الصافية العميقة، وهو النهر الوحيد في إسبانيا ، وهو يصب في البحر الأبيض المتوسط، وقد غرست ضفتاه بكروم العنب وانتشرت حولها صفوف من حدائق الخضار. بدت جبال " سيرا دي لاريماندا" رائعة
لجمال. ابتسم لويس بتسامح تقريباً، عندما عبرت صوفي عن إعجابها بها:" إنها رائعة جداً، وعالية بما يكفي للتزلج على الثلج".
- هل تجيدين التزلج على الثلج ، صوفي؟
- أنا مدمنة على ذلك.
- وأنا أيضاً.
لم تكن ترغب بأن يكتشف الأشياء التي يشتركان بحبها. يا ليته أخبرها بأنه يكره التزحلق على الثلج من كل قلبه! كان قد أوقف السيارة وبذلك استطاع أن ينظرا إلي أخاديد " ريوجا باجا" الرائعة الجمال:" أنظري إلي ذلك المكان . الدينوصورات هناك جعلت الأرض تهتز. . . ".
- هل أنت جاد في ما تقول؟
- بكل تأكيد. أو على الأقل تركت آثار أقدامها الغريبة في مستنقعات تعود إلي ما قبل التاريخ ، وقد أصبحت الأن متحجرة.:eh_s(7)::eh_s(7)::eh_s(7):

الحالمة دائما 03-07-10 08:08 PM

:smi65::smi65::smi65:وراح يخبرها أن السياح لا زالوا حتى اليوم يأتون من كل أنحاء العالم إلي هذه المنطقة ، لكي يروا البراهين على وجود تلك الحيوانات الضخمة. كانت هذه ناحية من إسبانيا لم تعلم بوجودها. قال ممازحاً :" هل كنت تظنين أن ليس لدينا سوي الثيران؟". فأجابت ببطء:" أظن ذلك".

- يا للعار، يا صوفي، لنقص ثقافتك.
هناك الكثير مما يرغب أن يعلمها إياه عدا التاريخ، لكن ذلك ممنوع عليه. إنها هي نفسها ممنوعة ، ومراوغة، ومجهولة، كما ذكّر نفسه. في عصر أحد الأيام كان الطقس منعشاً يثير البهجة. ذهبا برفقة تيودور إلي الجبل " أرالارا" السحري، المغطي بأشجار الزان والزعرور البري، في منطقة" نافارا". فتحت صوفي سلة الطعام البسيطة وأخذت تنظر حولها . بينما حمل لويس تيودور على كتفيه ليمنحه رؤية جيدة لما حوله، راح يحدثه بحكاية " سان ميغيل" الأسطورية. استلقت صوفي إلي الخلف وأخذت تصغي مأخوذة وعندما انتهي تمتمت تقول:" إنها حكاية رائعة. وهذا المكان رائع أيضاً". وأشارت إلي المشاهد الخضراء الخصبة حولها. رفع حاجبيه:" هل ظننتها وعرة غير مضيافة؟".
- قليلاً.
وافقته وهي تفكر أنها تصورته هو كذلك أيضاً قبل أن تكتشف أنه لا يتصف بأي من هذه الصفات، بل هو حساس عاطفي، من دون أن ينتقص ذلك من رجولته الفياضة وقوته الفطرية. ومع مرور الوقت،
أصبحت أكثر تفهماً لما جعل ميراندا تصمم على امتلاكه. وعند كل مساء ، بعد العشاء ، كانت صوفي تنسحب إلي غرفتها لتتفحص بريدها الإلكتروني وتقرأ ما يوجهه إليها ليام. كان أولفير يتصل بها من حين إلي آخر، أما ردة فعلها لاتصالاته فكانت وصولها إلي ما يشبه حالة اليأس. تذكرت الحماسةالتي كانت تشعر بها وهي تنتظر مواعيده. لكن تلك الحماسة تبخرت إلي ما يشبه اهتمام الأصدقاء، من ناحيتها هي على الأقل . وكانت من الفطنة بحيث أدركت السبب. سألها خلال أحد اتصالاته:" متي ستعودين يا صوفي ، وتتعشين معي؟".
- لا أدري. لم أقرر بعد.
- أنت تعلمين كم أحب الخروج برفقتك. كان على أن أطلب منك ذلك منذ دهور، لكنني أظن أن سمعتك منعتني.
فضحكت:" أية سمعة؟".
- آه أنت تعلمين. . . أنت باردة لا أحد يستطيع الاقتراب منك.
باردة؟ لا أحد يستطيع الاقتراب منها ؟ إنها تراهن براتب شهر أن فكرة لويس عنها مختلفة. مرة واحدة فقط جلست مع لويس في الشرفة. وكان الوقت متأخراً والقمر يبدو في السماء كطبق من الفضة. وقد ارتفعت من حولهما أصوات زيز الحصاد الحادة. راحت صوفي تتحدث عن شركتها. ز . عن آمالها وأحلامها فيها، وعن قرب تحقيق تلك الأحلام والآمال.
- أنا أهنئك لطموحك هذا !


الحالمة دائما 03-07-10 08:09 PM

قال لويس ذلك بلطف بينما خنقت هي آهة. بدت الجلسة رائعة كما بدا هو رجلاً رائعاً. إلا أنه بكل تأكيد، ليس بالرجل الكامل لها. هذا ما عليها أن تذكر نفسها به دوماً.
انسابت السيارة في أحد شوارع مدريد. وأدركت صوفي بشيء من الضيق أن الأمر يبدو وكأنهما في إجازة. وقالت بسرعة حين أسرعت السيارة في سيرها:" أخبرني الآن عن العروس والعريس".
التفت إليها :" ماذا تريدين أن تعرفي؟".
- آه، الأمور المعتادة. أي شيء!
أي شيء يجعلها تتوقف عن التفكير فيه وفي قوة انجذابها نحوه. يا ليت الطفل يستيقظ ليشغلهما ! لعلّه يحوّل انتباهها عن عينيه اللتين كانتا تراقبانها. لكن تيودور الذي ظل مستيقظاً لاهياً طوال الرحلة بالطائرة، ينام الآن ملء جفنيه. أجاب لويس :" رامون من أبناء عمي. سوف يتزوج إستريللا التي يعرفها منذ سنوات".
هل يحبها إذن؟
إلتفت إليها ليري التحدي في نظراتها، فضاقت عيناه. كان يعرف ما وراء سؤالها هذا. . . أتري زواج ابن عمه سيكون نسخة عن زواجه هو؟
- رامون يحب إستريللا من كل قلبه.
قال هذا بهدوء، ولأول مرة في حياته يشعر بالحسد نحو شخص آخر
- حسناً . . . أظن في ذلك شيئاً ما.
- نعم. وهي متعلقة به إلي حد لا يمكنها معه أن تتصور أن تشاركها فيه امرأة أخرى.
فقالت بجفاء:" وهذا أيضاً شيئاً ما".
فقال ساخراً :" إذن فأنت ذات طبع شاعري، أليس كذلك، صوفي؟".
- أنا أؤمن بأن الزواج يعني التخلي عن كل شخص آخر. أليس هذا ما تقوله العهود الزوجية؟
فقال بهدوء:" هذا ما يقولونه".
وقبل أن يتحول النقاش إلي توتر بينهما، قالت صوفي :" إذن سيكون في العرس الكثير من أقربائك".

الحالمة دائما 03-07-10 08:10 PM

نعم، الكثير منهم . والداي وأخواتي وأقارب غيرهم لا يحصون .
- وخلاصة الأرستقراطية الإسبانية كما أظن .
فمال رأسه:" طبعاً". قال ذلك بعدم اهتمام وكأن هذا الأمر طبيعي. بدا بالغ الثقة بنفسه وبمقامه الرفيع في العالم. وربما كان ذلك هو الجزء الرئيسي من جاذبيته. لو كان. . . عاملاً في مزرعة مثلاً، هل تنظر إليه امرأة مرتين وتفقد عقلها لأجله؟ أخذت صوفي تتصور ذلك السيناريو في ذهنها بشكل كامل. لويس يقوم بعمل جسماني شاق، نعم. . . ليس من الصعب تخيل ذلك على الإطلاق. تكوينه الجسماني يظهر أن بإمكانه القيام بأعمال كهذه بسهولة. تصورت قطرات ضئيلة من العرق اللامع على بشرة كتفيه العريضتين السمراوين، وتموّج عضلاته وهو يعمل في الحقل. . . وانحبست أنفايها في حلقها. رجل مثل لويس سترغب به النساء مهما كلن عمله.
- ألن يستغربوا إحضارك إبنة خالة زوجتك معك إلي عرس للأسرة؟
- سيتقبلون الأمر من دون تفكير لأنك من أنسباء الأسرة. الإسبانيون يهتمون كثيراً بأقاربهم.
أخذت تنظر من النافذة وهم يمرّون بمباني المدينة الرائعة الفخمة. إنها محظوظة لتمكنها من تنقل عبر إسبانيا بالطائرة بمثل هذه الرفاهية.

لكنها لم تشعر بأنها كذك ، بل شعرت. . . بالحزن. نعم ، بالحزن. فيا للغباء ! ذلك أنها ستغادر هذا المكان وهذا الرجل عمّا قريب. ومع أن ذلك سيكون الأفضل لها . . . إلا أن جزءاً منها بدا متلهفاً إلي البقاء.
- هل أنت متحمسة لوجودك في مدريد يا صوفي ؟
سألها لويس برقة وهو يري التوتر المفاجئ في جانب وجهها. وتساءل عن سبب هذا التوتر.
- نوعاً ما.
فقال بجفاء:" آه، أليس هناك ولو شبه مديح؟ لو كانت مدريد امرأة لأخذت تبكي الآن !".
- آه، ليس لدي شيء ضد المدينة بالذات.
- إذن المشكلة في رفقة السفر فقط، أليس كذلك؟
ألتفتت تواجهه، فأسرتها عيناه الفاحمتان وشفتاه الممتلئتان.
- لو أن لدي خيار، لا أظنني سأستقر معك ولو لعطلة أسبوعية واحدة.
فتمتم يقول:" كرامتي جرحت إلي حد بالغ".
- هذا يشكل تغييراً بالنسبة إليك. فقال برزانة:" هذا صحيح تماماً".
ضمت صوفي شفتيها بشدة وقد كرهت منه أن يمازحها ساخراً بهذا الشكل ، أو ربما أحبته لأنه يذكرها بحميمية هي غير موجودة أصلاً. إنهما مجرد شخصين جمعتهما الظروف معاً، وهما يحالان جاهدين أن يصلحا وضعهما الشاذ. ولكن، في الوقت الحالي، لم يكن الوضع يبدو شاذاً. فقد بدت حماستها أشبه بحماسة تلميذة مدرسة في أول رحلة لها خارج البلاد ،

الحالمة دائما 03-07-10 08:11 PM

لوجودها معه ومع تيودور في مدينة رائعة . لا شك أنهم سينزلون أحد أفخم الفنادق. لو كانت أكثر حكمة لرفضت مرافقته في هذه الرحلة، ولكن ما الفائدة من ذلك؟ سوف تمضي الوقت وهي تتسكع حول الفيلا الرائعة وحدها، بينما تيودور يبعد عنها أميالاً كثيرة . وهي قد حضرت هذه البلاد خصيصاً للتعرف إليه. حدثت نفسها بأنها لن تبقي هنا لمدة غير محدودة. . . فيما يتعلق بالعمل ، كان ليام والآخرون يقومون بالعمل بشكل جيد، لكن صوفي تلعب في الواقع دوراً حيوياً في الشركة، ولا يمكنها التخلي عن دورها لفترة طويلة بينما هي تسرح وتمرح في إسبانيا. فيما هي غارقة في تأملاتها ، رن جرس الهاتف في حقيبتها ، وسمعت لويس يتأفف بفروغ صبر. وقال ببطء:" ألا تقفلين هاتفك هذا أبداً ؟".
- وما فائدة الهاتف إذا لم يستطع الناس أن يتصلوا بي بواسطته.
وقرأت الاسم المطبوع على الشاشة:" ليام ، مرحباً؟ ماذا حدث؟".

فع لويس حاجبيه وهو يبعد خصلات شعر طفله عن وجنتيه . لقد أخبرته من قبل أن ليام هو شريكها. ولكن شريكها هذا يريد منها أكثر من مجرد ترتيبات العمل، باعتبار المرات الكثيرة التي يتصل بها فيها ! أخذ يفكر متأملاً في ما سيقوله ليام إذا علم بمحاولاتها الجاهدة لكبح انجذابها إليه؟ هذا الانجذاب الذي يزداد وضوحاً كلما حاولت أن تخفيه. تساءل عما إذا كانت تعرف مبلغ شفافية وجهها المعبّر. فما إن تتلاقي نظراتهما حتى يصبح لون عينيها داكناً ويتلون وجهها بحمرة الشعور بالذنب بشكل فاضح، وكأنها تخاف أن يقرأ أفكارها. ليس أفكارها . . . لا. . ز بل جسدها ، نعم. . . فهذا من السهل قراءته. خبرته مع النساء تجعله يدرك بيقين بأن صوفي لا يمكنها مقاومته على الإطلاق. وكانت تقول:" لا. أنا في مدريد مع لويس".ورد عليها ليام:" مدريد؟ أتعنين أنك في المطار؟ هل ذلك يعني أنك قادته إلي الوطن؟".
- لا. . . ليس الآن. أنا . . . أنا في الواقع ذاهبة لحضور عرس عائلي.
وساد صمت قصير قال ليام بعده غير مصدق:" معه هو؟".

الحالمة دائما 03-07-10 08:12 PM

ألقت صوفي نظرة على جانب وجه لويس إلا أن وجهه لم يظهر أي تعبير بل بدا كأنه منحوت من الرخام. مع أنه كان يسمع كل كلمة تقولها، أخذت تنظر إليه وهو يسوّي خصلات شعر ابنه بذهن شارد . ثم ردت:" هذا صحيح". وفكرت أن لويس يقوم بدور الأب بشكل لا غبار عليه . إنه أب رائع !
- هل تصغين إليّ صوفي؟
سألها ليام ، فاكتشفت، مذعورة ، أنها نسيت أمر المخابرة الهاتفية، تاركة أفكارها تسرح بعيداً. . . وقد اعتادت ، مؤخراً، أن تسرح في اتجاه معروف تماماً.
- كنت أظن أن الغرض من سفرك هو أن تكوني بجانب ابن ابنة خالتك، لا أن تطوفي في البلاد طلباً للمتعة مع رجل يفترض أنك لا تطقينه.
- لكن تيودور معنا.
- ليس هذا ما أعنيه. . .
- إسمع ليام . لا يمكنني أن أتحدث الآن.
قالت هذا بلهجة ذات معني، ولاحظت أن فم لويس تصلب بابتسامة صغيرة جافة، فتملكها القلق من أن ينطق ليتم بشيء مهين حقاً عنه فيسمع هذا:" هل لديك شيء خاص تريد أن تحدثني عنه؟".
- ماذا ، آه، نعم. إنه عن تيد جاكوبس. . .
- سأتصل به عبر الإنترنت !
إنه يريد أن يراك.
- حسناً، هذا غير ممكن الآن !
- لكنه قال. . .
- فقاطعته لأن تيودور بدأ الآن يتحرك:" إسمع يا ليام . أنت قادر تماماً على التعامل مع تيد بنفسك".
- نعم، لكنه يفضلك أنت.
فتنهدت:" أنا أعلم أنه يفضلني، ولكن عليك أن تشرح له ما حدث أنا بحاجة إلي أن أكون هنا. الطفل بحاجة إليّ". فسألها ليام ببطء:" وماذا عن لويس ؟ هل هو أيضاً بحاجة إليك؟ يبدو لي أنك التصقت في المكان الذي تركته ابنة خالتك. صوفي، هل هذا هو الأمر؟". لو يعلم فقط أن ميراندا كانت تمضي معظم أوقاتها في الناحية الأخرى من البلاد! كانت صوفي تعلم أن ليام يسألها بسبب اهتمامه نها ، لكنها لا تستطيع أن تشرح له أن لويس لا يريد بديلاً عن زوجته. . . وخصوصاً أن لديه صديقة تنتظره بفروغ صبر فتنهدت:" إتصل بي يوم الإثنين وسأكون عند ذلك قد عدت من مدريد. إتفقنا؟".
- اتفقنا. سأتحدث إليك الإثنين. استمتعي بوقتك

الحالمة دائما 03-07-10 08:13 PM

لم يبدو أنه يعني ذلك. أقفلت الهاتف لترى لويس ينظر إليها . جاء صوته العميق مليئاًً بالتسلية:" إذن لا يمكنهم التعامل مع الزبائن من دونك؟".
- عليّ أن أشعر بالغرور، لأنهم يفتقدونني عندما أغيب.
- لكنك لا تشعرين بالغرور؟
ألقت نظرة على أهداب الطفل التي بدأت تتحرك. ما أغرب أن تجد نفسك وقد غيرت رأبك بالنسبة إلي أمور معينة !كانت صوفي عرّابة لطفلتين وهي تحبهما للغاية. لكنها لم تكن قط واحدة من أولئك النساء اللواتي يضعن إنجاب طفل في قمة رغباتهن. ومع ذلك ، فإن الوقت التي تمضيه مع تيودور قد فتح عينيها تماماً. فقد اكتشفت أن فوز بابتسامة من طفل صغير لا يقل أهمية عن الفوز بصفقة عمل كبرى. أو ربما تيودور بالتحديد له ذلك التأثير الكبير عليها. وابتسمت حالمة إزاء رأسه النائم، قبل أن تتذكر أن لويس كان يتحدث إليها. رفعت بصرها إليه وإذا به يراقبها. فقالت عائدة بأفكارها إلي الحاضر:" لست مغرورة بشكل خاص. لا. وإنما هذا يجعلني أتساءل عما إذا كان يجدر بي انتداب شخص مكاني يمكنه يأدية العمل بشكل فعّال، إذا لم يستطيعوا العمل من دوني لمدة أسبوعين. أو ربما علينا أن نفكر بجد في موظف جديد. لقد خطر ببالي أن عدد الموظفين لا يتلاءم مع توسّع الشركة". خلال
لأمسيات التي تمضيها في غرفتها كان لويس يسمع صوت الكومبيوتر، فقال لها:" أنت مجتهدة في العمل".
- حسناً، وكذلك أنت.
فقال بفتور:" لم أعمل كثيراً مؤخراً".
- لأنك مشغول جداً بطفلك.
- نعم.
ونظر إلي ابنه لاوياً شفتيه، ليس فقط مع طفله، لكن مع صوفي أيضاً. النزهة على الجبال لم تكن مدرجة في برنامجه. حاول أن يقنع نفسه بأن هذه النزهات القصيرة هي لأجل مصلحة ابنه إلاّ أن ذلك لم يكن صحيحاً تماماً، فقد كان يشعر بالمتعة وهو يريها بلاده. أما صوفي ، فقد بدت متحمسة جداً لما كان يريها إياه. وقالت مازحة:" لكن كروم العنب لن تصل إلي نموها التام من دونك. أليس كذلك؟". فضحك:" لم يحدث ذلك قط من قبل".
- ليس هناك من لا يمكن الاستغناء عنه . حتى أنت، لويس.
فقال متأملاً:" وكذلك أنت . أليس كذلك؟". عندئذ استيقظ الطفل ودس إصبعاً في فم أبيه ثم غرق في الضحك. . . وكأنه يريد من أبيه أن يضحك أكثر. وما لبثت السيارة أن وقفت أمام مبني فسيح. فتح لهما الباب رجل يرتدي ثياباً رسمية، فنظرة صوفي إلي الواجهة الرائعة، ثم قالت بفتور:" يا الله ! هل سنقيم هنا؟".

الحالمة دائما 03-07-10 08:14 PM

ليس نحن فقط. معظم أفراد العائلة حجزوا غرفاً هنا. هل يعجبك المكان؟
يعجبها ؟ وكيف لا يعجبها؟
- إنه جميل.
- انتظري فقط حتى تريه من الداخل.
في الداخل كانت الجدران مغطاة بالمرايا واللوحات الفنية، وقد انتشرت في الأنحاء أشجار نخيل ضخمة موضوعة في أوانٍ كبيرة، أما السقف فكان من الحجر المعقود الذي بدا كأنه يمتد إلي ما لا نهاية، كما أن الجوّ كان مبرداً بمراوح قديمة الطراز. لم تستطع صوفي مقاومة الرهبة التي تملكتها في هذا المكان المترف . وكان تيودور يتلوّى بين ذراعي أبيه، بينما كان لويس يتحدث بسرعة وبلغة إسبانية غير مفهومة إلي موظفة الاستعلامات، وقد وضع معدات الطفل عند قدميه. فهمست صوفي وهي تمدّ له ذراعيها:
- تعال يا تيودور. تعال إلي صوفي
وامتلأ قلبها سروراً عندما راح الطفل يتلوى بين ذراعيها ثم يلتصق بصدرها. دفنت أنفها في شعره الحلو الرائحة واحتضنته بشدة، فأخذ الصبي يقهقه ضاحكاً وهو بعبث بشعرها. وكان لويس يراقب المشهد الصغير بأكمله ، وضاقت عيناه. لقد تأثر بالرغم عنه بطريقة معاملتها لابنه. بدت ردة فعلها نحوه غير زائفة. استطاع أن يلاحظ هذا بسهولة، ولو كانت كذلك لأحس الطفل بها بغريزته. فالأطفال يشعرون دوماً إذا ما كان العطف صادقاً. وحيره هذا. لم يكن أمراً اعتيادياً بالنسبة إلي امرأة مثل استقلاليتها، أن تنفق كل هذا الوقت والمشاعر والالتزام على طفل لن يكون أكثر من عارض سطحي في حياتها. لماذا إذن؟ هل مجرد حب والوفاء لأمه، قريبتها ، هو الذي جعلها تتصرف بهذه الطريقة؟ أم أن لها دوافع أخرى؟ دافع خفي سيتضح مع الأيام؟ لكن الطفل ينتظره بسرور، فأومأ لويس . الوقت ليس مناسباً للتساؤلات، التي قد لا تحدث أبداً. قال برقة:" تعالي صوفي، سيأخذوننا إلي غرفنا". وكانت الغرف أشبه بأجنحة متفرقة.

الحالمة دائما 03-07-10 08:15 PM

هل كل هذا لي فقط؟
سألت صوفي وهي تقف على أرض غرفة بحجم قاعة الرقص، وهي ما زالت تحمل تيودور بين ذراعيها، مقاومة دافعاً يدفعها إلي أن ترقص معه في أنحاء المكان.
- تبدين أشبه ببنت صغيرة.
تمتم بذلك وهو يري سرورها البالغ وهي تنظر حولها.
- أنا أشعر فعلاً وكأنني بنت صغيرة أفلتت في دكان الحلوى.
تصورها طفلة بضفيرتين. وكتم آهة عندما انحنت لتضع تيودور على السجادة. وعلى الفور أخذا الصبي يتحرك ببطء. فسألت لويس:" أين سينام؟".
- طلبت منه أن يضعوا سرير طفل في غرفتي هناك.
وأشار إلي باب في نهاية الغرفة. فابتلعت ريقها:" الغرفتان متصلتان؟".
- أنه جناح عائلي . يوجد عادة باب بين الغرف.
وتألقت عيناه بسخرية متحدية:" وهل يزعجك هذا؟ ". أنه يزعجها بكل تأكيد. لويس في السرير على بعد ياردات منها . على الأقل، هناك في المزرعة، كان يفصل بينهما ممر طويل . كما أنها كانت تشعر بالطمأنينة لمعرفتها بأنسلفادورا وبييرو في نفس المنزل ، كأنهما ومن دون وعي يمثلان دور الحارسين لها. قابلت عينيه بنظرات تماثل نظراته برودة وسخرية:" لا، على الإطلاق ! ولِمَ أشعر بالانزعاج؟". ارتسمت على

جانبي فمه ابتسامة صغيرة ز إنها تكذب ، وهما الاثنان يعلمان ذلك. كيف ستتجاوب معه لو تحداها؟ لكن تيودور أنطلق في أنحاء الغرفة بسرعة، واستطاعت صوفي أن تحدد عدة أشياء ينبغي أن ترفع من بين يديه المحبتين للاستطلاع. حمل سلة القمامة في الوقت الذي أبعدت صوفي فيه علبة حلوى وضعت للترحيب بهم ، قائلة وهي تضعها على سطح الخزانة:" أظننا سنفقد الحلوى يا. . . لويس".
- هممم. . . ؟
كان ينظر إلي جسدها اللدن وحركاتها الرشيقة وهي تتطاول لكي تضع علبة الحلوى على الخزانة. وكانت قد كومت شعرها فوق رأسها وثبتته بالدبابيس، تاركة عنقها الطويل عارياً لا تغطيه سوى بضع خصلات حريرية شاردة. وتذكر لويس تلك الليلة التي دخل فيها إلي غرفتها ، وكيف كان شعرها منسدلاً على صدرها، كثاً عسلي اللون. استدارت حول نفسها ، وغضت أنفها وهي تحمل تيودور:" أظن أن تيودور بحاجة إلي تغيير حفاظه. هل تريدني أن أفعل هذا؟". فقطب حاجبيه:" أتظنينني لا أحسن ذلك؟" .
- لا أدري. هل يمكنك القيام بهذا؟ لاحظت أنك عادة تترك ذلك العمل لسلفادورا.
- لأنها تبدو سعيدة بالقيام بذلك.
- ربما لا يمكنها أن تتصور مشهد دون لويس دي لاكامارا يقوم بعمل كهذا ، هذا العمل مختص بالنساء
أضافت الجملة الأخيرة ساخرة.
- ولكن هل تظنين أنه من عمل الرجال؟
- طبعاً أظن ذلك. يجب أن يشترك الأبوان في العناية بطفلهما. لا يمكنك أن تترك الأشياء الأقل بهجة للأم والأفضل لنفسك. وإلا كيف سيكون ارتباطك به سهلاً؟
وابتسمت له، مستمتعة بابتسامة الحيرة النادرة التي جعلته يبدو نائياً مرتبكاً :" أتحب أن أريك كيف تفعل ذلك؟". تبددت الحيرة وحلّت مكانها نظرة غضب:" أنا لست بحاجة إلي دروس منك، صوفي".
- هل فعلت ذلك من قبل؟
لا، إنه لم يفعل ذلك من قبل ، لكنه لا يعتقد أن تغيير الحفاظ صعب ولكن يبدو أن الأمر لم يكن بتلك السهولة التي تصورها . في هذا الوقت دخات والدة لويس فوجدت ابنها راكعاً على الأرض ، يحاول أن يضع حفاظاً لتيودور فيما الطفل يتململ. أما صوفي ، التي جاهدت حتى الآن في كبت

ضحكتها ، فقد خسرت المعركة أخيراً وأخذت تضحك وتضحك:" أنت لا فائدة منك". فصرخ:" لأجل الله !".
- لويس ؟
فالتفت ليري أمه بالباب وقد بانت التسلية على ملامحها الأنيقة.
- مساء الخير، أمي.
جثمت صوفي إلي جانبه:" دعني أفعل هذا ، واذهب أنت لترحب بأمك". فنظر إليها بإحباط:" ستعلمينني فيما بعد". ثم وقف وعانق أمه وقبلها على وجنتيها. سألته أمه بالإسبانية:" ألم تحضر سلفادورا معك؟".فهز رأسه:" إنها تكبر في السن. كما أن صوفي قالت إنه يفيدني أن أتحمل مسؤولية ابني وحدي".
- آه، هل قالت ذلك؟
سألته أمه ذلك وهي تنظر إليه متسائلة. وفي هذه اللحظة كانت صوفي قد حملت تيودور وقد بدا راضياً قانعاً وقدمته إلي جدته التي أخذته على الفور وراحت تمطره بالقبلات على رأسه.
- يا صغيري الجميل الرائع!
كانت تهتف بذلك بينما تيودور يعبث بعقد اللآلئ الذي تضعه حول عنقها
- إنه جميل أليس كذلك؟
قال لويس هذا باسماً ثم ابتدا يتكلم بالإنكليزية:" أمي، أريد أن آخذ صوفي لتشتري ثوباً تلبسه في العرس. . . ". فابتسمت الأم:" وتريد أن تترك تيودور معي أليس كذلك؟".
- هل لديك مانع؟
- مانع؟ اتركه معي لمدة أسبوع إذا شئت. وحتى أكثر!
فنظر إلي ساعته:" من الأفضل أن نذهب اآن إذا شئنا أن نكسب الوقت". في الخارج أوقف سيارة أجرة ، وأمر السائق أن يذهب بهما إلي منطقة " سلمنكا" حيث تقع أفضل متاجر مدينة .
- أتظن أن لدى أمك مانعاً في أن أكون هنا؟
سألته صوفي عندما انفتح باب المتجر:" أنت قلت أنها لا تمانع".
- لا. لا أظن ذلك . ولماذا تمانع؟
- خيل لي أنها نظرت إلي بشيء من الاستغراب.
اشتبه لويس في أن تلك النظرة لها علاقة بما قاله عن نصيحة صوفي له بشأن ابنه.
- أظن أن السبب هو رؤيتها لابنها الأكبر راكعاً على ركبتيه يغير حفاظ ابنه. تعالي الآن يا صوفي وأخبري البائعة عما تردينه. بدت الملابس

الحالمة دائما 03-07-10 08:18 PM

هذا مصروف غير متوقع. أنت لم تخططي لشراء ثوب غالي الثمن كهذا يا صوفي. هيا، دعيني أشتريه لك.
- لا، بكل تأكيد لا.
فلمعت عيناه:" لا تخافي، أستطيع دفع الثمنه".
- أعلم أن بإمكانك ذلك، وكذلك أنا.
وبكل تهذيب سحبت بطاقة الحساب العائدة إليه ووضعت بدلاً منها بطاقتها. مضت لحظة مشحونة للغاية قبل أن تقول بنعومة:" أنت عنيده جداً يا عزيزتي".

- وأنت أيضاً ! ألم يحدث قط أن رفضت امرأة هدية منك؟
فسألها جاداً:" ولكن لماذا ترفض، طالما أكون أنا مسروراً بمنح الهدية؟". حدّقت صوفي إليه . ألم يصادف قط امرأة تعتبر نفسها مساوية له؟
- هناك شيء اسمه الكبرياء ، لويس.
قالت هذا بهدوء.
- كبرياء !
منحها شبه ابتسامة ساخرة. هذه الكلمة لا يمكن أن يقرنها بالنساء اللواتي عرفهن في حياته. . . النساء يرغبن به. . . دوماً كن يرغبن به. وهكذا فالهدية منه تمثل لهن رمزاً لأهميتهن، فلماذا تنظر صوفي ميلز يمثل هذا الاحتقار والترفع؟ عندما ابتعدت البائعة لتلف الثوب ، سأل صوفي:" لماذا ترفضينه؟".
- لأنه يجعلني أشعر وكأنني عالة على الرجل
درك بأن هذا ليس الوقت المناسب ليقول لها أن المرأة تعتبر" عالة" على الرجل عندما تمنحه ما يريده مقابل هداياه. فمع تلك النظرة المتمردة على وجهها، لا يمكنه الوثوق بأنها لن تمنحه صفعة رنانة وسط المتجر. هزّ كتفيه بفروغ صبر:" حسناً جداً. يمكنك أن تدفعي ثمنه أن شئت". فردت عليه متهكمة :" شكراً جزيلاً. سأفعل ذلك بالتأكيد". تلهف إلي أن يقهرها بطريقة تجعلها تقبل هديته وهي تتنهد. . . أما أن ترفض هديته بهذا الشكل أمام البائعة! إنها تتحدث عن الكبرياء . . . ألم تر أنها جرحت كبرياءه ورجولته برفضها هذا؟ جلس في السيارة في رحلة العودة إلي الفندق بهدوء إلا أنه كان يغلي غضباً. تنهدت صوفي وهي تنظر إلي جانب وجهه الحاقد:" إذا كنت ستصبح في مزاج سيء بقية النهار. . . ". فسألها بمرح:" ولماذا أكون في مزاج سيء بقية النهار؟ "

- لأنك لم تحصل على ما تريد ! ظننت أننا لن نقوم بإدانة بعضنا البعض أثناء هذه الرحلة على الإطلاق، وهكذا عليك أن تتقبل استقلاليتي بروح مرحة، أليس كذلك ، لويس؟
حدّق في عينيها فرأى لمعان التسلية فيهما ، فتنهد:" لا بأس، يا صوفي العنيدة. لقد انتهي الموضوع وأصبح منسياً. واآن عودي إلي جلستك واستمتعي بمناظر المدينة".
.................................................. .......... هذا مصروف غير متوقع. أنت لم تخططي لشراء ثوب غالي الثمن كهذا يا صوفي. هيا، دعيني أشتريه لك.
- لا، بكل تأكيد لا.
فلمعت عيناه:" لا تخافي، أستطيع دفع الثمنه".
- أعلم أن بإمكانك ذلك، وكذلك أنا.
وبكل تهذيب سحبت بطاقة الحساب العائدة إليه ووضعت بدلاً منها بطاقتها. مضت لحظة مشحونة للغاية قبل أن تقول بنعومة:" أنت عنيده جداً يا عزيزتي".

- وأنت أيضاً ! ألم يحدث قط أن رفضت امرأة هدية منك؟
فسألها جاداً:" ولكن لماذا ترفض، طالما أكون أنا مسروراً بمنح الهدية؟". حدّقت صوفي إليه . ألم يصادف قط امرأة تعتبر نفسها مساوية له؟
- هناك شيء اسمه الكبرياء ، لويس.
قالت هذا بهدوء.
- كبرياء !
منحها شبه ابتسامة ساخرة. هذه الكلمة لا يمكن أن يقرنها بالنساء اللواتي عرفهن في حياته. . . النساء يرغبن به. . . دوماً كن يرغبن به. وهكذا فالهدية منه تمثل لهن رمزاً لأهميتهن، فلماذا تنظر صوفي ميلز يمثل هذا الاحتقار والترفع؟ عندما ابتعدت البائعة لتلف الثوب ، سأل صوفي:" لماذا ترفضينه؟".
- لأنه يجعلني أشعر وكأنني عالة على الرجل
درك بأن هذا ليس الوقت المناسب ليقول لها أن المرأة تعتبر" عالة" على الرجل عندما تمنحه ما يريده مقابل هداياه. فمع تلك النظرة المتمردة على وجهها، لا يمكنه الوثوق بأنها لن تمنحه صفعة رنانة وسط المتجر. هزّ كتفيه بفروغ صبر:" حسناً جداً. يمكنك أن تدفعي ثمنه أن شئت". فردت عليه متهكمة :" شكراً جزيلاً. سأفعل ذلك بالتأكيد". تلهف إلي أن يقهرها بطريقة تجعلها تقبل هديته وهي تتنهد. . . أما أن ترفض هديته بهذا الشكل أمام البائعة! إنها تتحدث عن الكبرياء . . . ألم تر أنها جرحت كبرياءه ورجولته برفضها هذا؟ جلس في السيارة في رحلة العودة إلي الفندق بهدوء إلا أنه كان يغلي غضباً. تنهدت صوفي وهي تنظر إلي جانب وجهه الحاقد:" إذا كنت ستصبح في مزاج سيء بقية النهار. . . ". فسألها بمرح:" ولماذا أكون في مزاج سيء بقية النهار؟ "

- لأنك لم تحصل على ما تريد ! ظننت أننا لن نقوم بإدانة بعضنا البعض أثناء هذه الرحلة على الإطلاق، وهكذا عليك أن تتقبل استقلاليتي بروح مرحة، أليس كذلك ، لويس؟
حدّق في عينيها فرأى لمعان التسلية فيهما ، فتنهد:" لا بأس، يا صوفي العنيدة. لقد انتهي الموضوع وأصبح منسياً. واآن عودي إلي جلستك واستمتعي بمناظر المدينة".
.................................................. ..........

ام مزن 04-07-10 01:27 PM

منتظرينك ماتطولى علينا ربنا يعينك على التكملة
شكر ليك والله مقدرين تعبك

فجر الكون 04-07-10 07:51 PM

يسلموااا ياعسل
نستنى التكملة بكل شوق

الحالمة دائما 06-07-10 03:48 PM

لم يتبق لصوفي سوى وقت قصير لكي تغتسل وترتدي ثيابها استعداداً لحضور العرس. كانت قد فرغت لتوها من وضع أحمر الشفاه عندما قرع لويس الباب:" صوفي، هل أنت جاهزة؟". ألقت نظرة أخيرة على المرآة، ثم أومأت. ستنجح! عليها أن تنجح:" نعم . أدخل". دخل لويس حاملاً تيودور. جمد في مكانه ما أن ألقي عليها النظرة الأولى. وضاقت عيناه، فبدا كقط الأدغال حين يعثر على دليل يشير إلي أن عدواً قد غزا وكره. ابتلعت صوفي ريقها ورفع أصابعها إلي وجهها تتلمسه. أتراها نسيت وضع زينة معينة؟ الكحل مثلاً؟ أم ربما لطخت وجنتيها بالماسكرا؟
وسألته :" هل من خطأ؟". خطأ؟ يا الله ! ما هذا الجمال الذي تبدو عليه؟ شعر لويس بنبض يخفق بشدة في صدغه. وهز رأسه:" أنت تضعين زينة على وجهك".
- طبعاً، أنا أضع زينة على وجهي. فأنا سأجلس إلي جانب جميلات الطبقة الأستقراطية في إسبانيا، وعليّ أن أبدو في أحسن مظهر.
- لكنك لا تعبئين عادة بذلك.
- أعلم ذلك. لكن في المناسبات فقط . أري من الجنون أن أمضي دهوراً في طلاء وجهي ، لكي أعود فأغسله بعد ذلك.
رقة ملامحها وعيناها الزرقاوان الواسعتان تدل أنها ، خلافاً لأكثر النساء، يمكنها أن تبدو جميلة مع وجه نظيف بدون زينة. أما مع زينة . . . وتنفس بشوق. . . إنها تبدو رائعة! بدت عيناها واسعتين وقد أبرز الكحل شكلهما الدائري. بينما جعلت حمرة الشفاه اللامعة فمها مكوراً مثيراً. وكانت بشرتها بلون ذهبي خفيف وتبدو ناعمة كالحرير. أما الثوب. . . لم يستطع لويس أن يبعد عينيه عنه. . . كان القماش الحريري ملتصقاً بجسمها مبرزاً رشاقتها . لو أنها ليست صوفي، لربما أقترح عليها بنعومة أن تسدل شعرها إلي الأسفل، لكن ذلك ليس بمقدوره على الإطلاق؟
- تبدين رائعة الجمال إلي حد بالغ، عزيزتي.
كذلك بدا لويس. إذا كانت كلمة "جميل" تنطبق على مثل هذا الرجل الطافح بالرجولة ، فهو يبدو بالغ الجمال. لأن الجمال يمكن أن يكون نحافة ونحولاً وضموراً وصلابة ، بقدر ما يكون نعومة وزينة . لم تستطع أن تمنع نظراتها من تملّي من مظهره ، فالسترة الرسمية السوداء تبرز جسمه الضامر، كما تلفت النظر إلي طول ساقيه وضيق وركيه. لا بد أنه حلق ذقنه لتوّه لأنها ، وللمرة الأولى ، لم تر ذلك الظل الخفيف الأسود على خديه. وكان شعره الكث الأسود يلمع بقطرات ضئيلة من الماء بقيت بعد الدوش. بذلت صوفي جهداً خارقاً لتتمكن من تحويل نظراتها عنه إلي تيودور الذي كان يتألق ببذلة بحار بيضاء كالثلج مزينة بشرائط كحلية اللون.
وهمست:" وأنت تبدو رائعاً للغاية ، يا تيودور. يالك من صبي جميل !". أخذ تيودور يهدل كالحمام. وفجأة بدت الغرفة الفسيحة صغيرة للغاية ، وتمني لويس لو أنهما وحدهما ليأخذها بين ذراعيه. وابتلع ريقه:" هيا ، فلنخرج".كانت السيارة في انتظارهم فأقلتهم إلي الكنيسة أثرية مليئة بالأزهار. شعرت صوفي بالأعين الفضولية تتفحصهم وهم يتقدمون إلي الصفوف الأمامية لكي

الحالمة دائما 06-07-10 03:50 PM


يجلسوا مع بقية أفراد الأسرة. هل خيّل إليها أنها تسمع، أم أنها سمعت فعلاً أصواتاً تهمس بالإسبانية عندما دخلوا الكنيسة؟ أتراهم يتسائلون عم تكون هذه المرأة الشقراء التي ترافق الدون وابنه الطفل؟ كان الاحتفال شاعرياً، هكذا يفترض أن تكون الأعراس ، ما عدا عرس ميراندا، كما أدركت صوفي فجأة. زواج مدني لا لون له. فقد تمت مراسم زواجها ذات يوم صيفي حار، في مكتب، وقد بدت ميراندا يومها شاحبة متلهفة لأنها كانت في الفترة الأولى من حملها. ومع ذلك بدت في صوتها نبرة انتصار واضحة وهي تقسم اليمين. أما لويس فلم تبد عليه الحماسة مع أنه تصرف بشكل لائق. أما هنا ! فقد ظهر في صوت العروس رجفة مؤثرة وهي تلفظ عهودها الزوجية، كما ظهرت في عيني عريسها نظرة حب خطفت أنفاس صوفي وأشعرتها بنوع من الحسد. أدركت أن هذا ما تريده هي أيضاً، عندما تتزوج. تريد رجلاً يحبها مثل هذا الحب العنيف، إنها تريد حباً حقيقياً ودائناً، ذلك نوع من الحب الذي يزعزع الجبال. فكرت أن الرجل الذي يقف إلي جانبها لن يمنحها ذلك أبداً، ولو بعد مليون سنة. نظرة إلي تيودور الذي بدا هادئاً بشكل مدهش يمتص إبهامه بينما المنشدون يغنون بعض الأحان الكنيسة . إنه يعتاد عليها يوماً بعد يوم، نعم . حتى إنه بدأ يحبها. ولكن كم سيلزمها من الوقت لتجعل لويس يثق بها إلي حد يسمح له أن يسلمها الطفل لتأخذه إلي إنكلترا؟عليها أن
تتحدث معه في هذا الشأن، وقريباً جداً، كما قررت وهي تقف لنيل المباركة النهائية. أقيمت حفلة الاستقبال الراقصة في قاعة الرقص في الفندق. وكانت أكثر المناسبات التي حضرتها صوفي في حياتها ، جوداً وإسرافاً. وقد زينت القاعة بالزنابق البيضاء . كان تيودور يتنقل من قريب إلي آخر بينما راح لويس يقدم صوفي إلي عماته وخالاته وأبنا عمومته وأخواله. بدا الفضول واضحاً في نظراتهم، لكنهم لم يلقوا أية أسئلة بالنسبة إلي وجودها. فلا يعبرون تساؤلاتهم بشأن الآخرين. لكن ، بمَ كان يفكر لويس فيما الجميلات يتناوبن على لفت انتباهه؟ لم يبد عليه الحماسة وإنما بدا على شيء مكن التساهل عندما أخذت النساء ، الواحدة تلو الأخرى، يحاولن الاستئثار به. ثم صدحت الموسيقى تدعو الناس إلي حلبة الرقص ، العريس والعروس ، والديهما، أبناء العمومة والأخوال. . . وراح عم متوسط في السن يدور بتيودور في أنحاء القاعة. لاحظت صوفي أن إسبانية شابة بالغة الرقة راحت تنظر إلي لويس بخجل وشوق. أومأ برأسه بشكل تلقائي تقريباً ، وهو يأخذها بين ذراعيه. وتمتمت إحدى عمات لويس بالإنكليزية وهما
يجلسوا مع بقية أفراد الأسرة. هل خيّل إليها أنها تسمع، أم أنها سمعت فعلاً أصواتاً تهمس بالإسبانية عندما دخلوا الكنيسة؟ أتراهم يتسائلون عم تكون هذه المرأة الشقراء التي ترافق الدون وابنه الطفل؟ كان الاحتفال شاعرياً، هكذا يفترض أن تكون الأعراس ، ما عدا عرس ميراندا، كما أدركت صوفي فجأة. زواج مدني لا لون له. فقد تمت مراسم زواجها ذات يوم صيفي حار، في مكتب، وقد بدت ميراندا يومها شاحبة متلهفة لأنها كانت في الفترة الأولى من حملها. ومع ذلك بدت في صوتها نبرة انتصار واضحة وهي تقسم اليمين. أما لويس فلم تبد عليه الحماسة مع أنه تصرف بشكل لائق. أما هنا ! فقد ظهر في صوت العروس رجفة مؤثرة وهي تلفظ عهودها الزوجية، كما ظهرت في عيني عريسها نظرة حب خطفت أنفاس صوفي وأشعرتها بنوع من الحسد. أدركت أن هذا ما تريده هي أيضاً، عندما تتزوج. تريد رجلاً يحبها مثل هذا الحب العنيف، إنها تريد حباً حقيقياً ودائناً، ذلك نوع من الحب الذي يزعزع الجبال. فكرت أن الرجل الذي يقف إلي جانبها لن يمنحها ذلك أبداً، ولو بعد مليون سنة. نظرة إلي تيودور الذي بدا هادئاً بشكل مدهش يمتص إبهامه بينما المنشدون يغنون بعض الأحان الكنيسة . إنه يعتاد عليها يوماً بعد يوم، نعم . حتى إنه بدأ يحبها. ولكن كم سيلزمها من الوقت لتجعل لويس يثق بها إلي حد يسمح له أن يسلمها الطفل لتأخذه إلي إنكلترا؟عليها أن
تتحدث معه في هذا الشأن، وقريباً جداً، كما قررت وهي تقف لنيل المباركة النهائية. أقيمت حفلة الاستقبال الراقصة في قاعة الرقص في الفندق. وكانت أكثر المناسبات التي حضرتها صوفي في حياتها ، جوداً وإسرافاً. وقد زينت القاعة بالزنابق البيضاء . كان تيودور يتنقل من قريب إلي آخر بينما راح لويس يقدم صوفي إلي عماته وخالاته وأبنا عمومته وأخواله. بدا الفضول واضحاً في نظراتهم، لكنهم لم يلقوا أية أسئلة بالنسبة إلي وجودها. فلا يعبرون تساؤلاتهم بشأن الآخرين. لكن ، بمَ كان يفكر لويس فيما الجميلات يتناوبن على لفت انتباهه؟ لم يبد عليه الحماسة وإنما بدا على شيء مكن التساهل عندما أخذت النساء ، الواحدة تلو الأخرى، يحاولن الاستئثار به. ثم صدحت الموسيقى تدعو الناس إلي حلبة الرقص ، العريس والعروس ، والديهما، أبناء العمومة والأخوال. . . وراح عم متوسط في السن يدور بتيودور في أنحاء القاعة. لاحظت صوفي أن إسبانية شابة بالغة الرقة راحت تنظر إلي لويس بخجل وشوق. أومأ برأسه بشكل تلقائي تقريباً ، وهو يأخذها بين ذراعيه. وتمتمت إحدى عمات لويس بالإنكليزية وهما

الحالمة دائما 06-07-10 03:51 PM

مران من أمامها راقصين:" يا لهما من راقصين جميلين !". تمتمت صوفي موافقة:" إنهما كذلك، حقاً !". لكن قلبها راح يخفق بسرعة ولعنت وخزة الغيرة التي شعرت بها. إنه ليس رجلها لكي تغار عليه. هزت رأسها لضعفها هذا ، ثم سارت تحضر لنفسها كأس ماء. تمنت لو تكون زهرة على جدار على أن تقف هناك لتراقب لويس وهو يرقص برشاقة لا مبالية مع مجموعة من النساء يتلهفن على الرقص بين ذراعيه . جلست على إحدى الكراسي خلف نخلة عريضة موضوعة في إناء. وما هي إلا دقائق حتى سمعت صوته العميق يخترق أفكارها ، فشعرت بنفسها ترتجف:" صوفي؟". رفعت بصرها إليه فأدارت رأسها نظرته المتأملة. ثم سألها برقة:" لماذا تختبئين هنا ؟". فقالت بابتسامة مرغمة:" لم أختبئ بشكل جيد، لأنك عثرت عليّ بسهولة". جلس على كرسي بجانبها :" هل كانت هذه نيتك صوفي؟ أن تختبئي مني؟". تساءلت عما سيقوله لو أخبرته بالحقيقة: أنه يؤلمها في الواقع ، أن تري امرأة أخري بين ذراعيه. فقالت كاذبة:" أردت أن أريح قدميّ".
- والآن بعد أن أرحتهما.

الحالمة دائما 06-07-10 03:52 PM


وسمح لنظراته بأن تنتقل إلي الحذاء الصغير المثير يحتضن كاحلين بالغي الرقة. لم تكن ترتدي جوربين، إلا أن بشرة قدميها بدت ناعمة كالحرير.
- هل سترقصين معي؟
- لا. . . لا أضنها فكرة حسنة.
- أوه؟
- قد ينظر إلينا الآخرون باستغراب. . . كما أن ليس لدي رغبة. . . في أن أحتكرك لنفسي. هيا يا لويس! هناك عدد كبير من النساء هنا يتلهفن إلي الرقص معك.
- لكنني أطلب ذلك منك أنت، صوفي. وسيضن الناس الأمر غريباَ إذا لم يرقص " الدون" مع ضيفته هنا . هيا بنا يا صوفي. إنها أمنيتي. وإذا كنت لا ترغبين. . .
وابتسم وصوته يتمهل عمداً عند هذه الكلمة:". . . بإن تكوني فظة خشنة ، شرفيني إذن بالرقص معي". لم يطلب منها الرقص أحد قط من قبل بمثل هذه الطريقة التي لا يمكن مقاومتها. ولكن، من ناحية أخري ، لم يطلب منها الرقص قط رجل لا يمكن مقاومته، مثل لويس هذا. إنه مجرد تهذيب، ذكّرت نفسها وهو يجرّها بين ذراعيه. . . مجرد تهذيب. ولكن آه ، كان الواقع مختلفاً إلي حد مؤلم. إحساسها وهي بين ذراعيه،
يداه مرتاحتان بخفة على جسمها ، بدا ممتعاً للغاية ما جعلها لا تستطيع التنفس. شدّها إليه، وعلى الفور أفعمت خياشيمه رائحة الليلك . كانت أصابعه على خصرها بشكل متملك . وجعلها ثوبها الرقيق تشعر بلمسته بقوة. كان لويس يراقب ردة فعلها ويرى تمدد عدستيّ عينيها وهي تشعر بمبلغ مشاعره نحوها. وقالت بضعف:" لويس".
- نعم، عزيزتي. ألا يعجبك الرقص معي؟
أعجبها ذلك أكثر مما كانت تتصور، ولكن أليس في ذلك تعذيباً لها إلي حد لا يُطاق ؟ هل يعلم ما يفعله بها ؟ راح لويس يتحرك بشكل رائع بدون أن يشعر بأي خجل.
- أنت ترقصين بشكل جيد.
ابتلعت صوفي ريقها ، راجية أن تتبدّد مشاعرها. أما هو فكبح آهة إحباط. هذا العذاب الحلو. . .
أدركت صوفي أنها بدأت تهتم به. وبشكل عميق جداً. . . أرادت أن تري أعماق عقله السريع الذكي. أن تري بنفسها ما الذي جعل لويس دي لاكامارا شخصاً مثير للاهتمام إلي هذا الحد؟ ولكن مثل هذه الرغبة لن تفيدها في شيء. ذلك أن لديه صديقة، كما أخذت تذكر نفسها بألم. كلما طال بقائها، كلما زاد احتمال وقوعها كلياً تحت سحره، وهي تدرك أن لا مستقبل لهما معاً على الإطلاق. هل يمكنها احتمال ذلك؟
لا. لن يمكنها ذلك! لقد حان الوقت لتتركه.

وكلما أسرعت بذلك كلما كان هذا أفضل.
قالت وهي ترتجف:" لقد اكتفيت من الرقص". ترك لويس يديه تسقطان من خصرها ، ثم قال بفتور:" سنبحث عن تيودور". أدركت أنه لم يعد بإمكانها إرجاء ما عليها أن تخبره به. وعندما عادا إلي غرفتهما ، ووضعا تيودور الذي كان متعباً ولكن سعيداً، في سريره قرعت بابه بخفة. كان لويس على وشك أن يخلع قميصه، محاولاً أن يتخلص من ألم الإحباط العميق الذي لم يفارقه طوال السهرة.
- أدخل.
انفتح الباب، فالتفت ليري صوفي تقف في الباب . انحبست أنفاسه في حلقه. كان شعرها مرسلاً حول كتفيها. وضاقت عيناه. ألا تدرك الخطر الذي أوقعت نفسها فيه؟ لا شك أنها غير واعية أن الضوء الذي ينساب من الممر ، يظهر بوضوح ساقيها الطويلتين الرشيقتين. جاء صوته غليظاً بشكل غير عادي:" نعم؟". وقفت عند العتبة مترددة. أن تراه

الحالمة دائما 06-07-10 03:57 PM

وهو على وشك أن يخلع ثيابه هو شيء حميم. . . حميم للغاية. . . كيف يمكنها أن تتكلم والكلمات عالقة في حلقها؟ كيف يمكنها ذلك؟
- هل يمكنني. . . هل يمكنني أن أتحدث إليك لحظة؟
نظر إلي الطفل النائم ، ثم أومأ. حتى ولو كانت الكلمات التي ستقال سترسل في ذهنه كل أنواع التخيّلات:" لنتكلم في غرفتك أنت كيلا ينزعج نوم تيودور". أومأت وقلبها يخفق بين أضلعها بينما هو يتبعها إلي غرفتها . كان الأمر أشبه بحلم يتحقق، ما عدا أن هذا لن يتحقق. . . فلن يكون بينهما أكثر من حديث واقعي كان عليهما إجراءه منذ وقت طويل. كاد لويس يجن وهو يراها تسير أمامه. وعرف عندئذ أنه لن يستطيع النوم. . . ولن يستطيع القيام بشيء إذا هو لم يفعل هذا. . .
- لويس !
صرخت فجأة عندما أمسك بها من الخلف ثم أدارها إليه لتواجهه:" . . . ما الذي تفعله؟". فأجاب بتوتر:" أفعل ما أردنا، نحن الإثنان، طوال السهرة أن نفعله".
- أنت وعدتني بأنك. . .
- وعدتك بأن لا أعانقك أثناء الغضب. لكنني لست غاضباً الآن ، وكذلك أنت. فأنا لا أرى الآن سوى دعوة حلوة في عينيك. وماذا أكون بين الرجال إذا أنات تجاهلت هذه الرسالة الحلوة الصامتة؟

حدثت نفسها بأن ذلك لا يعني شيئاً. إنه مجرد عناق وهذا كل شيء. . . لا شيء يمنعها من الاستسلام إلي المشاعر المحمومة التي تتدفق من عينيه. تعلقت به بضعف بينما أطال عناقه، ما جعلها تزداد ذوباناً. وتأوهة وهو يشدّها إلي صدره فكادت ركبتاها تنثنيان.
- آه. . . صوفي!
في مكان ما في أعماقها انطلق صوت يحذرها بمنطق هادئ وكأنها دلو من الماء المثلوج قد أفرغ فوق رأسها. كيف أمكنها أن تنسي أن هذا الرجل النائي البارد القلب هو رجل عابث، وهو الذي جعل حياة ميراندا تعيسة؟ أبعدته عنها، فظهر الإحباط العابس على وجهه وتساءلت عما إذا كانت تبدو مثله. شهقت قائلة:" هل غيابك عن ألخاندرا عدة أيام يجعلك متشوقاً إلي بديلة لها؟ فإذا لم تكن قريبة منك فإن أي امرأة يمكنها أن تسدّ مكانها؟". هزّ رأسه بنفاد صبر:" ألخاندرا لم تعد صديقتي!".
- منذ متى ؟ منذ الآن؟ لقد ذهبت لرؤيتها ليلة الجنازة. من المؤكد أنك لم تنس ذلك.

الحالمة دائما 06-07-10 03:58 PM

. فقال وهو يصر بأسنانه:" لكن لم يحصل بيننا شيء يومها".
- لماذا اندفعت إذن لرؤيتها؟ هل لتلعب معها النرد؟
شتم بغضب وهو يقول :" ذهبت لأري ألخاندرا لأنني أدركت أن علاقتنا أنتهت". فقالت بجفاء:" توقيت مناسب".
- ليس تماماً. الموت يرغم الإنسان على مواجهة الحقيقة. . . والحقيقة هي أن ألخاندرا تطلب أكثر مما أنا مستعد لأن أعطيها أياه بكثير. فتنهد:" لم تكن علاقتنا تعني أكثر من ذلك . . . لكنها ظنت خطأ بأنني. . . أصبحت الآن حراً، لذا لم تعد هناك عقبة في طريقنا. وأن علينا أن نعيش معاً بكل معني الكلمة".
- هل أرادت أن تتزوجك؟
فابتسم ابتسامة غريبة وقال بنعومة :" ألخاندرا امرأة عقلانية يا صوفي. لم تأت على ذكر الزواج، ولكن ، نعم ، أعتقد أن هذه كانت نيتها الحقيقية".

إذن هذا ما جعله ينبذها. . . لأنها كانت كثيرة الطلبات . . . ولويس ليس من نوع الرجال الذي يمكنه التعامل مع الطلبات العاطفية. شعرت بالغضب يغلي في داخلها ببطء. هل هذه هي طريقة التي يعامل بها نساءه؟ ينبذهن عندما يطالبنه بأكثر من دور صغير محدود في حياته؟ وها هو ذا الآن يحاول إغراءها بينما هي ، الغبية الحمقاء، أوشكت على الوقوع في الفخ. عليها أن تخرج . . . وتخرج الآن! فقالت له ببرودة الثلج:" أنت أهنتني بمحاولتك إغرائي. أنت تعامل النساء كأنهن مواطنات من الدرجة الثانية ! سأعود إلي إنكلترا يا لويس . . . وأريد آخذ تيودور معي!".

.:45::45::45::45::45:

انتهي الفصل السابع


الساعة الآن 02:00 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.