آخر 10 مشاركات
تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          39 - ابنة الريح -روايات أحلام قديمة (الكاتـب : فرح - )           »          [تحميل] الــخــوف مــن الــحــب للكاتبة : bent ommha (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          عذراء في ليلة زفافها (22) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          إشاعة حب (122) للكاتبة: Michelle Reid (كاملة) (الكاتـب : بحر الندى - )           »          رواية كنتِ أنتِ.. وأنتِ لما تكوني أنتِ ما هو عادي *مكتملة* (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          عذراء اليونانى(142) للكاتبة:Lynne Graham(الجزء2سلسلة عذراوات عيد الميلاد)كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-01-11, 01:06 AM   #11

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نبض القلب مشاهدة المشاركة
يسلمووووووووووو الرواية حللووووووووة
الطمع ضر مل نفع
كان من الغلط انه غياث يتوجه للحراااااام بحجة البحث عن السعادة لانه طريق الحرام حتى لو كان بالظاهر
سهل الا انه وعر كله مشاكل ومصائب
والسعادة مثل ما حكى الشيخ الفلاح
ليست سعادة المال بل سعادة الايمان والتقوى وكل مازادت لذة الايمان زادت سعادة الانسان

تقبلي مروري وردي المتواضع
بانتظار جديدك لا عدمناك
الله يسلمك حياتي من كل شر

منوره الصفحه بمرورك العطر

لك ودي


جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 20-01-11, 01:08 AM   #12

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل العاشر


رحل شرف الدين إلى بغداد بعد إنتهاء مهمته واتبعه غياث بالجمال التي تحمل نصيبه من القمح0
رحل00 وبقي أثره واضحاً جلياً على غياث فقد أنتهج في حياته أسلوباً جديداً فصار لايضع صلاته ولا يترك فروضه00وامتنع عن شرب الخمور00ولم يعد يحمل السوط إرهاباً وهو يتجول بين الحقول!وأمر عماله أن يهريقوا قدور النبيذ00 وبإستقامته انزاح عنه كثير مما يثقل قلبه00وصار يجد في الصلاة ملاذاً يختبئ فيه عن أحزانه وقتامة أيامه0
ولكنه ظل متشبثاً بحب المال00 يرى أنه سيكون منقوص السعاده بدون ثروة، ولهذا تولَّد لديه صراع00واشتعلت الحيرة في نفسه تجاه هذه الأموال التي يستمتع بها،وهو يعلم أنها ليست له00وحاول إقناع نفسه بأحقيته في ذلك وبجدوى عمله0
وكأنما كان القلق والعذاب له بالمرصاد، فقد جاءه سريع وأخبره بوجود شاب أمين ونشيط من أهل بغداد على جانب كبير من العلم بالحساب وشؤون البيع00
وقال سريع:
-إنه فقير00وقد عرضت عليه أن يعمل لدينا في البيع والتجارة والإشراف على غلات البستان وبيع القمح0
فسأل غياث بلا مبالاة:
-وهل أخبرته بوجوب الإقامة في البستان؟
-نعم ياسيدي00 وقد وافق على الفور لأنه لا يكاد يجد أجرة المنزل الذي يسكن فيه ببغداد0
بعد أيام حضر القَّيم الجديد ليأخذ مكان شرف الدين في البيت، وليقوم بإدارة البستان والزراعة ويذهب بالغلات إلى أسواق بغداد0
مضت عشرة أيام على وصوله00 وفي عدة مرات كان سريع يأتي إلى غياث ويسأله إن كان يرغب في مقابلة الشاب الذي جاء يعمل عنده00فكان غياث يصرفه ويقول:
-لا00 ليس الآن دعه يتعرف على أعمال البستان وصنوف الزرع0
وكان يسأل سريعاً دائماً عن أحوال سعيد المسجون فيخبره أنه بخير وأنه على حاله من الغضب المستديم والتهديد والشتائم فيطمئن غياث لذلك،ويوصي عبده بالمزيد من العناية به0
وطوال هذه المدة كان غياث منصرفاً إلى شؤونه الخاصة مشغولاً بهمومه المتزايدة00ومكابدة نفسه الثائرة00 ولم يكن يفارق القصر إلا حين يقوم بجولته الخارجية وكانت تصحبه عطر في جولاته وكان في ذلك تسلية يومية له00وترك التجوال في الحقول والبستان ونسيها ونسي القَّيم الجديد00ولأول مرة تمنى أن يرزق بغلام يملاء عليه وحدته وحياته بالبهجة0
وذات عصر كان جالساً تحت ظلال الأشجار الوارفة القريبة من القصر، فأقبل إليه رجلٌ يشق عرائش العنب، وما أن وصل إلى بساط غياث حتى سلم بخجل ثم قال:
-أنا القَّيم الجديد على البستان ياسيدي00 هل تأذن لي بالجلوس ؟
فقال غياث:
-لقد توقعت ذلك عندما أقبلت علي0
ورحب به ودعاه للجلوس0
كان الشاب كما وصفه سريع00مهذباً00بائن الحيوية00عليه شارات الجد00وكان طويلاً مضرج الخدين بالصحة00 له هيئة توحي بفقره0
وقال الشاب في بشاشة:
-قيل لي إنك لا ترغب في مقابلة أحد00لكن تجرأت بالقدوم إليك00 فقاطعه غياث في وداعه:
-كان يجب أن أراك ساعة قدومك00لكن حالة دون ذلك أعمال أخرى0
-لقد أضطررت لإقتحام مجلسك لأن اشغال الزرع والبضاعة والسوق تتطلب ذلك0
-كيف وجدت الدار؟لقد أمرت سريعاً بتجهيزها قبل وصولك؟
-إنها خير مما كنت فيه ببغداد00وهي إلى ذلك جديدة البناء0
-لم يمض على بنائها سوى عام!
وابتسم الشاب وهو يقول:
-لقد وسعتنا على كثرتنا!
-وهل أعجبت أسرتك؟
-يجب أن تعجبهم فقد كانوا في أضيق منها في بغداد!
-وهل زوجتك معك يا00أنا لم أعرف أسمك إلى الآن؟
-معبد بن عيسى0
-هل تزوجت يامعبد؟
-لقد أشغلني والدي بالبيع والعمل وكنت أعمد إلى تأجيل الزواج بسبب ذلك0
-إذاً كيف تركت والدك وحيداً وجئت بأسرتك إلى هنا؟
-لقد توفي والدي وترك لي هذه الأسرة الكبيرة0
وأطرق إلى الأرض محزوناً00فقال غياث يلاطفه:
-يجب أن تزيد في حجرات البيت00ألا يوجد من يساعدك على طلب المعيشة؟
-هناك أخ لي في السابعة عشرة00 وقد جاء معي بالإضافة إلى أخواتي فقد علمتهن أمي صناعة السلال والحصر من جريد النخل،فإذا اجتمع لنا شيء من ذلك يذهب أخي موسى لبيعه في بغداد0
-إذاً فقد عانيت من الفقر كثيراً0
ابتسم الشاب وقال:
-لا00 أنا خير ممن هم دوني00 لقد كنا نتحصل على شيء من اللحم إذا أعطاني من أعمل في دكانه أجرتي كل شهر00 أما البر فقد كنا نأكله كل أسبوع00 وسائر الأيام نكتفي بخبز الشعير00وملابسنا وباقي حوائجنا كنا نشتريها إذا باع أخي من السلال والحصر00وكان بعض من يعرفون حالنا يأتون إلينا بدراهم أو طعام لكن أمي كانت ذات جلد وصبر ،فترفض ذلك أنفة،وربما أخذت أنا المال لأدفع أجرة الدار بدون علم أمي!
وأحنى غياث رأسه إلى الأرض، وقد أكتسحه شعور مفاجيء بالحقارة،فأزدرى نفسه ولم يتكلم حتى نهضا لتفقد شؤون البستان والتجول في أنحائه0
وفي تجوالهم مروا على بيت القَّيم الذي كان قريباً من النخيل00فخرج الصغار لمشاهدة صاحب البستان وتوقف غياث يتأملهم00 كانوا ثلاثة صبيان أكبرهم في التاسعة،وثلاث بنات دون الثالثة عشرة00كانت شعورهم منفوشة وثيابهم قذرة وكانوا يتضاحكون ويتخاصمون في حبور على تمرٍ إلتقطوه من أحواض النخيل، فرحين بالأفياء الواسعة التي أنستهم أزقة بغداد الضيقة00وقد جنحوا إلى الصمت لدى وقوف سيد البستان كانوا على شيء من الملاحة والنشاط،لولا يد الفقر التي طالتهم وعبثت بنظراتهم0
والتفت غياث إلى معبد ليقول شيئاً فوجده مطرقاً على الأرض00 خجلاً من هيئة أخوته00 فلزم الصمت وآثر الإنصراف رفقاً بالشاب!
وقد أثبت معبد بن عيسى جدارته في العمل وأستولى على إعجاب غياث بن عبد المغيث في أقل من شهر بإلمامه بالسوق ودقته في الحساب، وعلى صغر سنه فقد كانت سمعته طيبة في أسواق بغداد0
وقد فوض إليه غياث بكل شيء في شؤون الزرع والغلات والمال، وزاد في أجرته وبعد شهر آخر كان قد بعث في البستان دماء جديدة،فزاد في الزروع وأصلح الحوائط وأقترح على غياث تسيير قافلة لبيع بعض الغلات في القرى القريبة من بغداد، ونفذ هذا الإقتراح بقافلة صغيرة أرسلها مع أخيه موسى فعادت بربح طيب0
وزال كثير الكلفة بين غياث ومعبد، وأصبح الحديث بينهما يتعدى شؤون التجارة،وما زاد من ثقة غياث بمعبد كفاحه وقيامه على تربية أخوانه الصغار والمثابرة على تعليمهم القراءة والكتابة وتدريبهم على الأخلاق الحميدة0
ومن جانبه أعجب معبد بهدوء غياث ورزانته وتجنبه الثرثرة00ولم يضجره سوى عزلته الصارمة ووحدته القاسية التي لم يشهد لها مثيلاً00فهو لايتعدى بستانه وقصره ولا يهتم بغير خيوله وتدليلها أو التجوال مع جاريته هنا وهناك00وأضجره تحفظه عن الكلام عن نفسه00فهو لايعرف عنه إلا إسمه،وأنه مالك هذه الضياع وحاول الحصول على شيء من سيرته من العبيد الخدم ومن التجار في بغداد،فلم يجد عندهم أكثر مما عنده! فاقتنع أن صاحبه يطوي نفسه على كثير من الأحزان والغموض00فترك الإلحاح لمعرفة ذلك،وتتبع سيرة غياث خصوصاً عندما نهره ذات يوم بعنف وخشونه وعلى غير عادته وقد رآه يقترب من البيت الصغير المهجور المحاط بسور من الحصى0
وبطبيعة متسامحة نسي معبد هذا الجفاء من غياث ولم تتأثر علاقته به00إلى أن حدث ما عصف بهذه الألفة بينهما عصفاً وأضاف إلى أحزان غياث الهادئة أحزاناً جديدة ثائرة وعنيفة0
ففي مجلسه المعتاد أخر العصر جلس غياث يتناول الفاكهة، ولم يلبث حتى جاءه معبد وفي يده دفاتر البيع وقال بأسلوبه المهذب :
-أتأذن لي في الجلوس؟
فقال غياث:
-نعم تفضل00ماهذا الذي بيدك؟
-دفاتر السوق00 جئت لنراجعها معاً0
فقال غياث مداعباً:
ظننتها أوراق علم أو شعر!
-لم يترك لي طلب المعيشة وقتاً لقول الشعر0
فقال غياث وقد تذكر موهبة الشعر التي ماتت عنده منذ سنوات:
-وهل كنت تقول شعراً يامعبد؟
-أبيات قليلة تعد على الأصابع0
-ولماذا لم تواضب على قوله00فالشعر أداة ليخفف المرء عن قلبه؟
-لقد كنت أقوله في صباي، ولما بلغت العشرين من عمري تركته00 ثم قلت قصيدة صغيرة قبل سنة ولم أكتب بعدها شيئاً0
فأبتسم غياث بسرور وقال:
-هل تحفظ من القصيدة شيئا؟
-أذكر منها مطلعها:
أسامر النجم والأقوام قد رقدوا *أبيت هماً وحولي الناس قد سعدوا
بكيد من كمدٍ من هول فاجعة *سكبت فيه دموعا مالها عدد
أبكي لفقد أبي من بعد رحلته *حتى أرى العين حزناً زارها الرمد
-إنها جميلة إن كانت كلها كهذا المطلع!
-لقد كتبتها عندما قتل والدي رحمه الله 0
-قتل00؟لقد قلت لي أن والدك توفي فظننتها ميتةً في الفراش؟!
-لا00لقد قتل غدراً00 قتله اللصوص قبل عام ونصف!
-وكيف قتل؟!
-قتلوه عنوةً00فقد كان مسافراً إلى فلسطين بقافلة صغيرة، ومعه أموال طائلة وحرس كثير، ففاجأه لصوص قبعوا له ولرجاله على مسافة نصف نهار من بغداد وقاتلهم لكن اللصوص استطاعوا قتل رجاله وتعقب من فر منهم حتى أجهزوا عليهم جميعاً ونهبوا المال!
-وهل علم الناس بذلك00وهل عرفوا أحداً من اللصوص؟
-نعم00 فقد علمت أن أعرابياً أخبر الناس0فقد كان قريباً من موقع القتال، وقد جاء موافقة ليجد عشرات القتلى وآثار القتال،فأسرع إلى بغداد وأخبر الوالي والشرطة، لكن أحداً لم يعرف من قام بهذه الجريمة!
-هل كان المال كثيراً؟
-لم يخبر والدي أحداً برحلته هذه ولا بمقدار ماله حتى الرجال الذين معه00لكنه قال لنا أنه سيبيع كل ما يملك من **** وضياع وأنه سيحمل ماله إلى فلسطين بلادنا الأصلية0
-وأين كنتم؟
-كنا قد سبقناه قبل مقتله إلى فلسطين00 وشاء الله ألا نحمل معنا إلا القليل من المال0
واستقامت شعرات من غياث بن عبد المغيث وتصبب العرق غزيراً من جسمه واعتراه الوجوم،ولاحظ ذلك معبد وقال بأسى:
-لقد أثقلت عليك وعلى نفسي يا سيدي بهذه القصة الحزينة0
فقال غياث محاولاً استدراجه للكلام:
-كلا00فقد سمعت بمقتل رجل بالغ الثراء من أهل بغداد أسمه ذاهب المقدسي00وقصته شبيهة بقصة مقتل والدك غاية الشبه!!
-ذلك أبي00ذاهب المقدسي هو أبي وقد تناقل أهل الأقطار قصته لغرابتها وكثرة من قتل فيها من الرجال!
-لكنك ذكرت لي أن أسمك معبد بن عيسى؟!
-نعم00 فقد أعتادت جماعتنا أن ينسب الرجل إلى جده خصوصاً عندما يكون ذائع الصيت00 وبهذا يكون أسمي معبد بن ذاهب بن عيسى المقدسي0
فقال غياث مناوراً لمعرفة كامل القصة:
-لقد ظننت والدك من أهل بغداد00 فكيف جاء إليها؟
-لقد قدم والدي إلى بغداد تاجراً قبل ستة عشر عاماً00وكنت صغيراً حينها00وعمل بجد في تجارات كثيرة منها القماش00 وصارت له قوافل تروح وتجيء ببضائعه من فارس والشام وغيرها00 وقادته التجاره إلى أكابر الناس وتوصل إلى الخليفة وصار من جلسائه00 وكان مقبولاً حسن الحديث فقربه الخليفة وأدناه ،وصرت أجلس في دكانه عندما يكون غائباً وتعلمت الحساب والبيع00وأحببت بغداد حباً فاق حبي لبلادي فلسطين0وصار الخليفة يستعمل والدي في بعض شؤونه،ويغدق عليه المكافآت فأثرى،وتحصلت له عنده بعض الضياع والدور وال****0ولكن بعض جلساء الخليفة حسدوا والدي على حظوته ومكانه من الخليفة وظنوا أنه سيجعله والياً على بعض المدن مما يطمحون هم إليه، فسعوا بالوشاية والمكيدة بينه وبين الخليفة حتى جفاه وأغلظ له القول وطرده من مجلسه، فتأثر والدي لذلك غاية التأثر، وعاف بغداد والعراق كله وعزم على الإنتقال إلى فلسطين بأمواله وأسرته00 ولقد حزنت لذلك كثيراً0 وحَمَلنا مع بعض المتاع والمال إلى فلسطين وطفق يبيع ضياعه و****ه00ووصلنا إلى فلسطين وأكترينا بيتاً قريباً من أخوالي ومكثنا بضعة أشهر،وجاءنا رسول من والدي برقعة مختومة أخبرنا فيها أنه باع ضياعه وكل ****ه وبضاعاته وأشترى بها ذهباً وأنه سيحمله على بعض الجمال وسيحرسهم فرسان استأجرهم لذلك، وأنه سيخرج متخفياً وسيصل إلينا في أقل من شهر،وأخبرنا ألا نعلم أحداً بمسيره0ومكثنا بعد ذلك شهرين، وساورنا القلق وطفقت أتلقى كل قادم من بغداد فلم أسمع عن والدي شيئاً، حتى جاء ذلك اليوم الذي قدم فيه أحد أقربائنا من بغداد ليخبرنا بمقتل والي وسرقة أمواله، وقتل عبيده وكل رجاله على يد جماعة من الفتاك، وقال لنا أنه تولى بنفسه غسل والدي ودفنه0
ولست في حاجة إلى أن أخبرك أي حزن وأسى حل بنا وكيف أنقلبنا في شهر واحد من الغنى الواسع والثراء الطائل إلى حال من الفقر والمسكنة؟ورجعت أنا إلى بغداد مع أهلي الذين ما وسعهم إلا الإتيان معي فلا عائل لهم غيري0واستفدت من معرفتي بأمور البيع فعملت عند صاحب أقمشة0
-وهل تعرف أحداً ممن قتل والدك أو سرقه؟
-لو كنت أعرف منهم أحداً لقتلته قتلاً!
قالها بحماس ظاهر00مما دعا غياث إلى أن يسأل بمكر:
-وهل تجيد القتال؟
-لقد تدربت على المبارزة0
-وكيف علم اللصوص بخروج والدك وأنه يحمل ذهباً؟!
-هذا ما يحيرني!!وإن كنت أشك في صاحب لوالدي!
-وما الذي يحملك على الشك فيه؟
-لأنه كان مقرباً من والدي00 ولم يكن يخفي عنه شيئاً من أسراره00وكنت أنا آراه شريراً00وكلما حذرت أبي منه سخر مني،وحذرني بدوره من سوء الظن!
-ولماذا كنت تراه شريراً؟
-لأن والدي عرفه في مجلس الخليفة00 وحصلت بينهما المزاورة بعد ذلك00 وقد سمعته أكثر من مرة يذكر والدي وما فيه من النعيم على سبيل الاستكثار والحسد0وقد استنقض والدي بحرة الخليفة وهو غائب، وكادت الفرقة تحل بينهما لولا تسامح والدي وحسن ظنه0
-وسكت قليلاً ثم قال:
-ومما زادني شكاً فيه أنه قبل رحيلنا بأسبوع كنت عائداً من الدكان فرأيته في درب ضيق قذر مشهور بكثرة الفتاك واللصوص،يخاطب ثلاثة رجال كريهي المنظر، وسمعته يذكر أسم والدي ويتحدث بصوت لم اسمعه لكني التقطت من كلمات مثل:الذهب00الجمال00السيوف00و� �ختبأت لعلي أسمع المزيد ولكن الرجال تفرقوا!
-وهل أخبرت والدك بذلك؟
-نعم00فلم يزد على أن أمرني بالذهاب إلى النوم!
وسأل غياث سؤالاً يعرف جوابه:
-وما أسم هذا الرجل؟
-اسمه كريه كصاحبه!!اسمه حنظلة0
-ألم تحاول تتبعه بعد مقتل والدك وعودتك من فلسطين؟
-فعلت00وسألت عنه وقيل لي إنه في السجن0
فسأل غياث بلهفة:
-ولماذا سجن؟؟
-لا أدري!
وطال الصمت بينهما، ورأى معبد بن ذاهب جبين غياث راشحاً بالعرق فقال:
-لنترك مامضى00 ولننظر إلى دفاترنا0
فقال غياث بصوت كالحشرجة:
-لا00 ليس اليوم يامعبد بن ذاهب00 أحس بالتعب0
وقام معبد مستأذناً بالإنصراف ومضى تاركاً غياث يكاد يخترق الأرض بنظراته وبعد مدة طويلة خلع عمامته عن رأسه متخففاً ومسح شعره إلى الوراء00 ورغم إعتدال الهواء وبرودته إلا أن العرق عاد يتدفق على ظهره ويبل ثيابه، فقد أستعاد هذه القصة التي تثقل قلبه بالوجع00 واعتراه شعور غريب00 شعور بالخوف00من شيء قادم00 لم يكن خائفاً من حنظلة00 ولا من معبد00 ولا من أي من البشر00كان خائفاً من شيء هائل يتململ بداخله0




جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 20-01-11, 01:09 AM   #13

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الحادي عشر

إذاً فهو معبد بن ذاهب المقدسي00المالك الشرعي والحقيقي لهذا البستان،وهذه الزروع وهذا القصر00 وهؤلاء هم ورثة ذاهب المقدسي التاجر المغدور0
وأحس غياث بعمق الإمتحان الذي وقع فيه، وشدة البلوى التي تلبست به،وكأن الحوادث على أتفاق فحين جاء شرف الدين بتوعيته وعظته انسل الفجور من نفسه فأنتهى عن الخمرة وترك تضييع النبيذ، ولزم الصلاة والعبادات التي كان قد ضيعها، وجره ذلك إلى التفكير فيما يتمتع به من النعمة وأن ثروته التي يتربع على عرشها ليست له00كأنه بذلك كان يسوي الطريق لمعبد وأسرته ليأتو ويطالبوا بأموالهم ويصفعوه بفقرهم وعوزهم بدون أن يشعروا00ويصرخوا في وجهه طالبين أموالهم والثأر لأبيهم المقتول0
وسولَّت له نفسه أن شرف الدين وأسرة ذاهب المقدسي كلهم متآمرون ضد نعمته، وأنهم قد أتفقوا على إشقائه من جديد00 واشتعلت نفسه بالحيرة فشرف الدين قد فضحه وقام بتعريته وتجريده من هنائته المغشوشة00 وسكره الذي كان يغيب فيه، وأسرة ذاهب المقدسي جاءوا ليتخطروا أمام ناظريه طوال النهار ويذكرونه بأن المال لهم، وأنه قد أستولى عليه،ويهتفوا له بلسان حالهم بأنه ليس سعيداً كما يضن!! لأنه سارق وظالم، ولن تحصل له السعادة التي يطلبها حتى يرجع لهم أموالهم!واعتقد غياث أن شرف الدين قد حطم نصف سعادته وحطم معبد وأسرته النصف الباقي0
ومسَّه الألم وشعر بغصة في حلقه00 أحس بأنه مضطهد ومحارب، وأنه خائر القوى فأنتشى بعزةٍ واهمة،وركبه الشيطان فقرر أنه لن يتركهم يجهزون عليه00 لقد حارب كالأبطال في بيت الطين قرب النهر00 قاتل سعيد بوحشية00 وصرع الرجال بحربته وسيفه00 فهو قوي 00وقوته في إرادته00 وقد دفن الضعف في الممرة00 ولن يسمح لتلك الأشياء الكريهة أن تنبعث من جديد00 المال له واحد00 وهو ليس ظالم ولا سارق00 ولم يقتل ذاهب المقدسي ولا أحداً من رجاله00 إنما قتل حفنة من اللصوص لايستحقون الحياة00 وأخذ المال لأنه يستحقه0
وتخيل أنه عظيم وجبار00 فقرر أنه سيقتل سعيداً في سجنه ولا داعي لأن يرحمه00وسيعتقل مروان لوظفر به00 وسيقتل حنظلة00و00سيعود لحمل السوط ويلوّح به في الهواء كتأكيد للسطوة والمجد00 وسيعامل معبد بجفاء ويرجع الكلفة بينهما بل لن يعمد إلى مقابلته00سيوكل أمره إلى سريع00وربما طرده هو وأسرته!
وتنفيذاً لذلك فقد صاح بأحد خدم القصر، وطلب منه استدعاء سريع، وبعد مدة عاد الخادم ليقول أنه لم يجده في حجرته00 فأرسله للبحث عنه في أنحاء الزروع وجلس يفكر0
لكن هذه الأموال حقاً ليست له00لوكان يجهل صاحبها لكان ذلك عذراً له وحجة يتشبث بها00 لكن صاحب المال موجود وقريب! وبهذا يكون سارقاً00 وتذكر شيئاً كان يقرأه من القرآن في صلاته مما علَّمه شرف الدين، وقرأ في جلسته تلك فواتح سورة المطففين00 قرأها بصوت خافت كأنما يخشى أن تتأثر بها نفسه ولما بلغ آية}ألا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ(4)لِيَوْمٍ عَظِيمٍ{هزته عظمة الآيات،وتخيل نفسه يوم القيامة عند رب العالمين، وقد أخذه ذاهب المقدسي وأولاده يطالبونه بحقهم00وخاف00 وتجاذبته لوازم التقوى وخشية الله وشهوة المال المسيطرة عليه!الدين يشرح صدره والذهب يغريه!!
وتحركت خبيئته السيئة،فنفض رأسه وقام يعلل نفسه بالبحث عن سريع00 كان يريد الفرار من لسع التأنيب،ووطأة الآيات التي قرأها!!
قابل الخادم أثناء تجواله وسأله عن سريع00فأخبره أنه بحث عنه في كل مكان ولم يجده!فأستغرب غياث تغيب كبير عبيده الذي لم يتعوده منه،وتذكر البيت المهجور فأطمأنت نفسه فلابد أن سريعاً قد ذهب بالطعام إلى هناك كعادته إذا حل المساء00وعنَّ له أن يزور محبس سعيد لإلقاء نظرة00وما أن لاح له الجدران الحجري من ىخلف غابة السدر التي يقع في وسطها دهش0 وداخلته الريبة فالباب الخارجي كان مفتوحاً على مصراعيه!!وتوقف غياث يتأمل ما حوله فتعليماته إلى سريع أن يغلق أي باب حيث يكون داخلاً أو خارجاً!
دخل غياث بحذر وزادت دهشته حين وجد الباب الداخلي مفتوحاً أيضاً!!عندها لم يشك بأن شيئاً خطيراً قد حدث00وتأكد له ذلك، حيث وجد سريعاً ملقى على الأرض، والدماء المتيبسه قد غطت وجهه ورأسه!أما سعيد فلم يكن موجوداً00وكانت السلسة مقطوعه والقيد ملقي بالقرب من سريع!!
تحسس غياث عبده فوجده حياً00 فأدنى منه الماء ورشه حتى أفاق واستقام جالساً00 ولما عاد وعيه كان أول شيء قاله:
-لقد هرب السجين يامولاي!
تأمل غياث السلسة فوجدها قد قطعت بآلة لقطع الحديد فتساءل:
--كيف استطاع الخبيث قطع السلسلة؟
فأجاب سريع بصوت كالأنين:
-لقد قطعها بهذا المنشار!
ومد إلى سيده منشاراً متيناً لشذب الحديد، ثم قال متسائلاً بدوره:
-لكن من الذي عرف مكانه وأحضر له الآلة؟!!
ولم يجب غياث00وساعده ليذب إلى حجرته حيث أخبره بأن سعيداً فاجأه في الظلام وضربه على رأسه فشجه وهرب0
وعلق غياث قائلاً:
-لتنم أنت الآن وسأستعيد ذلك الشقي قريباً0
وقال في نفسه إنه إن ظفر بسعيد فسيقتله هذا المرة بلا رحمة0 ثم ذهب إلى أريكته خارج القصر وجلس يفكر في هذه المصيبة الجديدة التي نزلت عليه00 وكيف يتصدى لشر هذا الفاتك الذي هرب من محبسه، والذي لا ريب أنه سيحضر من جديد للانتقام، وقد أججه الحقد والسجن الطويل00فلابد من الإحتياط ووضع حارس للقصر طوال الليل00وتذكر أزمته التي أنفجرت بظهور ورثة ذاهب المقدسي فأمتلأ قلبه حقداً على سعيد واشتعل حماساً للأجهاز عليه00 إرضاء لجبروته الذي استطال فجأة00 وقهراً لعاطفته التي ظنها سبب كآبته وخوره!!وتذكر فجأة شرف الدين وتخيله ينظر إليه عابساً00وكم استعذب تلك الصورة،فقام وتوضاء من حوض شجرة قريبة وصلى صلاة المغرب شاعراً بالتناقض الصارخ بين ذلك وبين أحقاده وشروره المستفيضة، ثم جلس إلى أريكته ثانية وقد إمتصت الصلاة الخاشعة شيئاً من عنف أفكاره0
وقام ليذهب إلى القصر00 لكن فاجأه من الخلف جسد قوي انطرح عليه!!وأحس بشيء بارد حاد يوضع على عنقه وخاطبه صوت من فوقه:
-إذا صرخت أو تحركت قطعتُ عنقك بهذا الخنجر!
وقيَّد المتكلم يديه من خلف ظهره، وأحكم ربطهما وأمره بالوقوف ثم خاطبه بخشونة:
-سر أمامي00وإذا تكلمت أو حاولت الهروب فستعلم ما يحل بك!
وسار غياث كما طلب منه00 ودفعه الرجل أمامه في ظلام الليل، وظلا يسيران بصمت حتى وصلا إلى النهر وهناك توقف الرجل، ثم أمسك بثوب غياث من جهة كتفه وأداره إليه بعنف ليواجهه00كان سعيد00 وكان محنقاً00في عينيه يبدوا زهو الانتصار واضحاً جلياً00 يكاد يشج وجه غياث بنظراته التي تغلي حقداً!
وكان غياث أول المتكلمين:
-إذاً فقد استطعت الهروب00؟!
لم يعلق سعيد00 بل سأل في حنق:
-هل استخرجت الذهب من النهر؟فقال غياث متجاهلاً سؤاله:
-ليتني أعرف كيف حصلت على المنشار؟!
رفع سعيد قبضة يده في الهواء ولكم غياث علة وجهه لكمة ًأطاحت به في أوحال النهر، ثم جذبه بعنف ليقف ثانية وصرخ في وجهه:
-إذا سألتك فأجب00 هل أستخرجت الذهب من النهر؟
فقال غياث وهو يبصق دماً:
-لو كانت يداي طليقتين لعرفت كيف أرد عليك أيها الوقح!
استشاط سعيد غباً ولكمه ثانية،فلما تهاوى ليسقط أمسكه من صدره وصاح به:
-هل أستخرجت الذب من النهر؟
فأجاب غياث بصراحة تبعث على التصديق:
-لا00 إنه مازال في القاع00فعلق سعيد:
-كما توقعت فلم تحتاج إليه إلا الآن0
ثم كبَّه على وجهه في قارب صغير به مجدافان ودفع القارب إلى عرض النهر وصعد إليه،وبدأ يجدف بإتجاه الجنوب وجلس غياث منتصباً في مقدمة القارب الذي كانت الرياح المواتية تزيد من سرعته0
لم يشك غياث في أن سعيداً عاد إلى مطلبه الأول00الحصول على بقية الذهب الذي تقبع منذ سنة ونصف في قاع النهر00وتساءل غياث هل سيقتله بعد الحصول على مايريد أم لا؟إنه لا يدري عما يدور في خلده،فقد مضت ساعتان دون أن ينطق أحدهما بكلمه00ولم يكن يقطع الصمت سوى صوت المجاديف وهي تضرب صفحة المياه المعتمة بحنق00 وبدأ لغياث أن سعيداً لا يتعب أبداً، فهو لم يفلت المجدافين لإراحة يديه والنفخ في كفيه00بل ظل يجدف بعبوس وبطريقة عنيفة كأنه يريد تكسير المجدافين لا الوصول إلا مكان معين!!
حرك غياث يديه اللتين أوجعهما الحبل الغليظ وعدل من جلسته غير المريحة عدة مرات وأضجره الليل والصمت فقال وقد لوى شفتيه نكداً وعبوساً:
-أين ستذهب بي؟
فلم يجبه سعيد بغير نظرة تفيض بالاحتقار والحقد،فقال غياث:
-كان الأولى بك أن تواجهني كالرجال00لكنك أثرت الغدر فأخذتني وأنا لا سلاح معي!
ولم يزد سعيد على الصمت فقال غياث محاولاً إستثارته:
-لقد ساعدتك الشياطين!!وإلا كيف قطعت تلك السلسلة؟! وكيف تخلصت من ذلك القيد على قوته؟!!
ولما لم يجبه سعيد بشيء انفجر غاضباً وصرخ:
-أأصم أنت؟!تكلم قطع الله لسانك!
وجاءت النتيجة على غير ما أراد غياث، فقد ترك سعيد أحد المجاديف00 وقذف غياث بدلو ثقيل من النحاس فلم يخطيء رأسه وسال خط دقيق من الدماء من جبينه وتوقف على أرنبة أنفه فهدأت ثائرته وقال بهدوء وحزن:
-أهكذا فعلت بك أيها الشرير؟ كان عبدي يحمل لك الطعام وأنت في القيد،وكان يكنس المكان الذي أنت فيه00 ولم أكن آكل شيئاً من الفاكهة والعنب إلا وأبعث لك بمثله!
تكلم سعيد أخيراً وقال وهو يصرُّ على أسنانه محنقاً:
-تمتن ُّ علي َّ بطعام لا يكلفك نصف درهم وأنت قد أستوليت على أموال لا تحصى!! وتحتبسني عاماً ونصف العام كاكلب ثم تدعي أنك صاحب فضلٍ علي؟!
-لقد كنت في حوزتي ولو شئت لقتلتك!
-ومن زعم أنك لم تقتلني00 لقد كنت تقتلني كل يوم!
-لقد تركت حياً شفقة بك00 وكان السجن خير مكان لك0
-ليتك قتلتني وأرحتني!
-لقد قلت لك إني لا أحب القتل0
-أما أنا فأحب القتل!
قالها بنظرات مرعبة كادت تهز فؤاد غياث الذي قال متجلداً:
-أنا لا أخاف منك00 ولاكن أريد أن أعرف أين ستذهب بي؟
وعاد سعيد إلى صمته00 وإلى دفع القارب بنشاط وعبوس ومد غياث رجليه وألقى برأسه على حافة القارب بأسترخاء00 يتأمل النجوم الزاهرة00 وأجتذبه بهاء القمر وجمال السماء وأنسته القبة الزرقاء ومصابيحها الهائلة أي خطر هو فيه وأغمض عينيه مستسلماً للنوم0
لا يدري متى نام00 ولكنه استيقظ والضياء يملأ المكان00 وأنسام لذيذة تنعش الروح كانت تهب بين الفينة والأخرى 00ورأى سعيداً وقد نام في مكانه والقارب عالق بضفة النهر00وتلفت حوله فعرف المكان00 فهذه هي الحجرات الطينية، وقد أتت النار على سقوفها،وهذا هو النخيل اليابس لم يتغير فيه شيء00كان هذا هو المكان الذي شهد اللقاء الأول بينه وبين اللصوص0
وتأمل سعيداً00 إنه نائم00فلماذا لا يهرب؟00وحرك جسمه محاولاً النهوض ففوجئ بنفسه مثبتاً بإحكام إلى أحد ألواح القارب،واستيقظ سعيد وشرع حالاً في العمل00وخاطب غياث بخشونة:
-ستنزل الآن إلى الماء00 وعليك أن تخرج الذهب الذي قذفت به هنا عندما كنت مع مروان0
-أنت مجنون!الوقت بارد وإذا نزلت إلى الماء فربما هلكت من البرد!؟
-لايهمني ذلك!
وجعل سعيد يعمل بحماس فقطع الحبل الذي يربط غياث بالقارب وهم بأن يقول شيئاً فسبقه غياث بقوله:
-أريد أن أصلي الفجر0
فرد سعيد بسخرية من غير أن ينظر إليه:
-منذ متى بدأت أصلي؟!
-لاشأن لك0
وبدون أن يبالي به قفز خارج القارب،ووقف على اليابسة وقال بلغة آمره:
-حل وثاقي 00أريد أن أتوضأ0
-حسناً00
قالها سعيد وهو يتقدم إليه،وبدلاً من أن يحِلُ وثاقه قطعه بالخنجر فحرر غياث يديه،وجعل يحركهما ويزيل تصلبهما00ولكن سعيداً ألصق رأس خنجره الطويل في ظهره وقال:
-أصعد00وجدف00 عليك أولاً أن تجد الموقع الذي فيه الخرج ،ثم تنزل إلى القاع للبحث عنه 0
وأمام وخز الخنجر صعد غياث القارب وهو يقول:
-لابد أن النهر جرفه وغير موقعه0!
-لو جرفه النهر فلن يبتعد كثيراً0
وجلس غياث إلى موقع المجاديف، وجعل يسير بالقارب يميناً وشمالاً ويتأمل الضفة الشرقية والغربية محاولاً تذكر الموضع،الذي كاد يغرق فيه مع مروان0 ثم توقف في منتصف النهر وقال:
-أظنه هنا00
فَبانَ البشر على ملامح سعيد وتناول حبلاً متيناً0وأمر غياث أن يلفه حول وسطه00فوقف غياث وربط الحبل على بطنه،ولما فرغ ركله سعيد برجله ليسقط على صفحة المياه الهادئة 00صارخاً من شدَّة لسع الماء البارد وأمسك سعيد بطرف الحبل وقال:
-هيا00أنزل إلى القاع وأبحث عن الخرج00
وبعد تردد قصير فعل غياث ما طلبه سعيد،فأخذ نفساً كافياً ونزل إلى القاع المظلم يتلمس أرض النهر وصخوره ولدقائق،ثم يخرج ليلتقط أنفاسه ويعود البحث من جديد00وتكررت المحاولات وغياث يقاوم جريان النهر وبرودة الماء00 ويبحث جاداً عن خرج الذهب لكنه لم يظفر بشيء00وأخبر سعيد أنه لم يجد الذهب فأستشاط هاذا غضباً وصاح:
-يجب أن تجده00 إن حياتك مرهونة به!
ثم جذب الحبل المربوط في وسط غياث بعنف حتى ألتصق بالقارب وقال له وهو يضغط أضراسه،ويتحسس بخنجره عنق غياث المتين:
-إذا لم تجد الذهب00فإنها نهايتك0!
فسبح غياث إلى موضع آخر00وجدف سعيد خلفه وهو ممسكٌ بالحبل حتى لايهرب غريمة00 وبدأ البحث من جديد00 ومضت مدة وغياث يغوص إلى القاع ويمسحه بيديه ورجليه،مثيراً سحاباً من الطين الراكد يزيد من ظلمة القاع وقتامته00ثم يصعد ليلتقط أنفاسه،واعتاد جسمه برودة الماء مع أن أسنانه كانت تصطك تحت وطأة البرد والتحفز00 ثم أنتقلوا إلى موضع أخر دون أن يجدوا شيئاً00 ثم أصبحوا ينتقلون إلى مواضع عديدة من النهر00 وكانت اللهفة بادية على ملامح الأثنين00وبَانَ الإعياءُ على غياث00وبإرتفاع الشمس بدأ يجد بعض الصناديق والشِباك والحبال التي قذف بها عندما كان برفقة مروان،فأشرق الأمل في نفسه وعلم أنه أصبح قريباً من بغيته00واخيراً لمست يداه شيئاً صلباً،فتحسسه وعرف فيه خرج الذهب00وكان الطين يكاد يطمره00فحاول رفعه فلم يستطع بسبب المياه00فصعد إلى السطح وهتف لسعيد متصاعد الأنفاس:
-لقد وجدته00ولكنني عجزت عن رفعه لأنه ثقيل والمياه ترفعني!فقال سعيد بصبر فارغ:
-حل الحبل من وسطك وأربطه في الخرج0
وشرع غياث في ذلك لكن سعيداً صاح به وقد أدركه الحذر:
-كلا00أنتظر00أربط هذا الحبل0
وقذف إليه بحبل أخر ربط طرفه في القارب00بينما تناول غياث الطرف الثاني منه،وغاص به،وربطه في صرة الذهب الثقيلة ثم صعد إلى السطح وتعمد هذه المرة أن يكون قريباً من القارب، ولم يلحظ سعيد ذلك بسبب نشوته وهو يجذب الذهب من أسفل النهر0
لقد أعتزم غياث أن يهز القارب لعل سعيداً يسقط أو يقبل إليه فيجره إليه ثم يقتتلان في الماء00كانت تلك محاولة أخيرة للنجاة00
استخرج سعيد الأموال الغارقة بفرحة طاغية وركع فوقها يزيل عنها بعض الطحالب العالقة،ويحاول فتحها مذهوللاً عن خصمه الذي غاص وتسلل تحت الماء حتى صار إلى الجهة الثانية من القارب بحيث لايراه سعيد،>>>>>ولااااكن ياسعيد ما نقول إلى يافرحة ماتمت<<<<<وبحذر أمسك حافة القارب بيديه وثبت رجليه على جانبه ثم هزَّه فجأة وبعنف فأستقام سعيد واقفاً وغياث لا يكف عن التأرجح بالقارب وتماسك سعيد حتى لا يقع00وكما توقع غياث فقد أقبل عليه سعيد وقبل أن تصل يده إلى جراب خنجره ألتقط غياث طرف ثوبه وجرَّه بشدة إلى الماء تمهيداً للعراك00صرخ سعيد صرخة وحشية أفزعت غياث00وجعل يتخبط في المياه بعنف وعشوائية00وبخفة تعلق غياث بالقارب وصعد إليه00
كانت نتيجة محاولته تلك ناجحة أكثر مما توقع!!فتمتم متعجباً:
-إنه لا يجيد السباحة!!واعمل يديه في حل الحبل الغليظ المربوط حول وسطه،أما عينيه فكانتا مثبتتين على سعيد الذي كان يطفوا ويغوص ويصرخ مستغيثاً00منادياً غياث بأنه لا يعرف كيف يسبح!!ثم كلت يداه وتحول صراخه المستغيث إلى غرغرة خافته حتى أجتذبته الأعماق القائمة بلا رحمة!!
فكر غياث سريعاً00 وبعد تردد قصير قذف بنفسه إلى الماء قابضاً طرف الحبل00وتحت الماء جعل يعوم باحثاً عن سعيد كما كان يبحث عن الخرج ولم تطل المدة حتى وجده مستلقياً على قاع النهر مثل النائم فربط الحبل حوله00 ثم صعد إلى القارب واجتذبه إلى الأعلى، ورفعه إلى القارب وتفقده قليلاً ثم قال متمتماً:
-لقد وصلت إليه متأخراً!
وجعل يتأمله في نكد عظيم00 وجدف إلى الشاطيء00ثم سحب الجثة إلى الرمال الدافئة وهو يقول بخفوت:
-سيأتي إليه من يدفنه0
ثم صعد إلى القارب وجعل يجدف ناحية بغداد00ساهماً00 ينظر في البعيد00حيث الأفق الصافي00مهموماً00يتأمل الطيور الطافحة في السماء ويحسدها على الحرية!لقد أحس في هذه اللحظة أنه مسجون00مقيد00مربوط إلى رغباته وشهواته كالبهيمة التي تعد للذبح!!
ظل يجدف ولم يُلقِ نظرة واحدة إلى الأموال التي تقبع تحت قدميه00
لقد أحب الدين والإستقامة ووجد سلوته في الصلاة00لكنه يشتهي المال والمجد00واليوم أسمعه موت سعيد نداء العالم الأخر الذي سينتقل إليه يوماً ما00وذكره بالحقيقة التي عجز عن الفرار منها00حاول استرداد عقله الشارد00 لكن بصره ظل عالقاً بالأفق البعيد00وذهنه سجين المشهد المفزع00غرق سعيد00وهو يتشبث ببقايا الحياة00كيف تدفقت المياه بسهولة إلى جوف ذلك الوحش الكاسر00وكيف دوى صراخه المتغرر بالماء وهو يكافح من أجل نسمة هواء00لم يكن ذلك أول مصرع يراه00 لقد رأى القتال العنيف في بيت الطين وساهم فيه بنصيب كبير00لكن موت سعيد كان موقوتاً00 جاء وقد تغلب عليه هاجس الموت والرحيل إلى الدار الأخرة!فرأى عياناً هوان الدنيا واحتقارها00ورأى سطوت المنون كيف أنهت جبروتاً عريضاً في لحظات 00وخاف00 وازداد خوفه من هبوط الليل00وتمنى لو كان شرف الدين بجانبه يقرأعليه من القرآن ويعظه ويذكره بالأخرة00شرف الدين ربان سفينته التي أنتشلها من قبضة الأمواج00 والذي كان ينهاه عن الدنيا والفساد والخمر ويذكره بأهوال الآخرة00لو يراه الآن وقد أكتسحت ذكرى الموت والرحيل تفكيره00وضجت بها نفسه المكلومة!كم يحس الآن بضمأ شديد إلى الموعظة والآيات والصلاة0
وجعلته هذه الخواطر يجدف بسرعة في لهفة إلى الوصول!
عندما وصل إلى مزرعته الكبيرة كان الليل قد أوغل في المسير00فألقى أول نظرة له على الذهب ثم حمله وقفز من القارب00كان مبتلاً00مصك الأسنان00منتفض الجسد من شدة البرد00كان البستان في سكون تام00 والجميع قد أووا إلى مساكنهم00وأجتاز الباحة المؤدية إلى القصر يكاد يسقط من الأعياء وقبل أن يدخل إلى القصر توقف والتفت إلى بيت أولاد المقدسي00 كان المسكن الصغير مضاء ورغم بعد المسافة إلا أنه أحس أنه يقف على عتبته00 وتدلت شفته السفلة لذلك وفاضت عيناه بالدموع 00وذلك آخر مايذكره!
ووجده بعض الخدم ملقياً عند الباب فحملوه إلى فراشه ليمكث يومين كاملين شوته الحمى فيهما شيَّاً00لم يكن يشعر بما حوله،فقد تضافرت المياه والبرد وفترة التحولوالتغّير التي يمر بها على إنزال الحمى به، وهب سكان القصر والبستان وعلى رأسهم سريع ومعبد وعطر على العناية بسيدهم والإحاطة به00لم يقف00بل كان يهذي بالكثير مما تضج به نفسه00 وكانت تفلت منه كلمات لم يفهم المحيطون به منها شيئاً00كان يذكر أسم سعيد وبيت الطين00وخرج الذهب00 وقاع النهر!!واشد ما أثار أستغراب معبد أنه تلفظ باسمه واسم حنظلة!كان يطلب الدفء والأغطية، ورغم كثرة ما وضع فوقه إلا أنه ظل يرتعش وبعد غروب شمس اليوم الثاني استيقظ وقد زاولته الحمى00 ولم يكن بالحجرة أحد زكانت العتمة تمنعه من رؤية الأشياء00 ولما ألفت عيناه الظلام،كان خرج الذهب أول شيء رأه00لم يفتح ولم يتغير فيه شيء00ورغم بياض حاضره إلا أن بقايا من قتامة الماضي أوهمته أنه مازال يعشق الثراء، ويحفل بالدنيا،فأخذ الخرج ودسَّه معه في الفراش بلهفة،وعاد إلى النوم من جديد!
نام إلى منتصف الليل00ثم أستيقظ من فراشه مثخناً بالحزن00مشوش التفكير00كانت هموم الأيام الماضية تعصف به00وقد تفجرت فيه العاطفة المكبوتة وفطرة الخير الأصيلة التي حاول رفسها والإجهاز عليها تحت وطأة الثراء!!وترجحت عنده كفة التوبة وطلب الأخرة، واجتمعت تلك الأشياء لتواجهه في عنف وتلطمه بالحقيقة00 أنه سارق ومجرم،ويجب أن يرد الحق إلى أهله ويتجرع مرارة الفقر القديم على أن ينعم بسعادة التقوى0
وإلتهمه سؤالٌ محرق00هل هو شرير فيواصل طريقه الأسود00أم طيب متدين فيقف ويرجع؟!
ولكي يحصل على جواب استرجع ما حدث له00 لقد أنقذ مروان وقذف بنفسه في المياه لإنقاذ سعيد وأكرمه عندما كان في أسره ولم يعمد إلى قتله00وواظب على الفرائض وترك الخمر00فهو في الأصل صالح وطيب السريرة00بل خبيث وشرير00فقد عق أبويه،وسلب الصياد صاحب الحمار واستولى على أموال ورثة المقدسي00وتسبب في إفقارهم!
وأعياه الجواب00وتداركه الخور00 وتعثر في حطام الضلالة المتبقي00وذكرى الفاقة السوداء00فأخفى الخرج تحت فراشه، وظن أن ما يجول بنفسه خواطر عابرة، أوحاها ضعف مؤقت00فقرر القضاء على كل من تآمر ضد سعادته،وصمَّم على طرد معبد وأسرته،لأن وجودهم سبب ما يعتريه هذه الأيام00وتخيل أنه جبار00فحمل السوط مهتاجاً وخرج إلى بيت آل المقدسي ليطردهم00خرج نصف عاقل00متخففاً من الثياب00مزبداً كالجمل الهائج00 ولم يعترض طريقه سوى هواء الليل البارد الذي كان يلسع صدره العاري ويرفرف بسراويله الواسعة00وشدد قبضته على السوط تأكيداً لما سيفعل00 وعندما أقترب من البيت ألفاه مضاءً في دجى الليل00 وأصوات ساكنيه من الداخل تضحك في حبور00 وصوت سيدة المنزل تداعب أحد أطفالها في مرح00فخمد بركانه فجأة كما ثار فجأة!! وخارت عزيمته00 وقهرت ثورته تلك الأصوات البريئة السعيدة التي لا تعلم عن عاصفته شيئاً!!
وأدركه تعب ثاهر فسقط السوط من يده00وأستند إلى جذعنخلة قريبة00وناك وجد الجواب للسؤال الذي أحرقه00ولفت بقايا الظلام في داخله آخر أنفاسها00ظل مستنداً على جذع النخلة حتى أنهدَّمكانه في الحوض،كالجدار المهدوم وتكوم كا لأنكاض00 شاعراَ بمزيج من الحزن اللذيذ00وأنه قد هرب من سجنه الذي أرهقه طويلاً، وألت إلى أفياء واسعة!وأمتعته الوحدة والليل00وزالت عن قلبه الأثقال00وأحس بجدول القناعة يتدفق لطيفاً، ويروي في فؤاده جذور سعادة جديدة00حقيقة00وأحتبست في عينيه دموع غزيرة!
وطالت جلسته في الحوض، ولم يعده إلى واقعه سوى أصابع صغيرة00باردة وناعمة00لامست كتفه من الخلف كان ذلك أكبر أطفال ذاهب المقدسي!وفوجىء غياث به يقف خلفه ويثرثر في حبور:
-أنت الشيخ غياث!؟لقد رأيتك في شق الباب وكان الباب مغلقاً00أمي لاتدعنا نخرج في الليل00لكني قفزت من فوق الجدار!
ثم سكت وبدون أن ينتظر تعليقاً من غياث قال:
-أمي ومعبد وموسى يحبونك ويقولون أنك رجل تقي وكريم وتعطينا من الثمار والطعام00لقد كان عندنا مزرعة مثل هذه ولكن أبي باعها0
وقال غياث:
-ما أسمك؟
-ميمون00
-لماذا خرجت ياميمون في هذا الليل00؟ألا تخاف من البرد؟!
-خرجت عندما رأيتك00لم يرك إلا أنا!
أبتسم غياث إبتسانة حزينة،وقبض على الصبي وضم جسمه المهزول إلى صدره العاري وقال له:
-سارع إلى البيت وإلى أمرضك البرد0
ومضى الصبي متسلقاً الجدار الذي هبط منه سعيدٌ مغتبطاً بهذا اللقاء القصير مع السيد العظيم مالك هذه البساتين0
وتمتم غياث:
-ليتني أموت!!
ثم قفل راجعاً وقد أطلق العنان لدموعه المحبوسة فأنهالت كالمطر00




جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 20-01-11, 01:10 AM   #14

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثاني عشر
كانت الأيام التي تبعت تلك الليلة المحمومة التي أعتبرها غياث نقطة البداية في فجر حياته الجديدة00 حافلة بالأحداث فبعد خمسة أيام قاها غياث بن عبد المغيث في كثير من الصمت والتفكير الهادئ في مستقبل حياته الجديده،توصل إلى أنه لاحق له فيما ينعم به من المال وأن هذه الأملاك الواسعة والعبيد والزروع وحتى جاريته الأثيرة على قلبع عطر،كلها ملك ورثة ذاهب المقدسي0 وأن عليه أن يسلم لهم كل شيء00بما في ذلك النصف المتبقي من الذهب في الخرج0
لقد أمضى اظليام الأخيرة متأملاً في نفسه، وفي الشيء الذي يتدفق على قلبه فيكسبه الطمأنينه التي لم يعهدها في أيام فقره أو أيام ثروته!
لقد أعزم أن يصارح معبد بن ذاهب في كل شيء،ثم يمضي وحيداً خالياً00كما جاء وحيداً00وكره بغداد وجوارها وآثر أن يذهب للقاء والديه،وينطرح تحت أقدامهما ويسألهما الصفح،ثم يذهب إلى الثغور للجهاد في سبيل الله، فلم يعد شيء يهُّمه غير لقاء الله والرحيل عن الدنيا التي أكتشف مؤخراً أنها نواة الشقاء في حياته الماضية00وأعتزم أن يصلح مابينه وبين ربه00وأستولى عليه هم الأخره00 وبذل دموعه بسخاء أسفاً على أيامه الخالية0
وما كاد يصل إلى هذا الحد من التخطيط لمستقبله حتى أحدقت به الأخطار من جديد!!
فقد مضى في أحدى الصباحات الباكرة إلى البئر اليابسة التي قذف فيها بثيابه القديمة، وتدلى بحبل ونزل إلى القاع اليابس وبحث في التراب حتى وجد صرة ثيابه فأستخرجها وغسلها على شاطيء النهر00كأنه شاعرٌ أنه يغسل ماصيه0وجلس ينترها لتجف،ثم جمعها وأراد الذهاب،لولا أن أستوقفه وجه مألوف لديه فهتف في دهشة:
-مروان؟!!
وآسفه أن خنجره ليست معه00وقذف الصرة من يده وباعد بين رجليه أستعداداً للعراك00 لكن مروان خاطبه بصوت يفيض بالحزن لا بالشر:
-نعم مروان00صاحبك في تلك الحجرة!
-إذاً فقد نجوت!؟
-نعم00 لقد وصلت إلى بغداد وعالج الطبيب جرحي00 وقد صدقت ياغياث فالجرح قد أخترق البطن ولم يمس الأحشاء00 هل تذكر عندما قلت لي ذلك؟!
وتأمله غياث فوجده كما تفارقا تلك الليلة إلا أنه أصبح مشموط اللحية بالبياض0 وقال مروان:
-لقد قضينا معاً ساعات عصيبة00وكتبت لنا النجاة من بين الأخرين أليس كذلك؟
فرد غياث وقد زاولته الريبة لكنه لم يكن راغباً في مواصلة اللقاء:
-لقد مضت تلك الأيام بخيرها وشرها0
-لولا جهودك ياغياث لما كنت أنا من الأحياء!
-لست في حاجة إلى أطرائك يامروان00بقدر ما أود معرفة سبب مجيئك؟!
-جئت للقائك00 وهذا كل افي الأمر!
لم يكن بيني وبينك علائق ومودة00وقد مضيت أنا إلى سبيلي ومضيت أنت إلى سبيلك0
-قد لاتصدقني 00ولاكن لا تسيء بي الظن فتقف وقفتك هذه00 وتحسب أني جئت لقتالك من أجل ذلك الذهب المأفون!!
وسكت قليلاً ثم قال بنبرة صادقة امتصت كثيراً من توتر غياث وتجهَّمه0
-ياغياث 00أنت فتى شجاع وقوي، والذي سيقاتلك سيكون الخاسر في النهاية!
قلت أني لست في حاجة إلى إطرائك00؟
-لست في حاجة إلى إطرائي00ولكنك في حاجة إلى نصيحتي!
-وبماذا تريد أن تنصحني؟!
-أريد أن أحذرك من حنظل00 هذا ما جئت من أله0
-حنظلة!!وأين هو حنظلة؟
-حنظلة في بغداد00ولم يتبقَ من أعدائك أحدٌ سواه0
-وأنت؟!
-أنا لست من أعدائك ياغياث00أنا أحس بالولاء لك منذ كنا في بيت الطين، ولولا حنظلة مارأيت صفحة وجهي!
-وكيف عرفني حنظلة وهو لم يرني ولم يعرف أسمي؟
أحنى مروان رأسه إلى الأرض وقال متلعثماً:
-لقد أضطررت إلى أخباره بأسمك ومكان بستانك00
تخبره عني وعن مكاني،ثم تدعي أنك صاحبي وأنك تودني؟!!
-أقسم لك بالله أني ماكنت لأفعل لولا أن هاجمني ليلاً في بيتي بالبصرة00ووضع خنجره على عنق أحد أولادي وهددني بذبحه مثل الشاه إذا لم أخبره عن مكان الذهب والأموال00ولم أصدق أنه ينوي قتل الصبي حتى رأيته يجرح عنقه بحد السكين جرحاً صغيراً ليؤكد لي أنه عازم على تنفيذ تهديده!
-ومتى كان ذلك؟
-قبل شهر0
-وكيف عرفت أنت مكاني وأسمي؟
-أسمك عرفته عندما سمعتك تنطق به وأنت تقتتل مع سعيد00 ومكانك عرفته عندما رأيتك في بغداد موافقةً بعد أسابيع من ليلتنا تلك،وتتبعتك إلى البستان وسألت أحد مواليك فخبرني بأسمك كاملاً،ولكنني كنت قد عزمت على أن أدعك وشأنك إكراماً لك على مابذلت في سبيلي0
-ولكني لم أصنع شيئاً يستحق كل هذه التضحية منك؟!
-لا يهمني أن تشعر بمعروفك أو لا تشعر00 يكفيني أنني أعتقد هذا00ربما أكون لصاً وأحمقاً غبياً ياغياث ولكني لست وقحاً ولا جاحداً!
وفي خليط من المصانعة والتصديق قال غياث:
-أنت رجل طيب يامروان00سأعمل بنصيحتك00لكن قل لي لماذا لم يبحث عني حنظلة طوال تلك الأيام؟
-لأنه لايعرفك00ولأنه منذ ذلك الحين إلى ان هاجمني في البصرة وهو في السجن0
-لماذا سجن؟
-لقد لحقني عندما هربت بالفرس إلى بغداد،وشاء الله ألا يدركني إلا في بغداد، وحاول قتلي فصرخت وأجتمع الناس عليه ليجدوني مشقوق البطن وهو ممسك بسيفه00فعلموا أنه يريد قتلي00 وزعمت أنه هو الذي طعنني فحملنا الناس إلى الوالي00وشهدوا عليه بما رأوا وحكم عليه أن يحبس عاماً كاملاً،وكرهه الخليفة وقد كان من مجاليسه فزاد في مدته بضعة أشهر0
-ولماذا لم يقتلك في البصرة وقد ظفر بك؟
-لو قتلني لعلم الناس بذلك،ولأخذوه لأنهم يعلمون مابيني وبينه من العداوة 00 ويعلمون أنه قد حاول قتلي في بغداد0
وفي مخادعة قال غياث:
-وأين كان أخوك سعيد؟
-سعيد هو سبب شقائي00لقد بكيت عليه كثيراً وبكيت منه00إنه اليوم شرير ومسكين بائس!!وقد أفتقدته منذ ذلك اليوم الذي هربت فيه بالفرس00وظننت أنه قتل في الحجرة00فذهبت بعدما شفيت لآبحث عنه حياً أو رميماً00فما وجدت هناك سوى بقايا الحريق،وبحثت في الأنقاض فلم أجد شيئاً00فرجعت وسألت عنه في بغداد فلم يعرفه أحد،إلا شخص قال أنه رآه في السوق مرً ولم يره بعد ذلك!!
ومسح عبر فرت من عينه ثم قال:
-وذهبت إلى البصرة أتلمس أخباره،فما ظفرت بأكثر مما ظفرت به في بغداد00 ويئست وأنكفأت على نفسي حتى جاءني من أخبرني أنهم وجدوه على شاطيء دجلة ميتاً متعفناً بالقرب من بيت الطين00وقد أخرجوا من جوفه ماءً كثيراً00فعلمت أنه مات غريقاً فهو لا يعرف السباحة00 وقد نجا من الغرق مراراً لكن تلك كانت الأخيرة0
-ولماذا دخل النهر وهو لا يعرف كيف يسبح؟
-ربما ذهب لإستخراج الذهب الذي قذفت به في قاع النهر!
ثم مسح دموعه ثانية، وأسهب في الكلام عن سير شقيقه وقد وجد في ذلك عزاء له:
-لقد مات أبي وأنا في العشرين من عمري،أما هو فكان في سن الخامسة00 ولم يكن له عائل إلا أنا00وطفقت أعمل لأعيشه وأعيش أهلي ووالدتي ثم أولادي فيما بعد00 وعندما كبر حاولت مراراً أن أشركه معي في أعمالي00لكنه بدأ يصاحب اللصوص والمنحرفين،وحاولت ثنيه عما فيه00وبدلاً من أن أرده إلى جاد الصواب استجرني هو،وبدأت أشاركه طريقته وسرقاته!
ابتسم غياث بعد تجهمه الطويل وقال:
-لكنك لاتبدو فاتكاً ماهراً مثله!؟
-أنا رجل أحمق وساذج00 والسطو والإحتيال ليس من طبيعتي لكنها الغواية00 وقد أردت إثبات جدارتي أمام اللصوص، فأستوليت على الجمل الذي به الأموال لأستأثر به لنفسي ولأخي، فجنيت عليه وعلى نفسي وصارت الأموال من نصيبك0
-أنت حاولتو..
-لاتقل أنك ستعطيني بعض الأموال00فلم تعد لي حاجة في كثير أو قليل من ذلك00وقد تركت هذه الأعمال التي لانتاج لها سوى الدماء والمصائب0 وأنا لم أجيء طامعاً في غنائمك ياغياث إنما جئت أحذرك من حنظلة فإنه سيظهر لك قريباً0
-سأعمل بنصيحتك يامروان 0
وأحنى مروان رأسه إلى الأرض في كدر، ثم مد يده إلى غياث قائلاً:
-سأذهب فلم تعد لك حاج بي0
ومد غياث يده وودعه وتابعه حتى غاب عن نره، ثم حمل صرة ثيابه ورجع0
مشى إلى البستان آل مقدسي متكاسل الخطى، يحرث الأرض بنظراته وأتجه إلى القصر00وعند الباب صادفه سريع وأخبره أن رجلاً سأل عنه في غيبته فقال غياث متبرماً:
-إذا جاءك ثانية فبعه مايشاء من الثمار فلا حاجة لأن أقابله0
-إنه شخص غريب لم يأتِ لشراء شيء!
فسأل غياث وقد قرن مابين حاجبيه:
-هل قال إن أسمه حنظلة؟
-لم يذكر أسمه يامولاي0
-إذا جاء ثانية00هو أو سواه00فأدعني بدون أن يعلم0
فقال سريع بصوت خافت:
-هل هو عدو؟!
-إنه من جماعة السجين الذي هرب0
وبدون أسئل أخرى هزَّ الشيخ رأسه مؤذناً بالطاعة ثم أنصرف0
وجمع غياث بعض حاجياته ثم تذكر أنه لم يكن يملك نذ طرده والده سوى ثيابه فرد الحاجيات إلى مكانها00 وتمكنت منه النزاهة والورع فخلع ثوبه الفاخر ولبس أحد ثيابه القديمة!
وأرسل احد مواليه للبحث عن معبد بن ذاهب المقدسي ثم جلس يفكر فيما هو مقدم عليه00 وسمع حفيف ثوب بالقرب منه فألتفت ليرى عطر مبهوجةً بلقائه00
وقد آسفه منظرها وأحس بالرثاء لها لعلمه بمكانه من قلبها00 وقالت له معاتبة:
-لقد تغيرت يامولاي؟!
فقال بهدوء:
-وماذا تريدين؟
-لقد أصبحت محزوناً تذهب وحدك ولا تخبر احداً بوجهتك،وتغيب طويلاً ثم تعود مريضاً 00 أو تغلق على نفسك باب حجرتك!!ولم تكن هكذا من قبل!!
فقال تمهيداً لإنزال الخبر الثقيل عليها:
-وهل يسوؤك هذا ياعطر؟
-نعم00أنت لاتدري كم يسؤني ذلك!
فقال بنبر جادة:
-وما يدريك لعلي بذلك أهيئك لفراق سيحل بيننا!؟
فقالت باسمة وقد حسبته يمازحها:
-لن نفترق حتى لو ذهب أحدنا إلى أقصى الدنيا!
فقال بتجخم وقد تذكر الثغور وطلب الشهادة:
-وإذا رحلت أنا إلى مكان لا يوجد في الدنيا؟
-سألحق بك0
فقال بما يشابه الإبتسامة:
-هل ستقتلين نفسك؟
-وهل ستقتل أنت نفسك؟
-لا00لا يصح أن يقتل الإنسان نفسه،ولكن يبذل روحه في سبيل الله0
-هل تعني الجهاد؟
-نعم0
وقارنت بين هذه الغاية السامية وبين سيرة غياث بن عبد المغيث العابثة ولهوه السابق فقالت على الفور:
-ولكنك لست بصاحب هذه الأمور؟!
-لقد أصبحت من أصحابها إن شاء الله0
-هل تعني ماتقول؟
-نعم00 أنا جاد فيما أقول وسأرحل قريباً0
-هل تذهب لتموت؟!
-بل لأبحث عن الشهادة0
وسكتت قليلاً وقد تيقنت أنه جاد فيما اعتزم00 وإن ما مربه من أحداث غريبة في الأيام الماضية كان إرهاصاً لتوبته وقالت مشفقةً:
-لماذا لا تؤجل سفرك إلى حين؟
-ولماذا التأخر؟!سأمضي وأحارب لعلي أعمل عملاً يرضي الله فيرضى عني0
وتسرب الجزع إلى قلبها فسألت:
-وإلى من ستتركني؟
-أنت هنا عند أبيك00 وعند00
وسكت مطرقاً إلى الأرض فسألت في هم:
-وعند من أيضاً؟
-عند سيدك الجديد0
-هل بعتني إلى أحد يامولاي؟
-لم أبعك إلى أحد ولم أعد مولاكِ؟
-إذاً ماذا في الأمر؟!
-أنا ياعطر00 كنت لصاً00وقداشتريتك بمالٍ مسروق00 وكل مافي الأمر أني تبت إلى ربي وسأرجع المال المسروق إلى صحابه0
-ومن هو صاحبه؟
-معبد بن ذاهب00وأسرته0
-معبد المقدسي!هذا الأجير الذي يعمل عندك؟!
-لم يعد أجيراً عندي00وكل ماترين من الزروع والبساتين والموال ملك له ولأسرته00وأنت من ذلك00وقد كان في قص طويلة ستعرفينها فيما بعد0
وأخرست المفاجأة لسانها0فقال يواسيها:
-وابشري فمعبد فتى شجاع 00وعاقل0
وأضاف مبتسماً:
-وجميل!
وأجهض أزيز بكائها إبتسامته وعاتبته من بين دوعها:
-ألا يعز عليك أن تتركني هكذا؟!!
-بلى يعز علي00 ولكني آليت على نفسي الا اضع في يدي إلا مالاً حلالاً من كسب يدي0
لماذا لاتشتريني منه؟
-أنا لم أعد أملك غير ثيابي التي على ظهري00والتي في هذه الصرَّة!
فألتفتت إليه وقالت بإنفعال:
-إسمع00سأسأل معبداً أن يهبني لك؟
-لا أحب ذلك ولا أميل إليه0
-إذاً سأشتري نفسي منه بدراهم منجمةً كل شهر أهبه ما أتحصل عليه00
وسأذهب إلى بغداد عند زوجة سيدي الأول وسأعمل هناك00 فأنا أتقن الحياكة والدبغ والغزل00 وإذا أصبحت حرةً نتزوج وأذهب معك إلى حيث تريد0
-غير مجدٍ كل هذا 00 فأنا لن أستقر في مكان ولن آوي إلى بيت مريح00 سأعيش حيناً في خيمةٌ وحيناً على الأرض أو في كهف00كما وعشت مامضى من حياتي شقياً00سكيراً 00عربيداً00وعققت والدي00وقد رأيت بنفسك أطرافاً من حياتي الشائنة00وشهدت أيضاً توبتي وقد أبصرت في الإيمان لذتي وهناءتي التي أبحث عنها00فأصبحت الدنيا مثل السجن لي00وأنا أتزم الهروب من هذا السجن0
-لكن كل هذا لايستدعي أن نفترق!!فبإمكانك أن تعيش في بغداد صالحاً وتقضي أيامك هناك تائباً!؟
-بإمكاني ذلك00 لكني كرهت بغداد وكرهت الدنيا00أنا أحس بصوت يناديني00يدعوني إلى الدار الآخرة وأنا أريد أن أغتسل من ذنوبي بالجهاد حتى أموت وأنا مرتاح البال0
وتساقطت دموعها وقد أعيتها الحيل وامتنعت عليها الكلمات فصرخت في وجهه:
-بل أنت لاتريدني!
وسكت محزوناً وقامت من عنده على عجل00 وأطرق إلى الأرض00فيما دخلت إلى أحدى الغرف ناشجة ببكاء مر0
وقف غياث على باب القصر وفي يده خرج الذهب وفي الأخرى صرة ثيابه00وتأمل البت الكبير قليلاً00 ثم جعل يجول بين عرائش العنب00ومضى إلى أرض القمح والفواكه يتأملها كأنه يراه ولأول مرة!ثم جال بينات النخيل00 وكان العبيد يعملون في الحقول00وقد ضاعفوا جهدهم عندما رأوه00وسريع يتسكع ببطء ويشرف على كل شيء00 وأحد الخدم يجمع مخلفات الشجر وأغصان الصدر الصغيرة ويلقيها في محجر الأحراق المربع تمهيداً لحرقها0وانتهى بغياث المطاف في دار معبد في طرف البستان00ووجد الصبيان يلعبون قبالة البيت00 وعندما رأوه كفوا عن اللعب وفر بعضهم00وخرج موسى شقيق معبد واستقل سيد البستان محتفياً وأدخله إلى الدار وسأله بخجل:
-هل أستدعي معبداً ياسيدي؟
فقال غياث بكأبة:
-نعم فأنا أبحث عنه0
وخرج الفتى من الحجرة00 وبقي غياث يفكر فيما سيقوله لورثة ذاهب المقدسي00وكيف يواجه حنظلة00 وهل يمضي لسبيله ويفسح المجال لمعبد وشقيقه وأسرته لينتقموا من قاتل أبيهم00أم يبقى ويساعدهم!؟وهل سيتركونه بدورهم يمضي لسبيله أم سيعمدون إلى أعتقاله والإنتقام منه لأنه ساهم في إشقائهم؟!
ودخل معبد مرحباً بضيفه الكبير ولم يستطع إخفاء دهشته وهو يقلب بصره في غياث مستغرباً هذه الأكياس التي يحملها وهذه الثياب البالية التي حلت بديلاً عن تلك الجبة الفاخر والثياب الثمينة!! وهذه الطاقية الخلقة التي صارت مكان تلك العمامة الخضراء المطعمة بخرزة كبيرة فوق الجبين!!وفطن غياث لدهشته فأبتس وقال:
-ربما أستغربت زيارتي يامعبد!؟
فقال الشاب مدارياً خجله:
-لم انتظر أن تكرمني بهذه الزيارة00ولو أرسلت إليَّ لأخذت أُهبتي00 فالبيت دائماً مبعثر وهؤلاء الصبيان لا يتركون شيئاً في مكانه0
-فقال غياث:
-هذا العبث للأطفال لابد منه00 إنه صباهم0
ودخل موسى بشيء من الفاكهة فلما وضعها هم بالإنصراف لكن غياث استبقاه قائلاً:
-إجلس ياموسى00حديثي لكم جميعاً0
وجلس موسى وساد الصمت قليلاً00وأحتار غياث كيف يبدأ00لكن معبد أسعفه حين قال:
-لقد جاء الرجل الذي حدثتك عنه00والذي كان صاجباً لأبي00وسأل عنك فقلت له إذهب إلى القصر ظناً مني أنك هناك0
-تقصد حنظلة؟
-نعم00هل جرت بينك وبينه معرفة؟
-أنا لم أره في حياتي00 لكني أعرفه تمام المعرفة
-كيف كان ذلك؟!
-أريدك ان تريني أياه دون أن يراني0
-حسناً سأفعل ياسيدي00 لكني سأعيد لك كلامي فيه00فأنا أحذرك من مصاحبته00ولولا أنه جاء يطلبك اليوم لطردته من البستان شر طردة!
-بل أنا من يحذرك منه00 إن الذي قتل والدك هو حنظلة00وهذا الخرج بما فيه من الذهب الخالص،وهذه الزروع والبساتين والعبيد والأموال كلها لك ولأسرتك0
والتفت الشابان إلى بعضهما وقد شلت الدهش تفكيرهما00 وعقدت المفاجأة السنتهما عن الكلام00واعترت غياث رعشةً باردةً فأستند إلى الجدار متعباً ومضى في سرد قصته الثقيلة كاملة غير منقوصة0



جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 20-01-11, 01:11 AM   #15

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثالث عشر


مضى سائر ذلك اليوم بطيئاً ثقيلاً على آل المقدسي مشبعاً بالوجوم والدموع00 وقضوا نهارهم وجزءاً من ليلهم في خليط من الغبطة بعودة أموالهم المنهوبة وحزن ثقيل لتجدد ذكرى عائلهم الغدور،وحقد شديد على حنظلة وأصحابه الذين أجهزوا على والدهم وحاولوا سرقة ثروته0
لكن الحيرة كانت مستولية عليهم تجاه غياث بن عبد المغيث، هذا الشاب الذي شارك في شقائهم طوال هذه المدة،ثم نمت في قلبه الحياة،فرد الأموال المغتصبة في قناعة وورع!
إنه لم يفر ولم يطلب العفو خانعاً بل قال في شجاعة!إنه سيبيت الليلة في القصر، ثم يرحل من الغد إلى الثغور للجهاد في سبيل الله، وسيذهب إلى قريته الممرة ليلتقي بوالديه ويطلب رضائهما إن وجدهما00فإذا كان آل المقدسي يريدون حبسه أو رفع أمره إلى الوالي في بغداد فذلك لهم وسيمضي معهم قانعاً وطائعاً غير كاره!
وتأملوا حاله وكلامه،فلم يلبثوا حتى أدركوا أنه يستحق الشكر لا العقاب00لقد حافظ على الأموال التي نَّماها بالتجارة00 وعندما تاب إلى ربه وتنزَّه عن الحرام أرجعها إليهم كاملة!وقد كان بإمكانه أن ينعم عليهم بالقليل إرضاءً لضميره00ولكنه آثر أن يخرج منها كلها00حتى إنه خلع جبته الفاخرة وعمامته وخاتمه00ولم يأخذ سوى ثيابه التي جاء بها إلى بغداد!
أما غياث فلم ينم تلك الليلة في القصر، بل نام عند سريع عبده السابق في لحاف رخيص00لقد أخبر سريع بكل شيء وأمره أن ينشر الخبر بين كل الموالي00ويؤكد لهم أنهم لم يعودوا ملك يمينه بل صاروا كلهم وما يرونه من الزرع والدواب والمال ملكاً لآل المقدسي0وآوى إلى فراشه تلك الليلة راضي النفس00منشرح الصدر00 يحس أنه لم تمر عليه في حياته الصاخبة ليل أسعد من هذه الليلة!!وقبل أن يأخذه النوم00دخل عليه شخص يحمل مصباحاً فأضاءت الحجرة بنور المصباح00وتكلم الداخل في أدب:
-هل تأذن لي بالدخول ياسيدي؟
وعرف غياث صوت معبد فجلس في فراشه وقال باسماً:
-أدخل00فلم أعد سيداً لك ولا لغيرك0
-لقد أزدادت مكانتك عندي ياغياث بن عبد المغيث00
جلس معبد ودخل معه أخوه موسى ثم أعقبهم سريع00 ودخلت أم معبد متلفعة وجلست في ركن قصي من الحجرة00وقال غياث مداعباً:
-لقد كثر ضيوفك هذه الليلة ياسريع!
فرد معبد بجد وصدق:
-بل كلنا ضيوفك ياغياث00فأنت صاحب أفضال علينا!
وقالت أم معبد بصوت خافت:
-لقد أرجعت الحق إلى أهله 00وما جئنا إلا لنشكرك0
فقال غياث باسماً:
-لأول مر00أرى لصاً يسرق قوماً فيشكرونه!!
وقال موسى:
-لقد كان بإمكانك ياسيدي أن تحتفظ بهذه الأموال بدون أن تخشى مطالبة أحد00لكنك انتزعتها من اللصوص وحفظتها لأهلها0
-لو إستطعت إبقاءها في حوزتي لفعلت00لكني عجزت عن ذلك!!
وتحدث معبد قائلاً:
-لقد أتينا إليك هنا لنقول لك أننا قد وهبناك نصف المال الذي في الخرج00فلولاك ماعاد من هذه الأموال درهم واحد!
قالها ورفع السراج لتتبين له ملامح غياث متكدراً00وقالت أم معبد:
-لقد وهبناك هذا بنفوس رضيًّة0
فأجاب غياث بصوت عميق ووجه مبتئس:
-لا أريد شيئاً0
فقال معبد:
-إذا كان إرضاؤنا يهمك فخذ المال!
-لا أريد شيئاً0
فقال بتصميم:
-إذا أبيت00فستأخذ الربع0
-لاأريد شيئاً من هذا البتة!
وهتفت أم معبد من ركنها:
-إذاً فلتأخذ أرض القمح00وتكون جاراً لنا فلن نجد خيراً منك0
فلم يزد غياث على ان قال كلمته العنيدة!!
وتحدث موسى مجرباً حظّه:
-إذاً فخذ من المال ما يكفيك لإقامة تجارة وخُذ من العبيد ماشئت ليكونوا لك0
-هذه مكرمة منكم00لكنني لن آخذ شيئاً!
فقال موسى بما يشبه الغضب:
-لابد من ذلك00ولوكنت كارهاً!
فرد غياث بحدة:
-قلت أنني لاأريد شيئاً من المال00أريد أن أمضي إن لم تكن لكم حاجة بي0
وأحترموا إرادته فصمتوا طويلاً00وخرجت أم معبد وتبعها أبنها موسى00
وقال غياث لمعبد بدون أني نظر إليه:
-أجعلوني في حلٍ مما أكلت من أموالكم0
-أنت في حل ياغياث00وسنظل نذكرك ما حيينا0
-هذا معروف تسديه لي فما عدت أحمل هماً إلاأن أموت مخفاً سالماً مما للناس0
-بقي لي حاجة عندك ياغياث أرجو أن تقضيها؟
-ماهي؟
أن تترك هذا المكان الضيق وتذهب لتنام في فراشك الذي كنت تنام فيه بالقصر0
-القصر!!لم يعد لي حقٌ فيه القصر!
-أنا صاحب القصر00 وقد أذنت لك00
-هذا الفراش أحب إليّ00
-أريدك ان تجعل القصر منطلقك، وأنت تترك هذه الأماكن مثلما كان مؤلمك عندما جئت إليها00فلا تحرمني فرصة إكرامك ولو بالمبيت0
-لك ذلك00ولاكن لاتطلب مني شيئاً غيره0
وحمل غياث ثيابه،ومضى إلى القصر يتبعه معبد وسريع0وعندما دخل القصر المضاء ببعض السرج00اتجه غياث إلى غرفته وودعه معبد وخرج لكنه توقف عندما أعترضته امرأ وجثت عند ركبته متوسلة:
-أرجوك يامولاي00دعني أذهب معه00
فقال معبد بيأس:
-لقد أبى ان يأخذ منا شيئاً ياعطر!
-إنه عاجز عن المال فلو وهبتني له لقبل منك0
وقضم الشاب شفته السفلى وبدأ متردداً ولمحت عطر الكدر في وجهه فعلمت انه يريد بقاءها فلم تيأس وقالت:
-إذا تركتني له فتلك شهامة منك00سأظل أشكرك عليها0
-إذا رضي ان تذهبي معه فأنت له0
-كلمه يامولاي علَّه يستجيب لك0
ورجع معبد إلى حجرة غياث وتبعته عطر وبقيت قريباً من الباب وابتدر معبد القول:
-ياسيدي00لقد جاءتني00
وقاطعه غياث:
-عطر00اليس كذلك؟
-نعم00لقد رجتني أن أهبها لك وأنا موافق0
-إنها فتاة كريمة ومهذبة0
-ما كنت لأرغب عنها00لكنها أختارتك!
-ولا أدري لماذا؟! لكني اتمنى أن تجد راحتها عندك0
-إذاً فأنت ترفضها؟
-أنا لم تعد بي حاجة إلى شيء من متاع الدنيا فقد وجدت ما أسعدني واكتفيت به0
-أنت تضيق على نفسك بهذا!
-بل لِمَ لَمْ تذق نفسي السعة إلا اليوم00 فقد كنت مسجوناً ثم وجدت حريتي ولا رغبة بي في السجن ثانية!
-ستسكر قلبها بهذا الرفض!
-قل لها أنني عازف عن الدنيا00وكل أمنيتي طعنة أوسهم يغفر الله به خطيئتي0
-لقد ألحت عليَّ في الطلب؟!
-لو كنت أنوي الإستقرار لفكرت في شأنها00غير أني لاأشتهي سوى الرحيل0
-ستحزن كثيراً00
-بل ستنسى عاجلاً فهي مازالت صغيرة0
وسكت الرجلان000وتناهى إلى سمعهما صوت عطر وهي تدلف إلى داخل الدار مسرعة باكية فأحنى غياث رأسه في أسى وصمت بينما إستأذن معبد وأنصرف0
في الصباح وبعد أن صلى الفجر جلس غياث وحيداً في مصلاه مستقبلاً القبلة0وكان الضياء قد أكتسح الكون وتجلى الظلام وسمع غياث حركة خلفه عند الباب فألتفت بهدوء ليشاهد رجلاً غريباً ضخماً بثياب فاخرة ولحية موفورة الشعر مشموطة بصباغ أزرق00وملامح قاسية00وكان باد النعمة والترف00وقد قبعت تحت حاجبيه عينا ذئب تدوران في محجريهما بحثاً عن فريسة!
وتحدث الرجل هازئاً بصوت غير منخفض:
-لص محتال00يدعي التقوى ويصلي!؟
لفترة ظل غياث يتأمل الداخل بعين ثاقبة00 فلم يتوقع أن يدخل عليه حجرته رجل غريب،وبدون إستئذان00إنه يراه لأول مره لكن بسماع صوته الهازئ عرفه في الحال فهو نفس الصوت الذي كان يصدر الأوامر حين كان محاصراً برفقة مروان وسعيد في بيت الطين على شاطئ دجلة!ولم يشك لحظة أنه حنظلة00مدبر كل المأسي السابقة00وقاتل ذاهب المقدسي00
كان غياث يجلس في اقصى الغرفة الواسعة00 اما الرجل فكان يقف في الطرف الثاني قريباً من السرير الذي كان ينام عليه0 وتحرك غياث ليقف فنهره الرجل بشدة قائلاً:
-إذا تحركت قتلتك!
ورفع جانب جبته الطويلة كاشفاً عن سيف عريض قصير00 مؤكداً لغياث عزمه على تنفيذ تهديده فيما لو حاول فعل شيئ!
وأول شيء فكر فيه غياث هو المسافة التي بين مكانه وبين سيفه السابق المعلق على الجدار قريباً منه00لقد أعتزم القتال00فهو لايهاب أبداً،ولا يخشى الموت، وإن كان يتمنى أن يكون مماته في ساح الجهاد لا بيد مجرم مأفون، ومن أجل عرضٍ من الدنيا0
وتحدث الرجل:
-لا شك عندي بأنك غياث بن عبد المغيث00لقد كنت أتتبعك وقد علمت أنك تنام في هذا المكان00لقد تقاتلنا طويلاً ياغياث بدون أن نتقابل!
ولم يتكلم غياث فقال الرجل وهو يدير عينيه القاسيتين في الرياش الثمين والجدران:
-قصر جميل00وقد استمتعت بما في الكفاية00 وقد آن الآوان بأن ندفع المال إلى صاحبه إذا كنت تريد حياتك00!؟
فقال غياث بهدوء أزعج الرجل:
-لقد أرجعت المال حقاً إلى أصحابه0
-أنا صاحب المال00وأريدك أن تدلني على مكان الخرج الثاني من الذهب00فقد علمت من مروان أنك أسقطته في عرض النهر00 أما ما تحت يديك من الأرض والزرع فهو لك0
-هذا المطلب ليس جديداً00فقد سألني منه سعيد قبلك فمات قبل أن يحصل عليه00وربما تموت أنت مثله أيضاً!
استشاط الرجل غضباً وقال:
-لقد كان سعيد وأخوه مروان أحمقين جبانين00 وقد عرفت محبس سعيد،فأنا لم اترك موضعاً في هذا البستان إلا نبشته00وكنت أظن سعيداً كفؤاً للقتال والمواجهة فوضعت عنده أثناء نومه ما يفك به قيوده رجاء قتلك،لكن تبين لي أنه ضعيف وخائر!اما أنا فخلاف ماتظن00
كان يتكلم مرعداً مغروراً مما أغاظ غياث فقال متحدياً:
-لن تفعل أكثر مما فعل00
-إني أحذرك00 فأنت لم تعرفني بعد لذا تقول هذا الكلام00!؟
فقال غياث بهدوء وشجاعة:
-بل أعرفك00 فأنت حنظلة00 المجرم الغادر الذي قتلت صاحبك ذاهب المقدسي ورجاله00وأفقرت أهله من بعده في فعلة لاتليق إلا بمثلك!!
-أنت احمق وعنيد!!لقد كنت أعقدُ الآمال على لقائنا هذا ياغياث بأن يأخذ كلٌ منا نصيبه ويمضي لشأنه،فإذا بك تعيرني بما كسبته أنا بيميني وسيفي00وأخذته بعد ذلك بغدرك وخيانتك من رجل جريح وعاجز وغبي!
-لقد تبت إلى ربي ياحنظلة00وخرجت من هذا كله بثوبي الذي على ظهري، اما ماتبقى من الذهب في الخرج الثاني فقد استخرجته من قاع النهر بعدما هلك سعيد في سبيله وقد سلمته هو وكل الأرض والبساتين والتجارة إلى آل المقدسي ليلة البارحة00 وأنا أدعوك أن تتوب إلى رشدك وتتوب إلى ربك قبل أن تغتالك المنية وأنت على ظلمك0
-هل سلَّمت كل المال لهم!!؟
-نعم00فما كنت لأدخل جوفي مالاً حراماً وقد هداني ربي وبصرني بجرمي!
-ياوقح00الأموال لي00قلت أني كسبتها بسيفي00 وقد كان ذاهب يستحق ما جرى له،فقد فسد عليَّ الخليفة وزهَّده منَّي0
-وما شاني أنا بهذا كلَّه؟!
-لقد أفسدت جهودي00وقتلت رجالي00وتسببت في سجني00ثم أستوليت على المال كله00وتسأل عن شأنك بذلك!!
-لقد رحم الله آل المقدسي فحفظ أموالهم بي00ثم رحمني بعد ذلك وطهر يدي من أموالهم0
وبصبر نافذ سأل حنظلة غير مصدق ما يسمع:
-أين الأموال والخرج الذي استخرجته من النهر؟
-ألا تعقل!؟قلت لك أني سلمتها البارحة لأصحابها!!
-إذا لم تكف عن عنادك فسأقتلك00وأقتلهم جميعاً00وأحرق هذا البستان على من فيه فلا أحد يقف في وجهي!
ونهض حنظلة ملتاشاً بالحقد00وقفز غياث إلى سيفه وانتزعه من الجدار وسلَّه00فقال حنظلة في إستعلاء:
-لاتهلك نفسك00فأنا لا أهزم؟
-سينصرني الله عليك0
-أسمع00إني اهبك حياتك مقابل ما طلبت00؟
-لقد أخذ أهل المال مالهم،وليس لك عندي غير هذا السيف!
والتحم الخصمان في قتال طال التحفز له،فجاء عنيفاً شرساً!كان حنظلة شديد المهارة00ثقيلاً00 قوياً00يفوق غياث في المبارزة00وكان غياث أخف حركة00وطالت معركتهما00وبدألغياث أن خصمه لن يتعب أبداً،ولو قاتل لعام كامل!!وكانت قعقعة السيوف تمزق لسكون في جنبات القصر00فحضر الخدم00وتصايح النساء00وفزعت عطر لمرأى القتال00وجاء سريع لكنه لم يجرؤ على التدخل00وانطلقت عطر راكضة عبر عرائش العنب،وأحواض النخيل حتى وصلت إلى بيت آل المقدسي00 وطرقت الباب بعنف وخرج لها معبد مدهوشاً فصاحت به لاهثة:
-أدركنا يامولاي00رجل غريب يقتتل مع غياث بن عبد المغيث!
فتمتم معبد:
-إنه حنظلة ولا شك00
وصاح بأخيه:
-ياموسى00إنه قاتل أبيك!
وركض الشابان بسيفيهما تجاه القصر00تتبعهما عطر00ورآهما بعض العبيد فلحقوهما ومعهم عصي وصخور!
وتفصد العرق غزيراً من جسد غياث وبدأ التعب يسري في أوصاله،وقبل أن يصل معبد ومن معه إلى الحجرة تمكن حنظلة من الإطاحة به،ولم يتردد في أن يطعنه في خاصرته بحقد!
ووصل معبد واخوه ومن خلفهم من الرجال00 واكتشف الشابان أنهما تأخرا في الوصول00 وقعت عين حنظلة على عيون أبناء ضحيته،ورأى نظرات الثأر في أعينهما فتكلم متصاعد الأنفاس:
-لقد نال هذا مايستحقه00أما أنتما فأبتعدا خيراً لكما00
وزمجر معبد:
-الويل لي إن لم أقتلك!
وهتف شقيقه محمر الوجه:
-ياغدار 00أحدنا سيخرج حياً!
وتقدم الخدم بعصيهم وصخورهم وأرتعب حنظلة فتراجع وهو يهدد:
-إرجعا 00وإلا ستلحقا بأبيكما!
وهجم عليه موسى يتبعه معبد وجرح حنظلة موسى في لحظات جرحاً صغيراً، وبارز معبد قليلآ ثم آثر الفرار فلطمه لطمةً دفعته بعيداً ثم إنطلق هارباً00مخترقاً جداراً من العبيد الذين خافوا سيفه فاكتفوا بقذف رجليه ورأسه بالحجارة فولى وهو يعرج وينزف دماً0
ونهض معبد متأخراً ولحق به وتبعه الأخرون00تاركين غياث وقد انكفأت عطر تسقيه الماء وهي تذرف دموعاً بصمت0
وفي هذه الأثناء كان الخادم الموكَّل بإحراق مخلفات البستان قد ملأ محجر الإحراق بالمخلفات والجريد اليابس،وذهب إلى غرف العبيد ومكث هناك قليلاً ثم رجع حاملاً معه جذوة مشتعلة00ومشى حثيثاً حتى لا تنطفيء بيده00ولم يكن يعلم بما يجري في البستان والقصر00وقذف بالشعلة الملتهبة إلى محجر الإحراق 00ووقف يستمتع باللهب الذي إستطال سريعاً00مطقطقاً إلى عنان السماء00لكنه تراجع فزعاً عندما دوَّت صرخات بشعة00متتالية من جوف النار العظيمة!!وتحركت أجزاء من الجريد المشتعل،ووصل معبد ورفاقه إلى صوت الصراخ00لكن الصرخات استحالت إلى فحيح متحشرج، ثم خفت شيئاً فشيئاً،ولم يعد يسمع سوى صوت اللهب وهو يلتهم الجريد والأغصان الصغيرة ومن بداخلها!!
وجثا الخادم المفزوع على ركبتيه رعباً وهو يقول:
-لقد رأيت جسماً ملتهباً يتخبط وسط الأكوام المشتعلة وسمعت زعيقاً منكراً!!
وأحنى معبد رأسه وقال موسى:
-لقد كان حنظلة يختبئ في محجر الإحراق!!لقد نال جزاءه!!
وخمدت النار سريعاً وبكى الخادم وأحاط بهم زملاؤه فقال وهو يرتعش فزعاً مما سمع وشاهد:
-لم أكن أعلم أن أحداً كان يختبئ داخل المحجر!!؟
وتقدموا من جدار محجر الإحراق00 لكن لم يكن هناك سوى جمر مشتعل وبقايا جسد متفحم!






جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 20-01-11, 01:14 AM   #16

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الرابع عشر ( الأخير )


أمر معبد بإخراج جثة حنظلة وتغطيتها لحين دفنها00ورجع هو وأخوه إلى حيث تركوا غياث ووجدوه قد أخرج من القصر إلى الدكة التي قبالته وقد فرش له وأسند00كان يضع يده على خاصرته00 وكانت ثيابه الرخيصة وأكمامه مصبوغ بحمرة زاهية0
جلس معبد عند رأسه00 ووقف الآخرون قريباً منه00وقالت عطر في صوت مبحوح:
-لقد بقر الرجل بطنه00لكنه مازل حياً0
وأحضر بعض الخدم لفافة وإناء،فأخذها معبد ورفع يده برفق وجعل يمسح خاصرته بالماء وينظف موضع الجرح00كان الشق واسعاً غائراً00مخيباً للآمال!
فقام بتضميده وربطه ثم سأل عطر:
-هل طلب شيئاً؟
فقالت:
-لا0
وانحنى معبد عليه بشفقة وقبلَّه وهو يظن أنه نائم00لكن غياث حرك شفتيه الجافتين وقال بخفوت:
-إنك كريم00إذ تقبل لصاً سرق مالك واستمتع به!
وهمس معبد له:
-لاتتحرك00ولا تتكلم فتزداد ألامك!
-إن الألم لا يهمني00فلم أعد أحفل بالحياة0
-لاتقل مثل هذا00!
-أظنني سأرحل00وحسبي أن اموت وقد تبت وطهرت يدي من الحرام0
ستعيش بإذن الله0
-لا تأمل كثيراً00فأنا أحسب أني سأجد راحتي بعد قليل00فأجعلني في حل00
-أنت في حل0
-حسناً00أريدك أن تذهب إلى قريتي اللمرة وتبحث عن والدي وتطلب لي الصفح منهما وتخبرهما قصتي0
-سأفعل 00واذا أيضاً؟
-لا شيء0
وصمت معبد ولم يتكلم أحدٌ لفترة وقطع الصمت غياث وهو يستقيم من رقدته ويقول في عزم:
-هات ثيابي وأحضر لي فرساً00سأستعيرها منك ثم أردها لك إذا وصلت0
فسأل معبد مستغرباً:
-وأين ستذهب؟!!
-سأذهب إلى الثغور00
-وأنت في هذه الحالة؟!!
-نعم00 ستربطني إلى الخيل بحبل ولن اسرع00 وساصل بإذن الله0
-هل جننت؟!لن أفعل ذلك أبداً!!
-بل ستفعل00وإلا ذهبت إلا قدمي!
وتحرك مؤكداً عزمه على الرحيل مما أضطره معبداً إلى تهدئته وارسل في طلب فرسه السابقة00ولما رآها غياث تناول صرة ثيابه وقال:
-هيا أحملوني عليها0
فقال معبد محاولاً ثنيه:
-إنتظر حتى تشفى ثم00 إذهب00
فقال غياث بيأس:
-يكفيني أنني شفيت من الحياة!
وصمت قليلاً ثم قال وقد تدحرجت على خده دمعة كبيرة0
-أحب ان يراني الله وأنا أسعى مقبلاً عليه لعلًّه أن يرحمني ويمحو عني مافعلت0
-إذاً سأرحل معك حتى تصل؟
-لا00لتبقى للعناية بأرضك وأسرتك00اما أنا فقد عشت غريباً،وأريد أن ارحل غريباً00وأموت غريباً00لعل الله أن يرحم غربتي!
وأراد الوقوف فعجز فتقدم منه سريع ومعبد وحملوه إلى الفرس نزولاً عند إرادته فأنكفأ على ظهرها00وربطوه بحبل إليها00وأمر معبد أحد عبيده ان يقود الفرس إلى ظاهر البستان00وتهادت الفرس ببطء إشفاقاً على صاحبها السابق 00لكن لم تمضِ غير مسافة قليلة حتى أرتخت يداه ومالت عنقه ثم سقط إلى الأرض0
أرادت عطر أن تقول شيئاً فخنقتها العبرة00وتهالك سريع على الأرض حزناً على سيده00وسارع معبد وشقيقه والآخرون إليه00
كان وجهه مضاءً كالمصباح وعلى ثغره إبتسامة!


تمت



جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-06-11, 09:57 PM   #17

متمردة

نجم روايتي وقاصة بقصص من وحي الأعضاء وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة ومحرر لغوي بقسم وحي الخيال - مقيم التسالي - منسق المجلد الأول لوحي الخيال - م

alkap ~
 
الصورة الرمزية متمردة

? العضوٌ??? » 141218
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 9,167
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » متمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

شكرا كثيرا علي الرواية

متمردة غير متواجد حالياً  
التوقيع

قريبا جدااااااااااااا
ومازلنا بالبداية







الضغط علي
الصورة تنقل إلي الموضوع



رد مع اقتباس
قديم 12-07-11, 01:45 AM   #18

احب المستحيل

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية احب المستحيل

? العضوٌ??? » 164605
?  التسِجيلٌ » Mar 2011
? مشَارَ?اتْي » 498
?  نُقآطِيْ » احب المستحيل has a reputation beyond reputeاحب المستحيل has a reputation beyond reputeاحب المستحيل has a reputation beyond reputeاحب المستحيل has a reputation beyond reputeاحب المستحيل has a reputation beyond reputeاحب المستحيل has a reputation beyond reputeاحب المستحيل has a reputation beyond reputeاحب المستحيل has a reputation beyond reputeاحب المستحيل has a reputation beyond reputeاحب المستحيل has a reputation beyond reputeاحب المستحيل has a reputation beyond repute
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

احب المستحيل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:54 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.