الجزء الاول
الفصل الاول:زيارة غير مرغوبة
"استطاعت مدرستنا في ظرف قصير جدا ان تحقق سمعة طيبة وشهرة في جميع انحاء اوروبا,وافخر ان اقول اننا خلال ال5 اعوام الاخيرة كان عدد الطالبات من خارج فرنسا يضاهي عدد الطالبات الفرنسيات,وهذا اكبر دليل على الثقة الكبرى التي يوليها اولياء التلاميذ من مختلف انحاء اوروبا,واسعد ان اخبركم انه خلال هذا العام سنستقبل طالبات حتى من بلاد فارس ومصر"
وفور ان اتمت المدير لابلاص كلمتها حتى تعالت التصفيقات من كل انحاء القاعة,التي كانت رائحة الطلاء الجديد لا تزال تنبثق منها,كانت قاعة المحاضرات الجديدة واحدة من الوجهات التي تضمنتها الجولة التي قادت مجموعة من صحفيي الجرائد والمجلات التي تعنى بالشؤون الدراسية الى مدرسة نونتردام,بعد ان اصبحت هذه المدرسة كما قالت المديرة في خطابها واحدة من اشهر المدارس في اوروبا,كانت للدعاية جزء كبير في التعريف بالمدرسة خاصة في القارة الأوروبية اين يستعمل اولياء التلاميذ او مربياتهم الدلائل التي يصنعها هؤلاء الصحفيون او المقالات التي ينشرونها في مجلاتهم لاختيار احسن مدرسة لأبنائهم
تم زيادة عدد المقاعد في المدرسة هذا العام الى اكثر من 250 مقعد,ويوزع التلاميذ على فصلين دراسيين,الاول يشمل الخريف والشتاء,والثاني يشمل الربيع والصيف ويكفي التلميذة فصل واحد فقط حتى تستطيع الانتقال الى السنة الموالية
تضمن المديرة تلاميذ من مختلف انحاء فرنسا وارويا,انجليزيات واسكندينافيات واسبانيات وايطاليات,وروسيات...روسيات,� �بما لو سمعت المديرة لابلاص لفظ "روسية " منذ اعوام من هذا الوقت لكانت هذه الكلمة تمثل مجرد صفة لشخص ينتمي الى روسيا,لكنها الان تذكرها بواحدة من الامور القليلة التي تثير اضطرابها وفقدانها لرابطة جأشها
لابلاص امرأة في حوالي الخمسين من عمرها,قامتها متوسطة,ملابسها عادية كلاسيكية لا تلف الانظار وألوان ملابسها تثير الاكتئاب,ويعرف عنها انها تقدس الوقت اكثر من أي شيء اخر في حياتها...
تقدمت لابلاص جمع الصحفيين وأشارت الى باب خشبي لمبني يتكون من طابقين:"وهذا هو المهجع الجديد للطالبات..هذا المهجع يتكون من..."
شردت المديرة قليلا لما رأت الانسة دوبوا تشير اليها بيدها,فعرفت ان وقت الجولة قد انتهى وحان الوقت المخصص لاستقبال الاولياء والمربين والتلاميذ السابقين,لكنها رغم ذلك اصرت على اكمال كلامها "هذا المهجع يتكون من طابقين وكل طابق يتكون من ست غرف,والآن السيدة فير سأتخذكم بجولة الى الغرف وتعرفكم على ميزاتها"
انسحبت السيدة لابلاص بعد ان اشارت الى سيدة بدينة متقدمة في السن,تظهر خصلات من شعرها الابيض تحت غطاء الراس الذي وضعته,كان وجهها دائم الاحمرار ويدل على تهكم دائم لصاحبته, رسمت المديرة على وجهها ابتسامة على وجهها وخرجت من جمع الصحفيين
لطالما مثلت دوبوا اليد اليمنى للابلاص,كانت دائما تكرر "لا اعرف ماذا كنت سأفعل بدونها",دوبورا نائبة المديرة,امرأة في الثلاثين من عمرها,تتميز بالأناقة الشديدة في ملابسها رغم انه ليس مبالغ في بهرجتها كثيرا وتجعلها تبدو اكبر سنا ,نحيلة وطويلة القامة,مشت رفقة المديرة الى مكتب الاستقبال وقالت, "يوجد سبعة اشخاص على القائمة" وواصلت وهي تنظر الى قائمة حملتها بيدها,وبعد ان انصتت بعناية الى القائمة دون ان تتوقف عن المشي قالت"سأقابل الثلاثة الاوائل,اظن ان بإمكانك تولي امر البقية"
ودخلت الى مكتبها,اغتنمت فرصة الجلوس للحظات قبل دخول الضيف الاول,وفعلا بعد لحظات قليلة فتحت دوبوا الباب وقالت"تفضل سيدي"
نهضت السيدة لابلاص ورحبت بزائرها,كان رجلا طويل القامة ذو بنية عسكرية,يرتدي ثياب فخمة,ووجهه ليس فيه اية ملامح خصوصية:"اهلا وسهلا سيد.."واسترقت النظر الى قائمة موضوعة امامها"بوتوركي" ثم اشارت بيدها الى كرسي في الجهة المقابلة للمكتب"تفضل كيف يمكنني ان أخدمك
قال السيد بوتوركي وهو يجلس"شكرا"
وفور ان تحدث اضطربت ملامح وجه المديرة لكنها حاولت اخفائها,ذكرتها تلك اللكنة الروسية بالحادث الاسوء في حياتها,كانت تقول في نفسها وقد تسارعت نبضات قلبها "اهدئي,يجب ان تهدئي,الى متى سيظل كل شيء له علاقة بروسيا يثير اضطرابك وقلقك..."
عادت ملامح وجه المديرة الى سابق عدها بعد فترة من الصمت,وكانت عيني الضيف لم فتراق وجهها ابدا
واصل السيد بوتوركي كلامه بفرنسيته ذات اللكنة الروسية "اريد ان ادخل في الموضوع مباشرة,لست جيدا ابدا في المقدمات,اخشى ان سبب زيارتي سيعيد الى ذاكرتك احداث غير سارة..."
تجمدت لابلاص في مكانها وكانت الافكار تدور في رأسها"يا الهي,احداث غير سارة,لكنة روسية,...لا يعجبني مسار هذا الحديث اطلاقا"
لكنها واصلت الابتسام قائلة "احداث غير سارة؟ لا اظن ان الاحداث غير السارة ذات ارتباط وثيق بمدرسة نوتردام سيد توركي" قالت الجملة الاخيرة بشيء من السخرية
لكن السيد بوتوركي واصل حديثه بصرامة" اخشى انني لم اعبر عن نفسي بشكل جيد,قد تكون احداث غير سارة من وجهة نظر البعض,او ان البعض الاخر لم يسمع بها اطلاقا"
زاد توتر لابلاص فقالت بشيء من الحزم"سيد بوتوركي لا اقصد ان اكون فظة لكنك قلت انك لست جيدا في المقدمات وستدخل مباشرة في الموضوع,لكن لحد الان لم افهم سبب زيارتك او تلميحاتك بخصوص الاحداث غير السارة في مدرستنا"
اخرج السيد بوتوركي صورة من جيب معطفه وقال:"سبب زيارتي هو هذا"
وفجأة زال القناع الذي حاولت المديرة ارتدائه والتظاهر به طول وقت المقابلة,وقطبت جبينيها وامتلأ وجهها بالدم ومن شدة اظطرباها بدأت يداها بالارتجاف وهي تحاول ان تلمس الصورة
لكنها ظلت تمني نفسها" اه لابلاص اهدئي فورا ما بك؟لعله مجرد صحفي عابث ...لا يجب ان تتصرفي بهذه الطريقة البلهاء"
كانت لابلاص تعرف كيف تتعامل جيدا مع المواقف الصعبة,فهي ذات اعصاب قوية وشخصية حادة,لكن عندما يتعلق الامر بذلك الحادث,فإنها تصبح ابعد ما يكون عن لابلاص التي عهدها الناس
قطع السيد بوتوركي حبل افكار لابلاص بقوله" الم تتعرفي على الصورة سيدتي"
ردت لابلاص بعدما ابتلعت ريقها"بالطبع تعرفت عليها,لكني اخشى انني سأتجاوز اصول الضيافة بإنهاء المقابلة فورا اذا علمت انك احد الصحفيين او كتاب الروايات الغامضة..."
قاطعها السيد بوتوركي بإشارة من يده وقال"انا خال اليزافيتا,بوتوركي ديمتري"
رمقته السيدة لابلاص بنظرة تدل على الحيرة والدهشة في ان واحد "خال...خال الانسة اليزافيتا سلايوفنا..." وبعد ان اخذت نفسها عميقا قالت" ولكن لحد النا لم افهم سبب زيارتك لحد الان...ملف الانسة سلايوفنا اغلق منذ وقت طويل...وكل شيء تم توضيحه لعائلتها في روسيا واخشى انه لسب بجعبتي أي معلومات اضافية بخصوص الحادث غير التي صرحت بها سابقا"
ابتسم السيد بوتوركي ابتسامة تدل على السخرية وقال" اخشى اننا سأسمح لنفسي وأتمادى للبحث عن المعلومات التي تخص الحادث بنفسي..."
قاطعته البلاص:"سيد بوتوركي اخشي انني لن اكون مفيدة لأنني سأتذكر الخطوط العريضة للحادث وليست تفاصيله اذا كان هذا ما تريد معرفته,وكما تعلم انني انسانة جد مشغولة لذا لن يسعدني على الاطلاق اعادة الشهادة التي تقدمت بها الى الشرطة انا او أي واحدة من العاملات هنا,كما تعلم نحن بصدد التحضير لانطلاق السنة الجديدة" وقفت الانسة لابلاص معلنة هن نهاية المقابلة"والآن ائسف لإنهاء المقابلة لان هناك ضيوفا اخرين يجب ان استقبلهم"
نهض السيد بوتوركي وقال بشيء من السخرية "لا داعي للأسف سيدة لابلاص...فقد افدتني اكثر بكثير مما كنت اتوقعه..اتمنى لك نهارا طيبا"
انهارت السيدة لابلاص على الكرسي ودخلت الانسة دوبوا "لابلاص..هل انت بخير؟"
ردت لابلاص بصوت منهك القوى" تولي امر بقية الضيوف فانا لا استطيع استقبالهم..وقبل ذلك احضري لي سجل ارقام الهواتف القديم"