آخر 10 مشاركات
لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          339 - على ضفاف الرحيل - آن ويل (الكاتـب : سيرينا - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          *&* هنا يتم الابلاغ عن الكتابات المخالفة للقوانين + أي استفسار أو ملاحظه *&** (الكاتـب : سعود2001 - )           »          قبلة آخر الليل(15) للكاتبة: Gena Showalter *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-11-14, 07:51 PM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصل العشرون

اختار جمال الجلوس في اعلى مكان داخل القاعة الفسيحة .. فالتقطت عيناه كل شاردة وواردة تدور في الكنبات المتدرجة تحته .. تشبعت خياشيمه بعبق الرطوبة المخلوط بروائح المحاليل والتي اضفت على المكان جواً مميزاً ادمنه طلاب كلية الطب .. حاول ان يشغل نفسه بقراءة الكتاب الضخم القابع على حجره منذ فترة طويلة دون ان يتزحزح عن الصفحة الاولى .. كان يرفع راسه بانتباه كلما احس بظل قادم يحجز ضؤ الشمس الذي لا يستطيع التوغل الى مساحة اكثر من المدخل العريض حيث اعتاد جميع الداخلين التوقف بعده لبرهة حتى تعتاد اعينهم على عتمة المكان برغم اضواء النيون الموزعة في السقف بسخاء ..
كانت الكنبات تحته شبه فارغة الا من قلة قليلة .. نظر الى ساعته بقلق .. لقد تاخرت منال عن موعدهما وهذا تصرف غير معتاد منها ... شرد عقله في الترتيبات التي عكف عليها منذ اشهر وتبسم بسعادة لنجاحه في تجهيز كل الاوراق اللازمة لضمان حصولهما على تاشيرة الدخول الى استراليا التي قرر الذهاب اليها حتى يكونا بمنأى عن ردود الفعل المتوقعة لهروبهما سوياً .. لم يكن يهتم بما قد يحدث له .. لكنه لن يتحمل ان يحدث أي شئ لمنال ... حبيبته التي يجعله احساسه بها على استعداد للقيام باكثر الامور جنوناً في العالم حتى هجران دينه وعشيرته ... حتى اقتلاع جذوره وهدم كل جسور التواصل مع اهله ... كان اكثر ما يؤلمه هو اضطراره لترك امه .. هذه المرأة التي ظلمتها الحياة فلم تستسلم .. وتحدت ظلمها ببذل مزيد من الحب لكل من حولها .. تذكرها بحزن وحنان .. خوفه عليها من مغبة تصرفه هو الشئ الوحيد الذي يفتت عزمه احيانا ويجبره على اعادة التفكير .. لا يريد ان يتسبب بايلامها .. خصوصاً الآن وهي ما زالت تعاني من هجران جانيت للمنزل واعتصامها ببيت عمها .. لقد حاولت المستحيل لاعادة ابنتها .. وعندما فشلت .. اعتصرها الالم وتحولت الى شبح حزين صامت .. حتى خطبة جاكلين لناصر لم تنتزع منها الا ابتسامة باهتة اثناء وقوفها في باحة الكنيسة لاستقبال ضيوفها ... كانت عيناها مشغولتان بالبحث عن طيف ابنتها المتمردة .. لقد املت في حضورها حتى تستطيع الانفراد بها بعيدا عن سطوة اعمامها ومحاولة اقناعها بالعودة .. لكنها خيبت امال الجميع وزرعت الحزن في قلوبهم بمقاطعتها الحفل
افاق جمال من شروده على هزة ناعمة من كف رقيق استقر على كتفه .. رفع راسه ليطالع وجه منال الفاتن بابتسامتها المغرية .. تهللت اساريره وغاب عن باله كل شئ الا وجودها بقربه .. تلاشت كل الافكار القاتمة وتوارى قلقه وانزوى حزنه خلف اشراقة حضورها وشوقه الجارف اليها ..
- اللي واخد عقلك يا دكتور !! سرحان وين قدر دة ؟؟!! ... لي ساعة بأشّر ليك وانت غايب في عالم تاني ..
طفا به صوتها الهامس في غيمة مخملية واستنفر حواسه الجائعة اليها ... امسك يدها النائمة على كتفه وسحبها حتى اجلسها بقربه فاندلعت تيارات من الكهرباء تعبث باعصابه من جراء التصاق جسديهما ...
- وحياتك انتي مافي واحدة غيرك واخدة عقلي وروحي وقلبي وتفكيري وكياني ... وحشتيني يا منال .. ليه غبتي عني قدر دة ؟؟ انتي مش عارفة اني ما بتحمل بعدك فترة طويلة ؟؟!! ..
جاوبته بابتسامتها المغرية ثم انحنت كأنها تهمّ بالتقاط شئ سقط منها ارضاً .. وبهدوء استقرت شفتيها على ظهر كفه في قبلة دافئة متانية حبست انفاسه وانتقل تاثيرها من يده لينتشر في جسده كالحمى ... اغمض عينيه وهمس باسمها مرارا وتكرارا ...
عندما رفعت راسها احست بالغرور وهي ترى تاثير ما فعلته واضحا في نظراته الذائبة ويديه المرتعشتين ..
- اعمل شنو يا جمال ؟؟ انت ما شايف الظروف الاحنا بنمر بيها ؟؟ اول شئ وفاة حبوبة السرة وحبوبة العينة في يوم واحد .. لسة ما خلصنا حصل الحادث بتاع خالو ابراهيم .. واهو يادبوك طلع من المستشفى على السجن طوالي .. وجدو عاوز يجن من الموضوع ده .. ما خلى محامي في البلد ما وكلو ليهو ... لكن الظاهر الموضوع المرة دي اكبر من نفوذ ود العمدة زاتو .. وكمان رحمة حامل وتعبانة شديد ... امي رفضت تخليها تجي تقعد معانا.. قالت ليها البيت عندنا جايط وما حترتاح وجبرتني انا امشي عندها كل يومين اقعد معاها واساعدها .. هسة الليلة انا طلعت بالعافية .. ولو امي عرفت اني خليت رحمة براها حتكسر رقبتي .. اها يلا وريني بسرعة عملت شنو لاني ما بقدر اقعد كتير ..
- طيب يا ستي اسمعي .. حصل كالآتي ...
كانت منال تستمع اليه وبداخلها دوامة من المشاعر المتناقضة .. خوف وفرح .. لهفة وحزن .. قلق وترقب .. لقد فكرت كثيراً في نتيجة فرارهما على اسرتيهما .. اصبح الارق رفيقها في الليالي الاخيرة وهي تتخيل مئات السيناريوهات لما يمكن ان يحدث بعد اختفائهما .. كل التصورات كانت ماساوية ومخيفة .. لكنها في قرارة نفسها ايقنت بانها مستعدة لتحمل تبعات قرارها .. ما لا تستطيع تحمله هو فكرة الحياة بعيداً عن جمال .. بعيداً عن حبه واهتمامه .. بعيداً عن وجوده .. كانت تشعر بحجم التضحية التي يتوجب عليه تقديمها حتى يكون معها .. وتقدرها حق قدرها .. فهو سيتخلى عن دينه وانتماؤه .. وسوف يقطع كل جذوره بعالمه القديم من اجلها ...
- منال .. عاوز اسالك للمرة الاخيرة .. لانو بعد دة ما حيكون في أي طريقة رجعة لورا انتي مقتنعة تماما بالشئ الاحنا بنعمل فيهو دة ؟؟ واثقة من قرارك ؟؟ ما حقدر اتحمل لو في يوم من الايام حسيت انك ندمانة ولا متحسرة على أي خطوة مشيناها مع بعض ..
قبضت منال كفه بقوة وتسللت اصابعها بين اصابعه وتقاطعت معها في اندماج حميم .. مالت على اذنه وحشرت صوتها الهامس بداخلها ...
- جمال .. احساسي بيك بقى اكبر من أي نقاش ... بقى قناعة ثابتة ... شئ ما بقدر اتنازل عنو حتى لو عاوزة .. حسرتي الوحيدة بعدين حتكون على العمر الفات بدون ما اكون فيهو بانتمي ليك فعلا .. امشي في التجهيزات زي ما احنا متفقين .. بس اديني شهر واحد عشان ارتب باقي حاجاتي كلها ومنها اطمن على رحمة وخالو ابراهيم .. بعد كدة .. انا كلي ليك يا جمال ..
تلفت جمال حوله بحثاً عن أي اعين فضولية تراقبهما .. لكن كل من جلسوا تحته كانوا اما غائبين في اعماق كتبهم .. او غارقين في بعضهم البعض كما هو حاله مع منال .. مال عليها وطبع قبلة شغوفة في خدها الناعم ... تمنى لو استطاع الانحراف قليلاً حتى يستعيد ذلك الاحساس الذي عاشه في تلك اللحظة الفريدة يوم زواج رحمة .. لكن توتر منال انباه بضرورة الاكتفاء بما هو متاح حالياً ..
تحركت من جانبه بعناء تركته وفي عينيها وعود كثيرة .. وقبل تبدا في هبوط الدرجات التفتت اليه وتحركت شفتاها بجملة صامتة لم تسمعها اذنه ... لكنها ضجت في اعماقه كما لو انها صرخت بها غادرت وتركته شاردا فيها بعد ان تركت رائحة عطرها ترافقه في جلسته .. شعر بالحماس لاكمال ما بداه ... وباللهفة الى حد الرغبة في اختزال الايام وصولا الى اللحظة التي يتمناها وينتظرها بشوق .. فجاة عاد به تفكيره الى امه .. فاختفت كل الاشياء الا وجهها الباكي .. احس بالضيق والعجز ... وتاه في افكار من نوع آخر تقاطع فيها احساسه بالذنب مع احساسه بالمسئولية ورغبته في تقديم شئ لها يعوضها عن غيابه .. هدية اخيرة تشفع له بعد غيابه الابدي عنها .. ثم قرر ان تكون هديته اعادة جانيت الى حضنها مهما كلفه الامر ... ربما يجعلها هذا تغفر له ما سياتي .. حفزه تفكيره على الحركة فخرج من مبنى الكلية مسرعاً وكان طيلة الطريق الى منزل عمه يفكر في المدخل المناسب الى شقيقته ... لم يكن قد استقر على شئ حتى لحظة وصوله امام باب المنزل الذي لم يزره منذ مراهقته الا مرات تعد على اصابع اليد الواحدة ... ترجل بتردد بعد ان بدا يساوره الشك في سلامة قراراه بالحضور .. كان على وشك التراجع عندما فتح الباب وظهر خلفه احد ابناء عمه رمقه بنظرة ناكرة مستغربة .. تمعن فيه بدقة .. ثم ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيه ومد يده بترحاب ..
- ابن عمي الدكتور جا يزورنا ؟؟!! .. دي خطوة عزيزة .. اتفضل يا راجل .. معليش بالاول ما عرفتك .. شكلك اتغير شديد .. احنا لينا كم سنة ما شفنا بعض ؟؟ ...
تناول جمال اليد الممدودة وبادله التحية بحرارة مصطنعة بينما حملت نبرات صوته الكثير من اللوم..
- اتلاقينا قبل سبع سنين لمن جيت مع عمو تباركوا لي دخول كلية الطب ..
- بلاهي مرت سبعة سنين ؟؟!! يا يسوع !! شوف الزمن كيف بيجري .. طيب كويس انو جانيت جات عندنا عشان نشوفك .. ادخل ..دي ماما ما حتصدق انك جيتنا
كان يسير وراء ابن عمه في الممر الضيق بخطوات نادمة .. وتفاقم ندمه عندما عندما انتهى الممر فجاة ووجد نفسه في حوش فسيح اصطفت فيه الاسرة والكراسي التي جلس عليها عدد لا يقل عن عشرة اشخاص ما بين نساء ورجال واطفال كانت عيونهم تراقب دخوله بصمت وريبة ...
- طبعا ما عرفتو دة منو مش كدة ؟؟!! ما بتنلاموا لانو ليهو عشرة سنين تقريباً ما دخل بيتنا .. يا جماعة دة دكتور جمال ولد عمي ... يا جمال ديل اولاد عمك وبناتو ورجالهم ونسوانهم وعيالهم ....
استغرقت جولة التحية زمناً طويلاً وهو ينتقل من شخص الى آخر مجيباً على طوفان الاسئلة المتواصل عن اهله ودراسته .. ثم تبعها الحاح زوجة عمه بشرب الشاي باللبن ..
- وحياة المسيح دة شاي ما حتكون شربت زيو من سنين .. بلبن البقر الصافي المقنن .. ومرة عمك عاملة بسكويت مفرمة وخميرة لبن يغني عليهم المغني ... اقعد اشرب اكيد امك ما بتعمل ليكم الحاجات دي .. اصلها من زمان مدلعة روحها وما بتحب التعب ...
اغاظه الانتقاد الصريح لوالدته المكافحة .. اراد ان يصرخ فيهم ان يكفوا لسانهم عنها .. لكنه سجن انفعالاته حتى لا يضيع فرصة رؤية شقيقته .. كان اختلاط اصواتهم وارتفاعها يصيبه بطنين في اذنيه وبرغبة قوية في مغادرة المكان زادها تفاقماً ظهور عمه المفاجئ بلهجته المستفزة ..
- جمال ؟؟!! ايه المفاجاة دي ؟؟!! .. ازيك يا ولد ؟؟ عامل ايه ؟؟ وينك ما بتجي تشوف اهل ابوك ؟؟ ولا دي امك الحامياك تجينا ؟؟!!
تجاهل جمال الجملة الاخيرة واجاب عمه بتهذيب بارد ..
- اهلاً يا عمو .. كيف صحتك واخبارك ؟؟ ...
- صحتي بمب زي ما شايف يا دكتور .. لكن اخباري زفت .. بلاهي دي عملة تعملها امك ؟؟ تدي بت اخوي لولد الحبشية ؟؟!! ليه ؟؟ اولاد الاقباط خلصوا من البلد ؟؟!! وانت وخالك كيف تسمحوا بحاجة زي دي ؟؟ كيف توسخوا عيلتنا الطول عمرها نضيفة بالطريقة دي ؟؟ والمسيح .. انا لولا الناس مسكتني كنت جاي الكنيسة افضي مسدسي في اختك وامك ...
تملك الغضب جمال من اللهجة المهينة المتحاملة التي يتحدث بها عمه .. فخرج صوته جافاً متوتراً..
- لو سمحت يا عمو ما تتكلم عن ماما بالطريقة دي .. انا عاوز اعرف انتوا ليه بتكرهوها للدرجة دي ؟؟ عملت ليكم شنو ؟؟ ماما الانت بتشتم فيها دي ربت اولاد اخوكم لمن انتو اتخليتوا عنهم ... هجرت كل شئ ونست روحها ورفضت تتزوج تاني برغم انها كانت في عز شبابها وجمالها .. اشتغلت خياطة وباعت البسطرمة والسجق وهي الطول عمرها مدللة في بيت ابوها عشان تربينا وما نحتاج لحد ... عمرها ما اذتكم ولا اتطاولت عليكم .. حتى لمن رفضتوا تدوها ميراث بابا ما سالتكم ولا عملت معاكم مشكلة ..
- تعمل معانا مشكلة ؟؟ وهي تقدر ؟؟ وبعدين نديها ميراث اخونا عشان تستمتع بيهو هي واهلها ؟؟ دة بعدها وبعدهم .. الميراث محفوظ .. ولمن انت واخواتك توصلوا سن معينة كل واحد فيكم حياخد نصيبوا ... امك ما مننا .. ومن اول مرة ابوك قال عاوزها احنا رفضنا وقلنا ليهو مستحيل تتزوج واحدة من برة كنيستنا .. لكن هي اكلت مخو وخلتو يمشي وراها زي العميان .. خلتو يعصى ابوهو واخوانو الاكبر منو .. دة حتى في النهاية خلى كنيستنا وبقى يمشي معاها .. ودي بقى العمري ما حاغفرو ليها ..
- عموماً يا عمو انا ما جاي اناقش مشكلتكم مع ماما .. انا جاي اشوف جانيت واتكلم معاها .. نادوها لي لو سمحتوا ..
- جانيت ما موجودة .. طلعت شغل مع الكنيسة .. وما حترجع قريب .. لمن تجي حنكلمها انك جيت تزورها ..
احس جمال بالغيظ والاحباط لفشل محاولته رؤية شقيقته فهب مسرعا وهو يلقى التحية على الحاضرين بفتور وخرج .. جلس خلف مقود سيارته وهو يبحث عن كلمات لائقة ينهي بها هذا اللقاء العاصف مع عمه الذي اتكا على الباب وهو ينظر اليه بسخرية .. لم يجد شيئا يقله فادرا المفتاح وهمّ بالحركة عندما اتت سيارة مسرعة وتوقفت امامه برعونة مثيرة عاصفة من الغبار .. اخرج راسه ليحتج على السائق الذي نزل مهرولاً بثياب تلطخها الدماء وقد بدت عليه سيماء الانزعاج الشديد ..
- الحق يا بابا .. الحملة حصلت فيها مشكلة .. ناس المنطقة المشينا ليها ضربونا ضرب شديد ... وجانيت في المستشفى ...
قفز جمال مذعورا من سيارته عندما سمع اسم اخته .. وامسك ذراع الفتى واداره عليه بعنف ..
- جانيت ؟؟ جانيت اختي ؟؟ الحصل ليها شنو ؟؟ الضربها منو ؟؟ وليه ؟؟ وفي ياتو مستشفى ؟؟
نظر الفتى الى جمال بحيرة وخوف .. ثم التفت الى ابيه الغاضب الذي خرج صوته هادراً ..
- اتكلم يا ولد .. حصل ايه ؟؟!!
- ضربوهم يا بابا .. ضربوهم وكسروا عضامهم .. و في ناس ماتت ..
- مين اللي ضربهم ؟؟!! ..
- لمن وصلنا المنطقة اتوزعنا مجموعات .. كل مجموعة مشت مكان وبدينا نخش البيوت مجموعة جانيت دخلت بيت وطلعوا سيادو مسلمين متعصبين .. قفلوا عليهم الباب ووقعوا فيهم ضرب وبعدين رموهم لينا في الشارع زي الكلاب .. كانوا بيموتوا قدام عيوننا واحنا ما قدرنا نعمل أي حاجة ..
انهار الفتى باكياً بين ذراعي ابيه .. وبالكاد استطاع جمال ان ينتزع منه اسم المستشفى الذي ادخلت اليه جانيت ليسابق الريح بسيارته وقد انقبض قلبه واحس كان الدنيا باسرها تطبق على انفاسه .. وظل هذا الاحساس يراوده اثناء وقوفه امام القبر المفتوح وهو يستمع الى كلمات القسيس التي خرجت منه بصوت باك ...
" أبانا الذي في السموات. ليتقدس اسمك. ليأت ملكوتك.
لتكن مشيئتك. كما في السماء كذلك على الأرض.
خبزنا الذي للغد أعطنا اليوم.
وأغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا.
ولا تدخلنا في تجربة. لكن نجنا من الشرير.
بالمسيح يسوع ربنا لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين.
طيلة ايام العزاء انشغل معظم الحضور عن مواساة اهل البيت في فقدهم بالحديث عن الحادث واسبابه .. وتطايرت العبارات الثائرة حتى في حضور وفد الحكومة الذي اتى معزياً وهو يحمل وعوده بالقبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة ... قابله الحضور برفض بارد وصامت ... لتشتعل النقاشات مرة اخرى بعد مغادرته ..
- يا جماعة الحصل دة شئ مؤسف ومؤلم وطعنة لينا كلنا ... لكن خلونا نقول الحق .. الغلط في الاساس من منو ؟؟ ليه الكنيسة ترسل اولاد صغار زي ديل في حملات تبشير ؟؟ الشغل دة عاوز ناس عندها خبرة وبتعرف تمشي وين ومتين وتتصرف كيف في الحالات الزي دي ... هسة حتى لو قدموهم لمحاكمة حيقولوا انو هم الدخلوا للناس في بيتوهم .. يعني ما طلعوا اتهجموا عليهم في الشارع وضربوهم ..
- حق ايه وباطل ايه البتتكلم عنو ؟؟ يعني الحق انهم يقتلوا عيالنا وبعدين يغشونا بكلام محاكمة وقانون ؟؟ احنا لازم ناخد حقنا بايدنا .. الحكومة ما حتجيب لينا دم عيالنا الراحو .. وبعدين الاولاد ديل الكنيسة ما رسلتهم .. هم الاتطوعوا يمشوا كجزء من نشاطهم .. وفرضاً الكنيسة رسلتهم .. وهم الدخلوا بيوت الناس .. فرضاً انو الكلام ما عجبهم .. كانوا يشاكلوهم .. يطردوهم .. لكن يضربوهم لمن يكسروا عضامهم ؟؟ يقتلوهم ؟؟ دة منتهى الوحشية .. واحنا ما لازم نسكت .. الموضوع دة لازم يوصل لاعلى جهة .. ومجلس الكنايس لازم يتحرك والا بكرة الحكومة تغطي عليهو ويقولوا لينا عشان الفتنة وعشان السلام .. ويتنسي الموضوع زي الما حصل شئ ...
كان الحوار يعمق جراح كل الحاضرين ويعيد جمال الى المشهد الذي انطبع في ذاكرته الى الابد .. مشهد جسد جانيت النحيل وقد تغطى بالدماء .. جمجمتها المهشمة وشظايا العظام المزروعة في المخ المكشوف لقد فعل المستحيل حتى تبدو الجثة باحسن صورة عندما تراها امه المنهارة .. لكن فقدانها الوعي عند رؤيتها دل على فشله في تجميل ما حدث .. وبرغم الدعم اللامتنهاي الذي تلقته اسرته من الاهل والاصدقاء والجيران .. الا ان الحزن المصحوب بدهشة ناقمة لم ينقص .. وبانقضاء اليوم الثاني للعزاء اصبح التحفز سيد الجو في الصيوان الصغير بين اهله وعشيرته وبين اصدقاؤه وجيرانه المسلمين بعد ان اصبح النقاش بين الطرفين يتجه الى منحنيات خطيرة .. لم يحسم الامر سوى خروج رجاء المنهارة وهي تستند على كتف شقيقها ومخاطبة الجمع الثائر بعد ان توغل توتر الخارج الى داخل المنزل واصبح الوضع لا يطاق ..
يا جماعة انا بتي خلاص راحت .. خلوها ترتاح في قبرها وما تعملوها سبب عشان تقوموا حرب وتسيل الدموم .. انا شخصيا مسامحة وما مطالبة اي زول باي شئ .. حانتظر القانون يجيب لي حقي وحق بتي .. ودة ما خوف ولا ضعف .. لكن انا باعمل كدة لاني انسانة مؤمنة وباعمل زي ما المسيح هدانا لمن قال :

" سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن. واما انا فاقول لكم لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الايمن فحوّل له الآخر ايضا. ومن اراد ان يخاصمك وياخذ ثوبك فاترك له الرداء ايضا. ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين. من سألك فاعطه. ومن اراد ان يقترض منك فلا ترده ...
سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم. باركوا لاعنيكم. احسنوا الى مبغضيكم. وصلّوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم. لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السموات. فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم. اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك. وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون. أليس العشارون ايضا يفعلون هكذا. فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السموات هو كامل"

يبقى الله يخليكم اقفلوا السيرة دي وشوفوا ليكم موضوع تاني اتكلموا عنو .. استدارت ودخلت ليسود بعدها صمت غاضب مضطرب ... وإنقطعت المناقشات حتى انقضاء اليوم الثالث وانفضاض الحشد كل الى حياته .. وبات على الاسرة الصغيرة ان تواسي بعضها البعض خصوصا رجاء التي هدها الحزن ونالت منها الفجيعة حتى الزمتها الفراش ...
كان جمال يحس باحتياجه الشديد لمنال ورغبته في وجودها الذي يخفف عنه المه .. لكن الاولوية اصبحت لاسرته .. لقد نسى نفسه ورغباته وامنياته .. لم يشعر حتى بمرور الشهر الذي اتفق عليه معها كميعاد نهائي لزواجهما وسفرهما .. غرق في الهموم لدرجة انسته كل شئ برغم وجود منال الدائم في منزلهم برفقة جاكلين الجزعة من موت نصفها الاخر .. كان يرافقها حتى باب بيتهم عندما تتاخر ليلاً .. يسير معها في الدرب صامتاً شارداً فتنظر اليه باشفاق وتفهم .. لم تذكره بموعدهما .. وانتظرته بصبر حتى يفيق من حزنه .. وعندما اكملت جانيت اربعين يوماً اقيم لها قداس مختصر في الكنيسة وطلب جمال من منال ان تلتقيه بعدها في الكلية ...
- منال .. أنا آسف .. ما حقدر التزم بوعدي ليك .. وبحلك من أي وعد انتي وعدتيني ليهو .. انتي حرة يا منال .. امشي عيشي حياتك .. وانسيني ..
ادخلته شهقتها المصحوبة بسيل من الدموع في دوامة من العذاب .. لقد جلس مع نفسه لايام .. وحيداً وهو يفكر في التزاماته نحو اسرته بعد ما حدث .. والتزامه تجاه من احبها قلبه بكل ما يملك من قدرة على الحب .. كانت المفاضلة مجحفة لكل الاطراف .. ثم قرر ان يبعد قلبه وعواطفه من الامر حتى يستقيم تفكيره .. لم تكن امه ستحتمل ضربة اخرى خصوصا اذا اتت منه .. ارتداده عن دينه وهروبه مع منال سوف يقضيان عليها .. عاش ايام من التمزق بين ولاؤه لاسرته .. وحبه وحلمه وامله .. وعندما انتصر ولاؤه لاسرته احس بدبيب الموت يزحف الي اعماقه ويستولى على روحه وما تبقى من مشاعره ...
- جمال .. انت بتعاقبني على موت جانيت ؟؟!! .. بتحملني وزر انو قتلوها مسلمين ؟؟!! عشان كدة عاوز تخليني ؟؟ .. أنا ذنبي شنو ؟؟ انا بحبك .. انا ...
كانت الكلمات تخرج من بين شفتيها متقطعة .. جريحة .. تخنقها شهقات البكاء .. كان يظن انه حصن نفسه ضد أي ضعف قد يعتريه امامها .. لكنه لم يحتمل رؤية دموعها .. وتمنى الموت في تلك اللحظة لانه تسبب بتعاستها .. كان شاكراً لعزلة المكان وعتمة الغروب التي اتاحت له فرصة احتوائها بين ذراعيه .. وضع راسها على صدره وبدأ يتارحج بها وهو يهمس اعذاره في اذنها .. كان يهدهدها كطفلة صغيرة .. يربت على شعرها ويمسح دموعها .. وعندما احس بان ضعفها قد بدا يتسلل اليه ... ابعدها عنه برقة .. امسكها على امتداد ذراعيه .. وكانت عيناه كالبركان ...
- منال .. لا انا ولا انتي حنقدر نحمّل ضميرنا عبّء أي حاجة تحصل لماما .. انا بس عاوزك تختي نفسك مكاني ... بالظروف البيمر بيها بيتنا .. بحالة امي .. تفتكري بقدر امشي واخليها .. دة حتى يا منال انا لو عملت كدة انتي مفروض تخافي مني وما تأمني لي في المستقبل ... لاني لو اتخليت عن اهلي وهم في الظروف دي ممكن عادي جدا اتخلى عنك انتي كمان في أي لحظة ...
كان صوتها المتضرع يذبحه ..
- بستناك يا جمال ... بستناك لغاية ما الظروف تتصلح ونتطمن على خالتي رجاء وبعد كدة نعمل الاتفقنا عليهو .. احنا لسة صغار ... وانا ما مستعجلة ... حستناك ولو مية سنة بس ما تقول لي البينا انتهى .. ما بقدر اتحمل الشئ دة يا جمال .. ما بقدر ..
- لا يا منال ... انا ما بخليك تعملي كدة .. ولا ضميري بسمح لي اعلقك معاي لزمن ما معروف مداهو متين .. المسالة ما بقت هسة ولا بعدين .. الموضوع بقى اكبر من كدة بكتير .. يا منال افهميني .. انا مسئوليتي تجاه اهلي زادت بعد الشئ الحصل دة .. براك شايفة حالة ماما من يوم وفاة جانيت .. منهارة وراقدة في السرير .. ما قادرة تستوعب الحصل لبتها .. ما مصدقة انها ماتت ومرات تتوه في عالم تاني وتقول انو جانيت سافرت وحترجع .. لمن كلنا بقينا خايفين عليها شديد .. منال .. انتي عارفة أي ارتباط بينا مستحيل طول ما احنا هنا .. وانا طلعتي برة البلد بقت مستحيلة برضو .. اوعي تفتكري انو سهل علي اجي واقول ليك الكلام دة .. والله دي اصعب حاجة عملتها في حياتي كلها... و لاني عارف اخليك معناها اتخلى عن سعادتي واملي واحلامي .. اتخلى عن حياتي كلها .. واعيش تعيس لغاية آخر يوم في عمري .. لكن انا وانتي عارفين انو الحياة اولويات .. قبل فترة قصيرة جداً انتي كنتي في اعلى القائمة .. انا ما اتخيلت لحظة اني حانزلك من عليائك دي .. لكن احنا نقول شئ .. وربنا يقول شئ تاني ..
رفعت منال وجهها البلل بالدموع وكانت كلماتها واثقة ومتحدية ...
- بستناك يا جمال .. مهما طال انتظاري .. بستناك ..
- لا يا منال ... ما تجمدي حياتك .. انا خلاص اقتنعت انو محكوم علي اعيش من غيرك دة قدري .. وانا حاقبلو .. لكن بعاهدك على حاجة لو حيكون فيها عزاء ليك .. مافي أي واحدة تانية حتاخد مكانك طول ما انا عايش .. طالما ربنا اراد اني ما اكون ليك ... ابدا ما حاكون لغيرك .. دة عهد باقطعو ليك وربنا شاهد عليهو ..
نهضت منال ببطء ونظرت طويلاً اليه .. كان مطرقاً يحاول ان يخفي دموعه التي بدات تسيل رغماً عنه .. احست بقلبها يتفتت .. وضلوعها تطبق على صدرها ... انها اول مرة ترى فيها دموعه .. ولم تحتمل ما تراه .. حاربت اختناق انفاسها لتنطق كلماتها الاخيرة ..
- حاستناك يا جمال ... حتى لو العمر كلو ...
عندما تمالك جمال نفسه ورفع راسه .. رآها تبتعد عنه بخطوات مترنحة ... دفن راسه مرة اخرى بين ذراعيه .. واجهش ببكاء مر ...






لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-14, 08:01 PM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الحادي والعشرون


انكسرت حدة الحرارة قليلاً عندما بدأت الشمس تميل نحو المغيب .. تمددت ظلال الاشجار بجمود .. وخلق انعدام الهواء جواً خانقاً .. انه احد ايام الصيف النموذجية .. تعالى صراخ الاطفال وهم يعبثون تحت زخات المياه المتدفقة من ( خرطوش ) البلاستيك الطويل الذي امسكه حامد بين يديه محاولاً ان يدعّي الصرامة مع صغار الحوش المتحلقين حوله كل يحاول التقاط نصيبه من القطرات الباردة .. جلس حامد ود العمدة هادئاً يتامل احفاده بفخر .. واتسعت ابتسامته وباتت اكثر حنواً عندما التقت عيناه بعيني حفيده الذي يحمل اسمه .. كان اول حفيد ذكر في عائلته .. وقد احبه منذ اول لحظة وضعه فيها عمار بين يديه ..
- امسك حامد الصغير اذن ليهو في اضنينو يا عمي ..
اغرورقت عيناه عندما فرغ من ترديد الاذان في اذني حفيده ووضع اصبعه داخل الكف الصغير فتحركت الاصابع الطرية بنعومة .. وحبس شهقة دهشة عندما فتح سميه عينان تنافسان عينيه في اللون والشبه ... لقد كان نسخة طبق الاصل من طفله الذي غادر الحياة مبكراً ... وراوده احساس بانه يعيش لحظة مكررة عاشها سابقاً عندما وضعت امونة ابنه بين ذراعيه للمرة الاولى ... احتج على قرار عمار واميرة بتسمية المولود تيمناً به ..
- يا اولاد اختاروا ليكم اسم تاني ... حامد دة بقى موضة قديمة وبكرة الولد يكبر ويزعل انكم سميتوهو بيهو ...
- يا ابوي بكرة حامد لمن يكبر حيشكرنا لاننا اديناهو اسمك .. اريتو يطلع بشبهك في حاجاتك كلها مش الاسم وبس ..
- يا بتي يمكن راجلك عندو راي تاني ولا عاوز يسميهو على ابوهو ..
- عم حامد .. انا مصّر اكتر من اميرة انو الولد يشيل اسمك .. كفاية انو وقفتك معانا هي كانت سبب جيتو للدنيا ..
حمل حامد اسم جده وملامحه .. وبرغم امتلاء المنزل بالاحفاد على مر السنين .. الا ان سميه ظل المفضل عنده ..
تشربت الارض العطشى بالرزاز المتساقط عليها بامتنان وتنفست ارتوائها فعبق الجو برائحة التراب المبلل التي اختطلت برائحة شباك الصيد والسمك والرطوبة القادمة من النيل ...
- حامد .. خلاص كفاية رش .. امشي لحبوبة نعمات خليها تجيب الشاي وشوف ابوك وين عشان يجي يشرب معاي ..
امتثل ابن العاشرة لاوامر جده بطاعة فاغلق صنبور المياه باحكام دون ان يبالي بصيحات خيبة الامل الصادرة من جيش الاطفال المحتج على انقطاع مصدر لهوه ... كان حامد يراقب احفاده بنوع من الرضا الممزوج بحزن غامض اصبح جزء منه .. لقد اكسبته الحياة كثير من الخبرات .. وعلمته كيفية التصالح مع كل شئ فيها فتجاوز مشاعر الندم والخوف والالم .. لكنه لم يستطع ابداً تجاوز الحزن المزروع بداخله كنبتة لعينة كلما حاول اقتلاعها ناورته وثبتت جذورها اكثر في اعماقه كان احيانا يحاول فلسفة اسباب احساسه والتعامل معه كناتج طبيعي لاحداث حياته الطويلة التي توقف عن عدّ سنواتها منذ وفاة السرة قبل احدى عشرة عاماً ... لقد ادهشه الترنح والضياع الذي انتأبه بعد رحيلها .. احس كانه فقد هويته وجزء من ذاكرته التي كانت تعيش بداخلها .. ثم اكتشف ان غيابها قد فصم كل عرى التواصل بينه وبين ماضيه .. فقد كانت السرة حاضرة بقوة منذ طفولته وصباه حتى تجارب نضجه المؤلمة .. ووجودها في حياته كان الجسر الذي يربط بينه وبين ذلك الماضي البعيد .. بعد رحيلها ضعفت علاقته بمن تبقى من اهله في القرية الى حد كبير ... لدرجة انه لم يطا ارضها منذ خمس سنوات كاملة ... كانت آخر زيارة قام بها بعد وفاة هادية ... ابنته الصغيرة التي رحلت بعد معاناة قاسية مع جملة من الامراض استسلم الطب امام جبروتها فغادرت مخلفة وراءها جرحاً غائراً في قلب نعمات .. واحساس دائم بالذنب في قلبه جعله يعاني من الكوابيس لدرجة بات يخاف النوم حتى لا ياتيه طيفها الغاضب بنظراته اللائمة المتهمة ويجعله يهب مفزوعاً ليذهب الى قبرها ويجلس ساعات طويلة يقرأ لها القرآن ويطالبها بالسماح على اهماله غير المتعمد اثناء حياتها ... ويبكي ..
- الشاي يا حاج حامد ...
رفع راسه ونظر الى نعمات بابتسامة لا تشي بشئ مما يدور في أعماقه .. بادلته الابتسام بملامح نقية زادها وضوحاً الطرحة البيضاء التي تلتف بوقار حول وجهها الاسمر .. كانت تبدو اصغر من عمرها الحقيقي ويشع من ملامحها سلام غامض .. لقد كادت وفاة هادية ان تذهب بعقلها .. واصبح حزنها على ابنتها حديث المجتمع .. اعتزلت الناس و لبست السواد من راسها حتى قدميها ...امتنعت عن ارتداء الاحذية وصارت تتجول حافية حتى لو اجبرتها الظروف على الخروج من منزلها الذي اصبح سجنها الاختياري .. تحول شعرها الفاحم الى كتلة بيضاء ولم تنقطع دموعها لشهور .. كان يقف عاجزا امام احزانها ويكبله احساسه بالتقصير .. لم يكن يدري ماذا يفعل حتى اتاه شقيقها المهموم باحوالها ..
- انت يا حامد ما شايف عمايل نعمات دي ؟؟ ياخي البتسوي فيهو دة كفر عديل والعياذ بالله .. اتكلم معاها .. خليها على الاقل تلبس ليها حاجة في رجلينها لمن تجي طالعة .. ياخي الناس اكلت لحمنا بتصرفاتها دي ..
- والله اتكلمت معاها لمن لساني نشف .. والناس كلها اتكلمت معاها بدون فايدة .. انا خلاص بقيت ما عارف اعمل ليها شنو ...
- وديها الحج .. هي اصلا ما حجت قبل قبل كدة .. واهو الموسم باقي ليهو اقل من شهر وديها يمكن زيارة بيت الله تخليها تتصبر شوية ..
عادت نعمات بعد اداء فريضة الحج وقد بدت شبيهة بتلك المراة التي كانتها منذ زمن بعيد .. لم يعد احد يلاحظ حزنها الا بالتمعن في عينيها الواسعتين أو عندما تتلبسها حالات شرودها المفاجئ ...
- اقعدي يا نعمات اشربي معاي الشاي .. وين عمار ؟؟ ..
- جاي .. بس مستني اميرة تطلع من الحمام عشان تمسك البت ..
- طيب كبي خلينا نشرب وهو يجي براحته ...
جلسا يحتسيان الشاي في صمت .. لم يعودا بحاجة الى الكثير من الكلمات .. لقد اصبحت حياتهما هادئة وتسير بنعومة .. اصبحا كصديقين تشاركا الكثير من تجارب الحياة السعيدة والتعيسة فربطت بينهما الفة واحتياج للرفقة دون غيرها من الاشياء .. لقد عاد الى بيتها بعد وفاة السرة .. احس بوحدة غريبة اخافته وجعلته يلتمس وجودها .. لم يتشاركا السرير .. فهو لم يكن بحاجة الى علاقة جسدية حميمة بقدر احتياجه لوجود كائن حي يتنفس قربه ويشعره بالحياة .. واكتفت هي بهذه الرفقة المنقوصة ولم تطالبه بالمزيد .. فمجرد وجوده قريبا منها الى هذا الحد حلم بعيد المنال تحقق بعد طول انتظار .. كانت نعمات تحمل كوبها بيد وترشف منه على مهل .. بينما انشغلت يدها الاخرى بعد حبات مسبحتها الصغيرة التي لم تفارقها منذ عودتها من الحج .. سرحت في اصوات الاطفال اللاهين في عالمهم .. كانو مختلفي السحنات والاعمار تجمعهم الشقاوة والعبث الطفولي .. ابتسمت لرؤية ولدي اميرة وابنة نادية التي ستبلغ الرابعة بعد ايام ... غامت افكارها عندما تذكرت تلك السنوات العجاف التي ناصبتها فيها ابنتها العداء .. كانت تتعمد تعذيبها برفضها الزواج والعمر يتقدم بها وفتيات الحوش يتزوجن واحدة تلو الاخرى ... كانت ترفض بلا ترو او نقاش .. فاندهش حامد من عناد ابنته الغريب والح على نعمات في السؤال لمعرفة الاسباب .. اخبرته باختصار شديد عن رفضها للعلاقة بين ابنتها وزميلها .. ذكرت الاسباب دون ان تخوض في التفاصيل .. يومها هنأها حامد على حكمتها في معالجة الامر دون ان يدرك سر الابتسامة الساخرة المتالمة التي ارتسمت على شفتيها .. لقد كان مرض هادية هو المعول الذي هدم جدار الصخر بينهما .. ففي احدى الصباحات الخريفية اتجهت نعمات الى غرفة ابنتها الصغرى لتزورها كما تفعل كل يوم بعد ان رفضت الخروج منها الا لشن غارة على المطبخ والتهام كل ما يقع تحت يدها من طعام .. اصبحت تصاب بنوبات هياج هستيرية اذا ما حاول احدهم منعها .. فوقفوا جميعاً يراقبون بالم جسدها وهو يتحول الى كتل شحمية قبيحة زادت من كآبتها وانعزالها .. وشراهتها ..
عندما فتحت الباب بعد طرقات خفيفة .. فوجئت بجسد هادية الضخم مسجي ارضاً ويسد الطريق .. كانت ساكنة الحركة ومن بين شفتيها المنفرجتين يخرج صفير متقطع بينما ابتل قمصيها القطني الفضفاض بالعرق .. اندفعت نادية الى الغرفة مذعورة اثر صرخات نعمات التى عكرت صفو الصباح .. تسمرت عندما رات منظر شقيقتها .. ثم بدات تشارك امها بالصراخ ...
اثناء ساعات الانتظار الطويلة خارج غرفة العناية المكثفة بدات رحلة ذوبان الجليد بين نعمات المنهارة ونادية الخائفة .. لقد تشبثت كل منهما بالاخرى في يأس .. واصبحت نادية تهتم بمواعيد ادوية والدتها .. وتجبرها على تناول الطعام .. تصر على عودتها للمنزل حتى تنال قسطاً من الراحة بينما تتبادل هي واميرة البقاء بجانب هادية الغائبة عن الوعي .. احست نعمات بالسعادة والامتنان لابنتها عندما دافعت عنها باستماتة وتصدت للطبيبة الغاضبة التي وقفت تصرخ في وجهها بعنف ..
- كيف تخلي بت في السن دة توصل لوزن مخيف زي دة ؟؟ كنتي وين من يوم ما بدا وزنها يزيد ؟؟ انتي ما عايشة معاها في نفس البيت ؟؟ ما كنت بتشوفيها لمن تاكل ؟؟ تاكدي انو الوضع الفيهو بتك دة حصل نتيجة لاهمالك .. دي لسة طفلة ... كيف تدخل في غيبوبة سكري ويكون ضغطها في السما ويجيها ضعف في عضلات القلب وقصور في الكلى والكبد ؟؟!! حتى لو حصلت معجزة وقدرنا نعالج ديل كلهم حيكون نظرها خلاص انتهى وحتعمى لانو ارتفاع السكري الشديد فجر كل الاوعية الدموية في عيونها ..
عندما رات نادية شحوب وجه نعمات الغارق في الدموع امام الهجوم العنيف .. وقفت في وجه الطبيبة وحالت بينها وبين امها ..
- اسمعي هنا .. انتي منو الاداك الحق تتكلمي مع امي بالصورة دي ؟؟ تفتكري يعني كان عاجبها تشوف بتها بتوصل لمرحلة زي دي وهي ما قادرة تعمل ليها حاجة ؟؟ انتي ما عارفة الظروف الاحنا عايشنها يبقى اوعك تحكمي عليها ولا علينا .. ولازم تفهمي انو البتتكلمي معاها دي ام .. عارفة يعني شنو ام ؟؟!! .. يعني سعادة عيالها اهم شئ في حياتها .. خلي جاية انتي بكل عجرفة وغرور تتهميها بالاهمال ؟؟ انتي دكتورة شنو انتي ؟؟ كيف تتعاملي مع اهل مريضة عندك بالصورة دي ؟؟ ياخي انعل ابو دكترتك العاوزة تذلي بيها خلق الله دي .. ويكون في معلومك امي دي عيانة ولو حصل ليها أي حاجة بسبب كلامك دة انا حاحملك المسئولية كاملة .
اشعرها دفاع ابنتها بالدفء وخفف عنها مرارة الحزن الكثيف الذي تعيشه .. قدمت نادية شكوى بحق الطبيبة وطالبت ادارة المستشفى بتغييرها .. كان البديل شاب خلوق .. صبور ومتفهم .. تفاني في رعاية هادية واصبح يقضي كل اوقات فراغه بجانبها .. وعندما اعلن وفاتها بعد شهر من وجودها بالمستشفى .. احتضن نعمات المفجوعة واجهش بالبكاء .. وظل مواظباً على الحضور طيلة ايام العزاء ومتابعاً لوضع نعمات الحرج التي ارتفع ضغط دمها بشكل استدعى ادخلها المستشفى والبقاء فيها لفترة طويلة .. وخلال ملازمة نادية لها نشأ ود خجول بينها وبين الدكتور ( نادر ) تنامى بهدوء بعد ان اصرت نعمات على ان يصبح هو طبيبها المعالج ... ولم تتفاجأ حين لمح لها برغبته في الزواج من ابنتها الجميلة التي وضعت في خانة عوانس الحوش منذ زمن بعيد .. تخوفت نعمات من رفضها المعتاد برغم احساسها بوجود قبول متردد منها ارادت ان تغذيه فخاطبتها بضراعة ...
- نادية يا بتي .. الله يرضى عليك ما ترفضي دكتور نادر .. الولد ممتاز وما فيهو عيب وعاوزك من قلبو لربو .. وانا قلبي بقول لي إنو انتي كمان بتميلي ليهو .. ادي نفسك فرصة وفكري كويس .. انتي ما بقيتي صغيرة .. وانا ابوك كبرنا وما حندوم ليك للابد لازم تعرسي وتجيبي ليك جنا يسندك في كبرك وعياك .. هسة لو ما انتي واختك منو الكان حيتجبر علي ولا يخدمني لمن عييت ورقدت ؟؟!! يا نادية لازم تنسي كل الحصل زمان وتبدي تعيشي حياتك من جديد ...
رمقتها ابنتها بنظرة خالية من اللوم والعتاب والحقد الذي سكن عينيها طيلة السنوات الماضية ...
- انا ممكن اوافق على دكتور نادر .. لكن بشرط ..
تلقفت الام الملهوفة الكلمات بفرح ...
- انا متاكدة انو حيوافق على كل شروطك .. بس ما تطلبي منو حاجات فوق طاقتو .. في النهاية دة موظف في بداية حياتو ودخلو محدود .. يا نادية ابوك منتظر عرسك دة من سنين .. وحيعمل ليك أي حاجة انتي عاوزاها ..
وهبطت كلماتها اللاحقة كلطمة في وجه نعمات ...
- شرطي اني احكي لنادر عن قصتي مع زاهر من اولها لاخرها .. اذا وافق بعد داك يعرسني حاقبل بيهو ...
دلت شهقة نعمات التي اعقبها صمت تام على صدمتها من كلمات ابنتها .. وعندما تمالكت نفسها خرج صوتها محبطاً باكياً ...
- يا بت انتي جنيتي ولا شنو ؟؟!! حرام عليك البتعمليو فينا دة ؟؟ عاوزة تفضحي روحك وتفضحينا معاك ؟؟ ليه ؟؟ عشان شنو ؟؟ ما تخلي الموضوع يمشي وعفا الله عما سلف ... أنسي ماضيك دة كلو بخيرو وشرو .. اعتبريهو كأنو ما حصل ... انا عملت العملتو زمان داك عشان لحظة زي دي ... ما تخافي ما حيعرف .. واذا ربنا سترك ما تفضحي روحك ... اسمعي كلامي .. انا امك .. عشت اكتر منك وبعرف اكتر منك نادر صحي دكتور ومتعلم ومثقف .. لكن في النهاية راجل .. راجل شرقي ... وسوداني .. وحاجة زي دي مستحيل يقدر يتجاوزها .. حتى لو قبلها هسة عشان بحبك وعاوز يرتبط بيك باي شكل ... لكن بكرة بتدخلوا في تفاصيل الحياة الزوجية بكل مشاكلها وروتينها ومللها واحباطاتها ... وفي اول ملف حيذكرك بالكلام دة لانو حيكون قاعد جواهو زي السوسة بينخر في عقلو ...
- امي .. دة شرطي الوحيد وما حتنازل عنو .. انا ما عاوزة ابدا حياتي مع نادر بكذبة كبيرة وامشي ليهو كاني بت لا عرفت ولا شفت .. نادر من حقو يعرف اني عشت تجربة زواج بكل تفاصيلها .. بما فيها الحمل والاجهاض ... بعد كدة هو يختار .. لو قبل بظروفي دي تاني ماحيقدر يقول اي حاجة ... اذا رضيتي أكلمو خير وبركة نمشي في الموضوع ونشوف حيوصل وين .. واذا ابيتي .. اعتذري ليهو طوالي وقولي اني رافضة اعرس ..
- يا نادية انتي لو كنتي معرسة بطريقة رسمية واتطلقتي ولا حتى راجلك مات ما كان حيكون فيها حاجة .. لكن ..
- دة شرطي .. موافقة ولا لا ؟؟
تم الزواج في حفل هادئ بسيط .. وخيب نادر كل توقعات نعمات المتشائمة .. كانت علاقته بنادية تزداد توهجاً بمرور السنوات .. وعبر عن حبه لزوجته وطفليه بانصهاره التام في عائلة ود العمدة الكبيرة ...
- معليش يا جماعة .. اتاخرت عليكم .. اميرة الظاهر عليها نامت جوة الحمام ونستنا انا والبت برة ..
سحب عمار كرسيه وجلس بين والدي زوجته وتناول كوب الشاي من يد نعمات شاكراً ...
- يا عم حامد لي كم يوم عاوز اسالك عن ابراهيم .. اخبارو شنو ؟؟ .. كنت ناوي امشي ازورو لكن ما لاقي زمن .. وكمان اميرة قالت لي انو ما راضي يقابل زول ...
اكفهرت ملامح حامد عندما سمع اسم ابن اخيه .. وعبرت وجهه سحابات الالم والغيظ المخلوط بالغضب .. لقد اعجزه هذا الولد الفاسد بعد ان فعل كل ما يستطيعه لتغطية افعاله الشائنة .. لم يعد بوسعه فعل شئ آخر غير امنية سرية كان يخجل ان يجاهر بها حتى لنفسه .. كان يتمنى له الموت ... وكان يبرر امنيته بان موته سيكون ستراً لهذه العائلة بعد ان اصبح فجوره العلني فضيحة تتبع اسمها كلما ذكر .. كان يتنسم اخباره عن بٌعد منذ ان طرده من المنزل قبل عام تقريباً عندما اتته حبيبة شاكية باكية للمرة الاولى منذ زواجها .. تكلمت بعد ان تعداها الاذى وطال صغرى بناتها .. الوحيدة التي ظلت في المنزل بعد زواج اختيها وانتقالهما للسكنى بعيدا عنهم ...
- يا عم حامد انت عارفني عمري ما إشتكيت من عمايل ابراهيم وتصرفاته .. وصبرت عليهو صبر ايوب .. لكن لمن جات على بتي ما قدرت اسكت .. ما عارفة الحصل ليهو شنو !! الظاهر البلاوي الكتيرة البيشربها دي خلاص طلعت في راسو وجننتو .. بقى خاتي نقرو من نقر البت ومكرهها عيشتها .. يجي وش الصباح مسجم ومرمد يصحيها من النوم ويقعد ينق في راسها لمن تجي مواعيد مدرستها .. المسكينة بالعافية تجري تلحق البص .. حاميها القراية وعامل ليها رعب .. بيضربها باي حاجة تجي تحت يدو .. امبارح فك فيها كباية الشاي ولو ما ربنا ستر كان فتحت راسها .. يا تشوف ليك معاهو حل يا عم حامد .. ولا انا اخلي البيت و اسوق بتي امشي اقعد في أي مكان ..
عندما فتح حامد باب منزل ابراهيم بعنف ارتج له الجدار .. وجده جالساً وسط سحابة من الدخان الازرق .. يدندن بلحن مبهم وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة بلهاء ..كانت تفوح منه رائحة عرق نتن اختلطت بابخرة فمه التي تزفرها انفاسه فأصبح جو المكان خانقاً ومقززاً ...
- دة شنو دة يا ولد الانت بتعمل فيهو دة ؟؟!! .. بلاهي ما خجلان من روحك .. ياخي انت بناتك عرسو وولدو وبقيت جد .. حتوعى متين ؟؟ حتبطل الوسخ البتعمل فيهو دة متين ؟؟!! حتنضف متين ؟؟!! قوم حيلك اطفي الزفت الفي ايدك وغسل وشك ولا استحمى عشان تفوق والواحد يعرف يتكلم معاك ..
- أنا بكرهك ...
خرقت الجملة المفاجأة اذني حامد وظل واقفاً فترة طويلة يتامل ملامح ابن اخيه التي تحمل حقداً مخيفاً .. محاولاً استيعاب ما سمعه وما يراه ..
- قلت شنو يا ابراهيم ؟؟!! ...
- سمعتني كويس يا ود العمدة .. ما تعمل لي فيها رايح .. وكان ما سمعت بقولها ليك تاني .. انا بكرهك .. بكرهك اكتر من أي شئ في الدنيا دي .. اكتر من الموت زاتو..
- انا ما ححاسبك على كلامك دة هسة لانك ما في وعيك .. لكن لمن تصحصح كويس انا بعرف شغلي معاك ...
- حتعمل لي شنو يعني ؟؟ ... حتضربني ؟؟!! .. انا بحذرك من هسة لو حاولت تمد ايدك علي تاني بكسرها ليك .. اوعى تكون قايلني لسة الولد الصغير البخاف منك داك ؟؟ ولا يمكن قايلني لسة محتاج ليك ولقروشك ... فوق يا عمو .. فوق وعاين لي وشوفني كويس .. انا كبرت .. كبرت شديد .. وخليت الخوف منك من زمان .. وكان للقروش انا خلاص استغنيت عنك وعن وصايتك .. ورثتي من امي وابوي تعيشني مرتاح لآخر عمري .. يعني بالواضح كدة .. طظ فيك وفي قروشك ..
- انت ولد قليل ادب وما اتربيت .. ؟؟!! ..
- في دي كلامك صح .. اول مرة اتفق معاك في كلام تقولو ... انا بالحيل ما اتربيت .. انت قالوا عرست امي عشان تربيني .. لكن عمرك ما ربيتني .. اها اتحمل نتيجة عدم تربيتك لي .. اتحمل فكرة اني بقيت كدة بسببك ..
- ما تغش على نفسك يا ابراهيم .. انت ما بقيت كدة بسببي ولا بسبب أي زول .. انت بقيت كدة لانك عاوز تبقى كدة .. يعني شوف ليك شماعة غيري علق فيها سبب فشلك .. طول عمرك من ما انت صغير انسان مهزوز .. وكبرت بقيت فضيحة ماشة على رجلين .. كتر خيري الاتحملت بلاويك وقرفك السنين الفاتت دي كلها .. ودة والله ما عشان خاطرك .. عشان خاطر اسم اخوي الانت شايلو وما مشرفو .. اسمعني كويس يا ولد لاني ما حكرر كلامي دة كتير .. لو سمعت بيك تاني مديت يدك على بتك ولا ضايقت حبيبة حوريك الادب الطول عمرك ما شفتو .. فاهم الكلام دة ولا لا ؟؟ ..
- وانت الدخلك شنو في مرتي وبتي ؟؟ مالك ومالهم ؟؟ عاوز تشاركني فيهم كمان ؟؟ بياتو مناسبة ؟؟ هو انا كنت شاركتك في نسوانك الكنت بتعرس فيهم الصباح الصباح ديل ؟؟ ولا شاركتك في بناتك الفلطتهم زي الارانب ؟؟
نزلت عصا ود العمدة الغاضبة على راس ابن اخيه وانفجرت الدماء لتملا المكان ... لم يستطع احد اقناع ابراهيم بالتنازل عن بلاغ اتهامه لعمه بضربه الا ( بله) الذي اتى من القرية مسرعاً استجابة لاستغاثة نعمات ... عندما خرج ابراهيم من المستشفى رفض حامد عودته الى المنزل ...
- ما عاوزو في بيتي .. يمشي يشوف ليهو أي مكان تاني يلم فيهو حقدو وكراهيتو ووساختو ...
- برضو طظ فيك وفي بيتك .. انا من يوم ما عرست كنت عاوز اغور من خلقتك دي وانت الابيت واصريت على قعادي عندك .. وهسة حسوق مرتي وبتي واتخارج منك...
- ما عندك عندي مرا ولا بت .. اطلع براك .. انشاء الله تسكن جوة براميل الخمرة وتتسطل الليل والنهار .. انت حر في روحك .. لكن حبيبة وبتها مسئوليتي .. وما بخليك تسوقهم عشان تبهدلهم معاك ..
- طيب يا حامي حمى البشرية .. خليتهم ليك .. مش عشان انت قلت كدة .. لا .. عشان انا زاتي ما عاوزهم .. لكن في يوم من الايام لو جاني مزاج اسوقهم .. بسوقهم .. برضاك ولا غصباً عنك .. بالبوليس .. بالمحكمة .. باي وسيلة تريحني وتتعبك ..
خلال الشهور الاولى لاختفائه لم يهتم حامد بمعرفة مكانه .. ثم بدأ يبحث عنه تحت ضغط ( بله ) المهموم باحوال ابن اخيه .. اتاه مرساله مطرقاً خجلاً وهو يخبره عن ما توصل اليه ..
- أجر ليهو شقة في المهندسين وعايش ببذخ شديد .. سايق عربيتو الليل والنهار وحايم في حتت معينة يلقط الاولاد الصغار ويوديهم بيته .. الجيران بدوا يشتكوا من نوعية الناس البيجوهو وشكلهم .. وسمعت تحت تحت كدة انو البوليس خاتي عينو عليهو ومراقب كل تحركاتو ...
عندما سمع نبأ القبض عليه متلبساً في احد البيوت المشبوهة .. استخدم حامد كل علاقاته ونفوذه لمنع نشر الخبر .. ارسل المع المحامين لمقابلة ابراهيم الذي رفض ببرود أي مساعدة من عمه .. واعترف بكل التهم التي نسبت اليه .. عند اعلان الحكم بسجنه .. اهتزت قاعة المحكمة بضحكاته المدوية التي افزعت الجميع وشككتهم في سلامة قواه العقلية ...كانت جلسة اعلان الحكم آخر مرة رآه فيها أي من افراد اسرته بعد ان رفض استقبالهم عندما ذهبوا لزيارته في سجنه ...
- ما عندي أي اخبار عنو يا عمار .. لسة رافض الزيارة او أي محاولة تواصل معاهو...
نطق كلماته وهب مستئذناً على عجل .. بدت خطواته اكثر بطئاً وتعباً من ذي قبل .. فاحس عمار بالندم على سؤاله الذي نكأ جرح والد زوجته بدون قصد منه .. وقف ليلحق به ... فثبتته يد نعمات في جلسته وهي تتابع زوجها بنظرات مشفقة ومتفهمة ...
- خليهو هسة يا عمار .. اصلا سيرة ابراهيم دائما بتنرفزو .. لكن بعد شوية بروق وبرجع عادي ...
كاد حامد في اندفاعه البطئ ان يصطدم بمنال التي خرجت فجأة من الباب الداخلي للمنزل وهي تحمل حقيبتها الطبية ..
- بسم الله .. مالك يا منال مستعجلة قدر دة ...ماشة وين ؟؟
- معليش يا ابوي ما كنت منتبهة .. مواعيد حقنة خالتي رجاء جات وماشة اديها ليها ..
- رجاء عندها بدل الدكتور اتنين في البيت وتمشي انتي تديها الحقنة ؟؟!! ...
- قالت جمال وجاكلين ايدهم حارة ولمن يدوها الحقنة بتفضل واجعاها فترة طويلة .. لكن انا يدي باردة وما بتحس بيها ..
- رجاء دي بتتدلع ساكت ... يلا انا حامشي معاك .. لي زمن ما شفتها ..
دخلت منال بضجيجها المعتاد وهي تناوش جانيت ابنة جاكلين كعادتها .. حملتها بين ذراعيها رفعتها عالياً وهي تدغدغها وتتجاوب مع صرخاتها الطفولية العابثة ..
- هوي يا منال .. نزلي بتي دي في الارض ما توقعيها لي .. دي الحيلة يختي وما عندي غيرها .. اتاخرتي مالك ؟؟ ماما هوستني بالسؤال عنك .. وكالمعتاد ما رضت تخليني انا ولا جمال نديها الحقنة ..
- ليها حق ما تخليكم لانكم انتو الاتنين ايدينكم عاملة زي قوالب الطوب .. وانا ايدي خفيفة زي الريشة .. هو أي زول اتخرج من طب بينفع يكون دكتور ؟؟ يا فالحة الدكترة دي خشم بيوت..
تعالى صوت رجاء الزاجر من داخل غرفتها ...
- يا بنات بطلوا نقار مواعيد الحقنة فاتت .. يلا يا منال خلصيني ..
- جاية يا خالتي رجاء .. ومعاي ابوي حامد عاوز يسلم عليك ..
كان جمال قد خرج من غرفته ملهوفاً عندما سمع صوت منال .. ثم توقف اندفاعه لمراى ود العمدة برفقتها ..
- عم حامد .. اهلاً وسهلاً .. اتفضل اتفضل .. واقف برة ليه ؟؟
كانت العلاقة بين الاسرتين قد اذدادت رسوخاً بمرور السنوات وتقاسم ملمات الحياة .. بعد مقتل جانيت المأساوي احس حامد بمسؤليته تتعاظم تجاه الاسرة الصغيرة الغارقة في الحزن .. فاصبح هو وجميع اهل الحوش متواجدين بصفة دائمة لمؤازرة رجاء المنهارة حتى تلاشت كل الحواجز بين البيتين ... جلس حامد في الكرسي الملاصق لسرير رجاء وهو يخاطبها بحنو ابوي ..
- والله يا رجاء انتي بتتدلعي .. يا ولية قومي وشدي حيلك شوية .. انتي كويسة وما عندك عوجة .. مالك عاوزة تشفقينا عليك ؟؟ ولا بتعملي كدة عشان اولادك يقعدوا جنبك اليوم كلو ؟؟
منحته رجاء احدى ضحكاتها التي اصبحت نادرة ومتباعدة ..
- والله يا عم حامد لا عاوزاهم يقعدوا معاي ولا حاجة .. حتى اسال جاكلين .. البت دي يوميا انا بطردها عشان تمشي بيتها .. وحياة العدرا بقيت خجلانة من راجلها .. البت بتقعد عندي اكتر مما بتقعد عندو ..
- يا ماما يا حبيبتي ناصر عارف انك روحي ونفسّي .. واني مستحيل اقعد يوم واحد من غير ما اشوفك .. وبعدين هو ما يقدر يقول ولا كلمة .. مش كفاية انك بتعبك دة ومصرة تمكسي ليهو بتو وابيتي تخلينا نجيب ليك شغالة تساعدك ؟؟ وعلى فكرة يا جدو حامد ناصر زاتو بقى ينافسني في حب ماما لمن انا مرات بغير منو ..
رمقتها رجاء بحنان وهي تحتضن حفيدتها التي تسللت وتكورت في مكانها المفضل على صدر جدتها ووضعت ابهامها داخل فمها وهي تنظر الى الجميع ببراءة ..
- شغالة شنو الانا باخليها تعمل حاجة لجونا ؟؟!! دة انا لو بزحف على ايديني ورجليني برضو بسوي كل حاجاتها براي ... دي الغالية المخلياني احس انو الدنيا دي فيها حاجة تستاهل يعيشوا ليها ...
اشتكى جمال ضاحكاً ..
- شايف يا جدو حامد ماما بتقول شنو ؟؟ .. يعني احنا كلنا ما بنستحق تعيش عشانا .. وبسبب المفعوصة دي كلنا اترمينا في الرف ..
- يا ولد اعز من الولد ولد الولد .. وانت بس ريحني وعرس شوف انا عيالك حعمل ليهم شنو .. اها يا عم حامد طالما الموضوع انفتح خليني النشتكي ليك من جمال دة ... الولد كاسر قلبي بعدم عرسو .. ما عرفنا هو عاوز شنو .. جبنا ليهو بنات اشكال والوان .. اصل وفصل وتدين وتعليم .. وبرضو رافض .. عليك الله اتكلم معاهو .. انا عاوزة اشوف عيالو قبل ما اموت ...
- بعد الشر عليك يا ماما .. وبطلي حركات المسلسلات المصرية دي ... تموتي كيف يعني ؟؟ وتخلي التعب والشقاوة لمنو ؟؟ يا ماما انتي ملك الموت زاتو بيلاوز منك ويقول الزولة دي بتحب التعب عشان كدة خلوها عايشة مافي داعي نريحها .. يا ست الكل انشاء الله انا قبلك .. وتعيشي لمن تخرفي وتجننينا بخرفك .. واضح انو خرفك حيكون صعب خلاص ..
- بعد الشر عليك يا ولدي انتو لسة العمر قدامكم .. لكن احنا خلاص حناخد زمننا وزمن غيرنا ؟؟ يلا حسن الختام ..
- في شنو يا ماما وجمال ؟؟ مالكم قلبتوها غم كدة ؟؟ .. خلونا من سيرة الموت دي عليكم الله واتكلموا في أي حاجة تانية ..
عبرت وجه جمال سحابة قاتمة .. وظهرت لمعة غامضة في عينيه التي تفادت النظر الى جميع الموجودين بالغرفة .. وخرج صوته مبحوحاً ..
- ماما انتي مش مؤمنة ؟؟ مش عارفة انو الزواج قسمة ونصيب ؟؟ .. لازم تعرفي اني ما رافض الزواج في حد زاتو .. انا بس منتظر ربنا يقسم لي نصيبي ..
خيمت لحظة صمت كثيف على الغرفة بعد الكلمات الحارة التي كان لها وقع مختلف على كل شخص اطرقت منال بحزن وهي تقاوم الدموع التي تجمعت في عينيها وهددت بفضحها .. طرفت عدة مرات .. اعطت ظهرها للجميع وهي تتظاهر بتعبئة الحقنة .. فمنذ ذلك اللقاء العاصف الذي جمعهما ليخبرها جمال برغبته في انهاء ما بينهما .. تغيرت علاقتهما بصورة كبيرة .. واصبحت مشاعرهما اعمق وانضج واشد قوة مما كانت .. وبعد ان تخطى جمال محاولات تفاديها والابتعاد عنها واستسلم لاحتياجه الشديد لوجودها في حياته .. أبرما اتفاقاً صامتاً بترك الامور تسير كما قدر لها دون أي محاولة لدفعها في اتجاه آخر .. التزم جمال بعهده لها .. لم تكن هناك اخرى في حياته غيرها .. برغم وسامته التي عززتها سمعته كطبيب تخصص في مجال جراحي نادر وصعب وجعلت الفتيات ينجذبن اليه ويتحلقن حوله اينما سار .. وبرغم تحسن اوضاعه المادية بشكل ملفت جعله حلم الكثيرات .. الا ان منال ظلت هي حلمه الاوحد ..
كان يحس بالالم والفرح معاً عندما يتناهى الى سمعه رفضها للعرسان الواحد تلو الآخر .. لم تكن تخبره ... لكن جاكلين المهمومة بعدم زواج صديقتها كانت تاتي وتحكي لامها عن عناد منال الغير مبرر ورفضها القاطع برغم كل الضغوط التي تمارس عليها .. في احدى المرات كان العريس شاب يحمل كل صفات فى الاحلام لاي فتاة .. فاحس بذنب قاتل يتاكله .. حاول مناقشتها واقناعها بالموافقة ..
- منال ... عاوز اطلب منك طلب بس اوعديني ما ترديني فيهو ..
- طلب ؟؟!! .. انت تامرني يا جمال وانا اطيع .. قول عاوز شنو ؟؟ ..
- ارجوك .. ارجوك يا منال وافقي على الزول المتقدم ليك دة .. اتزوجي وعيشي حياتك .. العمر بيجري .. وانا خايف عليك .. وحاسي بالذنب لاني معلقك معاي في وضع ما عارف نهايته شنو .. انتي بتستاهلي تتزوجي احسن انسان في الدنيا دي .. وتجيبي احلى عيال ... تستاهلي تعيشي سعيدة .. منال انتظارك لي ما منطقي وما فيهو شئ من العقل .. حتنتظريني لمتين ؟؟!! .. اذا انا زاتي ما عارف انا منتظر شنو ..
قاطعته بلهجة غاضبة .. حاسمة ..
- اسمع يا جمال .. كلمة قلتها ليك من زمان .. حستناك ولو العمر كلو .. يعني يا اعرسك انت ولا بلاش .. انا يا جمال ما محتاجة مجرد راجل اشاركو السرير ويصرف علي ويبقى اسمي مقرون باسمو .. انا بالذات بعد تجربة امي وابوي مصرة اني ما اتزوج تحصيل حاصل .. لازم زاوجي يكون تتويج لاحساس جواي ... لانو الزواج في حد زاتو ما هدف بالنسبة لي .. الزواج مجرد وسيلة تحقق لي رغبتي في الانتماء لانسان محدد انا بحبو وعاوزة ابقى جزء منو اشيل اسمو واربي عيالو .. فهمت ولا اشرح زيادة ؟؟ ..
بعد هذا النقاش احبها اكثر .. احترمها اكثر .. وتمناها اكثر .. ولم يفاتحها مرة اخرى في امر زواجها بآخر ...
قطع صوت جاكلين المرح حبل الصمت المشحون ..
- انتو ليه شانين حملة على جمال براهو ؟؟!! .. ما عندكم مثال تاني .. الدكتورة منال العاوزة تبقى راهبة .. ونست زمان لمن بتتشاكل معاي عن موضوع دخول البنات الدير وفكرة الترهبن في الدين المسيحي .. كانت بتقول لي لا رهبانية في الاسلام .. اها هسة هي بقت راهبة مسلمة ..
تحولت الانظار الى منال التي فرغت للتو من سحب الحقنة من ذراع رجاء .. رفعت راسها اليهم وابتسمت باطمئنان ..
- انا تقريباً عندي نفس فكرة جمال عن الزواج .. انو قسمة ونصيب .. قدر مكتوب ومسطر من قبل ما نتولد .. حاجة ما بتحصل الا لمن ربنا ياذن .. وفي لحظة ما بعلمها الا هو سبحانه .. وما تمشوا بعيد .. اقرب مثال نادية بت أمي نعمات .. قعدت بالسنين ترفض العرسان .. ولمن جا الدكتور نادر .. ما فتحت خشمها وطوالي وافقت برغم انو ما كان احسن زول اتقدم ليها .. طيب وافقت ليه ؟؟!! لانو المسالة ما بتخضع لاحسن واكعب .. المسالة انو ربنا لمن يقول ليها كوني بتكون .. انا ما رافضة اتزوج انا بس منتظرة اللحظة البيقول فيها ربنا كوني .. وصدقوني وقتها داك ما حقدر اقول لا ولا أي زول تاني حيقولها ... مهما كان الشخص المتقدم لي ..
علت وجه جمال ابتسامة فخورة تبعها تعبير ناعم سرعان ما اختفى .. لكنه لم يفت عيني ود العمدة البارعتين في التقاط التفاصيل .. قطب حاجبيه بعد ان بدات فكرة غامضة تتشكل في عقله ... نقل نظراته ما بين حفيدته الحالمة .. وجمال الهادئ .. ضربه الادارك كالبرق .. واحرق روحه الكهلة .. بدات جملة مخيفة تتردد في عقله ... واستمرت بالحاح مقيت حتى اوى الى سريره ليلاً..
- جمال ومنال ؟؟!! معقولة ؟؟!! ... مستحيل ..
اغمض عينيه وهز راسه حتى ينفض عنه الفكرة ... تواترت الى ذاكرته المتعبة احداث متفرقة لم تكن تعنى شيئا ساعة حدوثها .. لكن تبعاً لادراكه الجديد اصبح لها معنى مختلف ... بدات التفاصيل تتجمع مع بعضها كقطع الاحجية المثتناثرة .. واصبح السؤال يدوي في عقله كقرع الطبول ..
- جمال ومنال ؟؟!! معقولة ؟؟!! ... مستحيل ..




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-14, 08:14 PM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثاني والعشرون

عزلت رحمة نفسها في غرفة نومها وهي تتلهف لقراءة خطاب شقيقتها منذ ان سلمه اياها محمود ظهراً عند عودته من العمل .. وضعته في جيب قميصها وظلت تتحسسه كل دقيقة للتاكد من وجوده في مكانه .. كان صبرها يقل كل ما بدات في مهمة جديدة من مهامها المنزلية ..اخيراً وعندما تفرغت تماماً تربعت في منتصف سريرها وحملت الظرف الازرق ضمته الى صدرها واستنشقت رائحته بشوق ... لقد اعتادت منال ان تضع لها بضع قطرات من عطرها المفضل داخل كل رسالة فترسل لها لمحة منها يبقى عبيرها لفترة طويلة .. بدأت القراءة الاولى التي كانت تتبعها عادة قراءت اخرى حتى تكاد تحفظ مواقع النقاط والفواصل المكتوبة بخط منال المنظم الانيق ...



ستوكهلم 12 سبتمبر ...



اختي الحبيبة رحمة .. قبل أي شئ خليني اقول ليك كل سنة وانتي طيبة .. وعقبال مية سنة من العمر المليان صحة وعافية يا رب ... اتمنى جوابي دة يوصلك في نفس يوم عيد ميلادك .. ما تخافي طبعا حاضرب ليك تلفون لاني مشتاقة لصوتك وصوت العيال .. لكن رسلت ليك الجواب عشان عارفة هوسك في الاحتفاظ بجواباتي ...
ابتسمت رحمة وهي تسترق نظرة خاطفة الى الصندوق الخشبي الصغير المطعم بالصدف وهو يحتل مكانه الاثير بجانب سريرها ... كانت تحتفظ فيه بكل رسائل منال التي بدات ترسلها لها بعد مغادرتها البلاد منذ اربع سنوات لم تعد فيها الا مرة واحدة عند وفاة جدهم حامد ود العمدة الذي رحل بهدؤ اثناء نومه وعلى وجهه شبح ابتسامة غامضة .. لم تستطع اللحاق بمراسم الدفن التي تمت في القرية حيث دفن في قبر ملاصق لقبر زوجته الاخيرة امونة وطفلهما كما اوصى قبل موته بزمن طويل .. عند وصولها متعبة وحزينة بعد رحلتها الطويلة ارتفعت حرارة البكاء مرة اخرى .. وعندما احتضتنها بلقيس بعنف .. لاحظت رحمة الغمزات المتطايرة بين اهل والدتها المحتجين على سفر منال وبقاءها وحيدة في دولة اوربية .. لقد كانت حاضرة اثناء غالبية المشاحنات التي وقعت بين امها واهلها ... كانت بلقيس تدافع بحرارة عن حق ابنتها في التعليم ...
- منال من حقها تتعلم لغاية آخر درجة في التعليم ..انتو ليه عاوزني امنعها ؟؟ عشان هي بت ؟؟ وشنو يعني بت ؟؟ انا بتي مربياها كويس .. بثق فيها وفي اخلاقها وتصرفاتها .. شنو المشكلة انها تكون براها .. حتعمل حاجة غلط يعني ؟؟ طيب هي لو عاوزة تغلط وهي قاعدة هنا ومعاي في بيت واحد تفتكروا انا بقدر امنعها ؟؟ انتو عايشين وين ؟؟ زمن الرقابة حقت الاهل البسالوا البت ماشة وين وجاية من وين ومصاحبة منو دي انتهت زمان ... الزمن الفينا دة الرقابة بقت الا من جوة البني آدم براهو .. والواحدة لو عاوزة تعمل شئ غلط لا ام ولا ابو ولا اخو ولا عم بيقدر يمسكها .. هسة البنات الحايمات هنا ديل ما قاعدات مع اهلن ؟؟ قدروا يمنعوهن ؟؟!! ... حاول البعض من اهلهم تاليب الاب الغارق في ملذات حياته لمنع ابنته من السفر .. لكنه لم يهتم ... خصوصا عندما علم بموافقة ود العمدة ومباركته لخطوة حفيدته التي اثلجت صدره بتفوقها في الحصول على الماجستير والدكتواره في زمن قياسي جعلها حديث النشرات الطبية نسبة لتخصصها الجراحي النادر ... أحست رحمة بغصة في قلبها لابتعاد شقيقتها الوحيدة .. وكانت من اشد المعارضين لقرار سفرها .. لكن اصرار منال الشديد ... وموافقة بلقيس المترددة التي حسمتها موافقة ود العمدة وحماسه الشديد للفكرة جعلها تصبح واقع خيم بظله الحزين على كل اهل البيت .. وخلال اقل من شهر كانت منال قد انهت كل اجراءتها ... لم يثنها شئ لتاجيل مواعيد رحيلها .. حتى توسلات صديقتها الحميمة جاكلين للبقاء بضعة ايام فقط لحضور زواج جمال لم تجعلها تغير رائيها .. اعتذرت وتعللت بمطالبة الجامعة لها بالحضور في موعد محدد للحاق بالفصل الدراسي ... خلال تلك الايام اصبحت رحمة تتبع منال كظلها وهي لا تكاد تصدق بانهما سوف تفترقان .. لكن تصرفات منال كانت تصيبها بالحيرة .. فقد بدأ وكأن شقيقتها تتهرب من البقاء مع افراد اسرتها وتفضل التغيب خارج المنزل لساعات طويلة بحجة تجهيز الاوراق اللازمة للسفر .. وحتى عندما تعود من مشاويرها التي لا تنتهي كانت تتظاهر بالتعب لتبقى وحيدة في غرفتها .. وتبكي ...
كان حزن منال العميق يفزعها .. لقد اعتادتها مرحة حتى في اصعب الاوقات ... لكنها خلال الشهر الاخير تحولت الى مخلوقة اخرى .. اختفت ضحكاتها وغابت ابتسامتها .. نحل جسدها وعافت نفسها رفقة احبابها .. لقد بذلت هي وامهما المستحيل لمعرفة اسباب حالتهاالغريبة .. لم تكلا من سؤالها ... وكان جوابها مماثلاً في كل مرة .. وتذكرت رحمة آخر نقاش دار بينهما واثار مزيداً من القلق في نفسيهما ...
- يا جماعة انا كويسة ما عندي حاجة .. بس الشغل كتير وانا مضغوطة شديد .. ما تقلقوا .. ايام وبتعدي ...
- طيب يا بتي اخدي اجازة وارتاحي لغاية مواعيد سفرك ما تجي .. يعني انتي حتفضلي تساسقي كدة لغاية يوم السفر ولا شنو ؟؟!!...
- اجازة ؟؟ لا يا امي ما عاوزة اجازة .. مش بيقولوا الشغل الكتير هو احسن علاج للزول عشان ينسى همومو ؟؟ ..
- هموم ؟؟ وانتي هموم شنو العندك يا منال ؟؟ يا بتي الله يرضى عليك وريني مالك .. لو عندك مشكلة احكي لي .. مش انا طول عمري باتعامل معاك انتي واختك على اساس اننا صحبات ؟؟ وريني الحاصل عليك شنو ... احكي لي مالك ..
- قلت ليكم مافي حاجة .. ما تكبّروا المواضيع ساكت .. انا كويسة .. العندي دة شوية ارهاق .. لكن انتي عارفاني يا امي انا بحب شغلي وما بلقي نفسي الا فيهو ...
- طيب يا منال ما تفكري في العريس المتقدم ليك دة .. يا بتي الولد ممتاز .. ادي نفسك فرصة تعرفيهو وبعدين قرري ايوة ولا لا .. لكن ما منطق انك ترفضي طوالي كدة من غير حتى ما تعرفي اي حاجة عنو ..
- امي الله يخليك ما تعكننيني بسيرة العرس دي .. انا قلت ليكم من زمان ما بفكر في الموضوع دة هسة .. لمن يجي وقتو ..
- ووقتو دة حيجي متين انشاء الله ؟؟ حددي لي بعد كم شهر ولا كم سنة ؟؟ يا منال انتي كبرتي والقدرك كلهم عرسوا زمان واولادهم بقوا كبار .. وريني بس منتظرة شنو ؟؟ لو عندك زول معين في راسك كلميني بيهو .. وصدقيني مهما كان ما حنرفضو لاننا بنثق فيك وفي اختيارك ...
ردت منال بمشاغبة اعادت اليهم جزء من صورتها القديمة ...
- متاكدة يا امي ؟؟!! .. مهما كان حتوافقوا ؟؟!! اوعي بعدين تنطي من الكلام دة .. خليك شاهدة يا رحمة ..
بدت في عينيها نظرة جادة برغم صوتها المازح ... وعندما رات علامات التوجس تتقمص ملامح امها انهت النقاش بضحكة حزينة تبعتها اثناء انسحابها مخلفة ورائها عشرات الاسئلة في راس الام المتحسرة ... تذكرت رحمة اختفاء منال الغامض لعدة ساعات قبيل سفرها بيوم .. خرجت بصمت دون ان تخبر احدا عن مقصدها .. وعادت بحالة مزرية .. كانت ملابسها المجعدة الفضفاضة تنبئ عن كمية الوزن الذي فقدته خلال الفترة الماضية .. ارتمى شعرها المشعث وراء ظهرها باهمال .. بينما شعت عيناها المنتفختان بلون احمر وسط بشرة وجهها الشاحبة .. بهت الجميع لمرآها واكثرهم بلقيس التي اصابها الفزع على حال ابنتها .. فقد بدت كجثة تسير على قدمين .. وعندما حاولت ان تتبعها الى غرفتها التي دخلتها بشرود دون ان تلقي بالاً لافراد اسرتها المجتمعين بانتظارها .. ثبتها ود العمدة بحركة حازمة من عصاه ...
- خليها يا بلقيس .. منال بتمر بظرف نفسي صعب ما تضغطي عليها ... وهسة مافي أي زول يحاول يتكلم معاها .. خلوها لغاية ما تروق ..
- لكن يا ابوي ما شايف البت شكلها بقى كيف ؟؟!! هو سفرها دة في زول جابرها عليهو ؟؟!! مش براها المصرة وعاوزة تمشي ؟؟!! لو ما قادرة عليهو خلاص تخليو وتقعد تواصل تحضير هنا واهو عندها شغلها .. وتكون جنب الناس ...
- لا يا بلقيس .. منال لازم تسافر ...
اصيب الجميع بالاستغراب لرده الحاسم .. واندهشوا من حماسه واصراره على سفر حفيدته بعد توقعاتهم بان يكون اكبر رافض ومعارض للفكرة .. واصبح موقفه مبعث حيرة وتساؤل لدى افراد اسرته..
كانت رحمة تنتقل ما بين سطور الخطاب القابع في حجرها وذكرياتها التي تلغي الحاضر وتعود بها الى تلك الايام التعيسة التي اعقبت سفر منال .. لقد احست وكأن جزء من جسدها قد بتر ودخلت في كآبة عميقة جعلتها تهمل حتى زوجها وطفلها .. تحلى محمود بصبر فائق واصبح يعاملها برقة وحنان اكثر مما سبق حتى تغلبت على غياب توأم روحها وبدات تتعامل معه كامر واقع ...لكن اذداد قلقها لانقطاع اخبار منال طيلة الاربعة اشهر الاولى .. لم يصلهم منها غير مكالمة يتيمة اخبرتهم فيها بوصولها بسلام واستقرارها في الجامعة .. ثم تبعها صمت تام جعل بلقيس تكاد تموت لولا مواساة ود العمدة الذي كان يتكلم عن منال بحزن غريب ... عندما وصلتها اول رسالة بعد الانقطاع القاسي صارت ترياقاً لروحها المعذبة ...
اكملت رحمة قراءة الخطاب .. اعادت ضمه الى صدرها .. مسحت دموعها التي ترافقها في قراءة كل رسالة .. ثم اخرجت الاقلام ومجموعة الاوراق من الدرج وبدات في كتابة رد طويل يحتوي على ادق التفاصيل والاحداث التي حدثت في حياتها وحياة اهل الحوش منذ الخطاب الاخير ...
كانت استفاضتها في السرد مبعث راحة لمنال التي تربعت في منتصف السرير الضيق بغرفة استراحة الاطباء بمستشفى استوكهلم العام .. كانت تلتهم السطور بلهفة وهي تحس بالامتنان لشقيقتها التي لا تغفل شاردة ولا واردة بدون ان تذكرها لها مما جعلها تشعر بانها ما زالت هناك .. تعيش معهم وتشاركهم تفاصيل حياتهم .. خصوصا بعد الانعزال المتعمد الذي مارسته خلال الشهور الاولى لوصولها .. كانت بحاجة لان تقطع كل صلاتها بالسودان .. وكل شئ يذكرها بجمال ... دق قلبها دقات متتالية عندما مر اسمه في خيالها ... ما زالت ذكراه تحرك مشاعرها برغم مرور كل هذه السنوات على فراقهما ... جمال هو الرجل الوحيد الذي ثملت بحبه منذ سنوات مراهقتها الاولى ... الرجل الوحيد الذي استطاع ان يعزف اوتارها الصحيحة ويمتلك مفاتيح حواسها .. فهو لم يكن بالنسبة لها مجرد حبيب فقط .. كانت تحسه الاب الذى تخلى عنها .. والشقيق الذي لم تحظ به قط والصديق الذي يكمل جملتها الناقصة .. كانت تحس معه بامان لا حدود له ويمنحها وجوده سعادة مفرطة .. معه لم تكن تحتاج لكتير من الكلمات .. تكفيه نظرة ليفهم ما تريد .. لقد وصلا الى مرحلة من التفاهم النادر جعلتهما يؤمنان بان لا حياة لاحدهما دون الآخر ... لذلك كانت صدمتها عنيفة عندما طلب منها ان تلتقيه في احدى الكفتريات الهادئة التي اعتادا على الجلوس فيها .. عندما راته قادماً من بعيد بدا لها وكانه انسان آخر بملامح مختلفة .. كان قد اختفى منذ ثلاثة ايام بعد ان اخبرها في اتصال تلفوني مقتضب بانه سيبقى في المستشفى لحالة طارئة ولن يستطيع التواصل معها..
- بسم الله يا جمال .. مالك شكلك عامل كدة ؟؟ .. انت عيان ولا حصل شنو في المستشفى ؟؟!! ...
ولاول مرة في تاريخ علاقتهما بات الصمت ردا على سؤالها .. افزعتها نظراته الميتة التي تتفادى عينيها المتلهفتين لعناق عينيه ... كما افزعتها الرائحة المنبعثة من جسده والتي دلت على عدم استحمامه منذ مدة .. لقد اعتادته نظيفاً .. انيقاً .. عطر الرائحة .. مرت عليها لحظات صمته كالدهر وبدا الخوف يتفاعل ويتصاعد بداخلها كالبركان .. كان القادم اسوأ مما تستطيع تحمله ...
- منال .. انا ما كنت في المستشفى ولا عندي حالة طارئة زي ما قلت ليك ... انا اختفيت لاني ما كنت قادر اواجهك ولا عارف اقول ليك الحقيقة .. لانو الحقيقة عاملة زي قصة من القصص الرخيصة البعملوها في المسلسلات ... حاجة كدة اصعب من إنها تتصدق او الانسان يقدر يتعامل معاها ... نوع من مفاجآت الحياة القاسية الممكن نتخيل تحصل للناس التانيين لكن ما تحصل لينا ... سامحيني يا منال .. سامحيني لاني مضطرأخون عهدي القطعتو ليك وانهي أي حاجة بيناتنا لاني خلاص حاخطب واحدة قريبة طنط ايزيس الاسبوع الجاي .. والعرس حيكون بعد شهر ..
لم تستمع الى بقية كلماته بعد ان بدأ طنين حاد يدوي داخل اذنيها .. احست بكل ما حولها يدور ببطء كانه مشهد في فلم سينمائي .. وبدات الطاولات والمقاعد تلعب فوق راسها .. والجدران تقترب حتى اطبقت عليها ... قطرات ماء باردة على وجهها جعلتها تستعيد قدرتها على الادراك بما حولها كان جمال واقفاً فوق راسها وهو يمسح وجهها بمنديله المبلل محاولاً اجبارها على احتساء جرعة ماء نفضت يده بعنف وهي تتمتم ...
- انا اكيد بحلم .. مستحيل دة يكون حقيقي .. دة كابوس ...
ارتمى جمال على كرسيه بتعب وخرج صوته مصبوغاً بمرارة موجعة ..
- منال ماما بتموت .. ما باقي ليها كتير .. سرطان في المعدة في مرحلة متقدمة ما بنفع معاها أي علاج ...
شهقت منال بالم ... كانت رجاء بالنسبة لها ام اخرى احبتها كما احبت بلقيس ... لم يلتفت جمال لرد فعلها وواصل كلماته كانه يكلم نفسه ...
- ما كانت بتشتكي من أي شئ .. زي عوايدها بتتالم بصمت .. كانت مفتكرة الموضوع بسيط .. القرحة قايمة عليها عشان ما ملتزمة بالاكل ولازم تطبخ بالسمن البلدي والشطة الخضرا .. او يمكن وجع معدة من كترت الحبوب البتبلعها .. قبل تلاتة يوم لقيتها في اوضتها بتبكي .. الالم شد عليها وبقت ما قادرة تتحمل .. شلتها جريت بها المستشفى وعملت ليها كل الفحوصات والتحاليل .. الدكتور قال اننا اكتشفنا المرض بعد فوات الاوان .. وانو خلاص مافي أي علاج حينفع بعد دة الا المسكنات ... حاولت اغشها واقول ليها انو ما عندها حاجة وانها بتتدلع زي كل مرة .. لكن ما صدقتني واصرت ترجع البيت ورفضت تقعد في المستشفى ... منال .. انا الايام الفاتت كنت بموت في كل لحظة وانا حاسي بالعجز قدام المها ... لعنت شهاداتي وقرايتي الما قدرت استفيد منها عشان اخفف بيها عن اعز الناس .. وفي نفس الوقت ما قادر افضفض لزول حتى خالو وجاكلين ما قدرت اكلمهم خفت يبان عليهم وماما تحس ونفسيتها تتدهور زيادة ... اول امبارح نادتني في اوضتها كان كلامها واضح شديد .. قالت لي انها عارفة انو اجلها خلاص قرب .. وانها ما خايفة من الموت بالعكس مبسوطة لانها ماشة لبابا وجانيت ... لكن عندها طلب اخير لازم انفذو ليها عشان تمشي راضية وسعيدة .. اني اتزوج العروس الرشحتها لي طنط ايزيس .. قالت عاوزة تموت وهي مطمنة اني استقريت وعملت اسرة .. عارفة انا قعدت بعد كلامها دة ساعتين بالضبط احاول اقنعها انها تصرف نظر عن الموضوع .. اتحججت بكل الحجج الممكن تتخيليها ... في النهاية لمن حسيت انها ما مقتنعة قربت احكي ليها عننا .. انا عارف هي بتحبك قدر شنو ... بس مسكت روحي في آخر لحظة خفت كلامي يزيد مرضها ... في النهاية قالت لي يا اما اوافق على العروس او حتخاصمني لغاية آخر يوم في عمرها .. وحتموت وهي غضبانة علي .. وكمان ما حتبلع الادوية ولا حتاكل ولا تشرب ...
في الاول يا منال كنت قايلها بتهوش ساكت عشان انا اوافق .. وقلت اخليها كم يوم وانا متاكد انها حتنسى كلامها كلو ..لكن الحصل عكس توقعاتي .. اصرت على موقفها بصورة غريبة .. رفضت الاكل والشراب والحبوب المسكنة .. رفضت تتكلم معاي وبقت لمن ادخل عليها بتدور وشها الناحية التانية .. قعدت يومين من غير ما تاكل ولا تاخد علاج .. انا بقيت زي المجنون وما عارف اعمل شنو .. اتصلت بخالو وجاكلين وناديتهم يمكن يقنعوها تاكل وتبلع الادوية من غير ما اوريهم تفاصيل مرضها .. لكن عندت مع الكل ومافي أي زول قدر عليها .. بدا المها يزيد في كل لحظة عن التانية .. اتخيلي بس يا منال الحالة الانا كنت فيها .. ما كان قدامي أي خيار تاني غير اني اوافق على العروس عشان ترضى تاكل وتبلع الحبوب .. ما قدرت اقيف اتفرج عليها وانا شايف الالم بيقطعها بدون ما اعمل حاجة .. كنت مستعد اعمل أي حاجة في الدنيا عشان هي ترتاح .. دي ماما يا منال .. وانتي اكتر واحدة عارفة يعني شنو ماما بالنسبة لي ...
ارتج جسده ببكاء مكبوت .. وتمردت دموعه فسالت بغزارة ... هالها منظره .. والبؤس الذي يتقطر منه .. احست بعجزه وقلة حيلته .. لم تستطع تحمل رؤيته بهذه الحال .... فتمالكت نفسها .. وحاربت كل المشاعر التي تصطخب بداخلها ... وخرج صوتها ثابتاً بشكل ادهشها هي شخصياً ...
- بس يا جمال .. ما تنهار بالصورة دي ... انا هسة خلاص بقيت فاهمة ومقدرة ظروفك عارفة انو القرار دة انت اخدتو غصباً عنك ... دي امك الربتك وتعبت فيك لغاية ما بقيت راجل ودكتور مشهور .. ضحت بكل حاجة عشانك انت واخواتك .. ودة الوقت المفروض تردوا ليها جزء من العملتو ليكم ... حتى انا ما برضى أي حاجة تحصل لخالتي رجاء بسببنا .. ولا بقدر اتحمل وزر الشئ دة .. ربنا اراد كدة حنعمل شنو ؟؟ دة قدرنا .. وما قدامنا غير اننا نقبلو..
كان لسانها يردد الكلمات الجوفاء بآلية بينما دواخلها تغلي بالرفض والاحتجاج الذي لم تجرؤ على اعلانه .. بدت ملامحها هادئة ولم يظهر فيها السواد الذي احتل روحها وصبغ عالمها بلونه الكئيب .. كان عزاؤها انه يتخلى عنها لاجل سبب نبيل .. لم يكن ما يفعله مجرد عذر للتملص من علاقتهما .. كانت واثقة من حبه لها ورغبته فيها .. لقد اثبت لها اخلاصه وصدق مشاعره بكل طريقة ممكنة طيلة السنوات الماضية .. ادركت صعوبة ما يحدث عليه .. لانها احست بكل ما يدور في اعماقه .. فقد كان يدور في اعماقها بنفس العنف والقسوة .. لكنها اختارت ان تتماسك ... كان على احدهما ان يفعل ...
- منال انا ما عارف كيف هعيش من غيرك !! كيف واحدة تانية تبقى مرتي ؟؟!! ... حديها شنو ؟؟!! ما عندي شئ اديهو لاي انسانة تانية غيرك .. لاني اديتك كل احساس جواي من يوم ما عرفتك .. انا اتعلمت الحب على ايديك .. عرفت يعني شنو رغبة لمن بكون جنبك ... شفت الدنيا بعيونك .. حسيتها باحساسك .. كنت حريص على مستقبلي عشانك وعشان اولادنا الجايين .. كنت بنوم عشان احلم بيك .. واصحى عشان اشوفك والاقيك ... بقيت آكل الاكل البتحبيهو .. بامشي الحتت البتفضليها .. بالبس الهدوم البتعجبك .. باتعطر بالريحة البتختاريها لي .. كل ما ارفع يدي واعاين للساعة بتذكر انها هديتك لي يوم التخرج .. دة انا حتى اضافريني باقصها بالطريقة الانتي بتحبيها .. يلا وريني مفروض اعمل شنو عشان انسى دة كلو ؟؟!! .. وريني الطريقة البتخليني اعيش من غير ما اشوفك في كل زاوية من افكاري .. وريني كيف اقبل الواقع الاتفرض علي دة من غير ما اجن ؟؟!! ...
عندما خرجت منال من الكافتريا كانت قد تحولت الى شخص آخر .. انطفأت كل الاشياء بداخلها .. لم يتبق من مشاعرها سوى رماد باهت .. ظلت تدور في الشوارع على غير هدى دون ان تحس بحركة البشر حولها .. لم تنم ليلتها .. ولا عدة ليال اخرى بعدها .. فقدت الاحساس بكل شئ حولها وفقدت الرغبة في كل شئ .. عافت نفسها الاكل والكلام حتى عملها .. اعتكفت في غرفتها وادّعت المرض حتى تبرر حالتها الغريبة ..
وفي اليوم الذي حضرت فيه جاكلين بانفاس لاهثة كي تدعوهم لحفل خطبة جمال .. زارها جدها في غرفتها لاول مرة .. جلس في طرف السرير المقابل لها .. ثبت راسه على كفتي يديه المتكئتين على عصاه .. تفحصتها نظراته بالم .. وادراك ...
- منال .. انتي مش كنتي مرة لمحتي لي انو الجامعة عرضت عليك منحة تحضير في السويد وانا رفضت ؟؟
رفعت راسها بدهشة ونظرت الى العجوز الهادئ ... احست بنظراته تغوص عميقاً داخل روحها وتفضح اسرارها .. لم تتكلم .. نزلت ببطء من سريرها .. جلست ارضاً تحت قدميه ووضعت راسها على حجره وبكت .. لم يقاطع نحيبها الذي طال .. وظلت يداه تربتان على راسها وكتفيها بحنان وتفهم حتى توقفت اهتزازات جسدها وهدأت انفاسها ...
- انا موافق تسافري يا منال .. ومتاكد انو السفر حيفيدك في حاجات كتيرة .. عاوزك من بكرة تمشي الجامعة وتبدي تجهزي اوراقك .. عندك مبلغ مفتوح .. أي حاجة عاوزاها اعمليها .. ولغاية نهاية الشهر عاوزك تكوني خلصتي كل شئ وسافرتي ...
قفز قلبها قفزات متتالية وتحاومت الشكوك حول راسها .. هل يعرف جدها شيئاً عن علاقتها بجمال ؟؟!! لماذا زارها اليوم تحديداً ؟؟ ولماذا يصر على سفرها قبل زواج جمال الذي حدد له بداية الشهر الجديد ؟؟ لم تجرؤ على سؤاله .. واكتفت بالضؤ الاخضر الذي فتحه لها لتهرب من مكان لم يعد يسعها .. واصبحت فكرة السفر هي ما يربطها بالحياة .. ركزت كل تفكيرها في انهاء اجراءتها والمغادرة قبل اليوم الذي سيصبح فيه جمال رسميا ملكا لامراة اخرى غيرها .. لم تكن ستحتمل رؤيته مع اخرى .. وساعدتها اعضائها عندما اصيبت فعلياً بالمرض يوم حفل خطبته وارتفعت حرارتها الى درجة مخيفة وكادت تستفرغ احشائها عندما انتهت سوائل جسدها في سيل لا ينقطع من القئ .. اصر جدها على ذهاب الجميع الى الكنيسة لمجاملة رجاء .. وبقى هو معها يحيطها برعايته بصمت يحمل الكثير من الاسرار .. كانت ممتنة له الى ابعد الحدود واذدادت له احتراماً وحباً خصوصاً بعد ان تحول شكها في علمه بمشاعرها تجاه جمال الى يقين دون ان يطالبها باي شرح او تفسير ...
كانت قد حرصت على تجنب حدوث أي مصادفة تجمعها بجمال بعد اعلان خطبته .. لم تكن تثق برد فعل حواسها ان راته امامها .. وبرغم ذلك ظلت اخباره تصلها من تعليقات اهل الحوش المتناثرة ..
- انتو يا جماعة ما ملاحظين جمال ولد خالتي رجاء دة اتغير كيف ؟؟!! بقى ضعيف زي القشة ومبهدل وما مهتمي بروحو زي زمان ...
- آي والله كلامك صح .. وكمان بقى دمو تقيل لا بضحك ولا بتونس وطوااالي صاري وشو زي الكانو شايل هموم الدنيا فوق راسو ...
- دة كلو كوم ويوم خطوبتو كوم براهو ... الناس كلها علقت على شكلو .. الولد تقول ماشي في جنازة ؟؟ حزين وواقف بعيد من العروس زي الما عاوزها ...
- يختي موضوع العرس دة فيهو إنّة .. لانو واحد من العيال قال لي كانوا بيفتشوا على الحمام .. قاموا مشوا ورا الكنيسة .. شافوهوا واقف هناك براهو ببكي زي الشفع الصغار .. يا ربي هو ما عاوز العروس دي ومجبور عليها ولا شنو ؟؟!! ...
كانت هذه التعليقات تزيدها اصراراً على تجنبه .. فرؤيتها له بهذه الحالة قد تهدم كل الحواجز التي استماتت في بنائها داخل قلبها وعقلها طيلة الفترة الماضية ...لذلك ظلت يومياَ تراقب منزلهم بحرص تحيناً لفرصة اختفاء سيارته من امام الباب حتى تستطيع توديع رجاء قبل رحيلها الذي آن اوانه .. حصلت على مبتغاها قبل سفرها بيومين فسارعت الى منزلهم باستعجال مخافة رجوعه قبل انصرافها ...التمست له كل الاعذار عندما رات رجاء التي اصبحت شبحا هزيلاً وبالكاد استطاعت رفع يدها لترد تحية منال التي احتضنتها بشدة واغروقت عيناها بالدموع وهي تستمع الى صوتها الواهن ..
- معقولة يا منال ؟؟!! .. صحي الكلام السمعتو دة ؟؟ حتخلي البلد وتمشي ؟؟!! هان عليك يا بت تخلينا وتخلي امك واختك وكل حبايبك وتمشي آخر الدنيا ؟؟!! ليه يعني ؟؟ هنا مافي تحضير ؟؟!! وكمان ما عاوزة تأجلي سفرك اسبوع بس عشان تحضري عرس جمال ؟؟ الخطوبة كنتي عيانة ما زعلت منك لمن ما جيتي .... لكن هسة بالجد زعلانة منك ..
- عليك الله ما تزعلي مني يا خالتي رجاء .. انتي عارفاني ما بتحمل زعلك .. لكن اعمل شنو الظروف جات كدة .. لازم اكون هناك في تاريخ محدد وما بقدر اتاخر عليهم ولا يوم واحد .. انتي عارفة الخواجات ديل دقيقين شديد في مسالة المواعيد .. جمال ربنا يوفقو ويسعدو ويديك انتي الصحة والعافية عشان تشيلي اولادو وتفرحي بيهم ..
- أولادو ؟؟ يا بتي مين يعيش ؟؟ .. انا بس الله يديني عمر احضر عرسو واطمن عليهو قبل ما امشي .. صدقيني يا منال انا عارفة اني جبرتو على العروسة دي وهو ما عاوزها .. لكن بكرة حيفهم انا عملت كدة ليه وحيسامحني .. هسة خلينا من الكلام دة كلو .. ما تغيري رايك يا بت وتقعدي تحضري العرس وتبقي شبينة مع جاكلين ... وحياتي يا منال لو بتعزيني اجلي سفرك اسبوع ...
كانت كلمات رجاء تنغرز في روحها كسكين من نار تشعل وجعها وتحيل دواخلها الى غابة من اللهب ... تملصت من الالحاح بلباقة .. وكانت لحظات الوداع مؤلمة .. ارتفع صوت نحيب منال ورجاء حتى طغى على صراخ جانيت الصغيرة الخائفة من جو الحزن الثقيل المسيطر على الجميع .. جرّت منال قدميها بتعب الى الخارج .. وعندما وصلت الى منتصف المسافة بين المنزل والباب الخارجي احست بوجود جمال قبل ان تراه .. اصيبت بالذعر وبدات تتلفت بحثا عن مكان تختبئ فيه .. عندما فتح جمال الباب وجدها مسمرة في مكانها وراسها يدور بيأس فتسمر هو الآخر .. لم تدر منال لكم من الوقت ظلا واقفين هل هي ثوان .. ام دقائق .. او ربما ساعات .. كان الصمت بينهما مشحوناً بالآف الكلمات .. وتحررا اخيرا من اسره على صوت فرامل سيارة مسرعة في الشارع ... تقدم جمال نحوها ببطء ماداً يده .. التقطتها بلهفة وهي تحاول ان تسيطر على رعشتها .. وخرج صوتها همساً ..
- اهلاً يا جمال .. معليش ما قدرت اجي خطوبتك .. مبرو....
- لا يا منال .. اوعي تقوليها .. اوعي تباركي لي .. انتي بالذات ما حستحمل اسمعها منك ... وبعدين في زول بيباركو ليهو حكم اعدامو ؟؟ عاوز اسالك سؤال وجاوبيني عليهو بصراحة .. ليه بتتجنبيني يا منال ؟؟ ليه قسيتي علي كدة وحرمتيني من شوفتك ؟؟!! حتى الحقنة الكنتي بتديها لماما وانا كنت مأمل انها تبقى سبب عشان ما تغيبي عني اعتذرتي عنها !! .. انا يوميا بفتش عليك .. في الشارع .. في الكلية .. حتى المستشفى مشيت سالت عنك وعرفت انك قبلتي المنحة بتاعت السويد ومسافرة قريب .. كنتي حتسافري من غير ما تكلميني ؟؟!! من غير ما تودعيني ؟؟!! .. معقولة يا منال ؟؟ قلبك قسى للدرجة دي ؟؟!! ..
- حرام عليك يا جمال .. كفاية اسكت.. انت ما عارف كلامك دة بيعمل فيني شنو .. ما عارف انا عملت شنو عشان امنع نفسك من شوفتك وملاقاتك .. كنت متخيلة انك حتفهم اني عملت كدة عشانا احنا الاتنين .. كان لازم ابعد عنك باي طريقة .. ملاقاتنا لبعض ما كان حيكون عندها معنى غير العذاب لينا الاتنين .. عذاب ما حنقدر نتحملو .. واهو كل واحد فينا بدا مرحلة جديدة من حياتو ولازم يمشي فيها .. انا بصراحة ما كنت ناوية اودعك .. لكن طالما لاقيتك حقول ليك مع السلامة لاني مسافرة بعد بكرة ...
- بعد بكرة ؟؟!! بعد بكرة يا منال وما كنتي عاوزة تودعيني .. ما كنت هتخليني اشوفك قبل ما تختفي من حياتي لفترة ما يعلم بيها الا ربنا ؟؟ يا الله يا منال .. دة كتير .. كتير علي شديد .. شوفي لازم الاقيك بكرة .. ما تهزي راسك ولا تقولي لا .. دة حقي عندك .. حق العشرين سنة البنحب فيهم بعض .. حق الذكريات الفاتت .. وحق العمر الجاي بدونك .. لازم يا منال .. اديني ساعة واحدة بس .. ساعة تبقى لي ذكرى اعيش عليها ارجوك ما ترفضي ...
عندما اندست داخل سيارته في اليوم التالي كانت موقنة بان موافقتها على لقائه غلطة ستندم عليها فيما بعد .. ظلت صامتة طيلة الطريق ولم تساله حتى الى اين يأخذها .. اندهشت عندما توقف امام بناية ما زالت قيد الانشاء في احدى الضواحي الجديدة الهادئة .. نزلت بتردد سرعان ما اختفى عندما رات نظرة لوم جريح في عيني جمال .. مد لها يده وهو يقودها بحرص بين بقايا الخشب والطوب والاسمنت .. خرجت همسة احتجاج من بين شفتيها عندما اخرج من جيب قميصه مفتاح صغير ادخله في باب الشقة الارضية ...
- جمال ؟؟!! ...
- منال .. انتي لسة بتثقي فيني ؟؟!! .. عارفة يعني شنو منال بالنسبة لجمال ؟؟!!
- ايوة ..
- طيب ادخلي ..
وجدت امامها صالة فسيحة بنوافذ زجاجية عريضة وطليت جدرانها باللون الزهري الفاتح .. لونها المفضل .. كانت خالية من الاثاث الا كنبة طويلة امامها جهاز تلفزيون صغير .. تجولت نظراتها بتساؤل بين وجه جمال والمكان ...
- دي شقتك يا منال .. كانت حتكون هديتي ليك يوم عرسنا .. كنت عاملها ليك مفاجأة .. اول ما وضعي المادي بدأ يتحسن فكرت اجيب ليك هدية تفضل ليك العمر كلو .. قريبي مقاول عرضها علي واشتريتها منو بالتقسيط .. وسجلتها باسمك .. وحتفضل حقتك برغم الحصل .. على الاقل حتكون الحاجة الوحيدة القدرت اديها ليك فعلاً .. ضربت الحيط بالوانك المفضلة .... كنت بجي هنا يوميا تقريباً عشان اشرف على الشغل والتشطيب .. وكنت بفكر حتى لمن نطلع برة نأجرها وتبقى لينا استثمار كويس جوة السودان .. هسة ما عارف اعمل فيها شنو .. انتي قرري دي شقتك ملكك .. شوفي عاوزاني اعمل فيها شنو لغاية ما ترجعي وتستلميها .

انفجرت منال في عاصفة بكاء هستيري اخافت جمال ... هرع اليها واحتضنها بقوة محاولاً ان يسيطر على ارتعاشات جسدها النحيل .. قاد خطواتها العمياء بحرص حتى اوصلها الى الكنبة فجلس واجلسها في حجره ودفنت راسها في صدره .. تسللت يده وانتزعت ربطة شعرها لتحرره شلالاً يتصادم وراء ظهرها ... كان يهمس في اذنها بكل عبارات الحب التي تعلمها لاجلها ... وعندما هدات قليلاً استلقى على ظهره وهي ما زالت سجينة ذراعيه واستقر جسدها اعلى جسده حتى لم تعد هناك أي مسافة تفصل بينهما .. تمسك بها بشدة .. وتعلقت به بيأس .. كانت يداه تجوب ظهرها المتشنج ثم ترتفع لتغوص عميقاً في خصلات شعرها المبعثر حتى هدأت تماماً واصبح نحيبها انات متقطعة .. ظلا على هذا الوضع لفترة طويلة لم يحاول فيها ان يحصل على اكثر مما هو بين يديه .. كانا صامتين كان لم يعد هناك ما يقال .. لحظتها تمنت منال لو بقيت على هذا الوضع حتى نهاية عمرها .. تمنت لو يتوقف الزمن .. تمنت لو تموت وهي بين ذراعيه ..
عندما انتبها لمرور الوقت .. كانت قد مضت ساعات على حضورهما .. انزعجت منال وهبت من رقدتها الآمنة لتحس فوراً بالفراغ والوحشة ... وبرد يخترق عظامها .. دمعت عيناها مرة اخرى عندما ادركت بانه هذا سيكون مصيرها حتى آخر العمر .. ترافقا بصمت حتى الباب ... وقبل ان يدير جمال المفتاح التفت اليها وفاجأها بقبلة جائعة .. حاولت التملص منه في البداية .. ثم استسلمت لطوفان مشاعرها وبادلته قبلته باخرى اعمق منها .. احست بانها تمتص جزء من روحه لتحجزه داخلها .. وتمنحه جزء منها ليبقى داخله .. عندما انفصلا كانت الدموع تملا وجهيهما .. لازمهما الصمت حتى نزلت منال من السيارة في مكان بعيد من منزلهم .. اغلقت الباب خلفها وركضت بعيداً دون ان تلقي نظرة اخرى عليه .. ودون ان تهتم لمنظر شعرها المشعث وملابسها المجعدة وعينيها الحمراوتين ...
عندما وصلت منال الى منفاها الاختياري .. دفنت همومها في رفوف المكتبات وبين صفحات الكتب .. رفضت ببرود أي علاقة اجتماعية عرضت عليها .. واصبحت مشهورة بوحدتها .. وتفوقها .. انجزت الماجستير في اقل من الوقت المحدد لها بكثير .. وتبعته بالدكتوراه .. اصبحت شبه مقيمة في المستشفى ولا تعود الى شقتها الصغير الانيقة الا نادراً ... كانت اخبار جمال تاتيها من ضمن التفاصيل الاخرى في خطابات رحمة .. ما زال نجمه يصعد في مجال تخصصه واصبح مرجعا يستعان به في الحالات الصعبة برغم صغر سنه وحداثة خبرته .. اصر على الاقامة بمنزلهم ورفض ان ينتقل بعد وفاة والدته التي رحلت عقب زواجه بشهرين ... انجبت له زوجته ابنتين .. رجاء ومنال ... احست بسعادة خفية لعلمها بانه منح اسمها لاحدى ابنتيه .. كانت تشعر بالفخر كلما سمعت اخبار نجاحه من جاكلين التي ظل تواصلها معها مستمراً وحميماً .. وصريحاً .... لدرجة انها كتبت ليها في احد خطاباتها التي كانت تنافس فيها رحمة في ذكر التفاصيل ..
" عارفة يا منال الدنيا دي ما فيها عدل .. لو فيها عدل بالجد ما كانت جانيت اتقتلت بالطريقة البشعة دي .. ولا كانت اعز صاحبة لي في الدنيا سافرت وخلتني براي .. ولا جمال فقدك لاسباب انتو الاتنين ما ليكم يد فيها .. عارفاك حتستغربي لكلامي دة .. لانو دي اول مرة اوريك اني عارفة الشئ الكان بينكم .. انا عارفة من زمان .... بديت اشك انو في شئ بينكم ايام عرس رحمة .. وكنت بدعي ربنا ليل نهار انو شكوكي تطلع غلط عشان عارفة استحالة أي ارتباط .. مش عشان اختلاف الدين وبس .. عشان حاجات كتيرة تانية .. لكن كل ما يمر يوم كنت بتأكد من شكوكي .. حبكم لبعض كان واضح زي الشمس .. انا مستغربة كيف الكل ما حس بيكم ؟؟ يمكن عشان مستبعدين الشئ دة ؟؟!! او يمكن انا حسيت لاني قريبة منكم انتو الاتنين ؟؟!! .. انتو كنتو شاطرين وعرفتو تدسوا مشاعركم ورا ستاير الجيرة والصداقة وزمالة الجامعة .. لكن انا كنت بلاحظ اخوي لمن يشوفك بيحصل ليهو شنو .. كنت براقبو اول ما انتي تجي داخلة .. بيتحول لكتلة سعادة ماشة على رجلين .... ولمن تمشي ببقى زي البالونة النفستي منها الهوا ... ما كان شايف بت غيرك .. ولا قادر يحس باي واحدة تانية مهما كانت جميلة .. ياما بنات من جماعتنا رموا نفسهم عليهو .. ياما امهات لمحوا ليهو بالكلام عشان يجي ياخد بناتهم .. وهو في عالم تاني .. في عالمك انتي يا منال .. صدقيني اشقفت عليكم من مشاعركم دي .. وكل ما اجي اسالك اخاف واتراجع عشان ما تقولي ايوة .. لكن الحصل ليك انتي وجمال لمن ماما اجبرتو على موضوع الخطوبة قطع كل الشكوك جواي .. خلاني اتاكد .. خلاني احزن شديد من النتايج .. انتي خليتي البلد وهربتي .. وجمال عايش حياة زوجية تعيسة مع انسانة ما بربطو بيها غير الواجب والعيال .. طول الوقت دافن نفسو في شغلو ما بين العيادة والمستشفى .. وطول الوقت بيسالني منك ومن اخبارك .. اما مرتو المسكينة بتشتكي بانها ما لاقيهو .. لا بقعد معاها ولا بتكلم معاها الا في طلبات البيت والعيال وبتشتكي كمان انو بيفرق في المعاملة بين البنات .. بيعامل منال بطريقة مميزة شديد .. والفترة القصيرة البيكون قاعدها في البيت بيكون شايلها في حضنو .. وحتى لمن يجي ينوم بيختها بينهم في السرير " ...
علمها بتعاسة جمال عمق جراحها وزادها تصميماً على البقاء بعيداً عن وطنها حتى اثناء الاجازات الشحيحة التي كانت ترفضها وتفضل عليها التطوع والبقاء في المستشفى .. كانت اجراءات حصولها على الجواز السويدي تسير بخطى حثيثة .. وسوف ترسل لامها وشقيقتها واطفالها دعوة لزيارتها ما ان تتمكن من ذلك ..
- دكتور عبد العظيم .. مطلوبة في غرفة الجراحة رقم (7) .. دكتور عبد العظيم ...
ابتسمت منال وهي تستمع الى اسمها ينطق بطريقة غريبة من خلال الميكرفون الداخلي .. طوت الرسالة بحرص ووضعتها في جيب البنطلون الاخضر الباهت .. شدت القميص واعادت لف السماعة الطبية حول عنقها .. رسمت على وجهها ابتسامة مهنية محترفة تبعث على الاطمئنان وهي تغادر الغرفة وعبارات جدها التي اعطاها لها زاداً قبيل مغادرتها ترن في اذنيها ..
- يا منال يا بتي الحياة دي غريبة .. بتحب تعاند معانا .. بتديك الشئ الما عاوزو .. وبتشيل منك اكتر شئ انت بتتمنى تاخدو ... احياناً بعد زمن بتحن علينا وبتدينا .. واحياناً ما بتدينا خالص.. عشان تقدري تعيشي .. اتعلمي تشيلي البتديك ليهو وانتي شاكرة .. واوعك تحاولي تقالعيها في البتشيلو منك .. لانك لو قالعتيها حتعاند معاك زيادة .. وحتدخلي في دوامة ما بنتهي من الحزن والتعاسة ... اسأليني انا يا منال .. واسمعي نصيحتي .. اقبلي العندك .. واحمدي ربك عليهو ..
اصبحت تستحضر نصيحة جدها الثمينة كلما ضاقت بها نفسها .. لم تعد تطلب اكثر مما لديها .. لقد اخذت ما اعطته لها الحياة وفي اعماقها امل ضعيف بانه يوم ما .. ربما تقرر ان تمنحها السعادة التي حرمتها منها ... ربما تقرر ان تصبح عادلة معها ...










تمت بحمد الله



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-01-15, 12:06 AM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-01-15, 12:57 AM   #25

امال س

فراشة الروايات المنقولة

alkap ~
? العضوٌ??? » 276954
?  التسِجيلٌ » Dec 2012
? مشَارَ?اتْي » 666
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » امال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

رائعه موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

امال س غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-01-15, 11:47 AM   #26

ام مزن

نجم روايتي ولؤلؤة فريق الكتابة للروايات الرومانسية وأميرة حزب روايتى للفكر الحر

alkap ~
 
الصورة الرمزية ام مزن

? العضوٌ??? » 121790
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 2,641
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Sudan
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ام مزن has a reputation beyond reputeام مزن has a reputation beyond reputeام مزن has a reputation beyond reputeام مزن has a reputation beyond reputeام مزن has a reputation beyond reputeام مزن has a reputation beyond reputeام مزن has a reputation beyond reputeام مزن has a reputation beyond reputeام مزن has a reputation beyond reputeام مزن has a reputation beyond reputeام مزن has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
¬» قناتك abudhabi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

تسلم الانامل لامارا
الكاتبة سناء جعفر فعلا مبدعة جدا جدا
سمعت كثير جدا بالرواية على الفيس وحتى فى المجتمع المحيط بي
وكنت ناوية ان اقراءها ولكن ربك لم ييسر لى ان اقراءها
فرحت جدا عندما وجدتها بالورشة ونويت ان اقراءها عند انزالها

اول مرة اقراء لسناء جعفر
واكيد اكيد ان شاء الله ح اتابع كل اعمالها
مبدعة جدا
لم تترك قضية فى المجمتع السودانى الا وتتطرقت لها

اذا كان مشكلة الدين والحب بين جمال المسيحى ومنال المسلمة
او حتى ناصر المختلط بدماء حبشية
بس بالجد زعلت لجمال كنت اتمنى ان يسلم حتى ولو لم يتزوج منال حبيبة قلبه
يعنى المسكين يتعذب فى الدنيا بحب منال الذى لم يوفق فيه ويتعذب فى الاخرة
هههههههههههههههههههههه
استغفر الله العظيم
وبعد موت امه وخلو طرفه من المسئولة اتفاجات بمسئوليته عن بناته ( رجاء ومنال )

او قضية الزواج العرفى فى الجامعات
هذه ظاهرة منتشرت جدا منذ ان كنت ادرس انا شخصيا بالجامعة
يعنى من عشرة سنين
فى يوم بتذكر دخلنا منطقة فى الجامعة اسمها الغابة لانها كلها شجر وكنبات للجلوس
وتجد بها اكشاك للعصير والبارد ( تقريبا هى متنزه او متنفس داخل الجامعة )
لاجد تجمهر لطلاب وغناء وطرب بالعود وعلى احد البنشات تجلس العروس فتاة اعرفها من دفعتى وحتى الطالب العريس زميل من قسم آخر وتبادلا الدبل واخر فرفشة وضحك ورقص
بصراحة اتفاجأت جدا وعندما وصلت لمكان جلوس شلتى واخبرتهم بما رايت تبرع جزء منهم بذكر اسماء لطلاب كلهم بالجامعة ومتزوجين عرفى وعايشييين على قولتهم

اخطر قضية تتطرقت لها الكاتبة هى قضية الختان
ختان البنات مع ان قنوات التلفزيون والازاعة وحتى الجراىد
تتحدث عن خطورة الامر وانه امر لم يرد ذكره فى الدين و لايجوز
نجد كثير من الامهات مثل السرة مقتنع تماما بان الختان عفة للفتاة وآمر لابد منه
خصوصا فى الارياف والاقاليم
توجد على التلفزيون القومى دعاية وحملة يقوم بها كبار رجال الدين واعلاميين ومطربيين والكثير من الشخصيات المعروفة تحت شعار (دعو كل بنت سليمة كما ولدت سليمة)
لكن مازال الامر كما قولت لم يندثر تمام واصبح هنالك تحايل على الامر
فى ان يكون الختان على خفيف كما قالت لى صديقة ختنت ابنتها لم اصدق انها فعلت بابنتها ذلك حتى زرتها فى البيت
لاجد الطفلة المسكينة عزة راقدة على السرير وقدميها ويديها مخضبة بالحناء
لم اتوقع منها القيام بهذا الامر مع ان زوجها ضابط ذو مركز عالى جدا بالبلد
ولكن تاثير البيوت الكبيرة وحياة الاقاليم المغلقة المحافظة لها درو فى الامر كما اعتقد

قضية زواج الاخ من زوجة اخيه المتوفاة من اجل الابناء
ابناء اخيه
قد ينجح هذا الزواج ولكنه فى مرات كثيرة جدا يكون اجحاف فى حق الزوجة المسكينة المغلوب على امرها
فكلهم تقريبا يفعل مافعله العمدة حامد يبحث عما فقده فى مكان آخر

مصطلحات فى سرد الرواية
الشبال ... نعمات زوجة حامد الثانية قالت انها خصته بشبال دون غيره عندما آتى ليبشر لها
.. التبشير حركة طقطقة الاصابع الوسطى والابهام ... او لصق الوسطى والابهام وضربهما بحركات سريعة بالسبابة مع رفع كامل اليد عالية
الشبال ... هو ان تضع الفتاة راسها على كتف الرجال الذى اتى ليبشر لها على تلك الرقصة
ههههههههههههههههههههه
انه امر جميل لايحدث الآن الا من النساء الكبيرة فى السن او فى رقيص العروس يوم الصباحية
الخادم والعبد والهول ... الخادم هى المرأة السوداء ... العبد هو الرجل الاسود .. وكلاهما يطلق عليه الهول كتابعين لاسرة معينة مثل هول اولاد حامد ..هول اولاد احمد وهكذا ... منذ ولادتهم الى ان موتهم هم تابعين لتلك الاسرة و قد يهديهم راس الاسرة الى آخرين من اسر آخر .. هو امر تجرى محاربته تمام ولكنه ايضا سائد فى الاقاليم بصورة واسعة جدا خصوصة الاقاليم الشمالية ...

تسلم الانامل لامارا على الاختيار الموفق جدا


ام مزن غير متواجد حالياً  
التوقيع





رد مع اقتباس
قديم 03-01-15, 02:03 PM   #27

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف حالك إن شاء الله دائما بخير ؟

الحمدلله ان الرواية اعجبتك هي غير اعتيادية وغريبة عن المألوف

احسن شي لما السرة راحت لنعمات وقلت لها جربتيها يا تعمات حستيها

شعور الوحدة لما زوجها يتزوج عليها

تتشكت فيها هههههههههههههه

انرتي ام مزن

ع فكرة ام مزن غير روايات سناء جعفر في رواية ايضا لها نفس الوقع وهي رواية نهاية سري الخطير اذا كنتي مهتمة

https://www.rewity.com/forum/t292590.html

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:47 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.