آخر 10 مشاركات
إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          492 - حبيبها - كارول مارينيلي (عدد جديد) (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          ومازلنا عالقون *مكتملة* (الكاتـب : ررمد - )           »          أغلى من الياقوت: الجزء الأول من سلسلة أحجار كريمة. (الكاتـب : سيلينان - )           »          93 - زواج العمر - منى منصور (الكاتـب : meshomasray - )           »          حب غير متوقع (2) للكاتبة: Mary Rock *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          خادمة القصر 2 (الكاتـب : اسماعيل موسى - )           »          جدائلكِ في حلمي (3) .. *مميزة و مكتملة* سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > قسم ارشيف الروايات المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-02-16, 10:41 PM   #31

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



-






























الفصل الحادي والعشرون
















. . .


























أثار دهشتنا القادم عقب الصوت المميز

لطريقة إدارة القفل للباب الخارجي


والتقط سمعنا وقع الخطوات المتفقدة أنحاء المنزل


ثم بصوته المخيف يخاطب المسكين الصغير بخشونة :


- وين أمك ؟


- ليش ؟؟؟


- أعوذ بالله ، محد يسألك أنت .


- أع .. أعلم ماما !!!!



ودوی صوته باﻷرجاء :


- يا بنت !! بنت !!



متی سيكف عن مناداته لي بهذه الطريقة المحرجة

أمام هاته التي ﻻ ينادي اسمها إﻻ باحترام ورقي .


ميزنا الوقع المقترب لنجده اقتحم المطبخ

حيث كل منا منشغلة بإعداد غدائها الخاص


نقل بصره بيننا متحيراً :

- الحين الدور علی من ؟


صعد الصوت المثير للغثيان مجيباً :

- علي أنا .


اقترب نحوي بخطوات بدت تنوي كل شيء إﻻ الخير :

- وأنتي وش حاشرك هنا معها ؟


قلت مدافعة :

- مليت من المقبلات ، أبي أطبخ غداي بنفسي .


- مقبلات ؟


تحرك خارج المطبخ آمراً :

- اتركي عنك والحقيني ، بسرعة .

اعذرينا يا غيداء ، بنتغدی برا .


أطعته ولحقت به حيث وجدته حاملاً الطفل

وقد نشأت شرارة نارية متصلة بين أعينهما


- وش جايك اليوم ؟ ليه شارد من الدوام ؟


- شارد ؟ يا حبيبتي أنا مستأذن .. وعشانك بس !


قادنا إلی حجرتنا فيما ابتدأ الفم مدللي الصغير بالشكوی :

- ماما .. ماما ... بابا زعلني ! بابا .. صارخ .. صارخ علي !


- متعب ، ليه تصارخ علی أيمن ؟


علی اﻷقل صار يتقن مجاراة تمثيلياتي ويقوم بإرضائي في هذه الناحية


- أنا آسف ، زعلتك يا بطل ؟

عصبت ﻷني مالقيت أمك .


غمغمت بخفوت :

- متعب ﻻ تجيب أعذار لأخطاءك قدامه .


أذعرني صوته العالي يهتف بمرح :

- حاضر يا أميرتي ! أوامر ثانية ؟








ترك عمله من أجل مهرجان تافه ؟


أهو واعٍ ؟


بل وكيف يتذكر إلی اﻵن ؟



قال معجلاً يربت علی ذراعي :

- يالله ، البسي عباتك .


- مو صاحي يا متعب ، وقتك غلط ..


- ﻻ غلط ولا شيء ، تحركي

يالله شوفي الولد وش يحتاج

ولد ! وين رايح ؟ تعال هنا !


- مزاجي مو حق مهرجانات أبد الحين .


- وأنا مودي مهرجانات ، اخلصي تبيني أنا ألبسك العباة ؟



يا الله ، متی سيكف عن تنفيذ كل ما يخطر في رأسه ؟


أمر مرهق حقا ، هذه المزاجية المتعبة ..
























تزامن صوت وإضاءة الفلاش ليلتقط صورة

للطفل الباكي ومن خلفه المجسم العملاق .



- أبي كورة ... ماما .. ماما ... أبي .. الكورة !

... ماما .. ماما ... ماما أبي الكورة !!



كنت منفرطة في ضحك هستيري .



اوه ، صغيري البريء !


يرغب برأس مجسم عملاق .

ويبدو أنها كرة في نظره !


حاولت جاهدة إيقاف الضحك .


كنت دائمة الحذر من السخرية من طفلي بأي شكل من اﻷشكال .


يا إلهي ، منظره يثير شفقة قلبي ..

يبكي بينما أنا غارقة في الضحك !


ماهذه القسوة التي حلت علي ؟


كفي عن الضحك أيتها اﻷم القاسية !


انظري للتعابير الباكية على وجه صغيرك ..

ﻻ تسخري من طفلك ...



على حين غرةٍ مني وجدت الضحك يتحول إلی بكاءٍ صامت !



- كورة ! ماما .. بابا ... أبي الكورة !!


- يا حبيبي ، يا ابني ، قالت لك أمك هذه ماهي بكورة ،

هذا راس ! عمرك شفت كورة ﻻبسة طاقية ؟


- ﻻ ... كورة !! هذا كورة !!!


- هذا راس كرتون ! راس واحد اسمه ليفة ، صح يا وفاء ؟



ﻻ أنقصك أنت اﻵخر !


تشبثت بذراعه الحاملة للطفل .



الظالم ، أدخلني في نوبة ضحك أخری !

ﻻ شك من أنهم خططوا ﻹعدامي ضحكاً هذا اليوم ..



- وفاء ، خلاص بتموتين ! تنفسي ..



أحاطني بذراعه بعدما نقل الطفل إلی اﻷخری ، قائلاً :

- خلينا نبعد عسی ننسيه الكورة ، وفاء

أذكرك تكلمتي عن بازار هنا .. وينه ؟


التقطتُ اﻷنفاس ، والصغير باقٍ علی مقاومته بين

ذراع والده ، يشير بإصرار إلی المجسم ذو قبعة القش .









- يا متعب ، والله رز حاف !


- إن شاء الله لو ورقة خس ، أكل من هنا ممنوع .


- عطني سبب ، ﻻ تمنع شيء بدون تسرد سبب واحد علی اﻷقل .


- يبي له سبب ؟ رديه مكانه .


رفعت قطعة الرز المثلثة الشكل بإصرار :

- رز يا متعب ، ماهو لحم عشان تقول حرام أو حلال !



اختطفه مني ، ثم أعاده محله في الحال الذي امتدت

اليد الصغيرة المكتنزة والفضولية لتمسك بكيس الرز :

- ضامنة نوعية الدهون المستخدمة فيها ؟ واﻻ ما خطرت لك هالمسألة .



وأخذنا ينوي السير بنا بعيدا عن أركان اﻷطعمة .



- سوشي ! متعب ، سوشي !



لكنه تجاهلني وأخذ يسحبني معه معيقا توقفي .



- أمنية حياتي يا متعب .. please !


- ﻻ تزعل ماما !!!!


- أنت اوص !


- ماما .. بابا يقول لي ... آ .. اوص ..


تناولت الطفل من ذراعه .


ثم أوقفته بيننا ممسكة بكفه

رغبة في جعله يسير علی أقدامه مثلنا .


- هذا عقاب يا متعب ، أخذت أيمن منك ..

عشان مرة ثانية ما تقول ﻷحد اوص ...

عمرك شفتني يا متعب أقول ﻷحد اوص ؟


رد ساخراً :

- ﻻ ، تكرمين ! أنتي لسانك يقطر عسل !


بتنا نتسكع في جزء آخر من السوق

وابتعت معها بضع مقتنيات بناء

علی رغبته في أخذ شيء للذكری .


واقتنينا لطفلنا كرة تعويضاً عن رأس المجسم .


وانتهی بنا أن اخترنا مكانا للجلوس

ﻹراحة أقدامنا المنهكة من السير




- متعب !!


هتفتُ محرجة .

غير راضية عن مقاطع الفيديو الذي قام بتصويرنا بها خفية .


وحتی بكاء أيمن أمام المجسم مرفقا بضحكي الهستيري !

وعند إلحاحي في شراء الطعام !


ﻻ أعرف كيف تمكن الماكر من تصويرنا دون إشعارنا بذلك .



- وفاء ، وين الفرقة هذيك ؟


- أي فرقة ؟


- فرقة العزف ! تذكرين ؟ ياللي سوت حق لعبة السوني

ذكريني باسم الجيم يا وفاء ؟ علی طرف لساني والله !



ألم يتعلم درسه ؟

ألا يزال يصر علی تذكيري باﻷيام المنكوبة ؟



- ما تذكرين وفاء ؟ اللي وريتيني الفيديو حقه ؟


- ما أذكر شيء .


- من جدك ؟ كان يوم مميز ، كيف ما تتذكرين ؟


تأففت ، ثم لجأتُ إلى رد جاف آملةً إخراسه :

- أنا وحدة إذا نسيت شيء .. ما بأتذكر لو ايش سويت ، خلاص اسكت .



دار هدوء لثانيتين ، قطعه هو :


- وش فيها أمك عصبت علينا ؟

- أنت !!! زعلت ماما !!!!

- أعوذ بالله ، الولد هذا بثر علی من ؟

- ماما !! بابا يقول .. أنا .. ب .. ب .. آ .. مربع ..

























* * *
























بكيت ..


بكيت كثيراً ..


كثيراً جداً ..




وانا أنظر إلی انعكاس عقد اﻷلماس الناعم

يحيط بعنقي المشوه ..



ليس عليه اﻻعتذار ..


ليس من حقه الاعتذار ..


وليس من حقه اﻻعتذار بهذه الطريقة ..



ﻻ أستحق كل هذا يا زوجي الطيب ..


ﻻ أستحق ..




من أين تأتي بهذا المال يا زوجي المسكين ...


من أين تأتي به من أجلي ..




ستعاقب ..


ستعاقب لجعلك أبكي بهذه الهستيرية ..



يجب أن تعاقب ...



























* * *
























لم تكن بذات الجمال اﻷخاذ أو الباهر

ربما جذابة تكون أكثر من جميلة



بسيطة الملامح ! وليست بالتي يتساقط

الرجال لدى أقدامها من مجرد رؤيتها !



ﻻ تخلو من الخبث والمكر !

تضاهي أفعی متمرسة بدسِّ السُّم ..



تسير في البيت عارية القدمين !

عارية القدمين طوال الوقت كالغجرية !




لم يكن يفرق بيننا في المعاملة .


لكن ما يغيظ التصاقه بها كما الغراء !


أغلي قهراً وأنا أراه كل مساء في ليلتها الخاصة ..

جالساً بتلك الحالة المزرية علی عتبة حجرة الطفل ،

في انتظارها !


وحتی في أيامي ، ينسل من فراشي في منتصف الليل !


ﻻ يهمه إن كنت نائمة أم ﻻ !

وإن قمت بالشكوی ومحاسبته يعرف جيدا كيف يتهرب ،

يتعذر عن ذلك باﻷرق الذي يلازمه فينفذ بجلده .



كنت أراه غريب اﻷطوار ،

مبهم الشخصية غير واضحهُ ،

مضطرب المزاج .



علاقتهما لغزٌ محيِّر !

كلاهما مضطرب الشخصية ، مشوش الفكر !



كان يدخن السجائر بشراهة مفرطة ومخيفة

لكن منذ أتت وهو ممتنع عن التدخين في البيت


قد يكون ذلك من أجل صحة الطفل

رغم أنه غير متعلق بالطفل بذاك القدر

بل كان من نوع الآباء المهمل


لكن ما هي متأكدة منه ، أن لتلك الساحرة أمر في ذلك ..

لابد أن قامت بتهديده ؛ لو حصل وقام بالتدخين أمام طفلها المدلل .


تعشق طفلها وتدلِّلـه كما لوأنها الأم الوحيدة في العالم !




" متعب ~ "


بغيضة ٌهي طريقة ندائها ﻻسمه

بذاك اللحن الموسيقي الكئيب !





لفت نظرها الطفل الذي استيقظ

من قيلولته خارجاً من حجرته المفتوحة



تابعت الصغير ذو المشية المتعثرة الكسولة

وترقَّبت سعيدة ، بينما قاصدٌ حجرة والديه ..

متطلعة ﻷن يعكر أجواء النشوة الرومنسية

علی أمه المُدلَّلة .



بدأ في مناداة والدته ، مع طرقات واهنة على الباب .

لكن فوجئت بالباب يفتح اثر دفعة صغيرة !



نسيت تلك البائسة إغلاق الباب !!



دلف الولد إلی الحجرة ، وانتظرت بفضول .

لكن لم يصعد من الحجرة سوی السكون .



أخذ منها الفضول مأخذه



فنهضت

تدور حول الصالة ممثلةً الطبيعية

إلی أن بان لها محتوی الحجرة المفتوحة




نائمان ؟


لتوهما كانا مستيقظان ، وفي أوج نشاطهما !



تأملت الطفل قليلاً وهو يتلمس قدم أمه ويداعبها .

ثم عادت بنظرات الغيرة ، إلی النائمين علی المقعد .



لم يسبق وأن قام معها بأفعال مشابهة ، أو حتی قريبة منها .



وكيف أمكنه النوم علی المقعد ، وبهذه الوضعية ؟

لماذا كل الرسمية تكون معها ؟

بينما تلك البغيضة يتحول معها إلی طفل أحمق ؟



كذلك هو لم يذق طعم النوم منذ يومين ، أليس من المفترض

أن يختار وضعية مريحة للنوم في هذه الحالة ؟



تأملتهما والنار تأكل أحشاءها !

تتمنی فك هذا اﻻحتضان الحميمي حالاً !



في الواقع ، بدوا بريئين .


فلا هي تبدو اﻵن باﻷفعی السامة

وﻻ هو بالرجل الرسمي الذي اعتادت



ارتبكت في مكانها حينما عاد نداء الصغير ﻷمه

تبعته حركة أمومية غريزية بدرت عن الفتاة



تحركت تنوي اﻻختفاء قبل استيقاظهما


لكن فضلت المراقبة من زاوية لن يمكنهما لمحها !




( اتركها ! أفلت تلك البغيضة ، أيها العاشق المغفل )


أغاظها استيقاظه الجفل

وتشبثه بها يمنع ابتعادها حينما نوت النهوض عنه



يتشبث بها بتملك ويحتضن جسدها

مرسلاً نظرات حاقدة إلی الصغير البريء والمسكين !



هل يغار من ابنه ؟


وصل به عشقها بأن يغار من اﻻبن الذي من صلبه ؟



- هات ماما !!



هل يفهم الصغير لغة الحقد الذي يرسله والده إليه .



يرمي بضرباته الرخوة علی رجل أبيه


يطالب بغضب إعادة أمه إليه بغيرة وتملك

ﻻ تقل في قدرها عن الطفل الكبير



ﻻ ريب من أن تلك البغيضة سعيدة !

تعتقد اﻵن أنها حسناء ، ويتعارك من أجلها الرجال !



اوه ، إذن هي خبيرة كفاية

ﻹرضاء كل اﻷطراف !



أكلت اﻷم بنظرات بغضٍ وهي تراها تلتقط الطفل

وتضعه في حضنها ، دونما تضطر وتفارق

أحضان العملاق الغيور .



لم تعد تحتمل !



أبعدت ناظريها ، وقد ملأ الغلّ جوفها .


وغادرت مبتعدة ، ووقود تلك المشاهد ..


تضاعف من اشتعال نيران الغيرة .



























* * *
























- ﻻ .. ولدي ﻻ ..


- حبيبتي .. فكري بعقلانية ، تبين ولدك يشوفك بهالمنظر ؟


- ولدي ﻻ يبعد عني .. إﻻ ولدي ..


- مؤقتاً قلنا يا وفاء .. عند أمك ، مب عند غريب !


- ﻻ .. ﻻ ..



زفر ثم قال فيما يحمل صينية الغداء : نأجل التفاهم ..


- ﻻ ما نأجل .. أبي ولدي الحين .. جيبه .. أبي بحضني ..


هتفتُ به بلا وعي ، بينما يصلني بكاء

صغيري من الخارج ينادي باسم أمه ..



لن يفعل ..

لن يفعل ...


لن يعيد الكرَّة !



لن يذهب بابني إلى نهاية العالم !



لا أحتمل فراقه لدقائق

فكيف به يود حرماني منه

لفترة تصل إلى الشهر !



لن أسمح له ..

لن أسمح بذلك ..

لن أسمح ...


























* * *
























أنهی إجراء المكالمة التطمينيَّة مع صغيرته

بعذرٍ ملفق عن تأخيره البالغ لهذا المساء .


ثم انتظر لخمس دقائق


وقام باﻻتصال علی اﻷخری :

- اسمعيني زين ، أنا تحت .. باﻷول شوفي البنت نايمة ؟


انتظر الرد بفارغ الصبر حتی أتاه الرد باﻹيجاب .


- مقفلة غرفتها ؟


عاود الطرف اﻵخر الرد باﻹيجاب .


فأضحی يقفز الدرجات متابعاً :

- مابي صوت تسمعين ؟ صار حادث بسيط

افتحي الباب من عندك مابي أسوي إزعاج .


وصل إلی الطابق المراد في الحين الذي فتح الباب

ليطل على المرأة بالملابس الملوثة بدماء غزيرة



اندفع يجتاز الباب وتخطی الصالة فيما تبعته الأنثى الرشيقة



وما كادا يقتربان من حجرتهما


فُتِح باب إحدی الحجرات

لينجلي عن وجه شاحب بعيون خائفة



بلا شعور حوَّل خطاه نحو الفتاة التي هبطت علی ركبتيها

وبصرها الجاحظ معلق بالغارق في بحر الدماء



رباه ، لهذا السبب لم يود أن تلمحه بهذا المنظر .


فصدرها يحمل قلبا ضعيفاً جداً ..

وجسدها الهش ينهار بسهولة ...


فضلاً عن عقلها الهزيل ، الضعيف الصمود أمام المصائب .



- أنا بخير .. ناظريني ، أنا بخير !


أمسك بذقنها يزيح ناظريها عن البحار الحمراء على ثيابه .



ثم قال يشير إلی الضمادة علی الجانب اﻷيمن من جبينه :

- عالجني الطبيب ، جرح صغير !

بس ما أدري كل هالدم كيف جاي ؟


غزاه الارتياح لما شعر بالطبيعية تعود إليها

إﻻ أن الرعدة ما زالت مسيطرة علی بدنها الضعيف



أسندت برأسها المشتت إلی صدره




- بس أنتي مين ؟



أحس بتشنج عضلاتها

وقابله العينان الخاويان



- متع .. عب ..


- صح ، علموني إن اسمي متعب ..

وهذيك طلعت زوجتي ، بس أنتي .. من تطلعين ؟


- آ ... آ ... ن ...



هل بالغ في المزحة ؟


إنها ﻻ تقدر علی النطق !

يخشی أن يصيبها بالخرس ..



لكنه أحاط وجهها بكفيه بغرامٍ مسرحيّ :

- يا قلبيه .. خقة حيل .. ليتك زوجتي ..


- ... ت ..... آ ....



أتاه الصوت المعاتب من الخلف :

- إحساسي يقول إنك تغلط علي يا متعب .



أطلق ضحكة مرحة قصيرة بينما ينهم حاملاً الفتاة


وخاطب الواقفة بالخلف مستأذنا بمكر :

- بأشتاق لك يا قمر ، لكن صدق

ما أقدر أترك البنت وحدها بالحالة هذه ..

تصبحين علی خير .



ودلف بفتاته إلی حجرتها ، مغلقا الباب وراءه .



أرقدها علی فراشهما برفق :

- خليني أنظف نفسي من هالبهذلة ، وراجع لك يا حبيبتي .



قليل من الوقت وعاد إلی الحجرة يقطر ماء .

كانت تجلس شاردة بوجه خالٍ من التعابير .



جلس في مكانه أمامها بالمنشفة الصغيرة علی رأسه .

بحركة تلقائية امتدتا يديها تفرك شعره المبتل بالمنشفة ببطء .



كثير من اﻷمور تغيظها منه وكان أحدها كرهها له

عندما لا يقوم بتجفيف شعر رأسه بعد اﻻستحمام

تكره حد الاشمئزاز رؤية الشعر مبتلاً يتقاطر الماء منه


يشعر بأنه في كل يوم يكتشفها


لم يعد بذاك القديم الحائر والضائع حول الصامتة

التي بالكاد كان يسمع صوت تنفسها



قال محذراً : انتبهي الجرح .


هتفت فجأة مذعورة :

- متعب تروشت ؟ غبي أنت !! مجروح وفيك غرز ....


قاطعها مهدئاً :

- ايه نسيت ، لكن أتوقع ما يأثر . ما فيه غرز ..

حط الطبيب بداله لصق مثل المرهم ...


اقتربت تتمعن إصابته بقلق :

- وين الضمادة ، ليه شلتها ؟


نهض إلی خزانة الثياب ينتقي سروال بيجاما مريح

ثم تراجع يجذب إلى جانبه فنيلة عشوائية



فزت عن السرير تهرع إليه : وين رايح ؟


تحول إليها وتولاه ارتباك غريب من التصرف المتملك غير المألوف .


حكَّ جبينه يجيب :

- فيه كيس كان معي .. جبته من الصيدلية ..


- وينه ؟ أنا بأجيبه ..


طرفت عيونه بتوتر :

- عند البنت غيداء .. خليني أنا بأجيبه ..


- ﻻ ! أنا أجيبه !



تأفف يود تحرير نفسه من اللحظة الخانقة التي طوقته

وقام بتجاهلها تاركاً الحجرة غير آبهاً لنداءاتها اللحوحة



لم يتخيل بأن يكتنفه هذا القدر من اﻹحراج

أمام تصرفات تملكية صريحة تصدر منها !






- وفاء ؟!



وقفت أمامه تستقبل عودته فرحة بوجه مبتلٍّ بعد

أن كانت منكبة إلی جانب الباب غارقة في البكاء !



استلمت كيس الصيدلية منه تتفحص محتوياته


ثم أمسكت يده تدعوه بلهفة : يالله .. تعال ارتاح ..



يبدو بأنه سيعود أدراجه إلی الفتاة غيداء

فتصرفاتها المخيفة هذه لا تحتمل !



انتزع كفه منها وأزاحها عن طريقه

وسار يشق طريقه إلی السرير .



اضطجع علی الفراش مطلقا تنهيدة عميقة .



كان يوما طويلاً متعباً ، ومرهقاً .



فتح عينيه ليفاجأ بالجوهرتين العسليتين فوق وجهه ، قلقين .



ربما أرعبها بالتنهيدة الطويلة ، هل اعتقدته يتألم ؟



لم يتردد باغتنام الفرصة وقد ابتدأ يتقبّل هذه اللهفة العارضة

قبل أن تزول .. فيندم ، ويندب حظه .



فغمغم يشكو بتعاسة :

- تعبان حيل يا وفاء .. جسمي يعورني .. أحتاج مساج ..



وضعت راحة كفها الناعمة علی جبينه بجانب اﻹصابة ، تهمس بشفقة :

- يعورك الجرح ؟


أجاب حزيناً : كل شيء يعورني يا وفاء .



غزت أناملها المريحة إلی شعره الرطب

تقوم بتمسيده بنعومة كالسحر

قامت بإرخاء عضلات جسمه



- هي .. قالت لك عن اسمي ؟




هاله السؤال الصاعق !



أما تزال المزحة منطلية عليها ، البلهاء ؟




- حادث سيارة ؟

سألت بصوت مرتعش .



تمددت جانبه ، وانتقلت يدها المريحة إلی كتفه العاري :

- خوفتني عليك حيل ..



إنها تعبر ..

تعبر عن عاطفتها !



جلست بغتة ، كما لو تذكرت شيئا مهما .



- متعب ...


ابتعدت علی غفلة منه بنحو أثار ضيقه


أخذ يقربها منه فيما ظلت جالسة شاردة الفكر

وكأنها تقوم بترتيب اﻷفكار الذي باغتتها علی حين غرة



وتمهدت للكلام تستعد لعرض أفكارها :

- اسمعني ، ثلاث أمور ﻻزم تعرفها الحين .



تملكه الذعر وهي تنحني بنشاط تضع عينيها في عينيه مباشرة :

- رقم واحد ، شفت هذه اللي برا ؟ اللي قالت إنها زوجتك ؟


- ايه ؟ وش فيها ؟


- كذابة ، أنا هي زوجتك ، أنا زوجتك الوحيدة .



هذه البلهاء ، شفافة كالزجاج ! ..



- أجل هذه من تطلع ؟


- هذه .. هذه كذابة ..


- طيب من هي ؟ بأي صفة مشاركتنا شقتنا ؟



الخرقاء لم تحسب حسابا لهذه النقطة .



- هذه .. هذه وحدة .. كانت محتاجة .. وساعدناها ..


قاوم الضحك فيما يلقي بسؤاله :

- أي نوع من المساعدة قدمناه لها ؟


فكرت قليلاً :

- كانت محتاجة سكن ، متعب ...

انقلها لسكن ثاني ، واتركها وتعال !


- أتركها .. ووين أجي ؟


- اتركها ، اقطع علاقتنا فيها ، ﻷنها راعية فتن ومشاكل ..

ما تشوف تقول إنها زوجتك ، وهي مو زوجتك ؟



صمت يتأمل ملامحها الراجية .



- يعني أنتي زوجتي ..


- أنا زوجتك ... أنا حبيبتك وكهرمانتك .. أنت تحبني ..

تناديني كهرمانتي ... لحظة .. بأوريك ..


تمسك بها : وين رايحة ؟


قالت بنبرة لهوفة تقاوم قيده :

- بأوريك دليل إني زوجتك .. بأجيب جوالي ..


- خلاص ، صدقتك ..


عادت تقترب بعينين دامعتين : والله ؟ صدقتني ؟


- صدقتك يا كهرمانتي ...



أمسكت برأسه متأثرة ، وبدأت في إغراق وجهه بملوحتها .



يا إلهي ، غباؤها ﻻ يصدق ..



قالت بصوت متهدج :

- وش قال الطبيب ؟ مؤقت ؟



تحرك للاستواء بالجلوس يود إنهاء اﻷمر ، فقد خرج عن السيطرة .



لكن أوقفه اﻷمرين الباقيين من اﻷمور الثلاث خاصتها .



- وش اﻷمور الباقية من اللي ﻻزم أعرفها ؟


قامت بإزالة دموعها بلا فائدة لتحل محلها دموع أخری أكثر غزارة :

- الحاجة الثانية .. عندنا ولد ... اسمه أيمن ..


وتحركت مرة أخری لكي تنهض ، فتشبث بها بهلع .



هل ستأتي بـ( أيمن ) إلی هنا ؟



- بأوريك صورته .. أيمن نايم الحين ... هنا .. بالغرفة جنبنا ...



بدت بريئة للغاية وهي تشير له إلی الحجرة خلفه حيث يرقد ابنها .



- خليه بعدين ، ايوه .. والحاجة الثالثة ؟


- دقيقة ... ما كملت الحاجة الثانية ..



استنشقت دموع أنفها ، ومررت ساعدها علی وجهها تخلصه من الدموع المعيقة عن الرؤية .



- أنت تحب أيمن حيل .. حيل ! كل يوم .. تسولف معه ،

وتلعب معه ... وﻻ تحب تقول كلمة تزعله .. وفيه قوانين

أنت حطيتها .. عشان يطلع ولدنا أحسن ولد بالدنيا .....



هذه الفتاة .. إنها تسرد أمانيها ...


وظل ينصت إلی قوانينها الوالدية والتربوية


إلی أن أخذه الذهول من النقطة التي وصلت إليه



- أنت واعدني يا متعب .. وﻻزم تكمل وعدك لي ...

مابي أشم ريحة الدخان فيك بيوم ، واﻻ والله بأزعل منك ...

بأعتبر ما عندك مسؤولية وﻻ ثقة ! حبيبي ، عشان ولدنا ...

أيمن مع العمر بيفهم الريحة .. أيمن يحبك ، ويقلدك ...

أيمن يقلدك في أشياء كثير ... فاهم علي يا متعب ؟



نظرته بعيون مترجية تنتظر جوابه .



- حاضر ، أوعدك .



ولقي نفسه يكافأ بعناق حميم ، وقبلة ناعمة علی الخد !



لكنها ابتعدت تهتف بانفعال :

- ووعدتني بشيء ثاني !!


- قولي ..



آلمه أن تحتفظ بكل تلك اﻷمنيات تحت غلاف الصمت

بينما هو غافل عن كل ما يرهق بالها ، ويوجع قلبها .



- قلت لي ... أيمن بيدرس بالسعودية ...

مانبي أيمن يكبر هنا .. أنت قلت بنكمل حياتنا بالسعودية .



ألم تزل رغبتها القديمة ترافقها ؟

أم تخشی يعاد ماضيها المؤلم علی هيئة ابنها ؟



- حاضر حبيبتي ، واﻷمنية الثالثة ؟


توترت رموشها ، متسائلة : أمنية ؟


- قصدي اﻷمر الثالث .



كظم شهقة فزع حين احتضنت وجهه برقة فائقة :

- أنت تعبان الحين حبيبي ، نأجل الباقي بكرة .



إنها بذلك تجعله يتراجع !


لكن إلی أي مدی سيمكنه الصبر ..

علی تمثيل دور الفاقد للذاكرة ؟



- أبي أعرف الحاجة الثالثة الحين .


توترها جعله يرجح كفة تخمينه .


تأتأت في الحروف مترددة :

- الحاجة الثالثة .. موضوع حساس ...

خله بكره .. أحس إني ما أقدر الحين ...



- تقصدين مرضي ؟


قال مباشرة ، نازعاً القناع التمثيلي .




- أي مرض ؟



سبق واستجرأت بفتح هذا الموضوع معه

وكان عقابها النوم وحيدة في ليلتها الخاصة



لماذا تصر بالتدخل فيما ﻻ يعنيها ؟




أخذها بين ذراعيه يعود بها إلی التمدد .



- حاضر ، بأروح أراجع ، وبأداوم علی الدواء .

أي ملحوظات أو نقاط مهمة في اﻷمنية الثالثة .



لم يحتمل النظرة في عينيها



لكنه تماسك ممثلاً المداعبة :

- كيف بس ؟ أستاهل اﻷوسكار ؟ كانت مزحة ،

مفروض تعرفين من دقيقة نشفتي شعري ..

لكنك أثبتي إنك هبلة يا حبيبتي ....


وفاء ؟ وفاء ؟

وفاء ... حبيبتي وفاء ؟



أخذ بخوف يربت خدها بتربيت أقرب للصفع .



ﻻ يعقل أن يصل بها الضعف هذا الحد !

هل يعقل ويؤدي الخجل بإنسان ﻹغماءة ؟








* * *







لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-02-16, 11:21 PM   #32

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-






















الفصل الثاني والعشرون















. . .

























ما مشكلتهما اﻵن ؟



أضحيا ينامان في حجرة الطفل !



غرابة أطوارهما كلّ يومٍ في ازدياد .




فطنت إلى التوتر في علاقتهما

الذي رجحت بأن مصدرها الفتاة




فمالذي وقع بينهما ؟




تتحرق فضولاً لمعرفة اﻷحداث الغامضة

و الداخلية ، التي حصلت معهما ..




أهي مشاجرة وقعت بينهما ؟



لكن ما شأن ذلك في النوم بحجرة الصغير ؟!




حاولت البحث في اﻷمر .. عن طريق استفساراتٍ ملتوية قامت بطرحها

علی الطفل ؛ مستغلةً ثرثرته التي يشرعها مع أيٍّ من يقابله ...


والذي يشعرها بأنه كلما وقعت عينه على أحدهم .. تقفز إلى ذهنه

إحدى القصص الخيالية ، فيشرع برواية مغامراته في القبض علی

النشالة والسارقين ، ومحاربة الأسود والنمور .



هذا الطفل اجتماعي بطبعه ، سيكون محبوباً بين أقرانه غداً .



وعلى الرغم من عداوة أمه الصريحة نحوها ، لم تمارس عليه أي

نوع من الحجر على حريته في الاتصال الاجتماعي مع ضرتها .



اهتمت برصد كل تصرف ينبع عن اﻷم لطفلها

ربما تستحق أن يُطلق عليها لقب اﻷم المثالية

لكنها أبعد ما تكون عن الزوجة المثالية .



لو لم تكن فقط ضرتها ومنافستها اللدودة ، لما تردَّدت على الإطلاق

... في اتخاذها صديقة ورفيقة ، والاستفادة من خبراتها التربوية .



خرجت من حجرتها تتمم إطفاء أضواء الشقة ؛

التي لم تكلف نفسها تلك الكسولة عناء إغلاقها .



تبادرت إلی مسامعها وشوشة خفيضة ...

تنبعث من وراء الباب المغلق لحجرة الطفل



واقفان على الباب ، أينويان الخروج ؟



بادرت بالإسراع في العودة إلی حجرتها ، واندست

ترقب من خلال فتحة صغيرة في انتظار خروجهما



انتظرت ... وانتظرت ...


لكن لم يظهرا ، أيكونا جالِسان عند الباب ؟!



طال انتظارها وأصابها الملل ، فاستجمعت شجاعتها لإكمال مهمة

إطفاء الأضواء ، وحرصت بسلوك الطريق من أمام حجرة الطفل



اختفت الثرثرات الهامسة ، يبدو اكتفيا فقررا الخلود للنوم .



أخذت دورة احتياطية لتفقد المطبخ ، وباب المنزل ..




لفتها ضحكة خافتة في طريقها للعودة !

هذه ضحكته ، عند الباب تماماً وكأنه بجوارها .



لا يزالان هنا !

مالذي يفعلانه هذان الطفلان بحق الله ؟




تلك البليدة اﻷنانية ..

لم تتعنَّی حتی لمساعدته علی النوم ..



هيَ فقط من تؤرِّقها مسألة أرقِه، وتحاول معه بالعديد من الوسائل ..

تحرص بإسقائه المشروبات المهدئة، وتحوي طعامه أغذية تجلب علی

والاسترخاء.. فضلاً عن نصائحها المتكررة بلا فائدة عن الحمام الساخن.




الثرثرة البغيضة الهامسة تعود ، هذا يشعل من غيرتها .

من أين يأتيان بهذا الكم من المواضيع ؟



بينما معها هي يتحول إلی جثة صامتة ..

وكأن ( غيداء ) أكبر شخص مملّ بالكرة الأرضية .



كيف له أن يتناغم .. بكل هذا الانسجام .. مع تلك الغجرية الحمقاء ؟



فلتخلد للنوم ، وتدعهما يمرحان في ظلمة الليل كما أطفال الجنّ .
























* * *
























تجاهلتُ اﻻتصال الذي علمتُ فحواه ، دون أُضطر للرد ، واستأنفت

مهمة التنصت للأحاديث النسائية التي تتخللها الضحكات ماجنة

أحفِّز بها وظائفي الانتقامية حال وقعتُ علی إساءة علي .



- نعم ، حبيبي ؟


رفعتُ بصري إلی ( قزمي )

الذي اقترب واقف فوق رأسي .



- ليش ما تردي ؟ هذا بابا ..



آه ٍ ، من هذا الصغير الفطن .


يبدو أني سأبدل نغمة الرنين الخاصة بوالده

إلی نغمة عادية بحيث لا يميز المتصل .



تصنعت التلفت حولي : بابا ؟ وين بابا ؟


ضحك وأشار إلی هاتفي الذي بيدي :

- بابا يدق .. ردي ..


ضحكت قائلة :

- اوه ، ما انتبهت ! .. كنت أدور في عقلي عن

قصة حلوة أحكيها لك ، ما سمعت الجوال يدق !


وبخني شيخنا الصغير غاضباً :

- قفل بابا ! دقي ، دقي .. بابا زعلان ..


- حااضر ، بأدق .



صعدت إلی سرير الصغير بعدما أوجع جسدي الجلوس

الطويل علی اﻷرض ، فبادر طفلي بتقليدي لكن تراجع

يعود ويجلب معنا ألعابه ، ليضمنا السرير معاً .



- بسرعة بسرعة ، بابا زعلان !



حمداً لله ، عاد الرنين يعلو ، ولن أضطر لتعريض نفسي للإحراج .



- ردي ، ردي ، ردي !! بسرعة !!


بقي قائماً أمامي يراقب باهتمام ، إلی أن تأكد من أني قمت

بالرد علی الاتصال ، ثم ابتعد في مرح عائداً إلی ألعابه .




- كيف حالك حبيبتي ؟



أود لو أعلم سر الدفء الغامر في صوته علی الهاتف ..



- وش تسوين ؟


- أنا مع أيمن .


سكت قليلاً ، ثم ابتدر فيما كنت أخشاه :

- حبيبتي ، أبيك تغيرين جو وتروحين عن نفسك ..

حاولي تسلمين علی الضيوف .


- لا تحاول .


- أيمن عندك ؟


- ليش ؟


قلدني مستهزئاً : لا تقول كلمة لا .. قدام أيمن .


قلت بسخط خفي :

- البركة فيك ، دام إني معك تلقائيا كلمة لا .. بتجي علی لساني .



رجع يشد أعصابي بنصائحه الشاقة :

- مب عاجبني تسجنين عمرك يا وفاء ، أنتي راعية هذا

البيت مثل ماهي راعيته ، من واجبك تستقبلين الضيوف

ولو لم يكن لك علاقة فيهم .. هذا بيتك .


- مرتاحة كذا ...


أردت إعاقته عن المتابعة ، لكنه واصل حيله الماكرة باجتهاد :

- اطلعي اقهريهن ، البسي أحسن لبس واستعرضي عليهن

بجمالك .. صدقيني بتاكلهن الغيرة وأبصم بالعشرة إن هذا

اللي تبين . لكن لا تنسين التحصين هذا أهم شيء ،

حصني نفسك وولدك .



عبرت عن رغبتي ، حزينة :

-أبي مثلها ..



- يا قلبي وأنا أبي لك مثلها وأكثر ، صدقيني لو أهلك

قريب عساني الموت لو أفكر أحرمك منهم .. لكن الخال

هذا أبوس رجلك ﻻ تجيبين طاريه ..



لماذا يدعو علی نفسه بالموت ، هل هذا ما ينقصني ؟

أﻻ يعلم بأن دعوة كهذه من شأنها التأثير باﻷقدار ؟



- متعب ، حتی أنا ... أكره .. آ ... قصدي ، I hate him .



بتنا برهة وكل يصغي إلی أنفاس اﻵخر ..



قررت قطع الهدوء موضحة :

- رغبتي بالزيارة .. بس عن حاجة للأهل ، حاسة إني ناقصة ...


- أنا أهلك ، وأنتي ناقصة بدوني أنا يا وفاء .


- مهما كان يا متعب .. اﻹنسان محتاج أهله حوله

حتی أنت .. أبي السعودية !


- وفاء لا ترمين كلام بدون تفكير، الحين رغبتك تكملين الجامعة، صح..

والا ﻷ ؟ كملي جامعتك علی خير أول ، ثم نبدأ ندرس هالموضوع .


لجأت للصمت محبطة ، ثم قلت مغيرة دفة الحديث :

- بس كلهم طويلات ! لمحتهم مرة ، شكلي غلط بينهم .


- وين نقزتي ؟ بأي موضوع تتكلمين ؟


قلت ببغض : ضيوفها !


- آها ، طويلات وين المشكلة ؟ وش كثر الكعوب

ياللي شاريهم لك ، افتحي دولابك تلاقين مطر .


قلت بتردد : بس .. هم بالصالة .. وأنا عند ولدي ..

مابي يشوفوني بالبيجاما وهم آخر كشخة ..


- أجل ما عندك إﻻ تكشخين بثياب الحبيب .


- أيمن ؟!


علا صوت ابننا هاتفاً : نعم !!


ابتسمت للصغير الذي التبس عليه الموقف ..

فوجدتها فرصة للتخلص من والده :

- أبوك يبي يكلمك .



وسلمت الهاتف للطفل متهربة ، لكن بت أفكر

في إيحائاته التي كان يستدرجني بها .


أعدت كلامه في رأسي ..

فلمع في ذهني اﻷلماس والذهب الذي أهدانيه !



فرصة عظيمة ﻹثارة غضبها ، وغيرتها !



لكن ؛ هل باﻹمكان ارتداء اﻷلماس ،

والذهب .. في آن واحد ؟



لكن صعب أن أتداخل بينهن ، صعب جداً .


كذلك أنا واحدة ، ووحيدة ..

علي مواجهة عشرات اﻷعين من اﻷعداء ..


هن مقربات ، يألفن بعضهن ..

بينما سأكون الغريبة والمنبوذة بينهن ..



أنا بحاجة حقيقية إلى أسرة ، أريد عائلةً حولي .











تكلمتُ من بين أسناني حاقدة :

- يا ماما أنتي أصلاً وحيدة ، مالك إلا جدتي

قرب يومها ، وبتصيرين بجد وحيدة !




كنت أنتحب علی الخط بذات الوقت

الذي بدأت والدتي الإجهاش بالبكاء .



كنت أرجوها أن تأتي إلي ..

تعيش معي ، و تقيم معي بنفس الدولة والمدينة .



ليس طلباً صعباً ، بما أن ابنتها وضناها

في أشد الحاجة إلی ذلك !


ليس صعباً ، لكنها لا تريد ، لا تريد فحسب !



- استغفري ربك ، الله يطول في عمر جدتك ويخليها لنا .. ومن قايل

لك إني وحيدة يا بنتي ، ما شاء الله خواتك ويا عيالهن ما يقصرن ، كل

أسبوع البيت مزحوم .. غير خالاتك وأخوالك .. وعماتك .. وصديقاتي

وجاراتي ما شاء الله عليهن .. الله يخليهن ..


ليس هذا ما أريده منها ، ليس هذا ما أريد أن أسمع :

- ماما ! أنتي الحين تبين تهديني والا تعايريني بأهلك اللي حولك ماما

أنا وحيدة !! حتی متعب ملاحظ .. متعب مب عاجبه حالي ، تخيلي ..

تخيلي يبيني أجلس بين أهلها وصديقاتها ؟ يبيني أستقبل ضيوفها !


- لو تبين الناس كان استقبلتي حتی شحاذ .. لكنك علی طباعك ما

تتبدلين .. شوفيني كيف رغم إني وحيدة .. إلا أني حريصة أجمع

الناس حولي ..


- كفاية مقارنات ! تدري يا ماما ؟ متعب أحسن منك ، علی اﻷقل ما

يعايرني .. يلمح لي بالمحبة .. ما قد قال هالكلام اللي يكدرني

ويخليني أبي أصير أخس !


- أجل خلي متعبك ينفعك ، ليه داقة علي تبكبكين ؟

روحي تبكبكي بحضن اللي يلمح بالمحبة ..


- أنا الغلطانة ، غلطانة إني جيتك محتاجة .. أقل لك أنا وحيدة تقولين

جاراتي وصديقاتي .. وش أسوي بجاراتك وصديقاتك ؟ أنا أبي أهل ..

مابي صديقات ! محتاجة أهل حولي .. أبي أهل !!



بعثت بي اﻻرتباك بفتحها أكثر المسائل التي أحرص تجنبها :

- ما قدامك حل ، إلا تخلين رجلك يتصالح مع خالك رياض .


سارعت بإنهاء الموضوع قبل الخوض فيه :

- متعب زعله قوي ، ومو من صفاته التسامح .. بهذلة التحقيقات

والشرطة اللي سويتوه معه ماهو بهين .


طغی علينا سكوت قصير ، بترته بنبرة مواسية :

- أجل مالك إلا تصبرين وتحتسبين اﻷجر ، أو تقنعينه تقيمون

بالسعودية .. تبيني أفاتحه بهالمسألة يا بنتي ؟



يا ويلي ، أقسم أن يفصل رأسي عن جسدي لو فعلتي هذا يا أمي ، فإياك !


- لا ، لا مافي داعي ، أنتي لا تكلمينه أبدا بأي موضوع ، أنا بأعتمد علی نفسي .


- كان اعتمدتي علی نفسك من اﻷول بدل تصجين راسي بهالبكبكة

وتبكبكيني معك .. الله يسامحك ويصلحك .. جدتك جنبي تسلم عليك ..


- كيف حالها ؟ كيف آلام مفاصلها ، تحسنت ؟


- هاك ، كلميها .



فرغت من المهاتفة وأنا أشعر بالتحسن نوعاً

بعدما أفرغت ما كنت أختزنه في صدري


علی اﻷقل خرجت بفائدة من هذه

المكالمة الغير مفيدة .
























* * *
























أسرعَت إلی الباب واستقبلته ببسمة مشرقة .




كانت سعيدة ، تنتظر قدومه بفارغ الصبر ..

تود نقل خبر بقبولها في العمل الجديد ..




- وش السالفة ؟ الضحكة شاقة خشتك .


- قل لي مبروك !


- قبلوك بالعمل ؟



أومأت بسرور :

- الحمدلله جاني اتصال ، بأقابل المدير مرة ثانية ، ادع لي !


ابتسم بلطف : الله يوفقك .



تأبطت ذراعه بدلال في طريقهما إلی الحجرة :

- أنا عازمتك اليوم علی العشاء .


- اوه ؟ وش هالمفاجأة الحلوة ؟


قالت تقاطع ضحكته المرحة :

- يعني هيئ نفسك ، خرجة بالعصر اليوم ممنوع !


رفع حاجبين متعجبين بينما يغلق الباب ثم أجاب ضاحكاً :

- Okay Lady !

أوامر ثانية ؟


وتابع بتنهيدة مرهقة دون انتظار اﻷوامر اﻷخری :

- ما أدري من عليها المطبخ اليوم بس ودي بعصير بارد

علی الغداء ، أبيه بارد يثلج الصدر ، اليوم تعب تعب .



تمايلت مقتربة بغنج : تآمر حبيبي ، من عيوني .

وامتدت أناملها إلی قميصه رغبة في مساعدته تبديل ثيابه .


- أقول شكلك متحمسة، وخري بأبدل بنفسي . روحي سوي العصير .


معارضته الوقحة مست كبريائها ، وطعنتها في الصميم :

- كل الزوجات يساعدن أزواجهن في اﻷمور هذه

وش فيها لو تدلعنا شوي ؟


ضحك بسخرية قاسية :

- أنتي تتدلعين ؟ ما يركب ما يركب يا حرمة عيب حنا كبار

وشكل العصير ما بيجهز .



هل يتقصد هذا الرجل التجريح ؟


أيعي بأنه يتحدث بقسوة تدمي قلب

أي أنثی مهما بلغت من القوة ؟



- كبار بس معي ؟ ومع وفاء ؟ مع وفاء

مو بكبار إن شاء الله لو تمشون علی أربع !



- بسم الله ، وش فيك ؟


تابعت ناقمة :

- الدلع يركب علی وفاء وبس ، صح ؟ وإلا ﻷ ؟ مع وفاء

عادي تتحول إلی طفل ، ومراهق ، وبزر وكل شيء ..

أما معي كأنك مدير مع واحد من عملاءه !



احتدم غيظها حين بادر بتهدئتها بالنبرة اللينة المتحايلة :

- استهدي بالله يا غيداء ، مو معقول هالكلام يطلع منك !

أنتي تصغرين عقلك كذا يا غيداء بسبب بزرة ؟


- هذه مب بزرة بالنسبة لي ، هذه ضرتي .. وعدوتي !



صفق بيديه مشدوهاً : لا بالله رحنا فيها .


ثم وضع يديه علی خصره ، يسائلها بنظرة محاسبة :

- وش بقيتي للخبلة ، هاه ؟ بأقعد أنا أعقل في من والا في من ؟

فاضي لكم أنا ؟ أشوف للعمل والا البيت وأغراضكن والا مشاكلكن ؟


- أقص يدي لو قلت لها هالكلام ، طبعا وفاء الغالية ..

ممنوع كلمة تزعلها !


ترك يديه يفلتان إلی جانبيه وتقطيبة حادة توسطت حاجبيه :

- أستغفر الله وأتوب إليه ، أنا قد قلت هالكلام يا غيداء ؟ قد حذرتك

تقربين وفاء ؟ بالعكس أنا كنت خايف عليك أنتي ! الغلبانة تاكل علی

راسها من العتاب يوميا ﻷني داري بشيطنتها ، لكن أنتي يا العاقلة يا

أم قلب كبير ! ... تعالي تعالي ، لازم نتفاهم بالهداوة ، الظاهر أنتي

يبي لك محاضرة طويلة .




رغم أشار بأنه منهك ومرهق من العمل ، إلا أنه كان علی استعداد تام

بأن يتقمص دور أستاذ جامعي يسرد المحاضرات طوال اليوم .


لا يبدو بأنه سيخلد إلی قيلولة ، إنه في قمة نشاطه وحيويته .



عرض عليها محاضرة طويلة حقاً سرد بها صفاتها الإيجابية المملة .

ولا يكف عن إثارة حنقها بتكرار كلمتي ( الكبيرة ) و ( العاقلة ) .



لو يعلم فقط أن أكثر كلمة لا تطيقها المرأة هي ( أنتي كبيرة ) !










انتهت من إعداد نفسها لعشائهما الرومنسي قبل الموعد بنصف ساعة.


لقد غادر قبيل العصر رغم أنه قام بوعدها .. لكنه

قطع عهداً بالحضور باكراً من أجلها هذا المساء .



تتمنی لو تعلم إلی أين يذهب، ومن يلتقي، كل يوم من هذا الوقت.



خرجت من حجرتها بمشية مختالة ، فوقعت عينها علی الطفل واﻷم .



لا يشوه هذا البيت سوی وجود هذين اﻻثنين ...

لو يختفيان من حياتها .. تقسم أنها ستحيا في النعيم ..



أتت تشاركهم الجلوس بكامل زينتها ، لتلفت نظر الضرة الحقود .



- ما شاء الله ، علی وين العزم ؟



هاقد بدأ لسان اﻷفعی يبث بالسموم .



ابتسمت بنعومة ، مجيبة :

- عندي موعد مع عشاء رومنسي .


- اوه ! ومع مين ؟


- مع زوجي أكيد ، مع متعب .


- آها ، بالعافية عليكم .



أدارت وجهها إلی ناحية طفلها ، الذي كانت

منشغلة معه في قراءة قصة مصورة للأطفال .



الغيرة كانت واضحة جداً في صوتها الجامد .



لابد من أن الغليان يذيب قلبها اﻷسود الشيطاني اﻵن !



مسكين طفلها البريء ، لكم ترثي عليها ..


لا يعلم عن مدی ظلمة الصدر الذي يحبه

.. ويطيعه ، ويتعلق به أيما تعلق .




- بابا جاء !!!



ركض الطفل إلی الباب الذي دخل منه الوالد

اللامبالي وتعلق برجله بينما يحكم إغلاق الباب .


- ماني ناقصك ، وخر كذا ؟

السلام عليكم .


- جبت لي السيارة ؟



حمل بضيق الولد الملتصق بساقه ، ورمی به بحضن أمه ملقياً أمره :

- وفاء قومي تجهزي ، اليوم عشانا برا .



مالذي يهذي به ، أيمزح معها ؟

لماذ يقوم بدعوة هذه معهما ؟



هذا عشاء خاص ..

عشاء رومنسي خاص بهما !



تنبهت لنظرة السخرية التي قامت تلك الأفعی

بتمريرها إليها بعدما أدار إليهم ظهره .




بالتأكيد لن تعارض !

فكيف ستقوم اﻷفعی بعمل خير مع عدوتها ؟










لا تصدق ما يحصل !


خططت لكل شيء .. وأخذت كل استعدادتها ..


واجتهدت من أجل تنسيق ليلة رومنسية هادئة

في مطعم راقي وأنيق تلائم مناسبتهما الخاصة


لينتهي بها اﻷمر في مطعم عائلي مبتذل !

وبرفقة ابنه المزعج ، وأمه البغيضة ؟!



- هجدي الولد يا وفاء ﻷضيع ملامحه بصحنك .


- لحظة يا متعب ، ماما تراسلني ..



تدخلت عوضا عن اﻷم المنشغلة

وحملت الطفل المشاغب عن والده ،

تسأله بمودة زائفة :

- أيمن يا بطل ، تبي حلی ؟


- لا !


أجاب بجفاء وحدة مغلقاً باب التفاوض من بدايته .

فحاولت ترقيق صوتها أكثر :

- الحلی حقهم لذيذ ! يممي !


حرك رأسه بعناد مقطب غاضب برفض معيداً ( لا ) القاطعة خاصته .


- لا عنه أكل ، اتركيه .


تدخل اﻷب السلبي في الوقت الذي استلمته والدته ، تخاطبه

بلين ولطف .. وهي تعرض عليه ملعقتين مختلفين في الحجم :

- أيمن حبيبي ، تبي تاكل الحلی بالملعقة الكبيرة ..

والا بالملعقة الصغيرة ؟


أخذ الطفل ينقل بصره الملتمع بين الملعقتين :

- كبير .. أنا كبير !


وتابع الشقي الغاضب منتقماً : صغير حق بابا !!!


تلك اﻷم المتحايلة ، ذكية تلك اﻷفعی !


راقبت اﻷم تطعم طفلها من طبق الحلو خاصتها بالملعقة

الكبيرة التي قام باختيارها ، والطفل السعيد يلتهمه بنهم .


- أنا أوريك الصعيل من الكبير يا صعلوك .


صاح الطفل بفمه الممتلئ في فخر : ماما قوية !


لم تفتها لمحة السخرية التي مررها اﻷب إلی الزوجة اﻷم

ثم عاد إلی الصغير :

- وش دخل أمك ؟ قل أنا قوي ، أنت رجال دافع عن نفسك !


تدخلت اﻷم هنا بنبرة شبه متحدية :

- كلنا نعرف إن أيمن قوي ، أصلاً أيمن بطل .. صح يا أيمن ؟


- صح .. صح !! أنا قوي .. أنا .. أنا بطل .. زي ماما !!



عرفت جيداً النظرة التي طرأت محيا اﻷب ، إنها نظرة غيرة !


لكن غيرة .. تختلف عن غيرة ، هذه المرة الغيرة من اﻷم !



ربما قد تعتبر هذا النوع من الغيرة طبيعي

بما أن اﻻبن يفضل أحد الوالدين علی اﻵخر


خاصة في هذه الحالة التي كانت اﻷم متكفلة بكل ما يخص

اﻻبن منذ ولادته في غياب اﻷب المهمل الذي لم يحاول

حتی وضع يداً حانية علی رأس طفله .


إلی هذا الحين والطفل كامل اعتماده علی والدته بينما

اﻷب مهمش ، وربما في نظره هو مجرد رفيق في البيت

وأنيس .. يقوم بتسليته بالمشاحنات التنافسية الشقية .


- أنا مب قوي ؟ أبوك مب قوي ، هاه ؟


تعالت ضحكات الطفل العنيدة أسفل ذراع والده

الذي يعتصر جسده المقلوب كالمصارع .


بدا الطفل بوضع خطير في أسر سجن ذراع العملاق الفولاذي .


حتی أن ملامح القلق برزت في عيني اﻷم ، لكنها بدت تنازع

نفسها للامتناع عن التدخل وابتسامة باهتة استقرت علی شفتيها .



- قل بابا قوي !


- لا ..


- قل ! قل أنا قوي مثل أبوي !


- لا !!



تسلل صوت اﻷم خجولاً بين ضحكات الطفل :

- متعب ، هنا لا .. بمعنی نعم .


- آها ، يهايط ! تستقوي علی أبوك ، هاه يالنونو ؟ تكلم من القوي ؟


- أيمن قوي !!!


هتف الطفل عالياً ، تتبعه ضحكاته المرحة المتقطعة .


- أيمن قوي زي من ؟


- زي .. زي .. زي اممم .. ماما !!!!



الطفل الماكر يتقن فن الحيل الملتوية ؛ مثل والدته .




لقد ضجرت كل ذلك ، يجب إنهاء هذه الفوضی في الحال !!


- يا متعب ، متی نمشي ؟


- تو الناس !


لمحت اﻷم وهي تحرر الطفل الحبيس من قيد والده بهدوء شديد

وكأنها تقوم بعملية سرقة لا بتسترد ابنها ، لكنه انتبه فالتفت إليها :

- تبين نمشي يا وفاء ؟



بحق الله من هي مدبرة هذا العشاء ؟

ما شأن هذه ليطلبها الرأي ؟!



تلمست العلبة اﻷنيقة في داخل حقيبتها بأنامل خائبة .

يبدو لن تتمكن من إهدائها إليه ، في ظل هذه الظروف .






* * *





TBC



-





التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-02-16 الساعة 11:13 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-02-16, 11:23 PM   #33

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-





















تسلل وراءها بهدوء شديد ...


وما اقتربت ، من القدر الموضوع علی الفرن .


عض علی شفته السفلی بمكر واستمتاع

فارداً ذراعيه عن وسعهما ...


ثم قبض عليها بسرعة هائلة

جعلتها تطلق صرخة ذعر



- وقفطتك ، يا وحشة .



- بسم الله ! بسم الله ! أعوذ بكلمات الله التامات ...

أعوذ بالله .. بسم الله ...


- متعب أنا وربي ماني بجني .


هتفت بعصبية : وش تسوي هنا ؟


رفع حاجباً متهكماً : أنا المفروض أوجه هذا السؤال .



ارتبكت لما استوعبت أنها في موقف مشبوه

فحاولت مداراة الشبهة عنها :

- جيعانة ، جيت بأشرب مويا !


- آها ، مويا .. والمويا صارت بالقدور هاﻷيام ؟


- جيت أشوفها طابخة شيء ينأكل ، والا مقبلات كالعادة ؟

عشان آخذ استعداداتي ، وأحضر لي ولولدي أكل مثل الأوادم .


حرك رأسه بإيماءات ساخرة : جواب مقنع ، بس وش تبين

تاكلين علی العشاء مثلاً ، كبسة ؟ من قلتي جيعانة أبي

مويا وأنا غاسل يدي من الرد .


- متعب !! لا تشيلني كذا !! يا ويلك لو تشوفني كذا.. والله يا متعب!!


وقفت لاهثة تقوم بترتيب شعرها وهندامها

وتلقي بنظرات محترزة علی مخرج المطبخ


- يعني نظرتها لك يهمك أكثر من نظرتي ؟

أحياناً أتساءل يا وفاء إذا تحبيني صدق .



نظرت إليه جزعة ..


ثم تحركت باحثة عن مهرب

كما لو ظهر أمامها جنياً


وكاد أن يبلغها ويحاصرها لولا

دخلت اﻷخری مقاطعة مرحهما



- سلامات ؟


رد علی المرأة الجافة بارتباك :

- أبد ، ننتظر الغداء .. قصدي العشاء ..


- رح الحقها ..


- وشو ؟


أعادت قولها بصياغة أخری ، مشيرة بيدها :

- كملوا لعب ، تنتظرك .


استقر علی إحدی الكراسي حول المائدة :

- شوفيني جيعان ، ما تغديت زين اليوم

فخلي عنك الهذرة الزايدة وعجلي بالعشاء.


رمته بنظرة حاقدة قبل تتجه صوب درج اﻷطباق



هذه المرأة ، أصبحت مخيفة في هذه اﻷيام .


عليه الاجتهاد والمثابرة في التوفيق بينهما

وإلا سيبقی يعيش بين نارين طوال حياته













- ولد ، وخر .


وضعت يدي علی جبيني ، أهمس بيأس :

- نايم ، حرام عليك .


- ما شاء الله ويتقلب بعد !


- بنكسر سريره في يوم يا متعب .


- وخري أنتي بعد .


تأوهت متألمة : رجلي !!


- واﻻ أقولك ؟ قومي عن السرير .



فتحت عيناي عن وسعهما فيما أجد نفسي محمولة

ثم أوضع علی اﻷرض !



ورقد بجانب الطفل براحة :

- شكلي بأجيب سرير أكبر ، أبي أمدد رجيلاتي .



نقلت نظري بقلق إلی الصغير النائم يتقلب منزعجاً .


يا حبيبي الصغير .. صرنا نؤرق نومه هذه الليالي .



- حاس إني غلط ..


همست حانقة : قصر صوتك علی اﻷقل ، الولد مزعوج .


شهقت وأنا أری الطفل بين يديه ، يضعه في اﻷرض

بالجانب اﻵخر : ولدي !! متعب يا مجنون !!


هرعت إلی الجانب اﻵخر وحملت الجسم الغض

من علی اﻷرضية القاسية


وإذ به يتذمر : خليه يا وفاء ، كنت أبي أجيبك محله .


- أنت واحد مالك حل يا متعب ، روح خل ولدي ينام !



أعدت الولد إلی فراشه ، وأعدت الغطاء إليه .

ثم خرجت من الحجرة مباشرة .



لقد كثرت مضايقاته هذين اليومين ..


قام بوعدي بالعودة إلی الدواء ولم أر شيئاً منه ..


ولا أزال أشتم رائحة سمومه ..



ألقيت بنفسي علی اﻷريكة في الصالة


البيت هادئ ونائم إلا من ذاك المزعج



ظللت جالسة في انتظار أن يحل ، ويدع الولد يهنأ بنومه .



أخطأت عندما اعتقدته يفهمني ، إنه لا يفهمني أبداً ..



يرهق نفسه ويرهقني معه بمحاولاته العديمة النفع

هل يتوقع من شخص مثلي يمتلك تلك الجرأة ؟


محال أن أرافقه إلی الحجرة بقدماي ..

صعب جداً .. لا يمكنني ..



ألم يفكر لمرة بأن يحملني بيديه ؟



( فلتحملني بين ذراعيك ، وتقودني رغماً عني ! )



أنا أصغر من أن أتغلب علی خجلي اللعين ..


كلا ، إنه لم يفهمني بعد .




انشغلت بالمراقبة ..


مفتونة بالقطة الأميرة المدللة ..

التي تتسلق السقف بتمايل مغرور ..

ودون يسقط التاج عن رأسها !



تضاعفت الحيوانات اﻷليفة الذي تظهر من العدم في هذه

اﻵونة ، ربما لإفتقادي إلی وجودهم اﻷنيس في هذا

البيت الخالي .



أطلقت صرخة مكتومة حالما سقطت القطة علی المار بالصدفة .


نظر إلي مستغرباً : وش فيك ؟


لفقت عذراً سريعاً : طلعت لي فجأة ، خوفتني .


أتی وتمدد علی اﻷريكة .. واضعاً رأسه علی رجلاي

يطالبني بدلال :

- ساعديني أنام ..


وتناول يدي يضعها علی جبينه يدلني

علی طريقة المساعدة التي يرغب بها ..


تنازلت ملبية طلبه ، وقد أغرتني نعومة شعره ..


أطراف شعره الحادة والسميكة تنبئ علی أنه قام بقص شعره قريباً



تبسمت في قرارة نفسي وصور غابرة غزت ذاكرتي ..


كنت دائماً ما أحاول أحكم أينا يغلب اﻵخر باللون اﻷسود .


أستغل نومه ، وألصق بشعره خصلاتي الطويلة القديمة

ﻷری أي منا يتفوق علی اﻵخر في اللون الداكن ..


أعتقده التشابه الوحيد بيننا ، لون الشعر الفاحم .


وبذلك سنحتار في الحكم إذا تساءلنا إن كان ( أيمن )

يرث شعر أمه ، أم شعر أبيه؟




هذا مؤلم ..

مالذي يفعله ؟


هل أناملي له هذا التأثير الكبير عليه ؟

إنه يعصر بطني برأسه ، كالثور !


أوقف هذا ، تناولت العشاء للتو ..

أمعائي الممتلئة تستنجد !


- متعب وش تسوي ؟


عدل من رأسه علی رجلي ، يواجهني مهمهماً :

- آسف ، دخلت جو .



بقي ساكناً مقطبا لوقت ، ثم ارتفع يجلس فجأة ، يحاصرني مهاجماً :

- لو ما جيتي معي الحين للحجرة يا وفاء ، بأغتصبك قدام الولد !!


شهقت من جوفي من عظمة التهديد الذي نطق به

ولم أدر إلا بيدي المرتجفة تهديه صفعة رخوة ضعيفة



لن تصل به المواصيل إلی هنا ..


لا يجرؤ فعل ذلك ، أليس كذلك ؟

قلبه الرقيق لن يسمح بذلك ..



ابتلعت الهواء رعباً



عيونه المخيفة

إنه غاضب !!



لماذا غاضب ، أمن الصفعة !



- تصكين زوجك كف يا وفاء ؟



أقسم لم تكن بصفعة ، لا يحق له تسميتها بالـ( كف ) !

كانت أقرب إلی التربيت ، فلم كل هذا الغضب ؟


أيحاول تلفيق عذر لتنفيذ تهديده ؟


لن يفعل ، محال أن يحصل .




لكن هذه العيون الحمراء لا تنذر بخير !




تحولت إلی شبح ...

أنا ميتة اﻵن حتماً ...

أشعر بروحي تودعني ..



اختفيت من أمامه

والخوف من التهديد

يعتصر حنجرتني ألماً



يا إلهي ، يلحق بي !



مالعمل ؟ إنه سريع .



أرجوك ﻻ تقتلني !

فعلتي لا تستحق كل هذا الغضب !!




أصدرت صرخة مختنقة وأنا أراه يرتد بحدة ويتعثر برجل مقعد

إثر ركلتي التي ذهلت بنفسي من قوتها !



أوشكت علی الضعف فيما يتقلب علی اﻷرض متألماً من رأسه ،

وكدت أقترب منه أملاً في التخفيف من ألمه ، إلی أن بوغتت به

يقفز وينصب قامته المديدة .



يا ويلي ، أصبح انتقامين اثنين ..



- آسفة .. والله آسفة .. الرحمة ..



هل يستمع إلي ؟

الوحش فقد حاسة السمع ...


انطلقنا في حلقة عَدْوٍ جديد حول الحجرة ، حتی كاد

يحاصرني فحاولت استغلال أرضية السيراميك الناعمة .


ما كدت أخترق قدميه الطويلين وأتجاوزه متزحلقة ،

حتی وجدت الدنيا صارت مقلوبة في عيناي .


تجمع الدم في رأسي وأنا متدلية رأساً علی عقب .


- الرحمة هاه ؟ الرحمة .


- متعب هذا مو كف .. أنا لمستك بس .. ما يحق لك والله ..


كنت أتحدث بمشقة ودماغي سينفجر من ضغط الدماء عليه .

- بأموت .. راسي .. بينفجر راسي !


- مستوعبة وش سويتي ؟


- مستوعبة ، مستوعبة .. عاقبني بأي شيء ..

أي شيء إلا تهديدك تكفی ...


- طلعي لي عقاب مناسب يشفي غليلي ، ثمن أنزلك .



كيف بمقدوري التفكير علی هذا الوضعية ، أيها المجنون اﻷبله !



- عقابها أقل شيء الطلاق ، زوجة مثل هذه تسمی ناشز .



دهشنا من الصوت العميق الغير متوقع .



ثم بي أعود واجد الدنيا تعتدل أمام عيني، وبأقدامي يلامسان اﻷرض .


حاول موازنتي إثر الدوار الذي لف برأسي

ثم سمعت صوته بينما يجلسني :

- أنتي ما نمتي ؟


أمسك بي لما أردت النهوض عن رجليه

يسألني باهتمام أخجلني أمامها :

- راحت الدوخة حبيبتي ؟


أرغمت فمي ﻷجيب ، لكن قاطعني صوتها المعادي :

- تصك وجهك كف ، وتقول لها حبيبتي ؟ للعاقة هذه ؟!


- وش حارق رزك أنتي ؟ رجاء ﻻ تتدخلين بمشاكلي معها !



أهديتها ابتسامة انتصار شامتة .


تستحق ذلك ، تلك الكريهة .



أولت ظهرها لنا ..

ثم لم نعي إلا وبالبيت يهتز

عقب صفقها لباب حجرتها



لكن ذهني راح يدرس كلماتها الاتهامية التي رمت بها علي .



وصفتني بالزوجة الناشز ، وبالعاقة .


هل أنا كذلك حقا ؟




- وفاء .. ما كأن اللي صار الحين ، مألوف ؟


رفعت إليه نظرات مستفهمة .



عن ماذا يتحدث ؟

أيقصد عقوقي .. بالمألوف ؟



تأملني بنظرات اعتصرت عقلي ﻷحاول تفسيرها .

لكنه تركني بقبلة خفيفة ، دون أحظی بشرح شافي .



تبعته بنظراتي يتوجه إلی حجرتنا ..



لا تتركني هكذا ، أرجوك ..

عد إلی هنا ..


عد واحملني ..

احملني معك ..

احملني إلی حجرتنا ..



لا أريد أن أكون ناشز ..

لا أريد أن أكون عاقة ..



يكفيني عقوقي لوالداي ..



لا أريد أن أدخل النار !
























* * *
























تلك الزوجة العاقة ..

ليست مثالية إلا كأم ..



لا تعرف مالمشكلة بالتحديد معهما ..

لكن لا يجدر بأن تصل بتلك الزوجة إلی النشوز !


وما بطر النعمة هذا !

ألا يملأ عينها زوج عاشق متيم بها مثله ؟


أم تتقصد أن تجعله يركض وراءها !



مضی شهر ؛ والرجل كل يوم يزداد بؤساً وأرقاً ..


صار يعيش حالة اكتئاب ، ويبيت معظم الليالي خارج البيت .


لا أحد يعلم أين يقضي لياليه ، بينما تلك الناشز ، والعاقة ..

لا تفكر سوی في نفسها ، وابنها .



علی اﻷقل لم يعد يغيظها بتسلله من الفراش ليلاً


واﻷجمل لم يعد يشعل نيران غيرتها الملتهبة بجلوسه

علی عتبة حجرة الطفل في انتظار معشوقته



لم تكن المرة اﻷولی التي تقابلها حالة الاكتئاب هذه عليه


حصل ذلك أيضاً في الشهرين اﻷولی من زواجهما

بدا لها في تلك اﻷيام أتعس إنسان علی وجه اﻷرض


إلی درجة اعتقدته نادم علی ارتباطهما ...

ما جعل اﻻكتئاب ينتقل إليها ، يؤرق نومها .



لا يمكن وأن تسمي انجذابها نحوه حباً ،

لا يمكن للحب أن ينشأ بهذه السرعة .


بالتأكيد هو مجرد إعجاب لا أكثر ،

فبالنهاية هو رجل في عنفوان شبابه .


ويملك من الجاذبية ما يكفی لجذب الفتيات ، رغم أنه ليس بتلك

الوسامة .. لكن جاذبية غامضة محيرة تشع منه بقوة !


فضلاً عن ابتسامته اللطيفة .. التي إذا ما ابتسم يتبدل وجهه اﻷسمر

كلياً ويصبح مثل وجه طفلُُُ سعيدٌ يملك غمازة فاتنة ..



- تعال يا شقي تعال ، تعال .


اقترب الشقي الظريف ضاحكاً .


كان جالساً علی الناحية اﻷخری من نفس اﻷريكة التي تجلس عليه

يجلس رجلا علی رجل ، مقلداً جلستها التأملية .


- ليه تقلد خالة غيداء ؟ مو عيب ، هاه ؟ يا شقي ؟


انفرط في ضحك طويل رامياً برأسه إلی الوراء ..

يشبه أبيه في ضحكه بتلكما الغمازتين الجذابتين ..



سمعا نداء الوالدة الصغيرة لـ( أيمن ) ، ثم ظهرت

اﻷم وبيدها مرهم للإصابات اعتادت رؤيته معها .


- نعم ! أنا هنا .. ماما !


الولد رغم شقاوته المفرطة إلا أنه جد مطيع مع والدته .


فلم تسمعه قط يخاطبها بكلمة ( لا ) المستفزة

كما يفعل مع الكل ، ليتها تعلم بالسر !


اقتربت اﻷم منهما ، فقامت بتعديل الجالس علی رجلها ليواجه أمه .


فانحنت اﻷم ورفعت سرواله لتكشف عن ركبته المصابة

وبدأت في دهن الجرح الصغير بلطف .



هذا الطفل يشبه أحد إخوتها الذكور بطفولته، كان يلقب بشقي العائلة.

يشبهه بكثرة الحركة وفرط النشاط، وبالمقابل يتلقی كثير من اﻹصابات .

وكم أرهق والدتهم بكثرة إصاباته ، ومع ما ينال كثرة توبيخاتها

لكنه يعيد الخطأ وكأنه ولدٌ غير قابل للتعلم .


ويبقی في كل مرة يعود بإصابة جديدة يؤلم بها قلب والدته .

كانت والدتهم علی العكس تماماً .. من هذه الوالدة الصغيرة !


هل قلب هذه اﻷم بتلك القوة ، بحيث لا تؤلمها إصابات ابنها المتكررة ؟


لم تسمع منها توبيخاً واحداً للطفل ، أو حتی معاقبته بحرمان مؤقت

عن اللعب ، والركض .. محاولة لترويضه قليلاً والتخفيف من اﻹصابات

المؤذية . تكتفي بالصمت ومعالجة جروحه بذاك المرهم بهدوء دون

ينال حرف تأنيب واحد .


غزت شفتيها ابتسامة غريزية حينما قدم الطفل قبلة شكر إلی أمه

لتعيد إليه اﻷم قبلته .. ثم تودعه بابتسامة أمومية جميلة

نسيت معها بأن هذه لا تكون إلا عدوتها !



- وفاء ؟



استدارت اﻷم بكبرياء : نعم ؟



كانت من المرات النادرة التي تضطر بها مناداة الفتاة باسمها .

لكنها تتمنی اﻵن بأنها أصيبت بالخرس بعد هذا الرد المختال .



- كيف خليتيه ما يتعامل معك بالـ( لا ) حقته ؟


رفعت كتفيها ببساطة :


- من قال لك ما يقول لي لا ؟

لكن حاولي ما تكلمينه بالـ( لا )

راح يبدأ يتعلم يعاملك بالمثل .


غزتها الحيرة ، فقالت :

- ما قد طلبني شيء ، وقلت له لا .


- شوفي أوامركم ، بالذات أبوه .. لا تركض .. لا تقفز ..

لا تسوي شقاوة وعاد هذه جملة أبوه المفضلة .. كلامكم

كله لا ولا ولا ، وآخرتها تبون عيالكم ما يردون عليكم إلا

بـ( نعم ) ، متناقضين . كلمة ( لا ) ما تنقال للولد إلا عند

اﻷمور الخطيرة والمهمة ، باختصار مسائل الحياة والموت .



أنهت إجابتها بإدارة ظهرها المغرور ، عائدة من حيث أتت .


كانت تخفي اشمئزازاً ومقتاً في حديثها كان جلياً بنبرتها الباردة .




من أين لهذه الشابة الصغيرة ، كل هذه الخبرة والمهارة ؟


لابد أنها هيأت نفسها جيداً قبل إنجاب هذا الطفل .



هذه المهارات التربوية ليست من فراغ ، بالتأكيد أخذت دروساً في

التربية ، واضح أنها اجتهدت وسعت كثيراً من أجل تربية هذا الطفل .



يالسعادة اﻻبن ، بأم كهذه ..
























* * *
























هل ينتقم مني ؟



أم أن مقاطعته ؛ ليس إلا نتاج

حالة الاكتئاب التي هبطت عليه ؟



لم يعد بالشقي الذي يلاحقني إلی حجرة الطفل .


بدأ بقطع التواصل بيننا بالتدريج ..

قطع التواصل حتی مع الطفل !


ما ذنب الطفل ؟


حتی الطفل أدرك للتوتر في اﻷجواء ، والخلل في علاقتنا .



لا يتوقف عن اﻷسئلة ...

" بابا زعلان ؟ " ، " بابا ما يكلمني " ، " بابا ما يحبني ؟ "



هل أكون السبب ؟

أهو غاضب مني ؟



يبدو أنها محقة .


بلی ، كانت محقة ..

في وصفها لي بالعاقة ، والزوجة الناشز ..



لو أنني فقط لست ( وفاء ) ...


لا أريد أن أكون ( وفاء )الكريهة !


أريد أكون كل شيء ، عدا ( وفاء ) !!




كنت أنتظره ...

أنتظر مشاكساته ، وتملقاته ..

ليعود ويدعوني إلی حجرة نومنا .



صار ينام وحيداً غير آبهاً بي ، واﻷسوء

أصبح يقضي ليالي كثيرة خارج البيت !



هل يتقصد إثارة خشيتي عليه ؟


أصاب باﻷرق كلما غاب ليلة في الخارج ..

ألجأ للصلاة ، أبكي وأدعو الله أن يرده إلي سالماً ..



صارت رؤيتي له نادرة !



وهذه هي إحدی ملاقاتنا النادرة ، وهاهو ذا أمامي ..

ﻻ أجرؤ بتفويت فرص مشاركته الجلوس كلما سنح لي ذلك .



أبعدت نظري القلق عن الوجه العبوس ، المتصفح للجريدة

التي بين يديه .. أنقله إلی الطفل الذي بدأ لعبه الصاخب

يتسبب باﻹزعاج .


يقفز هنا وهناك ، ويركض بصرخات متفاعلة في سباق

مع السيارتين الصغيرتين الجامدين في مكانهما بلا حراك .



- ولدي أيمن ؟


- نعم !


ما ألذ ( نعم ) من فمه ، تبسمت له أفتح يداي :

- أبي أشوفك وأنت تلعب ، تعال اجلس جنبي حبيبي .


حمل السيارتين بين يديه عالياً ، يجري بهما إلي :

- أنا فزت ! أنا أفوز علی السيارات ! أنا سريع !


فتلقفته بحب ، ثم أجلسته إلی جانبي .


وابتدأ في لعبة جديدة هادئة .


يحاول منها أن يجعل من السيارة الحمراء

، تفوز بالسباق علی السيارة الزرقاء .



انحنيت إلی بني أهمس له بشيء

.. فنظر إلی بعينين براقتين

و وثب يعدو إلی حجرته .


ثم عاد سريعاً كالبرق ، وبيده كراسة رسماتنا الخاصة .


مد إلي الكراسة بحماسة ، وأخذ يقفز في

انتظار أن أفتح علی الصفحة المطلوبة .


- هذا .. هذا ماما .. !


توقفت عند الصفحة ، التي قضينا عليها وقتنا منذ اﻷمس .


كانت رسمة طفولية بسيطة ، خطت عليه جملة صغيرة أراد

صغيري أن يبعثها إلی والده ، أو باﻷحری .. أنا التي أردت .





- ايش مكتوب ؟



خرج صوته بارداً ، فيما أنا آمل وأدعو الله

ألا يقوم بإحباط طفلي الرقيق القلب .



- نحبك بابا ..


تبسمت من وسط قلبي لمنظره الخجول

وهو يتلفظ بالجملة بلسانه اللطيف ..



كم هو جميلُُُ بني ، ولطيفٌ للغاية .



انتظرنا بكل تشوق أنا والصغير الشغوف الواقف أمامه

في أن يعلن رفيقنا القائد .. عن رده التشجيعي ..



- حلو .




فقط ، هكذا ؟



وياليته قالها بروح طيبة ، أخرجها وكأنه مجبر علی الكلام .

تعال إلی أمك يا بني .. ولا عليك من هذا الجماد القاسي ..



أتی إلي البريء يجري فرحاً ، سعيداً .



اوه يا بني ، يالك من رجل قنوع ..

ليت أمك مثلك ..



أخذته باﻷحضان ..


بابتسامة أخفي بها

شفقتي وحزني ..



بإذن الله تعالی ..

ستصبح رجلاً عظيماً يا بني ..



عندها سيفخر بك والدك ..

وستفخر بك أمك أكثر ..







* * *





التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-02-16 الساعة 11:15 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-02-16, 10:43 PM   #34

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-



















الفصل الثالث والعشرون












. . .






















امتلأت الشقة بالحكاوي النسائية المرافقة للجمعات

الروتينية التي اعتدن إقامتها في منزل كل منهن .


استقبلتهن خير استقبال كعادتها ، وشاركتهن المرح

واﻷنس ، وبعض حكاياهن الطريفة ظاهرياً


بينما جل خشيتها في أن يطرأ للمرأة الممسوسة

مغادرة حجرة ابنها في أية لحظة .


هذه النقطة التي صارت تؤرقها كلما أتی دور الزيارة

عندها ، فيصبح كل شاغلها هو أن تتعرض للإحراج

أمام ضيوفها من فاقدة العقل تلك .


لا تتخيل كيف سيكون موقفها عندما يكتشف الضيوف

أن الشقة التي يأنسون بها .. تسكنه امرأة مجنونة ،

أو ربما ملبوسة بالجن !!




- تفضلي يا أمي .


- الله يرضی عليك يا بنتي ..



ابتدأت بوالدتها ثم انتقلت بتقديم القهوة إلی بقية النساء ،

في حين توزع اﻻبتسامات تارة ، وترد علی تلك حيناً .


أكثر ما يريح .. أن النساء اكتفين من تساؤلاتهن الساخرة

عن اختفاء الضرة ، ورغبتهن الملحة في رؤيتها وتقييمها .



- ما شاء الله عليكم يا بنات ، وربي تغيرتم .. أسافر سنتين بس ! اللي سمنت .. واللي حملت ، واللي تزوجت ، بالذات أنتي يا غيداء .. ما عرفتك يا بنت ؛ شكلك مبسوطة مع العريس والله تغيرتي كثير !!


استقرت بمجلسها إلی جانب والدتها :

- يا قلب غيداء .. اشتقنا لك بجد .. سبحان الله شكله مكتوب لك لندن يا نجود ، كملتي دراستك هنا .. وبالصدفة عريس الغفلة يطلع عمله هنا !


- مثلي مثلكم ، ما أنتم بأفضل منا .. والا لا يا خالة هاجر ؟


التفتت الوالدة إلی رفيقة ابنتها القديمة

ترد علی ممازحتها مجيبة بابتسامة .


ثم مررت يداً فخورة علی رأس ابنتها تخاطب الجميع :

- ما شاء الله علی بنتي غيداء .. راح تصير أم ، باركوا لها وادعوا لها الله يثبت حملها ويتممه علی خير يا رب .


صعدت تهليلات الفرحة والتبريكات ...

وبدأت بتلقي مئات اﻷسئلة التطفلية المتنوعة ..



ياليت صاحب اﻷمر انتابه نفس المقدار من الفرحة وهي تزف

بالبشارة إليه .. الذي لم تحظی منه سوی بـ" مبروك " جافة .



حالته هذه هي متأكدة بأنها عين حسود أصابت حياتهما الزوجية ؛

فالتبدلات الغريبة هذه لم تظهر إلا لدی بدايات اقترانهما ..


عين حاسدة بالتأكيد لإحدی أولات العوانس من اللاتي

يرافقهن جلساتهن .



- خمني يا خالة هاجر فين قضيت شهر عسلي ؟


- فين يا حبيبة قلبي ؟


- تركيا ! بلاد السحر والجمال !


ضحكت غيداء .. وشاركنها شقيقتيها ، فيما أردفت الوالدة :

- يسعد لنا قلبك ، بشريني .. عسی انبسطتم ؟


- يختي أبغی أصدق .. معقولة في حياتكم ما طبيتوا تركيا ، صراحة مالكم حق .. حرام عليكم .


تدخلت إحدی الشقيقات هاتفة بحماس :


- غلطانة يا هداية ، أمي قد راحت لها مرتين مع جدتنا ، صح يا أمي ؟ ارجعي احكي لها القصة اللي طفشتينا فيها ، يا الله يا هدهد .. تصدقي ؟ أمي صايرة نسخة من جدتنا الله يرحمها .. بس تعيد في الحكايا .. وإن ذكرتيها بإنك تعرفينها تكمل ما عليها !


تدخلت غيداء مدافعة :

- مهما تعيد أمي الحكايا ما نمل ، ليتها كل يوم تعيد وتزيد في حكاياها .



- تعالوا هنا ! عارفين يا بنات هذه آخر سنة ليا في الابتعاث وراجعة السعودية ، إن ما عملتوا لي زيارة هناك في جدة ما أظل رهف صحبتكم !


- ممكن أنا تلاقيني عندك مع أمي والعائلة بكبرها ، أما غيداء ويقين فاحلمي ، وحدة ارتبطت والثانية وراها عمل ، إلا في حالة لحقونا باقي عائلتنا إلی لندن في هذه الحالة افقدي اﻷمل تلمحيني .


ساد الضحك علی المكان وشحنت بالنبرات الاتهامية المداعبة ،

وتوالت الحكايات وتبادل الشكايات والمشكلات الحياتية .



حتی تقابلت عيناها مع إحداهن ..

ليتراسلن عبر النظرات ..


وتنهض اﻷخری من مجلسها وتأتي إلی

جانب صديقتها ، محيطة كتفيها بذراع حانية .


ومهدت لجلسة المصارحة الهامسة بتبادل اﻷسئلة الدافئة

واﻻطمئنان عن صحتها .. حتی تدرجتا إلی المواضيع

اﻷكثر حساسية ..



- الله يثبت حملك يا رب ، ونشوف ولد مثل القمر زي أمه .. وأنتي بطلي تنكيد علی نفسك يختي !


- قالت لازم أباشر بعلاج جديد بعد الولادة .


- أكيد يا حبيبتي ، في هذه المرحلة ما نقدر نعمل شيء .. طالما الرحم يحتوي جنين .


- ما صدقت يا نجود .. حسبت إني في حلم .. بالنسبة لي معجزة .. كنت فاقدة اﻷمل ، ما جربت هالمرة أبدا أي طريقة للحمل .


- سبحان الله .. أمر ربنا ، لكن أشوفك مبالغة ، الحمدلله سمعنا بحريم أصيبوا بتليف الرحم ، حملوا وخلفوا علی خير ! ،


- إلا معجزة يا نجود وربك ، نسبة الحمل ضئيلة .. بالعافية الوحدة منا يصير عندها حمل ! وأنتي بلاش تهونين بالمسألة تراك تزيدين علي بدل تخففين عني ! تدرين إني أعتبر نفسي عقيم ؟


- أعوذ بالله ! اسكتي الله يكفينا الشر .. الحمدلله جات علی ورم حميد ومافيك إلا العافية .. لا عقم ولا غيره ، أنا من رأيي إن العلة من الجبان اﻷولي ما أعطاك فرصة .. الله لا يوريه خير !


- أنا خايفة يا نجود ، صايرة حريصة وموسوسة بزيادة علی الجنين .. حتی أفكر أنقطع عن العمل ، المشكلة توني بادية واﻹجازات ممنوعة ... أنا مشوشة ، .. ملخبطة .


- يا روحي تفاءلي خير ! ما صارت ، ياما شفنا حوامل يصير معهم حوادث وطيحات يا لطيف !؛ لكن الحمدلله ربنا تمم حملهم علی خير .. وحريم قاعدة مرتاحة ما تتحرك لكن سبحان الله يصير إجهاض من وين ؟ ما تدري ! أمي نفسها بكل حمل لازم تذوق لها طيحة وهذا احنا قدامك بخير ولله الحمد ! أنتي بس قوي إيمانك بالله .


- ونعم بالله ..


- الله الله في الدعاء، مافيه مثل دعاء رب العالمين ، احرصي وألحي في الدعاء ، قال رسولنا الكريم لا يرد القدر إلا الدعاء ! بمعنی أن الدعاء يدفع قدر البلاء بإذنه تعالی ! لا تهونين في الدعاء يا غيداء .



همست بخفوت ، ثم أردفت بألم :

- ما يدري يا نجود ..


- عنه ما دری ! ولا تخليه يدري لا يسوي فيك مثل الجبان قبله .


- ماهو داري عني ، ماهو معي أبد ..


- ياذا الرجال .. ياللي مافي منهو مريح مرته ، يختي أنا وتوني متزوجة ما أسرع ما طلعت مشاكلي ! الرجال طلع بخيل ، بخيل يمه منه !! تركيا رحناها بالدف ، تخيلي كان مخطط علی أبها لشهر العسل !!


أفلتت ضحكة صغيرة :

- كان اعتبرتي جيتك لندن شهر عسل مرة وحدة .


- نعم يختي ؟ مثلي مثل أي عروس ثانية ، عروس ويحق لي أتدلع !


لم تجدي محاولات المرح القصيرة بدرء الدموع ، لتعرب بعبرة :

- أحبه يا نجود ..



أسرعت رفيقتها باحتضانها وضمها إلی صدرها

وانتقلت ببصرها إلی بقية النساء اللاتي توقفن عن الكلام


فأشارت إليهن بالسكوت وعدم التدخل ، وعدن لمواصلة أحاديثهن

النسائية بارتباك باد عليهن ، فيما نهضت اﻷم إلی جانب ابنتها

تحيطها بذراعها الحنون تشارك ابنتها المنكوبة همومها وغمومها .




مضی الوقت ورحل الضيوف وعاد الهدوء يسود المكان .



تكاسلت عن إعادة ترتيب المكان مما خلفه الضيوف ،

فلا تری داع لذلك طالما صاحب البيت غير متوقع عودته .


حفظت طريقته في زيارتهم ، يأتي يوم .. ويغيب ليومين إلی ثلاث .


في آخر اﻷمر أرغمت نفسها علی الحراك وإعادة الترتيب للمكان

فلن تهنأ بالنوم إلا إذا كان كل شيء مرتباً وفي مكانه الصحيح
























. . .
























أهلاً بالضيف الذي حلّ ..


لتوها تعود من عملها وتفاجأ به كالعادة



كان مستلق بثيابه الكاملة ما يدل علی

أنه لم يمض وقت طويل منذ عودته


أدرك لدخولها ولم يتحرك ، ليست متأكدة ما إن كان نائماً



لكن ماهي متأكدة منه ...

بأنه لن يفكر باستقبالها بسرور وابتسامة عريضة ؛

ولماذا يفعل ذلك ، من هي بالنسبة له !



جربت مخاطبته ، سؤاله ..

إن كان نائماً ، جائعاً .. تناول الغداء ؟



الغريب أن كان هنا بالأمس ..

فقد اعتادت منه أن تتوقع غياب أيام متوالية

من بعد الحضور المفاجئ !



ذهبت إلى المطبخ واستخرجت من فريزر الثلاجة الخضار

المقطعة ؛ التي اعتادت إعدادها شهرياً توفيراً الوقت .


ثم توجهت للاستحمام واستبدال الثياب بأخرى مريحة ،

وعادت للمطبخ لتشرع العمل في تحضير وجبة الغداء .



تطوُّر مشكلة غيابه الجزئي ؛

إلی غياب أيام كاملة عن المنزل ليس جيداً ..

ليس جيداً أبداً ...



يقضي أيامه ، وأوقات الراحة ما بعد العمل .. في السيارة ؟

لدی أحد اﻷصدقاء ؟ لدی زوجة ثالثة ؟ لدی رفيقة ؟


لا أحد يعلم !



أصبح البيت مثل بيت للأشباح

استحالوا كـ أطفال مشردون



اﻵن باتت تقدر أهمية وجود الرجل في البيت

، وأثره علی استقراره وأناسه ..





تحرك قلبها شغفاً على مجيئه ودخوله المطبخ

في خطوتها الأخيرة من إنهاء الطهي .



- هلا حبيبي ! جيعان ؟

الغداء جاهز ، دقيقة وأغرف ..



استقر على كرسيٍّ بتثاقل : سوي عصير ..



هتفت بسعادة : تآمرني يا عمري !



يتجاوب معها .. قام بالتعبير عن طلب ! ..



انهمت بتحضير العصير الطازج فيما تكتمل

الدقائق الأخيرة من نضج الطعام ..


ثم أطفأت النار وأسرعت بالغرف في الأطباق ،

ورافقت التقديم بابتسامة حقيقية عذبة .



- وينها الثانية مختفية ، والا كلما جيت يصدف الدور عليك ؟



لا يمكن وتبلغ به القسوة هذا المدى ؛

إنه يصرح عن رفضه لها ....



( المختفية ) التي ترغب بها ..

تقضي إجازتها الجامعية بحجرة ابنها ...

متكاسلة ، ومتقاعسة عن أداء واجباتها نحوك ؛

إن لم تكن تعلم !



( المختفية )

صارت تستغل غيابك عن المنزل مخلفة

كل العمل علی كاهل الملعونة أمامك !



تركت المطبخ تبحث عن هواء تستنشقه ...


ولكن بها تصادف جواً أكثر اختناقاً مشبع بالرائحة الكريهة

علی المجنونة التي توشك مغادرة مخبأها برفقة ابنها



أرغمت نفسها لتهرع إليها وتعيق طريقها بهمس محذِّر :


- انتبهي يا وفاء ، متعب هنا .. بالمطبخ يتغدی .

معصب ومطلع قرونه ، لا يلمحك ويكفر فيك !


اختفت الملامح العدائية عن وجه الأم وحلَّ محله الارتباك ونظرات

التشوش ، ثم تكلمت بتلعثم : بس أيمن .. يبي الحمام ..


- هاتي أنا أوديه ، تعال حبيبي أيمن .


واستلمت الطفل من يد والدته ، ناصِحةً : يالله ادخلي داخل ، تخبي بسرعة !!


أخذت الفتاة تتراجع بهلع بينما تهمس بانفعال : جيبي أيمن بسرعة .. لا تنسينه بالحمام ..


- لا تخافين ، ما بأتركه .. يالله روحي ..




الولد في هيئة رثة بالفعل ؛ إن صدفَ ولمحه والده سيذهب

في الحال إلى ( المختفية ) خاصَّته للاستفسار بلا شك ،

وهذا ما لا تريده ( غيداء ) !



أيعود هذا الإهمال إلى ( الجنّ ) خاصتها ؟

سبق وسمعَت بأن الجنّ تخشى الماء !



حملت الولد بعدما انتهی من قضاء حاجته

واكتفت بتنظيف وجهه المتسخ بالماء


سترى فيما بعد في أمر استحمامه ..

فالآن عليها الذهاب لرؤية متطلبات زوجها .





- بالعافية على قلبك حبيبي ، تفضل .


استلم كأس الماء ، يسأل : وين رحتي ، ليه ما تغديتي ؟


- متعب ؟ بكرة عندي مراجعة عند الطبيبة ،

أبيك تجي معي، أبي نشوف الولد مع بعض .


- روحي .. في حفظ الله .



هذا الرجل ، يجيب علی الجزء الذي يرغب فقط !



- أظن يفضل للزوج مشاركة زوجته هذه اللحظات ،

ما تقدر تمنحني من وقتك شوي .. عشان الولد ؟


- الولد ؟ حتى الطبيبة ما بعد يمديها تحدد ، لا تتفاءلين بزيادة

واصبري على ما يتشكل ، في أمان الله .


- وين رايح ؟! توك راجع !!



جاهدت للحاق به ، محاولة الامتناع عن الركض :


- علمني أنت ليش متزوج ؟!!



- وش هالسؤال ؟



- متزوج ليه ؟! ما دامك مب قد المسؤولية !! متزوج ثنتين بعد ،
وجايب ولد !! اصحى يا متعب !! أنت وراك حرمتين وولد وغيره جاي بالطريق .. ماهو بكيفك .. ولا أنت حُرّ الحين .. عشان ما تعيش إلا لنفسك !!


- وش تبين أنتي؟ أهم شيء مصروفكن وأغراضكن متوفرات، والا لأ؟ وش تبين أزود ؟


- نبي من اهتمامك ! البيت من بعدك صاير مقلوب .. لا حياة ولا نظام ! نبي نشعر بوجودك .. محتاجين وجود رجال بالبيت ..



صمتت تلتقط اﻷنفاس في حينما تنتظر منه جواباً .



لاح لها أمل من طريقة توجيهه النظرات الصامتة المفكرة

فانتظرت رده وكلها تشوق ولهفة إلی عودته إليهم ..



- حطيت لكم المصروف ، اعطيها قسمها .


وتخطاها سائراً صوب الباب .




لا أمل منه ..

، لا أمل منه ..




- متعب ، أعيد وأزيد .. أنت لازم تعرض نفسك علی شيخ ، أو أجيبه بنفسي !


- شوفي يميناً بالله ، إن أسمع ثاني هالخرابيط علی لسانك .. تندفنين حية مع اللي ببطنك .



أثار رعبها سبابته التي تتحرك أكثر من التهديد ذاته ،

وكأنه يعتصر قلبها بهذه السبابة المهددة بالويل .




فليذهب إلی الجحيم !



ما تحتضنه في بطنها .. أكثر أهمية ..

من هذا التافه الجبروتي ، المتسلط !



اذهب إلی الحجيم ، أنت وفتاتك الممسوسة !



كلكم ممسوسون ....



بل أنتم الجان بعينهم ، أيها الجان !










. . .

















عادت مبكرة هذا النهار ...


لجأت للاستئذان من العمل من أجل مراجعتها الدورية

ثم استغلت بقية اليوم بالعودة إلی البيت للراحة والاستجمام

أملاً في التخلص من التوتر العارم الذي يلازمها مع كل مراجعة .


هذه المراجعات المتكررة تأخذ من وقتها الحيز الكبير ..


فمراجعاتها تفوق عدداً بأضعاف من مراجعات

المرأة الطبيعية الحامل .


كل ذلك من أجل المرض الخبيث ؛ المسمی بالورم الليفي ..

... ولو أنه ليس بخبيثاً .



خرجت إلی الصالة ترغب بالتحرر من اﻷفكار التي

حاصرت ذهنها بشأن البلاء الذي حل علی رأسها ..


لرب انشغالها في صنع بعض اﻷطباق الخفيفة

سيعينها بإجلاء شيئ من وساوسها المنهكة ..



لمحت في طريقها الطفل مستيقظاً ، يقف في الحمام ،

أسفل المغسلة يحاول الوصول إلی صنبور الماء .


راقبته لقليل من الوقت ، ثم انعطفت

وأتت تساعده وتفتح له الصنبور .


ابتسمت لمرأی يديه الصغيرين العاجزين عن الوصول

فأخذت حفنة من الماء وصبته بين راحتي كفيه


تأملته بإعجاب وهو يمسح وجهه ويدعكه .. إنه يقوم بتقليدها ،

يفعل كما فعلت معه باﻷمس !



طلب حفنة أخری من الماء ، فمدته به بعطاء ..

وراح يمشي خارج الحمام ببطء ، والقطرات تتسرب من أصابعه الصغيرة وترسم أثره علی الأرض ، فراح يركض قبل نفاذ الماء وتبعته بفضول حتی حجرته المضيئة دوماً .



تسمرت في مكانها ...



ما بال هذه اﻷم المخبولة ؟


بغض النظر عن ملابس ابنها التي اعتادت رؤيتها به ؛

مالحكمة من النوم علی اﻷرض في زاوية الحجرة ؟


لم لا تنام إلی جوار ابنها ؟



رمقت الطفل الذي انهم منشغلاً بتنظيف وجه أمه النائمة بيديه المبلولين وقد نفذ منهما كل الماء في طريقه إلی أمه


ووصلت همساته المهدئة ﻷمه بعدما تبادر اﻻنزعاج واﻷنين علی وجه اﻷم الراقدة من الرطوبة المفاجئة


بدوا وكأنهما تبادلا أدوار اﻷم والطفل .. بينما الصغير يمسح علی شعر أمه ويطمئنها ويحتضن رأسها بذراعيه القصيرين ..


ثم لاحظت انشغاله بدعك طرف فمها إلی ذقنها ما بدا مثل بقايا حليب جاف عمره يومان .



تبعته بنظرها وهو يركض إلی دولابه الصغير ،

ويحتضن بعض اﻷلعاب .. ثم يعود إلی جوار أمه ..

ويبدأ في لعب صامت هادئ ..


أصدرت صوت نداء خفيض إلی الطفل ..


صبرت وواصلت ، حتی تمكن من سماعها

ورفع رأسه إلی مخرج الباب ..


أشارت إليه بالمجيء إليها ، فترك ألعابه

واقترب بخطوات متعثرة فضولية وعيون حائرة .



أمسكت به وابتسمت في وجهه : صباح الخير !


- ماما نايمة ...

قال الطفل هامس وكأنه ينقل إليها خبراً هاماً ،

أو ربما هو يحذرها من إزعاج أمه النائمة .


فهمست تساير طبقة نبرته : متی صحيت من النوم يا حلو ؟


- آ .. آء ... صحيت ..


- الحين صحيت ؟


- .. لا .. آ ... شوي !


- جيعان ؟


حرك رأسه نفياً :

- لا ... لا .. ماما ... آكل مع ماما ..



حملت واستوت واقفة به بابتسامة ودودة .


- لا .. وين ؟ ماما .. أب ... آء !.. ماما !!


- أيمن ؟ وش رايك نحممك ؟ تبي خالة غيداء تساعدك تتروش ؟ بتصير نظيف ! تصير تلمع !


- تروش ؟ بال ... بال.. مويا ؟


أومأت برأسها مجيبة فيما تدلف به إلی الحجرة بهدوء شديد .


- ﻻ .. لا .. شش !! ماما ... ماما نايمة !!


قامت باطمئنانه بإيماة مهدئة ، مجيبة بأذنه :

- شش .. ما بنطلع صوت ... بناخذ ملابسك .. ومنشفتك ، بس !



لم تعتني باﻷطفال منذ فترة طويلة

لا بأس ستحاول استرجاع خبراتها القديمة في اﻻعتناء

بإخوتها الصغار ، والذين تزوجوا وأنجبوا .. ونسوا عائلتهم ..



أنزلته أمام باب الحمام ، وقامت بتعليق المنشفة أثناء دخولها .


تذكرت كيف كان إخوتها يخشون الماء في طفولتهم ،

ويملؤون الحمام بالصراخ والبكاء .


لم يسبق وسمعت بكاء هذا الطفل بالحمام ، لكن تخشی أن

تكون قد انتقل إليه تأثير الفوبيا الغريبة والجديدة لوالدته .


أعدت الماء وقاست السخونة المناسبة للطفل

ثم التفتت إلی الخلف لتقوم بمناداة الطفل ،

ولم تری إلا الفراغ ...


يبدو أنها أولی خطوات المعاناة مع الطفل .


خطت إلی خارج الحمام بعصبية وسارت متوجهة

نحو حجرته التي عاد إليها بالتأكيد .


توقفت علی خروج الصغير وبيديه دميتين مطاطيتين لم

ترهما قبلاً ضمن لعبه ، ثم وقف أمامها ينظر إليها ببراءة .



بسطت كفها إليه ، فجاهد لجمع الدميتين بذراع واحدة

وقام بإسنادهما بذقنه عليهما مانعاً من سقوطهما ، فيما

يمسك كفها بيده اﻷخری المرفوعة للأعلی .



تلمست الماء تتحسس درجة الحرارة في تأكد ، وعادت للطفل

وبدأت بالتخلص من ثيابه بلطف .


شهقت ما أن فاجأها بالجلوس حالما وضعته في البانيو

الممتلئ بالماء ، وقد أفزعها مرأی الماء وهو يصل

حتی مستوی عنقه .


وسارعت بتصريف الماء الزائد بعد أن أوقفته علی أقدامه ،

ثم سمحت له بالجلوس وانتظرت حتی وصل الماء لخصره



ﻻحظت توتر الطفل وقلقه منذ شهقتها المخيفة ..


فثابرت للحد من قلقه بالبدء بلطف وصب القليل من الماء

الدافئ علی خلفية رأسه وتبليل شعره بتمهل ، واستعانت

ببعض الحيل حتی استطاعت من تهدئة الطفل وإلهائه عن

أمر الحادثة الغير مقصودة .




- و .. و ... هذا بطن .. أيمن !! بطني !!!



- صح ، شطور .. هذا بطن أيمن !




كان يذكر مسميات أعضاء جسمه ، كلما انتقلت بالصابون إلی

عضو معين .. والتي لابد من أنها إحدی الحيل التي تعود لأمه .



- البطة .. بطن .. بطن البطة !!! ما سويتي !!!



التفت اﻻثنان علی صوت إغلاق الباب .



- ماما !!!! ماما تعالي !!! .. ت .. تعالي ...



حاولت تقييم نظرات اﻷم بتيقظ ..


كانت تحوي شيء من عدم الرضا

إلا أن العدائية الدائمة كانت متوارية .


تنبهت إلی الخطأ التي كانت تلومها اﻷم عليه بتلك

النظرات والتي يعود سببها لإهمالها غلق باب الحمام

الذي يخترق فتحته تيار هوائي خفيف .


اﻵن وجدت الجواب لتساؤلها عن سبب ارتجاف فك الطفل

رغم دفئ الماء وسخونته المناسبة .


عادت تكمل عملها مع الطفل بهدوء وثبات بينما ظلت اﻷم

تراقب عن بعد ، حتی ما اقتربت من اﻻنتهاء وصلها

رنين هاتفها الذي يقبع بأحد أركان الصالة .


فخاطبت الطفل بنعومة .. أن يبقی في انتظارها قليلاً ،

مؤكدة بأنها لن تتأخر عليه كثيراً ..



- لو هو ولدك .. راح تتركينه بين المويا ؟


- يمه ، دقيقة وراجعة قلت !


- ولو ثواني ، ممنوع ! ممنوع يدك تنشال من علی الطفل لحظة وحدة من وقت ما يتفصخ !


- أشوف الولد كبير كفاية ، مو محتاج إني أركزه طول الحمام .


- ما لاحظتي كلما بعدتي عن الولد يرتبك ؟ مفروض ما تسمحين ليدك تفارق جسم الولد ، الصابون والشامبو والمنشفة يكونون جنبك .. لا تسمحين لشيء يبعدك عنه .


ردت بسخرية :

- عاد إذا خاف بأستعمل أيمن بطل ! أيمن قوي !


- التشجيع الفاضي هذا ما يجيب لك شيء في حالات الخوف ، بتزيدين الطين بلة .


- هيا سكت الجوال ، ارتحتي ؟


- كان بإمكانك تشيلين الولد معك وتروحين تردين علی مكالمتك المهمة ، صعبة الشغلة ؟ تجففينه بالمنشفة وتلفينها عليه .. ويطلع معك !



تمنت لو تقول لها ؛ إن كنت تهتمين لم لا تقومين بإعطائه

الحمام بنفسك ، عوضاً عن إلقاء اﻷوامر الفارغة ؟



هذا ما ينقصها ... تتلقی دروساً من مجنونة ترتدي ثياب ابنها !


إن كانت تحسن سرد اﻷوامر فلم لا تحاول اﻹعتناء بطفلها

من تلقاء نفسها ؛ إذا كانت تحرص عليه هذا الحرص !



السؤال الذي يدور في رأسها ويحيرها منذ زمن ؛

كيف يمكن لفنيلة طفل في الثالثة من عمره ..

أن يدخل في جسد امرأة بالغة ؟!


صحيح أنها صغيرة الجسم لكن لم تتخيل أن يصل إلی

درجة يمكنها معه ارتداء ثياباً لطفل في سن الثالثة !



واضح أنها ارتدته بصعوبة بالغة ، إنه ضيق جداً ؛

كيف تتنفس ؟



أنهت الخطوات اﻷخيرة من حمام الطفل بالسير علی النصائح

الحازمة التي تلقتها ، مانعة بذلك أي توبيخ من المحتمل

أن يوجه إليها من ( المختلة ) !



توبيخ من ( المختلة ) !

نكتة العصر بحق !



أسرعت بلفه بالمنشفة وتخلصت من المهمة الثقيلة

بإعادة تسليمه إلی أمه .


وخرجت إلی الصالة وتناولت هاتفها عائدة إلی حجرتها ،

وقد غادرتها الرغبة بصنع أطباقها الخفيفة التي خططت لها .


لن تفكر حتی بإعداد الغداء ، ستقضي اليوم كله بالنوم ،

فلا تطيق رؤية الممسوسة أو ولدها ، وحتی والده ..

في هذا اليوم الخانق ..





















. . .

























استيقظت في منتصف الليل

علی صوت مريب يشبه الطرقات



تقلبت في الفراش بثقل

وقابلها الفراغ المظلم والباب المغلق




محض حلم ..


أو تهيؤات ...




أسدلت أجفانها الثقيلة


ما كادت تعود وتغرق في النوم

عاودت الطرقات البطيئة الخامدة


طرقات لها وقع بطيء بشكل مخيف



أهو أحد ( جان ) تلك المرأة ؟



استعاذت بالله واسترجعت المعوذات ،

ثم انتظرت حتی عاود الطرق الضعيف .


وتوجهت إلی الباب بخطوات ثابتة رتيبة ،

أضاءت النور .. ثم فتحت الباب .



دهشت بالجسد الجاثم أسفل عتبة الباب



هبطت بحذر إلی الفتاة المرتجفة :


- وش فيك ؟



رفع الجسد الضئيل رأسه الخائف

لينجلي عن الطفل النائم بين أحضانه



- ممكن .. ننام عندك ؟



أتعتقد هذه المخبولة بأن ( غيداء ) متفرغة للعناية

بكل الأشخاص ؛ لمجرد أنها قامت بالاعتناء

بنظافة طفل متشرد لبضع مرات ؟



- ليه ، وش فيها غرفتكم ؟


- بننام تحت .. علی اﻷرض ... بأجيب مخداتنا ... والبطانيات ..



بدا مظهر الفتاة الباكي مثير للشفقة ..



حان الوقت للتأهب وإحضار شيخ إلی هذه الشقة المسكونة ؛


فهذه المرأة تری كائنات لا وجود لها !



أدركت ذلك منذ الموقف الذي رأتها به تحارب لإبعاد

هذه المخلوقات الخفية عن طفلها المنشغل باللعب



تشبه في ذلك القطة الأم وهي تخشی علی أطفالها ،

... تنازع وتقوم بالتضحيات من أجل حمايتهم .



واﻵن ؛ هل من اﻵمن أن تسمح لملبوسة بالجن

مشاركتها الحجرة ، والفراش ؟!



اوه ! هذه الفنيلة الغريبة اﻷطوار والتي تحرص ارتداؤها ...

إذن هي للتمويه ودرء الوحوش الخفية عن ابنها ، أهي كذلك ؟!



استلمت الولد النائم من ذراعي الفتاة ، قائلة بأمر :

- جيبي لك أنتي ، أيمن خليه جنبي .. اﻷرض قاسية عليه .


- حاضر !


خرجت كلمتها المطيعة بصوت منفعل غريب ..

وذهبت راكضة إلی حجرة الطفل تجلب ما طلب منها .


هذه الطاعة والضعف والاحترام بدا غير مناسباً

وهو يخرج من أفعی ماكرة خبيثة مثل تلك ..



أخذت بالطفل النائم إلی داخل حجرتها ، ووضعته علی

السرير برفق ، ورغماً عنها أغرتها نعومة بشرته الطفولية

وملامحه البريئة النائمة لتدعوها إلی تقبيله .




- إذا جاء متعب .. ايش أسوي ؟



استدارت إلی الصوت المتسائل المرتجف .


فردت بثبات :

- لا تخافين ، ما يرجع بهالوقت ، لو يبي يجي بتلاقينه بالظهر .


وأضافت في غلّ : لو ننام بالمراقص ماهو بداري عنا ،

اطفي النور إذا خلصتي .



توجهت إلی سريرها ، وتمددت بجانب الملاك الصغير وكاد

ينجح في إغرائها مرة أخری ، لكنها حالت دون ذلك بتحولها

إلی ظهرها ليقابل بصرها السقف بعيداً عن اﻹغراءات الطفولية .


ألقت نظرة مستطلعة إلی اﻷم الصغيرة وهي تعد فراشها

اﻷرضي ، ثم أغمضت عينيها في انتظار إغلاق اﻹنارة المزعجة .


حتی تنهدت حين أراح الظلام جفونها المغلقة المنتظرة .


وشيئاً فشيئاً بدأت بتمييز اﻷنفاس القصيرة للصغير بجانبها ..



- سامحيني يا وفاء .. شكلي بأصحيه ..



قالت مستسلمة بينما تعتصر الطفل احتضاناً ، وتغرقه

بقبلات عميقة جعلته يتحرك بتململ وضيق .



- يسعده !! كيف تستحملينه كل يوم نايم بجنبك ؟!



ميزت ظل اﻷم الجالس وسط الظلام تراقب بصمت .


فتركت الطفل مجبرة ، وتراجعت مبتعدة عن الصغير .




مررت راحة يدها علی بطنها بشغف ..

متی ستبدأ بالشعور بحركة طفلها ..



متشوقة للغاية ...

متشوقة ؛ لتجربة هذا الشعور الجميل ..




- غيداء ..



أتحلم ؟

هذه .. تتلفظ باسمها !

أول مرة ينطق به هذا اللسان المغرور ...



كان نداء متردد ، بنبرة مضطربة .. وصوت مرتعش .




- لا تلومين متعب .. ما يقصد ..




ماذا تقصد .. بالذي لا يقصده ؟

أتعلم أنه مصاب بعين حسودة ؟



إذن أتعلم كذلك ؛

بأنها مصابة بالمس ؟!!




ألقت سؤالاً بارداً : ممكن توضحين ؟


- بأعلمك .. بس لا تقولين لمتعب .. اوعديني ..


- قولي يا وفاء ..


- يمكن يسمع لك ويفهم ، أنا حاولت معه .. بس متعب واحد مكابر .. مستحيل يعترف إنه علی غلط .. أو إن فيه عيب ..



عجيب ؛ مجنونة .. وتتحدث كما العاقلة !



- بسرعة قولي اللي عندك .


- أول اوعديني .. تعالي له بالتلميح .. سوي إنك ما تدرين عن مرضه .. والله يذبحني إن دری !


- لا حول ولا قوة إلا بالله ، متی بتتكلمين ؟ أكلتي أعصابي !


- أنا خايفة ! أنا ... مو عارفة حتی .. كيف أنطق اسم المرض ...


هبطت عن السرير ودارت حوله حتی وصلت إلی فراش الفتاة ،

واستقرت جالسة جانبها تحيط كتفها بيدها .


- أوعدك يا قلبي ما أجيب سيرتك عنده بحرف ، ليش خايفة ؟ وبعدين مهما بدر من متعب .. مهما وصلت قسوته مستحيل تتعدی تهزيء صغير ، وحنا نعرف متعب زين ، صح ؟


- صح .. صح ... متعب طيب ..


- صح ، يالله اهدأي، خذي نفس .. واحكي لي بالحرف من ايش يعاني متعب.. عشان نقدر نساعده، وعافية متعب من عافية أيمن ، صح ؟


- صح ، صح ، أيمن .. أيمن حبيبي تغير .. مانتي ملاحظة يا غيداء ؟ أيمن صاير هادئ .. ولدي متأثر .. حركته قلت .. شقاوته ... أبي ولدي .. أبي ولدي يرجع طبيعي ..



شعرت بخطأ ما لا تدرك كنهه !



ربما في النبرة الخالية من التعبير ...



المرأة تتحدث عن نقطة حساسة بالنسبة لها كأم ،

لكن تظهر وكأنها تتحدث عن عروض تخفيضات

لعبوات المناديل الورقية .












نامت بعمق في هذه الليلة بشكل يثير التساؤلات !


ربما لوجود بعض اﻹنس في حجرتها الذين كان لهم الفضل

بإزالة بعض من وحشة وحدتها بحجرتها الخالية ...


أو ربما لوجود الصغير الذي ساعد بتلطيف الجو

وبتسلل الراحة والسكينة إلی نفسها القلقة ..



شبعت نوماً لكنها استيقظت في الصباح الباكر لتدهش بالفتاة

لم يغمض لها جفن بينما الطفل ما يزال نائماً في مكانه ..



يبدو أن اﻷرق معدي ، لم تكن الوحيدة الذي انتقل إليها أرق زوجها .



وجه الفتاة المنتفخ أوحی بأنها قضت الليل بطوله في البكاء .



نصحت الفتاة بالعودة إلی حجرتهما قبل التأهب للذهاب للعمل

لكيلا يفاجئها رجلهما ( المريض ) بوجودها المريب في حجرة

بغير حجرتها فيقلب الشقة عليهما رأساً علی عقب .


دعتها لمشاركتها وجبة الفطور بكرم مدّعٍ ،

ثم شكرت في قرارة نفسها الفتاة التي وفرت

الوقت عليها بتهربها بالاعتذار المبتذل ..



تركت المنزل هذا الصباح وهي تشعر أنها أضحت فجأة

أم لثلاث أطفال .. الطفل في بطنها ، والفتاة وابنها !!



استنشقت بعمقٍ .. هواء الصباح العليل ..



من الغريب أن تشعر بكل هذه الراحة ...

من بعد الاكتشاف الغريب .. للمرض المبهم لزوجها !



... ربما السر في أنها تحررت من حيرتها

الحيرة المعذبة .. التي أرهقتها ، وأرّقت منامها



فـ ليلة اﻷمس أتت إليها بإجابات

عن دوامة من التساؤلات الغامضة

كانت بانتظار ابتلاعها يوم ما






* * *





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-02-16, 02:32 PM   #35

رقاوي
alkap ~
 
الصورة الرمزية رقاوي

? العضوٌ??? » 282158
?  التسِجيلٌ » Dec 2012
? مشَارَ?اتْي » 1,393
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » رقاوي has a reputation beyond reputeرقاوي has a reputation beyond reputeرقاوي has a reputation beyond reputeرقاوي has a reputation beyond reputeرقاوي has a reputation beyond reputeرقاوي has a reputation beyond reputeرقاوي has a reputation beyond reputeرقاوي has a reputation beyond reputeرقاوي has a reputation beyond reputeرقاوي has a reputation beyond reputeرقاوي has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

رقاوي غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 29-02-16, 10:19 PM   #36

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-



















الفصل الرابع والعشرون












. . .






















- ايش أسوي ؟


وصلها السؤال البريء ، بذاك الصوت الخامل .. يعرض المساعدة .



- حالياً يا وفاء .. مابي إلا تاخذين لك حمام ، والا بأنص عليك حظر تدخلين مطبخي .


أغلقت صنبور الماء بعد إنهاء غسل آخر طبق؛ من أطباق

وجبة العشاء ، واستدارت لتجد الطرف اﻵخر من المحادثة

قد اختفی .



أشغلت نفسها بالانخراط في عمل كأس من الحليب الدافئ

، وفي ذات الوقت سرح تفكيرها إلی بقعة خارج المطبخ .



تلك الشابة ، لم تعد تفهمها ..

كانت أسهل فهماً لها بشخصيتها الشيطانية السابقة ..

لم تتقبل بعد هذه الشخصية البريئة الجديدة .


أهي تقوم برد المعروف ، أم تيقظت إلی تقصيرها ..

لا يهمها !


ما تتساءل بشأنه هو؛ سبب الخمول

والتبلد الغريب المسيطرين عليها .


تری بوضوح كيف تحارب الكسل بمشقة من أجل تنفيذ

مهمة صغيرة ليست بالتي تتطلب مجهوداً عضلياً كبيراً .


لا تستطيع منع شعورها بالغرابة حين تأتي الفتاة تتطوع

لتقديم يد المساعدة بذاك الصوت البارد الكئيب .


ولم تقدر منع نفسها من توبيخها بينها وبين نفسها؛


إذ من المفترض أن تبحث عن العمل من تلقاء نفسها

وتقوم بتأديته .. دون أن تأتيها في كل مرة تعرض

الخدمات مثل خادمة مأجورة !


أو قد تكون مرتبكة لما رأت من أن كل شؤون المنزل أصبح

تحت يد سيدة البيت الثانية؛ في خلال فترة إهمالها وغيابها

مع ابنها في سجنهما البائس .



خرجت بكأس الحليب خاصتها إلی الصالة ، وشاركت الشخصين الجلوس .



هذا التقدم الإيجابي .. يشعرها بأن السبب في سوء

أحوالها لا يخرج عن اﻹطار النفسي؛ فخروجها اﻵن من

الحجرة بحد ذاته خطوة إيجابية !



- ايوه حبيبي !


ردت بابتسامة عريضة مجيبة علی اللطيف ، الذي يعرض

عليها بفخر كبير رسمته المتواضعة .



- ما شاء الله ! مين رسمها ؟!


نفخ الطفل صدره يجيب : أنا !!


- واو فنان أيمن .. يا رسام !


قفز قفزة فرحة ، ثم أخذ يقلب في الصفحات السابقة ..

يريها الرسومات السابقة التي حفظتهن عن ظهر قلب؛

من كثرة ما عرضهن عليها .



- كلمتيه يا غيداء ؟


بادرتها اﻷم بالسؤال بعدما أنهی صغيرها عرض إنجازاته ،

ففهمت مغزی الاستفسار ومقصدها ، فردت باقتضاب :

- اصبري ، أنتظر الوقت المناسب .


- أي وقت مناسب يا غيداء ؟ الحين هو بقمة ضعفه .. اﻵن الوقت المناسب .. هو الحين عارف إنه تعبان ومتأكد ، لكنه يكابر !



زمت شفتيها تمعن التفكير في كلام الفتاة؛ أي مناقشة

أو حوار ستخوضه معه وهو بهذه العقلية المتحجرة !



- الله يخليك يا غيداء عجلي قبل يفوت الفوت ، قبل ترجع طاقته ويتعدل مزاجه .. صدقيني ذاك الوقت راح تندمين ! لعلمك إذا تحسن مزاجه يصير يشوف عمره أحسن واحد ! يشوف نفسه بخير وابن أمه من يقنعه بإنه مريض !


أخرجت زفرة عناء طويلة ، ثم قالت تأمل إخراسها : طيب أنتي خليك مرتاحة واتركي الموضوع علي ، بأتصرف والله يكون في العون .



وحملت كأس الحليب الفارغ وأودعته في المطبخ ،

ثم عادت إلی الصالة تسير مجيئة وذهاباً في تفكير .



ولكن ما يشغل تفكيرها اﻵن ليس المرض بحد ذاته ،

بل موضوع طلاقهما السابق !



فلطالما تساءلت عن سبب طلاقه من معشوقته

رغم التعلق الشديد بها ، وقد تكون اقتربت من

اﻹجابة عن سؤالها المحير .


إلا في حالة إن كان الطلاق لا يمت صلة بداء الرجل !



قلبت اﻷرقام بهاتفها بعشوائية ، تروح وتجيء علی أرقام

الشيوخ التي قامت بتخزينهم لديها بعد بحث دقيق .



أمور عدة تشغل بالها ..

لا تعرف بم تبدأ ..

تشوش كبير يتملّك تفكيرها ..


يجب أن تقوم بترتيب الأفكار ،

عليها ترتيب اﻷولويات حسب اﻷهمية ...

اﻷهم ، فالمهم ، فاﻷقل أهمية .



لا يمكنها فعل ذلك حتی بالذهن المشوش !



ستقوم بتأجيله إلی الغد .



رأسها المكتظ باﻷفكار في حاجة إلی النوم؛

ليهدأ ويرتب أفكاره من تلقاء نفسه .
























. . .
























انعطفت في طريق عودتها من العمل علی إحدی مراكز

التسوق ، لشراء بعض الحاجيات المملة طلبتها اﻷم

من أجل الطفل .


ولكن وياللعجب؛ تدرك اﻵن بعد التبضع ولدی إجرائها

المحاسبة ، وإذ بعربة التسوق نصف ممتلئة .


تنهدت في حسرة ، لن تترك هذه العادة السيئة مطلقاً ..




أجواء أبريل هذا العام متقلبة كثيراً ، خرجت صباحاً من

المنزل للعمل ترتدي معطفاً ، وهاهي اﻵن تتصبب عرقاً !


مرت علی حديقة واسعة موحشة ..

اﻷعشاب لم تسترد عافيتها بعد ..


لن تبدأ هذه الحديقة في استعادة خضرتها المنعشة ،

إلا علی انتهاء شهر مايو ...



لم يستغرق طريقها من السوق إلی المنزل أكثر من عشر

دقائق سيراً علی اﻷقدام ، حتی أصبحت في وسط مبنی

شقتهم المتواضعة .


أدارت المفتاح في قفل باب الشقة ، بينما ترسم صورة

ساخرة للفتاة؛ وهي تهرع إلی مخبأها تاركة ابنها خلفها .


تبسمت بشقاوة ، وهي تتذكر بعض اﻷوقات الطفولية

العابثة التي تملكتها بها رغبة إدخال الفزع علی صدر

الطفلة؛ حين تقوم بتقليد طريقة وحشها الذي تهاب

في هزه للأقفال في إعلان لعودته المهيبة .



دفعت الباب ، ثم حملت أكياس البضائع ، وتخطت عتبة الشقة إلی الداخل .



تعجبت لمرأی الفتاة المتشحة بالسواد ، تقعد بالقرب من الباب وابنها ساكن في أحضانها .


- سلامات ؟ عسی ما شر ؟



وقفت الفتاة ذات الملامح المختبئة خلف النقاب اﻷسود .


- اسمعي ، رايحة للطبيب .. أيمن الله يهديه نقز من مكان عالي .. يا رب مافيه إلا العافية بس محتاجة أتطمن علی رجله ... تعوره ، مو قادر يوقف عليها ...


هبطت بنظرها إلی الشقي الصغير ببقايا دموعه ، ثم عرضت مساعدتها بقلق : تبين أجي معك ؟


- ما يحتاج ، أعرف وين أوديه .. كنت أنتظرك؛ محتاجة آخذ إذن من أحد ..



عادت تتأمل الطفل ، وخاطبته برقة : سلامتك حبيبي ، رجلك تعورك ؟


أومأ المسكين برأسه في حزن ، يشير بيده إلی ساقه المصابة .

فانحنت تطبع قبلة علی خده : يا حبيبي .. ما تشوف شر يا قلبي !


ثم استقامت توجه حديثها إلی اﻷم الشابة : يالله ، ربنا معك .. لكن متأكدة تعرفين تتصرفين ؟


- وش شايفتني ؟! سبق وعشت لحالي ، عندي علم كافي بهالمسائل .. يالله مع السلامة ... بس اسمعي !! إذا حصل وجاء متعب .. أنا بغرفتي ، طيب ؟


- لا تشغلين بالك يا قلبي ، انتبهي علی نفسك .


واختفت بسرعة وراء الباب الذي جذبته خلفها تغلقه .




سبق وعاشت وحيدة !

لم تكن تملك أدنی فكرة عن هذا اﻷمر من قبل ..



أين عائلتها عنها ؟!

لم يسبق وفكرت بهذه النقطة ..



هل تملك هذه الفتاة عائلة حتی !



وكيف لمجنونة أن تعيش وحيدة !

كيف لفتاة مثلها بلا عمل تدبير أمور معيشتها ؟



بل السؤال اﻷهم ، كيف التقيا المجنونان أصلاً ؟!



آلتقيا بزواجٍ تقليدي ؟


أَبزواجٍ عن حب ؟!


أو هو زواجٌ مجنونٌ مثلهما !
























. . .
























أتمم إنهاء طبق عشائه اﻷول في بيته من بعد فترة

الانقطاع الطويلة عن مائدة وجبات العشاء .



قربت إليه كأس العصير الذي لم يمسه ، فأبعده برفض :

- اشربيه أنتي ، لا قلت سوي عصير سويه ، لا تشتغلين من راسك .


وتناول كأس الماء بأنامله السمراء ، وارتشف القليل .



- الحين البنت وفاء تساعدك ؟ والا مقضية إجازتها راحة .



فاجأها سؤاله الذي أتاها علی حين غرة ، بحثت عن اﻹجابة

واحتارت ، ولم تكد تفتح فمها بالرد دهشت به يأمرها

بمناداة الفتاة؛ واﻹتيان بها إلی هنا .


تكلمت تجيب ، لعله يعدل عن طلبه الإعجازي : ما تقصر والله البنت ، تسوي اللي عليها .


تلقت منه نظرة ساخرة صعب عليها تفسير مغزاها ، وعاود اﻷمر بنبرة لا تقبل الجدال .





- أنا غيداء ، افتحي .


برز لها وجه الفتاة المذعور المتسائل .



- وش فيك ؟!


- أنتي اللي وش فيك ! وش تبين ؟ متعب راح ؟


أجابت ببرود : متعب موجود ، وطالبك يبي يكلمك .


انتفضت تضع يدها علی فمها الجاف المتقشف :

- وش يبي ؟!!


- مو شاغل فضولي غير ردة فعله لما يشوف منظرك ، بتجين .. والا أخترع له عذر ؟


أسرعت تومئ بقوة : قولي له بالحمام ، قولي له تتروش وبتطول حيل حييل ! وين هو الحين ؟


- توه متعشي ، بعده بالمطبخ .



أخرجت رأسها من فتحة الباب تلتفت يميناً ويساراً .


- اسمعي ، خذي أيمن معك .. خذيه عند أبوه ، مع السلامة !



وانطلقت تشق الصالة بعدو سريع غير متوقع من ذاك

الجسد الكسول ، تاركة باب الطفل مفتوح ...

ومن ثم اختفت في حمامها الخاص .



اتجهت ببصرها إلی داخل الحجرة ..

علی الطفل اللّاهي بهاتف والدته .


ودخلت تهز رأسها بلا حيلة، سائرة إلی تلبية رغبة الشابة .



- كيف حاله حبيبي أيمن ؟


- شوفي ، شوفي .. أنا أفوز !!


مدت يدها إليه بكلمات ملاطفة :

- تعال معي ، أبي ألعب معك !


أجال نظره حول الحجرة يبحث : وين ماما ؟


- ماما راحت الحمام ، يالله .. ما تبي ألعب معك ؟ حتی أنا أعرف أفوز !


حملت الصغير الذي عاد بتركيزه إلی لعبته متجاهلاً

مداعباتها ، ومشت تخطو به إلی حيث أبيه ..





- أمه بالحمام ، شكلها تتحمم ..


- وليه جبتي هذا ؟


قالت تضع الولد علی كرسي قرب والده : لقيته لحاله قلت أجيبه .



لم يرفع الابن رأسه بأي بادرة استقبال

تدل علی فرحته واندهاشه بوجود والده .


لا لوم علی الطفل بما أن كل المسؤولية في البرود الذي

اجتاح الولد حيال اﻷب .. تقع علی عاتق أبيه نفسه .



كانت ملاحظة اﻷم في محلها .. صار الطفل أقل حماسة ،

وأكثر هدوءاً من طبيعته المعتادة؛ وبشكل خاص

في تجاهه نحو الوالد .



فلم يعد بالذي يستقبله لدی الباب فور تصل المسامع هز

اﻷقفال الخارجية لباب المنزل ، ولم يعد بالملتصق بوالده

يبحث معه عن مشاكسات شقية ﻹشباع روحه المرحة .


وياليت أثار ذلك من اهتمام اﻷب من التغيير السلبي

الحاصل في ميول طفله نحوه ، بل ولم يُلقِ أي بال !



هذا غير مطمئن ...

ذلك يجعلها تخشی علی ابنها المستقبلي القادم ..



فلا تطمح أيّ أُمّ ..

إلی والد جاف مهمل ﻷبنائه كمثل هذا اﻷب !



- أكليه شيء ، يمكن جيعان .. تصبحين علی خير .



لم تهتم في هذا الحين باﻷمر غير المبال الذي ألقاه ،

ولا بمغادرته دون إلقاء سلام علی ابنه .



لم يجذب انتباهها ويوقف شعرة رأسها غير أمر واحد ..



( تصبحين علی خير ) !

سينام هنا .. سيقضي الليلة هنا !!



أوشكت علی نسيان نفسها واللحاق به إلی الحجرة .



ماذا تفعل بهذا الطفل ، محال أن تضيع هذه الليلة

وتقضي الوقت في مراقبة مملة .


يجب أن تخرِج تلك من الحمام لتعود إلی طفلها .



وما شأنها هي ؟!

فلتعيده إلی حجرته وتری طريقها ،

سحقاً للضمير العظيم الذي تتحلی به !



أنزلت الطفل من علی الكرسي العالي ،

وأمسكت بيده تمشي به إلی حيث قبوه وأمه .


ومن ثم طرقت علی المخبولة التي سجنت نفسها بالحمام ،

تنبؤها برحيل ( وحشها ) .. وبأن طفلها في انتظارها .



ثم سارعت بخطوات شبه مهرولة ، إلی نحو حجرة نومها

في الجزء اﻵخر من الشقة .












دلفت بخطىً متهاودة ...

وما أسرع وأصيبت بإحباط جارف من رؤيته نائماً

.... أو باﻷحری يتصنع النوم !



سارت تدنو من السرير بخيبة ، ولفت نظرها كأس الماء

إلی جوار السرير؛ لم تنتبه حتی لحمله للكأس معه من

المطبخ .. من سطوة عبارة التوديع التي تركها خلفه ..

يالها من مثيرة للشفقة !



استقرت تقعد علی طرف السرير ، وتناولت هاتفها عَلّها

تشغل تفكيرها عن صفيحة الثلج الراقد الذي يجاورها .




- كيف حالك ؟



خفق قلبها علی ملمس راحة يده المحتضنة كفها علی غفلة منها .


استدارت بكامل جسدها إليه وعينيها تنطقان باللهفة : طيبة والله طاب حالك .. وأنت ، طمني عنك حبيبي ؟


جذب يدها إليه .. يقلبها أمام عينيه .


ثم سأل ببطء بعدما دغدغ قلبها بقبلة ناعمة في باطن كفها : كيفه ولدنا ؟


شقت وجهها ابتسامة عريضة سعيدة ، ورفعت ساقيها عن القاع إلی السرير ليمكنها مقابلته ، تعلن مرافقة بضحكة رقيقة : بخير وطيب ، يسلم عليك !


اعتدل للجلوس فيما يحيط خصرها بيديه .. يقربها إليه ..


ويذيبها بهمسه : آسف حبيبتي ، سامحيني علی القصور ..



( حبيبتي ) .. !

ياه .. كم اشتاقت لهذه الكلمة !

ندرة هذه الكلمة علی لسانه ، تجعل في وقعها لذة منفردة علی قلبها .



- أدري مقصر في حقك حيل ، لكن ما يصير لك إلا طيب ، اصبري علي شوي وأوعدك أعوضك وزيادة .


- مابي شيء يا حبيبي ، يكفيني إنك ما تغيب عنا .. ارجع لنا يا متعب واللي يخلي لك أمك !


تفجرت بها الدماء علی ملمس شفتيه بخدها .. يلثمها برقة كفيلة بإصابة أي أنثی بالدوار .


- يا حبني لك ، ويا حبني لقلبك ، وطيبتك .. تدرين يا غيداء ؟ أنتي كنز !



أهذه إشارة بعودته إليهم ؟ قد تكون بداية لتحسن مزاجه !



مسح علی بطنها الذي يحوي ابنهما الساكن في اﻷعماق : تبين الصدق ؟ ودي أفرح معك بهالحمل .. بحكم إني ما جربت هالشعور قبل ، لكني والله ما أحس إلا بالغرابة .. ما أدري ، أحسها ظاهرة غريبة !


ضحكت ضحكة متعجبة : ظاهرة ؟! متعب .. تعبيرك عجيب !


أحاطت عنقه بدلال ، تغمغم بصوت ناعم .

- حبيبي ، في بالك اسم معين ؟ أنا محتارة وشاغلتني اﻷسماء من الحين .. لا تقول بدري !


استند إلی ظهر السرير باسترخاء : تو الناس ، بأخلي اﻷسماء عليك ما تهمني كثير .


- وش رأيك نسميه علی أبوك الله يرحمه ، منصور ؟


- وش رأيك باسم أبوك أنتي ؟


حركت رأسها بحزن : اسم أبوي قديم ، حتی اسم أمي .. لكن اسم أمك حلو ينفع .. نوال !


- حددي أول ، تبين اسم ولد والا بنت !


- نبي الاثنين ! أسماء بنات وأولاد .. علی قولك للحين ما نعرف ....



قاطعها بقبلة مباغتة ، جعلها بها تنسی جملتها ..

بل والموضوع الذي كانا يتناقشان بشأنه ...


وسمحت لنفسها بالغرق .. والذوبان تحت سطوة سحره ..

ورجولته الفذة .. تلهب أحاسيسها وعواطفها قبل جسدها ..












اعتقدت أنها استيقظت بعد منتصف الليل بلا سبب ..

لكن عملت السبب المجهول الذي أجبر قلبها علی

اﻻستيقاظ .. إنه غياب نصفها اﻵخر ...



أغلقت جفنيها بشيء من الرضا والقبول ..

ستعتبرها خطوة مبشرة بالخير ..



إنه في طريقه للعودة إليهم ..

أنزلت قدميها إلی اﻷرض ، وأشعلت اﻹنارة الصفراء جوار

السرير قبل أن تستقيم بالوقوف .




محفظته؛ وحزمة مفاتيحه .... لا يزال في البيت !




أسرعت بخطوات غاضبة إلی باب الحجرة .

لن تسمح له ، لن تسمح بأن يعود إلی إهانتها !



ترددت أمام الباب ، وفكرت بحيرة ..

إنه مع المتسخة المجنونة اﻵن لا شك؛

لا يمكنها تخيله معها بحالتها المزرية تلك !



ضغطت علی مقبض الباب بيد حذرة ،

حتی صنعت فرجة صغيرة .


استكشفت المكان الخالي بنظرات محترسة ،

أدركت من النور المطل علی الصالة المعتمة

بأن حجرة الطفل مفتوحة ....


وسعت من شق الباب موزعة نظراتها المترصدة .


كتمت شهقتها حال سقطت عينها علی الجالسين

عند الحائط إلی جانب حجرة الطفل .



قاعداً القرفصاء ، وساعديه يتدليان من علی ركبتيه

المنفرجين .. بهدوء ! بينما اﻷخری المتسخة ملتصقة

بالحائط ، منكمشة مثل حيوان صغير خائف .



ظلت واقفة بعيون شاخصة ، محاولة استيعاب موقفه ،

وردة فعله الغير معقولة .. وغير المقبولة !

وكأنه يواجه أمراً اعتيادياً !



أقفلت الباب والتوهان يحيطها من كل جانب .



كلاهما مجنون .. كلاهما مجنون ..

كلاهما مناف للعقل والمنطق !


أهما بشريّان حتی ؟!!



يجب أن تنام اﻵن ، ستعود إلی النوم ..

ستعود إلی الموت المؤقت !


يجب أن تغيب عن العالم قبل تصاب بعدوی الجنون !



استمرت بالتقلب علی الفراش بدون جدوی ..



( حتی النوم فر مني ، حتی النوم لا يريدني ... )


مالذي تهذي به .. يبدوها وصلت أقصی مراحل اكتئابها ..




أدارت وجهها إلی الباب متوجسة ، تصغي إلی العويل

والنحيب الذي اخترق الأبواب من شدة ضجيجه ..



ما بالها المجنونة ...


فكري بابنك الذي تعشقينه أيتها المخبولة ،

بالتأكيد لا ترغبين بإيقاظه من نومه الهانئ !



استجرأت بالخروج فلا سبب يمنعها اﻵن من الظهور إليهم

من بعدما اﻹزعاج الذي تسببا في إيقاظ النيام به !




ماهذا المنظر بحق الله !!!



أربكتها النظرة المخيفة المصوبة إليها لسان حالها

يقول لها بأن وجودها غير مرغوب .


كادت تضعف أمام أمره الغير منطوق ، لكنها

لملمت شجاعتها وثبتت في مكانها بلا نية بالحراك .



قام بتحرير الجسد الشاحب شبه العاري ، الذي يلوح

بالفنيلة الزرقاء الصغيرة التي تبدل لونها من شدة الاتساخ


فتابعها بتعابير منزعجة بعدما وثبت إلی اﻷرض؛ لتؤدي

المهمة التي ستموت إن لم تنجزها ، واستمرت تخطو

وتدور مثل الضائعة إلی اللا مكان ...


إلی أن ثبتت أمام كرسي خاص بابنها موضوع إلی

جوار أريكة الصالة ، وابتدرت بإلباس الفنيلة لظهر

الكرسي البلاستيكي !



من المنشفة الموضوعة علی كتفه ، استنتجت؛

بأن المجنونة علی موعد مع حمام مميز !



- بتذلفين والا شلون ؟



كان رجل شديد الطيبة والرومانسية منذ ساعات قلائل ،

كيف يمكن أن يتبدل بهذه السرعة خلال مدة قصيرة ؟!



أين وعده لها .. نسي عهده في تعويضها !



وجدت صعوبة في التصديق بأنه نفس الرجل ..

ذو اللمسات الحانية واللسان المعسول ..

قبل خلودها للنوم ....



زاغت عينها إلی المخلوق الهزيل العاري يحبو متسللاً

خلف اﻷريكة ، مستغلاً غفلة الغول عملاق عنه .


وجفلت فزعة من رؤية المخلوق يشير إليها بالسكوت

باﻹصبع الرفيع النحيل ، غير مدرك بأنه مكشوف

بالكامل أمام وحشه الفارع الطول .



كظمت صرخة غيرة في صدرها المتلوی بين نيرانه ...

لما انحنی علی المخبولة المخيفة ..


ويحملها بيد واحدة بكل يسر .. كمن يحمل دمية قطنية

خفيفة ، ويصوب علی أرادفها صفعة رقيقة .. ما بدا مثل

تربيت تأديبي ، أظهرهما كلوحة مرسومة تمثل أُمّ قروية

تقوم بتأنيب طفلتها الشقية .



- اذلفي حجرتك !!


اهتزت مام اﻷمر التهديدي اﻷخير ، واستسلمت مكرهة؛

لكن ما إن تحركت أوقفها الهتاف الراجي الباكي ..


- غيداء .. أيمن لحاله ! نامي عند أيمن .. خذي أيمن الله يخليك !



تطلبها بكل ثقة؛ كأنما ( غيداء ) صارت المربية الخاصة ،

والمكلفة باﻹلمام لكل شؤون ( أيمن ) خاصتها !


قابلت بحقد النظرات الثابتة لذاك اﻷخير المترقب إلی

اختفائها من المكان ، وربما من حياته بالكلية !



ذلك القرب بين هذين اﻻثنين .. يثير غيرتها ..

تقبلهما بعضهما بهذا القدر .. يثير غيرتها ..

انسجامهما ، وتناغمهما ... يثير غيرتها ..

كل شيء حولهما .. كل ما يتعلق بهما؛ يشعل غيرتها !!



لشدّ ما ترغب اﻵن بنصل سكينٍ ... ينحرهما في آنٍ معاً .


ولرُبّ قبر واحد يضمّهما ، يروي ظمأ عشقهما المسعُور .





* * *





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-18, 02:08 PM   #37

مسك وطيب

? العضوٌ??? » 402322
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 121
?  نُقآطِيْ » مسك وطيب is on a distinguished road
افتراضي

رااااااااااائعه جدااااا الروايه بس ليش مو مكتمله اتمني حقا ان تكوني بخير وكمليها صراحه اصبحت مهوسه بروايه كهرمان من فتره لي فتره اجي اشوف اذا في فصل جديد نزل او لا بلييييييييز كمليها

مسك وطيب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-01-24, 08:41 AM   #38

محمد ناصرر

? العضوٌ??? » 513437
?  التسِجيلٌ » Jul 2023
? مشَارَ?اتْي » 3
?  نُقآطِيْ » محمد ناصرر is on a distinguished road
افتراضي

السسسسسلام علييييييبكم ورحمة الله وبركاته صباح الخير على الجميع

محمد ناصرر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:04 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.