جاثيا تقريبا وهو يربط حزام الامان لابنته التي تحتضن دميتها لصدرها واذناه تطربان لصوت دندناتها الغنائية لبرنامجها المفضل ...
قبّل خدها بخشونة كما يفعل معها دوما وهي تضحك وتنكمش برأسها على كتفها الايمن متشكشكة من لحيته النابته الخشنة ...
وقف مهند على قدميه واغلق الباب فتنظر اليه صغيرته بعينيها الجميلتين ثم تخرج لسانها الاحمر له فينفجر مهند ضاحكا ثم يعض شفته السفلى متوعدا اياها بنظراته الشريرة..
من يرى ملامحه العابثة الشقية المرحة مع ابنته لايصدق انها تعود لنفس الوجه الذي استدار في اللحظة التالية ليتحرك ناحية مقعد القيادة ..
الكآبة .. الموت البطيء .. الانتحار روحيا !
لم يشعر حتى باقتراب والده الذي وقف في طريقه قبل ان يفتح باب السيارة ..
وقف الاب مواجها لولده الوحيد بجلبابه الرمادي السميك الذي يرتديه خصيصا للصلاة في الجامع يوم الجمعة ..
لم يرفع مهند رأسه وعضلة في خده الايسر تنبض بقوة بينما عيناه جامدتان لاتفارقان حافة الجلباب الرمادي عند القدمين ...
سأله الاب بهدوء " الى اين ستذهب يا مهند ؟!"
رد مهند بصوت أجش وهو يرفع نظراته ببطء لوجه ابيه
" سأخرج مع حبيبة لاشتري لها سريرا لدميتها.. لقد وعدتها بها منذ ايام ..."
حوار عادي بين اب وابنه .. لكن لا النظرات ولا النبرات تحمل اي شيء عادي ...
يحدقان ببعض احدهما ينظر ببعض الاشفاق والثاني ينظر كمن ينتظر الخلاص ...
سأل الاب " ألن تأخذ جوري معكما ؟"
بحدة ضارية شرسة هتف مهند " لا ...."
عينا مهند تشتعلان بالرفض .. بالغضب .. بما يتخبط غريقا في بحور ضياعه الهائجة ....