آخر 10 مشاركات
وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          فضيحة فتاة المجتمع الراقي (83) لـ:مورين شايلد (الجزء1 من سلسلة فضائح بارك أفينو)كاملة (الكاتـب : * فوفو * - )           »          في أروقة القلب، إلى أين تسيرين؟ (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          سارية في البلاط الملكي * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : هديرر - )           »          نساء من هذا الزمان / للكاتبة سهر الليالي 84 ، مكتمله (الكاتـب : أناناسة - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: من هو اكثر ثنائي نجح في جذب انتباهكم بقصتهم
قاصي و تيماء 2,118 58.56%
مسك و امجد 738 20.40%
ليث و سوار 761 21.04%
المصوتون: 3617. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree999Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-03-16, 09:55 PM   #2771

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحبااا تسجيل حضور

modyblue غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-03-16, 10:11 PM   #2772

نداء الحق

نجم روايتي وعضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاءوفراشة الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية نداء الحق

? العضوٌ??? » 122312
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 6,902
?  مُ?إني » العراق
?  نُقآطِيْ » نداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 87 ( الأعضاء 65 والزوار 22) ‏نداء الحق, ‏Hams3, ‏hussin ali, ‏lolo575, ‏منة السيد أحمد, ‏liveflower, ‏الطاف ام ملك, ‏nodas, ‏maimickey, ‏نرمين البنجي, ‏cloudy9, ‏tamima nabil+, ‏muna1111, ‏نوراي, ‏eng miroo, ‏hind 444, ‏fattima2020, ‏Amoolh_1411, ‏mar mar, ‏رفيدة هشام, ‏كيوانو, ‏shosho43, ‏دعاء 99, ‏mnmhsth, ‏Roro adam, ‏Mememoon, ‏amana 98, ‏Riham**, ‏tomcruise, ‏totoranosh, ‏Maryam haji, ‏قطرات الندى, ‏mouna ABD, ‏براءة الجزائرية, ‏hanene**, ‏a_geo, ‏عشق القلم, ‏نسيم الغروب, ‏za.zaza, ‏Alzeer78, ‏سهى منصور, ‏ana sara+, ‏زالاتان, ‏faroosh23, ‏remasa997, ‏b3sh0, ‏هبوش 2000, ‏ن و ا ر ى, ‏MS_1993, ‏métallurgier, ‏روح طرياك, ‏قمر الليالى44+, ‏flower 33, ‏روزمارى, ‏nadahosney, ‏بنتن ل محمد, ‏hnoo .s, ‏ام هنا, ‏وعد بالخير, ‏رودينة محمد, ‏Dndn1992, ‏الشوق والحب, ‏sfsf_al3mr, ‏الياقوته الحمراء, ‏


تسجيل حضور



نداء الحق غير متواجد حالياً  
التوقيع


رد مع اقتباس
قديم 05-03-16, 10:14 PM   #2773

soma saif
alkap ~
 
الصورة الرمزية soma saif

? العضوٌ??? » 319348
?  التسِجيلٌ » May 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,193
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » soma saif has a reputation beyond reputesoma saif has a reputation beyond reputesoma saif has a reputation beyond reputesoma saif has a reputation beyond reputesoma saif has a reputation beyond reputesoma saif has a reputation beyond reputesoma saif has a reputation beyond reputesoma saif has a reputation beyond reputesoma saif has a reputation beyond reputesoma saif has a reputation beyond reputesoma saif has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
¬» قناتك mbc4
افتراضي

تسجيل حضور
في انتظار فصل ونص بأذن الله


soma saif غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-03-16, 10:15 PM   #2774

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهى منصور مشاهدة المشاركة
مش بايخة دايخة هههههه



tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 05-03-16, 10:20 PM   #2775

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

أنا حنزل الفصل الآن يا بنات.... متعبة جدا مش قادرة أنتظر
حنزل الجزء الثاني من الفصل الخامس + الفصل السادس .. متتاليان


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 05-03-16, 10:22 PM   #2776

malokty

? العضوٌ??? » 349607
?  التسِجيلٌ » Jul 2015
? مشَارَ?اتْي » 37
?  نُقآطِيْ » malokty is on a distinguished road
افتراضي

مستنينك بفارغ الصبر لينا اسبوع بنعده بساعات عشان يعدي ونشوف قاصي هيعمل بس ياريت بقي تكوني عملت تاتش رومانسي بنص الفصل مثلاااااا

تحياااااااتي يامبدعه


malokty غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-03-16, 10:23 PM   #2777

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

الجزء الثاني من الفصل الخامس :



" كنت طالبة بكلية الطب .......... لكنني خرجت منها و غيرت مجال دراستي كلها .... "
حين نطقت بهذه العبارة البسيطة و كأنها مجرد ذكرى قديمة لم تعد مهمة لها الآن ....
وجدت عقلها يرسم لها اهتمام الشخص الوحيد في حياتها منذ سنوات و هي تحكي له منبهرة بالكلية ما أن دخلتها اول مرة ....
قاصي ......
و كل يوم باتت تحكي له مغامراتها في أروقة تلك الكلية التي هي عالم في حد ذاته ...
أغمضت تمياء و هي تتذكر ملامح وجهه ذات القناع الجامد ....
و على الرغم من ذلك تبتسم شفتاه في التواءة صغيرة ... وهو ينظر اليها مسترخيا بينما عيناه تبرقان لحماسها ....
ابتسمت تيماء و هي تتذكر المرة الأولى و هي تحكي له عن دخول المشرحة ....
كان مسترخيا ... مستندا الى جذع شجرة قديمة قدم الزمن ... في إحدى الحدائق المزدهرة منذ مئات السنين حيث اصطحبها ....
بينما كانت هي واقفة أمامه .... تنظر بأمل و تفاؤل للمستقبل ....
تقول بسعادة غامرة
( كنت قوية ثابتة ..... لم أهتز للحظة , بينما أصيبت طالبتين بالإغماء و حملوهما على الأعناق خارجا .... بينما بكت باقي الفتيات ..... أما انا فلم يهتز لي جفن ..... )
كانت توليه ظهرها و هي واقفة تنظر الى الحدائق الواسعة أمامها .... تماثل اتساع حياتها في تلك اللحظة ....
ساد صمت طويل من خلفها دون أن يرد قاصي ... فاستدارت اليه بحيرة لترى استرخاؤه و تلك الإبتسامة الصغيرة .... و بريق عينيه الخاطف !! ....
فعقدت حاجبيها قليلا لتقول بلهجة آمرة
( ما بالك صامتا ؟!! ..... يمكنك أن تفخر بي الآن .... أريد أن أسمعك تشيد بشجاعتي .... )
التوت شفتاه أكثر وهو ينظر اليها مبتسما دون أن يتحرك من مكانه .... ثم قال أخيرا بهدوء ساخر
( أيقنت أنكِ شجاعة منذ اليوم الأول الذي رأيتك فيه تصيدين الفئران بينما لا يتجاوز طولك عن مقبض الباب ...... )
ازداد انعقاد حاجبيها و هي تضع يديها في خصرها قائلة
( لم أكن قصيرة الى هذا الحد !!! ........... )
رفع قاصي حاجبا مستفزا وهو يقول
( ظننتك في العاشرة من عمرك ............ )
هزت تيماء كتفها و هي تقول ممتعضة
( اذن كانت لديك مشكلة في نظرك ........ )
ازدادت ابتسامته أكثر ... حتى بدا أصغر سنا , أقل هما .... بدا .... طبيعيا كشاب في مثل عمره و كم أشعرها ذلك وقتها أنها ذات تأثير قوي على حياته ... و روحه ....
و كم أبهجها ذلك !! ....
طال به النظر اليها وهو مسترخيا مستندا الى شجرته .... فارتبكت قليلا و احمرت وجنتاها .....
تلك الشابة التي لم تهب دخول المشرحة ....تقف الآن مرتبكة محمرة الوجه ازاء نظراته القوية المتفجرة ...
لكن هذا هو قاصي ....
قادرا دائما على ارباك كيانها كله .....
لكنها لم تكن تعلم مدى جاذبيتها و هي تقف أمامه ... بينما الشمس من خلفها تشعل شعرها النحاسي المعدني بشعراته المتمردة ....
فبدت أطرافه و كأنها متوهجة تشتعل .....
أما عيناها في الظل ازدادت قتامة لونهما فاصبحتا بلون المحيط الداكن .....
قالت تيماء بارتباك بلهجة مستفزة ... تحاول الهاء عينيه عنها
( هيا ... لا تتهرب من الأمر , أخبرني أنني شجاعة ..... )
طال به الصمت قبل أن يقول بهدوء خافت
( أنتِ جميلة .......... )
أجفلت تيماء من الجملة البسيطة و التي نطقها بمنتهى البساطة كأنه يلقي عليها التحية ....
اختفت ابتسامتها عدة لحظات ... قبل أن تقول ضاحكة بعصبية , و هي تبعد خصلات شعرها الهمجية خلف أذنها ...
( حسنا أنت الوحيد الذي ترى ذلك ..... ألم أخبرك أنك تعاني مشكلة بنظرك ..... ربما لو تخصصت بالرمد فيما بعد لتمكنت من علاجك من باب الشفقة .... )
لم يرد عليها قاصي ... بل زاد من تأمله لها , حتى ابتسمت و نظرت بعيدا ....
ذكرى القبلة الوحيدة بينهما كانت تقتلهما معا .... لا ترحمهما ...
لا تفخر بها , و تشعر بالندم كثيرا ... و متأكدة أنه يماثلها الشعور ....
و مع ذلك لا يستطيع كلاهما محو تلك الذكرى من ذاكرة روحه ....
لم تكن مجرد قبلة .... بل كانت امدادا بنوعٍ من الحياة ....
تنهدت تيماء , فسمعت صوت قاصي الجاف من خلفها يقول آمرا
( تعالي ............ )
استدارت تنظر اليه بارتباك ... قبل أن تقول مبتسمة
( ماذا تريد ؟!! ............ )
لم يرد عليها بل أشار لها بإصبعه بتلك الحركة الآمرة المتغطرسة أن تقترب .... لكنها لم تشعر بالتمرد هذه المرة ... بل بالخوف ....
الخوف من نفسها و من مشاعرها المتهورة .... فقالت مبتسمة بعفرتة ...
( لا أظنها فكرة سليمة ......... )
ظل قاصي يضع على وجهه نفس القناع الساخر الهادىء , قائلا
( لماذا ؟! ........... )
نظرت تيماء الى عينيه لتقول بنعومة
( بعينيك تلك النظرة ............ )
ارتفع احد حاجبيه , و قال مبتسما
( أي نظرة ............ )
برقت عيناها و هي تجيبه برقة
( نظرة فهد يوشك على مهاجمة فريسته ........ )
لم يرد قاصي على الفور ... بل قال بنفس الهدوء و إن كانت لهجته ازدادت دفئا ... وهجا ...
( أتظنين أنني سأهاجمك ؟!! ...... يبدو أنني قد تركت لديكِ انطباعا سيئا جدا ..... )
أسبلت جفنيها و ازداد دفىء وجنتيها بريقا ....
كان يشير الى قلبتهما ... و احساسه بالذنب لا يزال ظاهرا بصوته ممتزجا بالشغف و الذكرى
حسنا ... مهاجمة ليست اللفظ المناسب تماما .....
ربما اللفظ المناسب هو .... اجتياح .... طوفان يوشك على أن يغرقهما معا ....
رفعت عينيها اليه أخيرا و قالت بثقة زادتها جاذبية
( لو تدرك الإنطباع الذي تتركه بداخلي ..... ل ..... )
صمتت قليلا و هي تتأمل عينيه غير قادرة على المتابعة , على الرغم من أنها كانت هي المبادرة دائما في الهجوم اللفظي العاطفي بشجاعة .... بينما هو , لا ينطق ..... و صمته يزيد من جنونها به ....
أشار اليه بإصبعه مجددا وهو يقول بصوتٍ أكثر خفوتا
( تعالي ................ )
هذه المرة لم تقوى على المجادلة ..... فاقتربت منه , الى يده التي فتحها له ... متنازلا عن حركة الصلف المعتادة ...
فمدت يدها تضعها بكفه الذي اطبق عليها برفق .... وقوة ...
ثم جذبها اليه لتسقط جالسة بجواره على العشب الأخضر الندي .....
ظل ينظر الي وجهها طويلا و كأنه لا يرغب في الكلام .... فقط يريد أن ينهل من ملامحها ....
والله وحده يعلم ما الذي يعجبه في وجهها الى هذا الحد !! ......
ضاقت عيناه قليلا وهو يقرأ تلك الملامح .... يحفظها ....
حتى قال أخيرا بصوتٍ خافت .... عميق جدا
( لكم كبرتِ !! ...... و لا زلتِ صغيرة أيضا , فما الحل معكِ ؟!! ...... )
ابتسمت بجمال حتى ظهرت غمازتيها تحفران عميقا في وجنتيها .....
رفع اصبعا مترددا ... و لامس به غمازة وجنتها حتى اترجفت بعمق .... بينما كان هو شاردا ... عاقدا حاجبيه ... ثم قال أخيرا بخفوت
( تلك الوجنة الناعمة , تحملت صفعة قوية كي لا تبتعدي عني ........ )
لم تختفي ابتسامتها ... و لم تهتز حدقتي عينيها ....
على الرغم من أن الشعور بالإهانة كان لا يزال محرقا على روحها ... الا أنها لم تتردد و لن تندم ...
فقالت بخفوت واثق
( انه ثمن بخس جدا يا قاصي .... للحفاظ على الرجل الوحيد بحياتي .... )
ازداد انعقاد حاجبيه والتوى فكه قليلا ..... ثم قال بخفوت أجش
( الرجل الوحيد ؟!! ........ )
أومأت برقة و عيناها بعينيه لا تحيدان عنهما ... ثم قالت بخفوت
( هل لديك شك بذلك ؟!! .... حتى والدي لم أعرفه تمام المعرفة ..... لم أعرف سواك , أحيانا أتسائل كيف كانت حياتي لتكون لو لم أقابلك !! ........ أنت و أمي أصبحتما عائلتي الوحيدة .... )
رأت حلقه يتحرك و كأنه متشنجا ... غير قادرا على الكلام ....
ثم قال أخيرا بصوتٍ خشن أجش
( أنتِ جميلة ....... هل سبق و أخبرتك ذلك ؟! , لكنك ستصبحين غدا أكثر جمالا .... و ستزيدين جمالا بعد غد ...... و ستكونين شابة متفوقة ذات مكانة راقية ..... )
ابتسمت اكثر و اكثر .... و شعرت ان قلبها يخفق بجنونٍ و انفعال ...
الا أنها تمكنت من القول ببساطة و رقة
( و ستفخر بي حينها بشكلٍ لائق ؟!! .......... )
لاح بعض الألم بعينيه .... لم تعلم سببه تماما , فشعرت بنصلٍ من الألم على حافة قلبها ملائما لألمه ....
و شعرت بالخوف و هي تقول بخفوت
( ستكون معي دائما .... اليس كذلك ؟!! ..... لن تتخلى عني أبدا ..... )
لم تعلم إن كانت تقر أمرا واقعا أم تسأله السؤال الذي طالما أرقها
" ما هو مصير علاقتنا ؟!! .... و الى أين ستنتهي ؟!! .... "
لمعت عيناه بنيران الجمر وهو ينظر اليها ....
و اصبعه لا يزال يداعب عمق غمازة وجنتها ببطىءٍ جعلها ترغب في البكاء ....
ثم قال أخيرا بصوتٍ قاسٍ .... قوي
( لن أتخلى عنكِ أبدا ..... و هذا وعد مني و أنا لا أخلف , ثقي بهذا ..... )
ظلت تنظر اليه بعينين مبللتين بالدموع قليلا .... ثم بادرت بجوابه الأقوى على الأطلاق ...
ففعلت ما أملته عليها غريزتها ...
ابتسمت من بين دموعها و هي تمد يدها لتلامس صدره باصبعها فوق قلبه مباشرة ... تدفعه قليلا مداعبة ...
قبل أن تضم قبضتها و تطرق بها بخفة فوق قلبها ... لتهمس برقةٍ قائلة
( أنت تخصني .... أنا .....تذكر هذا دائما .. )
ازداد بريق عينيه ... و ابتسمت شفتاه القويتان العابثتان بالفطرة ... بينما تزايد تسارع أنفاسه قليلا ...
ثم تحشرج صوته وهو يقول بخفوت مبتسما
( هل أستطيع فعلها بالمثل ؟!! .......... )
احمرت وجنتاها و ضربت صدره و هي تقول بصرامة مفتعلة على الرغم من جنون ضربات قلبها
( احترم نفسك ..... و لا تكن قليل الأدب .... )
عقد حاجبيه وهو يقول ببراءة
( على الأقل أنا طلبت الإذن أولا ..... أما أنتِ فتتطاولين دون حرج .... )
ازداد احمرار وجنتيها و هي تقول ممتعضة رغم ابتسامتها
( توقف عن ذلك .... ..... و الا تركتك و ذهبت ..... )
ابتسم أكثر و تعمقت زوايا فمه .... فانتقلت العدوى لها و ابتسمت أكثر ...
أما أعينهما فكانت تراقص بعضها على لحنٍ آخر ....
قال قاصي اخيرا بخفوت دون أن تترك عيناه عينيها
( أنا فخور بكِ ....... يوما ما ستكونين طبيبة ممتازة ..... )

شعرت بالفخر يجتاحها ... و الزهو يملأ كيانها من عبارته البسيطة .... فقالت بفرحة حقيقية
( شكرا .......... أترى لم يكن الأمر صعبا ..... فقط حاول الكلام ... )
شردت عيناه قليلا و ابتعدتا عن التواصل مع عينيها .... فشعرت بالخسارة وودت لو تخترق كيانه كما يخترق كيانها بسهولة الغوص في الماء ....
مدت يدها لتمسك بكفه بقوة و قالت
( قاصي ..... الى أين تذهب و تتركني دائما ..... ادخلني الى حياتك و أفتح لي ذلك المستودع المظلم , لا تخشى شيئا ..... الى متى سأظل أطلب منك أن تطلعني على أسرارك ؟!! .... )
نظر قاصي الى عينيها ... قبل أن يعود و يضع القناع الجامد على ملامحه وهو يقول بخفوت
( هل تخشين أن تكوني قد سلمتِ حياتك الى مجرم مثلا ؟!! ..... )
زمت شفتيها و هي تزفر بنفاذ صبر .... ثم قالت باصرار
( لن تنجح في اثارة غضبي ...... أنا أثق بك أكثر من ثقتي بنفسي .... )
ابتسم شبه ابتسامة بدت كالشبح .... فقالت مبتسمة يائسة
( أنت تحب هذه العبارة ..... اليس كذلك ؟!! ......... )
التوت شفتاه و قال بصوتٍ أجش هامس وهو يلاحق عينيها بعينيه
( أحبها جدا .............. )
عضت على شفتها السفلى و في داخلها همست
" محظوظة اذن هذه العبارة و هي تنال هذا التصريح النادر بمثل هذه البساطة !!! .... بينما أنا ألهث خلفه منذ سنوات .... "
قالت أخيرا بهدوء و هي تضغط كفه بين أصابعها
( اذن سأدللك بها ..... الى أن تملها ..... )
رفع يده الى وجنتها مجددا و همس بخفوت
( لن أملها حتى مماتي .... الثقة هدية ثمينة , و قد اخترتني كي تهديني بها .... )
رفعت يدها الأخرى لتمسك بكفه و تفتحها فوق وجنتها و همست
( اذن الم يأتي الوقت كي تمنحني نفس الهدية ؟!! ....... )
أظلمت عيناه قليلا .... و انعقد حاجباه كان شيئا ما بصدره قد أوجعه فجأة ....
فضغطت كفه أكثر و همست بحرارة
( أخبرني ...... أخبرني و لا تخف ....... )
نظر الى عينيها و همس بصوتٍ أجش متحشرج
( أخبرك بماذا ؟!! ........... )
طارت خصلة من شعره فوق جبهته الناصعة .... فمدت يدها لتبعدها برفق و هي تهمس
( أخبرني عن أمك مثلا ........ )
لم تكن مستعدة الى القبضة التي أطبقت على كفها فجأة بعنف .... تبعده عن جبهته دون أن يحررها ...
اتسعت عينا تيماء بألم و ابتلعت تلك الغصة بحلقها قبل أن تقول بإختناق
( حسنا .... إن كنت تفضل ابقائي بعيدة , على الأقل لا داعي لأن تؤلمني .... أترك يدي .... )
رمش بعينيه قبل أن ينظر الى كفها التي يعتصرها بين أصابعه لدرجة أن عظامها الهشة قد بدأت في اصدار أصوات قرقعاتها الصغيرة ....
حينها انتفض و هو يخفف من ضغط أصابعه على كفها دون أن يتركها ... ليرفعها الى فمه وهو يفتحها بيده الأخرى ... و يطبع شفتيه على راحتها بقوةٍ هامسا
( أنا آسف .......... آسف .... )
تنهدت بحزن و ألم .... ثم همست بخفوت
( و أنا أيضا آسفة .... يبدو انني قد تجاوزت حدودي مجددا ....... )
مد يديه ليمسك وجهه بين كفيه و نظر الى عينيها طويلا قبل أن يقول بصوتٍ عميق ... قوي ...
( تيماء .... أنتِ أصغر من أن تتفهمي احتياجي لكِ دون شروط ..... لكن هذا أقصى ما أستطيع تقديمه ,
فإن أردت الإنسحاب .... الأفضل أن تتخذي قرارك الآن , لأنني لن أقبل به فيما بعد ..... هل فهمت؟!! .... )
ارتجفت تيماء قليلا و همست باختناق
( هل تنذرني ؟!! ......... )
قال قاصي بمنتهى الصراحة والوضوح دون أن يترك وجهها
( بل أهددك ..... قرري الآن .... في هذه اللحظة .... )
عضت على شفتيها بصرامة و هي تسحب نفسا خشنا ... محاولة السيطرة على دموعها كي لا تتساقط أمامه ...
ثم قالت بصوتٍ أجش صلب
( لكن أنت تتخلل حياتي بلا حواجز ....... اليس كذلك ؟؟ .... )
أومأ قاصي برأسه و قال بصرامة و صدق ناظرا الى عينيها
( نعم .... لا حواجز أو أسرار من جهتك .... لأنني سأكون كاذبا لو ادعيت العكس .... الفتاة التي تخصني هي كتاب أوراقه كلها مفتوحة أمامي ... و لن أقبل بأقل من ذلك .... )
قالت تيماء بصوتٍ جامد
( الا ترى أنك غير منصف ؟؟ ........ )
قال قاصي دون أن يتركها ....
( لهذا أمنحك القرار خلال خمس ثوانٍ و بعدها ستكونين ملكي للأبد ...... )
مطت شفتيها بسكون أمام عينيه المشتعلتين .... القلقتين و كم أفرحها قلقه ....
ثم لم تلبث أن تنهدت و هي تقول بخفوت
( نفس قراري ..... أنا لك و أمري الى الله .... مهما كانت شروطك , ثقتي بك أكبر ... )
للحظات ظهر تعبير مختلف في عينيه ... تعبير أكثر عمقا ... أشد احتواءا و امتنانا ....
ثم زفر بقوةٍ وهو يهز وجهها بين كفيه بقوة قائلا من بين أسنانه
( أيتها العفريتة ..... جعلتِني أشك للحظات ..... علي أن أعاقبك على هذا ... )
عقدت حاجبيها و قالت ممتعضة
( هل هذا هو الجواب المثالي على تضحيتي ؟!! .... عليك أن تكون شاكرا و رقيقا .... )
التوت شفتاه قليلا قبل أن يقول بصوتٍ أجش
( الرقة أبعد ما تكون حينما يتعلق الأمر بكِ سيدتي ........ أشعر دائما أنني على حافة البركان معك و أنني أرغب في ضربك باستمرار .... )
ارتفع حاجباها و اتسعت عيناها و قالت بدهشة
( كم أنت مجامل و كلماتك مطمئنة للقلب الحزين !!! ....... لماذا ترغب في ضربي بالله عليك ؟!! .... بعد كل رضوخي لك و الذي لم أمنحه لمخلوقٍ قبلك ؟!! .... )
ظل ينظر اليها طويلا و ابهاماه يتلمسان وجنتيها برفق .... بينما عيناه زائغتين .... تنظران اليها و بعيدتين عنها في نفس الوقت ....
ثم قال اخيرا بخشونة فظة دون ان يتركهها ... و كأنه ينهرها
( يوما ما ستدركين أنني كنت في منتهى الأنانية حين تمسكت بك و لم ابعدك عني على الفور ..... )
ابتسمت ببطىء ... ثم تنهدت بحزن و هي تنظر اليه تعبا , لتقول بخفوتٍ هامسة
( لقد تركت لي القرار ... و ليس لي سوى أن ألوم نفسي وقتها , فاطمئن ..... )
للحظة تبسمت شفتيه ... لكنه قال بخشونة
( أنتِ عنيدة كالخيول البرية .......... )
ضحكت برقة و قد بدأت أطرافها جميعا في الذوبان ... و كأنه يسمعها ارقى عبارات الغزل ...
هذا هو تأثيره عليها ....
تنحنحت أخيرا و قالت بدلال و هي تميل اليه
( اذن .... هل ستأتي لتصطحبني من الكلية غدا ؟؟ ...... )
تنهد مجددا وهو يحرر وجهها ليقول بصوتٍ واهٍ
( لا أستطيع السفر يوميا ............ )
شعرت بالحرج و خيبة الأمل .... فقالت بكبرياء وجمود
( كما تحب ...... لم أقصد الضغط عليك ... )
نهضت على الفور مبتعدة عنه , الا أنه أمسك بكفها قبل أن تنجح في الإبتعاد و جذبها اليه بقوة دون أن يتحرك من مكانه ...
فسقطت على ركبتيه ببساطة !! ...
احمرت وجنتاها و حاولت النهوض ... الا أنه أمسك بخصرها بكفيه يمنعها من الهرب و همس لها بصوتٍ خشن
( توقفي عن الغباء تيماء ........ )
هزت خصلات شعرها المجنونة و هي تتلوى قائلة بغضب
( اتركني يا قاصي ........ )
الا أن صوته كان أشد صلابة من صوتها وهو يقول بجدية
( توقفي اذن عن الغباء أولا ........ و أنا جاد فيما أقول ...... )
حين لمحت الغضب حقيقيا في صوته ... توقفت عن الحركة و كتفت ذراعيها بعناد كالأطفال ....
فقال قاصي بهدوء
( ظهوري معك كل يومٍ أمام كليتك .......... )
لم يكمل كلامه .... و كأنه لم يجد التعبير المناسب , فالتفتت اليه تيماء تنظر الى عينيه
عيناه كانتا غامضتين .... مراقبتين و ظالمتين في تأثيرهما المهيب عليها ....
فقالت أخيرا بجفاء
( لقد تأخرت قليلا في ادراك ذلك ..... بات الجميع يعلمون أنني أخصك ..... فتاة رجلٍ واحد وهو أنت ... )
لم تبدو عليه السعادة هذه المرة .... بل زادت عيناه قتامة ....
ثم همس اخيرا بصوتٍ أجش
( لقد أسأت الى سمعتك كثيرا ..... هل تدركين ذلك ؟! .... )
شعرت بالخوف .... لم تشأ يوما أن تقع في فخ الخطأ , لكن أي حل آخر أمامها .... طريق مرسوم و ربطها به قبل حتى أن تدرك معنى الأنوثة من الطفولة ....
قالت تيماء أخيرا بخفوت
( نعم أدرك ذلك ........ لا يهمني راي أحد , منذ متى كان لي من أهتم به ؟!! .... فلماذا أهتم الآن ؟!! ... )
قال قاصي بخشونة و يداه تشتدان على خصرها حتى آلمتها أصابعه
( كان علي أنا أن اهتم و أفكر ......... أنا أكبرك بعشر سنوات كاملة .... )
أطرقت بوجهها .... و تنهدت قائلة
( أنا هنا في مدينة ... و أنت في مدينة أخرى ... و على هذا الحال منذ سنوات ... أحارب نفسي و أحارب ذكريات من عرفتهن قبلي .... و أحارب من يضايقونني هنا .... و أحارب كل الظروف التي تبعدني عنك .... فلماذا لا تساعدني قليلا ؟!! ..... أنا أحتاج الى التركيز في دراستي يا قاصي .... أحتاج أن أرتاح قليلا ..... )
حين نظرت اليه .... شكت أن وجهه قد شحب قليلا ... فسارعت لتقول بكل وضوح , مشددة على كل حرف
( و الهدوء لن أحصل عليه الا و أنت معي .... بجانبي ..... )
اسبل جفنيه ليخفي نظرة عينيه عنها .... فعضت على باطن خدها تنتظر رده .... وهي تتمنى أن يذهلها ... و بالفعل أذهلها أكثر مما ينبغي ...
فقد رفع وجهه اليها ليقول مستعيدا قناعه الساخر بسرعة البرق
( هلا نهضتِ من على ركبتي من فضلك .... أم أن الجلوس هنا قد أعجبك كما هو بالتأكيد يعجبني على نحوٍ أكثر خطورة !!! ..... )
.................................................. .................................................. ......................
( هاي .... الى أين سافرتِ بأفكارك ؟!! ...... )
انتفضت تيماء بقوة و هي تعود الى حاضرها بعد عشر سنواتٍ كاملة ....
و تجد نفسها هنا في دار الرافعية , تقف مع فريد ابن عمها ....
بينما أفكارها سبحت بعيدا مع ذكرياتٍ قديمة .... ذكرياتها مع أبن عمٍ آخر لها
قاصي .....
كان الألم بداخلها يتزايد و يكاد أن يفترسها ببطىء ...
رمشت بعينيها و حاولت جاهدة التظاهر بالإبتسام و هي تقول كاذبة
( أنا هنا .......... )
ضيق فريد حاجبيه وهو يراقبها جيدا ثم قال بهدوء
( أشك في هذا .... كنت بعيدة جدا و كأنكِ كنتِ تعيشين زمنا آخر ..... )
ابتلعت تيماء غصة في حلقها و نظرت الى الحقول الواسعة حيث خرجا من الباب الحديدي المزخرف للدار ... فوقفت عند بداية درجات السلم الرخامية ...
لا تعلم متى قابلت فريد في البهو ... و كيف سارت بجواره الى أن خرجا من باب الدار ......
كانت تعيش عالما خاصا من الذكريات المرة ..... شديدة الحلاوة ...
قالت تيماء أخيرا بخفوت
( هذا تأثير المكان فقط لا غير .... أشعر و كأنه جزء مقتطع من زمن آخر , ..... )
ارتفع حاجبي فريد وهو يقول باهتمام
( أنت حالمة جدا ......... )
ابتسمت بتعب و نظرت اليه قائلة
( أنا أبعد ما يكون عن الفتيات الحالمات ......... لقد نسيت الحلم منذ سنوات )
قال فريد بفضول
( آه ..... و هل هناك ما ساهم في قتل الحلم بداخلك ؟!! ...... )
شعرت بشيء ما يوجعها , لا تعلم إن كان ألما جسديا ... أم ألم نفسي أكبر , يضرب روحها بعنف و شراسة ...
قال فريد مغيرا الموضوع حين لاحظ ألمها
( اذن كنت طبيبة يوما ما !! ...... عجبا ..... لم أشعر بأنكِ تصلحين لهذا الدور .... )
رفعت تيماء عينين ممتعضتين الى فريد ... ثم لم تلبث أن ضحكت رغما عنها و قالت بخفوت و يأس
( كنت لأكون عبقرية ..... كنت الوحيدة التي خرجت متحمسة من المشرحة ..... )
اشار فريد باصبعه وهو يقول
( آها .... و هذا دليل على بعد نظري .... من يخرجن من المشرحة منشرحات يصبن عادة بهلاوس و عدم قدرة على متابعة الطريق .....أما من تصاب بالإغماء فهي عادة من ستكون من الأوائل على الدفعة .... )
ابتسمت تيماء و هي تقترب من السور المشرف على السلالم المؤدية الى حديقة الدار
( في الواقع كنت مذهولة من مدى اتساع هذا العلم ....... لكن كل هذا انتهى منذ زمن ... )
اقترب فريد منها و استند الى السور بجوارها ناظرا الى البعيد .... ثم قال ببساطة
( ترى هل الأمر له علاقة بابن عمنا الجديد ...... قاصي الحكيم !!..... )
انتفضت تيماء بقوة و اندفع رأسها تنظر اليه بهلع ... لكن فريد كان يبدو بريء الملامح وهو يستند بمرفقيه الى السور ناظرا الى الحدائق بحبور صباحي دون ان تظهر على ملامحه اي اثر للانفعال ...
قالت تيماء بصوتٍ مرتجف قليلا
( ما الذي .... يجعلك تظن ذلك ؟!! ....... )
لم يلتفت اليها فريد .... بل قال ببساطة
( منذ الأمس و أنا ألحظ تلك الشرارة بينكما ..... نظرته اليك حين كنا نطارد الفأر سويا .... ذعرك و صراخك باسمه حين أوقعته الفرس .... بكائك و انت تنظرين اليه بعد أن فجر قنبلته في الاجتماع العائلي ..... كل هذه تصرفات شخص يعرفه حق المعرفة .... )
ابتلعت تيماء ريقها و قالت بوهن
( أنت مخطىء ........... )
التفت فريد اليها مبتسما ... ليقول بلطف
( لا أظنني مخطىء .......... لكن لماذا تدعين عدم معرفتك به ؟! .. هل سبق و آذاك ؟!! .... )
اتسعت عيناها قليلا و قالت بقوة
( أنت تتوهم فقط .......... )
قال فريد ببساطة
( هل كنتما مرتبطين يوما ما ؟!! .......... )
استدارت تيماء عنه بعنف و هي تتشبث بحاجز الشرفة بقوة .... تنظر الى البعيد , بينما استدار اليها فريد ليقول بهدوء
( لا تخشين شيئا يا ابنة عمي ....... أنا فقط أخبرك أن لو هذا المدعو قاصي الحكيم قد آذاكِ يوما ... فأنا هنا و سأوقفه عند حده ..... )
أظافرها تحفر في سور الشرفة ..... و قالت بصوتٍ قاتم بينما عينيها تنظران الى البعيد
( اسمه ليس المدعو قاصي الحكيم ...... انه قاصي ابن عمك عمران ..... )
ابتسم فريد قليلا قبل أن يقول بهدوء
( آسف ...... لم أقصد الإهانة , و إن كنت ارى أن اسم عمران هو الإهانة في حد ذاتها ..... )
التفتت اليه تيماء .... تنظر الى ملامحه اللطيفة المتفهمة , و عينيه المراقبتين لها ... ثم قالت بخفوت
( هل يمكنني أن أطلب منك طلب ؟!! .... لا تخبر أحد بظنونك الغريبة تلك ...... )
ابتسم فريد وهو ينظر اليها .... ثم قال أخيرا بهدوء
( لا بأس اذن ....... لكن تذكري فقط أنني هنا لو احتجتِ لأي مساعدة ...... )
ابتسمت شفتيها بارتجاف .... ثم همست بخفوت
( شكرا لك .......... لن أنسى هذا ....... )
استدارت عنه قليلا و هي تنظر الى البعيد .... ثم قالت بخفوت بعد فترة طويلة
( أنا سأرحل عن هنا قريبا جدا .... لكن , أردت فقط أن أخبرك ... بأن قاصي من المستحيل أن يؤذي أحدا ظلما أو دون حق ...... )
ابتسم فريد مرة أخرى و قال بهدوء
( سأتذكر هذا ............ )
ابتسمت تيماء بارتجاف و هي تطرق بوجهها .... بينما شعرت بألمٍ جارف بصدرها , أكبر من قدرتها على الإحتمال .....
قال فريد بعد فترة صمت
( بالمناسبة ..... ستجدين محاولاتٍ حثيثة للفت نظرك من ذئاب العائلة , فاستعدي ...... )
رفعت تيماء اليه عينين متسائلتين و هي تقول بحيرة
( ذئاب العائلة !!! ............ )
أومأ فريد برأسه وهو يقول
( نعم ...... فأنتِ العروس المنتظر قرارها بالإختيار ..... تلك العروس تحظى باهتمام الجميع وخاصة اهتمام جدي .... و ما أدراكِ ما هو اهتمام جدي .... سيمنحك الكثير مما لم تتخيليه يوما .... )
برقت عينا تيماء برفضٍ غريزي و همت بأن تنطق بذلك ... الا أن فريد قال ببساطة
( ها هو الذئب الأول يقترب منا ...... فاستعدي ..... )
نظرت تيماء الى حيث ينظر فريد .... فرأت أحد أبناء عمها ...
كان من المتواجدين في الإجتماع العائلي أمس و قد أشار اليه جدها وهو يعرفها به ...
شاب مفتول العضلات وسيم الهيئة ......
الا أنها نست أسمه تماما .....
وصل اليهما ذلك الشاب الطويل الذي يبدو شديد الشبه بأعمامها في جاذبيتهم السمراء الوقورة ....
قبل أن يقول ببرود و عيناه على تيماء
( صباح الخير ..... أرى أنك لم تضيع وقتك يا فريد و ها أنت ذا تبدأ الحفل مبكرا ...... )
نقلت تيماء عينيها بينهما قبل أن تقول بتردد و هي تعدل من وشاحهها حول وجهها بينما نسيم الصباح يداعب بشرتها برقة ....
( أي حفل ؟!! ............. )
قال فريد بتسلية و عيناه على هذا الشاب ....
( لا عليكِ يا تيماء .... ابن عمتك مشيرة يحب المزاح قليلا , على الرغم من أننا نصحناه كثيرا أن يتوقف عنه لأنه لا يجيده و يشعرنا بثقل الجو من حوله حتى نكاد أن نختنق .... )
أمسكت تيماء نفسها عن ضحكة تريد أن تفلت عنها و هي ترى ملامح الشاب تزداد احمرارا و قتامة ....
لكنه استدار اليها ليقول مبتسما بتملق
( تيماء ...... صباح الخير , لم يتسنى لنا الوقت بعد كي نتعرف .... لقد عرفك جدي على أسمائنا لكن هذا لا يكفي ...... )
رمشت تيماء بعينيها و هي تضيقهما محاولة عبثا تذكر الاسم كي لا تقع في هذا الحرج ...
كانت تعتصر ذاكرتها عصرا .....
و بدا و كأنها تعاني محاولة التذكر .... بينما الشاب ينتظرها رافعا حاجبيه على أمل أن تنصفه متذكرة اسمه ....
الا أن فريد قال ببساطة
( ترفق بها يا رجل ..... من الواضح أنها لا تتذكرك أصلا ...... )
شعرت تيماء أن هذا الشاب على وشك ضرب فريد في أي لحظة ..... فتنحنحت و أسرعت بالقول
( بالطبع أتذكرك ..... لكن اعذرني الأسماء تختلط أمامي .... )
ابتسم الشاب الطويل و قال بزهو
( أنا عرابي ...... عرابي مأمون الرافعي ..... )
نظرت تيماء الى فريد تطلب المساعدة بعينيها و هي تهمس
( مأمون !! ... هل هو عم آخر ؟!! ........ )
ضحك فريد وهو يقول بعفوية
( بل هو ابن عم والدك ... متزوج عمتك مشيرة , لذا فعرابي العزيز هذا سيكون الخيار الثاني لكِ .... )
اندفع عرابي ليقول
( قسما بالله إن لم تصمت فسوف .......... )
كادت تيماء أن تسحق بينهما خاصة و فريد يميل قائلا باستفزاز
( أرني ما لديك ..... هيا ....... )
باعدت تيماء بينهما بكفيها و هي تهتف بغضب
( ابتعدا .... أنا بينكما ........... )
كانت تقريبا لا تكاد أن تصل الى كتف كل منهما ..... فنظرا كلاهما الى اسفل حيث هي متواجدة ....
فقال عرابي بغضب مكتوم ....
( لا بأس ..... اعذريني يا تيماء ...... لكن هذا الشخص شديد الإستفزاز و يخرجني عن أعصابي ... )
زفر بقوة ... قبل أن يرغم نفسه على الإبتسام قائلا بتهذيب
( ما رأيك أن أصحبك في جولة لأريكِ الدار و الحديقة ؟؟ ....... )
ارتفع حاجبي فريد بسخرية و تسلية واضحتين وهو يقول بهدوء
( كم هي نزهة ممتعة يا تيماء !!...... سترين أربعة أروقة و مطبخ و خمس حمامات كل منهما أشد جمالا من الآخر .... و أما عن السطح فهو المفاجأة الكبرى ... )
رمقه عرابي بنظرة قاتلة قبل أن يقول من بين أسنانه
( لما لا تذهب و تجد ما يشغلك قليلا ..... ها !! ....... )
قال فريد ببساطة مندهشا
( و أترك تيماء وحدها بين الذئاب ؟!! ..... شهامتي كرافعي اصيل تأبى ذلك ..... )
قال عرابي بعنف
( ماذا تقصد بالضبط ؟!!! ....... )
تطوعت تيماء و هي تأمر فريد بعينيها أن يتوقف
( إنها فكرة جيدة جدا يا سباعي ........... لا بأس ... )
افلتت من بين شفتي فريد ضحكة لم يستطع امساكها.... بينما قال عرابي بحرج
( عرابي يا تيماء ......... )
شعرت بنفسها في منتهى الغباء ... من الواضح أنها لم تسمع نصف كلامه ....
لذا قالت بلطف
( آه أقصد عرابي ..... اسم جميل .... )
نظر اليها عرابي ليقول بلطف وهو يمد يده مشيرا ليقودها تجاه السلم المؤدي للحديقة
( مثل اسمك ........... )
قال فريد من خلفهما
( عرابي و تيماء ....... نعم هناك تقارب عاطفي لطيف .... )
استدارت تيماء اليه و همست بشفتيها دون صوت
" الحق بنا .... لا تتركني ..... "
أومأ فريد بعينيه متزنا وهو يقول ببساطة
( لا تقلقي ..... لن أتركك ..... )
رفعت تيماء يدها لتضرب جبهتها بيأس و هي تهمس
" ياللغباء !!......... "
قال عرابي بنبرة متحفزة
( أتريدين التخلص منه يا تيماء ؟!! ...... )
ابتسمت تيماء بذوق و هي تقول بلهجةٍ راقية
( لا .... لا داعي .... أنا سعيدة بالتعرف اليكم جميعا ..... الحقيقة مجموعة من الشباب كالورد ... )
ضحك فريد وهو يسير خلفهما قائلا
( إنها تتكلم كأمك مشيرة تماما يا عربي ....... ستنسجمان سويا .... )
زفر عرابي وهو يقول
( صدقيني لسنا جميعا مثل هذا الكائن خلفنا ....... )
فابتسمت تيماء رغما عنها و قالت
( جميعكم لطفاء حقا ....... )
شجعته ابتسامتها على التبسم بزهو وهو يقول بصوتٍ خافت متأملا عينيها
( تيماء .... هل هذا لون عينيك الحقيقي أم تضعين عدساتٍ لاصقة ؟!! ..... )
صدرت ضحكة مستائة من فريد وهو يقول ممتعضا
( كم هو قول مستهلك مبتذل !! ........... )
تداركت تيماء الموقف و همست بسرعة
( نعم هو لون عيني الحقيقي ..... أنا لا أغامر بوضع شيء في عيني أبدا ..... )
قال عرابي وهو يتوقف قليلا ... ناظرا الى عينيها
( معكِ حق , من تمتلك مثل هاتين العينين لا تجازف بهما ابدا ...... )
قال فريد بخفوت من خلفهما وهم ينزلون درجات السلم الى الحديقة
( تيراااا رااااا ررراااااااااا ...... )
توقف عرابي مكانه بوجهٍ أسود اللون .... قبل أن يستدير الى فريد ليقول بصوتٍ أجش مهدد
( اسمع لما لا نخرج أنا و أنت و نتفاهم رجلا لرجل بعيدا عنها ......... )
رد فريد ببساطة
( ستكون هذه بداية صباح مشرق بالأمل ..... هيا بنا ... )
نظرت اليهما تيماء و قالت بقوة و صوت مرتفع و كأنها تنهر طفلين مدللين
( اسمعا أنتما الإثنين .... أنا لا أعرف ما بكما , لكن هلا تفضلتما بمراعاة ابتعادي عن بيتي و أمي و عملي .... و ... و كل ما أعانيه حاليا .... و توقفتما عن تصرفات الأطفال تلك !! ..... )
ظل كل من فريد و عرابي ينظران الى بعضهما بحنقٍ متبادل ....
قبل أن يقول عرابي متنازلا
( آعتذر تيماء ..... معكِ حق , لقد أفزعناكِ , لكن هذا هو الحال مع فريد .... يهوى استفزاز الجميع هنا دون ذوقٍ أو نضج ... )
تنهدت تيماء و هي تقول بهدوء
( لا بأس عرابي ...... ..... أنا هنا مجرد ضيفة , ليس أكثر .... يمكنكم العودة الى مشاغبتكما بعد رحيلي .... هذا حقا .... يوحي بجو عائلي حميم ... )
عقد عرابي حاجبيه و قال محتارا
( ترحلين الى أين يا تيماء ؟!! ..... ألم تسمعي كلام جدك ليلة أمس ؟ , ستستقرين هنا أو تسافرين مع ..... )
صمت قليلا ثم ابتسم وهو ينظر الى عينيها بمشاغبة
( مع زوجك الذي ستختارين ......... )
ضحك فريد وهو ينظر الى السماء ... بينما انتاب تيماء الرفض الغريزي لكنها في نفس الوقت الزمت نفسها بالحذر في الكلام
فهي لا تريد ان تعلم احد بموعد سفرها القريب .... فقط لتدعو الله ان تساعدها مسك لمرة واحدة في حياتها ...
لذا ابتسمت لعرابي ابتسامة دبلوماسية و هي تتجنب الرد .... بينما قال فريد منشرحا
( آه ...... ها هو الذئب الثاني , لم يتأخر كما توقعت .... فهو شديد الدقة في مواعيده .... )
رفعت تيماء عينيها لتنظر الى ابن عمها المقصود .....
كان أكبر سنا على ما يبدو من عرابي .... لكن ليس بالعديد من السنوات ...,
أكثر وقارا و أقل مشاغبة ..... لكنه أكثر جاذبية رجولية .....
وجهه من النوع المحبب للنظرة الأنثوية ... بتهذيبه و اتزانه .....
كان ينظر الى ثلاثتهم عن بعد .... ملوحا قبل أن يقترب منهم و عيناه هو الآخر على تيماء ....
و بالفعل ما أن وصل حتى قال بهدوء
( صباح الخير يا تيماء ..... أرجو أن تكوني قد نمتِ جيدا بعد ليلة أمس المفزعة لكِ .... )
ابتسم فريد وهو يقول بهدوء
( ألم أقل لكِ أنه دقيق جدا ... و يدخل الى صلب الموضوع مباشرة ...انه امين ابن عمك راشد يا تيماء )
قال أمين بابتسامة لبقة
( و هذه خصلة أفخر بها ...... تشرفت بلقائك تيماء , بعد سنواتٍ من معرفة أن عمي له أبنة بعيدة ... )
نظرت اليه تيماء بصمت ... وودت لو تتسائل
" لماذا اذن لم يسعى أحد الى مقابلتي ؟!! ...... ام أنه لم تكن هناك حاجة لي و لأمي من قبل ؟! .. "
امتنعت عن القاء السؤال الفظ .... و هي تحاول البقاء حيادية و منصفة ...
فإن كان والدها قد تباعد عنها .... فلماذا تلوم أبناء أبناء أعمامها في عدم سعيهم لمعرفتها ....
ابتسمت تيماء و هي تقول متأملة هذا الوافد الجديد بجاذبيته الراقية
( أنا أيضا تشرفت بمعرفتك يا أمين ...... لطالما أحببت هذا الاسم .... )
ابتسم لها أمين .... بينما كان عرابي من خلفها يغلي غضبا و فريد يرمقه بسخرية ....
نظرت تيماء اليهم جميعا بحيرة .... الثلاث رجال طويلي القامة ... و هي كالقزمة بينهم ...
فارتفع حاجبيها و هي تقول مستفسرة
( اذن ..... هل سنسير معا كلنا ؟!!! ..... الا يريد أحدكم التهرب ؟!! .... )
سارع عرابي للقول بلهجة ثقة ... موجها رسالته للجميع
( أنا لن يشغلني شيء عنكِ اليوم باكمله ....... )
فقال فريد بمودة
( كم هذا لطيف !! ..... اذن سنكون ثلاثة .... لأنني لن أتركها فهي تحت حمايتي .... )
ضحكت تيماء رغما عنها ... فشاركها أمين الضحك و مال اليها ليهمس بخفوت
( أتودين الهرب من هاذين المستفزين ؟!! ....... )
نظرت تيماء اليهما مبتسمة و احمرت وجنتاها بحرج قبل أن تهمس
( فريد يريد حمايتي من ذئاب العائلة .... لذا ليس من العدل أن أتنكر له .... )
ارتفع حاجبي أمين وهو يرمقها باعجاب قائلا
( أنت صريحة جدا !! ............ )
نظرت اليه بثقة و هي تقول ببساطة
( ليس هناك ما أخاف منه كي لا أكون صريحة ....... اعتدت هذا منذ صغري .... )
قال أمين بخفوت وهو يتأملها
( اذن فأنت محظوظة ........... ابقي هكذا دائما , فأنت مميزة ..... )
للحظات شرد خيالها بعيدا .... و قلبها يصرخ بسؤالٍ مفاجىء
" و هل أنتِ صادقة مع نفسك ؟!! ........ "
قال امين بلهجة لطيفة
( فيما شردتِ فجأة ؟!! ........... )
نظرت اليه و هي تهز رأسها مبتسمة رغم امتقاع وجهها ... ثم قالت بنعومة
( لا شيء .... أنا هنا ........ )
ارتفع صوت امين ليقول بمرح
( حسنا يا ذئاب الرافعية ....... سيرنا جميعا لن يكون مسليا , طالما ان كل منكم لا يريد التنازل .... لما لا نركب الخيل و نمنح تيماء الفرصة كي ترى مواهبكم المميزة .... )
قال عرابي بفخرٍ واضح
( أنا صاحب بطولات في ركوب الخيول .... و ليس مثل هؤالاء الهواة .... )
ضحكت تيماء بخفوت و قالت
( مثل مسك اختي ..... فهي ايضا بطلة ركوب خيل ..... )
قال عرابي بتبجح
( لكن الرجال مختلفين عن النساء ...... تعالي و شاهدي بنفسك الفارق الجبار ... )
و بالفعل خلال نصف ساعة كانت تيماء تنظر الى عرابي وهو يجري بفرسه بقوة الريح ... في دائرة الساحة
نفس الساحة التي روض قاصي الفرس فيها أمس ....
و كان هذا كفيلا لأن يجعلها تسافر بذهنها بعيدا ...
مستندة بمرفقيها الى الحاجز الخشبي .... تنظر بعينيها الى فريد و عرابي على ظهر الفرستين ....
لكن روحها في مكانٍ آخر تماما ....
خلال ساعات من الآن ستسافر هي و مسك .....
مسك ستعود الى هنا قريبا .... بينما هي ستبتعد للأبد .......
و تبقى مسك لقاصي .....
سيكون وحيدا .... سيكون مهزوما لأنها رفضته , و لن يكون أمامه سوى مسك بجمالها و عنفوانها ....
تطيب جروحه بقوة و نعومة ....
ستكون خطيبته بحكم سليمان الرافعي .....
فكيف لرجلٍ مثله أن يرفض تلك المنحة ؟!! .......
رفعت تيماء يدها الى صدرها الخافق و هي تتخيل مسك تمسك بكف قاصي ... تضغطها الى صدرها و تبتسم له .... و تخبره أنها ستكون له للأبد !! .....
ترى كم ستبقى هي في ذاكرته بعد ذلك ؟!! ...
يوم .... اثنين ..... شهر .... سنة ......
سنة كاملة بعد زواجه من مسك .... من المؤكد أنه سينسى اسم تيماء للأبد .....
و لن يرى أمامه سوى أطفاله من مسك الجميلة .... الشبيهة بذلك الفرس الأسود المخملي الناعم .....
رفعت تيماء ذقنها بنفور أثار العشعريرة بأطرافها و هي تهمس للبعيد
" تبا لك يا قاصي لو وافقت على هذا الذل مجددا ....... "
كان يوما ما يحمل حقائب مسك خلفها ..... لم يكن سوى خادما لأبيها !! ......
و الآن سيتناسى كل ذلك ؟!! ..... بهذه البساطة ؟!! ....
أظلمت عيناها و هي تتذكر أول شجارا قوي و جدي بينهما .........
" أنا أرفض أن يكون الرجل الذي سلمته قلبي .... مجرد خادما ....حامل حقائب !! "



انتهى الفصل الخامس و يتبع بالسادس مباشرة


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 05-03-16, 10:25 PM   #2778

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

الفصل السادس :



كانا معا .... بعد أن اصطحبها من كليتها كالعادة ...
و بينما هي تجلس على دراجته البخارية ... تنظر الى المنظر الساحر أمامهما ....
وهو يستند الى الجهة الأخرى .... شاردا .... صارم الوجه كعادته , لكنه مرتاح الملامح ...
و كأنها هي راحته الوحيدة التي يلجأ اليها دائما ....
قالت مستديرة اليه ... تتأمل ظهره العريض
( قاصي ..... سفرك الى هنا كل يوم لن يكون مجديا أبدا ..... يوما بعد يوم تزداد ساعات محاضراتي .... أي أنك لن تستطيع المجيء و رؤيتي ثم السفر عودة مجددا ...... )
لم يرد .... حتى أنها شكت في أن يكون قد سمعها من الأساس ....
فقفزت من على الدراجة و دارت حولها كي تواجهه ....
وقفت أمامه .... منتظرة أن يرد أو على الأقل أن ينظر اليها ....
لكنه كان مطرقا بوجهه .... ملامحه جامدة , ساخرة .... يعمل على تصليح كاشف ضوئي غريب ....
فعقدت تيماء حاجبيها و هي تقول بجمود
( قاصي ..... هل سمعتني ؟!! ...... )
لم يرد للحظة ... ثم قال أخيرا ببساطة دون أن يرفع وجهه اليها ...
( سمعتك ........... )
هكذا ... فقط ؟!!! .....
كتفت تيماء ذراعيها و قالت بقوة
( اذن لماذا لا ترد ؟!! ......... )
ساد الصمت مجددا و لم يتنازل للرد عليها .... كان هادئا و ملامحه ساخرة متباعدة ...
و قد ساهم قميصه الأسود المفتوح حتى صدره و بنطاله الجينز الضيق الذي يماثله لونا
في منحه المزيد من مظهر اللامبالاة .....
أما شعره فقد كان يتطاير قليلا ... يكاد أن يلامس كتفيه ....
فكه القوى الساخر كان متشنجا قليلا ... و يمكنها أن تقسم على ذلك ...
فهتفت بقوة و غضب
( قاصي .......... أنا أكره تلك القوقعة التي تطردني منها , لما لا ترد على كلامي ؟!! .... )
رفع وجهه اليها أخيرا دون عجلة .... لينظر اليها نظرة آلمتها من برودتها , ثم قال ببرودٍ مماثل
( ماذا كان السؤال كي أجيب عنه ؟!! ......... )
كانت تغلي غضبا من تلك الطريقة ..... يستفزها قناعه الصامت حين يغضبه شيئا ...
فقالت بصلابة و هي ترفض الاستسلام
( سمعتني يا قاصي .... فلا تتظاهر بالعكس ..... )
رفع عينيه الى عينيها .. و لأول مرة تشعر فيهما بجليدٍ لكن متوهج وهو يقول ببرود
( سمعتك ..... أخبريني فقط بالأيام التي ستخرجين بها مبكرا من الكلية و سآتي اليكِ ... )
أظلمت عيناها و هي تقول بصوتٍ قاتم
( سيكون يوما واحدا فقط ........ بخلاف يوم العطلة و الذي ترفض أن تأتي به .... )
وهو مستندا الى الدراجة بهذا الشكل ... يبدو في مثل طولها .....
فتلاقت أعينهما في حوارٍ عاصف ناري ...
قبل أن يقول أخيرا بصوتٍ غير مقروء
( لا بأس اذن .............. )
انعقد حاجبيها أكثر ... و أجفلت قليلا , ثم قالت بخفوت
( بهذه البساطة ؟!! ........ )
هز كتفيه و قال بجمود
( و ماذا تتوقعين مني ؟!! ...... أضرب الأرض بقدمي و أتوسلك كي تجدين لي موعدا في جدولك المشغول ؟!! .... مرة واحدة تكفيني .... )
ارتفع حاجبيها و شحب وجهها بصدمة لتقول
( مرة واحدة تكفيك !! ............. )
التقت أعينهما مجددا قبل أن يعود و يطرق بوجهه ... مبعدا عينيه عن عينيها .... فهتفت تيماء بقسوة غير قادرة على التحكم في مشاعرها
( مرة واحدة تكفيك ؟!! ...... انظر الي و قلها مجددا , كي أحذف تلك المرة من جدولي .... فهي وقتٍ ضائع على كل حال .... )
لم يرد عليها .... لكنها أدركت بأنها قد اصابته بقوة من توتر ملامح وجهه و تحولها الى الغضب المكبوت ...
لكنها لم تهتم فهتفت مجددا
( حسنا لا حاجة بك لإعادتها ...... أنا متنازلة عن تلك المرة .... )
لكن و قبل حتى أن تتراجع خطوة كان قد استقام من مكانه أصبح و كأنه ضعف طولها ... فرفعت وجهها اليه بقلق ... لتجد ملامحه و قد اكفهرت و بدت مخيفة وهو يقبض على كتفيها ليهزها بقوة هادرا بصوتٍ أفزعها
( ماذا تريدين مني ؟!!! ........ )
اتسعت عينا تيماء برعب ... و شحب وجهها تماما و هي ترى هذا البركان الذي انفجر أمامها فجأة ...
فهمست بصوتٍ متزعزع
( اهدأ يا قاصي ...... ماذا بك ؟!! ..... )

لكنه هزها مرة أخرى وهو يهدر مجددا
( انظري الى سرعة تغير كلامك عن حوارنا السابق ..... كنت تغضبين لو مر يوم و لم استطع رؤيتك به , بينما الآن تمنحينني يوم واحد من وقتك الثمين ..... إن كنت تظنين أنني قد أتوسل رؤيتك فستكونين واهمة ...لكن التخلص مني لم يعد قرارك بعد الآن و قد سبق و انذرتك .... افهمت ؟ّ!!! ...... )
شحب وجهها أكثر و أكثر .... بينما صار قلبها يضرب كالطبول العنيفة ....
لكنها و على الرغم من رعبها من غضبه المفاجىء ... الا أنها صرخت بقوة
( هل هذا ما فهمته من حديثي ؟!! ......... أنا أريدك هنا معي ..... لم اعد أطيق أن تفصل بيننا كل تلك الأميال ...... أريد أن أراك كل يوم .... حتى لو كان هذا لبضع دقائق صباحا و أنت معي هنا في نفس المدينة ..... )
كان يتنفس بعنف ... و أنفاسه اللاهبة تلفح وجهها بقوةٍ تكاد أن تحرق وجهها ...
بينما عيناه ..... حمم بركانية !!!
و هي كانت تتنفس بعنف مثله تماما .....
و كأن كلامها قد وضع حدا للكلام الزائد بينهما .... فصمت يحاول التحكم في بركان غضبه المفاجىء ....
رأت حلقه يتشنج .... و قبضتاه لا تتزحزحان عن كتفيها ....
فقالت بصوتٍ جامد قاسي
( أفهمت ؟!!! ............. )
زفرة خشنة صدرت عنه قبل أن يرفع كفيه عنها ليقول بجفاء
( يمكنك تعديل كلامك ..... لكن اجابتي واحدة ...لن أتوسلك و لن أحررك في نفس الوقت ..... انتهى .. )
ابتسمت رغما عنها .... على الرغم من الغضب العنيف بداخلها ... فقالت من بين اسنانها و رجفة تهز قلبها
( مغرور ...... خفف عنا غرورك قليلا سيدي ..... )
رفع عينيه الناريتين اليها و قال ببرود
( هذا أنا ..... و عليكِ التعامل مع الأمر ....... )
ابتسمت أكثر رغم عنها و هي ترمقه باعجاب ....
انه الشخص الأول .... بل الوحيد الذي تمنحه مثل هذا الدلال المفسد ......
فتحت فمها تنوي أن تراضيه ... الا أن رنين هاتفه قاطعها , لتراه ينظر الى الهاتف عاقدا حاجبيه ...
قبل أن يرد قائلا بهدوء
( نعم يا مسك .......... )
يومها شعرت بالتوتر تلقائيا من مجرد سماع اسم " مسك " .....
مؤخرا أصبح اسم اختها يوترها .... و يضايقها .... خاصة حين يكون على لسان " قاصي "
نظرت اليه وهي ترى انعقاد حاجبيه بينما هو يستمع الى أختها على الجانب الآخر من الهاتف ....
ثم قال بجدية و اهتمام
( أين أنتِ الآن اذن ؟!! ............ )
ظل يستمع قليلا ..... قبل أن يقول بلهجةٍ آمرة
( حسنا ابقي لدى صديقتك و لا تتحركي ...... و خلال ساعات سأكون قد جلبت لكِ سيارتك و أعدتك بنفسي ..... لا تحاولي السفر بمفردك ..... حسنا الى اللقاء )
أغلق هاتفه وهو يستقيم مجددا .... بينما تيماء تراقبه بملامح غير مقروءة ... قبل أن تقول بجمود
( هل فهمت تماما ما قد حدث أمامي الآن ؟!!! .... هل تنوي السفر عائدا الى مسك حالا ؟!!! ...... )
رفع قاصي عينيه اليها قبل أن يقول بهدوء
( انها واقعة في مشكلة ...... تم سحب سيارتها و هذه كانت الفرصة الأخيرة لها أمام والدك في القيادة .... لذا علي أن أذهب و اخرجها لها من الحجز .... )
ارتفع حاجبي تيماء و قالت باهتمام زائف ساخر مبالغ فيه
( يالها من مأساة !!!! ......... بالفعل عليك تركي هنا و الإسراع لانقاذها ..... كي لا يحرمها " بابي " من السيارة ...... )
عقد قاصي حاجبيه بشدة وهو يقول
( ما هي مشكلتك بالضبط ؟!! .......... )
برقت عينا تيماء بغضب جنوني في تلك اللحظة قبل ان تنفجر صارخة
( مشكلتي هي انك عديم الذوق و التمييز ... كيف تتركني كي تذهب اليها ؟!! .... لمجرد ان سمو الاميرة قد فقدت سيارتها الذهبية ؟!! ...... ستسافر خصيصا اليها ؟!!! ..... و تسألني ما هي مشكلتي ؟!!!.... )
نظر قاصي الى ساعة معصمه قبل ان يقول حانقا
( كنت سأتركك خلال نصف ساعة على كل حال .... هذا موعد رحيلي المعتاد ..... )
ضربت تيماء الأرض بقدمها و هي تصرخ
( و أنا لست متنازلة عن النصف ساعة خاصتي ....... )
ارتفع حاجبي قاصي وهو يقول بحيرة و استياء
( الا ترين أنكِ تبالغين قليلا ؟!!! ........... ما الأمر ؟!! .... )
كانت تتنفس بسرعةٍ وهتهور ... و تعرف بأنها في تلك الحالات من التهور تنتهي دائما بقول شيء مجنون
لذا حاولت ارغام نفسها على الصمت .... لكن قاصي اختار تلك اللحظة ليقترب منها اكثر و همس بصوتٍ خافت ... مختلف عن نبرته الفظة المعتادة
( ما الأمر تيمائي الصغيرة ؟!! .... لماذا تبدين خائفة دائما ؟!! ..... هل تغارين من مسك ؟!! .... )
اوهنها صوته الخافت و جعلها ترغب في رمي نفسها على صدره .....
لكن السؤال الأخير قد صدمها ....
هل هي حقا تغار من مسك ؟!! .....
باتت مؤخرا لا تكاد أن تطيق سماع اسمها من بين شفتي قاصي .......
لكنها لم تدرك أبدا أنها الغيرة !! ......
نعم ... تدرك الآن بأنها تغار من مسك .... لكن هناك شعورا اكبر من ذلك ... شعور بالرفض و النفور من خدمة قاصي لوالدها و اختها ...
قاصي اصبح رجلها ... و هي لا تقبل ذلك ابدا .....
نظرت بعيدا و هي تحاول جاهدة ارغام نفسها على الصمت ....
الا ان قاصي قال برقة وهو يداعبها
( تيمائي المهلكة ..... لا أريد السفر ووجهك العابس هو آخر ما رأيت .... أخبريني ما الأمر ؟!! ..... )
حينها فقدت القدرة على كبت لسانها المتهور اكثر .... فأفضت ما بجعبتها مرة واحدة و بقوة كي الجرح
و هتفت بصراحة
(أنا أرفض أن يكون الرجل الذي سلمته قلبي .... مجرد خادما ....حامل حقائب !! )
للحظات عم صمت غريب بعد أن ألقت بقنبلتها الجهنمية ....
و لم يظهر على ملامح قاصي أي تعبير .... أو حياة ....
حتى عينيه بدت و كأنها قد تجمدتا فجأة و انطفأ جمرهما ........
فزفرت تيماء بارتجاف و هي تهمس يأسا
( قاصي ............... )
الا أنه قال فجأة بصوتٍ غريب
( اركبي الدراجة .............. )
تنهدت و هي تغمض عينيها قبل أن تقول برجاء خافت
( قاصي أرجوك اسمعني ......... )
الا أن قاصي هدر بقوة أجفلتها
( اركبي الى الدراجة الآن يا تيماء ......... )
صرخت تيماء و هي ترتجف
( لن أركب و لن ترهبني ...... قاصي أنا لست نادمة على ما قلت ..... أنت رجلي أنا ... و أنا أرفض تلك المهام التي يكلفك بها سالم الرافعي .... ارجوك افهمني ..... )
نظر اليها قاصي بعينين قاسيتين و يده تنقبض الى جانبه في قبضة توشك على تحطيم اقرب شيء له ...
ثم قال بهسيس مخيف
( بل انتِ التي لا تفهمين شيئا .......... )
مدت ذراعيها بيأس و هي تهتف
( ما الذي سأفهمه ؟!! ....... انظر الينا ..... تتسلل مئات الأميال كي تراني خلسة , بينما باشارة واحدة من الأميرة مسك تعود اليها علنا كي تحمل لها الحقيبة ..... هل هذا منطقي ؟!! .... هل هذا عدل لي ؟!! ... )
كان قاصي يتنفس بتشنج .. جسده الضخم يرتجف حرفيا .... يرتجف من محاولة السيطرة على نوبات عنفه ....
لكنها قالت متوسلة غير آبهة ...
( نعم أنا أغار يا قاصي ...... أغار عليك .... ولا أريدك بالقرب من سالم و مسك مجددا ..... لقد تركت لهما كل شيء و ابتعدت تماما كما طلب أبي .... لكنني أرفض أن أتركك لهما و لن يحدث ذلك أبدا .... )
ظل قاصي ينظر اليها بعينين غامضتين ... و صدره يتسارع متوترا , و أوتار عنقه مشتدة بعنف ...
قبل أن يقول بصوت صخري ... مسنن و مؤلم لآذنها
( ما أفعله لمسك .... لا يعادل ربع ما أفعله لكِ إن كان هذا ما تخشين ؟!! ....... كل اوراقك و مصالحك ... كل أغراضك أجلبها لكِ .... حتى أجهزتك الطبية اشتريتها لكِ حين أخبرتني أنها ليست متوفرة بمدينتك ..... طلباتك قبل ان تنطقي بها تكون مجابة و هذا يحدث منذ سنوات ..... )
ارتجفت شفتيها و هي تنظر اليه ..... كلامه ينحر قلبها بعنف , فهمست
( أنا وضعي مختلف ....... أنا أخصك ....... )
ابتسم .... على الرغم من قساوة عينيه و الألم الظاهر بهما .... الا أنه ابتسم و قال بقسوة
( أنتِ طفلة ......... )
هتفت بيأس
( بل أنا امرأة عاشقة ...... و عليك أن تراعي ذلك ..... )
أبعد وجهه عنها و هو يزيد من انقباضة كفه حتى ابيضت مفاصل أصابعه و أنفاسه تتحشرج أكثر ....
فهتفت تيماء بقوة من خلفه
( أريدك معي .... و أريدك خارج نطاق دائرة تلك الأسرة ..... هذا حقي .... )
قال قاصي بصوتٍ جامد أثار الرجفة في اطرافها
( أنا لست حقا مكتسبا لأحد يا تيماء .... و كلما أسرعتِ في تقبل ذلك .... اصبحت حياتك أهدأ ..... )
شعرت بالخواء فجأة و هي تنظر الى ظهره القوي العريض ....
و تساقطت كفاها بيأسٍ الى جانبيها .... لتشعر فجأة بأنها تعبت و استسلمت ....
لقد ربح سالم الرافعي ... و ربحت مسك سالم الرافعي ....
فعلاقتهما بقاصي اقوى و اطول .... أما هي !!!! .... ماذا تكون هي بالنسبةِ له ؟!!! .....
استدارت تيماء عنه و همست بخفوت و كأنها تكلم نفسها شاردة
( لكنني جعلت من نفسي حقا مكتسبا لك ......... )
ساد صمت مؤلم بينهما قبل أن يقول قاصي بصوتٍ جامد
( سبق و اخبرتك أنني لست عادلا ........ )
أطرقت تيماء بوجهها ... و هي تشعر بألم مبرح .... قبل أن تهمس بانهزام
( أريد الذهاب ....... ارجوك أعدني ..... )
قال قاصي بصوتٍ جاف .... ساخر لكن أجوف
( لقد انتهت النصف ساعة على كل حال و حان موعد رحيلي المعتاد ..... أرجو أن تكوني راضية الآن )
دون التنازل كلمة أخرى تحركت تيماء و قفزت على الدراجة .... لتضع الخوذة بنفسها , بينما قاصي ينظر اليها بصمت طويل و يداه في جيبي بنطاله ....
و من خلال الجزء الشفاف من خوذتها تلاقت اعنيهما في حوار صامت طويل ....
و كأن تلك الأعين تعارضهما و ترفض الخصام .....
أخيرا تحرك قاصي و جلس أمامها لينطلق بدراجته ....
لكن الغريب و هي تضع كفيها على صدره ... ارتفعت احدى كفيه لتغطيهما .....
و كأنه يخبرها أنه لن يسمح لها بالذهاب مهما كان الخصام .... جارحا .... مؤلما .....
تلك الليلة ... و هي مستلقية على سريرها تتأمل السقف و الدموع تغرق عينيها بسبب خصامهما و عدم تنازله ...
اتصل بها ....
فسارعت للرد عليه بلهفة و دون تردد ..... لتسمع صوته يقول أجشا متحشرجا
( هل تبكين ؟!! ............ )
ابتلعت تلك الغصة في حلقها و قالت بهدوء هامس
( هل أوصلت مسك ؟!! ...... آمل أن تكون قد حللت لها مشكلتها العويصة ..... )
رد قاصي عليها بنفس الصوت الخشن الخافت .. الآمر
( هل تبكين ؟؟ ........... )
أخذت نفسا طويلا مرتجفا ... قبل أن تقول ببساطة
( نعم ..... بكيت و انتهيت .... هل أنت راضٍ الآن ؟!! ..... )
ساد صمت طويل ... حتى انها ظنت بأنه قد أغلق الخط راضيا بغرور .... الا أنه قال أخيرا بصوتٍ أكثر خفوتا ....
( غدا ...... سأتي اليكِ ....... )
ارتفع حاجبيها و نبض قلبها بجنون ..... قبل أن تتمسك أصابعها بالهاتف أكثر و هي تقول بهدوء زائف
( لماذا ؟!! ...... هل نسيت شيئا ؟!! ........ )
قال قاصي بصوتٍ غريب
( نعم نسيت ......... )
قالت تيماء بارتجاف
( ماذا نسيت ؟!! ............ )
قال قاصي بخفوت
( نسيت أن أخبرك بأنكِ الوحيدة ......... )
فغرت تيماء شفتيها ... و هي تستمع الى الكلمة البسيطة الخافتة ........ و ساد صمت طويل و كلا منهما يستمع الى أنفاس الآخر ....
قبل أن تهمس بصوتٍ مختنق
( نعم ..... هذا سبب منطقي جدا ..... لقد أصبحت مهملا جدا و كثير النسيان هذه الأيام .... )
.................................................. .................................................. ....................
( هل أنتِ مستعدة للهرب من ولدي أعمامك ؟!! ...... )
انتزعها أمين من ذكرياتها البعيدة بصوته الهادىء ... فرفعت وجهها اليه و استقامت من استنادها على السور الخشبي .... بعينيها الفيروزيتين الجاذبتين للنظر و قد زاد الحجاب من التركيز على جمالهما دون أن تدرك ذلك ....
فتنحنحت و هي تنظر الى فريد الذي كان يسير متمهلا و كأنه يمتطي حمارا لا حصان عربي أصيل ... بينما بدا عرابي في ازهى جولاته .... وهو يدور متفاخرا بفرسه ....
ثم قالت بخفوت مبتسمة و هي تشير اليهما بذقنها
( الن يغضبا ؟!!! .......... )
ضحك أمين و هو ينظر الى عرابي و فريد قائلا
( سيغضبان بالتأكيد .... وهما يظنان أنني أحاول استمالتك بعيدا عنهما كي اسبق في نيل الفرصة ..... )
ضحكت تيماء هي الأخرى و هي تشعر بحاجةٍ ماسة للضحك على أي شيء ... ثم قالت بهدوء متحدية ...
( و هل تحاول ذلك ؟!! ....... )
قال أمين بمنتهى الصراحة مبتسما
( نعم .............. )
ارتفع حاجبي تيماء بدهشة و هي تقول
( أنت حقا ذئب صريح جدا .......... )
ضحك أمين وهو يقودها لتبتعد عن الحاجز الخشبي كي يبدآ جولتهما على الأقدام في ساعات الصباح المشرقة قبل أن تحتد أشعة الشمس
( لكني ذئب ذو غرض شريف والله ....... )
لم تشعر تيماء بالخوف منه أو حتى الحرج ..... بل سارت الى جانبه و هي تشعر بالحاجة الى تلك الجولة كي تهدىء من آلامها القاسية .... فقالت بخفوت و هي ترفع وجهها لتنظر الى الطريق الأخضر أمامها ...
( اذن هل أنت من المنتظرين حقا لقراري ؟!! ........ )
ابتسم أمين وهو ينظر جانبا اليها قائلا
( سيكون لي الشرف يا تيماء ...... )
اتسعت عيناها بعدم استيعاب و هي تقول مذهولة
( لقد رأيتني امس لأول مرة ........ كيف يمكن أن تكون جديا ؟!! .... )
قال امين ببساطة
( القبول الأولى له أكبر الأثر يا تيماء .... أنا ارغب في الزواج و أنت ابنة عمي ... محجبة و محترمة و.... اعذريني في القول بحرج دون قصد سيء .... جميلة .... )
احمرت وجنتيها الا أنها نظرت اليه بتعجب و هي تقول
( لكن ما أدراك بي و بحياتي السابقة ؟!! ............ )
رد أمين بهدوء
( يكفي أنكِ تحملين موروثات الرافعية لأثق بكِ ....... )
اتسعت عيناها أكثر .. و همست بخفوت
( أنا لا أستوعب تفكيركم .... على الرغم من أن معظمكم لم ينشأ هنا من الأساس , بل نشأتم في المدن الكبيرة و في الخارج ايضا .... لكنكم مقتنعون جدا بالعودة و الزواج من بنات أعمامكم دون حتى التعرف عليهم اولا .... ...... )
قال أمين ببساطة وهو يشبك كفيه خلف ظهره
( لما أنت متعجبة ؟!! ..... اليس هناك في مدينتك ما يدعي بزواج الصالونات ؟!! ..... ترين به الخاطب للمرة الأولى و عليكِ أن تحددي قرارك خلال أيام ..... على الأقل أنت ابنة عمي ... من نفس دمائي ... )
كانت تيماء تستمع اليه مندهشة ... و ما ان انتهى حتى هزت رأسها و قالت بخفوت
( لا ازال غير مستوعبة تماما ......... لكن بالنسبة لي فأنا .... )
قاطعها امين ليقول بهدوء ناظرا للبعيد
( أنت الآن متفاجئة فقط و لا تزالين تحت تأثير صدمة وضعك في محل الإختيار .... بخلاف ابن عمنا الذي ظهر بالأمس بطريقة درامية .... لذا أتفهم تماما إن كنتِ في حالة تشتت خاصة و أنه لا يزال اليوم الأول لكِ هنا .... )
تعثرت تيماء فجأة بشيءٍ وهمي ما أن أتى على ذكر قاصي بطريقة غير مباشرة ...
مد أمين ذراعه ليسندها بسرعة قبل أن تقع .... ثم قال باهتمام
( هل أنتِ بخير ؟!! ......... )
ارتبكت تيماء و ابتعدت عن مرمى يديه و هي تقول بخفوت
( نعم .... أنا بخير , لقد تعثرت فقط ........ )
ابتسم أمين لها و قال بهدوء
( لا بأس عليكِ ........ أنا سعيد بأنني تواجدت هنا اليوم خصيصا .... )
ارتبكت تيماء أكثر على الرغم من أن الإرتباك لم يكن من طبعها .....
و همست بداخلها برجاء سري
" متى ستنجح مسك في اخراجي من هنا ؟!! ..... متى ؟؟ .... "
الا أنها حاولت الابتسام كي لا تلفت النظر أكثر الى شرودها ... فقالت كي تداري هذا الإرتباك
( اذن دعني أحفظ أسمائكم جيدا ..... )
رفعت ثلاث أصابع و هي تقول بينما تعد عليهم مبتسمة
( أمين ... و عرابي ... و فريد ..... )
ابتسم أمين ابتسامة واسعة وهو يقول مشيرا للبعيد
( و هذا هناك هو الذئب الأكبر ..... زاهر توفيق الرافعي ... )
نظرت تيماء الى حيث أشار ....
من بعيد كان هناك رجلا .... أكبر منهم بقليل .... يرتدي عباءة رجولية و عمامة على رأسه .... يقف مع بعض الرجال العاملين و يصدر اليهم أوامره ....
ارتفع حاجبي تيماء و هي ترمق الرجل الذي ضمن مجال اختيارها أيضا ....
بعيدا كل البعد عن الشكل العصري المعتاد للرجل بالنسبة اليها ....
فأخذت نفسا متبعثرا و هي تهمس
" ياللهي !! ....... "
لكن أمين سمعها .... و ضحك عاليا وهو يقول
( أعرف جيدا بماذا تفكرين حاليا .... الزواج من زاهر يعني الإستقرار هنا للأبد .... فهو ينوي التمسك بمركز كبير الرافعية ليخلف جدي بعد عمرٍ طويل .... )
فغرت تيماء شفتيها و هي تنظر الى أمين لترى إن كان يمزح .... الا أنه كان جديا تماما ....
فقالت بذهول
( بدأت أتخيل نفسي بملابس شبيهة بتلك التي ترتديها أم سعيد أتعثر بها صعودا و نزولا ...... و لا تظهر مني سوى عيناي فقط ... )
ضحك أمين و قال مجاملا
( و هما أكثر من كافيتين ......... )
رمقته بنظرةٍ جانبية .... قبل أن تقول بخفوت
( أنتم فعلا ذئاب ..... إنها المرة الاولى التي نتعارف بها , و حصلت على تعليقين مختلفين ثناءا على عيني ... )
ضحك أمين عاليا بقوةٍ ثم قال بعد بفترة
( أنتِ حقا شجاعة و جريئة ........... )
مطت تيماء شفتيها و قالت
( يجب على الفتاة أن تكون جريئة في مواجهتكم ........... )
ارتفع حاجب أمين بخبث وهو يقول
( اذن اخبريني يا جريئة العينين .... من تجرأ على مدح جمالهما قبلي كي أضربه ؟!! ..... )
ضحكت تيماء ضحكة صامتة و هي تنظر بعيدا و قد بدأت تشعر بالخجل فعلا ....
قال أمين كي يزيل حرجها
( لقد ابتعدنا بما يكفي ..... تعالي لنعود الى الدار .... )
أثناء عودتهما قالت تيماء بخفوت و هي تنظر حولها الى الحدائق الواسعة
( ترى أيكون فريد و عرابي قد غضبا من ابتعادنا ؟!! ..... )
قال أمين مبتسما ببساطة و هدوء
( هذا شيء مؤكد ............ )
نظرت اليه تيماء قائلة
( شيء غير مبشر ...... لا أريد أي مشاحنات اليوم تحديدا ....... )
قبل دخولهما الى باب الدار وجدت تيماء فتاة شابة تنزل درجات السلم بتعثر ... من الواضح أنها تعاني من بعض العرج في ساقها ....
و ما أن وصلت للدرجة قبل الأخيرة ... حتى تعثرت في ثوبها الاسود الطويل ووقعت أرضا عند أقدامهما تماما ....
شهقت تيماء بصوتٍ عالٍ .... بينما سارع أمين لينحني جاذبا الفتاة المتأوهة حتى وقفت على قدميها ....
رفعت وجهها اليه ... فشعر بتعاطف كبير مع عينيها السودادوين الكبيرتين كعيني ظبي صغير .... مملوئتين بالدموع ....
فقال بجدية
( هل أنتِ بخير يا بدور ؟!! ........ )
أخذت بدور تعدل من وضع وشاحهها حول وجهها الشرقي الجذاب مطرقة به مجددا ...
لكن تيماء استطاعت أن تلمح دمعة انحدرت على وجنتها ....
فشعرت تجاهها بإشفاق عنيف ... من الواضح أن الفتاة قد شعرت بحرج بالغ للسقوط بهذا الشكل عند أقدامهما
بسبب عرجها و هذا الثوب الطويل الفضفاض ....
قالت بدور بصوتٍ جاف
( أنا بخير ...... شكرا لك ...... )
اقتربت منها تيماء و انحنت تنفض الأتربة عن ثوب بدور الأسود قائلة
( لما لا تدخلي معي الى الدار لأرى إن كنتِ قد جرحتِ ركبتيك ؟!! ...... )
الا انها لم تتوقع أن تنتفض الفتاة و تبعد يد تيماء عنها و هي تهتف بقوة
( ابتعدي عني ....... )
تراجعت تيماء مصدومة من عدوانية تلك الفتاة ....
بينما وقفت بدور تنظر اليها بصمت .... تتأملها من أعلى رأسها و حتى أقدامها ....
اذن هذه هي ابنة عمها سالم التي كانت مختفية منذ مولدها !! ....
كانت تشعر باحتراق داخلي حين رأت نظرات راجح العابثة لها أمس ساعة وصولهما الى الدار ...
راجح في الواقع ينظر بنفس النظرة الى أية أنثى تمر أمامه .... و قد بدأت تقنع نفسها أن هذا هو طبع الرجل ...
فهو رجل و لديه رغبات الرجال .... لذا تقوم دائما على محاولة ملىء عينيه و اشباع رغباته كي لا يهرب منها أبدا ....
لكن ابنة عمها تلك مختلفة ....
تبدو ذات شخصية فريدة .... تجذب النظر لعينيها الغريبتي التحدي و الجرأة ....
تكلمت تيماء قائلة بهدوء
( كنت أحاول المساعدة فقط ........ )
رفعت بدور ذقنها و قالت بصلف
( لا أحتاج لمساعدة ..... هل ترينني عاجزة او كسيحة ؟!! ..... )
قال أمين بصرامة
( ما مشكلتك يا بدور ؟!! .... تيماء كانت تحاول المساعدة بلطف ليس اكثر .... )
رفعت بدور وجهها اليه و قالت بغضب
( لست أحتاج لأي مساعدة منك أو منها ...... أنا أستطيع الحركة بمفردي ...... )
تأفف أمين بصوتٍ عالٍ بينما قالت تيماء
( لا بأس يا أمين ..... أنا لست غاضبة ..... تشرفت بمعرفتك بدور,..... )
لم تتنازل بدور و ترد عليها .... بل رمقتها مرة أخرى من أعلى الى أسفل بنظرات مدققة ضايقت تيماء بشدة ...
قبل أن تقول بجمود و هي تمط شفتيها
( الشرف لي أنا ......... )
التفتت بدور الى أمين لتقول بجمود
( لقد جئت كي ألقي تحية الصباح على جدي .... لكنه أصدر أوامره أن يجتمع الجميع على مائدة الإفطار حالا .... )
أومأ أمين برأسه قائلا بصرامة
( حسنا سنذهب من فورنا ....... )
قالت بدور و هي ترمق تيماء بنظرةٍ أخرى طويلة أشد تدقيقا
( سأذهب لأستدعي أبي من دارنا ........ )
ابتعدت عنهما و هي تحاول جاهدة السيطرة على عرجها كي لا يلاحظاه .... لكنه كان واضحا و هي تتعثر من شدة توترها ....
و ما أن ابتعدت حتى قال أمين بهدوء
( أرجو الا يكون اسلوب بدور قد ازعجك ....... إنها دائما مستفزة , لكن السبب أن والدها كان شديد التعامل معها منذ صغرها ...ثم بعد عقد قرانها على راجح ابن عمك , ظننا أنها ستكون أكثر تجاوبا لكنه زاد من قوقعتها حول نفسها ...حتى أنها قطعت من صداقتها بأختى الصغرى تماما ... )
راجح !!!
اليس هذا من يكون أخ لقاصي ؟!! .......... ياللهي ما ذلك التعقيد ؟!!
قالت تيماء بخفوت شارد و هي تصعد السلالم معه
( لم تزعجني ...... تبدو كمن تعاني و تحارب في اكثر من اتجاه ....... )
توقف أمين ليقول لها آسفا ....
( يجب أن اذهب الآن لأستعد ..... هل ستكونين آمنة إن تركتك بمفردك الآن ؟!! ..... )
ابتسمت تيماء و أومأت برأسها قائلة بهدوء
( لا تقلق ..... الذئاب جميعا في حالة تأهب الآن .... و لا أرى أي منهم هنا .... )
ابتسم أمين وهو يقول معجبا بها
( احذريهم جميعا ..... اتفقنا ...... )
ضحكت تيماء و قالت
( حاضر ..... و أنت أولهم ..... )
ضحك أمين قائلا
( أنا ذئب طيب ....... شريف الغرض ... )
احمرت و جنتاها مجددا و هي تهز رأسها يائسة من تلك العائلة غريبة الاطوار ... لكنها قالت بهدوء
( أراك لاحقا يا حضرة الذئب شريف الغرض .... )
ابتعدت تيماء لتتجول ببطىء في أنحاء الدار ... بحثا عن تلك القاعة التي سيتناولون بها الإفطار ...
و التي ستراها للمرة الأولى و الأخيرة ....
رأت بابا ضخما من جانبين مفتوحين قليلا ... فتقدمت لتنظر من خلالهما بحذر بحثا عن تلك القاعة ...
الا أنها تسمرت مكانها حين رأت والدها يجلس على احد المقاعد الجانبية الضخمة ... في احدى زوايا تلك القاعة ....
لكن ما سمرها مكانها هي أنها رأت مسك تجلس على ركبتيه !! ...
كانت مرتاحة على صدره وهو يربت على شعرها برفق.... بينما عيناه تشعان حبا أبويا لم تره على ملامحه من قبل !!
شعرت تيماء بخطٍ من الجليد المؤلم يسري على طول عمودها الفقري ...
و قبضة أشد ألما تعتصر صدرها من هذا المنظر المفجع بالنسبة لها ....
لم تكن مسك مبتسمة .... بل كانت مغمضة العينين و كأنها تطلب الراحة ... ووالدها يمنحها الصدر الذي ترتاح اليه ....
سمعت تيماء سالم الرافعي يقول بخفوت
( لن أزوجك إياه يا مسك . لا تخافي شيئا صغيرتي , و لو اقتضى الأمر وقوفي أمام الحاج سليمان ... فلن تتزوجي من ذلك الحقير أبدا ...أقسمت لوالدتك الغالية الا أظلمك يوما .. و أنتِ حبك في قلبي من حبها .... )
القبضة الجليدية تعتصر صدر تيماء أكثر و اكثر ....
و الدموع الحارقة تلسع عينيها رافضة أن تنحدر الى وجنتيها قهرا .....
بداخلها طفلة يتيمة ... ظنت أنها ماتت منذ سنوات ....
لكنها اكتشفت أنها لا تزال حية .... و هي تسمع صراخها في تلك اللحظة ....
ذلك الرجل الحنون الجالس عن بعد أمامها .... لم ترى منه ذرة أبوة .... لم تعرف منه سوى القسوة و الظلم ....
رفع سالم عينيه في تلك اللحظة ليصطدما بعيني تيماء المراقبتين له من شق الباب ....
ساد صمت به خواء غريب و نظرتهما تتشابكان للحظاتٍ طويلة ... دون أي تعبير على ملامح كل منهما ...
الى أن ابتعدت تيماء و هي تشعر بالغثيان ...
فارتمت بظهرها الى الجدار المجاور للقاعة و هي تغمض عينيها ... تتنفس بسرعةٍ و عنف ...
غيرة .... بداخلها غيرة و حقدٍ أسود ....
لم تنكرهما قديما .... الا أنها كانت تظن بأنها قد نجحت في التغلب عليهما على مر السنوات الماضية .....
أرجعت رأسها للخلف و هي تحاول جاهدة التغلب على ذلك الألم ....
الألم العائد بها لسبع سنواتٍ مضت .....
لأول لقاء بينهما ... بناء على طلبه هو !!!





يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 05-03-16, 10:28 PM   #2779

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

خطت قدماها الى ذلك المقهى المتفق عليه ..... و بداخلها تناقض مشاعر غريب
البرود و الجليد ... غلاف يحيط بمشاعرها بنسبة أكبر ...
لكن بداخل هذا البرود الجليدي ...
كان هناك ألم ... اشتياق غبي ... و بعض السعادة !! ...
وجدته جالسا بأحد الزوايا الى طاولة صغيرة ... يشرب قدحا من القهوة على ما يبدو .....
اقتربت منه ببطىء و هي تميل برأسها للتأمله جيدا .. لا يزال محافظا على بعض من وسامته الشرقية ....
لكن خطوط العمر بدأت في الظهور على ملامحه ....
قلبها الغبي لا يزال يحمل تجاهه بعض مشاعر صلة الدم .... و الأبوة المفقودة ...
رفع وجهه اليها أخيرا .... ثم ابتسم بخيلاء ...
ابتسامة صغيرة وقورة ....
تقريبا كانت الأولى و الأخيرة ..... ليرفع يده ملوحا لها كي تأتيه !!
أيظن أنها لن تتعرف عليه ؟!!! ....
تقدمت تيماء ذات الثامنة عشر منه بتردد و هي تحاول تعبير حيادي على ملامحها الى أن وصلت اليه أخيرا ...
فقال سالم الرافعي بهدوء
( مرحبا يا تيماء ...... أنتِ دقيقة في مواعيدك .... )
حاولت الإبتسام الا أنها فشلت .... فقالت بخفوت
( أرجو أن أكون قد ورثت تلك الصفة منك .... فأمي لا تملكها بالتأكيد .. )
توترت ملامحه قليلا .... قبل أن يقول بهدوء
( اجلسي يا تيماء .......... )
جلست بالفعل على الكرسي المقابل له .... و اضعة حقيبتها بتوتر على ذراع الكرسي ...
ثم شبكت أصابعها فوق سطح الطاولة ....
منذ أن هاتفها أمس و أخبرها أنه يرغب في تحديد موعدا للقائها ... و هي تشعر بالصدمة و المفاجأة ...
لم تذق طعم النوم أو الطعام ...
لم يقدم من قبل على ابداء الرغبة في رؤيتها ....
كان جنونها في اللحظات الأولى .. هو أن يكون قد علم بعلاقتها بقاصي ...
لكن بعد أن هدأت قليلا ... أدركت أنه لو علم بهذا لم يكن ليدعوها في مقهى كي يتناقش معها كأبِ متحضر ...
لذا قضت الليلة بأكملها تحاول استنتاج السبب ....
قال سالم الرافعي أخيرا
( كيف حال والدتك بالمناسبة ؟!! ....... )
بالمناسبة !!! ...
كم اشعرتها تلك الكلمة بالغضب و الثورة !! ....
لكنها تمكنت من القول بهدوء
( بخير ..... في أحسن حال , فأنا معها ..... )
أومأ سالم برأسه صامتا .... قبل أن ينظر اليها مليا ... يدقق النظر بملامحها جيدا دون تعبير معين ...
ثم قال اخيرا
( كبرتِ يا تيماء ......... )
زفرت نفسا مكبوتا ... بعد أدراكها أنها لم تكن تتنفس ....
ثم قالت أخيرا بنفس هدوءه
( لا أعلم ..... لكن أظن ذلك , فآخر مرة رأيتك بها كانت منذ سنوات ... للحظات خاطفة ... )
أطرق سالم بوجهه لينفض رماد سيجارته ... قبل أن يقول بخفوت
( ستصبحين طبيبة يا تيماء ......... )
لم تعلم ان كان هذا سؤالا ... أم اعجابا ......
لذا قالت بحذر
( يبدو هذا ............. )
أومأ سالم برأسه شاردا ... ثم قال أخيرا بهدوء
( سأعمل على ضمان اكمال دراستك ...... )
عقدت حاجبيها للحظة ... لم تفهم العرض من تلك العبارة الغير مفهومة !! ....
مالذي يمنع متابعة دراستها ؟!!
هل ينتظر أن تشكره على مصاريف تعليمها التي يغدق بها عليها ؟!!
فقالت بتردد و خفوت
( أنا لا أريد أن آخذ الكثير من وقتك .... فهل رغبت أن تراني لسببٍ معين ؟! .... أم اشتقت الي ؟؟ ... )
لم تقصد أن يظهر السؤال الاخير محملا بتلك النبرة الساخرة ....
لم تقصد و لم ترغب أن تظهر ساخرة .... لم ترغب أن تهتم باظهار وجعها منه ....
لكن صوتها خانها ... و أظهر تلك النبرة الساخرة المريرة ...
عقد سالم حاجبيه قليلا ... و عرفت بأنه لمح السخرية في نبرتها فانقبض قلبها ....
لكنه تظاهر بالعكس و رفع وجهه اليها ليقول باتزان
( نعم هناك سبب مهم .... لكن أخبريني قبلا , هل تودين شرب أو تناول شيء ؟؟ ... )
أرادت الضحك عاليا ... الضحك حتى الصراخ .....
الا أنها قالت بمعجزة في التحدي و الارادة
( لا أرجوك ..... أنا لا أتناول شيئا خارج البيت مطلقا , .... لكن أشكرك على كل حال ... )
أومأ سالم الرافعي برأسه ... قبل أن ينظر اليها مليا ....
ثم قال أخيرا بهدوء
( تعرفين يا تيماء أنكِ قد قاربتِ العشرين من عمرك .... و أنت بعيدة عني طوال حياتك , ... لذا آن الأوان لتصحيح الأوضاع التصحيح السليم ... )
عقدت حاجبيها بصدمة ...
هل ينوي ضمها اليه الآن ؟!!! .... بعد كل هذه السنوات ؟!! ....
لن تترك أمها أبدا !! .... فمن لها سواها ؟!! ...
لذا قالت تيماء بتردد
( لم أفهم تماما !! ............ )
حينها نظر سالم الى عينيها و قال بحسم و ثقة
( آن الأوان كي تتزوجي .... و قد تقدم لكِ خاطبا مناسبا و أنا وافقت .... )
.................................................. .................................................. .....................
لم تكن يوما أشد سفالة ووضاعة مما كانتها مع والدها ذاك اليوم !! ...
اتسعت عيناها بذهول .... و تجمد جسدها تماما ....
لكنها قالت بصوتٍ غريب
( ماذا قلت ؟!! ........... )
رفع سالم وجهه و قال هادئا
( هناك من تقدم لطلب يدك .... و أنا وافقت ....رجل مناسب جدا من أحد فروع عائلتنا البعيدة .... يعمل لدي في الشركة و قد رآك منذ شهرين حين أتيت كي تطلبين مصاريفك ..... )
نعم تذكر هذا اليوم جيدا ....
كانت تحتاج الى مبلغ اكبر من المعتاد .... و قد صرفت أمها كل ما لديهما من مال في موجة تبذير مفاجئة ... من تجديد لأثاث البيت كاملا ....
أما هي فقد احتاجت الى أجهزة طبية و كتب .... لذا حين أخبرت قاصي بذلك على أن يطلب من والدها بما انه المكلف رسميا بقضاء مصالحها ....
صدمها قاصي أنه سيبيع الدراجة من أجلها .....
ابتسمت تيماء رغم عنها بمرارة و هي تتذكر انها صرخت به بجنون و أقسمت بأنه لو فعل ذلك فلن تراه مجددا ...
و استمرت الحرب بينهما طويلا ... الى أن قررت انهائها بطريقتها ...
فأرسلت رسالة من على هاتف قاصي الى والدها ... تخبره بأنها ستذهب الى فرع شركته كي تأخذ البلغ الذي تحتاجه ...
و بالفعل ذهبت الى هناك في عدم وجوده طبعا ....
و كان هو قد ترك لها المبلغ مع سكرتيرته الخاصة ....
لقد قابلت أناس كثر .... و لن تتذكر اي منهم القريب البعيد ... و المتواضع ماديا كي يتجرأ على طلب الزواج من ابنة سالم الرافعي المنبوذة ....
استمر والدها في الكلام مطولا ... لم تسمع منه سوى بضع عبارات و هي تتنفس بهمجية ... و اصابعها تنقر على الطاولة ...
بينما سالم يقول
( تكاليف زواجكما كلها سأتكفل بها ..... و ستكون لكما شقة مناسبة تماما , هو شاب طموح في بداية حياته .... و أنا سأساعده .... و سأعمل على ضمان أن يمنحك حرية متابعة دراستك .... )
فغرت تيماء شفتيها لتتكلم اخيرا بصوتٍ غريب جدا .... ثم قالت و قد بدأت تستوعب أخيرا
( من فروع العائلة البعيدة .... كي أظل بعيدة ... لكنه في نفس الوقت يحمل لقب الرافعية خلف اسمه ..... كم هو مناسب فعلا ؟!! ...... )
عقد سالم حاجبيه ... ثم قال ببرود
( نبرتك لا تعجبني يا تيماء .......... )
ظلت تنظر اليه طويلا و هي تمنع نفسها من التهور ... و اصابعها تزيد من سرعة نقرها على سطح الطاولة ... بينما أسنانها تحفر في باطن شفتها ... لتقول أخيرا بصوتٍ عنيف رغم خفوته
( آخر همي أن تعجبك نبرتي ..... أبي !!!! .... )
اتسعت عينا سالم بغضب وهو يهتف قائلا
( تأدبي ............ )
الا أنها نهضت من مكانها فجأة و قالت بصوتٍ عالٍ دون أن تهتم بالمتواجدين
( لن أتزوج من تختاره و لو كان الرجل الوحيد في هذا العالم ..... لا أصدق أنك أتيت كي تزوجني !! .... )
نهض سالم من مكانه و قد احمر وجهه من شدة الغضب و همس من بين أسنانه قائلا
( أقسم باللع يا فتاة لو كنا بمفردنا لكنت صفعتك تأديبا لكِ ....... تربية أمك فعلا !! ..... )
برقت عيناها بوحشية و هي تميل لتستند الى الطاولة بينهما بكفيها قائلة
( أصفعني يا سالم الرافعي .... ها أنا أمامك , على الأقل سأشعر بأنك والدي للمرة الأولى بحياتي .... )
ازدادت شراسة عينيه و همس بصوتٍ مخيف
( اسمعيني جيدا يا بنت ثريا ..... ستتزوجين من اختاره لكِ ... أم تظنين أنكِ قد تتزوجين أحدا من خارج العائلة ؟!! ... ستكونين واهمة اذن ..... ستتزوجين بمن اخترته لكِ شاكرة , و الا أقسم بالله الا يصلك مني قرشا واحدا للأبد .... )
كانت تتنفس بصوتٍ عالٍ ... و نظرة عينيها همجية ....
بينما الكره داخلها اندفع ليمحو كل ذرة سعادة كانت برؤيته ... و كل حنين له كأب بدافع صلة الدم ليس الا ...
فهمست من بين أسنانها
( أكرهك يا سالم الرافعي ..... أكرهك من كل قلبي ... )
رأت كفيه ينقبضان ... و عيناه تنظران الى الناس من حولهما .... و تمنت لو يصفعها كي يزيد من كرهها له ...
الا انه تماسك و قال ببرود
( و كأني أهتم !! ........ تمالكي نفسك يا بنت ثريا و تعقلي , لن تبقين بدون زواج لعمرٍ أكبر ... لقد أصبحت شابة و تسكنين مع امرأة ..... وأنا لن أسمح بشيء يشوب اسمي بعد هذا العمر ... اذهبي الى بيتك و فكري مليا بهدوء .... فكري في أبواب الجحيم التي ستفتحينها امامك لو قررتِ تحدي أوامري .... )
و قد كان سالم محقا ....
" فتحدي اوامره ... فتح أمامها أبوابا من الجحيم !! "
استفاقت تيماء من ذكرياتها المريرة و هي تضرب الحائط خلفها بقبضتها بعنف ...
ثم انطلقت تبتعد عن القاعة و عن مسك و سالم ...
لا تريد رؤيتهما أبدا .... فرؤيتهما تجلب لها المزيد من الذكريات السوداء .....
برقت عيناها بلونٍ فيروزي محتقن قاتم .... و همست بألم
( سأرحل للأبد ...... و كفاني من تلك العائلة كلها ..... )
.................................................. .................................................. ..................
نزلت سوار من جناحها مبتسمة بنعومة و أناقة ....
كانت تبدو شديدة الجمال و هي تتهادى فوق السلم الخشبي الأنيق ....
فرأتها أم سعيد من باب المطبخ المفتوح ... حينها خرجت سريعا و هي تقول
( انتظري يا سيدة سوار لأبخرك من العين ...... )
وقفت سوار و هي تنظر الى أم سعيد التي كانت سبق و أعدت مبخرتها و أخذت تدور بها حول سوار ...
فضحكت و قالت بنعومة
( من ليحسدني هنا يا أم سعيد و أنا لا أخرج أبدا ...... )
قالت ام سعيد بجدية
( العين فلقت الحجر يا سيدة سوار ... و أنت تبارك الله ... جمالك يزيد صباه كلما كبرت عاما ... )
ابتسمت سوار بزهو جديد عليها ... و لم تمانع ابدا في الحصول على بعض المديح ....
زهو مرتبط بأنها منحت زوجها حقه أخيرا ....
و كم يشعرها ذلك بالرضا .....
كانت تعيش معذبة الضمير مؤخرا ..... على الرغم من ان العلاقة بينهما لم تكن علاقة زوج و زوجة ....
الا أن العمر حين بدأ يسحب السنوات ... و سليم يرفض الزواج بأخرى ...
حينها وجدت نفسها تميل الى ان تجبره على اخذ حقوقه ... حتى لو رفض هو ....
سليم كان اول من شهد على الصراع القديم بين ليث و راجح ....
كان هو أول من لجأت اليه مصدومة ... تخبره برغبة ليث في الزواج منها !! .....
حينها اخبرها بقلق ... بأنه علم من جده أن ليث طلبها منه للزواج رسميا و أن هذا سيشعل نارا كانت مخمدة .....
سعلت سوار من رائحة البخور القوي ..... فلوحت بيدها و هي تقول محتجة
( كفى يا أم سعيد ..... كفى ..... لقد أزكم البخور عيني و أنفي .... )
الا أن أم سعيد قالت بلهجة جدية هامسة و قلقة
( في الدار عين زرقاء غريبة سيدة سوار .... و الأعين الزرقاء هي التي تحسد أكثر .... )
ارتفع حاجبي سوار و هي تقول
( أتقصدين تيماء ؟!! ...... اتقي الله يا أم سعيد , إنها تبدو فتاة طيبة .... حسنا قد تكون مستفزة و مشاغبة .... لكنها ليست بحاسدة .... و على ماذا ستحسدني و هي العروس الجديدة لهذا البيت ؟!! .... )
قالت أم سعيد بحدة
( فليقيمو لها الزفاف سبعين ليلة و ليست سبع .... لكنها لن تكون سيدة هذا الدار أبدا ... هذا الدار لن يعرف سوى سيدة واحدة فقط .... هي سوار غانم الرافعي فقط ..... )
ردت سوار تقول بلهجة متآمرة
( أتعرفين يا أم سعيد ..... أتمنى أن تختار أخي فريد , أعتقد أنها الفتاة المنشودة التي ستعيد اليه تفكيره السليم و تربطه بالأرض و بجذوره أكثر .... )
قالت أم سعيد و هي تمط شفتيها
( و هل تعرف تلك الفتاة أرضا كي تربط بها أي جذور يا سيدة سوار ..... عيناها ليست من اعيننا .... )
ردت سوار و قالت بجدية
( لا اريدك أن تجرحيها بكلمة من كلامك يا أم سعيد .... فقد تكون زوجة أخي المستقبلية .... )
قالت أم سعيد من بين أسنانها
( لا قدر الله ..... هل ينقصنا دخول أعين زرقاء للدار ؟!! ..... )
سمعا صوتا رجوليا من خلفهما يقول بعبث
( سمعت أن هناك أعين زرقاء في البيت ........ )
سرى تشنج فوري في جسد سوار ما أن سمعت الصوت المألوف لها .....
فسارعت لتخفي وجهها بطرف وشاحهها و ثبتته جانبا جيدا .... ثم أشارت لأم سعيد أن تذهب ....
استدارت سوار ببطىء ... و طالت بها النظرة الصخرية قبل أن تقول ببرود
( صباح الخير يا راجح ......... )
لم يرد راجح على الفور .... بل برقت عيناه ... و اختفت الابتسامة عن شفتيه وهو ينظر بنظراتٍ مشتعلة شديدة الصراحة الى عينيها العسليتين ....
شعرت سوار بنفسها مكشوفة أمامه ... من نظرته الى عينيها بمثل هذا الوضوح الوقح ....
لكنها لم تسمح لنفسها بأن تسبل جفنيها أمامه .... بل بادلته النظرة باقوى و أقسى منها ...
و انتظرت .....
انتظرت أن ينهي نظرته الوقحة .....
قد تسمح للجميع بالنظر الى عينيها .... الا راجح ....
فهي تعرف معنى نظراته جيدا ... وهو معنى لا تقبل به .... احتراما لسليم و لنفسها ....
فغر راجح شفتيه ببطىء .... ليقول بصوتٍ غريب ... و كأنه لها وحدها
( صباح الخير يا سوار ..... تبدين ..... )
رفعت ذقنها اليه و لمعت عيناها بتحدٍ أن يتجرأ و يحاول التجاوز معها في الكلام .....
لقد تعمدت أن ترتدي اسدالها الأسود الأكثر وسعا .... و هي لا تظهر أمامه الا مغطاة الوجه ....
لكن هذه هي مشكلة دور العوائل .... تظل تجمع من لا يجب أن يجتمعون في مكانٍ واحد ....
صمت عن قصد ...
وفهمت هي مقصده الخبيث .... فهو لن يتجرأ على التجاوز معها ....
الا أن صمته كان ابلغ من الكلام ... و عيناه تخترقان عمق عينيها و تعريانهما ....
سرت قشعريرة باردة في جسدها ....
لكنها قالت بقوة دون أن يرتجف صوتها
( يمكنك الذهاب الى جدي يا راجح .... فهو يريدك منذ الصباح الباكر .... )
لم يرد عليها على الفور ... بل أخذ وقته في تأملها من أعلى رأسها و حتى قدميها و كأنه يراها بأشعة خفية ...
ثم قال ببرود مماثل
( و لما العجلة في ارسالي بعيدا يا سوار ؟؟ ....... مرت فترة طويلة منذ رأينا بعضنا لآخر مرة .... )
قالت سوار بلهجةٍ أٌقوى
( لا أرى سببا لرؤيتنا لبعضنا يا راجح ... و لا أرى أن وقوفك هنا بهذا الشكل مناسبا ..... )
ضحك راجح دون مرح ... و عيناه شديدتي الشر ... الشر المغوي ...
و الذي يعبر عن امتلاك سافر غير مشروع ....
ثم تكلم بجدية .... جدية خطرة ... أبعد ما تكون عن العبث و المزاح ...
( أنا من يقرر ما هو مناسب و ما هو غير مناسب يا جميلة ...... )
هدرت سوار فجأة بقوة
( لا تقل هذه الكلمة مجددا يا راجح و التزم حدودك ...... )
برقت عيناه اكثر وهو يقترب منها خطوة ... ليقول بلهجةٍ أشد خطورة
( لماذا ؟!! ..... هل تثير بداخلك ضعفا غير مرغوب به ؟!! .... هل تحي بكِ تلك الانثى التي كان يدغدغها كلامي .. قبل أن تدفنيها مع الميت شبيه الرجال ابن عمك سليم ؟!! ..... )
دون حتى أن تفكر في الامر ارتفع كفها لتصفعه بكل قوتها ...
عم صمت مهيب بينهما .... بينما اتسعت عينا راجح كعيني شيطان من الشر ... وهو ينظر اليها فاغرا فمه ...
أصابعها القوية رغم أنوثتها .... تركت علامات حمراء على وجنته ....
لكن عيناها لم ترجفا و زادتا قوة و صلابة أمامه و هي تقول بشراسة
( اياك و نطق كلمة سوء في حق سليم .... إنه يعرف الرجولة كما لم تعرفها أنت ..... )
سحب نفسا هادرا قبل أن يهجم عليها يرفع يده ... و للحظات ظنت أنه سيرد لها الصفعة
الا أن يده امتدت الى طارف وشاحها المثبت فجذبه بعنف ليكشف وجهها ...
لمعت عينا سوار بعنف أكبر .... و شعرت بانتهاك جسدي أثار بها نوبة من الجنون ....
بينما خمد غضب راجح للحظة .... وهو يتلقف ما يستطيع من ملامح وجهها الشهية ....
لكن تلك اللحظة كانت كفيلة بأن ترفع سوار يدها لتصفعه مجددا بكل قوتها .... و هي تهتف
( أيها الحقير ......)
هذه المرة لم يستطع راجح السيطرة على نفسه .... فهدر بصوتٍ عالٍ
( سوااااار ...... لقد فجرتِ غضبي حقا , و هذا خطأ كبير منكِ بعد كبت السنوات ... )
صرخت سوار فجأة بصوتٍ أعلى و أعلى
( جدي ..... جدي ..... حاج سليمان ...... )
خرجت أم سعيد مهرولة على صوت سوار .... و بعض الخادمات ... بينما تسمر راجح مكانه و هو يراها تصرخ بلا رادع أو حرج ...
الى أن خرج سليمان الرافعي الى أعلى السلم وهو يقول بصوتٍ مهيب
( لماذا تصرخين يا سوار ؟؟ ........ )
نظرت سوار الى وجه راجح المحمر غضبا حتى اشتد سواد عينيه ... فابتسمت بتشفي و هي تقول ناظرة الى جدها
( راجح كان ينوي المغادرة يا جدي .... لكني أخبرته برغبتك في رؤيته أولا ... )
سمعت صوت هسيس أنفاس راجح تهدر بقوة .... الا أن صوت سليمان الرافعي نادى بحزم
( تعال يا راجح يا ولدي .... أريدك في أمرٍ خاص .... اصعد الى هنا ... )
رمق راجح سوار بنظرةٍ أخبرتها بوضوح
" أن ما حدث لم ينتهي بعد ..... و أنه سيعود لها ... قريبا جدا ... "
لكن سوار جابهت نظرته بتحدٍ و هي ترفع ذقنها بخيلاء ... فاستدار عنها ليصعد السلالم حيث اختفى جده ...
بينما أسقطت سوار دروعها و زفرت بقوة ذلك النفس الذي كانت تمسكه بتوتر ...
راجح عمران الرافعي .....
لن يتركها لحياتها المسالمة أبدا ......
تراجعت سوار لتجلس على أقرب كرسي و هي تنظر أمامها بقنوط ....
تتذكر حالها منذ ثمان سنوات ... و أكثر ...
حين كانت مفتونة براجح حد الجنون ...
كانت ترفضه ظاهريا و تظهر له تحديها أمام كل غروره ...
الى أن وقف أمامها يوما و هتف بقوة
( لما تعاندين نفسك يا سوار ؟!! ...... انتِ تحبينني و تعلمين أنكِ تذوبين عشقا لهذا الحب .... فلماذا تعاندين ؟؟ ... )
لم يكن من عادتها الإنكار .... لم يكن الهرب أو الجبن هو طريقها
لذا رفعت وجهها اليه ... تنظر الى عينيه بتحدي ... قبل أن تقول ببرود
( و إن يكن !!! .......... )
لن تنسى بريق عينيه ..... بريق متوهج زاده وسامة و جاذبية ....
بريق امتلاك نجمة من السماء ...
على الرغم من فساد أخلاقه و غرور خصاله .... الا أن اعترافها الفاتر البسيط و الصادق
جعله يطال نجمة في السماء ....
تعرف أنها نقطة ضعفه التي لم تخبو على مدى السنوات الماضية كلها .....
هتف يومها بكل جنون الرغبة بها و الحب المتملك
( و أنا أحبك ..... أعشقك ..... أعشق النسيم الذي يلامس وجنتيك ..... )
نظرت اليه و هي تداعب أحدى الخيول ثم قالت ببرود
( و ماذا بعد ؟!! ........... )
تسمر مكانه و ازداد بريق عينيه لكن بغضب حقيقي هذه المرة ...
فهتف وهو يقترب منها
( ماذا تعنين بماذا بعد ؟!! .... ما هذا السؤال البارد ؟!! ..... نتزوج طبعا , لقد تأخرنا جدا , لقد قاربتِ العشرين من عمرك يا سوار .... )
رفعت عينيها المتوهجتين القويتين اليه و ابتعدت عنه بسرعة ... لتقف في مواجهته بكل عنفوان قائلة
( و أنت في الخامسة و العشرين ..... فهل ترى بأنك قد نضجت و أصبحت أهلا للفوز بي ؟!! .... )
هدر بنفسٍ خشن وهو يعاود الإندفاع تجاهها بينما هي تراوغه كمهرة جامحة ...
( سوار ..... توقفي عن التلاعب بي ...... أنا لست صبورا أبدا .... )
وقفت سوار مكانها و رفعت وجهها اليه لتقول بجمود قوي
( و أنا التلاعب ليس من طبعي ....و أنت لست جديرا بي .... )
نظرته حين نطقت بذلك بكل عزم و قوة .... كانت شيطانية مدمرة ....
فتوقف مكانه ليقول بصوتٍ مهدد خطير
( أتظنين نفسك قادرة على تحدي رغبتي بكِ ..... الوقوف أمام حقي فيكِ ؟!! .... )
جابهته بكل قوة
( أنا لست ملكا لك .... و أنت حتى الآن لا تملك أي حق من الحقوق .... الا بعد كلمة مني .... )
رقت عيناه قليلا و همس بخفوت
( و متى تمنحيني تلك الكلمة يا سوار ؟؟؟ .... يا جميلة الرافعية .... )
قالت سوار بهدوء رغم الألم المضني في قلبها
( أنت لست رجلا لإمرأة واحدة يا راجح ..... و أنا لا أقبل بالمشاركة .... )
عقد حاجبيه و هدر بقسوة ...
( بالله عليك يا سوار ... كانت مجرد نزوات , لقد مر بها جميع الشباب .... )
استدارت سوار عنه ... تخفي ذلك الألم بعينيها ..و كأنه ينطق بشيء بسيط ... و كأنه مجرد خطأ مطبعي ...
بينما كل نزوة من نزواته كانت تنحر قلبها ... خاصة وهو يعود اليها بعينين محملتين بالشوق ...
و ينتظر منها أن تستجيب !!....
لم يكن يعرف سوار ابنة وهدة الهلالية اذن .......
لكنه أقسم لها أن يكون لها وحدها .... و لا امرأة غيرها عرفت أو ستعرف الطريق الى قلبه ....
و بعد أشهر طويلة رضخت سوار ... و منحته وعدا بأن توافق على الخطبة ما أن يتقدم الى جدها رسميا ....
و هنا كانت صدمتها صدمتين ...
صدمتان متوليتان ....
بعد أن عاهدت الله أن تغير منه ... و تكون له الزوجة التي تقيه شر باقي النساء ....
جاء عرض ليث للزواج بها !!...
كانت الصدمة التي لم تتخيلها في عمرها كله .....
ليث بالنسبة لها هو الهالة التي تحتمي بها و بوهجها المهيب ....
هو همزة الوصل التي تفخر بها بينها و بين عائلة أمها ... عائلة الهلالي ...
كم كانت تفرحها كلمة ثناء منه .... كم تنعشها نظرة اعجاب منه ......
لكنها لم تتصور بكل غباء أن يكون عاشقا لها !!!
ليث الذي كانت تدعوه بسيد الشباب .... كان مدلها في عشقها كما لم تسمع منه من قبل .....
كلامه لها أوقعها أرضا ... و أوقع قلبها بين قدميها ....
تلك الليلة قضت معظمها و هي تنتفض في فراشها ..... عيناها شاخصتان الى سقف غرفتها ....
لن تنكر انها تأثرت ....
فهي بشر ... و ليث كان مثال الرجل الذي تتمناه هي قبل اي فتاة ...
و للحظات مجنونة ... ضربت وسادتها و هي تهمس
" لماذا لم يمنح القدر طباع و أخلاق ليث لراجح ؟!! .... "
و على هذا السؤال راحت في سبات عميق ....
و لن تنسى ابدا انها في تلك الليلة تحديدا قد حلمت اكثر احلامها جنونا .....
حلمت بنفسها ترتدي فستان زفاف أبيض و مستلقية في فراش وثير مزينا بالورود ...
و حول شعرها الطويل تاج من الورود ايضا .....
كانت عروسا كأبهى ما تكون ....
و كان قلبها يخفق بعنف و هي ترى عريسها يقترب منها .... ملامحه غير واضحة من شدة الضوء المنبعث خلفه ...
و ما أن وصل اليها ... انحنى بالقرب منها لتشم رائحة عطره القوية
قلبه يخف فوق قلبها محاكيا له .... و ذراعاه تضمانها الي صدرٍ رحبٍ قوي ....
أخذت ترمش بعينيها محاولة أن تراه على الرغم من أنها متأكدة بأنه راجح .....
لكن شيئا ما كان يأمرها بأن تفتح عينيها و تتأكد من هويته ....
الى أن مست شفتاه شفتيها ... برقةٍ كأجنحة الفراشات ... جعلتها تشهق ألما بينما هو يزيد من الضغط عليها برفقٍ يخطف القلب ...
و ما أن ابتعد عنها حتى فغرت شفتيها لتهمس بسؤال حالم
( ليث ؟!!! ........ )
حينها رأت ملامحه الوسيمة تظهر لها بوضوح ... في ابتسامة عريضة زادت من وجهه حسنا ووقارا وهو يهمس لها
( ليث زوجك ....... )
ابتسمت و هي تشعر بسعادة غريبة غير مفسرة ... و ما أن استقامت لتجلس على الفراش وجدت أن ثوبها الأبيض قد تغرق صدره كله بالدم الأحمر القاني !!!
صرخب برعب و هي ترفع عينيها مستنجدة بليث ... الا أنه لم يكن ليث ... بل كان سليم ابن عمها !! ...
يبتسم لها ابتسامة وضاءه ... بينما هي تصرخ و تبكي ....
انتفضت تلك الليلة من نومها فزعة تصرخ ... فأتت اليها أمها مرتعبة من صراخها ....
و جلست بجوارها تضمها الى صدرها بحنان و هي تقرأ لها آياتٍ قرآنية لتبعد عنها ما أصابها فأفزعها الى هذا الحد ...
و من شدة رعب سوار في تلك الليلة .... قصت على أمها ما رأته في الحلم ....
انعقد حاجبي وهدة الهلالي بشدة و هي تزيد من ضم سوار الى صدرها و تستعيذ من الشيطان ....
بينما كانت ترتجف قليلا .. ثم همست في أذن سوار
( لا تقصي هذا الحلم على مخلوق يا سوار .... عديني حبيبتي , لا تقصي حلما أفزعك مجددا ...)
نظرت سوار الى عينيها القلقتين .. فهمست بوعد
( أعدك أمي الا أعيدها .... لا تخافي الى هذا الحد , كان مجرد كابوس )
و ترددت ..... أراحت وجنتها على صدر أمها الناعم و ترددت في أن تخبرها ... لكنها فعلت على كل حال فهمست بخفوت
( على الأرجح هذا الكابوس كان بسبب صدمة اليوم .... حين قابلت ليث ....)
عقدت وهدة حاجبيها و مدت يدها تحت ذقن سوار لترفع وجهها لتراه ... ثم قالت بقلق
( ماذا حدث حين قابلتِ ليث ؟!! ......)
ارتبكت سوار قليلا ... ثم قالت و هي تدير عينيها بعيدا
( ليث يريد الزواج مني يا أمي ......... )
اتسعت عينا وهدة و قالت بحزن
( هل حادثك في الأمر فعلا ؟!! ......... )
قالت سوار بعدم استيعاب
( هل كنت تعرفين بأمر ح .... أقصد برغبته في الزواج مني ؟!! .....)
تنهدت وهدة و هي تتأمل جمال سوار على ضوء المصباح الجانبي الذهبي الخافت ....
ثم همست بحزنٍ أكبر
( أعرف بأمر حبه لكِ منذ سنوات .... لكن عرفت اليوم بأنه تقدم لجدك يطلب الزواج بك .... )
اتسعت عينا سوار و قالت بصدمة
( و بماذا أجابه جدي ؟!! ..... و هل آنا آخر من يعلم بكل ما يخصني ؟!! .... )
نظرت وهدة الى عيني سوار الحائرتين ... ثم أمسكت بكتفيها و قالت بحزم خافت
( أمر الزواج من ليث انسيه تماما يا سوار ..... يعلم الله كم أتألم لقول هذا , و كم كنت أتمنى أن تكوني من نصيب ليث ... فهو الرجل الوحيد الذي يستحقك .... لكن هناك واجب أهم من القلب و الحب و حتى المصلحة الشخصية .... زواجك به قد يجدد العداوة بين العائلتين ... خاصة و أن أبناء أعمامك أولى بكِ .... )
عقدت سوار حاجبيها و استقامت جالسة ... ثم قالت بقوة
( أمي أنا أرفض الخضوع الأعمى لقوانين ليس لها تفسير محدد .... ماذا يحدث لو كنت أنا أيضا أحب ليث ؟!! ... هل كنتم لتقفون بطريق حبي ؟!! .... )
اتسعت عينا وهدة و هي تقول مندهشة
( تأدبي يا سوار .... ما تلك الجرأة ؟!! ...... )
احمرت وجنتا سوار رغما عنها ... الا أنها قالت بصوتٍ أقل حدة
( أنا فقط أضع افتراض يا أمي ..... جدي قابل ليث و اعطاه القرار دون أن يرجع الي أو أن يسألني ... و هذا ضد الطريقة التي أنشأني عليها والدي ..... )
قالت وهدة بقوة و هي تنظر الى عيني ابنتها
( هذا الأمر تحديدا يا سوار ... عليكِ أن تتحملي مسؤوليتك وواجبك فيه ... حين يتعلق الأمر بأرواح أناس آخرين .... )
ارتفع حاجبي سوار و هي تقول
( أرواح آخرين ؟!! ..... الى تلك الدرجة يا أمي ؟!! .... إنه مجرد زواج .... )
قالت وهدة بهدوء واضح النبرة
( هنا يا سوار كل شيء مرتبط بالآخر .... الثأر بالأرض .. بالزواج ... لذا لا نستطيع أن نحكم قلوبنا فقط حين يكون العقل مطلوبا .... حين قرر والدي الموافقة على زواجي من والدك .... كنت رافضة في داخلي ... شخص غريب عني تماما .. و من عائلة بيننا و بينهم ثأر قديم لم ينتهي منذ سنوات .... تخيلي أن أذهب الى دار الأعداء و أنام على وسادة أحد منهم ؟!! .... كنت مرتعبة ... لكني أدركت أن هذا الزواج سيوقف سيل الدم ... فلم أتردد في الموافقة و كتمت مشاعري بداخلي .... لكن الله كافأني ... و أنظري الى الحب الذي جمعني بوالدك ... لم يكن حبا من الليلة الأولى أو الثانية .... بل ظل يلهث ورائي ليالٍ و أنا زوجته ... فقط كي يطمئنني أنه ليس عدوي ..... و أنني آمنة معه ... الى أن استسلمت ... و سلمت بحبه ... )
صوت وهدة الهلالي القوي ... كان مزينا بنبرة جميلة .. عاشقة ...
جعلت قلب سوار يختلج بين أضلعها و هي تبتسم برقة متأملة جمال أمها و هي تحكي قصتها للمرة الألف ربما مع والدها ....
و مالت ابتسامة سوار بحزن و هي تتسائل ...
لماذا لا يحمل حبها لراجح مثل هذا الإخلاص و التفاني ؟!! .....
أطرقت سوار بوجهها و هي تشعر بنوعٍ من الفقد لم تستطع تحديده ... لكن يد وهدة عادت لترفع وجهها و هي تقول بحنان
( لما التردد يا سوار و أنا أعرف أن قلبك يميل الى ابن عمك راجح ؟!! .... لم أعهدك عنيدة لغرض العناد ليس أكثر !! .... )
نظرت سوار الى عيني أمها طويلا ....
ترى هل ستفهمها وهدة لو شرحت لها ؟!! .....
لكنها لا تريد ان تملأ قلب أمها بالقلق عليها .... يكفي أن تطمئن وهدة أن ابنتها ستتزوج بمن تحب ....
و عاهدت نفسها أن تنسى أمر ليث تماما .... و تحاول جاهدة أن تسيطر على توترها بسبب تلك القبلة التي رأتها في الحلم ... و التي تجعلها تحمر ذهولا كلما تذكرتها .....

لكن الصدمة الثانية أتت أسرع مما تتخيل .....
و كأن كل الخيوط كانت تنسج خطة مغايرة تماما لمستقبلها .......
فقد سمعت بعد يومين تحديدا ... جلبة عالية في جناح جدها .... هتاف غاضب و تهديد ....
أوشكت على أن تستدير و تبتعد ...
لكن اسم راجح طرق أذنها بقوةٍ بصوت جدها .... و كان يبدو عنيف الغضب ...
حينها لم تستطع سوار أن تجبر نفسها على الابتعاد ... فاقتربت من باب الجناح .. ووضعت اذنها عليه ترهف السمع ....
حينها انطلق صوت جدها مجددا وهو يخاطب ابنه عمران والد راجح ...
( ذلك القذر ابنك .... لن يهدأ و لن يتوقف عن الدنس أبدا ..... انظر الى تلك الفضيحة الآن و أخبرني كيف لنتصرف .... )
ارتعد قلب سوار و هي تشعر بشيء مر في حلقها ... سيء ... سيء جدا ...
ثم انطلق صوت عمران يقول بغضب
( يا حاج انها مجرد فتاة مرتزقة .... لا تريد سوى بعض القروش , لنلقي بهم اليها و ننهي الامر .... )
هدر سليمان الرافعي وهو يضرب الأرض بعصاه قائلا
( فتاة مرتزقة ترفع ضد ولدك دعوى تتهمه فيها باغتصابها ؟!! .... و الأدهى أنها حامل منه ؟!!.... )
شعرت سوار فجأة بأنها على وشك السقوط أرضا من هول ما سمعت ... حتى أن قلبها توقف عن نبضاته و بات وجهها شاحب يحاكي وجوه الموتى ...
بينما قال عمران منفعلا
( و هذا هو الدليل يا حاج ... هل لو كان قد اغتصبها فعلا ستنتظر كل هذا الوقت الى أن تتأكد من أنها حامل ثم ترفع دعوى ؟!! .... أم كانت لتتجه الى الشرطة و الطب الشرعي في اليوم التالي مباشرة ..... )
هدر سليمان بعنف
( لا شك لدي في أنها فتاة رخيصة ... استغفر الله .... )
زفر بقوة وهو يحاول منع نفسه عن قول المزيد ... ثم أخذ نفسا خشنا ليقول مجددا و بصوتٍ أكثر عنفا
( تلك الفتاة حامل من ابنك أم لا ؟!! .......و أسرتها تصر على سير الدعوى و هي ليست أسرة مرتزقة كما تفضلت بالقول بل اسرة لها شأنها ... و على استعداد لتوصيل قضيتها الى الملأ لو اقتضى الأمر .... )
قال عمران بعنف
( و هل تكون تلك أسرة محترمة التي تقبل بفضح ابنتهم على الملأ ؟!! ..... )
ضرب سليمان الأرض بالعصا مجددا وهو يهدر
( ليست قضيتي الآن إن كانت أسرة محترمة أم لا ..... المهم الا يطال اسم الرافعية مثل تلك الفضيحة .... )
صمت سليمان وهو يتنفس بخشونة ...
بينما كانت سوار مستندة الى الباب بكفيها .... وجهها صامت .. لا تعبير له , حتى انها لم تمتلك دمعة لتذرفها ...
لقد خسرت الرهان قبل حتى أن يبدأ ....
حين تكلم سليمان أخيرا ... قال بصوتٍ صارم ... جامد
( ولدك منذ صغره وهو يبحث عن كل ما هو رخيص ... و ستظل تلك عادته حتى مماته , كنت سأهديه بالذهب .... بينما هو يمرغ يديه في الوحل منتشيا .... )
ساد صمت كئيب مجددا .... قبل أن يقول سليمان اخيرا
( آخر كلمة لدي يا عمران ..... سنرضخ لأسرة هذه الفتاة و ليتزوجها ابنك لبعض الوقت ..... و ليبقى هذا الأمر سرا عن باقي عائلتنا .... يكفي فقط أن تحصل تلك الفتاة على اب لطفلها في عائلتها هي ..... )
وجدت سوار نفسها تبتعد ببطىء عن الباب ... و تسير مثقلة الكتفين عبر الرواق القديم ...
شعرها الطويل يتمايل مع عبائتها الهفهافة ... بينما وجهها الأبيض شاحب و فاقد للحياة .....
راجح الذي احبته سيتزوج غيرها .... و ستكون هي زوجته الثانية بأمر العائلة ...
لأن هذا هو قانون العائلة ... و قانون سليمان الرافعي ....
و عليها أن تلتزم به .....
وقف سوار مكانها للحظة ....و هي تسمع صوت جناح جدها يفتح خلفها ... فالتفتت تنظر اليه بصمت ...
وهو أيضا بدا و كأنه قد تفاجأ بوجودها ....
فوقف ينظر اليها طويلا و هي تبادله النظر بصمت و قد علم جيدا أنها سمعت كل الحوار بينه و بين عمران ...
بدت علامات التفكير العميق المثقل بالهموم على وجهه .... وهو ينظر الي عينيها جامدتي التعبير ....
الى ان ابتعد اخيرا ببطىء و نزل السلم ....
وسوار واقفة مكانها تنظر في اثره بصمت .... قبل أن تجري الى غرفتها و تصفق بابها لتستند اليه و هي تتنفس بعنف ... بينما عينيها على نفس الجمود ... و القسوة ....

انتهت مشكلة راجح و تمت مداواة الأمر في الخفاء ... و اصبح له ابن في الثانية من عمره يعيش مع أمه ...
لكن هي .... لم تتداوى جراحها أبدا .....
فقدت توفت والدتها فجأة .... و لحق بها والدها حزنا عليها ....
و تركاها وحيدة فجأة ... بعد أن كانت محاطة بكامل دعمهما .....
لقد مرت ثلاث سنوات و هي ترفض مجرد الكلام في موضوع الزواج .... ترفض حتى الحياة بعد موت والديها ....
الى أن أصبح الامر خطيرا .... و باتت مهددة ...
أن ترفض الزواج لمدة ثلاث سنوات كاملة لهو أمر منتقض و لم يكن جدها ليقبل به أكثر من ذلك ...
موت والدها هد قلب سليمان الرافعي .... و أوهنه ... الا أنه لم يوهن عزمه و قدرته على قيادة شؤون تلك العائلة ....
لذا حين بدا الكلام في أمر زواجها بإصرار هذه المرة .... ظنت أن لحظة الحرب قد حانت و أنه سيجبرها على الزواج من راجح قسرا .... لذا استعدت تشحذ كل أسلحتها ....
لكن في الاجتماع العائلي ... ...
أمسك سليمان بيدها و نظرت هي الى عيني راجح الملونتين بنشوة الأنتصار ...
ثم قال بصوتٍ عالٍ يسمعه الجميع
( اختاري يا سوار بين ابني عميكِ ..... سليم و راجح ..... )
لن تنسى أبدا نظرة الذهول على وجه راجح وقتها .... كانت صدمته أكبر من صدمتها ....
أما هي فنظرت الى سليم بصمت ....
سليم الذي أخذ يحاول اقناع جده مرارا بقبول زواج ليث من سوار ....
أو على الأقل ليتركها دون أن يجبرها على الزواج دون ارادتها ....
لكن سليمان كان دائما يستمع الى سليم صامتا ... ينظر اليه و يسمع منه دون أن يرد ....
الى أن خيرر سوار بين سليم و راجح .... و لا قرار ثالث .....
و حينها وجدت أنها تريد سليم .....
ليس هربا من راجح ... و إنما نظرة الى ملامح وجهه المتعاطفة اليائسة .... جعلها تدرك كم باتت وحيدة بعد فقد والديها ... و كم تحتاجه ....
.................................................. .................................................. ......................
انتفضت سوار من سيل ذكرياتها على صوت صراخ راجح وهو يهدر بجنون من اعلى السلم ...
خارجا من جناح جده
( سأقتله ....... سأقتله ......... )
ذعرت سوار و قفزت من مكانها و هي تراه نازلا درجات السلم جريا كالثور ....
وجههه أحمر و عيناه تندلع بهما براكين من الهمجية ....
لم يرها أو حتى يلمحها .... بل اندفع خارجا من باب الدار كالمجنون .... أمام أعين الخادمات المذهولة ...
رفعت سوار عينيها المرتعبتين الى جدها الذي كان واقفا على السلم ينظر في اثره صامتا ... مثقلا ...
فجرت اليه سوار و هتفت برعب
( هل أخبرته بأمر قاصي يا جدي ؟!! ........ هل يقصده ؟!! .... )
لم ينظر سليمان اليها ... بل ظل واقفا مكانه .... ناظرا الى باب الدار المفتوح على مصرعيه ....
ليقول بخفوت
( عليه أن يحل الأمر مع أخيه ..... كان سيعلم في أي وقت ..... )
هتفت سوار بقلق
( سيقتله يا جدي ...... سيقتل أخيه ...... )
نظر اليها سليمان ليقول بعد فترة بهدوء
( قاصي الحكيم .... قادرا على حماية نفسه يا سوار .... لا تقلقي .... )
نظرت سوار بحزن الى جدها و هي تقول بصوتٍ قوي
( قاصي الرافعي يا جدي ...... الم يئن الأوان كي ينال حقه !! ..... )
تنهد سليمان وقال بصوتٍ لا يحمل تعبير
( هذا الحق لا أملكه أنا يا سوار ..... لا تحاكميني يا ابنتي على أخطاء أولادي ... كفاني منهم و من أفعالهم ... أصبحت أكبر من أن أتحمل ذنوبهم .... )
و دون انتظار الرد .... ابتعد سليمان عنها و هو يسير ... معتمدا على عصاه ...
و قد بدا في حاجةٍ اليها للمرة الاولى ......
.................................................. .................................................. ...............
انها احدى تلك المرات النادرة التي يدخن بها سيجارة .....
لكنه الآن يفضلها على أن يشعل النار في شيء ذو فائدة ......
وقف ليث في شرفة منزله ينظر الى الأراضي الممتدة أمامه ..... و عقله و قلبه لا يرحمان لوعة تكبتها رجولته ....
زفر موجاتٍ من دخانٍ رمادي ناعم ... ثم همس بغضب
( ابتعدي عني ايتها العينين العسليتين ...... انتما دخيلتين .... )
حتى وهو ينطق بالكلمة .... اراد الضحك عاليا .. ساخرا من كذبه...
دخيلتين ؟!!! ...
رباه ... من تخدع انت يا ليث ؟!! .......
انهما من سكان هذا القلب منذ قديم الأزل ...... ليرحل الجميع و تبقى المالكتين الرئيسيتين ....
العينان العسليتان .....
زفر موجة اخرى من موجات دخان السيجارة .... لقد حذره الطبيب في آخر زيارة له من السجائر ... و منعه عنها تماما ....
الا ان الكبت في داخله اليوم كان اكبر من احتماله .....
عليه الرحيل من هنا ....
سحب ليث نفسا آخر من سيجارته وهو يفكر جديا ...
عليه الرحيل من هنا .... ليأخذ زوجته و يذهب بها عن هذا المكان المغوي ..... الأرض التي تحمل ساحرته على سطحها ... تتهادى بالقرب منه دون ان يجرؤ حتى على النظر اليها ....
نعم هذا هو القرار الصائب ....
على الأقل سيريح اسرته من شرور ميسرة ... و هو كفيل بأن يرد اليها عقلها ....
باللين مرة ... و بالشدة مرة ....
سيلهيه هذا قليلا عن التفكير بعذابه المتبقي من حياته ....
انتبه ليث من شرفته الى احدهم ... يسير متجها الى بوابة بيته , يقود فرسا تبدو مصابة و هي تعرج قليلا ....
ضيق ليث عينيه وهو يتبين هوية القادم ... ثم همس بحيرة
( قاصي !! ............. )
بالفعل كان هو .....
استدار ليث ليخرج اليه مسرعا ....
كان قاصي يبدو غريبا ... متعبا , لكن اشد صلابة ....
مصابا , لكن جسده القوي يأبى الوقوع .....
عيناه ... عيناه غريبتين للغاية ....
وصل ليث اليه وهو يقول بقلق
( مرحبا يا قاصي .... اي رياحٍ القت بك الى هنا في هذا الوقت من الصباح ؟!! ..... )
رفع قاصي وجهه الغير حليق الى ليث ... و قد بدت ملابسه مشعثة و شعره متناثر قبل أن يقول باجهاد
( الفرس مصابة يا ليث ..... اعتني بها رجاءا ..... )
سارع ليث بالتلويح الى احد رجاله و أمره بمهاتفة الطبيب على الفور و اقتياد الفرس لترتاح أرضا ....
قال قاصي بخفوت
( سأرحل أنا الآن ...... شكرا لك ..... )
الا أن ليث أمسك بذراعه وهو يقول بصرامة
( لن تذهب الى مكان قبل أن تخبرني عما أصابك ؟!!! ..... ماذا بك ؟!! ... )
رفع قاصي عينيه الى عيني ليث ليقول بهدوء جامد بلا حياة
( تم فتح الجرح المحمل بالصديد و التقيح .......... )
ارتفع حاجبي ليث و اتسعت عيناه وهو يقول مشدوها
( هل واجهت جدك ؟!! ..... متى ؟!! ..... لم تخبرني أنك ستقدم على ذلك ؟!! .... )
قال قاصي وهو ينظر الى البعيد
( هناك ما أجبرني على التعجيل بالأمر ..... لقد انتهى على كل حال .... )
قال ليث بقسوة
( و ما هو مصير عمران الآن ؟!! ...... أتخيل أن سليم قد نجح في اثنائك عن أخذ قصاصك منه .... )
رفع قاصي وجهه الى ليث ليقول بخفوت أجش
( لم يكن سليم يا ليث ...... لم يكن سليم أبدا ...... اكتشفت أن هناك ما يجعلني اريد الحياة .... أو على الأقل المتبقي منها ..... )
عقد ليث حاجبيه ... كان للتو يفكر في الهرب بالمتبقي من حياته ...
و ها هو قاصي مثله ... الا ان الفارق هو ان قاصي يريد أن يظفر بهذا المتبقي .....
قال ليث بشرود
( و ما هو هذا الذي جعلك تتنازل عن ثأرك ؟!! ...... )
سحب قاصي نفسا متعبا وهو يقول
( فرصة ..... فرصة للحياة القيت على باب بيتي ذات يوم ..... فكيف اتركها الآن ؟!! .... )
ترنح قاصي قليلا ... فسارع ليث للامساك بذراعه وهو يقول بقوة
( قاصي انت أيضا تحتاج الى رعاية .... أنت مصاب و تعاني من تأثير ما حدث ...ادخل معي للبيت و بعدها ستخبرني عما آل اليه الأمر ..... )
أوشك قاصي على أن يمتثل الى اوامر ليث ... الا ان صوت رسالة وصلت هاتفه .. جعلته يتوقف و يفتحها
و يقرأها
" اعذرني يا قاصي .....
رابطة الدم بيني و بين تيماء جعلتني اخضع لها حين ترجتني طلبا للمساعدة .... لم استطع أن أساهم في احتجازها .... لذا حجزت لها تذكرة في القطار .... و أرسلت لها رسالة كي تذهب الى المحطة .... و هي على الأغلب هناك الآن بعد أن اوصلها عبد الكريم قبل أن يراها جدي .... أنا أخبرك فقط كي تعرف مكانها لو أردت أن تكلمها على انفراد دون ان تكون محتجزة ضد ارادتها
أما أنا فحاليا على متن الطائرة متجهة الى المدينة ..... أنا حقا لم اقصد الغدر بك , لكن هذا هو الصواب ... اراك لاحقا ....
ملحوظة : ترفق بالفتاة .... فهي لا ينقصها سوى فرقعة اصبعين و ستسقط عند قدميك
" مسك "
قرأ قاصي الرسالة مرتين بجنون قبل أن يهتف بعنف
( تبا ..... تبا ........... )
التفت الى ليث المتعجب ثم هتف به
( ليث احتاج الى سيارة أو فرس .... أي وسيلة أصل بها الى محطة القطار ...... )
أخرج ليث مفاتيح سيارته من جيبه و القى بها الى قاصي قائلا بقوة
( هل أنت في حالة تسمح لك بالقيادة ؟!! ......... )
هدر قاصي بقسوة وهو يبتعد مندفعا
( أنا في حالٍ يسمح لي باقتناص فرصتي الوحيدة في الحياة .... و لو انتزعتها انتزاعا من براثن الاسد .... )
لم يكن ليث يعرف ما يقصده قاصي تماما ...
لكن عبارة قاصي الهادرة ... جعلته يشعر بالالم , و الرغبة في انتزاع فرصته في الحياة هو الآخر ...
و الهرب بها بعيدا .... بعيدا جدا ....
.................................................. .................................................. ...............
استندت تيماء برأسها الى زجاج نافذة السيارة ... و هي تراقب الأراضي الممتدة و التي تسابقها جريا و كأنها تحاول أن تمنعها من الرحيل ....
لكم اختلف حالها اليوم عن الأمس !! ....
كانت أمسك تعرف جيدا ما تريد ... مصممة على أخذ ما جائت من أجله ثم الرحيل سريعا بقوة و اتزان عملت على بنائهما طويلا ....
أما الآن فهي راحلة .... لكنها راحلة خالية اليدين ... مجوفة الروح ...
و كأنها لعبة من قش ..... تتقاذفها الرياح ....
لقد قلب مرآى قاصي كيانها ... و أغرقها في طوفانٍ من الذكريات و الشوق ....
شهقت باكية فجأة و هي تهتف بغضب من بين دموعها الغزيرة
( تبا لك .... تبا لك ...... تبا .... تبا ...... )
ارتفع حاجبي عبد الكريم بصدمة قبل أن يهتف بصوتٍ خشن
( لماذا ؟!!! .... ماذا فعلت لكِ ؟!!! ..... )
نظرت اليه عبر المرآة و هي تبكي و تشهق بقوة ..... تهز رأسها قليلا بعجز ...
قبل أن تهتف من بين نشيجها اليائس
( سأشتاق اليك يا عبد الكريم .... ليس من العدل أن تعلقني بك لمرة واحدة ثم أرحل و لا أراك مجددا .... سأظل أتخيل دوما أي علاقة طيبة كان من الممكن أن تجمعنا يوما .... )
دفنت وجهها بين كفيها و اخطرت في بكاء ٍ حاد .... بينما عبد الكريم ينظر اليها في المرآة بتوجس ....
ليقول باستياء
( لماذا يتركك أهلك تسافرين بمفردك هكذا ؟!! .... أنت فتاة مزعزعة المشاعر ..... )
رفعت وجهها الأحمر اليه و هي تقول شاهقة بعنف من بين بكائها الحار
( أنا مزعزعة يا عبد الكريم ؟!! .... هل تراني مزعزعة ؟!!! .... أنا لم اكن مزعزعة يوما ... و ها أنا سأرحل و اترك لك هذا الانطباع ..... )
عادت لتبكي بقوة و هي تطبق جفنيها بشدة .... تهمس بعذاب مضني
( تبا لك .... لماذا رأيتك ؟!! .... لماذا رأيتك ؟!! ........ )
قال عبد الكريم بصبر
( هذا نصيب يا ابنتي .... نصيب أن أراك و ترينني ....... )
فتحت عينيها المتورمتين و هي تنظر الى عبد الكريم ... بينما اخذت شهقاتها تنحصر قليلا ... شيئا فشيئا .. الى ان تحولت الى تنهداتٍ متعبة رقيقة ....
رفعت تيماء يدها لتمسح وجنتيها بظاهر كفها ......
ثم قالت بشرود
( نعم ... هو نصيب ..... و نصيبي الابتعاد , فهناك من ينتظرني و أنا اكثر من راضية به .... انا راضية به .... )
بقت ترددها طوال الطريق الى المحطة
" انا راضية به ...... أنا راضية به .... "
بينما عبد الكريم يهز رأسه متمتما
( لا حول و لا قوة الا بالله ....... أعانك الله على عقلك .... )
وصلت تيماء الى المحطة اخيرا ... فأخرج لها عبد الكريم حقيبتها وهو يقول بخشونة
( انها المرة الأولى التي يعطي الحاج سليمان اوامره للسيدة مسك كي تخبرني بها !! ..... )
رفعت تيماء يدها الى فمها الفاغر باعتذار ... ثم قالت من بين دموعها
( أنا آسفة يا عبد الكريم ..... انا حقا آسفة .... لم أقصد أذيتك أبدا !! ..... )
عقد حاجبيه وهو يقول
( أي أذى ؟!!! ...... هل عدتِ للتخاريف من جديد ؟!! .... )
عضت تيماء على شفتها و هي تهمس باختناق
( ستعرف حين تعود ....... أنا حقا آسفة ...... )
زفر عبد الكريم بقوة و ترك لها الحقيبة ليقول
( الى اللقاء يا سيدة تيماء ....... )
نظرت تيماء من بين دموعها الى الحقيبة الملقاة ارضا .... ثم الى عبد الكريم الذي استقل السيارة و بدا في تحريكها ... فقالت تيماء بخفوت
( آنسة يا عبد الكريم .... آنسة ...... ماذا عن الحقيبة ؟!! .... ألن تحملها من باب التعاطف حتى ؟!! ... )
الا ان عبد الكريم كان قد ابتعد بالسيارة بالفعل ... فقالت تيماء
( كم سأشتاق اليك يا عبد الكريم !! ......... أنت شخص نادر جدا .... )
امسكت تيماء بمقبض حقيبتها و جرتها خلفها باعياء و هي تشعر بألمٍ لم يهدأ منذ الأمس ....
ناظرة الى البعيد .... عائدة الى حياتها ,....
هربا من ماضيها .....
.................................................. .................................................. ............
أوقف السيارة في مكانٍ عشوائي ....
ثم خرج منها مسرعا ... ليجري مندفعا الى المحطة بحثا عنها في كل اتجاه بيأس و غضبٍ جارف ... حارق ....
الى أن رآها !! ......
وقف قاصي يلهث وهو يراقبها مكانها من بعيد ... مشدوها ...
و كأن السنوات لم تمر أبدا ....
و كأنها ابنة الرابعة عشر و التي اعتادت الهرب بين الحافلات و القاطرات من مدينة الى أخرى ....
استند قاصي الى أحد الأعمدة وهو ينظر اليها بملامح غريبة ...
يحاصرها بكل تفاصيلها ....
لقد كبرت ... عليه أن يعترف بذلك ....
نضجت و أصبحت شابة أنيقة ... أكثر رقيا ......
فستانها الأسود كان شديد الجمال عليها .... ووشاحها الأحمر يظهر هذا الوجه .... هذا الوجه الذي لم يتغير كثيرا ....
شرودها كان بديعا وهو يكمل تلك اللوحة الساحرة ....
تلك الشابة الجذابة التي تجلس مكانها بهدوء شارد .... كان هو السبب يوما في نحرها بكل قساوة قلب ...
اغمض قاصي عينيه وهو يتذكر منظرها و ألمها ....
صراخها باسمه .....
تلك اللحظة التي انزلها من قيودها كالذبيحة لتسقط مباشرة بين ذراعيه ....
وهو يضمها الى صدره بقوةٍ صارخا بجنون ... و دمعة تفلت من عينه لتسقط على وجنتها .....
ابتلع قاصي تلك الغصة الشاطرة لحلقه ... و فتح عينيه لينظر اليها مجددا ....
ضاقت عيناه بشراسة وهو يهمس
( من الذي يجرؤ على أخذك مني بعد كل الذي كان ؟!!! ....... سيكون تعيس الحظ من يحاول فقط الاقتراب منكِ .... )
رآها تتأوه بخفوت من بعيد .. فتسائل إن كانت ذكرى مؤلمة قد اجتاحت عقلها في تلك اللحظة ....
كانت بتبدو حزينة جميلة ......
بينما يدها على جانبها اسفل معدتها ... جعلها مغرية ... بل شديدة الإغراء ....
حتى في ملابسها المحتشمة ....
شعر بالغضب يتفجر داخله .... وهو يستقيم ليقترب منها بخطواتٍ مسرعة .....
الى ان وقف امامها مباشرة .... و دون مقدمات قال بصوتٍ صارم أجش
( انهضي ......... )
لم تصعق لصوته الأجش .... بل ظلت على حالتها و هي ممسكة بجانب بطنها الأيمن .... و حاجبيها منعقدين .....
أعاد قاصي أمره بلهجةٍ أكثر شدة
( انهضي و تعالي معي دون فضائح .......... )
لكن تيماء انحنت الى الأمام قليلا و هي تطبق جفنيها بشدة ..... و تعض على شفتها السفلى ....
ثم هتفت فجأة بصوتٍ مختنق
( قاصي ..... أنا أتوجع بشدة ...... انجدني ...... )
اختفت الصرامة عن ملامحه في لحظة و هتف بقلق
( تيماء ماذا بكِ ؟!! ......... )
ازداد انحنائها الى الأمام و هي تكتف ذراعيها فوق بطنها هامسة باختناق
( جانبي الأيمن يؤلمني ........ كطلقة رصاص .... )
هتف قاصي بقوةٍ
( انهضي معي ..... انهضي ايتها الغبية ..... )
نهضت تيماء بصعوبةٍ ... لكن ما أن وضعت ثقلها على قدميها حتى صرخت ألما بقوة و سقطت غير قادرة على الوقوف ....
الا أن قاصي كان أسرع منها وهو يتلقفها بين ذراعيه صارخا
( تيمااااء .......... )
وضع ذراعه تحت ركبتيها ليحملها بقوة و يضمها الى صدره .....
حينها لم يتمالك نفسه من الهمس بذلك الشعور الذي سرى في جسده بغدرٍ مضني
( تيمائي المهلكة ..... ها قد عدتِ الى وطنك حبيبتي ..... )
.................................................. .................................................. ......................





انتهى الفصل السادس ... قراءة سعيدة

















tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 05-03-16, 10:33 PM   #2780

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

تسجيل حضور مبكر جدااااااااااااااااااااااا اااا

Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:22 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.