آخر 10 مشاركات
وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          حكاية قلبين (باللهجة العراقية) *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : شوق2012 - )           »          دموع تبتسم (38) للكاتبة: شارلوت ... كاملة ... (الكاتـب : najima - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          533 - مطلوب زوجة وام - بربارة ماكماهون - قلوب عبير دار النحاس ( كتابة - كاملة ) (الكاتـب : samahss - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          323-ضاع قلبها -دارسي ماجوير -(كتابة/ كاملة) (الكاتـب : Just Faith - )           »          جئت إلى قلبك لاجئة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : آمال يسري - )           »          هذه دُنيايْ ┃ * مميزة *مكتمله* (الكاتـب : Aurora - )           »          عطش السنين ـ رينيه روزيل ـ 464 ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: من هو اكثر ثنائي نجح في جذب انتباهكم بقصتهم
قاصي و تيماء 2,118 58.56%
مسك و امجد 738 20.40%
ليث و سوار 761 21.04%
المصوتون: 3617. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree999Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-09-16, 08:30 AM   #7451

bonoquo
 
الصورة الرمزية bonoquo

? العضوٌ??? » 83818
?  التسِجيلٌ » Mar 2009
? مشَارَ?اتْي » 378
?  نُقآطِيْ » bonoquo has a reputation beyond reputebonoquo has a reputation beyond reputebonoquo has a reputation beyond reputebonoquo has a reputation beyond reputebonoquo has a reputation beyond reputebonoquo has a reputation beyond reputebonoquo has a reputation beyond reputebonoquo has a reputation beyond reputebonoquo has a reputation beyond reputebonoquo has a reputation beyond reputebonoquo has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حصون من جليد مشاهدة المشاركة
يابنات تيمو نزلت الفصل 23في قروب وانا نسخت الفصل ونزلت في منتدي في صفحه 738و739
شكرااااا الفصل موجود فعلا ومكنتش عارفه


bonoquo غير متواجد حالياً  
التوقيع
واقول احبك فيغادر نجم موقعه خلف قمر ..
ينخطف شهاب ..يتفجر شلال يجري دون حذر
ويشف غدير ..ويغني سرب طيور ويرق حجر !!
وأقول احبك .. فاحبك حبا اكبر من قلب بشر !
رد مع اقتباس
قديم 29-09-16, 08:55 AM   #7452

عبيركك

نجم روايتي وفراشة الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية عبيركك

? العضوٌ??? » 308350
?  التسِجيلٌ » Nov 2013
? مشَارَ?اتْي » 7,127
?  نُقآطِيْ » عبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond repute
افتراضي



عبيركك غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 29-09-16, 10:48 AM   #7453

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

صباح الورد يا بنات .... انا حعيد تنزيل الفصول يا قمرات و حنزل الآن الفصلين 20 و 21
شكرا حبيبتي ( حصون من جليد ) على المساعدة في تنزيل الفصول , بس انا مضطرة انزلهم بنفسي عشان المشرفات يضيفو رابط الفصل .... الف شكر حبيبتي


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 29-09-16, 10:49 AM   #7454

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

الفصل العشرون :

( هل أنتِ حامل ؟!!!!! .......... )
وقع هذا السؤال على كيانها كله ... و ليس لآذنها فقط .....
و كأنه مطرقة ضربتها بقوة فوقت أمامه ترتجف لتلك السطوة الظاهرة في صوته و ذهول عينيه !! .....
حاولت التحرك و هي ترتعش حرفيا .... الا أنه أمسك بذراعها بقبضة من حديد بينما ذراعه الأخرى تلتف حول خصرها تتحداها أن تتجرأ ....
و بالفعل نطق مرة أخرى بصوتٍ مخيف أكثر و عيناه تخترقان عمق عينيها ...
( حاولي الهرب ..... فقط حاولي ...... )
ابتلعت تيماء ريقها و رفعت وجهها الشاحب اليه منتظرة مصيرها المحتم .....
بينما كانت تستشعر بجسده الضخم يرتجف بعنف أكبر من عنف ارتجافتها !! ......
حتى أنها رأت عروقا تنفر و تظهر في عنقه المتشنجة ..... أما وجهه فكان يزداد احمرارا و عيناه .......
عيناه تبرقان ببريق يزيد من خوفها الداخلي ....
كانت تلك احدى نوباته الغير مسيطر عليها .....
نوبة أخرى و عاصفة جديدة ..... لذا كل ما استطاعت فعله هو أن همست بخفوت
( اهدأ ......... )
صرخ فجأة بقوة أجفلتها ....
( اللعنة توقفي عن تلك الكلمة التي تجعلني أشعر بكِ تعاملينني و كأنني فرس غير مروض ........ )
أرادت الصراخ به ....
" انك بالفعل فرس غير مروض ..... هائج .... تنتظر أن تسحق من يحاول تخطي قوقعة سيطرتك المخيفة على كل ما تضمه الى أملاكك ...... "
تكلم قاصي مجددا بصوت مرتجف .... يستمد ارتجافته من ارتجافة عضلاته .....
( أريد اجابة واحدة ..... واضحة ...... هل أنتِ ....... حامل ؟!! ...... )
فغرت تيماء شفتيها و هي تنظر اليه بصمت حزين ..... ثم لم تلبث أن همست و هي تسبل جفنيها متهربة من عينيه المحاصرتين لها
( لا يزال الوقت مبكرا جدا لأعرف ............. )
كلماتِ غبية جدا ......
أدركت مدى غبائها ما أن شعرت بقبضته تزداد قوة على ذراعها ... تدريجيا محدثة ألما باتت تعرفه جيدا ...
حتى أنها لم تتأوه هذه المرة ..... بل انتظرت فحسب .....
ابتلعت ريقها بتوتر ..... و هي تنتظر .....
الا أنها أجفلت ما أن سمعت صوتا من خلفهما يقول
( ماذا يحدث هنا ؟!! ....... نحن نريد أن نقفز و أنتما تحجزان المكان منذ فترة طويلة ..... )
نظرت تيماء خلف كتف قاصي الى الصبي الصغير الذي كان ينظر اليهما غاضبا .....
حاولت أن تنتهز الفرصة و تتحرك ... الا أن صوت قاصي قصف بقوة بسطوة و دون أن يستدير حتى
( اخرج من هنا ......... )
اتسعت عينا تيماء .... بينما ارتعب الصبي و خرج جريا وهو يهتف
( لن أسكت ......... سأخبر الجميع ...... )
نظرت تيماء الى قاصي بعينين فيروزيتين لاهبتين و هي تهتف
( انظر ماذا فعلت ؟!! ..... هل ملكت المكان ؟!! ..... هيا لنخرج من هنا قبل أن ينقلب الأمر الى فضيحة )
الا أن عينا قاصي لم تلينا .. و لم يهدأ بريقهما ....
كانت بهما نظرة غريبة .....
يمتزج بها الغضب بانتصار غريب ..... انتصار جعلها ترتعش أكثر و كأنه حقق أقصي أحلامه في تخصيب احدى خيول عائلة الرافعي ......
هذا التفكير جعلها تشعر بغثيان مريع .... فأخفضت وجهها البائس حتى كادت جبهتها أن تلامس صدره ....
و كأنها تترجاه أن يأخذها بين أحضانه و يمنحها بعض الحنان .... بعض الرفق ....
الا يرأف بحالها ولو قليلا ؟!! ...... أين جمال أبوته لعمرو ؟!!
أين هي حلاوة صداقته لمسك ؟!! ....
أين هي تلك الشهامة التي جمعته بوالدة عمرو ؟!! .....
أين اختفى الفتى الذي عشقته منذ الطفولة و الذي لم يشغله عنها سوى أميالٍ بالية يقطعها ذهابا و ايابا لمجرد رؤية عينيها ......
قال قاصي أخيرا بصوتٍ لا يقبل الجدل و كأنه لم يسمعها
( أنتِ فعلا حامل ............. )
زفرت تيماء بعنف ... فخرجت زفرتها نفسا مرتعشا من بين شفتيها فنظرت جانبا الى عمرو الذي كان واقفا يراقبهما باهتمام ....
فتمكنت من القول باستياء
( أخبرتك أنه من المبكر جدا التأكد من الأمر ...... من المضحك حتى مناقشة الأمر .... )
ساد الصمت بينهما طويلا و هي تستشعر كل رجفة في جسده , تنتقل عبر ذراعه المحيطة بخصرها لتسري في جسدها كله كتيار كهربي ....
ثم قال أخيرا بصوتٍ خفيض .... لا يقل خطورة عن صراخه في أشد نوباته العاتية .....
( المضحك هو محاولتك الفاشلة في القاء أدلتك الكاذبة هنا و هناك بدرجة تثير شكوك طفل صغير ..... متوقعة مني أن أصدق و أتناسى السؤال ....... )
ضحك فجأة ضحكة مستاءة قاسية .... و شدد على خصرها يجذبها الى صدره وهو يهمس من بين أسنانه و كأنه يداعب طفلة مشاغبة
( لازلتِ صغيرة للغاية .... و جاهلة جدا كي تتخيلين أن بامكانك أن تخدعي زوجك الذي قاربك بكل طريقة بهذه البساطة ...... )
احمرت وجنتي تيماء و شعرت بالغضب و الإنكسار و الرغبة في كسره هو شخصيا .....
فتلوت محاولة الهرب و هي تهمس بعنف
( اتركني يا قاصي و كفى كلاما في هذه الأمور ..... هل نسيت أين نحن ؟!! ....... أرجوك كفى ..... )
قاومها لعدة لحظات وهو ينظر اليها بعينيه المفترستين الظافرتين قبل أن يتركها أخيرا وهو يفرد ظهره .... نافخا صدره بنفسٍ عميق .... منتعش ..... مزهو .....
ثم لم يلبث أن ابتسم أن قال بصوتٍ مخادع في رفقه و قسوته
( لكن أتسائل لماذا تعمدتِ اخفاء الأمر عني ؟!! ........ ليس هناك سوى احتمالين ..... أنكِ تنوين التخلص منه .... أو ربما ابقائه للهرب به بعيدا فتحرقين قلبي ....... ترى أي الإحتمالين كنتِ تنوين يا صغيرتي التي تحتاج الى تأديب من جديد ؟!! ..... )
رفعت تيماء اليه عينين شرستين و صرخت فجأة بكل عنف
( و هل من هو مثلك يملك قلبا من الأساس ؟!!! ........... )
ارتفع حاجبه و كأنه يملك الجرأة على الإندهاش من عنفها المفاجىء ..... لكن ندمها الوحيد كان لأنها لمحت عمرو ينتفض في مكانه اثر صرختها ....
فأخذت نفسا عميقا محاولة تهدئة الغثيان العنيف بداخلها ....
هل يعقل أن يكون هذا غثيان حمل و بهذه السرعة ؟!! أم أنه غثيان روح و دوار قلب ؟!! .....
ضاقت عيناه وهو يلمح ألم عينيها و شحوب وجهها .....
بينما العنف بداخله يتضاعف ...... تصور أنها قد تفكر في قتل طفله الذي تمناه تكاد أن تقتل الفرحة بداخله ....
تحرك أخيرا وهو يمد كفه الى أن وضعها على بطنها الصغيرة ....
فتشنجت كل عضلة في جسدها الا أنها لم تتحرك ... وهو لم يرفع كفه وهو يقول بخفوت أجش و كأنه يكلم نفسه
( تركت القلب لكِ .... قلبك و طفلي )
أغمضت عينيها ألما و هي تمنع نفسها من البكاء حسرة على هذا القلب الخائن المسكين .......
انه حتى لم يحاول أن يبثها كلمة حب ولو كذبا ليطمئنها بها .....
و الآن فقط أدركت أن السنوات قد مرت طويلة دون أن ينطق بكلمة حب واحدة .......
قال قاصي بصوتٍ أعلى قليلا
( أنتِ تحملين طفلي ........... )
رفعت عينيها اليه تراقب النشوة في عينيه و التي تغلبت على غضبه أخيرا .... ثم همس مجددا بصوت أعلى و أكثر زهوا
( أنتِ تحملين طفلي ...... أتفهمين هذا ؟!!! ..... )
هزت رأسها نفيا و هي تهمس بصوت متداعِ
( لست متأكدة بعد ........... )
أحاط وجهها بكفيه يجذبه اليه و قال بكل وضوح ناظرا الى عينيها
( أنتِ تحملين طفلي ..... ولو لم يكن كذلك فستحملين به , ولو فكرتِ مجرد تفكير في التخلص منه فسوف ...... )
صمت و قد بدا و كأنه غير قادر على ايجاد الإنتقام المناسب إن تجرأت و أقدمت على ذلك .....
بينما هي تنظر اليه بصمت .... و بداخلها شراسة تتدافع كي تنهش قلبه عله ينزف كقلبها ....
لكن هل من أملٍ في أن ينزف الصخر دما ؟!! .....
تعالت أصوات من خلفهما و دخل حارس اللعبة وهو يقول بتوتر متنحنحا
( يا سيد ..... الجمهور يشكو في الخارج .... و بعض الأهل بدأو في الظن أن هناك فعلا غير لائق يتم بداخل المكان ...... )
احمرت وجنتا تيماء أكثر و أكثر ..... بينما ابتسم قاصي وهو ينظر الى جنون ارتباكها , فترك وجهها ليخفض يده ملتقطا كفها بهيمنة .... ثم استدار الى الرجل وقال منتشيا سعيدا .....
و كأن الغضب قد انحسر و ترك مكانه للانتصار
( لقد انتهينا ........... )
ثم نظر الى عمرو قائلا بسعادة
( هيا بنا يا بطل .......... )
خرج قاصي وهو يجر تيماء خلفه ....يتبعهما عمرو راكضا وهو يحاول اللحاق بخطوات قاصي القوية الثابتة ... و ما أن تجاوز مجموعة الأطفال و الأهل المنتظرين بتذمر ....
حتى استدار اليهم و قال بقوة مبتهجا
( أعتذر منكم ....... فزوجتي كانت تبشرني للتو بحملها , سنرزق بطفل ...... )
اتسعت عينا تيماء بذعر بينما شهقت مصدومة مما نطق به قاصي للتو .... فهتفت بارتياع
( قاصي !!!!!!! ........ )
بدأت البسمات ترتسم على الوجوه التي كانت متذمرة للتو ..... فهدر قاصي وهو يديرها اليه
( زوجتي حامل ........... )
و أمام ذعرها و ذهولها .... التفت ذراعه حول خصرها بقوة قبل أن تجد قدميها ترتفعان عن الأرض ليدور بها مجلجلا
( زوجتي الصغيرة المهلكة تحمل طفلي ........ )
صرخت به تيماء وهي تضرب كتفيه
( قاصي هل جننت ؟!! ....... انزلني , الجميع ينظرون الينا .... )
الا أنه بدا و كأنه طفل يدور في احدى ألعاب الملاه السريعة وهو ينظر اليها ببريق خطف قلبها و صرع عينيها وهو يتابع هتافه
( سنرزق طفلا يا تيمائي ............ )
ارتجفت شفتاها رغما عنها وهما تصارعان ابتسامة مذهولة مذعورة ...... كان صادقا .....
كانت فرحته صادقة و سعادته بادية للأعمى .... لقد حلم بهذا الحمل طويلا ......
لقد بدأ حلمه في الإكتمال .....
وها هو حفيد سليمان الرافعي في الطريق أخيرا .... و الوالد قاصي الحكيم ......
على الرغم من الألم القاتل , الا أن قلب العاشقة بداخلها رق له ..... مال الى هذا الطفل الصغير الذي لم يذق في حياته سوى ظلما بعد ظلم .... و قهرا يلي قهر .....
وجدت كفيها ترتفعان لتتخلل بأصابعها خصلات شعره و عيناها تبرقان بالنجوم كما طلب تماما في بداية الصباح ....
و لم يكن بريق النجوم لأجل كل ما فعله لها ...... بل كان لسعادته , لا أكثر .....
تعالت بعض الضحكات من حولهما وهو لا يتوقف عن الدوران بها و عيناه تأسران النجمات في عينيها ....
الى أن لامست الأرض أخيرا بقدميها .... عائدة من رحلة كانت فوق السحب الوردية ....
وقفت مكانها و رأسها يعلو اليه .... بابتسامة تداعب شفتيها السخيتين ....
بينما هو كان يلهث فعليا .....
نست تهديده الذي كان منذ لحظات .... و تناست قسوته .....
و أبقت فقط على جمال تلك اللحظة النادرة بينهما ....
انه يكاد أن يبكي فرحا بجنين عمره أيام فقط !! ...... هذا ان كان موجودا من الأساس .... أي منطق هذا ؟!! .......
همست أخيرا بشفتين مبتسمتين
( مجنون ............ )
بضخامته و ملامحه المهلكة ابتسم لها ..... ابتسامة حقيقية وهو يهمس بصوت أجش خافت
( يحق لي الجنون و قد نلت ما تمنيت ...... لديكِ طفلنا ...... تيمائي المهلكة تحمل طفلي ... )
أخفضت وجهها و هي تمنع ضحكة ملعونة الضعف .... فعضت على شفتها السفلى تكبحها , ثم لم تلبث أن قالت بصرامة زائفة و هي تنظر الى من ينظرون اليهما بفضول
( هلا تحركنا الآن رجاءا ؟!! ....... أنت تفتعل فضيحة لا تغتفر .... )
للحظات ظنت أنه لن يتحرك و أنه سيبقي عليها لتطول هذه اللحظات لساعات و ساعات ... و لم تكن هي لتمانع مطلقا ...... ليت العمر كله يختزن في تلك اللحظة ... دون ألم .... بلا تفكير ..... و بلا أي منطق ....
أخفض يده و أمسك بكفها مجددا ليهمس لعينيها العاشقتين
( تعالي معي ............ )
جرت خلفه و هي تمسك بي عمرو بيدها الأخرى حريصة رغم حالة العشق التي تراها الا يغيب عن نظرها للحظة خوفا من رد فعل قاصي ....
هتفت تيماء و هي تلهث
( الى أين ؟؟ ....... ألن نعود للبيت ؟!! ..... )
التفت اليها بوجهه المنتشي و قال بمكر
( لم ينتهي اليوم بعد ...... لا يزال الليل بعيدا ...... )
ارتبكت دقات قلبها و تعثرت خلفه حتى كادت أن تقع , الا أنه استدار اليها و أسندها حتى هدأت ... فسألها بجدية
( هل أنتِ بخير ؟!! .......... )
أومأت تيماء بصمت دون ان ترد ... فابتسم لها قائلا بمداعبة
( يجب عليكِ توخي الحذر في كل خطوة تخطيها ...... فأنتِ تحملين أمانة منحتها لكِ ..... الأغلى على الإطلاق ..... )
ابتسمت تيماء ابتسامة باهتة و هي تنظر الى ملامح جاذبيته بصمت .... و لم تستطع الرد ... لم تقدر على النطق .....
فاستسلمت الى يده و سلمتها مقاليد قيادتها للمتبقي من اليوم ......

كان يجرها من لعبة الى أخرى .... يختار ما يلائم حالتها و كأنها امرأة حامل في شعرها التاسع و ليس مجرد أيام ؟!!! ...... هذا ان كان موجودا .....
هذه المرة لم تهتم لجمال الإنطلاق و المرح ....
كل اهتمامها كان منصبا على قاصي فقط ..... تتأمل سعادته و بريق عينيه و تمني نفسها الا يعود لقناعه الساخر القاسي من جديد .....
في كل لعبة استقلاها كان شعره يتطاير حول وجهه وهو يبدو ضاحكا مختالا ... سالبا عقل كل أنثى تقع عيناها عليه ....
جاذبية سافرة .... وروح طفل ...... يقتنصها شيطان حين يتحول .....

اخيرا كان الإرهاق قد نال منها فمالت اليه و هي تجلس باحدى الألعاب التي تدور على مهل و استندت برأسها الى صدره و قالت مغمضة عينيها
( لقد تعبت يا قاصي ...... الا يمكننا الراحة قليلا ؟؟ ..... )
ضمتها ذراعه اليه بينما أمسكت يده بذقنها يرفع وجهها اليه ليطبع شفتيه على وجنتها بقوة قبل أن يهمس لها بصوت مشاغب
( ما رأيك في المثلجات الآن ؟؟ ............ )
.................................................. .................................................. ....................
( أتعملين أنني أعشق النظر الى وجهك ؟؟ .......... )
ارتفع وجه تيماء التي كانت تلعق مثلجاتها الحمراء بشره ... فنظرت اليه مصدومة من عبارته القوية المفاجئة ....
كان ثلاثتهم يجلسون الى طاولة المقهى الملون المبهج و الموجود في الملاه ......
و كانت في حاجة جدا الى شيء بارد يعيد اليها بعضا من نشاطها و توردها ... لذا ما أن أحضر اليها المثلجات ذات الحلقات الحمراء القانية حتى أقبلت عليها بنهم , غير مهتمة بتلطيخ وجهها و أنفها و حول فمها ....
قالت تيماء بخفوت تتأكد مما سمعته للتو ....
( ماذا ؟!! .......... )
تأملها مرة أخرى مبتسما و ببريق في عينيه قال بهدوء متراجعا في مقعده بأريحية
( أعشق النظر الى وجهك باستداراته ..... تملكين وجه طفل , و جسد امرأة .... رغم قصره .... )
لعقت تيماء السائل الأحمر عن شفتيها فازداد البريق العابث في عينيه ..... ثم قال بخفوت
( هناك المزيد على أنفك ....... )
عقدت حاجبيها و قالت بتوتر و هي تمسح أعلى أنفها بظاهر يدها
( حقا ؟!! ........... )
لاحظت البقعة الحمراء على ظاهر كفها فازداد عبوسها و قالت باستياء
( أنا في حالة فوضى .... كان عليك تنبيهي ابكر قليلا ..... )
اتسعت ابتسامة قاصي و قال مغيظا
( استمتعت برؤية وجهك الملطخ بسائل الفراولة وهو يتحدى الوحمة الوردية في جانب وجنتك ..... أعشقها هي الأخرى ..... )
حسنا الآن فقط أصبحت دقات قلبها تقصف بجنون .....
لفظ العشق خرج من بين شفتيه مرتين و بمنتهى البساطة .... في دقيقة واحدة .....
أعشق النظر الى وجهك ...
و أعشق الوحمة الوردية في وجنتك ......
الا يعشقها هي ؟؟؟ ..... لماذا لا يهمس لها ب ( أعشقك يا تيماء .... )
هكذا و دون شراكة في هذا العشق الذي كلما ظنت أنها قد ملكته ... تسرب من بين أصابعها ......
همس لها قاصي أخيرا يناديها بصوت غريب
( تيماء ........... )
رفعت عينيها اليه و همست بخفوت
( نعم ............. )
ظل صامتا لعدة لحظات ثم قال بصوت أجش خافت
( أريد العودة للبيت الآن ....... احتاج للعودة الآن ........ رغبتي بكِ تهدد بما لا يحمد عقباه ..... )
اتسعت عيناها أكثر ..... و فغرت شفتيها و هي ترى تلك المشاعر الهوجاء تضيء عينيه ....
مشاعر لم ترها في عيني رجل سواه ......
كانت شقية ... نعم .....
محبوبة .... ربما .....
تحرش بها شخص وحيد في هذا العالم و لم ينظر اليها من الأساس .....
تلقت أكثر من عرض زواج محتمل ..... أيضا نعم ....
لكن أي منهم لم ينظر اليها بتلك الطريقة التي كان قاصي ينظر بها اليها .......
و كأنه ينظر الى امرأة ..... بل المرأة الوحيدة على سطح الكوكب بعد حالةٍ من حرمان ذكوري مضني .....
منذ سنوات مراهقتها الأولى و قد تربت على تلك النظرات ...
كانت في البداية مختلسة متهربة ..... ثم تحولت الى متملكة فاضحة .....
لقد تغير شيء ما بجسدها ....
شيء تستطيع تفسيره علميا ..... و تمييزه روحيا ....
لكن النبضات لم تتغير كلما نظر اليها ....
شعورها بأنوثتها أمام عينيه لم تريقه اي شفرة حادة ........
حتى بدأت تتسائل إن كانت قد فقدت شيئا مهما أمام ذلك الإحساس الذي تحسه الآن !! ....... ,
همست تيماء بصوت خفيض و هي تطرق بوجهها
( قاصي ........ أنا .......... هل تشعر بالرضى ...... حين تكون معي ؟؟ ...... )
لم تملك الجرأة على رفع عينيها اليه وهي تسأل هذا السؤال ذو المضامين الخفية ......
و انتظرت .....
لا تعلم لماذا سألته هذا السؤال بعد كل ما كان منه .... و كأنها جارية مملوكة , تحاول زيادة عدد ليالي مولاها معها .....
أما هو فلم يحاول انكار فهمه للسؤال ...... فقال بصوت جاف خفيض
( انظري الي ........ )
رفعت عينيها اليه بنظرة هادئة رغم ارتباكها الداخلي العنيف ..... و كما توقعت كانت عيناه تتوهجان اكثر و ببريق خاطف ....
الا أنه حين تكلم قال بصوت جدي آمر
( أنا فعلا أحتاج العودة للبيت ......... )
انتابتها حالة احباط خفي فأسبلت جفنيها .... ثم قالت بخفوت
( أنت حتى لم تحاول الرد على سؤالي ........ )
ساد الصمت لعدة لحظات .... ثم قال قاصي بصوت لا يقبل الجدل
( ردي سيصلك حين نصل ..... فعلا لا قولا ..... )
احمرت وجنتاها بشدة .... و عضت على شفتها و هي تهمس معترضة بارتباك
( أنا لا أمزح يا قاصي ..... أنا أسألك هذا السؤال بشكل عملي تماما لأنه يهمني , فتوقف عن العبث ..... )
رد قاصي بنفس الجدية و دون تردد ... حتى أنه كان عابسا قليلا
( و أنا سأجيب سؤالك بشكل عملي تماما ...... )
الآن باتت تعض على جانب شفتها بقوة حتى أدمتها ...... ليس من المفترض أن تكون على هذه الحالة من الخجل و الارتباك و الحذر منه و من مطالبه و تلميحاته ....
انها استاذة جامعية الآن .... و ليست المراهقة التي كانت مدلهة تجري خلفه ....
إنها زوجة تقف في مفترق الطرق مع زوج خاطىء تماما .... و عليها أن تختار ....
لكنه لا يساعدها .... فمجرد تلميح عابث صغير منه , يقلب كيانها كله و يحطم كل منطقٍ درسته من قبل ....
إنه الزوج الخاطىء .... لكنه المالك الحصري لقلبها .... و الجارح الوحيد له ....
كان قاصي يراقبها بصمت ثم قال أخيرا بصبر نافذ
( هلا تحركنا الآن من فضلك ؟؟ ........ )
ظلت تنظر اليه قليلا و بداخلها مشاعر متناقضة ... من خوف و رفض سيطرة ... و .... عشق .... عشق زائد عن الحد ...... و من بينها كلها , نبعت روح من الكبرياء جعلتها ترفع ذقنها و تقول بلهجة هادئة بريئة
( ليس بعد ..... أريد المزيد من المثلجات .... )
ازداد عبوس قاصي وهو ينظر اليها , ثم قال بصوت خفيض يحمل ألف معنى ... و ألف تحذير و تهديد
( تيماااااااء ........ )
جعلها تهديده تشعر بأنوثتها أكثر ..... و الاكثر أن هناك من سيعود معها الى البيت , بل و يتلهف لذلك ...
و ليس اي أحد .... انه قاصي ..... حبيبها الوحيد ....
كم هو شعور رائع .....
أي بشر يمكنه أن يحكم العقل الآن و أمامه كل هذه السعادة تفرد ذراعيها له و تأمره أن يغترف منها ....
تدافعت البهجة في أوردتها أنهارا وردية .... فنظرت الى عمرو و قالت برقة و ابتسامة عريضة
( أتريد المجيء معي لشراء المزيد من المثلجات يا عمرو ؟؟ ...... )
نهض قافزا وهو يهتف بسعادة
( نعم ...... أريدها بالشوكولا........ )
تألقت ابتسامة تيماء و قالت بطفولية لا تقل عن عمرو
( يمكنك الحصول عليها ..... ثم نتبادل التذوق ...... )
حاولت النهوض من مكانها و هي ترمق قاصي بعفرتة , الا أن صوت رسالة في هاتفها ... جعلتها تتوقف و تفتحها ببساطة ....
تسمرت ملامحها تماما و هي تقرأ الكلمات المختصرة الرسمية الواصلة اليها

" لو احتجتِ الى مساعدتي ..... هاتفيني و توقفي عن المكابرة ..... بعكس ما تظنين , كنت دائما أحاول اختيار الأفضل لكِ , حتى لو لم تناليه مني ...... سالم الرافعي "

شعرت تيماء بخيط من الجليد يسري في سلسلة ظهرها ..... و تجمدت عيناها تماما و هي تعيد قراءة الكلمات الصارمة .....
والدها أرسل اليها رسالة .....
يخبرها أنه موجود ..... بعد أن كان قد لفظها تماما من حياته و من قلبه ......
أخذت تيماء نفسا متوترا و هي ترفع وجهها تنظر الى البعيد بملامح لا تحمل أي تعبير ......
في داخلها رجفة ذات مذاق غريب ..... و كأنها تريد أن ....... ماذا ؟!! ... هل هي مجنونة ؟!!
بعد ما اقترفه في حقها ؟!! ........ بعد ذبحه لها ؟!! ......

" يا عديمة الكرامة ........ "
قصفت تلك الكلمات القاسية في ذهنها بصوت قاصي و بمنتهى العنف .... تتذكر حين صرخ بها دون رحمة ما أن تجرأت على الإحتماء بوالدها .....
كان محقا ..... و كان قاسيا , في غاية القسوة ....... و لا زال صوته الصارخ بتلك الكلمة يرن في اذنيها بلا رحمة من يومها ......
" يا عديمة الكرامة ......... "

تكلم قاصي بهدوء فجأة قائلا
( هل هناك مشكلة ؟؟ ...... ممن الرسالة ؟؟ ...... )
أجفلت تيماء و هي تنظر اليه مصدومة بملامح شاحبة ..... , الا أنها بمهارة ابتسمت له ابتسامة صغيرة و قالت تهز كتفها
( رسالة من زميلة لي ..... تخبرني بتغيير في الجدول الدراسي ..... )
لم يظهر على ملامحه أهي اهتمام كما توقعت تماما .... فليس هناك طريقة لاطفاء اهتمامه أفضل من الحديث عن عملها .....
وضعت هاتفها على الطاولة و هي تشعر بقليل من الظفر .... فلها سر تخفيه عنه .... سر لو عرف به سيؤذيه , و يحطم بعضا من تلك الثقة حد الغرور التي يعاملها بها ....
ثم قالت بلهجة هادئة
( هيا بنا يا عمرو ......... )
لكن و ما أن مرت بقاصي حتى التقط كفها بقبضة من حديد دون أن يتحرك من مكانه أو حتى ينظر اليها .... ثم قال بلهجة غامضة
( لم تحصلي على ردٍ لسؤالك يا تيماء ... الى متى ستجبريني على الإنتظار ؟؟ ..... )
ابتسمت بنعومة و انحنت اليه مستندة بكفها الى ظهر كرسيه , لتهمس في أذنه
( لا يزال الليل بعيدا ..... ثم أنني حصلت على الجواب بالفعل , لذا فلندع التطبيق العملي لوقته ...... )
رفعت أصابعها تمسح بها نقطة من المثلجات عن زاوية شفتيه ثم همست برقة
( هناك مثلجات على فمك يا أخرق ........ )
حاولت الإستقامة لتبتعد عنه , الا أنه جذبها مجددا بقوة كادت أن توقعها و ما أن وصلت أذنها الي مجال وجهه استدار اليها و همس فيها بخفوت أجش
( حين نصل الى البيت لن أرحم محاولتك في التهرب حينها ........ )
شعرت و كأنه يهددها بالفعل بعد أن رمت له سؤالها و تركت له مهمة الإجابة ..... ثم تخاذلت ....
ابتسمت له بنعومة أكبر ثم ابتعدت عنه و قالت ببهجة
( لن نتأخر ............ )
و ما أن اختفت مع عمرو ..... حتى التفت وجه قاصي الى هاتفها الموضوع على الطاولة يتحداه ....
و لم يكن بحاجة الى تحدي فمال اليه ليأخذه دون تردد ثم فتح الرسائل بكل ثقة ....
الى أن حصل على الرسالة المنشودة .....
حينها رفع وجه بملامح قاتمة و عينين غاضبتين .....أما أصابعه فكادت أن تحطم الهاتف المسكين بينها .....
سالم الرافعي .... يهدد بابعاده عن امرأته .... مستخدما أقذر الطرق .....
هذا التفكير في حد ذاته جعل عينيه تتلونان بلون الخطر القاتم .....

كانت تيماء واقفة بجوار عمرو .... تنتظر انتهاء تحضير المثلجات الخاصة بهما .....
تهز ساقها بعصبية و تعض على شفتها .... تكاد ان تصرخ في الرجل أن يسرع .....
تتسائل بداخلها ان كان قاصي قد فتح الرسالة و رآها .......
كان بامكانها أن تخبره ببساطة .... لكنها أرادت أن يكون لها سرها , فيحترق على مهل و لا يتعبرها أمر مسلم به في حياته ......
أخذت المثلجات سريعا و عادت هي و عمرو .....
الا أنها توقفت تماما .... و هي ترى قاصي واقفا يحادث فتاة جميلة تتلاعب بشعرها و عيناها لا يمكن أغفال الإعجاب الصارخ فيهما تجاه قاصي ....
اما السيد المحترم فقد كان يحادثها ببساطة مبتسما واضعا يديه في جيبي بنطاله و عينيه تتحدثان بلغة العبث التي تعرفها جيدا .....
كان منظرهما معا ملائما جدا .... كلاهما بشعرٍ طويل متحرر من القيود .... كلاهما يرتدي بنطال من الجينز الضيق يبرز قوام كل منهما ....
كلاهما يبدو جذابا و متمردا على أي قانون .....
أما هي فقد كانت كالنشاز بينهما .... بملابسها الوردية الفضفاضة و ووشاح رأسها .... تمسك بمخروطي مثلجات و طفل صغير ممسك بطرف سترتها بناءا على أوامرها !! .....
وقفت تيماء بعينين متسعتين تراقب شفتيه الشهوانيتين وهما تبتسمان و تتحركان في كلام متكاسل .... بينما جسده يتحرك بخفة في لغة أخرى متناسبة مع لغة جسد تلك الفتاة المتمايلة و كأنها لا تملك عمود فقري .....
رأته يقول شيئا .... فضحكت الفتاة بصوتٍ عالٍ و كأنها قد سمعت نكتة الموسم ....
فهمست تيماء بذهول و تهديد
" أيها السمج السخيف ...... يا ظريف كظرف دب متدحرج .... "
نفخت تيماء صدرها ...و رفعت وجهها و هي تقول بصلابة
( هيا يا عمرو ......... )
و دون ابطاء كانت قد وصلت اليهما في أربع خطوات عريضة , ثم قالت بصوت عملي تعامل به من يقلل من احترامها من الطلاب في المحاضرة
( عفوا ....... بماذا يمكننا أن نخدمك ؟؟ ....... )
أجفلت الفتاة و هي تنظر الى تيماء المتحفزة بينما التفت قاصي اليها وهو يرى قامتها القصيرة متحفزة و كأنها تكاد أن تقف على اطراف أصابع قدميها ...
بينما الخطر في عينيها ينبئه انها على وشك الإستسلام لاحدى نوبات جنونها المعروف .....
الا أن الفتاة تكلمت ببرود و هي ترمق تيماء من أعلى راسها و حتى قدميها .... ثم قالت بميوعة
( كنت تائهة و أسأل عن باب معين ........ )
ارتفع حاجبي تيماء و قالت بتعاطف مسرحي زائف
( تائهة !!!!! ..... يا حبيبتي , من المؤكد أن والدتك مرتعبة عليكِ الآن ..... المرة القادمة اطلبي منها أن تثبت في قميصك ورقة مدون عليها أسمها و رقم هاتفها كي يستدل عليها من يجدك ..... )
ارتسمت ابتسامة متلاعبة على شفتي قاصي وهو يراقب تيماء دون أن يتحرك من مكانه و كأنه يراها و قد عادت للسابعة عشر من عمرها ..... تلك المجنونة الصغيرة التي اشتاق لوقاحتها و دفاعها الشرس عنه .....
ارتفع حاجبي الفتاة باستنكار من هذا الهجوم الغير مبرر فقالت باستياء متبجح
( عفوا و من انتِ كي تكلمينني بتلك الطريقة ؟؟؟ ......... )
ردت تيماء و هي تهز كتفيها متبجحة مثلها تماما و مقلدة نبرة صوتها القميئة
( أنا زوجته يا نور عيني .......... )
نظرت اليها الفتاة نظرة ممتعضة .... و هي تراها كربات البيوت ... قصيرة ممسكة بالمثلجات ووشاحها يكاد أن يسقط على عينيها .... بينما هناك بقعة مثلجات على سترتها .... و طفل يمسك بطرفها .....
ثم نقلت عينيها الى قاصي .....
طويلا ..... حرا كرجلٍ يقطر عبثا .... بعينيه الصريحتين و شعره الطويل الذي يزيد من مظهر عبثه .....
فرفعت حاجبها و قالت بخفوت ممتعض ...
( لم أخمن أبدا ........... )
أوشك الغضب أن ينال من تيماء و علمت أن تلك الفتاة بخامة الجينز هوية و غلافا .... ستجبرها على التصرف بطريقة لا تليق بالقليل من العقل الذي نجحت في تكوينه عبر السنوات ...
لذا أغمضت عينيها و اخذت نفسا طويلا و هي تقول بخفوت
( يا طول البال ...... اذهبي من هنا قبل أن أتصرف معكِ بما يليق بكِ , و مرة أخرى حين تضيعين .... حاولي الذهاب الى العاملين في المكان أو سؤال أي سيدة .....الا اذا كنتِ تبحثين عن الخطف بذراعين مفتوحتين ...... )
أصدرت الفتاة صوتا ساخرا ... قبل أن تنظر الى قاصي قائلة بقرف
( كان الله في عونك ........... سلام .... )
راقبت تيماء ابتعادها ... و اردافها تتحرك في هذا البنطال الضيق بجرأة و استفزاز .... ثم استدارت الى قاصي بوحشية متوقعة أن يكون واقفا ليراقب تلك الأرداف المتلاعبة بعينيه اللتين تطلبان الخرق بأظافر شرسة الآن .....
الا أن عيناها اصطدمتا بعينيه البراقتين و ابتسامته الواسعة وهو يراقبها هي ...... و كأن لا أحد آخر غيرها في هذا المكان ...
هتفت تيماء بغضب مجنون
( سعيد طبعا ...... اليس كذلك ؟!! ...... )
ظل يراقبها بنفس النظرات العميقة ذات الإشتعال الذاتي الشبيه بموقد ذو قدرة عالية .... ثم قال بصوتٍ متوهج من السعادة
( في غاية السعادة ............. و كأن السنوات لم تمر يا مجنونة ..... )
همست تيماء من بين أسنانها بشراسة
( قاصي ..... لا أنصحك باستفزازي حاليا , الا تحترم نفسك و عمرك ؟!! .... لم تعد نفس الفتى في العشرينات ..... منظرك و انت تكلمها مبتسما ببلاهة كان مثيرا للشفقة ...... )
ضحك قاصي عاليا حتى تراجع رأسه أمام عينيها الغاضبتين .... بينما أخذ صدرها يعلو و يهبط بسرعة عنيفة و كادت أن تقحم مخروط المثلجات في أنفه المتباهي المستفز .....
و ما أن انتهى حتى نظر اليها وهو يسعل قليلا ثم قال بلهجة سعيدة تفيض بالوعيد
( الناس ينظرون الينا يا أستاذة ..... أرى أنكِ قد افتعلتِ فضيحة أكبر مما فعلت أنا ...... )
نظرت تيماء حولها بوجهٍ مرتبك و قد لاحظت النظرات تتجه الي تلك الأسرة المجنونة .... حتى أن هناك امرأة قالت لزوجها على مقربة منهما و قد تصادف وجودها بنفس المقهى الخاص بالملاه ....
" أنهما نفس المجنونين من كانا عند منصة القفز !! ....... "
أغمضت تيماء عينيها و هي تلتقط أنفاسها محاولة تهدئة نفسها .... الا ان قاصي تكلم أخيرا آمرا وهو ينحني ليحمل عمرو فوق كتفيه
( احضري المثلجات و الحقي بنا ...... آن أوان العودة , و لا مزيد من التأجيل .... )
أرادت الصراخ به و الإعتراض على تلك الهيمنة التي يمارسها عليها .... الا أنها كانت قد تعبت من تلك العروض العلنية التي قدماها اليوم .... لذا تحركت خلفه وهي مطرقة الرأس تشعر بالغضب من تتبعه بتلك الطريقة ...
الا أنه وقف فجأة و استدار اليها ليقول ببساطة
( لقد نسيتِ هاتفك على الطاولة ........... )
استدارت تيماء مجفلة .... و وجدته على الطاولة فعلا في المكان الذي تركته به دون أن يمس ....
رمشت بعينيها بتوتر و حاولت الرجوع اليه ... الا أن قاصي قال بهدوء آمر
( لن تستطيعين أخذه و انت تحملين المثلجات ..... لقد بدأت تسيل على يديك بالفعل , سآخذه انا .... )
و دون انتظار ردها .... اتجه الى الهاتف و دسه في جيب بنطاله ثم تحرك أمام عينيها الواسعتين الضائعتين بينه .... و بين الهاتف في جيبه .....
قال قاصي ساخرا عابثا وهو يرفع راسه الى عمرو المستقر حول عنقه
( عمرو ..... هل رأيتها و هي تقول .... " أنا زوجته يا نور عيني " ..... )
ضحك عمرو و هز كتفيه وهو يقول مقلدا صوتها ببراءة
( نعم كانت تفعل هكذا .... " أنا زوجته يا نور عيني " ..... )
هتفت تيماء من خلفهما متعثرة بغضب
( توقف يا قاصي ...... هذا ليس مضحكا ....... )
ضحك قاصي دون أن يستدير اليها قائلا
( حاضر يا نور عيني ............. )
بينما عمرو يقلده مع حركة أكتافه الصغيرة
( حاضر يا نور عيني ........ )

صرخت تيماء بغضب و هي تلحق بهما .......
( توقفا عن هذا حالا ............. )
.................................................. .................................................. ......................
دثرته تيماء بالغطاء جيدا فوق الأريكة .... بعد أن حممته و مشطت شعره ....
فأغمض عينيه مع أول سطر في قصة كانت قد بدأت تحكيها له , و راح في سبات عميق حتى تعالت صوت أنفاسه اللاهثة الصغيرة ......
بقت تيماء مكانها تراقب عمرو بصمت و هي جالسة أرضا على ركبتيها بجوار الأريكة .... تداعب شعره في الضوء الخافت للمصباح الجانبي .....
بينما راحت أصابعها تداعب خصلات شعره الناعم بشرود ....
هذا الطفل يثير بداخلها مشاعر غريبة جدا ......
ولعل تلك المشاعر هي السبب الوحيد الذي يحد من احساسها بخيانة قاصي لها ......
هذا الطفل ما هو الا مزيج غريب منها و من قاصي .......
يحمل جزءا من مأساة كل منهما ......
قصة جديدة محزنة ... بطلها هذا الصغير ذو الإبتسامة التي تسرق قلب مارد .......
تشنجت تيماء فجأة و انتبهت من شرودها و هي تستشعر بكفين رجولين يحطان على كتفيها قبل أن تشعر بقاصي يجثو خلفها بصوت خافت ....
لم يتكلم .... انما لامستها أنفاسه وهو يقترب بوجهه منها الى أن قبل عنقها برقة كادت أن تذيب أوصالها ....
ساد الصمت لعدة لحظات و شفتاه تتحركان على طول عنقها و أذنها و جانب فكها .... بينما مالت هي برأسها للجانب الآخر و كأنما تسهل له مهمته .....
و كم تمنت أن يطول هذا الصمت للأبد ..... لا يقدم على أكثر من هذا .....
تلك الروعة التي تشعر بها الآن لا ترغب في أكثر منها .....
لكنه رفع وجهه و همس في أذنها بصوت أجش خافت
( تعالي معي .............. )
و دون أن ينتظر ردها كان قد نهض من مكانه ممسكا بكفها يجذبها معه ...... يجرها خلفه الى غرفة نومها ...
همست تيماء من خلفه باعتراض متداعي يائس
( انتظر يا قاصي ...... انتظر ....... )
لم يستدر اليها و لم يمهل خطواته وهو يقول بسطوة آمرة
( لا ......... لقد اكتفيت ..... إنه شهر عسل الاكثر عذابا بين كل من تزوجوا من قبل ..... كلما نهلت جرعة منكِ مرت بعدها أيام و ساعات طويلة ليتضاعف عذابي .... و قد آن لهذا الحال أن ينتهي .... )
كان قلبها ينبض بعنف ..... و ساقاها تتشابكان ....
لذا حاولت القول بصوت متلعثم متردد
( أريد ان أحضر نفسي على الاقل ......... )
كان قد وصل الى غرفة نومها و أغلق الباب خلفهما قبل أن يديرها اليه ..... ينظر اليها بنظراتٍ لم ينظر بها رجل غيره اليها .....
و هي ترتدي رداء الحمام الزغبي الضخم الذي يكاد أن يبتلعها ......
ثم تحركت يداه الى ربطته فوق خصرها ليحلها وهو يهمس بصوت أجش
( سأحضِرك أنا ............... )
.................................................. .................................................. ....................
نعم لقد انتهكوا جسدها من قبل خوفا من أن تتلاعب بها أهوائها اكثر فتجلب لهم المزيد من العار .....
لكنهم لم يستطيعوا سلبها تلك النبضات العنيفة لقلب يصرخ بحب هذا الرجل .....
نبضات تتضاعف مع نظراته لها ..... و كأنها المرأة الوحيدة على سطح كوكبه .......
تيمائه التي لن تطئها قدم بشر غيره .......
بعد مضي ساعات لهما معا .....
عنيف المشاعر ..... مهيمن عليها ببراعة و دون غباء فرض السيطرة ......
عرفت تيماء الجواب .....
قاصي لا يستعبدها جسديا .... انما روحيا ......
لم يكن الجسد عاملا قويا في علاقتهما ..... بل مجرد رفاهية ..........
أحاطت عنقه بذراعيها أخيرا و هي تجلس مواجهة له على ركبتيه .....
ترتدي القميص الناري الذي ألبسه لها بنفسه ..... دون أن يلجأ الى اشباع رغبته على الفور .......
أشعرها في كل لحظة كم هي أنثى مرغوبة و جميلة ..... و كيف يحب أن يراها تحديدا ......

كانت تستمع الى صوته وهو يغني لها همسا امام شفتيها بصوتٍ غير مسموع تقريبا
يا غريب الدار بأفكاري "
"
قد تخطر ليلاً و نهار
أدعوك لتأتي بأسحاري
بجمال فاق الأقمار
الثغر يغني و يٌمني
و الطرف كحيل بتار "
صمت الهمس الملحن بصوته الأجش ... فتابعت هي بدلا عنه و هي تهز رأسها بشعرها المموج المجنون

" و القلب أسيرٌ هيمانٌ
ما بين بحور الأشعار"
رفع اصبعه يتحسس بهما الكلمات فوق شفتيها المكتنزتين كشفاه الأطفال .... متورمة من شوق قبلاته و التي تبدو و كأنها لا ترتوي أبدا .... بل تزيد توقا كلما اتزاد منها ....
صمتت تيماء و هي تنظر اليه بعينين كالجواهر .... تلمع بألف لون ...... بينما أصابعها تداعب شعره و هي تنهل من جمال ملامحه ....
تكلم قاصي بصوت مختنق وهو يضع كفه على معدتها مجددا و كأنه لم يصدق بعد ...
( متى سنتأكد ؟؟ ........ )
همست تيماء له بمحبة و تعاطف و كأنها تحادث طفلا مشتاق للعبة العيد
( ليس أقل من أسبوعين ....... أنت مجنون حقا ...... )
همس لها قاصي باستياء من طول المدة
( كل هذا الوقت ؟!! ....... كيف تشكين في الأمر الآن اذن ؟!! .... )
ازدادت ابتسامتها تعاطفا و قالت بخفوت
( أنا فقط منتظمة المواعيد ...... لذا التأخير يثير للشك , كنت أنتظر فقط لأتأكد من الأمر .... لا لأتخلص منه كما تفضلت أنت و لمحت بكل عاطفية ...... )
أظلمت عيناه قليلا ... و شعرت بأصابعه تشتد على خصرها , و بدا و كأنه يصارع شيئا ما بداخله ...
ثم لم يلبث أن قال لها بصوت خافت أجش
( لا مجال للتراجع الآن يا تيماء ..... الملكية الحصرية و الوحيدة عادت لي .... بكِ و بابني ..... )
أخذت تيماء نفسا عميقا و هي تنظر اليه باستسلام حزين ..... انها تحارب وحوشا خفية في ظلام دامس ....
و ستكون مهمتها شاقة جدا ..... و مؤلمة جدا .....
هتفت أخيرا بخفوت يائس .... بدا كأنين محتضر
( أحبني أرجوك ............. )
ارتفع حاجبيه قليلا وهو يسمع تيمائه تهتف له متوسلة مشاعر كتلك التي وقعت عليها تسليما له بحصرية منذ سنوات .... منحته ما لم يناله من أي أنثى سواها , أو من أي مخلوق آخر غيرها ....
ظلت تنتظر منه أن يجيب توسلها .... وهو ينظر اليها عاقدا حاجبيه و كأنه لا يعرف ماذا يقول ...
فهمست له بخفوت متألم
( هل ما أطلبه صعبا لتلك الدرجة ؟!! ............ )
ضاقت عيناه وهو ينظر اليها بتلك العواصف الداكنة بهما .... ثم همس قائلا
( هل أملك ما منحتني اياه يا صغيرة ؟!! ........ )
أفترت شفتاها عن ابتسامة حزينة و هي تهمس
( تعترف اذن أنني منحتك الكثير ........ )
رفع كفيه ليجدل أصابعه في خصلات شعرها المتشابكة و قال بخشونة وهو يتأمل كل ذرة من وجهها
( منحتِني تيماءا واسعة وسع الكون ...... لا تتسع سوى لخيولي الجامحة ..أنا فقط . )
و أنت منحتني ألما .... و لا تزال .....
كانت تلك هي الكلمات التي ارتسمت على قلبها .... الا أنها لم تنطق بها , بل اكتفت بأن مالت اليه و احتضنت وجه بين ذراعيه تضمه الى صدرها ....
فهمس لها مغمضا عينيه
( أحب احتضانك لي ............ )
همست فوق شعره برقة
( و أنا أيضا ............ )
مال قاصي بها الى الفراش بعد لحظاتٍ طويلة , الا أنها تلوت و قفزت واقفة و هي تهتف بسعادة
( أنا جائعة ......... و أنت لا تشبع ..... )
عقد قاصي حاجبيه وهو يقول مهددا
( تيماء .............. )
الا أنها جرت منه كغزال مشاغب بشعرها المتطاير كالأسلاك اللولبية في كل مكان بصورة فتنت عينيه أكثر
فقام من مكانه قافزا من مكانه خلفها ليمسك بكفها قبل أن تخرج من الغرفة فدارت حول نفسها و هي تتمايل معه بنعومة ... بينما تقبل رقصها بتمايل مثله يتناغم معها على لحن يعرفه كل من جسديهما .....
لا تزال تحفظ كل حركة .... كل تمايل تتقدم به , يقابله تمايل من جسده الرشيق يتراجع به لها .....
كانت تطير فوق النجوم ..... ترفع وجهها للسقف و كأنها ترى السماء الواسعة عبره ......
يده هي القيد الوحيد الممسك بكفها يمنعها من السفر الى فضاء بعيد ..... بعيد جدا .... لا تلامس فيه قدميها الأرض ...
هتفت له و هي تراقصه و تدور حول نفسها عدة دورات بجنون
( أحبك ...... أحبك يا مجنون .......... )
اعتقلتها ذراعه لتوقف جموحها , قبل أن يحملها عن الأرض لاهثا ..... ثم نظر الى عينيها المتوهجتين بعينيه ذاتا الجمرتين
( يكفي هذا ........ أنت تحملين طفلي ...... تلك الحياة التي منحتها لي ..... )
ابتسمت تيماء و فكرت في تلك اللحظة ....
أن خبر تأكيد حملها .... هو أروع أمنية انتظرتها في عمرها كله , فهو الحياة لقلب حبيبها .......
.................................................. .................................................. ....................
تعالى صوت تنفسه الهادىء و رأسه ترتاح على صدرها بعد أن راح في سبات عميق .....
بينما تركت هي الضوء الجانبي مضاء له ..... و ظلت تلاعب شعره بنعومة و هي غير قادرة على النوم براحة مثله .....
اخذت تمرر كفها على ذراعه المحيطة بخصرها و كأنها تتحدى أي كابوس في العبور اليه دون أن يتجاوزها هي قبلا .....
ارتفع وجهها فجأة حين سمعت صوتا مكتوما لرسالة نصية وصلت الى هاتفها !! ....
رمشت بعينيها و هي تهمس بخفوت ناظرة حولها
" هاتفي !! .......... "
ثم تذكرت بجنون أنه لا يزال في جيب بنطال قاصي من وقتها !! ....
نهضت من مكانها بسرعة و هي تبحث عنه الى أن وجدته ملقى أرضا باهمال .... فانحنت لتخرج الهاتف من جيبه , ثم فتحت الرسائل باصابع مرتجفة ....
و كما توقعت بصدمة .... كانت رسالة أخرى من والدها !! .....
" على الأقل تحلي ببعض الأدب و أجيبي على رسالة والدك !! ...... لكن هذا ما توقعته منكِ "

نظرت بسرعة الى قاصي و الذي كان يغط في نوم عميق و لا يشعر بنهوضها من جواره .....
و بدت مترددة ....
واقفة مكانها لا تعرف هل تتجاهل الرسالة الثانية من سالم الرافعي ... أم ببساطة ترد عليها ببرود و ترفع ....
ظلت تنظر الى قاصي عدة لحظات اضافية ... ثم أخذت قرارها فأرسلت الى والدها ... تكتب بتوتررسالة مختصرة

" كنت في الخارج و عدت متأخرة ...... أنا بخير و شكرا على سؤالك و عرضك للمساعدة , لكنني لا أحتاجها .... "

أرسلت الرسالة ثم وقفت مكانها تلتقط نفسا عميقا و هي تشعر بمشاعر غريبة للغاية .....
لكنها انتفضت حين صدح صوت رنين الهاتف في يدها فجأة !! ....
اتسعت عينا تيماء و قفزت برعب و هي تسارع بغلق زر الصوت باصابع خرقاء .....
ثم تحركت متعثرة لتخرج من الغرفة على أطراف أصابعها ....
كانت كمن تخرج بعد نوم زوجها لتخونه مع آخر !!!! ....
نعم هذا هو الشعور تماما ...... أنها تخون زوجها بردها على سالم .......
لكنها كانت تريد الرد ......
ستسمع ما يريد ثم تغلق الهاتف ببساطة و ينتهى الأمر فلا يعود الى عرض تلك المساعدة المتأخرة جدا ....
رفعت تيماء الهاتف الى أذنها بعد أن ابتعدت عن الغرفة .... و قالت بخفوت فاتر
( نعم ........ )
ساد الصمت لعدة لحظات قبل أن يصلها صوت سالم الرافعي ليقول بجمود
( قمتِ بالرد اذن .............. )
تردتت تيماء و هي تتحرك ببطىء ... و أصابع قدميها تتلوى تحتها على الأرض , ثم قالت بنفس الخفوت الفاتر
( هذا ما يبدو ........... )
قال سالم بصرامة
( هل هو معك ؟؟ ............... )
شعرت تيماء بخجل أحمق ..... ارتباك غبي و هي تجيب
( نعم ....... هو نائم الآن ........ )
سمعت صوت ضحكة قصيرة مستنكرة خشنة ..... بدت ضحكة تقزز , فازداد امتقاع وجهها و برود قلبها ,
الى أن قال والدها في النهاية ....
( لماذا ...... فقط لماذا تسمحين له أن يسلبك أي قدر تمتلكين من الكرامة و الشخصية ؟!! ...... الا ترين ما يملكه من نقص و دناءة روح ..... و بالرغم من ذلك تسيرين خلفه دائما عمياء الروح , مسلوبة الشخصية و الأرادة ..... )

" يا عديمة الكرامة !!! ........ "
كلمة قاصي العنيفة نفسها .... من سخرية الوضع أن كل منهما يتهمها بأنها عديمة الكرامة ........
ظلت تيماء واقفة مكانها و الهاتف على أذنها .... تنظر الى الفراغ المظلم المحيط بها , بينما تابع سالم الرافعي يقول بغضب مكتوم
( منذ سنوات كنتِ مراهقة تجري خلف شهواتها .... أما الآن ..... فما هو السبب ؟؟؟ .... ما هي نقطة ضعفك تجاهه و التي يمسك بها ليذلك بتلك الطريقة ؟؟ ...... )
أظلمت عينا تيماء و كلمات والدها تصفعها بقوة و دون هوادة .... و ما أن انتهى من كلامه المحتقر , حتى قالت بخفوت بطيء ....
( حين كنت مراهقة , لم تفكر سوى بأنني أجري خلف شهواتي ... لكن دعني أخبرك شيئا يا أبي , ها قد مرت السنوات ..... و عرفت أن الشهوات لم تكن هي ما يربطني به , و رغم ما فعلته معي .... ها أنا معه في النهاية ....... لم تنجح في قتل قاصي الحكيم بداخلي ...... )
ساد صمت متوتر طويل بينهما ..... الى أن قال والدها بخفوت صلب
( لم تنسي بعد ............ لازلت تحقدين علي بسبب ما حدث .... )
ابتسمت تيماء ابتسامة حزينة .... تحمل ظلالا سوداء , ثم قالت بخفوت
( و هل ينسى هذا ؟!! ....... لم تكن امرأة يوما يا أبي كي تفهم بشاعة ما حدث ....... )
ساد الصمت القاتم مجددا .... ثم قال سالم بصوت أجش
( مهما كانت ظنونك ....... فقد كنت أفعل هذا لمصلحتك ..... )
هتفت تيماء بصوتٍ أعلى قليلا
( بل كنت تعاقبني .......... )
رد سالم عليها بقسوة
( نفس الشيء ............... )
صمتت تيماء و هي تشعر بأن كلماته كانت أكثر قسوة من الشفرة الحادة المريقة للدماء .....
وقفت و هي ترتجف فعليا بألم لم تظن أنه لا يزال موجودا في ركن مظلم من زوايا روحها .......
قال سالم بصوت أجش
( لم تكوني الوحيدة ........ )
فغرت تيماء شفتين متيبستين .... ثم قالت بقسوة خافتة
( تعلم كيف حدث ...... تعلم أنك اقتلعتني من بيئة بعيدة من بيئتك و ذبحتني حية ...... لا يا أبي , كنت الوحيدة فيما جرى ......... لطالما كنت الوحيدة في أي شيء يخصك .... )
رد سالم بصوت عنيف مكتوم
( لقد أعطيتك كل ما أستطيع .. الا تتذكرين لي أي شيء ؟؟ .... ربما لو كنت قد رميتك أنت و أمك بكل معنى الكلمة , لكنتِ حينها عرفتِ الفرق ..... كان لكِ والد في الخفاء يا تيماء , عشتِ في كنفه مرتاحة و آمنة ..... لكنك اخترت الخروج من هذا الأمان الى أقرب يد عابثة امتدت اليكِ لتعوض نقصا بامتلاكك ...... كانت يد الحقير الذي كان و لا يزال يتلاعب بكِ لسنوات طويلة جاعلا منكِ سلعة رخيصة لمتعته ....و أنتِ تقبلين )

أغمضت تيماء عينيها و هي تشعر بأن الكلام غير مجدي .....
لقد بات الحوار بينهما كضرب جثة هامدة .... منفر و موجع دون جدوى ........
همست أخيرا
( لماذا تتصل بي الآن يا أبي ؟؟ ....... لقد اخترت طريقي بعيدا عنكم و انتهى الأمر , ..... هل تشعر بالخزي لأن قاصي انتصر عليكِ ؟!! ..... لو كان الأمر كذلك فأرح بالك , ليس هناك أي انتصار لأي منا ..... نحن مجرد غريبان في هذه الحياة تلاقينا و كأنما وجد كل منا الآخر , ليرى به وطنا افتقده ...... أرجوك كفى ...... لقد اكتفيت يا أبي , والله اكتفيت من الألم و لا أرغب سوى ببعض الراحة .... )
ساد الصمت بينهما ..... طويلا , الى أن قال سالم الرافعي أخيرا بعنف
( لا تزال الفرصة متاحة لكِ يا تيماء ...... اتركيه و أنا سأنال منه , و أزوجك واحدا من أسياده ...... )
اغمضت تيماء عينيها و هي تهز رأسها يأسا .....
نعم ..... ليس هناك أي فائدة من الكلام بينهما ,
فتحت فمها لتتكلم , الا أن الهاتف اختطف منها فجأة !!!! ......
شهقت تيماء عاليا و هي تستدير لترى قاصي يقف أمامها في الظلام .... الهاتف بيده و عيناه تلمعان بتهديد مخيف و كأنما هو على وشكِ قتلها .....
رفعت تيماء يدها الى عنقها تتنفس بتوتر و هي تتراجع خطوة أخرى .... بينما أخذ صوت سالم يتعالى في الهاتف أكثر
( تيماء ...... تيماء , أين أنتِ ...... ماذا حدث ؟؟ ........ )
لكن و أمام عينيها الذاهلتين رفع قاصي الهاتف ليلقي به بأقصى قوته .... ضاربا اياه في الحائط , فسقط أجزاءا مبعثرة , مما جعلها تشهق مجددا و هي تهتف
( قاصي هل جننت ؟؟؟ .......... )
تململ عمرو منتفضا في مكانه على الأريكة .....
الا أنه لم يستيقظ بعد ..... أما قاصي فقد تحرك تجاه تيماء بخفة النمر فوق الأرض العارية الى أن وصل اليها و هي تهمس له بخفوت
( اهدأ و أنا سأخبرك بكل ما دار من حوار بيننا ....... لكن فقط اهدأ ..... )
الا أنها لم تجد الفرصة كي تخبره ..... كان هذا مستحيلا , فقد انقض عليها ........
.................................................. .................................................. ......................
وصل شقته أخيرا ليرتاح .....
يومان عنيفان ...... بكل ما دار بهما , .....
استلقى على فراشه بتعب وهو ينظر الى السقف بصمت و قد وضع عنه قناع البساطة و الإبتسامة الزائفة التي تكلفها في بيت أمين .....
كان يلعب دوره بمهارة مرهقة كي لا يعلم أمين بما حدث لسوار فتنتشر القصة أكثر و أكثر ......
أظلمت عينا فريد ... و شعر بقبضة غاضبة لا تزال تطبق على صدره ..... قبضة من غضب و عجز .....
صحيح أنه قد تم ستر الأمر بمعجزة و بفضل ما أقدم عليه ليث .....
لكن ما حدث سيظل يهدد سوار طوال عمرها ....
و لو افتضح الأمر فستكون كارثة لها ......
هو يعرف طبيعة الحياة في بلد والده جيدا ..... يعرف كيف تقاس أمور الشرف و العرض بطريقة لا تقبل التهاون ....
لا أحد يفكر فيمن كان الظالم و من المظلوم ....
انما سمعة المرأة ما هي الا ثوب أبيض ... لو ناله أي تلوث فستبقى مدنسة للمتبقي من عمرها .....
و سوار رغم ما نالته من تعليم راقي و سفر طويل .... الا أنها عادت و استقرت في البلد منذ سنوات و التزمت بقوانينها .....
تنهد فريد بألم وهو يفكر في شقيقته الوحيدة ....
لطالما كانت سوار هي الأقوى بينهما طوال عمرهما ..... لكنها كانت الملتزمة دائما بالقوانين ...
أما هو فقد كان المتمرد على أي قانون .....
لذا فقد تقبلت سوار بقوة ارادة تسيير حياتها بأوامر العائلة ......
من راجح لسليم ......
و ها هي الآن زوجة ليث الهلالي ........
لم يكن سهل عليه أن يتقبل زواجها بتلك الطريقة !! .... كستر عرض و تظل أسيرة هذا الفضل للمتبقي من عمرها ...
لكن لم يكن بيده حلا آخر غير القبول بالقوانين للمرة الاولى حين اصبحت مصلحة شقيقته و سمعتها على المحك ....
عجز يجعله يشعر بالصغر و الضآلة ......
لو كان عليه لكان أخذها معه و سافر بها للأبد دون العودة الى تلك البلد مجددا ... و ليعرف من يعرف ....
هو لا يهتم .... لأنه يعرف أخته و يثق بها ....
لكن ما يريده هو ليس المهم ..... المهم هي مصلحة سوار و الهرب بها لم يكن الحل ....
هذا بالإضافة الى أن زواجها من ليث كان يلاقي في نفسه ارتياحا ....
ليث الهلالي هو الزوج الوحيد الذي يرتضيه لسوار .....
فهو يعلم منذ سنوات طويلة كم كان ليث يتمناها لنفسه و على الرغم من حبه لسليم رحمه الله ...
الا أنه كان يدرك أنه لا مشاعر حب تجمع بينهما كزوجين ...
مجرد صداقة أو مودة .....
لكن ليث هو من كان يحبها منذ البداية و يريدها لنفسه ..... الى ان رفض جده دون حتى الرجوع الى والديهما .....
أغمض فريد عينيه وهو يهمس بغضب مكتوم
" سامحيني يا سوار ..... سامحيني يا حبيبتي ..... لم أستطع يوما أن أساعدك في رسم حياة حرة لكِ .... تركتك لقيودك التي اخترتها بنفسك , و أنتِ قوية فيما تختارين ..... "
وضع يديه أسفل رأسه وهو يزفر بقوة .... مفكرا بها , ترى كيف تدبر أمرها مع ليث الآن ....
و أي أيامٍ مزعجة سيعيشاها سويا قبل أن يتقبلا بعضهما كزوجين ....
و ماذا لو تحرك راجح تجاهها مجددا ؟!! .....
راجح الرافعي كالأفعى السامة ... لا خلاص من سمها الا بقطع رأسها ....
و للمرة الأولى بدأ يفكر في أن القتل قد يكون مجديا في بعض الاحيان .......
مضت دقائق طويلة وهو يفكر في سوار ....
غير قادر على ابعاد صورة وجهها الحزين عن ذاكرته منذ أن تركها ....
و صورتها تمسك قلبه بقبضة مزعجة و موجعة ....
تنهد فريد وهو ينظر الى xxxxب الساعة .... على الرغم من ارهاقه و اصاباته , الا أنه لم يستطع النوم ....
للحظات تاه فكره مبتعدا الى طريق آخر تماما ....
ذكرى أخرى لوجهٍ مستدير كالطبق .... يشوبه التورد و تحليه الرقة كاسم صاحبته ...
ياسمين ....
ابتسم فريد بخبث وهو يتذكر تلك الشابة المتوردة عذبة الملامح .....
كانت شهية كطبق حلوى ..... تشبه السكاكر الملونة .....
اتسعت ابتسامته وهو يرى أمامه حاجبيها المرتفعين شكا و هي تنظر اليه .....
ثم تذكر صوته وهو يقول غامزا
" أنا طبيب بالمناسبة !!! ......... "
تأوه بصوتٍ عالٍ وهو يميل الى جانبه ضاربا الوسادة بقبضته ... ثم همس باستياء
" رائع .......حقا رائع .... "
طال به الشرود وهو يفكر كيف لم يسبق له رؤيتها من قبل على الرغم من زيارته لأمين باستمرار ....
و السؤال الأهم .... لماذا كان أمين غاضبا منها بتلك الصورة ؟!! ......
أحمق ابن عمه ..... منذ طفولتهما وهو الأكثر حماقة في التعامل مع الفتيات .....
أما هو .... فما شاء الله .... كان عديم التعامل مع الفتيات من الأساس ....
.................................................. .................................................. ......................
خرجت سوار من الحمام الملحق بغرفة نومها ....
كان قد طال بها الوقت و هي مستلقية في الماء الدافىء علها تهدىء من عصبية روحها , و تشنج جسدها ....
و بالفعل حين انتهت أصبحت أفضل حالا ....
خطت للخارج شاردة الذهن و هي تجفف شعرها بالمنشفة الا أنها شهقت عاليا حين اصطدمت بجسد ضخم ...
فتراجعت للخلف بسرعة مخفضة المنشفة و هي تنظر الى ليث , الذي وقف بدوره يراقبها بصمت ....
احمر وجهها و هي تشعر بالغضب من قميص النوم اللعين الذي اختارت أن ترتديه .....
فعلى الرغم من أنه طويل للأرض و بأكتاف لطيفة مستديرة .... الا أن منظر أكتافها و ذراعيها المكشوفة على ما يبدو قد أسر عيني ليث فلم يتوانى عن النظر الى كل جزء مكشوف بها دون حياء أوحرج ....
زمت سوار شفتيها و هي تبعد وجهها عنه عله يتوقف عن النظر اليها بتلك الطريقة ...
الا أن ليث قال بصوت جامد دون أن يبعد عينيه عنها
( لقد تأخرتِ ......... )
أعادت وجهها تنظر اليه رافعة حاجبيها و هي تقول بترفع
( و هل ممنوع علي أخذ الوقت الذي أريد في الاستحمام ؟!! .......... )
ما أن نطقت كلماتها الفظة حتى شعرت ببعض الدماء تتصاعد الى وجنتيها و هي ترى بريقا خاطفا ظهر في عينيه لمجرد أن نطقت بكلمة بسيطة مثل " الاستحمام " ...
حسنا ... انه يبدو كالمراهق !!!
إنه متزوج منذ سنوات ... و قد بدأت الشعرات الفضية في الظهور برأسه ...
و مع ذلك يتعامل معها كمراهق ..... لمجرد أن نطقت بكلمة تافهة ....
تكلم ليث قائلا بهدوء دون أن يسمح لها بأن تثير غضبه باستفزازها الواضح له ...
( قلقت من أن تكوني قد أصبت بالدوار و أنتِ وحدك ..... )
قالت بهدوء جليدي ...
( حسنا كما ترى أنا بخير ...... أم أنك كنت تنوي اقتحام المكان لتتأكد بنفسك ؟!! .... )
قال ليث ببساطة و دون أن تتردد ملامحه بحرج
( نعم ......... )
ارتفع حاجبي سوار و اتسعت عيناها ببريق غاضب غير مصدق ... ثم هتفت مستنكرة
( ماذا ؟!! ........ هل تتكلم بجدية أم أنك تستفزني ليس الا ؟!! ....... )
أومأ ليث بايماءه خاطفة وهو يقول بثقة هادئة
( صدقيني أتكلم بجدية ........... )
فغرت سوار شفتيها و اتسعت عيناها أكثر ... ثم هتفت بغضب
( و لماذا اخترعوا الأبواب اذن ؟!!! ..... لتطرق عليها , لا لتقتحمها ......... )
قال ليث بنفس الهدوء المستفز
( و لماذا أطرق الباب حين أدخل الى زوجتي ؟!! ....... إنها رسمية سخيفة و لا معنى لها .... )
الآن تدلت شفتها بذهول أكبر ...
هل يمزح ؟!! ...... هل يمزح أم أنه أصيب بالجنون ؟!! .....
أخذت نفسا عميقا و هي تغمض عينيها للحظة ... محاولة السيطرة على غضبها المتدافع .... ثم عادت و فتحتهما لتقول بقوة و عنف
( الحياء و بعض الخصوصية لا تسمى رسمية ...... و أنا لن أسمح لأحد حتى أنت بأن يراني .... يراني ........ )
صمتت و هي ترفع حاجبيها في اشارة واضحة كي يفهم ... الا أنه أتم جملتها قائلا بهدوء مستفسرا
( عارية ؟!! ......... )
فغرت سوار فمها و هي ترفع كفيها و قد اشتعلت وجنتاها للغاية .... فهتفت بعنف أكبر
( ليث !!!!!!! ......... )
لكنه لم يأبه لصرختها المهددة , بل قال بنفس البساطة و لكن بلهجةٍ أكثر تعاطفا .... و كأنه لا يريد أن يرهبها
( تعلمين أن هذا سيحدث في وقت ما يا سوار ..... انت لست طفلة ..... )
الآن كانت قد وصلت الى نهاية هذا الحوار السفيه معه .... فتجاوزته و هي تهتف بقوة و استياء
( أنا لن أستمر في هذا الحوار .... و في المرة المقبلة سأتكد من من استخدام المزلاج ..... هذا أولا , أما ثانيا وهو الأهم فالمزلاج لن يكون لو داعٍ لأنني اريد غرفة مستقلة .... )
استدار ليث يواجهها و قد ظهرت الصلابة على ملامحه دون أن يفقد هالة الثقة المحيطة به ثم قال بصوت قوي
( أولا ..... لن يمنعني عنكِ مزلاج لو أردتك يا سوار .... ثانيا وهو الأهم .... لا غرفة مستقلة , سبق و تكلمنا في هذا الأمر و لا أنوي أعادة المناقشة فيه .... )
استدارت سوار هي الأخرى اليه بعنف حتى أن خصلات شعرها المبللة الطويلة تناثرت من حولها مرسلة رذاذ من الماء المعطر الى وجهه و هي تهتف بقوة
( أنا لا أقبل بفرض هذه السيطرة علي يا ليث ..... أنا لا أريد مشاركتك الغرفة , بل لا أستطيع ..... حاول تفهم هذا و كن شخصا متحضرا ...... )
ابتسم ليث ابتسامة ساخرة وهو يقول ببرود
( التنازل عن حقوقي بزوجتي لا يعد تحضرا ...... بل يعني خنوعا لها أنا لا أقبل به , أنتِ لكِ حقوق و عليكِ واجبات في هذا البيت .... و أنا كذلك و هذا هو شرع الله , فما الذي تجادلين به ؟!! .... )
لا تعلم لماذا انتابها شعور غريب بالغضب العارم ....
ليس لجو السيطرة الذكورية التي يريد فرضها عليها .... و انما لكلمة واحدة نطق بها
" خنوع " ....
تلك الكلمة ضربت صدرها بقسوة و أثارت جنونا داخليا غير قابلا للسيطرة ....
فلقد أهان للتو حبيب عمرها .... سليم ...
ذلك الحبيب الذي كان شخصا غير الجميع في حياتها ....
كان الصديق الذي دافع عنها ووقف بجوارها و لم يحاول مطلقا فرض شيئا لا تقبله .....
منحها اسمه لخمس سنوات كاملة لا لشيء الا لكي يحميها فقط من زيجة لا تريدها .....
و بعد هذا ... و بعد وفاته , يقف ليث الآن أمامها بكل عنجهيته و هيمنته يهين سليم بتلك الكلمة التي مزقت صدرها ....
هتفت به سوار بألم
( اذهب لزوجتك الأولى يا ليث ..... هي تنتظرك و سترضيك بأفضل مني )
بدا الغضب في عينيه كنيرانٍ مستعرة في تلك اللحظة ... و كأنه على وشك قتلها , فهمس بشر من بين أسنانه وهو يقترب منها ليقبض على كتفيها بقوة
( ما هذا الجليد الذي يجري في عروقك ؟!! ...... أي امرأة تطلب من زوجها الذهاب الى ضرتها دون أي تردد ؟!! و قبل حتى أن يقربها ..... ما تلك الروح ذات الصقيع و التي تصفر بداخلك !! .... هل أنت ميتة دون مشاعر ؟!! ..... )
فغرت سوار فمها تريد الصراخ به بعنف و كبرياء .... لكن كلامه كان أشد عنفا ....
وللحظات فقدت القدرة على رد الألم باشد منه ...... فغامت عيناها و ارتعشت شفتاها في لحظة ضعف نادرة لسوار الرافعي ....

راقب ليث ملامح الألم ترتسم على وجه سوار و قد شردت بعيدا عنه تماما ....
حتى ان الوجع بدا محفورا كالنقش على تلك الملامح .... و العسل في عينيها بدا داكنا للغاية .....
فتراجع غضبه و انحسر على الفور ..... و شعر بقلبه يرق لحبيبته الصغيرة ....
فتنهد أخيرا وهو يقول بحنان
( ارتدي اسدال الصلاة يا سوار لنصلي معا ركعتين...... لم يتسنى لنا هذا ليلة أمس و ربما بعدها ستكونين أفضل حالا ..... )
ارتفع وجهها اليه و قد شحبت ملامحها قليلا .... فارتفع حاجب ليث قائلا
( هل ستجادلين في هذا أيضا ؟!! ........ )
أطرقت سوار بوجهها و هي تتنفس بقوة ..... تحاول ابتلاع الغصة في حلقها , الا أنها لم تملك حق الرفض ... لذا قالت أخيرا بسكون و استسلام
( سأحضر نفسي ......... )
ثم تركته و ابتعدت مطرقة الوجه .... شعرها المبلل ينسدل الى أسفل خصرها بصورة ساحرة ....
نعم هي ساحرة ..... تسحر القلب و النظر ....
لكن شخصيتها قادرة على افقاد الرجل صوابه من شدة الغضب ....
تنهد ليث وهو يستدير عنها و قد ارتسمت على وجهه علامات تفكير عميق لا يهدأ و لا ينتهي .....

بعد أن صلت وراءه ركعتين .... بقت مكانها مطرقة الرأس و هي تهمس بدعاء خافت بينما قلبها يخفق بعنف و كأن حالة روحية قد انتابتها و سكنت هذا القلب فضاعفت من دقاته ....
حينها استدار اليها ليث , ووضع كفه برفق على جبهتها فرفعت وجهها تنظر اليه , أما هو فهمس بخفوت

" اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ"

ارتجفت شفتي سوار و هي تنظر الى عينيه .... و كانت عيناه قويتان في اقتحام عينيها .... و كأنه يكشف روحها بنتهى السهولة ....
اقترب ليث منها وهو يحيط وجنتها بكفه قبل أن يحني رأسه اليها و يقبل وجنتها برفق و بابتسامة جعلتها تريد البكاء لا تعلم لماذا ....
ثم همس لها بخفوت رقيق
( هكذا نبدأ زواجنا حبيبتي ........ )
أفلت نفس مرتجف من بين شفتيها و هي تسمع منه لفظ حبيبتي بسيطا و رقيقا و كأنه اعتاد النطق به لسنواتٍ طويلة ....
تلت قبلته الرقيقة العديد من القبلات المبتسمة الحنونة ... حتى أوشكت أعصابها على الانهيار ...
فقفزت واقفة و هي تقول بتوتر ...
( يجب أن ..... س ..... سأذهب الى الحمام ..... )
الا أن ليث وقف هو الآخر ليسد طريقها , و دون أن يرد عليها مد يديه ليخلع عنها اسدال الصلاة بأصابع ثابتة بينما هي تهتف بخفوت و اعتراض
( ليث ....... ليث ...... )
لكنها بدت و كأنما تخاطب أذنا صماء .... لكن عيناه لم تكن عمياء ....
و كأنه يسمعها بهما و يتفهمها بكل نظرة ينظر بها اليها .....
و ما أن انتهى أخيرا و ألقى اسدال الصلاة الى أقرب مقعد حتى ضمها الى صدره الرحب وهو ينهمر عليها بقبلاتٍ ناعمة رقيقة و متسارعة ....
بينما هي تحاول وجهها عنه فتتسبب بسقوط المزيد من القبلات على وجنتيها و فكها و عنقها ....
و من تحكم أصابعه على خصرها عرفت بأنها لن تردعه الا بالمقاومة العنيفة أو الصراخ .... لكنها لم تكن لتفعل ذلك .... المتبقي لديها من أخلاق أمها التي ورثتها عنها لم تسمح لها بذلك ...
لذا حاولت الإستسلام للأمر المحتوم ....
فكما قال منذ فترة ....
سيحدث هذا وقت ما .... و عليها أن تتقبل الفكرة , فكرة أن ليث أصبح زوجها .....
و ما أن ازدادت قبلاته عمقا و لمساته جرأة حتى أبعدت وجهها و هي تقول بصوت خفيض
( أريد أن أطلب منك شيئا قبلا ........ )
لم يرفع وجهه عنها الا أنه سمعها ..... من الواضح أن أذنيه لم تكن صماء عنها كما اعتقدت خاصة و أنه همس بصوت أجش يحترق
( طلباتك أوامر يا مليحة ........ )
ابتلعت سوار ريقها و هي تعلم أن الأسوأ قادم .... الا أنها ثبتت نفسها و قالت بصوت خافت
( أنا ...... أنا لا أريد الحمل الآن ....... )
لو كانت سكبت عليه دلوا من الماء البارد .... لما ساهم ذلك في اطفاء مشاعره الجياشة كما فعلت للتو ....
شعرت بجسده كله يتصلب قبل أن يرفع وجهه القاتم عنها لينظر اليها بعينين أكثر قتامة ....
قبل أن يقول بصوت جامد لا يحمل أي تعبير
( ماذا قلتِ ؟؟ .......... )
أغمضت سوار عينيها عن النظرة البادية في عينيه ..... و قد آلمتها أكثر مما ظنت أنها ستفعل ...
لكن لم يكن بيدها أي حل آخر ....
انها تنوي الأخذ بثأر سليم رحمه الله .... و لن يثنيها عن ذلك شيء أو شخص ....
فكيف تترك لها طفلا والله أعلم بمصيرها ؟!! .....
ساد الصمت بينهما طويلا حتى ودت لو أنه تكلم .... نطق بأي شيء , حتى لو صرخ بها كي يخلصها من هذا الإحساس السيء الذي تشعر به حاليا ....
خاصة و انها تعلم بأنه محروم من نعمة الأطفال لسنوات الآن ....
لكن .....
هذا كثير عليها .... والله أكثر من قدرتها على الإحتمال , لقد فقدت لتوها طفل سليم و الذي لم يرى النور و لم يشعر سليم بنعمة الأبوة ....
و بينما جرحها لا يزال حيا و لم يكد يمر عليه بضعة أشهر .... ها هي الآن تجد نفسها مع رجل آخر يبادلها الحب في غرفته .... و ينتظر منها أن تحمل له طفلا ....
بالنسبة لها فقد وقعت قرار انهاء حياتها مع وفاة سليم بأخذ ثأره .......
أما ليث فيستحق امرأة أخرى غيرها و غير ميسرة ....
امرأة حقيقية تستطيع أن تمنحه الحب الذي يحتاج و الطفل الذي يريد .......
سمعت صوت نفسا قويا سحبه ليث ليملأ به رئتيه .... ففتحت عينيها تنظر اليه بتردد ....
الا أنها لم تستطع تمييز شيئا من ملامحه و التي بدت صخرية بشكل غريب ..... حتى الغضب الذي توقعته , لم تجده .....
انحنى ليث فجأة ليرفعها عن الأرض بقوة .... فشهقت عاليا و هي تهتف
( ليث !! ........ )
الا انه لم يرد عليها , بل اتجه بها الى السرير و القاها عليه بلا اهتمام ..... استقامت سوار و هي تبعد شعرها عن وجهها صارخة و قد تغلب غضبها على احساسها بالذنب
( توقف عن عادة القائي على السرير بتلك الطريقة ..... أنا لست خادمتك ..... )
توقعت أن ينحني عليها و يباشر فيما بدأ به دون أن يعير طلبها أي اهتمام .... الا أنه ظل واقفا مكانه ينظر اليها بصمت قبل أن يقول أخيرا بصوتٍ جامد
( سأجلب لكِ أقراص منع الحمل ..... لكن اعذريني فالأمر يحتاج الى بضعة أيام و حتى حينها تأكدي من انني لن أزعجك مطلقا ...... )
سكنت سوار مكانها و هي تسمع تقبله السريع لطلبها دون أن تتوقع هذا ....
لم يحاول مناقشتها حتى ....
فنظرت اليه تراقبه بصمت و كأنها تحاول أن تفهم مشاعر هذا الرجل الغامض , الذي يدعي أن حبها لا يزال ساكنا قلبه منذ عشر سنوات لم تره فيها الا مراتٍ معدودة ....
تكلم ليث متابعا بصوتٍ أكثر صلابة
( سأخرج الآن قليلا و من الأفضل لكِ أن تكوني نائمة حين عودتي ...... )
و لم يمنحها حق الرد .... بل تحرك ليخرج من الغرفة صافقا الباب خلفه بقوة ... أما هي فقد ظلت مكانها تتنفس بسرعة و توتر .... قبل أن تزفر بقوة و هي ترفع كفيها لتتلمس وجهها و شفتيها بعد قبلاته !!
الأمر كان غريبا .... كان غريبا جدا .......
.................................................. .................................................. .................
كانت تنتظره و تتمنى لقائه ....
حتى أنها استلقت في فراشها البارد تنظر للظلام المحيط بها و هي تدعوه أن تراه ولو للحظة ....
تأوهت فجأة بقوة و هي تشعر بألم الانتظار ... لكن كفا باردة لامست وجنتها برقة , فابتسمت ...
تابعت الأصابع تجولها على وجهها و عنقها ... فشعرت بقلبها يئن من افتقاده .... و أذنها تهفو لسماع صوته العذب المناجي ... ليته فقط يتكلم ...
ليتها تسمع واحدة من ابتهالاته .... الا أنه كان صامتا ...
و على الرغم من الظلام المحيط بها , الا أنها كانت واثقة من أنها ترى ابتسامته الوضاءة ....
فهمست برقة تناديه
( سليم ......... )
ابتعدت الأصابع عن وجهها فجأة .... و .... انتهى الحلم ....
فتحت سوار عينيها و هي تنتفض في فراشها تتأكد من مكان وجودها ..... الى أن استوعبت وجودها في بيت ليث .... وعلى سريره الذي حضره لهما ....
سمعت صوت آذان الفجر يعلو ... فنظرت بجوارها تبحث عنه , الا أنه لم يكن موجودا .....
ظنت لوهلة أنه قد تركها تبيت ليلتها في الغرفة وحدها كما طلبت ...
الا أن جانبه من الفراش و الذي كان مرتبا ... بدا الآن في فوضى عارمة .....
شعرت سوار بالحرج من نومه بجوارها ...
ترى متى عاد ... و منذ متى خرج مجددا ؟!! ....
هل راقبها أثناء نومها ؟!! ....
هزت رأسها و هي تبعد هذا التفكير عن رأسها ثم نهضت من فراشها لتغتسل و تتوضأ .....
و بعد أن انتهت من صلاتها قضت ساعات في القراءة في المصحف , و نسيت الوقت ... حتى أشرقت الشمس و أطل الصباح زاهيا و ملحنا بأصوات العصافير ...
أغلقت سوار المصحف ثم نظرت من نافذتها الى الأرض الساحرة الممتدة أمامها ....
ترى أين ذهب ؟!! .....
سمعت طرقا على الباب ... فاعتدلت و رفعت وجهها و هي تدعوه للدخول , ....
على ما يبدو أنه قد التزم برغبتها ببعض الخصوصية و طرق الباب على الأقل قبل الدخول ....
الا أنه لم يكن ليث هو من فتح الباب ....
بل كانت الخادمة نسيم ....
توترت ملامح سوار و هي تراها تدخل مطرقة الرأس قائلة بتهذيب خافت
( صباح الخير يا سيدتي ....... )
ردت سوار بهدوء
( صباح الخير يا نسيم ....... )
قالت نسيم بخفوت
( هل أحضر لكِ الفطور الى غرفتك أم يتنزلين لتناوله بأسفل ؟؟ ...... )
رفعت سوار وجهها و قالت برقي
( هل تناول السيد ليث فطوره ؟؟ .......... )
رفعت نسيم وجهها الى سوار و قالت
( السيد ليث ليس هنا سيدتي ...... لقد غادر منذ الفجر ....... )
ارتفع حاجبي سوار للحظة , الا أنها عادت و سيطرت على هدوء ملامحها بهارة و هي تقول بترفع
( ربما كنت نائمة بعد ...... هل أخبرأي منكما متى سيعود ؟!! ...... )
قالت نسيم بصوت خجول و هي تراقب ملامح سوار
( لن يعود للفطور سيدتي .... فهو سيقضي الليلة لدى السيدة ميسرة ..... )
الآن ارتفع حاجباها معا ... و تجمدت ملامحها , بينما تحولت نظراتها الى بركتين جليديتين .....
شعرت و كأنها قد أهينت للتو اهانة بالغة ..... و تلقت صفعة بغرض اراقة كبريائها كعقاب لها على ما فعلت ...
الا أنها للمرة الثانية تنجح في السيطرة على ملامح وجهها و هي تقول مبتسمة بأناقة
( يالها من مراعاة من السيد ليث لمشاعر زوجته الأولى ...... هذا هو طبعه , لقد ازداد قدره في نظري اكثر و أكثر .....على الأرجح سيتصل الآن .. )
نهضت من مكانها بعنفوان و هي تقول بابتسامة مشرقة
( أحضري الفطور الى هنا يا نسيم من فضلك ...... فلا رغبة لي في النزول و الجلوس للمائدة بمفردي دون وجود السيد ليث ..... )
اتسعت عينا نسيم لعدة لحظات ... الا أنها أومأت و قالت بتهذيب
( أمرك سيدتي ........ )
تراجعت لتخرج و سوار تنظر اليها مبتسمة بجمال أخاذ ... الى أن أغلقت نسيم الباب خلفها ...
عند هذه اللحظة فقط أسقطت سوار القناع المبتسم المزيف ....
و دارت حول نفسها بعنف و عيناها تطقان بالشرر
" كيف يجرؤ ؟!! ..... كيف يجرؤ على اهانتها بهذا الشكل في اعلام الخادمة قبلها بذهابه الى ميسرة في ثاني يوم زواج لهما !! ..... لقد نفذ أمرها المغرور في الذهاب الى ضرتها الا أنها أضاف لمسته في العقاب عبر احتقارها و اخبار الخادمة لتبلغها الأمر .... " ........
ان كانت لا تقبل شيئا في هذا العالم فهو سياسة العقاب التي تقوم على اهدار الكرامة ..... "
اخذت تلتقط أنفاسها و هي تنظر من النافذة بعينين صلبتين متقدتين ....
ثم لم تلبث أن همست بصوت مكتوم
" لا بأس يا ليث ..... لا بأس ............ "
.................................................. .................................................. ..................
لم تصدق نفسها حين رأته يدخل الى غرفتهما منذ بداية الصباح حتى أنها استيقظت على صوت حركاته الغاضبة المكتومة في الغرفة ...
فاستقامت جالسة و هي تهتف بدهشة
( ليث !! ............... )
لم يرد عليها .... بل أنه حتى لم يستدر اليها وهو يقول بصوت جامد خافت
( آسف أنني ايقظتك ....... )
لم يكن أسفه تهذيبا .... انما كان أسفا على أنه سيضطر الى مواجهتها حاليا وهو لا يتقبلها بأي صورة من الصور في تلك اللحظة ...
كل يوم يمر بينهما يجعله ينفر منها أكثر ....
كل صرخة منها و كل اساءة أدب .... و كل تصرف مشعوذ يغضب الله أقام بينه و بينها حاجزا لم يعد قادرا على تجاوزه مطلقا ....
" يا رب ماذا فعلت في دنياي كي أستحق زوجتين تسيئان الأدب معي !!.... والله أنا قادر على تكسير عظام كل منهما , الا أنني أتقيك فيهما فامنحني الصبر يا رب كي لا أنفجر بهما .... "

قفزت ميسرة من مكانها و جرت اليه لتحيط خصره بذراعيها و هي تهتف بصوت حنون خادع
( لا تأسف مطلقا ...... لا أصدق أنك هنا يا غالي , عدت الى بيتك و مخدعك ... عدت الى زوجتك التي تحبك و تتمنى لك الرضا .... )
بدت ملامح ليث متصلبة كالحجر وهو ينظر امامه دون أن يستدير اليها , ثم لم يلبث أن قال بفتور
( عودي للنوم ........ سآخذ بعض الأغراض و انصرف .... )
شهقت ميسرة و هي تهتف بقسوة
( تنصرف .... و من تلك التي ستسمح لك بالإنصراف .... )
استدار اليها ليث و هدر بها
( انا لست طفلا يطلب الاذن كي يتحرك يا ميسرة ...... )
أطل شيطانان من عينيها الا أنها سارعت الى اخفائهما و هي تبتسم بنعومة الأفاعي هامسة
( لماذا أنت محتد بتلك الصورة ؟!! ............... الأنني كنت متألمة لزواجك و الآن أكاد أن أطير من على الأرض لرجوعك ؟!! ....... هذا ليس عدلا .... )
زفر ليث وهو يقول بنفاذ صبر
( ميسرة ..... رجاءا عودي للنوم فأنا لست في مزاج يسمح لي بالإستفزاز اليوم .... )
برقت عيناها و ارتفع حاجبها الرفيع و هي تقول بنعومة
( يبدو أن العروس الجديدة لم تفلح في تلبية كل رغباتك .... و انا أعرفك زوجي , متطلب للغاية .... )
هدر بها ليث بغضب
( تأدبي يا ميسرة و توقفي عن الكلام في مثل تلك الأمور ... تحلي ببعض الإحترام لتربيتك و اخلاقك ..... )
لم يبدو عليها الحرج أو الخجل .... لم تصرخ و لم تنفعل ...
للمرة الأولى في حياتها ستتبع نصيحة أمها الغالية ....
ستستقطب زوجها و تمنحه ما لم تقدر عليه ساحرة الرجال ......
ستكون مثال النعومة و الدلال .... و تترك للمطالب جانبا بعيدا قليلا ......
ستستعيد مكانتها بمكر النساء و حيل كيدهن .....
قالت ميسرة بنعومة و هي تقترب منه برقة
( حسنا لا بأس ..... لا تأبه لكلامي , انه من فرط الغيرة يا حبيبي .... الغيرة تقتلني و تكاد أن تعمي عيناي .... أموت في كل لحظة أتخيلك بها في أحضان أخرى غيري ..... )
ملست على صدره بكفيها و هي تهمس بصوت باكٍ دون دموع حقيقية
( أنت لا تعرف .... لا تشعر ...... أموت يا ليث أموت ...... )
ثم ارتاحت على صدره تخفي زيف دموعها في أحضانه , الا أنه كان في عالم آخر أعماه عن زيف تلك الدموع ...
كلماتها كانت فعلا تشعره بما افتقده مع سوار في الساعات الماضية ....
لقد أوضحت له بما لا يقبل الشك في كل لحظة بينهما أنها لا تنظر اليه كرجل ... لا تشعر بأي نوع من الملكية له ....
أخذ ليث نفسا مرتجفا ثم قال بجمود أقل سطوة
( حسنا ..... ما رأيك أن نتناول الفطور سويا ......... )
رفعت وجها مشرقا اليه و ابتسمت بدلال و هي تهمس له ... ترفع نفسها على اطراف أصابعها و تقبل زاوية شفتيه ...
( يمكن للفطور أن ينتظر قليلا ..... أرجوك ..... )
تنهد ليث وهو يقول باستياء
( ميسرة أنا حقا لست في .......... )
الا أنها أسكتت كلماته بقبلة متملكة منها .... استمرت و استمرت , الى أن جذبها ليث في النهاية الى الفراش بقوة رجلٍ يشعر بالكبت ....

حين نام قليلا و أخيرا بعد ليلة لم يذق خلالها طعم النوم ....
نهضت ميسرة من جواره و خرجت من الغرفة , تتجه الى احدى الغرف التي تخفي بها أعمالها و أسحارها ....
أمسكت ورقة عليها نقوش غريبة و كلام يحرم حتى ذكره ....
ثم قبلتها و هي تهمس
" شكرا ..... شكرا .... خفت أن يمتد التأثير الى حياتي لكنه لم يحدث , لقد ربطه ضدها هي فقط و انتصر على سحرها .... "
سحر الرجل أو ما يطلق عليه ليجعله غير قادرة على مباشرة زوجته ....
ترددت كثيرا قبل أن تقوم به , خوفا من ان يطالها الضرر ....
لكنها فكرت في النهاية ... أنها على استعداد لخسارة حقوقها الشرعية , على الا تنالها تلك الساحرة و لا تحمل من زوجها ....
كانت مجازفة .... الا أنها انتصرت بها بما باتت تملكه من مهارة .......

.................................................. .................................................. ......................
" بعد أسبوع ...... "

هتفت أم بدور في زوجها و هي تتوسله قائلة
( اهتدي بالله يا أبا زاهر ..... لا تنفعل بهذا الشكل , الا يكفيها ما مر بها .... لما تزيد الضغط عليها )
الا أن زوجها كان قد وصل الى نهايته من التحمل ...
أيام ....
أقصى ما تحمله هو أيام .... فهو لا يقبل باللين و لا يعرف دلال الإناث هذا ....
كان شديد الطبع , صارم الملامح ..... قاسي القلب ....
لم يعتد أن يبرر لأهل بيته تصرفاته , أو يشرح أسبابا لأوامره ....
لذا صرخ في زوجته وهو يدفعها متجها الى غرفة ابنته
( توقفي عن ضعفك تجاهها و دلالك لها .... أيام و هي تبكي و ترفض الأكل ,..... حتى بعد أن سمحت لها بالذهاب الى المدينة لاداء اختبارها .... عادت حمراء العينين و متورمة الوجه كمن قتل لها قتيل .... الا تعلم أنها بتلك التصرفات تفضحنا ؟!! ..... ماذا يقول الناس ؟!! .... انها كانت تهيم عشقا بالكلب الذي عقد قرانها عليه ؟!! ..... الا يكفينا وقف حالنا فتزيد سمعتها سوءا ؟!! .... )
هتفت زوجته و هي تلحق به لاهثة ....
( لا اله الا الله ..... ألم يكن زوجها على سنة الله و رسوله يا أبا زاهر ؟!! ..... الأمر لم يكن هينا عليها .... )
توقف فجأة و استدار الى زوجته بعينين مرعبتين .... ثم قال بصوت جهوري
( ماذا تقولين يا امرأة ؟!! ..... زوج من ؟!!! ...... أتريدين أن يسمعك أحد ؟!! .... لا زواج الا بعد الزفاف , و لا حب أو تفاهات الا بعده ..... انظري ها هو قد طلقها الآن ..... أتريدين الناس أن يهيموا على وجوههم متناولين سيرة ابنتك التي تبكي عشقا على رجلٍ كان عاقدا قرانه عليها ؟!! ..... ماذا سيظنون أكثر ..... الا تفكرين أم أن ابنتك المدللة قد اثرت على المتبقي من عقلك الخرف ؟!! ..... )
تراجعت زوجته حتى كادت أن تسقط من على السلم برعب ... لكنها تمسكت بالحاجز باصابع مرتجفة و هي تهمس بهلع
( اهدأ يا أبا زاهر ..... انت تهول الامر ...... )
رفع زوجها يده يهدد بضربها وهو يهدر بها عاليا
( اصمتي يا امرأة و الا قسما بالله ستكونين طالقا و بالثلاث ..... )
شهقت زوجته و هي تكتم فمها بكف يدها كي لا تنطق .... بينما اتسعت عيناها بذعر , فرمقها زوجها بنظرة قاتلة قبل أن يتجه الى غرفة ابنته دون ابطاء ....
اقتحم الغرفة دون استئذان ....
بينما كانت بدور نصف مستلقية في فراشها تبكي بدموع صامتة لم تتوقف منذ عودتها من المدينة ...
ترفض الطعام و الشراب الا ما تجبرها عليه أمها كي يبقيها حية فقط ....
بينما الدموع تنهمر و تنهمر .... و الرغبة في الحياة تتضائل , و يصبح الموت أمنية غالية .....

انتفضت بدور ما أن اقتحم والدها الغرفة .... فتراجعت في جلستها بذعر حتى التصقت بظهر السرير و رفعت ركبتيها تضمهما الى صدرها بهلع و هي تراه يهدر بعنف
( ماذا بكِ يا فتاة ؟!!! ...... هل تهددينني باضرابك عن الطعام هذا ؟!! أتتخيلين أن نتراجع عن قرارنا خوفا على حياتك التي لا قيمة لها ؟!! ..... هل هذا ما تظنينه ؟!! .... )
كانت تهز رأسها نفيا بذعر قبل حتى أن ينهي والدها كلامه الصراخ المرعب ....
الا أنه اقترب منها مواصلا الصراخ
( أتريدين جلب المزيد من الفضائح لنا ... بذهابك و رجوعك باكية ..... أو بسقوطك من قلة الطعام , فيعتقد الناس أنكِ كنتِ تنوين الإنتحار تسترا على شيء ما ؟!!! ..... )
اتسعت عينا بدور أكثر و أكثر .... حتى ارتسم الذعر على وجهها بأبشع صوره و هي تهمس
( لا .... لا .... لا يا أبي ...... )
الا أنه لم يرأف بحالها بل انقض عليها جاذبا شعرها بين أصابعه بقوةٍ حتى صرخت ألما و أطبقت جفنيها بشدة ....
لكن والدها استمر في هز رأسها وهو يصرخ بغضب
( ستتابعين حياتك البليدة .... و تتوقفين عن البكاء , و الا قسما بالله سأدفنك حية بيدي .... )
شهقت بدور بذعر و أنفاسها تكاد أن تنقطع
( حاضر ..... حاضر ..... أمرك يا أبي ...... )
دخل زاهر الغرفة و رأى م يحدث , و في لحظة أسرع الى والده وهو يمسك بمعصمه قائلا بقوة
( اهتدي بالله يا حاج ....... كل شيء سيكون ما تريده أن يكون .... )
هدر والده بانفعال
( ستفضحنا أختك الغبية ....... دون حياء أو خجل تتمرد و تبكي و تصرخ ليلا و تضرب عن الطعام ...و كأنها تعاقبنا أمام الجميع ..... )
قال زاهر بقوة
( لن تفعل بعد اليوم .... و سأتأكد من ذلك بنفسي ..... اهدأ يا حاج .... )
نظر اليها والدها بغضب قبل أن يدفع وجهها بعيدا وهو يتذمر قائلا
( هذا ما نناله من خلف الفتيات و ما يجلبه خلف الفتيات ...... )
خرج من الغرفة وهو ينفض عبائته من خلفه بعنف .... فقال زاهر لأخته المذعورة بوجهٍ يشبه الملاءات البيضاء لونا .....
( اجمعي شتات نفسك و توقفي عما تقومين به فلا فائدة منه ..... ستتزوجين من هو أفضل منه فلا تقلقي من وقف حالك ... )
خرج زاهر من الغرفة خلف والده بينما كانت أمه لا تزال واقفة عند الباب بعينين واسعة و كفها لا يزال على فمها خوفا من أن تنطق بكلمة تتسبب في طلاقها ....
نادى زاهر والده مسرعا
( يا أبا زاهر ...... يا أبا زاهر ..... )
زفر والده وهو يقول بغضب
( ماذا ..... ماذا تريد يا زاهر ؟؟ .... أنا في حالٍ سيء الآن و أشعر أنني على وشك الإصابة بجلطة مما تفعله أختك بي ...... )
تلجلج زاهر قليلا ... ثم قال مترددا
( سلامتك يا حاج .... بعيد الشر عنك ...... )
ثم صمت وهو يبدو كمن لا يعرف من أين يبدأ الكلام .....
فقال والده بغضب
( هيا قل ما تريده دون مقدمات ... أعرف أنك تريد شيئا سيزيد من غضبي من مجرد النظر الى وجهك .... )
ابتسم زاهر بحرج و قال مترددا
( حفظك الله لنا يا حاج .... و أبعد الغضب عنك , كنت أقول يا حاج أن ..... أنه لا داعي من تأخير زواجي من مسك ... خير البر عاجله .... )
اتسعت عينا والده ذهول و غضب هاتفا
( أتريد الزواج و لم يمضي العام على وفاة ابن عمك ؟!! ..... أتريد الزواجك قبل أختك التي طلقت منذ أيام ؟!! ...... )
بان الحرج أكثر على ملامح زاهر وهو يقول
( يا حاج ان كانت سوار أرملة المرحوم نفسها قد تزوجت .... فهل أتأخر أنا ؟!! ..... و بالنسبة لبدور , نحن لا نريد الظهور بمظهر من توقفت حياتهم بعد طلاقها من الحقير راجح ..... ثم أنني يا أبي لست مرتاحا لبقاء مسك ابنة عمي في المدينة , تقطن في شقة وحدها معظم الأيام ..... هي الآن خطيبتي رسميا و بقائها بهذا الشكل يعد عيبا في حقي ....... )
التفت والده اليه و قال من بين أسنانه
( والله لولا معرفتي بأنك ستتزوج من تنجب لك الولد لما قبلت بهذه الزيجة أبدا ..... و لما عليها أن تكون الأولى ؟!! ...... )
قال زاهر بتوتر
( مسك لن تقبل بأن تكون زوجة ثانية يا أبي .... فلنتزوج قبلا و سأكون بعدها كفيلا باقناعها ... )
هدر والده بسخرية غاضبة
( العاقر تتشرط ؟!! ........ والله آخر الزمان .... )
زم زاهر شفتيه و قال على مضض
( هي ابنة عمي يا حاج .... تعرف ان فرصتها في الزواج معدومة , و من الشرف أن أتزوجها لأسترها ..لا تنسى أن أختى قد فسخت عقد قرانها هي الأخرى و ما أقدمه اليوم سأناله غدا في أختي .... )
دمدم والده بتذمر مجددا ثم قال باستياء واضح
( أنا لا دخل لي .... اتفق مع جدك , لو وافق فاعتبر نفسك حصلت على موافقتي .... )
ابتعد عن زاهر عدة لحظات الا أن زاهر لحق به هاتفا
( شيء آخر يا حاج أطال الله عمرك ....... )
نظر اليه غاضبا وهو يهتف
( ماذا ؟ ..... ماذا ؟؟ ...... ماذا تريد ...... )
تردد زاهر أكثر وهو يقول بخفوت
( هناك شيء قد يثير غضبك طلبته مسك يا حاج .... الا أنه احقاقا للحق , أنار أراه الأكثر مناسبة و ملاءمة للوضع... )
زفر زالده قائلا
( ماذا ..... ماذا تريد الأميرة أيضا ؟؟ ....... )
رد زاهر بحرج
( انها تطلب أن نقيم لها حفل زفاف .... حفل زفاف هادىء في مكانٍ راقي دون صخب .... )
جحظت عينا والده حتى باتت مضحكة من فرط ذهولهما .... ثم قال بصدمة تنذر باندلاع عاصفة
( حفل زفاف !!! ..... و لم يمر عام على وفاة ابن عمك سوى ....... )
رد زاهر بسرعة يقاطع والده
( نحن لن نعقد القران هنا لهذا السبب ..... )
اتسعت عينا والده أكثر و اكثر ... فتابع زاهر كي لا يعطيه الفرصة على الإعتراض
( سنعقد القران في المدينة .... في جلسة هادئة , كي تتمكن مسك من ارتداء ثوب زفاف .... )
عند هذه النقطة وصل والده الى نهاية صبره فصرخ به غاضبا
( كيف تقترح أن تعقد قرانك في المدينة ؟!! ..... ماذا عن أقاربنا و الموائد و الولائم و .... )
قاطعه زاهر ليقول
( نحن لن نستطيع أن نقيم أي احتفال بسبب وفاة سليم رحمه الله ..... لذا أرى أن نعقده في المدينة أفضل و نحن لن نكون أول من يفعلها يا حاج .... )
هتف به والده غاضبا
( لكن أنت زاهر ولدي ..... تربيت و نشأت هنا , فلما لا أفرح بزفافك سبع ليالِ كاملة مع اطلاق الأعيرة النارية .... )
اقترب منه زاهر و قال بهدوء ذا مغزى
( لهذا تحديدا أرى أن اقتراح مسك يلاقي هوى في نفسي .... فكر بها يا حاج , الأعمام الآن منشغلون و لا أحد سيهتم بحضور عقد قران مسك .... و لو عقدنا قراننا هنا سيكون موقفنا منتقدا .... لذا فلنحقق لها ما تريد من حفل هادىء بعيدا خارج البلد .... بينما ندخر حفل الزفاف الكبير و الولائم و الأعيرة النارية للزيجة الثانية , حين يمر وقت مناسب على وفاة سليم رحمه الله ..... )
عقد والده حاجبيه وهو يفكر مليا في الأمر .... كان منطق زاهر سليما ....
بالفعل ... الزفاف الثاني هو الأهم وهو المطلوب .... سيجعله ليلة من ألف ليلة , فهذا زاهر ولده و ليس أي أحد ....
لكنه قال متذمرا رغم اقتناعه ....
( اقنع جدك ...... أنا لا دخل لي بالأمر ........ )
لمعت عينا زاهر و انتفخت أوداجه وهو يراقب ابتعاد والده المندفع .... ثم همس لنفسه بسعادة و رضى
" أقترب المراد يا بهية ..... اقترب المراد.... "
.................................................. .................................................. ......................

" بعد مضي اسبوع ............ "

كانت نسيم واقفة خلف سوار الجالسة على كرسي طاولة الزينة ..... تنظر الى نفسها في المرآة بشرود ...
بينما نسيم تمشط لها شعرها بنعومة .... بفرشاة شعرٍ ذهبية مزخرفة جميلة .... تلائم صورة سوار الأسطورية في شرقيتها .....
ثم همست أخيرا منبهرة
( شعرك جميل جدا يا سيدة سوار ...... تبدين كالملكة , اللهم لا حسد ..... )
أفاقت سوار من شرودها , حتى استوعبت ما نطقت به نسيم .... ثم قالت مبتسمة بشرود خافت
( أنتِ الأجمل يا نسيم ..... أشكرك ...... )
بدت الفتاة و كأنها تتنهد سرا و هي تمشط هذا الشعر الكثيف الطويل بين أصابعها و تتمنى مثله ....
تتمنى الفرشاة الذهبية و العباءة من الحرير الطبيعي .....
تتمنى العز و الرفاهية .... تتمنى أسرة و نسب ......
الا ان سوار كانت غافلة تماما عن أحلام الفتاة الظاهرة على صفحة وجهها .... حيث عادت الى شرودها عاقدة حاجبيها قليلا ...
أسبوع مر على رحيله من هنا غاضبا ....
أسبوع قضاه مع ميسرة .... على علم من الخدم ..... بينما هي هنا محتجزة بين جدران هذا الدار ...
تبتلع شفقتهم .... و تلعق كرامتها الجريحة .....
ادعت أن الأمر لا يهمها و له أن يفعل ما يريد طالما قد منحها الخصوصية التي تنشدها .....
الا أنها كانت تخادع نفسها ....
عقاب ليث لها كان مهينا جدا ..... و لم تصدق أنه يتعمد الى التصرف معها بتلك الصورة الى أن تتأدب و تموء له كالقطط .....
قالت نسيم بنعومة
( و فرشاة شعرك تشبه أدوات الأميرات ....... جميلة جدا .... )
نظرت سوار اليها في المرآة ..... ثم قالت بهدوء
( خذيها لكِ يا نسيم ..... هدية مني ..... )
اتسعت عينا الفتاة و هتفت بذهول و سعادة
( حقا ؟!! ....... حقا يا سيدة سوار تتكلمين ؟!! .... )
ابتسمت سوار و هي تقول برزانة
( حقا يا نسيم هي لكِ ............. )

عادت الى شرودها .... تاركة شعرها لنسيم تمشطه بهذه الفرشاة للمرة الأخيرة .....
الى ان أخرجها طرقا على باب غرفتها من شرودها .... فقالت تلقايئا بهدوء
( ادخلي يا أم مبروك ......... )
دخلت أم مبروك الغرفة قائلة بأدب ....
( هناك ضيفة أتت الى زيارتك يا سيدة سوار ...... )
عقدت سوار حاجبيها و قالت بحيرة
( ضيفة !! .... أعتقد أن السيد ليث كان قد منع الزيارات لهذه الفترة ..... هل هي من عائلة الهلالي ؟؟ .... )
قالت أم مبروك
( لا يا سيدتي ..... إنها تقول أنها أحدى بنات عمك ..... من عائلة الرافعي .... )
ارتفع حاجبي سوار بدهشة بالغة و هي تقول
( ابنة عم لي ؟!!! ...... ألم تذكر اسمها ؟!! ......... )
قالت أم مبروك
( لا يا سيدتي ..... رفضت ........ )
ازداد الشك في قلب سوار , شعرت بعدم الراحة .... الا أنها قالت بنعومة
( لا بأس يا أم مبروك ..... قدمي لها الواجب و أنا سأنزل اليها حالا ..... )
.................................................. .................................................. .................

نزلت سوار خلال لحظات الى غرفة الضيافة ....
و ما أن دخلتها حتى أبصرت عيناها الفتاة النحيلة المتشحة بالسواد و الجالسة على حافة احدى الأرائك ... مشبكة أصابعها و مطرقة بوجهها ....
ضيقت سوار عينيها و هي تدقق النظر بها .... فقد كانت تخفي وجهها و جسدها بالكامل , لا يظهر منها سوى عينيها فقط
الا انها لم تستطع تبين هاتين العينين و صاحبتهما على الفور ....
لذا قالت بهدوء و اتزان
( السلام عليكم ........ شرفتِ ..... )
انتفضت الفتاة و هي ترفع وجهها الى سوار الواقفة بالباب .....
و لم تنطق على الفور ....
بل أخذت وقتها في النظر اليها .......
جميلة حقا كملكة .....
ترتدي عباءة من الحرير الطبيعي بلون عسل ....تضيق على صدرها و خصرها , ثم تنسدل واسعة ترفل من حولها .....
و شعرها يبدو كأسطورة في انسداله على ظهرها .... و غرة مقسومة لنصفين تنسدل على جانبي وجهها حتى ذقنها .....
بدت عينا الفتاة بائستين و هي تنظر الى سوار من تحت غطاء وجهها ....
فعقدت سوار حاجبيها و قالت بهدوء
( عفوا ...... من تكونين ؟!! ........ )
نهضت الفتاة من مكانها بسرعة و خطت خطوتين ... لم تحتاج سوى لخطوتين فقط , كي تتعرفها سوار و تقول بدهشة
( بدور ؟!! .......... )
توقفت الفتاة عن الحركة .... و رغم أنها لا تزال مغطاة الوجه , الا أن سوار استطاعت رؤية عينيها تبتسمان بسخرية حزينة و هي تقول بخفوت
( عرفتِيني من عرج ساقي ..... اليس كذلك ؟؟ ...... )
لم تجبها سوار على الفور .... كانت منشغلة بما هو أهم , سبب وجود بدور هنا ....
لم تكن أبدا علاقتها ببدور موفقة .....
مجرد ابنتي عم .... لا تربطهما أي صداقة , ....
كانت سوار قد أرجعت السبب الى فارق السن بينهما .... و انطوائية بدور منذ مراهقتها ....
الا أن الأمر ازداد سوءا بعد عقد قران راجح و بدور .....
حينها انقطعت الصلة تماما ما أن بدأت سوار تلاحظ تعالي بدور في التعامل معها في تلك المرات القليلة التي تلتقيان فيها ...
و أي كان سبب ظهورها هنا الآن و بهذا الشكل ..... فهو بالتأكيد سبب لن يعجب سوار .... مطلقا ...
رفعت سوار ذقنها و قالت بلهجة عادية متزنة
( شرفتِ يا بدور ........ تفضلي اجلسي ...... )
بدت بدور مرتبكة قليلا و هي تطول بعينيها ناظرة للباب المفتوح ثم قالت بصوت مرتبك , ضعيف
( الحقيقة انني ...... لم آتِ الى هنا لمجرد تهنئتك بالزواج , لقد أتيت لأتكلم معكِ في أمرٍ هام .... فهل لديكِ بعض الوقت .... )
رمقتها سوار بنظرة متفحصة .... ثم قالت بهدوء
( بالتأكيد .......... )
لكن بدور لم ترتاح ... بل ظلت واقفة مكانها و هي تنظر الى الباب , ثم قالت بصوتٍ متردد هامس
( هل يمكننا الكلام وحدنا ..... دون أن يدخل أحد الى هنا ؟؟ ..... )
صمت مجددا.... و سوار تراقبها بعينين ثاقبتين ...
الا أنها تحركت دون ان ترد .... و استدارت لتغلق الباب بالمفتاح , ثم عادت اليها و قالت بهدوء
( الآن لن يستطيع أحد الدخول الى هنا ...... تفضلي اجلسي و اخبريني بما تريدين .... )
جلست سوار واضعة ساقا فوق أخرى ببهاء .... بينما وقفت بدور مكانها مترددة قبل أن تنزع الغطاء عن وجهها ...
بدور فتاة قصيرة و جسدها نحيف .... تبدو بنفس الجسد منذ الصف الإعدادي , دون أن يتغير كثيرا ....
قمحية البشرة و ذات شعر ناعم .....
لم تكن شديدة الجمال .... الا أنه يمكن وصفها بالجذابة , كمعظم الفتيات الشرقيات ذوات الملامح البريئة ....
حين نظرت سوار الى وجهها ..... لاحظت الهالات الداكنة تحت عينيها المتورمتين ....
كما أنه من الواضح بأنها قد فقدت الكثير من وزنها حتى بدت أشبه بالخيال ......
ربما كان طلاقها هو السبب ...
تعرف راجح جيدا .... يمكنه أن يستميل قول أشد الفتيات اتزانا و عقلا .... و فتاة مثل بدور ...
لم تكن لتأخذ بيده غلوة كما يقولون ....
قالت سوار بهدوءٍ آمر
( اجلسي يا بدور ......... )
بدت بدور مترددة أمام ملوكية سوار الظاهرة عليها بالفطرة .... و بدت هي أمامها كفأرة صغيرة ....
الا أنها تحركت في النهاية و عادت الى مكانها على حافة الأريكة مشبكة أصابعها بتوتر ....
حين طال الصمت بينهما .... قالت سوار بهدوء
( أنا أسمعك ......... )
بدت عينا بدور غائمتين و هي تنظر أمامها بلا هدى .... و كأنها قد أدركت للتو خطورة الخطوة التي أقدمت عليها .....
فقالت سوار تشجعها بهدوء
( هل الامر خطير الى هذه الدرجة ؟!! ........ )
نظرت بدور اليها مجفلة .... ثم قالت أخيرا بخفوت
( حياة أو موت ....... )
انعقد حاجبي سوار بقلق ... الا أنها لم تعلق , بل انتظرت .... فقالت بدور في النهاية بصوت متوسل خافت للغاية
( أنا أعرف ما فعله راجح معكِ ........ )
انتفضت سوار من مكانها بكل عنفوان و كأنها فرس غير مروضة لتقول بلهجة آمرة دون أن تسمع المزيد
( الزيارة انتهت ..... شرفتِ ....... )
الا أن بدور نهضت قافزة هي الأخرى و هي تهتف همسا كي لا يعلو صوتها ....
( أستحلفك بالله العظيم الا تطرديني قبل أن تسمعيني ..... حياتي أو موتي بيدك , أنتِ أملي الوحيد .... أستحلفك بالله .... عسى الله الا يرميكِ بضيق أبدا ...... )
ظلت سوار واقفة مكانها توليها ظهرها مكتفة ذراعيها و هي تتنفس بسرعة و غضب .... متسائلة عن وجهة تلك اللعبة التي يلعبها راجح من جديد ....
لذا قالت بصوت جامد كالصخر
( ماذا عرفتِ تحديدا ؟!! ......... )
أخفضت بدور وجهها و قد بدا شاحبا كالأموات , ثم قالت بصوت يرتجف برعب
( عرفت أنه أجبرك على قضاء ليلة ...... معه ...... )
هدرت سوار بعنف
( كفى ............اخرسي حالا و لا كلمة .. )
ارتجفت بدور و هي تومىء برأسها بسرعة هامسة خوفا من أن تطردها سوار
( حاضر ...... حاضر , تحت أمرك ...... )
نظرت اليها سوار بعيني نمرة مفترسة ,ثم نظرت الى الباب المغلق بقلق .... قبل ان تقول
( هو من أخبرك ؟!! .......... )
هتفت بدور بذعر
( لا ..... اقسم بالله لم يفعل , ...... أنا تلصصت على ابي و جدي الى ان عرفت ما أريد ..... )
قالت سوار بوجهٍ كالرخام
( و ماذا تريدين مني الآن ؟!!! ......... هل تهددينني مثلا ؟!!! ..... لماذا . ماذا أملك و تريدينه ؟!! .... )
اتسعت عينا بدور و هي تهتف
( لا ..... على العكس , لقد أتوسل اليكِ .... أقع أسيرة عرضك و شرفك ...... ساعديني .... )
ضاقت عينا سوار و عقدت حاجبيها لتقول بحذر
( أساعدك بأي شيء ؟!! ............ )
سرعان ما تجمعت غلالة من الدموع على حدقتي بدور و كأن ما ذرفته طوال الأيام الماضية لم يكن كافيا ....
ثم عضت على شفتها هامسة
( أرجوكِ اذهبي الى جدي و أخبريه أن يسامح راجح ..... و أن غرضه منكِ كان شريفا و أنه لم يمسك بسوء .... أقنعيه بأن يردني لعصمته لأنكِ الوحيدة التي تملكين حق مسامحته .... )
اتسعت عينا سوار بذهول و تقزز ... و انتشر النفور في كافة جسدها و هي تهمس بازدراء
( هل أنتِ واعية لموقفك هذا ؟!! ..... على الرغم من اكتشافك له على حقيقته , و بدلا من أن تشكري ربك أنكِ عرفتِ بهذا و أنتِ لا تزالين على البر ..... ها أنت تقفين أمامي بكل هالة الذل المحيطة بكِ ... تتوسلين و تترجين لمجرد أن تعودي اليه ؟!! ...... لماذا ترخصين نفسك بهذا الشكل ؟!! ..... أنتِ حقا تثيرين اشمئزازي و تكونين حمقاء ان تصورتِ أن أتنازل عن حقي لمجرد أن تعودي أنتِ الى جناحه الأجرب المريض ..... )
انسابت غلالة الدموع على وجنتي بدور بصمت و هي تتقبل موجة التقريع التي رمتها بها سوار ....
فلعقت الدموع عن شفتيها و هي تهمس بصوت ميت
( لم أعد على البر .......... )
عقدت سوار حاجبيها و هي تسمع تلك العبارة الخافتة الميتة ..... و استغرقها الأمر ما يقرب من الدقيقة كي تفهم ما نطقت به .... الى أن قالت بشك و عينين متسعتين
( لا ...... انتِ لا تقصدين ما فهمت ...... )
ظلت بدور واقفة أمامها بخزي مطرقة الرأس و شهقت بشهقة بكاء مكبوتة و هي تنطق باختناق
( ساعديني ..... أتوسل اليكِ ...... )
هزت سوار رأسها بذهول قبل أن تضرب وركيها بكفيها و هي تهتف
( يا مصيبتك السوداء ...... يا مصيبتك السوداء ., كيف أبخستِ من قدر نفسك على هذا النحو ؟!! .... ألم تستطيعي الآنتظار ؟!! ....... )
شهقت بدور و هي تبكي بصوت خافت , ثم همست باختناق
( قولي ما تشائين .... أنا أستحق كل ما ستنعتينني به , لكن أرجوكِ ساعديني و اقنعي جدي بالعدول عن قرار طلاقنا ..... و انا سأذهب لراجح كي أقنعه بأن .... )
هتفت سوار بصرامة قاطعة
( مستحيل .......... لا تحاولي .... )
رفعت بدور اليها وجهها محتقنا و عينين متورمتين و اخذت تبكي متوسلة
( أرجوكِ أنت لا تعرفين أبي .... أبي ليس كوالدك , أنه لا ينفك يتحدث عن ستري بزيجة أخرى قريبا .... ووالدي ممن يفخرون بشرف ابنتهم علنا أمام الناس في اثبات أنت تعرفينه جيدا .... )
تقززت سوار و هي تسدير عنها هاتفة
( ياللهي .... اخرسي أنتِ تزيدين نفوري منكِ ..... )
صرخت بدور بعنف مفاجيء من بين دموعها الغزيرة
( أنا لم ارتكب فعلا محرما ...... لا تعامليني بهذا التعالي و كأنني مدنسة قذرة .... )
استدارت اليها سوار و هي تهمس بعنف
( انت فعلا مدنسة .... دنستِ كرامة والدك و ثوبه .... دنستِ الأعراف المتبعة .... دنستِ فرحة أمك بكِ لا .... دنستِ فخر زوجك بكِ ليلة زفافكما بعد أن يكون قد تعب و حفر في الصخر كي ينالك .... دنستِ كل عرف متبع لا لشيء سوى لأنكِ لم تستطيعي مقاومة لحظات شهوة زائلة .... )
غطت بدور وجهها بكفيها و ازداد نحيبها علوا .... الا أن سوار هزت رأسها بتقزز و هي تقول بصوت غاضب
( من فضلك اخرجي ..... لم يعد لدي المزيد لأقوله لكِ ...... )
قفزت بدور من مكانها ووقعت أرضا عند قدمي سوار و انحنت لتقبل قدمها و هي تتوسل قائلة
( أرجوكِ ساعديني ...... أنتِ صاحبة الشأن و الوحيدة القادرة على العفو عنه .... أتوسل اليكِ ساعديني .... والدي لا يرحم ..... )
ابعدت سوار قدمها بسرعة و هي تهمس بغضب
( استغفر الله العظيم .... انهضي ..... انهضي من كبوتك , و لا تتذللي لمخلوق ...... )
نهضت بدور من انكفائها المخزي و اخذت تشهق باكية ... منتظرة قرار الرحمة من سوار ....
لكنها قالت بصوت يفيض بالوعيد
( يا معتوهة ..... هل تظنين أنني حتى لو قبلت و ذهبت الى جدك و أقنعته ..... سيوافق راجح بكِ و يتزوجك ؟!! ..... أنتِ واهمة ..... أنتِ لا تعرفين راجح كما أعرفه أنا ..... أنه لا يتورع عن التضحية بأقرب المقربين له في سبيل نيل ما يشتهي .... و هو الآن كحيوان متوحش ... جريح و مطلق السراح .... لن يقبل بكِ ولو رجوناه ..... )
كانت بدور تنظر اليها لاهثة ... ثم لم تلبث أن همست بشفتيها المتورمتين
( إنه يحبك ..... يعشقك , و لم يستطع أن ينساكِ طوال هذه السنوات ..... )
أظلمت عينا سوار .... ثم قالت بصوت خفيض شرس
( و ما دمتِ تعرفين ذلك .... لماذا سلمتِ له نفسك , قبل أن تتأكدي بأنكِ تمثلين له اكثر من مجرد جسدٍ يلهو به الى أن يمله ..... )
همست بدور بشفتين مرتعشتين
( أنتِ لا تشعرين بمن هم أقل منكِ ....... أنا لم أصدق حظي حين خطبني شخص كراجح و أشعرني أنني أنثى مرغوبة للمرة الأولى في حياتي كلها .... انا مجرد ظل في حياة كل من يعرفني , لا احد يهتم لي أو ينظر لي مرتين ..... لم أستطع أبدا أن أرفض طلبا لراجح .... خفت أن يملني و يذهب ..... فأنا لا أملك الكثير لأجبره على التمسك بي ..... )
كانت سوار تستمع اليها بقلب موجوع ..... لكنه غاضب و بشدة ..... ثم قالت في النهاية بصوت بارد و قاسي
( إن كنتِ لا تملكين الكثير لتجبريه على التمسك بكِ من قبل ..... فأنتِ الآن لا تملكين أي شيء على الإطلاق .... لا كثير و لا قليل ..... )
بكت بدور هامسة من جديد و هي تنتحب ضاربة وجنتيها بكفيها
( أرجوكِ ....... أرجوكِ ...... )
أمسكت سوار بكفيها و هتفت بها بصرامة تمنعها من لطم نفسها
( توقفي عن ذلك ............ توقفي ..... )
انحنت بدور الى كف سوار تقبلها هامسة
( أرجوكِ ساعديني ..... لقد أعيتني الحيل , و أبي يهدد بقتلي لمجرد أنني أتجرأ على البكاء .... فماذا لو عرف ...... الموت سيكون راحة لي , سيعذبني ببطء قبل أن يقتلني .... )
تنهدت سوار بيأس و هي تنظر اليها طويلا .... كان حالها مفزعا و مثيرا للشفقة ....
الا أنها كانت حمقاء و مستفزة و شديدة الغباء ....
قالت سوار أخيرا بخفوت
( اذهبي الآن الى دارك ...... و سأرى ما يمكنني فعله .... )
أومأت بدور بوجهها المتورم ..... و همست باستجداء مثير للشفقة
( اشكرك ..... أشكرك .......... )
تحركت سوار الى الباب لتفتحه , لكنها استدارت الى بدور و قالت بخفوت صارم
( غطي وجهك ..... و لا تخبري مخلوقا أنكِ قمتِ بزيارتي ..... مفهوم ؟!! ..... )
سارعت بدور بالإيماء برأسها و هي تغطي وجهها .....
ثم تبعت سوار الي باب الدار الخارجي ..... لكن ما أن فتحته سوار حتى صدمها تلك الهيئة الرجولية الواقفة أمام الباب على وشك فتحه ....
همست سوار مصدومة و هي تنظر اليه
( ليث ........... )
رمقها ليث بنظرة طويلة ..... بدت طويلة جدا أم تراها عميقة ؟!! .... أي وحدة قياس تستخدم لتحديد هوية تلك النظرة !! .....
قال ليث بهدوء رزين
( كيف حالك يا مليحة ؟؟ ......... )
ارتبكت سوار قليلا و نظرت جانبا ... حينها لمح ليث تلك الفتاة بجوارها و المتشحة بالسواد ... فعقد حاجبيه و ابتعد عن الطريق بسرعة وهو يخفض نظره قائلا
( عفوا لم أدرك أن في ضيافتك أحدا ..... )
سارعت سوار بالقول و هي تمسك بذراع بدور تدفعها للخارج قائلة
( انها ابنة عمي ..... أتت لتهنئتي بالزواج ....أراكِ لاحقا حبيبتي و شكرا لكِ .... )
اطلقت بدور ساقيها للريح .... بينما بقى ليث واقفا مكانه ينظر الى سوار بنظرة غامضة غريبة ...
الى أن ارتبكت و قالت
( أهلا بك ..... تفضل و اعتبر الدار دارك ..... )
كانت تقصد أن تستفزه بعد الإهانة التي ألحقها بها , الا أنها كانت في الأساس .... تحاول صرف انتباهه عن بدور ....
دخل ليث و أغلق الباب ..... بينما لم يرفع عينيه عنها .... بدت مرتبكة و هي تعرف جيدا أنها لا تجيد الإخفاء ....
طبيعتها الصراحة في وجه أعتى الرجال .....
رفعت وجهها اليه و قالت بصوتٍ أملت أن يكون طبيعيا
( ما الذي ذكرك بنا اليوم ؟!! ........ )
انعقد حاجبيه و تصلبت ملامحه ..... و نظر اليها طويلا قبل أن يقول بخفوت جاف
( الحقي بي الى غرفتنا ........ )
و دون أن ينتظر ردها , اتجه الى السلم تاركا ياها بعد ان ألقى بأوامره و كأنه يكلم احدى جواريه !! .....
تسمرت سوار مكانها و هي تراقب صعوده بهالة الهيمنة المحيطة به ... دون أن يسرع الخطا أو يتردد بها ...
كان يخطو بخيلاء فوق الدرجات و كأنه يعتبر لاحقه بها أمرا غير قابل للنقاش .... لا تملك الجرأة على رفضه ....
أوشكت سوار في لحظة غضب أن تلتزم العناد و تتجه الى أي مكان آخر .... لتتركه ينتظرها للأبد ....
لكنها سرعان ما عدلت عن هذا التفكير الطفولي ....
هي لم تكن يوما طفولية أو ساذجة في تصرفتها .....
يريد أن يعاملها بطريقة تلزمها حدها ؟!!! ..... جيد اذن , ستجعله يدرك أن حدها هو ما يجعلها ندا له .....
.................................................. .................................................. ......................
دخلت سوار الى الغرفة رافعة ذقنها ....
كان ليث واقفا ينظر الى النافذة , و يوليها ظهره ... مما جعلها تتأمله لعدة لحظات ....
عادة من يسكنون هنا في البلد من الرجال , يلتزمون بزيها التقليدي المريح من العباءة و الجلباب تحتها ....
أما من اعتادوا السفر .... و قد اصبحت البلد ما هي بالنسبة لهم سوى مزار سنوي , هذا ان تمكنوا من القدوم مرة في العام من الأساس و سمح لهم وقتهم .... فهم قد تحرروا من تلك الملابس المعتادة هنا ... و باتوا يلبسون كل ما هو عصري ...
ليث حالة خاصة من التحرر و الإلتزام ..... الإنتماء الى هذا المكان حتى ولو شكليا ... جزئيا ....
فقد كان يرتدي قميصا أبيضا ناصعا .... و بنطالا رماديا مفصلا ببراعة و اتقان عليه ....
و قد وضع على كتفيه العباءة المحلية من الصوف الغالي و تركها مفتوحة فوق ملابسه ....
فبدا مثالا لأناقة خاصة راقية و فخمة .... تمثله هو وحده و دون غيره .....
و كانت لحيته الخفيفة المشوبة باللون الفضي .... تزيده وقارا و هيبة .....

سرحت سوار في أفكارها المجنونة أكثر مما ينبغي فتكلم ليث بنفس الصوت الآمر دون أن يستدير اليها
( ادخلي و اغلقي الباب خلفك ........ )
ارتفع حاجباها بدهشة ... الا أنها أغمضت عينيها و هي تأخذ نفسا عميقا لتهدىء غضبها ...
ثم أغلقت الباب بهدوء و تحركت للداخل عدة خطوات قبل أن تكتف ذراعيها و هي تقول بترفع
( هل من أوامر أخرى ؟!! ......... )
بقى مكانه عدة لحظات قبل أن يستدير اليها .... ليرمقها بنظرة طويلة جدا متجاهلا سخريتها الخفيفة ...
ثم قال أخيرا بصرامة
( من كانت ضيفتك ؟؟ ....... )
رفعت ذقنها رغم توترها الداخلي الا أنها ظلت هادئة الملامح و هي تجيب ببرود
( أخبرتك ........ )
أسبل ليث جفنيه للحظة , قبل أن يعاود النظر اليها وهو يقول بلهجة أكثر خفوتا لكن أشد خطورة
( سؤالي مرة أخرى و أخيرة ..... من كانت ضيفتك ؟؟ ...... )
اتسعت عيناها ببريق رافض و قالت بنبرة متسلطة
( أخبرتك أنها ابنة عمي و أنا لا أكذب ....... لا أسمح لك بالإشارة لهذا .... )
ارتفع صوت ليث قاصفا وهو يقول
( بلى أنتِ كاذبة ...... و إن أردتِ برهانا فابنة عمك لن تأتي كي تهنئك في مثل هذه الظروف و بزواجٍ كهذا ....... لا تزال عائلتكم في حالة حداد ..... ها , أي أكاذيب أخرى ستختلقين ؟!! .... )
ادركت أن موجة الغضب لديها قد ازدادت علوا و بشكل أكبر من أن تستطيع السيطرة عليه ...
فهتفت بقوة و عنف
( أنا لا أسمح لك ...... هي ابنة عمي , لكن سبب الزيارة يخصني أنا وحدي .... آه عفوا , نسيت أن اقامتي هنا مشروطة و ما أنا الا بزوجة شرفية .... تزوجتها بدافع من الشهامة كي تستر عليها ليس الا .... و ما أن تجرأت على مواجهتك , قررت معاقبتها بالذهاب الى زوجتك الأولى و البقاء معها لأسبوع كامل , معرفة الخدم ..... لا أنا لست زوجة هنا , لذا ليس من حقك استجوابي عن شيء لا يخصك .... )
كانت عينا ليث تضيقان و تضيقان مع كل كلمة تهتف بها ... حتى بدت في آخر كلماتها كخطين رفيعين من الخطر و الشرر .... و ما أن انتهت .... حتى وقفت مكانها تلهث و هي تهنىء نفسها بتلك المرافعة القوية ....
لكن لحظة انتصارها لم تدم .... فصمت ليث كان مقلقا و نظراته غير مريحة .....
فرمشت بعينيها و هي تحاول استنتاج القادم .... الا أنه تحرك بمنتهى الهدوء و أخرج شيئا من جيب قميصه ... رماه لها فالتقطته تلقائيا دون تفكير ....
ثم قلبته في يدها ..... لتدرك أنه شريط أقراص صغيرة ....
رفعت عينيها اليه باستفهام قلق ... الا أنه ابتسم ببرود و قال ببساطة
( أحضرت لكِ طلبك ..... أقراص منع الحمل ...... )
شعرت سوار بانقلابٍ في كيانها كله .... و رجفة باردة تسري في أوصالها !!
لقد أتى لها بطلبها دون أن يبدو مستاءا .... أي أنه ناويا على المتابعة !!! ....
ازداد ارتجافها الا أنها سيطرت عليه بقوة و رفعت وجهها و هي تقول بأناقة مستفزة
( شكرا لك ........ سأحتفظ بها .... )
لكن صوت ليث كان واضحا وهو يقول آمرا دون أن يرفع درجة نبرته
( خذي واحدة منها الآن .......... )
اتسعت عيناها قليلا , الا انها قالت بتوتر ....
( لاحقا ....... ليس الآن ....... )
تحرك ليث من مكانه بهدوء .... و أمام عينيها الواسعتين ذهولا رأته يلقي العباءة جانبا .... و يبدأ في فك ازرار قميصه , ثم امتدت يداه الى حزام بنطاله وهو يقول بهدوء دون أن ينظر اليها
( بل الآن ....... الا أذا أردتِ أن تحملي طفلي , حينها سأكون أكثر من سعيدا بتلبية رغبتك ..... )
فغرت سوار شفتيها و هي تهز رأسها قائلة ... و متراجعة للخلف
( أنت لا تعني ......... )
ابتسم أمام عينيها الذاهلتين و اقترب منها بسرعة وهو يقول بنفس الهدوء
( بلى ...... أعني تماما .......... )
حاولت سوار الهرب في لحظة جبن .... الا أنه كان أسرع منها فالتقطها بين ذراعيه ليحملها عاليا و هي تتلوى و تهتف
( توقف يا ليث ...... )
لكنه كان صارم الملامح مشتعل العينين ببريق لم يعد بمقدوره اخفائه .... فاتجه بها الى الفراش ليلقيها عليه و قبل أن تهرب منه كان قد انحنى اليها و أمسك بمعصميها يكبل قوتها الشبيهة بقوة رجل ....
ثم هدر بها يقول
( خذي القرص الآن ..... إنها فرصتك الأخيرة و لن أكرر الأمر ...... )
هتفت سوار بصوتٍ عصبي و هي تتلوى دون جدوى
( لا أريد فعل ذلك ........ )
الا أن ليث هدر بصرامة
( بلى ستفعلين ..... لست فتى ساذج , كي يتوسل زوجته لتمنحه حقوقه ..... لقد قبلتِ بهذا الزواج و أنتِ تعرفين غرضي بكل وضوح ..... لم أتلاعب بكِ أو أوهمك بمجرد مساعدة عفيفة ,,,,, أنت زوجتي و لي حق عليكِ ....... خذي القرص الآن أو انسي أمره مطلقا ..... )
ظلت سوار مستلقية و هي تنظر اليه بعينين متسعتين ...... و دون أن تدري وجدت أصابعها تتحرك لتخرج قرصا من الشريط ...
.................................................. .................................................. .....................
بعد فترة طويلة .... كانت مستلقية بجواره , تحدق في السقف بعينين واسعتين .....
بينما هو انحنى اليها ليقبل عنقها هامسا
( كنت مسافرا ..... قضيت مع ميسرة ليلة واحدة ثم سافرت الى عملي , ستصاحبينني لاحقا في سفرات العمل ..... كما وأنني بكل تأكيد لم أخبر أي خادمة بمكان ذهابي .... أنا اكثر ترفعا من هذا ...... )
لم تتحرك سوار من مكانها .... و لم تلتفت حتى اليه , بل بدت و كأنها لم تسمعه من الأساس .....
الا أنها وبكل تأكيد .... سمعته وهو يتحرك من جوارها ملتقطا ملابسه ليرتديها على عجل ثم يغادر الغرفة مغلقا الباب خلفه ..... بهدوء !! .....
.................................................. .................................................. ..................
أحيانا يقدم الإنسان على الإنتحار معنويا ... عبر السقوط في هوة سحيقة و بعينين واسعتين .... و دون أن يدفعه أحد .....
يظل يسأل نفسه , لماذا ؟؟ ...... لماذا ؟؟ ..... لكن لا جواب ....
هذا تحديدا هو ما هي مقدمة عليه .....
زواجها بزاهر يعد انتحارا معنويا .... لكنها كانت تمر بحالة من بلادة المشاعر و التكيف مع الوضع ....
لقد عاشت من قبل قصة الحب العنيف ذو النبضات المتسارعة و الذوبان من شدة العشق .....
لكن على ماذا حصلت في النهاية !!...... ندبة لن تختفي مطلقا .....
لم تعد تؤلم , الا أنها قبيحة المنظر .... و قبحها هو ما يوجع .......
تحركت مسك بساقين متقاطعتين برشاقة في رواق الشركة ....
شاردة في الزفاف الذي سيكون بعد اسبوع ....
لقد لبى لها زاهر كل شروطها ... و الحق يقال أنها تمادت , لكنها مسك الرافعي ... ليست أقل من أن يكون لها حفل زفاف حتى و إن كان بسيطا .... على أن يكون راقيا ....
ترتدي ثوبا أبيض يناسبها ........
أشرف و غدير من أوائل المدعويين .......
ستكون جميلة ..... غاية في الجمال كما ترى نفسها تماما ......
أنتِ جميلة يا مسك .....
جمالك ليس بريق في عين رجل عابر و غمزة جفن .....
جمالك شخصية لا تهزم ...... لا تقبل بالتنازل لمجرد أن جزء من جسدها ناقص ....
أو لمجرد أن رجل تركها لأخرى .....
القبيحات هن فقط من يتنازلن لهذه الأسباب ........
كانت تريد الحصول على مسوداتٍ لعقود طلبتها منذ أكثر من ساعة و لم تصلها بعد .....
لذا اضطرت أن تحضرها بنفسها من أكثر الأقسام المكروهة لقلبها .... قسم العاملين في الطابق الثالث ...
حيث التسيب و الإستهتار ..... و عدم الإلتزام بمظهر أو لياقة أو آداب حديث .....
التمادي في التصرفات ... ووقفات اعتراضية تعطل العمل مع كل قرارٍ لا ينال رضاهم .....
طبعا .... يحق لهم هذا طالما أن هناك من يشجعهم و يدعمهم
" المنطقة الغير مرغوب بها ...... "
زفرت مسك و هي تقترب من الغرفة المنشودة .... المنفية في نهاية الرواق و هذا أفضل كي لا يزيد احتكاكهم بالمزيد من البشر ....
دخلت مرفوعة الرأس و كعبي حذائها يطرقان الأرض باللحن المميز الذي يميزها دون غيرها في هذا المكان ....
دخلت و هي تقول بصرامة عملية
( كنت قد طلبت مسودات ال ........... )
الا أنها توقفت عن الكلام تماما و هي تتأكد مما تراه بعينيها ......
كانت المكاتب خاوية !! ..... والجميع يجلسون أرضا !!!......
فغرت مسك شفتيها و هي تراهم يجلسون في حلقة مستديرة واسعة .... في منتصفها العديد من اطباق الطعام المعدة منزليا ...
و على قمة هذه المائدة الأرضية ... يجلس " المنطقة الغير مرغوب بها "
أمجد الحسيني ....
مستندا الى الحائط بأريحية .... رافعا احدى ركبتيه ليسند عليها ذراعه وكأنه يستريح على شاطىء الترعة !!! ....
توقف الجميع عن الكلام و الضحك وهو ينظرون اليها بوجوم ...
فقد جائت مفسدة الحفلات و هادمة اللذات .....
ينتظرون منها ما ستجود به من صلف ألفاظها ......

التقت عيناها بعيني أمجد الذي تجمدت ابتسامته لعدة لحظات , الا أنها لم تختفي تماما .... بل أبقى عليها بثبات وهو يراقبها دون أن يحرك عضلة في جسده ....
منذ آخر مواجهة لهما و هي تتجنبه قدر المستطاع ..... تلعن الغباء و الضعف اللذان سمحا لها بالبكاء أمامه .....
كانت ذلة لن تغفرها لنفسها مطلقا ..... و لهذا كانت تحاول تجنبه عله ينسى تلك الواجهة و يبقي على صورتها في مخيلته ..... أبية , لا تقهر ....
أسبلت مسك جفنيها و هي تتهرب من تلك النظرات السهمية .....
ثم لم تلبث أن أشارت بيدها في حركة مستديرة الى تلك المجاعة و هي تقول رافعة حاجبيها بلهجة استفسار معروف جوابه , الا أن الغرض منه بداية تقريع و توبيخ
( آآآآآآ ماذا يحدث هنا بالضبط ؟!! ........... )
ساد صمت قلق بين الجميع , فتطوع أمجد للكلام بلا مبالاة و دون أن يتحرك
( نحن نحتفل ...... تفضلي معنا ....... )
ارتفع حاجبيها أكثر و هي ترمقه بعنجهية , تبتسم بسخرية خفية للنبرة الفاترة التي يحادثها بها ...
لكنها ردت ببساطة و بنبرة أكثر صلفا ....
( احتفال !! ...... مجددا ؟!! ..... هلا أتحفتموني بالمناسبة ؟!! ...... )
تكلم أمجد وهو ينظر الى عينيها ببرود... و ايضا .... دون أن يمتلك بعض الذوق ليتحرك من جلسته الأنيقة
( ولادة زوجة اسماعيل بالأمس ......... )
نظرت مسك الى المدعو اسماعيل الذي ابتسم تلقائيا بزهو ..... فقالت مسك بانبهار جليدي
( مبارك يا اسماعيل ...... هلا أخبرتموني الآن عن تعريفكم لمعنى احتفال تحديدا ؟!! .... لأنني أراكم تفترشون الأرض و تأكلون طعاما ذو رائحة غريبة للغاية انتشرت في الرواق بأكمله ..... )
سادت الهمهمات الغاضبة بينهم , الا أن أي منهم لم يجرؤ على الكلام ....
الا أمجد ....
من الواضح أنه كان المتحدث الرسمي لهم .... الوحيد القادر على مواجهتها و بشراسة ....
فقال بنبرة جليدية ....
( هذه هي مظاهر احتفالنا ان لم يكن لديك مانع ..... لكن نرحب بكِ ان اردت المشاركة ... )
قالت مسك و هي تكتف ذراعيها
( المشاركة ؟!! ......... أتتوقع مني الجلوس أرضا ؟!! ....... )
ارتفع حاجبي أمجد وهو يرمق ملابسها الأنيقة المحكمة بنظرة طويلة أربكتها و جلبت التورد الى وجنتيها ....
ثم قال ببساطة
( بالطبع لا ..... لا نريد أن نفسد هذه الحلة الأنيقة ..... )
ثم استدار ناظرا الى أحد الجالسين أرضا وهو يمد اليه يده قائلا بهدوء
( ناولني يا بني هذا الدفتر من خلفك ..... )
استدار الرجل في جلسته ليلتقط الدفتر الموضوع على سطح المكتب .... قبل أن يعطيه لأمجد و الذي فتحه من المنتصف ... ليفرشه أرضا بجواره .... ثم ربت عليه قائلا وهو ينظر اليها مبتسما
( تعالي و اجلسي ........ )
لمعت عينا مسك بالشر و هي تراقب الطريقة المهينة التي يعاملها بها أمجد أمامهم .... حتى أن الضحكات المكتومة قد بدأت تظهر و هم غير قادرين على اخفائها .....
الا انها زمت شفتيها و ابتسمت بسماجة و هي تقول
( شكرا لك ....... لكن ساقي طويلتين و لن يتسع الدفتر الرائع لهما كي لا تتسخ حلتي ...... )
تحركت أسماء لتجلس على الدفتر المفتوح بجوار أمجد و هي تقول مبتسمة باستفزاز
( أنا سأجلس بجوارك يا سيد أمجد .... فأنا قصيرة , ثم أنني لا أهتم بأن تتسخ ملابسي .... الجلسة الحلوة لا تعوض ..... )
ارتفع حاجبي مسك و هي تراقب تلك المهذلة .... بينما فتحت أسماء احدى العلب و هي تقول لأمجد برقة
( سيد أمجد ..... أنت لم تذق بعد شطائر المخ التي أعددتها بنفسي ...... )
اتسعت عينا مسك بذهول و همست مرتاعة
( مخ !!! ........مخ ماذا ؟!! ..... )
ابتسم أمجد بخبث وهو يتناول الشطيرة من اسماء ليقول ببراءة
( مخ حيوان بالطبع ......... )
أغمضت مسك عينيها و هي تهمس و قد بدأت تشعر بالدوار
( ياللهي !! .......... )
تكلم أمجد يقول باهتمام
( أنتِ تبدين على وشكِ الإصابة بالإغماء يا مسك ...... هل أفتح لك دفترا آخر غير الذي جلست عليه أسماء ؟!! ....... )
فتحت عينيها لتنظر اليه ببرود .... ثم لم تلبث أن قالت بابتسامة أكثر سماجة
( أشكرك جدا .... احتفظ بالدفاتر للعمل كما قدر لها ..... )
استدارت الى الباقين و قالت بنبرة متسلطة
( أين مسودات العقود التي طلبتها منذ أكثر من ساعة ؟!! ........ )
أشار اسماعيل الى أحد المكاتب وهو يقول
( هناك ..... هذا الملف هناك , خذيه أنتِ يا سيدة مسك لأن أيادينا ليست نظيفة ..... )
نظرت مسك اليهم جميعا بقرف .... قبل ان تستقر عيناها على عيني أمجد المتربصتين بها ....
فأسبلت جفنيها و اتجهت الى الملف المنشود .... لتأخذه و تخرج ..... بعيدا عن نظراته ....
سارعت مسك الخطا و هي تسمع الضحكات تنفجر ما أن خرجت .....
فزمت شفتيها أكثر و رفعت ذقنها و أسرعت ....
لكن وقع أقدامه خلفها كان قويا بحيث لم تستطع انكاره .....
لم تتوقف مسك و لم تلتفت اليه .... بل اتجهت رأسا الى المصعد ....
وهو خلفها لا يتأخر .....
ضغطت زر المصعد بقوة ثم وقفت منتظرة لتقول ببرود دون أن تستدير اليه
( اليس لديك ما يشغلك في هذه الشركة سوى اللحاق بي الى المصاعد ؟!! ...... )
رد عليها بنبرة قاتمة .....
( أنا لا أتبعك , أنا متجه الى مكتبي ....... )
نظرت اليه مسك نظرة من فوق كنفيها ثم قالت باشمئزاز
( لا تتخيل أن تدخل معي المكتب و قد أكلت للتو .... بصل و مخ و خلافه ..... )
قال أمجد ببساطة وهو ينظر الى أرقام المصعد
( لا تدخلي معي اذن ........... )
استدارت اليه و هتفت بغضب
( أنا أتيت قبلك ......... )
قال أمجد بنفس البرود
( لكنك لم تملكي المصعد لنفسك ...... اصعدي على السلم لو كنتِ متضايقة ..... )
أوشكت على رميه بالمزيد من قذائف لسانها , الا أن المصعد وصل و فتح أبوابه .... فدخلت مسرعة و هي تنوزي غلق الباب قبل أن يدخل , الا أنه كان اسرع منها فمد يده ليمنع غلقه ... ثم دخل بهدوء و نظر اليها معاتبا ليقول ببساطة
( أنتِ طفولية جدا ......... )
هتفت به بغيظ
( و أنت رائحتك لا تطاق ......... )
استدار اليها ليقول بصوت أكثر غضبا و عنفا ....
( و أنت مغرورة ....... و أنفك مرتفع أكثر من اللازم و بالمناسبة هو مدبب جدا , لذا رفعه لا يفي وجهك حقه و يزيد من حدة ملامحك ..... و بالمناسبة أيضا ..... الجميع هنا يتندرون عليكِ و يطلقون عليكِ لقب ألمظ .....لعجرفتك في التعامل معهم , ..... )
صدمت مسك و هي تقول بدهشة
( من يدعوني ألمظ غيرك ؟!! ........... )
ابتسم بشر و هو يهمس لها من بين أسنانه
( ظاظا .......... )
اتسعت عيناها أكثر و أكثر باستنكار .... ثم هتفت بغضب عارم
( أتعرف ماذا ..... العيب ليس عليهم , بل العيب عليك أنت , لأنك من تسمح لهم بالتمادي على رؤسائهم .... فتبقى في نظرهم الرجل البسيط المتواضع , بينهما هذا لا يعد تواضعا أبدا , بل هو تمادي و تجاوز حدود و سلطات .... )
فتح المصعد أبوابه فخرجت مسك منه مندفعة .... الا أنها استدارت اليه و قالت باستياء أكبر
( و بالمناسبة أيضا ...... الفتاة أسماء , معجبة بك , لأنك تشجعها و تسمح لها بالتمادي , فرسمت بداخلها أحلاما وردية لا أساس لها من الصحة ..... )
بهتت ملامح أمجد وهو يسمع هذا الكلام للمرة الأولى ..... و أوشك المصعد على أن يغلق أبوابه ... الا أنه مد يده يفتحه ... ثم خرج خلفها ليقول واضعا كفيه في خصره قائلا
( من أين لكِ بمثل هذا الهراء ؟!! .......... )
قالت مسك بتشفي
( إنها ملحوظة يراها الأعمى .... بشرط واحد أن يضع الحدود بينه و بين الجميع , و لا يسمح لأحد بتجاوزها .... حينها تصبح الرؤية لديه أوضح ...... )
وقف كل منهما يواجه الأخر وهو يتنفسان بسرعة ..... و كأنهما في مصارعة ديوك ....
تكلم أمجد أخيرا ليقول بخفوت
( لقد جرحتك على ما يبدو ....... )
ابتسمت مسك ابتسامة متعالية و قالت بأناقة
( أنا لا يسهل جرحي ..... كي تتسبب به كلمات سخيفة من أناس لا هم لهم سوى القيل و القال ..... )
تصلبت ملامح أمجد وهو يراقبها صامتا .... و قد يئس منها و من عجرفتها , ....
الا أن عينيه رغما عنه انخفضتا الى أصابعها الخالية من الخواتم .... فقال فجأة ببرود
( لم ترتدي خاتم خطبة بعد ......... هل هذا يعني أن مشروع الخطبة قد فشل لا سمح الله و نجى ابن عمك بجلده ؟!!! ....... )
ضغطت مسك على أسنانها و هي تقول بابتسامة غرور و تعالي
( لا تقلق عليه ...... هو بخير حال وهو راضٍ جدا , و بالمناسبة مرة رابعة ..... زفافي سيكون الخميس المقبل ..... أي بعد اسبوعٍ تماما ..... و حينها سأرتدي الخاتم ... )
ضاع التحدى من ملامح أمجد .... و انعقد حاجبيه , بينما قال دون تفكير
( بهذه السرعة ؟!! .......... )
أومأت مسك مبتسمة بأناقة و هي تقول
( نعم ...... لا داعي للتأجيل , سكون حفلا هادئا , و أنت مدعو بلا شك ..... )
لم يتكلم أمجد على الفور .... بل ظل واقفا مكانه ينظر اليها بصمت .....
نظرة طويلة كانت تعرف معناها جيدا ......
نظرة تجرها الى المنطقة المحظورة التي تهرب منها منذ أشهر ......
فأخفضت وجهه أمام تلك النظرة الغير مرغوب بها ..... الا أن أمجد قال بهدوء و بصوت لا ينم عن شيء
( سأحضر بالتأكيد .... )
ارتفع وجهها بصدمة و هي تهمس
( هل ستفعل ؟!! ........ )
قال أمجد بصوت لا حياة به و بابتسامة هادئة
( لن أفوته لاي شيء ........... )
ارتجفت شفتي مسك و لعنت الغباء الذي دفعها الى دعوته !! ..... لا تصدق أنها ستكون مضطرة الى خوض هذا الزفاف أمامه .... و في وجود أشرف و غدير أيضا .....
أغمضت عينيها و هي تشتم نفسها بألفاظ لم تعتدها من قبل .....
و حين وجدت أن الصمت قد طال .... استدارت وهي تقول بخفوت
( رائع ...... سأكون سعيدة بحضورك ...... )
تحركت مرفوعة الرأس .... تائهة النظرات و هي تمشي بأناقة , الا أن أمجد ناداها قبل أن تبتعد
( مسك ....... )
استدارت اليه لتتقول بخفوت
( نعم ........... )
ظل واقفا مكانه ينظر اليها عدة لحظات قبل ان يقول دون ابتسام لكن بلهجة صادقة
( أتمنى لكِ السعادة ......... )
لم يظهر شيء على ملامحها الأنيقة المنحوتة ...... بل ظلت تبادله النظر ثم قالت أخيرا مبتسمة بجمال أنثوي
( و انت أيضا ......... )
ثم استدارت ...... و اسرعت الخطا , تهرب قدر المستطاع من المنطقة المحظورة .......
أما هو فظل واقفا مكانه ..... ينظر الى ابتعادها , ثم همس بصوت غريب
" ألماس ........ "
.................................................. .................................................. ......................
ليلة زفاف مسك و زاهر ....

وقفت مسك أمام المرآة في الغرفة التي استخدمتها لارتداء فستان الزفاف الذي قامت باختياره منذ أيام ......
كانت تعلم أنه يناسبها ....
لكنها لم تتخيل أن يكون رائعا بتلك الصورة .....
فبعد أن أنهت خبيرة التجميل عملها .... وقفت مسك لتقيم نفسها .....
تحتاج لأن تكون جميلة ..... جمالها الشكلي لا يقل أهمية عن شخصيتها القوية ......
كانت قد صففت شعرها في لفة جانبية ..... و انسدل خمار الزفاف من هذه اللفة الجانبية على كتف واحد فقط الى أن استقر على مرفقها .... ثم تابع انسداله الى الأرض ....
فستانها لم يكن منتفشا ....
بل كان ضيقا بتفصيل رائع يتسع عند ركبتيها .... و مزين بتطريزٍ فضي رائع جعل منها عروس بحر ....
كانت أنيقة .... و جذابة ..... و مترفعة عن بهجة الأفراح الوردية ....
و هذا هو ما أرادته تحديدا ......
لكن بداخلها كان هناك فراغ.... هوة واسعة , ينقصها السعادة ....
لم تكن السعادة مبتغاها ..... لكنها الآن تشعر بأنها تتمنى بعضا منها ......
بعضا من رذاذ وردي متناثر داخل تلك الهوة ......

سمعت طرقا على الباب ... فقالت بخفوت ناعم
( تفضل ............. )
دخل سالم الرافعي .... خطوتين ثم توقف مبهورا !! .......
فابتسمت مسك له بجمال و هي تفتح ذراعيها قائلة
( اذن ....... ما رأيك ؟!! ........... )
بدا سالم و كأنه قد فقد النطق لعدة لحظات و لانت عيناه بنظرة أثرت بها .....
ثم همس بخفوت وهو يفتح كفيه
( رأيي ؟!! ...... و هل تركتِ لي رأي يا أميرة البنات ؟!! ..... تبدين خلابة .... )
اتسعت ابتسامتها و هي تقول مستسلمة
( جيد ....... وهو المطلوب ....... سأفعلها , سأتزوج و أريح قلبك أخيرا ...... )
ارتجفت ابتسامة سالم وهو يقول بخفوت
( كنت أتمنى لكِ الأفضل .......... )
قالت مسك بهدوء
( زاهر ليس سيئا يا أبي ..... ........... )
أومأ سالم برأسه صامتا ...... ثم عاد لينظر اليها مجددا , يملي عينيه من جمالها قبل أن يقول بخفوت
( كم تشبهين أمك رحمها الله ..... نفس الجمال و البهاء .... كانت أجمل عروس رأيتها في حياتي ..... و كنت أظن وقتها أنني قد ربحت جائزة من الماس ...... )
ابتسمت مسك و هي تهمس بخفوت
( رحمها الله ............ )
رفع سالم وجهه وهو يلتقط أنفاسه ليقول قبل أن تدمع عينا مسك
( هيا بنا ...... لا نريد أن نترك العريس منتظرا طويلا ......و المأذون ينتظر ... )
ابتسمت مسك و قالت بخفوت
( نعم ....... هي بنا ........ )
مد سالم ذراعه الى مسك فتبثت بها برقة ..... قبل أن يتحرك بها خارجا الى قاعة هادئة ضغيرة ....
تزينها الشموع و موسيقى رقيقة ....
كان عدد المدعوين محدودا ..... بعض أعمامها حضر بينما لم يستطع جدها تحمل السفر و القدوم الى المدينة ....
وهو كان زاهدا في أي زواج بعد زواج سوار ......
كان يبدو كمن فقد شيئا عزيز عليه .....
لذا لم يستطع أحد اجباره على الحضور .....
تقدمت مسك مع والدها فبدأت الموسيقى تتغير الى لحن أكثر رسمية ..... و الجميع ينظرون اليها و هي تتقدم مع سالم عبر الطاولات ....
عيناها تراقبان الحضور بابتسامة أنيقة جذابة ..... فرأت أشرف و غدير .....
كانا يجلسان متقاربين .... متباعدين .....
نظرة كل منهما اليها اسعدتها بما يكفي ليملأ الهوة بداخلها قليلا .....
فأشرف كان ينظر اليها صامتا ..... نظرة افتقدتها في عينيه منذ سنوات , و قد راهنت على أن تراها مجددا ....
أما غدير فمن المفترض أن تكون سعيدة لانتهاء قلقها من ناحية مسك و خوفها على ضياع زوجها منها ....
الا أن نظرتها كانت شديدة السواد ....
و كأنها لا تزال تعاني من العقدة القديمة .......
عيناها تتحركان على فستان مسك .... و تغوران أكثر ..... ثم تتحركان ناحية زاوية معينة ...
علمت مسك قبل أن تلتفت الى الزاوية التي تنظر اليها غدير ..... أنه هناك ....
فنظرت اليه مباشرة قبل حتى أن تنظر الى عريسها !! .....
كان يجلس في زاوية منعزلة ..... يرتدي حلة سوداء جعلته أكثر وسامة مما ظنت و أظهرت شقرة لحيته أكثر ....
و عيناه ...... عيناه جعلتا الابتسامة تموت من على شفتيها .......

لم يرى عروسا أجمل منها من قبل .....
كليوباترا ...... بكل جمالها و عذوبتها و مكر عينيها .....
بكل ترفعها و كبريائها الأنيق المغيظ .....
حين خطت الى المكان و تغير اللحن .... شعر بشيء يتغير في داخله قبل أن يستدير ليراها على مهل ....
ثم تسمر .....
تبدو كالألماس الخام ..... سحرت كل الناظرين اليها رغم أنها كانت غاية في البساطة .....
مسك الرافعي .....
لقد أصبحت بعيدة عن متناول يديه الآن و انتهى الأمر .....
عليه أن تعامل مع تلك النار الحارقة في احشائه الآن ..... ترى الى متى ستستمر ؟!! .....

ابتسم لها أمجد ابتسامة لم تصل الى عينيه ما أن التقت نظراتهما .......
فردت له الإبتسامة بأخرى أكثر شحوبا .... قبل أن تجبر وجهها على الألتفات الى عريسها ....
تحركت مسك الى طاولة أنيقة .... يتوسطها المأذون منتظرا و على يساره يجلس زاهر أما الكرسي على اليمين فهو معد لجلوس والدها ....
فجلست بجواره ....
بدأ الشيخ في اتمام عقد القران ..... بينما مسك تنظر الى زاهر بصمت وهو يبادلها النظر بعينين مشتعلتين سعادة و ظفرا بما أراده لسنوات .....
على الرغم من انه أوشك على ارتكاب جريمة ما أن علم بأن أشرف مدعو للحفل ....
لكن سالم ووالده قاما بتهدئته منعا للفضائح .....

و الآن بعد أن رآها ... هدأت نفسه و ارتاح باله الى أن تلك الجوهرة النفيسة باتت ملكا له ....
انتهى المأذون من خطبته الاستهلالية .... لكن و قبل أن يبدأ في عقد القران الفعلي ...
تكلمت مسك بصوت واضح ناعم و أنيق ..... لكنه مسموع للجميع
( من فضلك سيدي الشيخ ..... أريد اضافة شرطا الى عقد زواجي ....... )
سادت بعض الهمهمات في المكان و بدا الجميع متفاجيء حتى والدها الذي نظر اليها بعدم فهم ....
الا أن المأذون قال بهدوء
( نعم يا ابنتي .... وكلي والدك و قولي شرطك ....... )
قالت مسك و هي تنظر الى زاهر مبتسمة
( أريد أن أشترط الا يتزوج زوجي بامرأة أخرى طالما هو متزوج مني ...... )
الآن تعالت الهمهمات الى صيحات مستنكرة من جميع المتواجدين .... فهم اعمامها و يدركون علتها جيدا .....
وحده أمجد الذي كان ينظر اليها مذهولا .... بينما لسان حاله يقول
" و هل هذا شرط يصعب تحقيقه ؟!! ....... "
تكلم زاهر مصدوما
( لكن يا ابنة عمي ..... أنتِ تحرمين شرع الله ..... )
التفتت مسك الى الشيخ و قالت بهدوء
( هل يجوز اشتراطي يا سيدي الشيخ ؟؟ ........ )
اجابها الشيخ قائلا على مهل
( اشتراط المرأة ألا يتزوج عليها ..شرط صحيح جائز كما ذهب إليه المحققون من أهل العلم .... وإذا أخل الزوج بهذا الشرط : كان لزوجته الحق في فسخ النكاح ، وأخذ حقوقها كاملة .... )
نظرت مسك الى زاهر مبتسمة و قالت
( الكلام واضح ...... الرأي النهائي لك , هل تريد أن تتزوج من أخرى ...... )
بدا زاهر في وضع لا يحسد عليه .....
بينما نهض والده هاتفا و هو غير قادر على السيطرة على نفسه أكثر
( ما الذي يحدث يا سالم ؟!!! ..... و ما تلك الفضائح , ابنتك العاقر تتشرط !!! ..... )
ساد صمت مهيب بعد انفجارة والد زاهر .....
و لم يجرؤ أحد على النطق بعدها ..... بينما شحب وجه أمجد وهو ينظر بذهول الى مسك التي ظلت محتفظة بابتسامتها الأنيقة ....
و أخذت تعد بداخلها .... واحد .... اثنان .... ثلاث ....
منحته عشر ثوانٍ كاملة .... كي يتخذ قراره , الا أنه بدا صامتا مصدوما .....
فنهضت من مكانها بخيلاء و هي تقول برقة
( حقك أن تتزوج من أخرى يا زاهر ..... لكن الأولى لن تكون أنا .... )
التفتت الى أعمامها ثم قالت بابتسامة جميلة
( عمتم مساءا ...... لقد انتهى عقد القران قبل أن يبدأ ...... )
تحركت مسك و هي تحمل خمار رأسها على مرفقها لتغادر أمام الأعين المذهولة .... بينما اندفع أمجد ليجري خلفها ... و ما أن وصلت الى الباب حتى ناداها لاهثا
( مسك ....... انتظري ...... )
استدارت اليه مبتسمة و قالت
( نعم أنا عاقر , لقد تم استئصال الرحم لي بعد اصابتي بورم خبيث ......... آسفة لحضورك و تعطيل وقتك ......أراك يوم الأحد في الشركة .... )

انتهى الفصل ال 20 ... قراءة سعيدة



























tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 29-09-16, 12:01 PM   #7455

مريم الكندي

? العضوٌ??? » 381509
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 79
?  نُقآطِيْ » مريم الكندي has a reputation beyond reputeمريم الكندي has a reputation beyond reputeمريم الكندي has a reputation beyond reputeمريم الكندي has a reputation beyond reputeمريم الكندي has a reputation beyond reputeمريم الكندي has a reputation beyond reputeمريم الكندي has a reputation beyond reputeمريم الكندي has a reputation beyond reputeمريم الكندي has a reputation beyond reputeمريم الكندي has a reputation beyond reputeمريم الكندي has a reputation beyond repute
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .


مريم الكندي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-09-16, 12:30 PM   #7456

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

رووووووووعه يا تيمو قاصي وتيماء اجمل ثنائي ....... عندي احساس ملح ان تيماء حامل لو طلع تخميني صح انا عاوزه هدية ... ليث المسكين حرام على سوار الي بتعملو فيه دا بدور غلطت لما راحت لسوار حاسة ان حتصير مشكله كبيرة ............ ابدعتي تيمومة

Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 29-09-16, 12:31 PM   #7457

rihab91

? العضوٌ??? » 331046
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 2,250
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » rihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond repute
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 59 ( الأعضاء 17 والزوار 42)
‏rihab91, ‏Nwarena, ‏Roqaya Sayeed, ‏meryana, ‏تالينا, ‏رحمه السماء, ‏lamiakhfagy, ‏دموع الديم, ‏tamima nabil, ‏Kawtarallaoui1, ‏داليا انور, ‏kiwi20100, ‏rontii, ‏عشق القلوب, ‏الفند, ‏wafaa wafaa, ‏*جولي روز*


rihab91 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-09-16, 12:38 PM   #7458

داليا انور
 
الصورة الرمزية داليا انور

? العضوٌ??? » 368081
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,195
?  نُقآطِيْ » داليا انور is on a distinguished road
افتراضي

طبعا تيمو انا مش باقرأ الرويات اكثر من مرة لكن رواياتك ممتعة لدرجة الواحد بيحس انه وهو بيقرأها لتانى مرة اكنها المرة اﻻولى وبصراحة الفصل دا من احب الفصول عندى تيماء وقاصى وليث وسوار وطبعا جزء العرس وكبرياء مسك وصدمة امجد وسرعة تصرفة تسلمى تيمو على مجهودك فى نشر اﻻجزاء لتانى مرة وبالتوفيق

داليا انور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-09-16, 12:43 PM   #7459

ملاك الجزائرية

قلم مشارك في منتدى قلوب أحلام


? العضوٌ??? » 381730
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 15
?  نُقآطِيْ » ملاك الجزائرية has a reputation beyond reputeملاك الجزائرية has a reputation beyond reputeملاك الجزائرية has a reputation beyond reputeملاك الجزائرية has a reputation beyond reputeملاك الجزائرية has a reputation beyond reputeملاك الجزائرية has a reputation beyond reputeملاك الجزائرية has a reputation beyond reputeملاك الجزائرية has a reputation beyond reputeملاك الجزائرية has a reputation beyond reputeملاك الجزائرية has a reputation beyond reputeملاك الجزائرية has a reputation beyond repute
افتراضي

كتاباتك رائعة بالتوفيق في القادم

ملاك الجزائرية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-09-16, 01:28 PM   #7460

rihab91

? العضوٌ??? » 331046
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 2,250
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » rihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond repute
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 83 ( الأعضاء 24 والزوار 59)
‏rihab91, ‏نوجة ميسو, ‏mouna ABD, ‏ام بسبوسة, ‏aisha makki, ‏شوقا, ‏malakrohy, ‏داليا انور, ‏Berro_87, ‏11_roro, ‏Dndn1992, ‏ملاك الجزائرية, ‏tamima nabil, ‏Roqaya Sayeed, ‏كترين, ‏modyyasser43, ‏Mary~), ‏Nwarena, ‏meryana, ‏تالينا, ‏رحمه السماء, ‏lamiakhfagy, ‏دموع الديم, ‏Kawtarallaoui1


rihab91 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:55 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.