آخر 10 مشاركات
ضلع قاصر *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : أنشودة الندى - )           »          وأغلقت قلبي..!! (78) للكاتبة: جاكلين بيرد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          نوفيــ صغار أسياد الغرام ـلا -قلوب زائرة- للكاتبة الآخاذة: عبير محمد قائد *كاملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          18 - بين السكون والعاصفة - كاى ثورب - ع.ق ( نسخة اصلية ) (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )           »          1027 - القدر المشؤوم - سالي وينتوورث - د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          مـــا أصعب الإبتعاد عنها *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : عيون الرشا - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          همس المشاعر بين ضفاف صورة .. وحروف ماثورة... (الكاتـب : المســــافررر - )           »          القرار الصعب (ريما وعبد المحسن) / للكاتبة روح الشمالي ، مكتملة (الكاتـب : أمانى* - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة

Like Tree35321Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-01-22, 10:34 PM   #18331

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي





*
*
*

ابتسمت عيناه ابتسامة حزينة وهو يراقبها تلاعب الطفلة

التي لم تتركها منذ اكتشفت بأنها معه .. تلاعبها وتقبلها

وتضحك نيابة عن كليهما كما أن تلك الرضيعة يبدو لم

تنساها لأنها لا تأنس الغرباء بل ومزعجة بسبب بكائها

طوال الوقت لذلك جلبها معه فلن يستحمل بكائها المتواصل

أحد غيره ، بينما اكتفى الآن بمراقبتهما فهي لم تجب ولا

على سؤاله الذي أعاده دون أن يتلقى أي جواب منها لا

يعلم سمعته وتجاهلته أم لم تسمعه أبداً ! لذلك قرر انتظارها

لأن هذا ما كان عليه أن يفعله بحكم معرفته الجيدة بها .


رفع كوب القهوة وانحرف نظره نحو الزقاق الذي بدأ يعج

بحركة المارة شيئاً فشيئاً وهو يرتشف السائل الأسود

الذي بات يفقد دفئه تدريجياً .


" مؤكد تركت لأزير مهمة العناية بالبقية ؟ "


أعاده صوتها الباسم للنظر لملامحها المسترخية الباسمة

مجدداً قبل أن يتبع به الكوب وهو يضعه مكانه قائلاً

" لا خيار آخر أمامي غيره وهو أكبرهم وإن كان ما يزال

طفلاً أيضاً "


تمتمت وهي تنظر للطفلة مبتسمة

" لكن يمكن الاعتماد عليه "


وتابعت بضحكة وهي ترفع نظرها له

" سيكون عليك العودة لتسجيل آلات المراقبة كلما شعرت
بالضيق وستضحك كثيراً على شكله ووضعه "


لم يستطع إمساك ضحكة صغيرة تغلبت على شفتيه وقال

يحرك رأسه

" إنه فتى صعب المراس "

قالت والابتسامة لا تفارق شفتيها

" أراه لا يألف سوى والده "


" والده !! "


همس بها مبتسماً بسخرية بينما قالت التي خبت

ابتسامتها تدريجياً

" ألا زال يزوره ؟ "



حرك كتفيه قائلاً

" في الآونة الأخيرة لم يفعلها ويبدو لي هذا سبب
انزعاجه الدائم "


وتابع من فوره ونظره يبتعد عنها لحركة المارة من خلف

زجاج المقهى بينما كانت كلماته هادئة منخفضة وشاردة

" أزير لا يجيد التعبير عن مشاعره ..هو كتوم جداً كطفل "



ابتسمت وهي تراقب ملامحه الواجمة ونظراته الشاردة

للخارج فهو يهتم بهم ويشغلون تفكيره حتى في تقلبات

مشاعرهم ونوعها ، قالت بصوت باسم

" أراه يشبهه كثيراً "


نظر لها سريعاً وخرجت كلماته مندفعة ومتضايقة حين قال

" بل هو من يصنع منه نسخة عنه "


اختفت ابتسامتها تماماً وقالت تنظر لعينيه

" تغير رأيك به منذ علمت أين كان يأخذه في رحلاتهما "


تنهد بضيق ولاذ بالصمت لبرهة وقبل أن يقول

وبذات ضيقه

"الفتى لازال طفلاً ومن الخطأ إخضاعه لتدريبات الرجال "



أبعدت يد الطفلة التي كانت ستبعد قبعة السترة عن رأسها

بسبب لعبها بها وقالت

" لكن بإمكانه أن يصرع رجلاً قوياً لا تنسى ذلك "


وكان لكلماتها مفعول عكسي تماماً فقد علا صوته وهو

يقول بضيق بينما يده تشير جانباً

" لكننا ومنذ البداية تعاهدنا معاً أن لا نترك أحداً يستغل
الأطفال الزُهريين يا دانيا "


تنهدت نفساً عميقاً وقالت بكلمات حاولت أن تكون هادئة

قدر الإمكان لاحتواء الموقف

" نعم لم أنسى لكن أزير ... "


ولاذت بالصمت تشد شفتيها حين قاطعها بنبرة حادة

هذه المرة

" وإن كان موافقاً ويريد هذا أو كان ذاك الرجل يخصه أكثر
منا ولم يفعل ما نخشى منه لكنه يبقى استغلالا "



تنهدت بقلة حيلة وقالت

" أترك هذه المسألة الآن يا زين فهذا ليس وقتها "


كانت تريد إنهاء الجدل العقيم في الأمر الذي لا حكم لكليهما

فيه لكن ذلك يبدو لم يعجب الذي قال ونبرته الحادة لم تتغير

" وقت الحديث والبحث عن والدتك أليس كذلك ؟ كلا
الأمران متشابهان "



زمت شفتيها بقوة قبل أن تحررهما وكأنها تمنع نفسها عن

الانفعال مثله وقالت ببرود لم تستطع إخفائه في صوتها

" لن يجدي مهما قلت وأعدت "



وكما توقعت لم تزد كلماتها غضبه إلا اشتعالاً وقال بنبرة

حادة لم تتغير

" أنا من لازلت أعيد وأكرر بأن تركها لك سابقاً لا يعني
نجاتك منها دائماً أو أنها لن تفعلها مجدداً "


شعرت بكلماته جرحت قلبها وانحرف نظرها جانباً وكأنها

تهرب من نظراته تلك وتمتمت ببرود

" لا نفع مني الآن فلم أعد طفلة "


قال مباشرة وبنبرة قوية جادة

" لكن يمكنك إنجاب طفل زُهري لا تنسي ذلك "


نظرت له حينها وقد تابع من فوره ونظره انحسر في

عينيها تحديداً بينما كان صوته بدأ ينحرف للغضب

" حين قامت بتزويجك بوالدي وأنتِ شبه طفلة مؤكد لم يكن
غرضها إسعادك ولا تأمين مستقبلك "


" زين !! "


قالتها مستنكرة وكأنها لا تعرفه هكذا من قبل بينما لم يهتم

هو بكل ذلك وقد تابع هجومه الحاد الغاضب

" أتعلمين ما كان سيحدث لو لم أكن هناك تلك الليلة ؟
لقد تسببتُ بموت والدي لإنقاذك فهل تستهينين بكل ذلك
بسبب عاطفتك الغبية نحوها الآن ؟ "



أخفضت رأسها ونظرها للطفلة التي هدئت في حضنها ولم

تستطع قول أي شيء .. بل لم تستطع إخفاء الحزن ولا

المرارة اللتان لمعتا في عينيها فهو عطب جرحها المفتوح

وهي التي عانت كطفلة زُهرية وكامرأة أيضاً فدماؤها كانت

تُشترى بالملايين من الأوراق النقدية ومن أجل كل ذلك

وجميع أشباهها وبسبب كل ما عانته وبمساعدة مطر

شاهين تم تأسيس ذاك المكان الذي تم اتخاذه كملجأ لهم

بعيداً عن بلادهم وعن الثنانيين والعرب معاً وحاربوا جميع

مهربي الآثار الذين كانوا يسعون باستماته للحصول عليهم

وأنقذوهم منهم ، هي لم ولن تنسى أبداً كل ما مرت به

خاصة ما فعلته بها والدتها تلك وهي تبيعها مقابل المال إن

كان قبل هروبها منها كطفلة أو بعد إمساكها بها وهي ابنة

الثالثة عشر وذلك يشمل ما لا يعرفه سواها وهو انقاذها لها

من الموت مرة فإن كانت تريدها ميتة حقاً لمَ فعلت ذلك؟

أغمضت عينيها ما أن وصلها صوته الحانق مقاطعاً

أفكارها

" سواء إن كانت تعلم بوجودك هنا الآن وتتجاهلك فقط أو
إن كانت لا تعلم أين تكونين فأنتِ ستقدمين عنقك لها
وبمحض إرادتك هذه المرة "




كانت تعلم بأنه يقول الحقيقة لكن لا يمكنها تجاهل الصوت

الصارخ في قلبها والذي ظهر جلياً في عينيها ما أن رفعت

رأسها ونظرت له قائلة بحزن

" إنه أمر يستحق المجازفة فعن طريقها يمكننا الوصول
لكبار أولئك المجرمين سافكي الدماء ، إن نجحت سيتحقق
هدفي وسيسهم ذلك في تقديمهم للعدالة وإنقاذ الجميع
وإن فشلت وقتلوني سنكون وصلنا للنتيجة ذاتها "


اتسعت عيناه قبل أن يقول بضيق وبعد أن ضرب بطرف

أصابعه على جبينه

" يا إلهي دانيا هم لن يقتلوك أبداً وأنتِ تعلمين ذلك جيداً
ولن يحدث ذلك قبل أن تقدمي لهم طفلاً زُهريا "



اكتسى عينيها الأسى وخيبة الأمل وتمتمت ببرود

" فهمت .. أنت لن تساعدني مجدداً "


كانت تعلم بأن لها أسلحة مجدية معه دائماً لكنها وللمرة

الأولى تفشل وهو ما لم تتوقعه فقد قال سريعاً وبنبرة

قوية حادة

" فعلت كل ما فعلت من أجلك ونزولاً عند رغبتك فقط وإن
لم أكن مقتنعاً ، وحتى تسليمك لابن كنعان ذاك والذي
يفترض بأنه موجود لحمايتك وهو لم يتساءل عن هويتك
أو مكانك يوماً "


قاومت بصعوبة التواء شفتيها بسبب ما قال وها قد فهمت

الآن فهو لازال غاضباً لذات المسألة ، قالت وهي تهرب

بنظرها منه للطفلة في حضنها

" أنا أثق في قرارات الزعيم مطر كما أنك تعلم جيداً لما أنا
في منزله الآن "


وارتفع نظرها باستغراب معه ما أن وقف على طوله وكما

توقعت تماماً لم تزده كلماتها إلا غضباً وقد صاح فيها بعنف

" وما الذي فعله الزعيم مطر غير أنه يحاول وبكل جهد أن
يدمج العرب والثنانيين متناسياً تماماً مصير أشباهكم ؟
ثم وسبب انتقالك لمنزل ذاك الرجل هو الدخول لقصر عائلة
ضرار السلطان فهل لك أن تخبريني كم مرة دخلته حتى
الآن ؟ "



وقفت أيضاً وقالت بهدوء تحاول التخفيف من حدة غضبه

كما تجاهلت النصف الأول من كلماته الغاضبة لأنها مسألة

تخص الثنانيين كما ترى

" لم تكن الظروف مناسبة أبداً لقد حدثت أمور كثيرة "



أبعد الكرسي بحركة غاضبة وقال بضيق وهو يتحرك

حول الطاولة

" لقد كرست نفسي لحمايتك يا دانيا لكن الآن توقف دوري
وباختيار منك وبالرغم من ذلك لا أريد أن أقول مستقبلاً
بأنني لست الملام على ما حدث معك "




وقال آخر كلماته وهو يقف مواجهاً لها فقالت تنظر لعينيه

الحانقة برجاء حزين

" لم أكن أريد أن نصل لهذا الخلاف ولم يكن هذا
رأيك سابقاً ! "




ابتسمت شفتاه بسخرية سريعاً وقال

" أنتِ اخترتِ المدعو شاهر كنعان لمتابعة ما بدأناه لذلك
انتهى دوري "



اتسعت عيناها بذهول هامسة

" زين !! "



لكنه لم يهتم بل ورفض النظر لعينيها وما أن مد يديه

للطفلة حتى سقطت في حضنه وتعلقت به وعاد ودسها

تحت معطفه كما كانت وقت قدومه متمتماً ببرود

" لا يمكنني إخفاء عينيها لذلك لا يمكننا البقاء في الخارج
أكثر من ذلك "




قالت تحاول النظر لعينيه التي لازالت تتجنبها بشكل متعمد

"لن أعتبر كلامك الذي قلت جدياً ولا بأنه قرارك النهائي "



أدار ظهره لها وتحرك قائلاً ببرود

" يمكنك التفكير كما تريدين "


صرخت ضاربة الأرض بقدمها

" زين يا أحمق !! "



لكنه لم يهتم ولم يتوقف وجسده الطويل يقترب من باب

المقهى فتحركت خطواتها نحوه وخرجت خلفه وكان حينها

قد عبر ممر ضيق بين بنائين كبيرين وكانت ستلحق به

لكنها تذكرت المكان الذي كان عليها الذهاب له وهو

المنزل الذي ستقابل فيه ماريه وذاك ما جعلها تقف مكانها

متأففة وغيّرت مسار خطواتها الغاضبة معلّقة آمالها على

طباعه الماضية فهو سرعان ما ينسى كل ما قاله في وقت

الغضب ولا يتحدث عنه مطلقاً كما أن مسألة والدتها كانت

نقطة خلاف بينهما دائماً ، لكنه الآن أضاف شاهر كنعان

للائحة أيضاً وترى بأن غضبه مختلف عن السابق !.


وقفت عند طرف الرصيف وكانت سترفع يدها لتوقف سيارة

أجرة لولا منعها صوت رنين الرسالة الذي خرج من جيب

سترتها الطويلة فدست يدها وأخرجته منها وكل تفكيرها

بأنها من زين لكنها تفاجأت بأنها من شاهر الذي كتب فيها

( لا داعي لذهابك لها هي ليست هناك )
تنهدت بأسى بل وقلة حيلة وهي تعيد الهاتف لجيبها وتعود

أدراجها فهو لا يعلم بأنها غادرت المنزل أساساً بل وها

هي أضاعت فرصة اللحاق بذاك الأحمق الغاضب من أجل

زيارة تم إلغاؤها .

*
*
*

مر أكثر من ساعتين وهي مكانها لم تغادر السرير كما لم

تترك عيناها الشاردة الفراغ الذي كانت تهيم فيه تتكئ

برأسها على ساعدها الذي تدسه تحته فبسبب تلك الحبوب

باتت تنام طوال الليل دون أن تشعر بنفسها ولا أي شيء

حولها ولذلك عاد ذات الشعور الذي كانت تشعر به في

جسدها كما أعصابها ونشاطها الذهني بسبب هذه الأنواع

من الأدوية والتي كان تقرير طبيبها النفسي بأنها لن تتخلى

عنها أبداً بينما استطاعت تركها والنوم من دونها طوال

الفترة الماضية وتخلصت من جميع أعراضها المتلفة

للأعصاب قبل الجسد وها هي تعود خطوة للوراء بدلاً من

المضي قُدماً ، بل وعدة خطوات حتى أصبحت في المكان

الذي انطلقت منه .


لمعت عيناها الشاردتان بحزن وألم وهي تتذكر وجه شقيقها

توأمها ومؤنسها حتى في غيابه بل وهدفها الوحيد للبقاء

ومن كانت تحلم بمستقبله الذي أراد هو لنفسه وها هي

تراه أيضاً يفقد كل شيء وأوله أحلامه تلك .



ابتسمت بمرارة والذكريات تعود بها لذاك الزمان البعيد ..

للطفلين في العاشرة جسديهما النحيلان لا يتطابقان مع

سنهما أبداً يجلسان تحت شجرة التوت الكبيرة في مزرعتهم

وكل واحد منهما يحضن ركبتيه بيديه ينظران للأرض

مبتسمان بينما تراقب أحداقهم الزرقاء حركة النمل الصغير

بين الأوراق اليابسة المتناثرة على الأرض وقال الفتى

مبتسماً

" أتعلمين ما هو حلمي للمستقبل يا زيزفون ؟ "


نظرت نحوه حينها وكان لازال ينظر لحركة النمل العشوائية

وتابع وذات الابتسامة المشرقة المتفائلة تزين شفتيه

" أريد أن أقود طائرة عسكرية وأن أكون طياراً حربياً "


لاحت ابتسامة صادقة على شفتيها تبدلت لسعادة مماثلة

ما أن نظر لها وقال بحماس وعيناه تبرق كمياه البحر تحت

أشعة الشمس

" ظننت بأنه حلم لا يمكن تحقيقه وأنا أعيش مع تلك العائلة
كخادم لهم لكني الآن أراه سيتحقق وقد أصبح لديا عائلة
ولم أعد اللقيط الوحيد "



وتابع من فوره مبتسماً ينظر لعينيها بفضول

" وأنتِ يا زيزفون ما هو حلمك ؟ "



ماتت ابتسامتها ونظرت للأرض تحت قدميها وجمود غريب

اكتسى نظراتها وكأنها لم تسمعه فقال مجدداً

" ألا حلم لديك ! "


نظرت له وابتسمت تخفي كل تلك المشاعر قائلة

" بلى بات لديا حلم الآن وهو أن أراك طياراً "



تبدلت نظراته للاستغراب وقال

" وماذا عنك أنتِ لنفسك ؟ "


" لا شيء "


همست بتلك الكلمة ونظراتها الجامدة تعود للأرض تحتها ..

نظرة تبدلت للحزن والأسى ما أن وصلها صوته الحزين

" كيف يكون لا شيء ؟! ألم تفكري يوماً في المستقبل وما
تريدين أن تحققي فيه ! "


اشتدت أصابعها الرقيقة على قماش فستانها الذي يغطي

ركبتيها وخرجت الكلمات من عمق مأساتها وحقدها

قبل حنجرتها

" بلى أريد أن أرى من ترك والدي وجدتي للموت وتركني
هنا يتعذب مثلنا "



حدقت فيها عيناه بحزن وقال

" تقصدين جدنا ؟ "



نظرت له وقالت بحدة

" لا تقل جدنا هو ضرار السلطان فقط وبسببه حدث كل
هذا لك ولي "



لاذ كلاهما بالصمت وكانت نظراته الحائرة تنتقل بين عينيها

المدججة بالغضب والحقد والألم حتى ظهر على أنفاسها

التي باتت تخرج قوية متعاقبة وقال باستغراب

" لما تكرهين هذا المكان ومنزلنا يا زيزفون ؟ والدتي
تحبنا كثيراً "


لم تجب ولم تتحدث ولم ينتظر هو ذلك وقد همس بحزن

يبعد نظره عنها للفراغ أمامه

" أنتِ لم تعرفي معنى أن لا يكون لك عائلة "


أبعدت نظرها عنه أيضاً لكن للأرض تحتها وامتلأت عيناها

بدموع القهر وازداد اشتداد قبضتيها حول ركبتيها تخفي

انفعالها وارتجافهما ولم تتحدث لأنه لا يمكنها قول الحقيقة

كانت أسئلة منطقية تمنت لو لم يعرف أجوبتها يوماً ولم

يعرفها أبداً لتدمر طفولته ومستقبله مثلها فهي كانت تشعر

بعذابه طوال السنوات الماضية كما كانت تشعر بتعذيبه

لنفسه ليلاً .
أغمضت عينيها وسالت دمعة وحيدة من طرف إحداها

مروراً بالأخرى تشعر بها تحرق حاضرها ومستقبلها

متسللة من ماضيها الأسود فلم تشعر يوماً بالراحة

والسكينة لأنه لم يشعر بها وتعلم جيداً بأنه عليهما أن

يسعدا كليهما معاً أو لن يحدث ذلك أبداً وأحدهما

يتألم ويتعذب .


جلست تجمع شعرها عند جانب واحد من كتفيها ومسحت

عينيها بحركة قوية سريعة وغادرت السرير بل والغرفة

بأكملها تمسك دفترها في يدها فتذكر تلك الأمور لن ينفعهما

في شيء ، تؤمن بذلك بل وتطبقه دائماً فهي لم تخسر

شقيقها بعد بل وموقنة من أن محاولة قتله تحمل سراً كبيراً

وهذا ما كانت تشعر بأنه يحاول إيصاله لها أي أنه لم يفقد

صلته بما حوله بعد ولم يمت دماغياً وثمة أمل .


توجهت نحو الستائر التي كانت تغطي الواجهة الزجاجية

الكبيرة كنافذة محمية لا قفل لها ولا مقبض وسحبته بيدها

بقوة وعمّ النور القوي المكان يتسلل له عبر خيوط أشعة

الشمس الدافئة وما أن استدارت مولية ظهرها له وتقدمت

خطواتها قليلاً وقفت مكانها تنظر تحت قدميها الحافيتان

حين شعرت بشيء غريب على بشرتهما وتراجعت للخلف

خطوة تنظر بعينين متسعتين للتراب الرمادي اللون الذي

كان يغطي الأرضية البيضاء اللامعة بطبقة رقيقة فوقها

وارتجفت يداها وسقط الدفتر منها للأرض ويدها الأخرى

ترتفع لا شعورياً لعنقها ولآثار الخدوش فيه وأغمضت

عينيها وتقطعت أنفاسها مع ارتجاف جسدها تشعر بما

حدث وكأنه الآن .


انتفض جسدها والتصقت بالجدار خلفها مفزوعة تنظر لباب

الجناح وسبب الصوت الذي أرعبها فوق ذعرها لتوقعها

إياه في مكان آخر وكان وقاص الذي وقف مكانه دون أن

يتحرك نحو الداخل ينظر لعينيها باستغراب ولنظرة الخوف

فيهما .. نظرة لم يراها أو يعرفها فيهما سابقاً ولا ليلة

مقتل نجيب وحين طلبت منه نقلها إلى هنا ! بل لم يتوقع أن

يراها في تلك العينين ولا الملامح أبداً فلم يعرفها إلا قوية

لا مبالية باردة وساخرة !!


تقدمت خطواته نحو الداخل ونظراته لم تفارقها تتنقل بين

عينيها ويدها الممسكة بجانب عنقها وما أن وقف على بعد

خطوات فقط منها همست وأنفاسها لم تنتظم بعد كما لم

تزل يدها عن عنقها

" لم تنم هنا البارحة ؟ "


اضطربت ضربات قلبه لا شعورياً بسبب وضعها ذاك

ومشاعره التي فقد السيطرة عليها تماماً وقال بتوجس

" لا .. جئت للتو ! "



وكان جوابه ذاك ما جعل الخوف والتوتر يتحكمان

بإنفعالاتها أكثر وإن أخفت كل ذلك بانحنائها لرفع دفترها

من الأرض لكن ذلك لم يقنع الذي قال ما أن استوت واقفة

" ماذا حدث يا زيزفون ؟ ما بك ! "


" لا شيء "


همست بتلك الكلمة وهي تتوجه ناحية غرفتها لكنها توقفت

عند بابها لبرهة قبل أن تستدير نحو الواقف مكانه ونظراته

تتبعها وقد نظر لعينيها التي لازال يعجز عن فهم تلك

النظرة فيهما وكأنها تقاوم ذعرها من شيء ما ! وما يقتله

وموقن منه بأنها إن رفضت التحدث فلن يجبرها على ذلك

ومهما حاول ، كان يتوقع بل وينتظر أن تدخل وتغلق بابها

في وجهه ككل مرة لتصفع قلبه وواقعهما به لكنها خانت

جميع توقعاته تلك حين تحركت شفتاها ورحمته أخيراً وإن

بكلمات مترددة منخفضة

" أنا ... أنا لا أريد البقاء هنا "

حدق فيها باستغراب فهي من طلبت هذا سابقاً وأصرت

عليه تغير رأيها فجأة ! اقتربت خطواته منها وقال

والاستغراب لم يغادر ملامحه بعد

" لا تريدين البقاء في جناحك هنا ؟! "


وما أن وقف أمامها مباشرة نظراته المستفهمة لم تترك

عيناها قالت ونظراتها تراقب عينيه بترقب وكأنها تبحث

عن الرفض فيهما

" بل في القصر بأكمله "



وكان رد فعله المبدئي أن حدق فيها بذهول وتجمدت

ملامحه وكأنه تحول للوحة زيتية معلقة على الجدار وقال

ما أن استفاق من صدمته هامساً

" من القصر !! "



وتذكر فجأة الحالة التي وجدها عليها وقت دخوله وذاك ما

جعله يتقمص دور التمثال الحجري فعلياً وكأنه يحاول

البحث والتفتيش عن جميع تلك الأسئلة في عينيها ، وكانت

المفاجأة الأكبر له أن استدارت ناحية غرفتها مجدداً وكأنها

فهمت رفضه دون أن يتحدث أو هكذا فهم هو فتحركت

أطرافه حينها قبل حواسه وأوقفها ممسكاً يدها وأدارها

نحوه قائلاً

" زيزفون ماذا حدث ؟! "




لم يحصل على جواب ما أراد منها بل قالت بكلمات جادة

منخفضة تنظر لعينيه


" أنت وعدتني عند شاطئ البحر بأن تحقق لي طلبي
ومهما كان وكان هذا طلبي حينها وأنت وافقت إن
كنت تذكر "




يذكر بالتأكيد وكيف ينسى تلك الليلة وتلك اللحظات ؟ بل هو

لم ينسى شيئاً ولا كلمة قالاها منذ عرفها كما يذكر بأنه

استغرب حينها أن كان طلبها بأن يُخرجها من هنا حين

تطلب هذا وهو وافق ووعدها لكنه اعتقد بأنه نوع من

التعجيز منها لعلمها بأن جده يمنع عنهم شراء الxxxxات

والسكن في غير هذا القصر ولا بشكل مؤقت وهو انصاع

لأوامره طوال السنوات الماضية بالرغم من تنقله بين لندن

ومكتبه هنا وعودته متأخراً أغلب الأوقات لكن أن تكون

كلماتها تلك نابعة عن حقيقة وستطالبه بها يوماً فهذا ما لم

يتوقعه ! قال بجدية ينظر لعينيها

" بلى أذكر جيداً "


قالت من فورها

" حقق لي هذا الآن ... "



ولاذت بالصمت لبرهة وكأنها تقاطع نفسها وتعالت ضربات

قلبه ما أن تابعت بتأني

" فوحدك من يرضى بمساعدتي "


لو كان الأمر بيده ولولا حظه السيء والذي لم يبتسم له

يوماً لكان حضنها الآن بل وحلق بها عالياً يصرخ بسعادة

بدلاً من محاربة نفسه ومقاومتها فحتى السعادة التي داعبت

روحه لسماع هذا منها ولأول مرة لم يستطع أن يظهرها

وإن كان موقناً بأنه لم تخفيها عينيه اللتان لمعتا بالسعادة

التي غمرت قلبه وأخفاها لسانه ، سعادة سرعان ما انطفأت

وتلاشت كأحلامه جميعها وهو يتذكر حديث جده البارحة

وما جعله يقضي الليل خارجاً في سيارته كعادته كلما ضاق

الخناق عليه وقرر الهرب من كل ما يُذكّره بواقعه وتذكر

العقبة الجديدة والتي وضعها ذاك الجد في طريقه لتحول

بينه وبين كل هذا ، وذاك ما لم تخفيه عيناه أيضاً ويبدو

أنها قرأته جيداً كما يعلم حدة ذكائها وبأنها ستفهم الأمر

سريعاً كما حدث في المرة الماضية حين لجأت إليه .

وكان ذاك ما جعلها تخطو للخلف خطوة واحدة حينها وما

كان يراه في عينيها ويفهمه جيداً وهو الشعور بالخذلان

فأمسكت يداه بذراعيها قبل أن تفكر في الابتعاد عنه

بل وفي تأكيد أفكارها تلك وقال بجدية

" سأفعل كل ما تريدين يا زيزفون "


وتابع من فوره وهو يرى نظرة التفكير في عينيها

" سأفعلها وإن لم تطلبيها سابقاً ولم أعدك بها ..
سأفعل كل شيء لأجلك "




سمع كثيراً عن أن القلب يرقص فرحاً لكنه لم يعرف ذلك إلا

لحظتها وما أن ابتسمت له ابتسامة لم يعرفها في شفتيها

سابقاً وتخصه بها ! ابتسامة سرعان ما سرقتها منه وهي

تستدير نحو غرفتها لتتركه يتلاطم في مشاعره فتمنحه

الحياة في لحظة ثم تعود وتسلبها منه مبتعدة لتأخذ

روحه معها .


" لا تغادر من هنا "



كان ذاك فقط ما قالته وهي تغلق باب الغرفة مسرعة

وتركته واقفاً أمامه ومواجهاً لنظراته المستغربة فهي رمته

في دوامة طويلة من التساؤلات والأسئلة التي لا يجد لها

أي أجوبة لتضاعف من صعوبة مهمته !

غرس أصابعه في شعره يشده للخلف وتنفس نفساً عميقاً

يرفع رأسه للأعلى وتمتم بأسى

" ساعدني يا رب لأساعدها فأنا وحيد في هذه المعركة "


*
*
*
ما أن غادر مكتب الطبيب كانت وجهته المكان الذي جاء

منه قبل قليل وكان صوت خطوات حذائه على الأرضية

الرخامية يشبه نقر الأفكار في رأسه وكأنه مسمار طويل يتم

ضربه في قطعة خشب قاسية وتمنى أن كان يملك شيئاً

يفعله غير ذلك لكنه عاجز حاله حال أي شخص غيره فما

الذي قد يفعله يوقف كل هذا ؟



حين وصل ممر غرفتها ظهر له الواقف مكانه حتى الآن

ووحيداً هناك وقد نظر له بدوره فتباطأت خطواته كما توقف

عن الشعور بها في رأسه لأن أفكاره كما يبدو اتبعت منحى

آخر وإن كانت تصب في الأمر ذاته .



توقف أمامه مباشرة ونظراته بحثت حوله في حركة لا

شعورية وقال

" أين هي المرأة التي كانت هنا ومن تكون ؟ "


وكان ذاك بمثابة زر التشغيل للذي أشاح بوجهه جانباً

وقال بضيق

" لا تسألني عنها فلن أتحمل مسئولية مختلة مثلها
وليغضب مطر كيف يشاء "



نظر له رعد باستغراب ولم يفهم ما علاقة مطر ولما هي

هنا وما الرابط بينها وبين مبنى المحكمة الذي جاؤوا

منه ! لكنه لم يجد الفرصة المناسبة للسؤال أكثر لأن

الواقف أمامه تملص من ذلك بما معناه لا تسأل مجدداً

وقد قال ما أن عاد بنظره له

" هل غادرت تيما ؟ "


أومأ برأسه وهمس ونظره ينتقل نحو النائمة خلف

الجدار الزجاجي

" أجل مع الكاسر "


كانت نظراته تراقبها في صمت بالرغم من أن داخله لا

يشبه ذلك البتة وذاك ما جعله يهرب بنظره بعيداً عنها وعاد

ونظر للواقف أمامه ما أن طال صمته وقال ببعض التردد

" لم تسأل ما الذي حدث في المحاكمة ! "


كان رد فعله المبدئي ابتسامة ساخرة وقبل أن يتمتم ببرود

" ومن سأسأل ؟ "



تنهد نفساً عميقاً وقال

" تبدو لي مستاءً ؟! "


كان رعد يستشعر سابقاً بروداً في علاقته معه لم يفهمه

بالرغم من أنه لم يبدر منه أي تصرف سيء حياله لكنه

يشعر بأنه ثمة فجوة بينهما وبأنه يضع مسافة تعيق اتجاه

علاقتهما نحو المصاهرة وإن لم تكن برابط دم ولطالما

احترم ذلك ولم يبدي نحوه أي نوع من العداء أو الاستياء

لكنه يرى الآن أن الأمر مختلفاً تماماً وتأكد من ذلك ما أن

أبعد نظره عنه متأففاً وقال بضيق

" رأسي سينفجر بسبب تلك المعلولة نفسياً "




وكان ذاك بمثابة لغز جديد جعله يحدق فيه بتساؤل وإن كان

لا ينظر له وقرر عدم السؤال هذه المرة فالأمر فيه امرأة

لا تربطه بها صله وعليه احترام ذلك فاتجه للسبب الثاني

لوجوده هنا وقال وهو يطيل النظر له

" القضية سقطت يا قاسم "



جعلته كلماته تلك ينظر لعينيه لكن نظرته كانت تتسم

بالجمود التام ولم يستطع قراءة أي شيء فيها ، وأتاه

تفسير ذلك ما أن تمتم بجمود

" توقعت هذا "



أومأ برأسه في صمت متنهداً فهو كان يتوقع ذلك بالفعل أو

واثق منه ويحار فعلياً في نوع العلاقة التي تربط مطر


شاهين برجاله ! وكل يوم يتضح له أمور كان يجهلها

واليوم تحديداً علم بأنها علاقة فريدة من نوعها ومميزة

عن أي نوع مشابه وتأكد بأنهم رجال ينظرون لقائدهم نظرة

القلب للعقل ، اشتدت أصابع يمناه في حركة لا شعورية

ولازال يحدق في عينيه التي شردت ناحية النائمة في

الداخل وكأنه يربط المعلومة بالواقع أمامه وقال بترقب

" لكن ليس هذا هو الأسوأ وما جعل حالتها تصل لهذا "


نظر ناحيته بحركة سريعة حينها وقال مباشرة

وبتوجس كبير

" ماذا حدث ؟ "


حاول أن يهرب من عينيه لكنه لم يفلح وازداد شد أصابع

قبضته أكثر وكأنه يعتصر قلبه بينها بل تمنى خنقهم بها

وقد قال أخيراً ورحم نفسه قبله

" وصلت أوراق القضية لأبناء غيلوان وعلموا بأنهما
ابنة وحفيدة دجى الحالك "




كل شيء توقعه منه حينها إلا هجومه الجسدي نحوه وهو

يشد ياقة سترته صارخاً

" ما هذا الذي تقوله يا ابن شراع ؟ "


أمسك بقبضته تلك ونزعها عنه بالقوة قائلاً بضيق

" أنا أتفهم تفاجأك بالأمر لكن لا أقبل أن تهينني "


كان رد فعله الصمت التام بينما كانت أوردة نحره نافرة

وعضلات فكيه تنبض وكأنه يكتم إعصاراً قوياً بداخله ولن

يستغرب هذا وأن يكون تأثير الصدمة عليه قوياً هكذا ،

بينما كانت نظراته معاكسة لذلك تماماً فكانت عيناه

كالضائع المشتت والمفجوع في ذات الوقت ولم يكن يعلم

بأنها تترجم أفكار عقله حينها وهو يستجلب تصرف تيما

الأخير معه ويربطه بما علم منه الآن وما حدث وتحركت

شفتاه أخيراً وإن خرجت الكلمات منها ميتة تائهة

" لم يخبرني بالأمر ؟! "


كان تعليق رعد المبدئي الصمت وقبل أن يقول بشيء

من الهدوء

" لو فعلها حينها ما كنتَ لتأتي إلى هنا وتكون معهن .. هو
يعلم ذلك جيداً "



أبعد نظره عنه وبدأت نظراته تتشتت في المكان حوله وكأنه

وجد نفسه في صحراء خالية وحيداً يحاول فهم واستيعاب

أين يكون بينما كان وكأن كل وريد في جسده سينفجر

بالدماء فجأة فقال رعد الذي كان يفهم جيداً ما يعانيه حينها

وبذات نبرته الهادئة

" يمكنك المغادرة سأبقى هنا بقربها "



نظر لعينيه بصمت وكأنه لم يغادر تنويم الصدمة له حتى

الآن فتابع مؤكداً ومشجعاً لأنه يعلم بأن عقله الباطن

سيرفض تلقائياً مخالفة أوامر زعيمه

" جميع رجاله لحقوا به لأنه عاد للمحكمة ومن الأفضل
أن تكون معهم أيضاً "



وكما توقع كان ذاك ما جعله يتحرر من جميع القيود التي

كانت تكبل عقله قبل ساقيه وغادر بخطوات مسرعة بل

وشبه راكضة يُخرج هاتفه من جيبه ونظراته تراقبه حتى

احتفى واطلق حينها تنهيدة خافتة تحاكي قلة حيلتة وتوجه

لباب الغرفة أمسك مقبضه وأداره ببطء وهو يفتحه وكأنه

يخشى إزعاج التي لا تعلم عمّا يحدث حولها شيئاً وإن

أسقط الباب بركلاته القوية .



أغلقه خلفه وتوجه نحوها وجلس على الكرسي قرب

سريرها وعيناه ملتصقتان بملامحها الفاتنة المتعبة ..

شفتاها جافة ووجنتاها المتوهجتان تنام عليها رموشها

الطويلة دون حراك واعتصر الألم قلبه فهذه هي وصية

والده والاسم الذي لم يتوقف عن ذكره قبل أن يموت ..

ليس أحد أبنائه ولا شقيقته الوحيدة ولا حتى حفيده الوحيد

وابن ابنه المتوفى بل هي فقط من أوصاه عليها مراراً

وتكراراً وكل ما يخشاه هو الوقوف أمامه يوم الحساب وقد

خان أمانته وتخاذل ناحيتها .



اشتدت قبضتاه فوق ركبتيه بقوة وشعر بالغضب من نفسه

والعجز ذات الوقت فهو أمّنه على ما لا يمكن تأمينه لأنه

كان دائماً في المرتبة الثالثة بعد زوجها ووالدها الحقيقي ،

بل وجميعهم كانوا خلف استقلاليتها فهي لم ترضى يوماً

بأن يكون ثمة شخص وصي عليها تأتمر بأمره بعد

والدها شراع .




انتقلت نظراته الحزينة ليدها المستقرة بجانب جسدها

ولأصابعها البيضاء الشاحبة المرتخية ومد يده نحوها بتردد

فهم ومنذ أن عرفوا حقيقة أنها ليست شقيقتهم كان ثمة

حاجز ديني قوي بينهم لطالما حافظت هي عليه واحترمه

هو بالرغم من أنه لم ولن يراها إلا شقيقته ، لامست

أصابعه نعومة يدها واشتدت عليها وعيناه تعود لملامحها

وقال بصوت حزين كئيب

" سامحيني يا غسق وليسامحني والدي فلم أكن يوماً الكفؤ
لتحمل الأمانة "



تركت يده يدها بحركة سريعة ووقف على طوله ما أن انفتح

باب الغرفة ووقفت الممرضة التي ابتسمت له من فورها

وعلم بأنها ستكون من تحدث عنها مدير المستشفى

لتلازمها ، نظر للنائمة مكانها لا تعلم عن شيء مما يحدث

حولها قبل أن ينظر لها مجدداً وقال

" أزيلي الأجهزة والمغذي عنها "


ماتت ابتسامة الشابة الجميلة فجأة وظهر التوتر واضحاً

على ملامحها كما صوتها حين قالت


" لا يمكنني فعل ذلك لأن ... "



قاطعها سريعاً وبحزم

" لن يعترض أحد افعلي فقط ما أطلبه منك "


شدت يديها ببعضهما وظهر الخوف واضحاً على

ملامحها وقالت

" أعذرني سيدي لا يمكنني تحمل مسئولية هذا "



تنهد بنفاذ صبر وقال

" لن يُحملك أحد المسئولية "


قالت سريعاً وبرجاء

" بلى ذاك ما سيحدث وسأخسر عملي سيدي أرجوك
لا يمكنني هذا "



قال من فوره وبجدية

" ثقي بي وإن حدث هذا فسأوفر لك عملاً آخر
وأفضل منه "


تبدل التوتر والخوف في ملامحها للتردد لكن ولعلمها من

يكون وما يستطيع فعله انصاعت نهاية الأمر وتوجهت

نحوها وفعلت ما أمرها به كما أعادت لف حجابها بإحكام

وما أن انتهت ابتعدت عن السرير خطوة واحدة فانحنى

نحوها ودس يديه تحت جسدها ببطء ورفعها برفق وخفة

وسار بها نحو باب الغرفة يخفي وجهها وملامحها في كتفه

وصدره وما أن اجتازه نحو الخارج أشار برأسه للحرس

الواقفين بعيداً والذين اقتربوا منه سريعاً واستدار نحو

المرضة التي خرجت من خلفه وقال

" أوصليني لباب الطوارئ "


*
*
*

مرت دقائق قليلة لم يشعر بها أبداً قبل أن ينفتح الباب

مجدداً وخرجت التي باتت ترتدي بلوزة بيضاء ناصعة

مطرزة عند ذراعها وكتفها بأزهار حمراء وأوراق خضراء

متداخلة ولها أزرار شفافة لامعة وبنطلون أسود من قماش

فاخر يتخلله حزام عريض وقد جمعت شعرها للخلف في

جديلة منخفضة تمسكه بمشبك مطاطي خلف عنقها ، نظر

لعينيها ورفع يديه جانباً وقال مبتسماً

" مؤكد حالتي يرثى لها لذلك عليا أن أستحم وأبدل ثيابي "



" سأكون معك "


قالتها مباشرة وبجمود بل وثقة مما جعل عيناه تتسع وهو

يحدق بها فتمتمت ببرود

" لما تنظر إليا هكذا ؟ "


لم يستطع إمساك ضحكته التي ملأت المكان يرفع رأسه

عالياً وذاك ما جعل مزاجها يتبدل للضيق وقالت

" ما المضحك في الأمر ؟ "

نظر لها وقد قطع ضحكه يجاهد نفسه بالقوة وقال

" أخشى إن أخبرتك يتغير رأيك في الرحيل من هنا "

لم يغادر الاستياء ملامحها الجميلة كما صوتها حين قالت

" هذا ليس وقت المزاح يا وقاص وأنا لن أغير رأيي"


فرد يديه وقال مبتسماً

" لم تتركي لي خياراً غير المزاح "



وتابع من فوره وابتسامة جانبية تزين شفتيه

" أنتِ لا تعلمين تبعات ما سنفعله يا زيزفون لذلك ... "



قاطعته وكأنها لا تهتم لما يقول أو تعلمه سلفاً قائلة ببرود

تكتف ذراعيها لصدرها

" لا أظنك تهتم لو فقدت هذا المكان أم أنك تخشى فقدان
شيء آخر "



حدق فيها باستغراب وقال

" شيء آخر مثل ماذا ؟ "



أشاحت بوجهها جانباً ولازالت تكتف ذراعيها لصدرها

وتمتمت ببرود

" أخشى إن تحدثت تغير أنت رأيك "



أمسكت أصابعه بذقنها وأدار وجهها ناحيته حتى نظرت

لعينيه وتركه حينها قائلاً بجدية

" أعلم بأنك أبعد الناس عن المزاح يا زيزفون لكنك لا
تعرفينني أيضاً وإن قلت أمراً لن أتراجع عنه "




لاذت بالصمت لبرهة تنظر لعينيه قبل أن تتحرك شفتاها

قائلة بجمود

" أنا مغادرة في جميع الأحوال وإن قفزت من سياج
سور القصر "

كان رد فعله المبدئي أن حرك رأسه مبتسماً ينفي اقتناعه

بالفكرة وقبل أن يقول

" أعلم بأنك أذكى من أن تفكري في فعلها وأنتِ لا تملكين
نقوداً ولا هاتفاً ولا أحد تذهبين إليه "



وما أن كانت ستتحدث سبقها قائلاً بجدية ويداه

تمسك بذراعيها

" زيزفون أنا قلت بأني على استعداد لمساعدتك وسأفعل
هذا لآخر يوم لي في هذه الحياة ولن أتركك أبداً "


كان ينظر لعينيها بتصميم تؤكد عيناه كل كلمة يقولها وذاك

ما كان يريد إيصاله لها وما فهمته تماماً فقالت بتأني

تنظر لعينيه

" أريد أن أبتعد عن هنا فقط وحيث لا يعلم أحد "



تنهد نفساً عميقاً يبعد يديه عنها وحرك رأسه بأسى قائلاً

" لو أنك تنطقين فقط يا ابنة عمي الوحيد "



قابلت كلماته تلك بالبرود وقالت وهي تبعد نظرها عنه

" هيا اذهب وأقنع زوجتك بسبب تركك للمكان سأنتظرك
في الأسفل لن أبقى هنا "


حدق فيها بصمت لبرهة بل وضيّق عينيه وإن كانت لا تراه

إن كان لا يعرفها جيداً لفهم الأمر بشكل آخر لن يحلم به

مع هذه المرأة .. لكن لما تفعلها ! هل تستفزه مثلاً ؟

أمال شفتيه بطريقة رجولية أنيقة تشبه شخصيته وهو يقول

" ومن قال بأني سأترك القصر ؟ "



نظرت له حينها وقالت والبرود لم يغادر صوتها بعد

" لأني أعرفك جيداً كما أعرف جدك "



ابتسم بسخرية وأولاها ظهره وهو يبتعد قائلاً

" لا يعنيني ما سيقول فالقضية في يدي والقبض عليك
لن يكون إلا بقرار مني "


وتوقف فجأة بعد عدة خطوات واستدار نحوها يدس يده في

جيبه وأخرج شيئاً رماه نحوها قائلاً

" خذي مفتاح السيارة إن كنتِ تريدين انتظاري فيها "



التقطته بسهولة لوصوله عندها تماماً بينما راقبته عيناها

وهو يبتعد متمتماً

" سأنزل سريعاً "


واختفى خلف باب الجناح المفتوح فنظرت له في يدها وكان

مفتاح واحد لا شيء معه سوى جهاز الإنذار الخاص

بالسيارة ، حدقت فيه بصمت لبرهة قبل أن ترفع نظرها

ناحية الجدار المقابل لها بعيداً وارتجف جسدها لا شعورياً

وانقبضت أصابعها على حديده البارد وضمتها لصدرها

الذي بدأت أنفاسه تتوتر وأبعدت نظرها سريعاً عنه

وتوجهت خطواتها نحو باب الجناح ترفض البقاء هنا لدقيقة

أخرى فعليها الخروج من هذا المكان ولا سبيل آخر أمامها .



ما أن نزلت السلالم الخاص بالطابق الذي تسكنه توجهت

للسلالم المؤدي للأسفل حتى كانت في البهو الواسع ووقفت

في الجهة الأقرب للباب تراقب نظراتها المكان حولها كمن

لا شيء أمامه يفعله غيره قبل أن تنتبه للباب الضخم الذي

فُتح جانباً قرب السلالم وتبدلت نظراتها للجمود القاتل تنظر

لعيني الذي خرج من مكتبه ووقف ينظر لها ، كان كل

واحد منهما وكأنه ينظر لعينيه في المرآة لقوة تشابه تلك

النظرة وكأن كلاهما يرسل رسالته في صمت وعناد .



نظرة لم يقطعها سوى انحراف الأحداق الزرقاء ناحية

السلالم بسبب الذي ظهر فجأة ينزل عتباتها بحركة سريعة

وكان وقاص الذي تبدلت ثيابه بأخرى مشابهة لها في اللون

وإن اختلفت في التفاصيل كما برق شعره الرطب المصفف

تحت أنوار الثريا الضخمة المعلقة أعلاه بينما كان نظره

كما تركيزه على الأوراق التي كان يقلبها بين يديه وكأنه

يتأكد منها في أقصر وقت ممكن حتى كان أسفل السلالم

وتباطأت خطواته حينها وما أن وقع نظره على جده والذي

بات ينظر له أيضاً وعاقداً حاجبيه فعلم بأنه ربط الأمور

سريعاً بوقوفها هناك ونزوله ، وكل ما فعله حينها أن تابع

طريقه وبعد أن تمتم ببرود

" صباح الخير "


وتركه وراءه فلم ينسى بعد ليلة البارحة كما لم تسمح له

نفسه بتجاهله دون أن يلقي عليه التحية ، ويعلم جيداً أي

غضب أسود ينتظره منه ما أن يعلم بما ينوي فعله لكنه لن

يتراجع ولن يفعلها مجدداً ويخسر ثقتها به كما فعل سابقاً

وللسبب ذاته وهو إطاعة جده وإن من أجلها وكانت

النتيجة أن فقد فرصته الوحيدة التي منحته إياها في اللحظة

الوحيدة التي شعرت فيها بالوحدة والضعف ولجأت إليه

وهو خذلها لذلك لن تتكرر تلك الأخطاء وتحت أي سببٍ

كان خاصة بعد حديثهم البارحة ونيتهم نحوها فقرار

ابتعادها بات مسلماً به وكان سيفعلها وإن لم تطلب منه

ذلك فلن يسمح بإرجاعها للمصح وها هي اختصرت عليه

الطريق وإجبارها على الذهاب معه .


ما أن وقف أمامها وكان سيتحدث قاطعه الصوت الجاد

العميق من خلفه

" أين تذهب بها ؟ "


نظر لعينيها أولاً وللنظرة التي لم تحمل أي تعبير فيهما

سوى النظر لعينيه وبصمت وهو من توقع أن ترميه بنظرة

تحدي كعادتها في المواقف المشابهة ! فهل تخشى أن يغير

رأيه ويخضع له ؟!


أمال جانب وجهه ليصير مقابلاً له خلفه وقال بجمود

" لمبنى النيابة العامة "


كان ذاك فقط ما قاله ويده تلامس ظهرها وخرج بها من

هناك لم يفكر ولا في النظر خلفه وأراحه أنه لم يسمع أي

اعتراض منه وإن لم يكن يعلم مدى رضاه عن الأمر

وتقبله له ومؤكد سيفهم بأنه يأخذها إلى هناك من أجل

القضية وسيرجعها ، وهذا أفضل بالنسبة له فليس هذا

الوقت المناسب للمواجهة خاصة في وجودها .


ما أن وصلا السيارة مدت مفتاحها له فأخذه منها ونظر

لعينيها ما أن قالت

" لما أخبرته بأننا ذاهبان إلى هناك ؟ "


حرك جهاز الإنذار بين أصابعه وعلا صوته المتكرر مرتين

متتابعتين مع إضاءة أنوارها الخلفية الحمراء وتحرك

مجتازاً إياها ليفتح الباب لها متمتماً

" لأنها الحقيقة "


ووقف هناك ومقبض الباب المفتوح لازال في يده ينظر لها

حتى تحركت نحوه ووقفت أمامه تنظر لعينيه وكأنها تنتظر

شرحه وتبريره فقال

" لا يمكننا الذهاب لأي مكان غيره الآن فثمة أعمال
تنتظرني وعليك تحمل هذا قليلاً فقط "


اومأت برأسها في صمت وركبت السيارة فأغلق الباب

وتحرك حولها بخطوات مسرعة وركبها وغادرا فلا يمكنه

التأخر أكثر من ذلك وسيجد حلاً لكل هذا فيما بعد .


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 10:37 PM   #18332

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

اقتربت من زجاج باب الشرفة اللامع ووقفت ملتصقة به

تحضن نفسها بيديها واتكأت بجبينها عليه تنظر للمرجة

الخضراء الممتدة على طول النظر بشرود حزين وهذا حالها

منذ صعدت بعد مقابلة سيد المكان تدور في الغرفة المغلقة

كدوران أفكارها في رأسها لعلها تجبره على التشبع بواقعها

الجديد والاقتناع به ، وهذا ما عليها فعله بالتأكيد مثلما

عليها أن تنزع ثوب تعلقها بالأحلام القديمة كما ماضيها

وذكرياتها .


لمعت عيناها بحزن ودموع دافئة تلسعهما وهي تتذكر بلدة

حجور .. المكان الذي تعلق قلبها به دائماً فكيف لها أن

تنسى وتنزعها منه ؟ كيف تقنعه بنسيان ما عاشت سنوات

عمرها بأكملها على أمل العودة إليه تواسي نفسها

بذكرياتها فيها وبلقائه مجدداً وبأن ذاك الفتى لازال موجوداً

وإن هجرها منذ أعوام طويلة ؟ عاشت على الأمل على

الذكريات وعلى رباط يجمعهما ليس سوى حبر على أوراق


قديمة تتجدد كل أربعة أعوام لتعلم من خلالها بأنه موجود

ولم ينسى وجودها بعد .. حلم لم تكن تعلم بأنه ليس لها ولم

تتخيل يوماً أن يُنتزع منها ما أن تحصل عليه لأنه وبكل

بساطة ملك للوطن وليس ملكها .


تدحرجت دمعتها من طرف رموشها ما أن وصلت لتلك

الفكرة بل الحقيقة القاسية والأكيدة مهما تناستها وتهربت

منها فعند تلك النقطة تختفي ماريه وتنتهي وليس لها الحق

في أن تعترض فكم هي قاسية ومؤلمة حياة نساء

رجال الوطن .



ابتعدت عن الزجاج البارد تمسح عيناها بحركة سريعة ما


أن وصلها صوت الطرق على الباب خلفها تلاه حركة

مقبضه الدائري واستدارت نحوه ما أن انفتح ببطء وظهر

لها وجه إيريكا الباسم والتي تقدمت نحو الداخل خطوتين

قائلة

" الغداء جاهز سيدتي .. إن أردتِ جلبته إلى هنا "


حاولت رسم ابتسامة صادقة وهي تقول

" شكرا لك إيريكا لا أشعر بالجوع "


اختفت ابتسامتها وقالت باستغراب

" كيف يكون هذا فأنتِ لم تتناولي طعام الفطور ! "

ولم تنتظر تعليقها وهي تتابع وابتسامتها الجميلة تداعب

شفتيها مجدداً

" سأجهز المائدة وما أن تستنشقي رائحة الطعام اللذيذ
وتريه لن تقاوميه "


وجمعت كفيها وهي تتابع بحماس باسم

" أنتِ لم تتذوقي الطعام الذي يكون مزيجاً بين الإيطالي
والمكسيكي والإنجليزي ستقعين في حبه سريعاً "




ابتسمت مندهشة وقالت

" يبدو الأمر يستحق التجربة "


قالت تلك من فورها

" بالتأكيد فالسيد غاستوني .. أوه "


تأوهت ضاحكة وانقطعت كلماتها بسبب القطة التي مرت من

بين قدميها متجهة نحو ماريه مباشرة والتي جلست على

الأرض مبتسمة لاستقبالها وقد صعدت لحضنها من فورها

ورفعت رأسها تنظر لها بعينيها الكبيرة المستديرة ، كانت

من نوع نادر من القطط الاسكتلندية لها أذنان مطوية نحو

الأسفل وجه مستدير وعينان كبيرة جميلة وفراء أبيض

كثيف جعلت مشاعرها تتشبع بالسعادة ويدها تمسح عليها

وتغوص أصابعها في فرائها الناعم النظيف وهمست بحب

مبتسمة تنظر لها

" كم هي جميلة "


قالت التي تقدمت نحوهما مبتسمة وقد مدت يديها لها

" أجل وتنسجم مع الغرباء سريعاً .. هيا تعالي يا ﻟﻮﺑﻴﺘﺎ
لن نزعج الآنسة ماري الآن "


لكن القطة الجميلة كان لها رأي آخر كما يبدو وهي تتكور

في حضنها فمسحت يدها عليها وقالت مبتسمة

" اسمها جميل وغريب ! "



أبعدت الخادمة يديها واستوت واقفة وقالت بضحكة

" أجل هو اسم مكسيكي يُطلق على النساء وليس القطط "


رفعت نظرها لها مستغربة وقد تابعت مبتسمة

" إنها قطة السيد فاليريو وقد أحضرها معه ويحبها كثيراً
كما أنها متعلقة به "


لم تعلق بل نظرت لها مجدداً وهي تقف وقد ابتعدت عنها

وتوجهت ناحية الطاولة قرب السرير ورفعت قدميها

الأماميتان لتقف على الخلفيتان فقط فقالت إيريكا تنظر

ناحيتها مبتسمة

" تفعل هذا عندما ترى شيء تحبه أو يعجبها "



وما أن أنهت كلماتها حتى قفزت القطة أعلى الطاولة وحيث

البيجامة النسائية المطوية والموضوعة مكانها منذ البارحة

ودارت حولها بحركة سريعة قبل أن تدس رأسها فيها مما

جعل ماريه تقفز واقفة وتوجهت نحوها قائلة بفزع

" توقفي هذه ليست لي "


وما أن وصلت عندها كانت القطة قد نامت فوقها متكورة

تخفي وجهها بين قدميها وقماشها الناعم فوقفت مكانها

عاجزة عن التصرف فهي لم تحتك بالقطط سابقاً ولا تعرف

كيف تتصرف هذه الأنواع منها ؟! نظرت ناحية الخادمة

التي اقتربت من القطة تمد يديها لها قائلة

" هيا سأعطيك الطعام الذي تحبينه إنه وقت المغادرة "


وما أن حاولت رفعها حتى برزت مخالبها وأصدرت صوتاً

غاضباً فقالت ماريه مسرعة توقفها

" أتركيها رجاءً سوف تفسد القماش بمخالبها وهي
أمانة لدي "


أبعدت يديها عنها منصاعة وإن كانت نظراتها لها متضايقة

لكنها تركتها وتوجهت نحو الباب قائلة

" إنها مدللة كثيراً .. سأضع لك الطعام سيدتي واتركي
الباب مفتوحاً لتخرج من هنا ما أن تتعب من هذا "



وغادرت المكان نظرات ماريه تتبعها قبل أن تنظر للقطة

الجميلة التي عادت للتكور كما كانت وجلست قربها على

حافة السرير وشعرت بقلبها ينفطر ما أن رأت عينا القطة

التي شردت بحزن وهي تنام برأسها على القماش الفاخر

فهل تعرف هذه القطة صاحبة البيجامة كما تفتقدها !

ملأت الدموع عينيها وهي تراقبها بحزن وتأكدت الآن من

أن صاحبتها متوفاة فكم هو مؤلم التعلق بالأموات حتى على

الحيوانات فكيف بالبشر ؟



امتدت يدها نحوها ومسحت على فرائها الناعم تنظر لها من

بين دموعها وهمست ببحة بكاء خفي

" هل تشتاقين لها ؟ "


كم تمنت لحظتها أن كانت مالكتها على قيد الحياة ولم تصب

ظنونها فهي تعلم الفرق بينهما جيداً وعاشته الآن واقعاً

فشعور الفقد قاسي .. قاسٍ ومؤلم وفكرة أنك لن ترى

أحدهم مجدداً ومهما طالت بك الأعوام لا يمكن ولا مجرد

التفكير فيها فقرار الابتعاد يكون أقل قسوة حين تقف بينه

وبين خيار الفقد الأبدي .


*
*
*

توقفت الضحكات والأحاديث الرجولية المتداخلة ما أن انفتح

باب المكتب على اتساعه وبحركة قوية ملفتة للنظر كاشفاً

عن صاحب الجسد الطويل الذي ملأه يقف منتصب الجسد

يداه في جيبي بنطاله الأسود وتحركت خطواته نحو الداخل

في سكون يجتاح المكان بضجيج خفي رغم صمته وبروده

التام ووصلت كلماته للجميع رغم انخفاض صوته كما

بروده المميت حين قال

" أتركونا لوحدنا "


فتبادل الشبّان نظرات صامتة قبل أن يغادروا الواحد يتبع

الآخر وترك آخرهم الباب مفتوحاً وكأنه يحتج على ذاك

القرار باجتيازه خارجاً منه وقد انغلق بضربة واحدة من

الحذاء الأسود الثقيل مصدراً صوتاً مرتفعاً وتوجه نحو

الذي وقف على طوله حينها فقط ليصبحا متواجهين تماماً

وهمس بنبرة قوية

" صحيح أن ماريا موجودة لديكم ؟ "



كانت نظرات فاليريو ثابتة ساكنة وإن لم تتصف بالعداء إلا

أنه واجه العينان الغاضبة بمشاعر طفت للسطح رغم برود

صاحبها بأخرى مماثلة لها في العزيمة والعناد وخرجت

كلماته بثقة وحزم قائلاً

" أجل ماري في منزل عائلتها ومكانها الصحيح "



كان يتعمد التلفظ باسم ماري وببطء كما آخر كلمة قالها

ليوصل للواقف أمامه رسالة فهمها جيداً بل ووصله معناها

درجة أن تخطى توقعاته ويده تمتد لياقة قميص بذلته

المخصصة بالبحرية الملكية وشده منها بحركة قوية

وأصبح وجهيهما متواجهان وبشكل أكبر الآن حتى كان

يرى صورته في الأحداق السوداء المشتعلة وبالرغم من كل

ذلك لم يفقد ثباته ولا سكونه المشابه لشخصيته المتوازنة

في أغلب انفعالاتها ورغم همس الذي شدت أصابعه على

قماش ياقته أكثر وقد خرجت الكلمات من بين أسنانه

" ليس أنت من يقرر مكانها الصحيح "



كان يشعر بأنفاسه الغاضبة تلفح ملامح وجهه رغم كتمانه

لمشاعره التي هو متأكد بأنه لم يظهرها بأكملها لكان أشعل

المكان ومن فيه لأنه رجل ويفهم نظرات الرجال كما مشاعر

الغضب المكبوت فكيف من شخص مثله ؟.


ارتفعت يده وقبض بأصابعها على قبضته وبقوة يرفض

الإهانة بفعلته تلك كما يتجنب لكمه في معدته والدخول معه

في عراك يعلم بأنه لن يأتي بأي نتيجة غير تفاقم الوضع

بينهما وفي هذا المكان تحديداً بينما خرجت كلماته قوية

جادة وهو يحدق في عينيه بعناد واضح

" بالتأكيد فالقرار كان لماري نفسها "



ما لم يتوقعه حينها هي الابتسامة الساخرة التي ارتسمت

على شفتيه القاسية والتي يشك بأنها تجيد الابتسام بغير

ذلك ولم يفهم سخر منه أم من كلماته تلك حتى أتاه جواب

ذلك وفي كلمات مختصرة واثقة

" حينما أكون أجهلها مثلك الآن سأصدق هذا "



شد على أسنانه ونزع يده عنه بحركة قوية ويعلم بأنه

أطاعه بإرادته لما استطاع فعلها بسهولة هكذا ، سمع عنه

من قبلِ أن يلتقيه وحين تقابلا في منزل الأميرال علم سريعاً

ومن صمته وبروده وحدة ذكاء نظراته أن ما قيل وسمع

عنه ليس سوى القليل لكنه اكتشف اليوم جانب آخر من

شخصيته تلك ويبدو لا يعرفها الكثيرين ورغم ذلك لا يمكنه

استخدامها كنقطة ضعف ضده لأن رد فعله سيكون متهوراً

وهذا ما بات يعلمه جيداً عنه فكان سلاحه الوحيد للانتقام

منه هي ابتسامة ساخرة مماثلة وقال محدقاً في عينيه

" بلى صدّق ذلك وخروجها من هناك لن يكون إلا بطلب
منها أو قرار من عمها الذي يكون والدي "


قال آخر كلماته يشد على كل حرف فيها يذكره بأنه القريب

الوحيد لوالد ماري والمسؤول الأول عنها ، وكان ذاك ما

جعل تمثال الجليد القوي يتحطم كاشفاً عن غضب رجولي

أسود وما أن صرخ في وجهه وسبابته تشير لعينيه بتحدٍ

" بل ستخرج ورغماً عنك وعن الجميع "



انتقلت عدوى الغضب الذكوري في لمح البصر كالعادة

وجعله ذلك يبادله الصراخ الند بالند مغادراً هدوءه أيضاً

ونافضاً يده بحركة غاضبة

" ومن تكون أنت لتقرر هذا ؟ إن كان أمر الوصاية ما تعنيه
وتتبجح به فهي بلغت الثامنة عشرة ومنذ وقت إن نسيت "




ولاذ بالصمت لبرهة يتلقف أنفاسه الغاضبة قبل أن يتابع

بحدة ودون أن يترك له مجالاً ليعلق على ما قال بينما كانت

سبابته هو من توجهت نحوه باتهام هذه المرة

" ولم تنسى بالتأكيد المنظر البشع الذي أخرجتها به
للشارع وإن كانت تنكر أنك السبب لكني لست بتلك السذاجة
وإن علم والدي فلن تتخيل ردة فعله "




صرخ فيه بعنف متجاهلاً كل ما قال وكأنه لم يسمعه

" قلت بأن منزلكم ليس مكانها وستغادره والبلاد أيضاً "


حدق فيه بذهول لبرهة وقبل أن يقول محتجاً بضيق

" تغادر إلى أين ؟ لم تخبرني ماري عن نيتها بهذا
ولن تقرر عنها ... عليك أن تؤمن بهذا أو تجبر عقلك
على تقبله "




جعلته كلماته تلك يعود لإمساك ياقته وهو يدنيه منه بحركة

غاضبة وهمس من بين أسنانه المطبقة بقوة

" لا تجبرني أنت على ما لن يكون في صالحك "



لم تتبدل نظرات فاليريو القوية وإن خرجت كلماته بتأني

وتعقل لازال يكبح جماح غضبه كما لازال يتجنب الشجار

الفعلي معه

" بل لن يكون في صالحك أنت وكلانا ضابط بحرية الآن
ولن أذكرك بمغبة التعدي على ابن غستوني مديتشي "


ترك ياقته بنفسه هذه المرة وبحركة قوية قائلاً بحدة

" لست أخافك ولا والدك معك "



عدّل ياقته بحركة قوية حانقة بينما خرجت كلماته

حادة متضايقة

" أعلم من تكون جيداً وإن كنت تتعمد تجاهل معرفتي
ونتيجة التعدي عليّا وعلى اسم عائلة مديتشي لكني
لازلت أذكرك بالتعقل من أجل مركز والد خطيبتك
ومكانتك ورتبتك "



كان ذاك ما جعله يشتعل أكثر بدلاً من تهدئته وتذكيره

بواقعه فوجه سبابته نحو وجهه بحركة عنيفة صارخاً

" فكر أنت في نفسك أنا لا يعنيني كل ذلك وما قلته هو ما
سيحدث فأمر ماريا وحدي من يقرره "




اشتد فكاه وخرجت كلماته صارخة أيضاً وهو يشير

للأرض بسبابته

" بل لن يحدث إلا ما تقرره ماري فإن أرادت هي الذهاب
معك أو السفر فلها ذلك وغيره مرفوض "




كانت نظرات العناد والتحدي تتقاذفها الأحداق السوداء

بالتبادل كما كان كل واحد منهما يتحدث عن واقعها بالنسبة

له ويراها أمر يخصه والإصرار كما العناد رسالة تتبادلها

العينان الرجولية في الصمت قبل الحديث وكلاهما يرى

موقفه الأقوى لانتمائها له مَن عَلم عن هويتها الحقيقية

ومن جهلها لذلك كان ختام الحديث لمن همس من بين

أسنانه بحقد

" سنرى يا ابن غستوني مديتشي "




وما أن ختم حديثه المتوعد ذاك مستنقصاً له ولاسم عائلته

كما يقول توجه نحو الباب الذي ضربه بكل قوته وهو يفتحه

مخلفاً إعصاراً يشبه الآخر الذي دخل به وترك خلفه عينان

غاضبة تراقبه حتى اختفى قبل أن يشتم هامساً وتمتم بحنق

وهو يرتمي بجسده جالساً بحركة غاضبة

" ما أبشع غضب هذا الرجل وطباعه "


*
*
*

ما أن توقفت سيارة الحرس التي أقلتهما فتحت الباب

ونزلت وتوجهت بخطوات راكضة نحو باب المنزل المفتوح

وتبعها الكاسر من فوره حتى أصبحت في الداخل ونظرت

حولها للمكان الخالي تماماً وشعرت بالتوجس وضربات

قلبها تتعالى ما أن بدأت الأفكار السوداء تتزاحم في رأسها

لأنها تعلم بأنه يملك تلفازاً ويتابع الإنترنت وكل ما يحدث

فيه بسبب وقت فراغه الطويل وسيكون علم بما حدث

بالتأكيد ، كانت في حرب ضروس مع ساقيها لتحريكهما

حين ظهرت إحدى الخادمات فجأة وكانت كطوق نجاة لها

فقالت سريعاً

" أين جدي ؟ "



ارتسمت على ملامح الواقفة أمامها نظره تفكير وقالت

" لم يغادر غرفته "


تنهدت حينها بارتياح خرج في نفس طويل وكأنها كانت

تسجنه منذ أعوام فقالت التي لم يغادر الاستغراب

ملامحها بعد

" ما الذي يحدث سيدتي فالحرس أخذوا جميع هواتفنا ! "




اتسعت عيناها بذهول وبدأت ضربات قلبها تتعالى بشكل

جنوني ، مؤكد والدها من أمر بهذا فهل قرر إخفاء حقيقة

وجود جدها أم بأنه لازال على قيد الحياة أساساً !

وبالرغم من أنه يُمنع عنهن التواصل إلا مع والداتهن في


بلادهم ومع المراقبة المشددة إلا أن تصرفه هذا ليس له إلا

تخمين واحد وهو إخفاء حقيقة الموجود هنا عن الجميع

وإخفاء ما يحدث عليهن .


تركتها وتحركت بخطوات مسرعة ناحية ممر غرفته وما أن

وصلت الباب وأمسكت مقبضه بيدها توقفت بسبب يد

الكاسر التي أمسكت بها فنظرت له وقال من فوره

وبصوت منخفض

" لن نتكهن بأنه علم بالأمر فعليك الحذر "


اومأت برأسها هامسة

" بالتأكيد "


بادلها الإيماء وفي صمت وأبعد يده ففتحت الباب بحركة

بطيئة لا إرادية وكان رد فعلها الفوري شهقة قوية

مصدومة ما أن ظهر لها الذي كان يمسك مسدساً في يده

ويحشوه بالرصاص وارتجفت ساقاها وبالكاد خرجت

الحروف منها حين قالت

" جججدي ماذا تفعل ؟ "



رفع رأسه حينها ونظر لها وانقبض قلبها بشدة فقد كانت

نظراته كما عيناه لشخص آخر لا تعرفه !!

ليس جدها الذي اشتاقت طفلة لكل زيارة يزورها فيها

وانتظرت التالية تحصي الأيام والليالي لتراه مجدداً !

هذه ليست عينا جدها المليئتان بالحنان والرقة والابتسامة

الدائمة ! بل كانت وكأن سوادها غطى على البياض فيها

وتحول لظلمة موحشة أرجفت قلبها !!.



امتلأت عيناها المفجوعتان بالدموع وهي تتخيل ما كان

يريد فعله وما أخبرها به عقلها حينها ، وبدفعة من يد

الكاسر الواقف خلفها تحررت ساقاها وتحرك جسدها نحو

الأمام خطوة ليدخل وما أن وقف بجانبها تحول لتمثال

حجري آخر عيناه المتسعتان قد تجمدتا على السلاح ذو

الفوهة الطويلة والأخمص المزخرف في يده والذي ما أن

تراه للوهلة الأولى يخيل لك بأنه للزينة ولا يمكن تحويله

لأداة قاتلة هكذا !!



" جدي أرجوك لا تفعلها "




كان ذاك صوت تيما المرتجف ترجوه بخوف بينما لازالت

قدماها عالقة مكانها وهو ما جعل حاجباه يقتربان من

بعضهما ما أن فهم ما تفكر فيه وقال باستياء

" صحيح أنني لا أهتم لحياتي لكن هذا لا يعني أن تسول
لي نفسي الانتحار "



غرقت نظراتها في تفكير عميق لم تصل معه لأي أجوبة

وهمست بتوجس

" ماذا تفعل به إذاً ؟! "




وقف على طوله وقال بجمود

" لأن حرس والدك لن يسمحوا لي بالخروج وأنا قاتل كل
من يعترض طريقي "




اتسعت عيناها بذهول وسحبت أنفاسها في شهقة صامتة

وحال الواقف بجانبها لم يكن أفضل منها وقالت ما أن

وجدت صوتها

" أين ستذهب ؟ جدي أنت لن ... "


وتوقفت كلماتها فجأة مع امتلاء عينيها الوجلة بالدموع

فقال هو ما عجزت عن تحريره من حلقها وبصوت منخفض

حزين يشبه نظراته لها

" أجل يا تيما أنا من عليه إنهاء كل هذا بل وكان عليّا
فعلها منذ وقت طويل "



وقال آخر كلماته يشد على كل واحدة فيها بغضب مكبوت

فحركت رأسها برفض حركة قوية وقالت بأسى

" هذا ليس حلاً "


اشتدت قبضته على السلاح فيها وقال بجدية

" بل هو ما سأفعله ولن يمنعني أحد "



رمت يدها جانباً وقالت بحرقة

" وفيما سيجدي هذا سوى موتك على يديهم أو على
خشبة حبل المشنقة "



كانت تكابد دموعها بل والانهيار باكية وهو ما زاد وضعه

سوءاً وارتسمت المرارة في عينيه وإن بدت كلماته جامدة

تماماً حين قال

" هو القصاص العادل نحوي فما كان يمسكني هو أنتِ
ووالدتك لكنت فعلتها منذ زمن طويل وحررت نفسي من
الوجود ميتاً وسط الأحياء "


اشتدت قبضتاها بجانب جسدها لازالت تمسك عيناها بشق

الأنفس عن ذرف الدموع بينما كان رأسها يتحرك ببطء

معبراً عن رفض عقلها لكل ما سمعته منه وقالت ببحة

" أنت فعلت ذلك لتنقذ أحدهم من الموت على يديهم ومن
إهدار شرف ابنته أمام عينيه قبل أن يموت ، أنت لم تقتل
للتسلية بل قتلت دفاعاً عن العرض والنفس "



نظر لعينيها بحزن عميق وكأنه يودعهما وقد آلمته تلك

النظرة فيهما أكثر من كلماتها وابتسمت شفتاه بسخرية هي

أقرب للمرارة وقال

" لا القانون ولا العقول يمكنها تقبل ما لا دليل عليه "


ذبحت كلماته روحها وقلبها وكان ذاك ما جعل صمودها

الهش ينهار وبدأت الدموع بمحاولة التمرد على عينيها

مجدداً ورغم ذلك نفضت يدها صائحة بأسى

" لكنك لن تنقذنا جدي .. لن تفعل شيئاً سوى أن نخسرك "



كانت يده تؤلمه من كثرة ما كان يفرغ انفعاله في أخمص

المسدس فيها ولمعت عيناه ببريق اشتياق خفي وهو ينظر

لعينيها المحببة لديه ولمن جمعت ملامح زوجته الحبيبة

الغائبة عنه وعينا والدته التي عاش محروماً منها وما كان

يقتله في كل مرة يراها فيها أمامه ، ابتلع غصته مع ريقه

وتكسر صوته بحزن رجولي عميق ما أن قال

" سأكون أنا المقابل لكما فكل ما يريده أولئك الرجال
هو عنقي "

تناثرت الدموع من عينيها حين جلب عقلها تلك الفكرة

وهيئها لها أمام عينيها فحركت رأسها بالرفض مجدداً

وقالت ببكاء

" لن يجدي .. لقد سمعت بأذني أحدهم يتحدث عن طلاق
والدتي وبطلان زواجي من قاسم أي أنهم يريدون الجميع "



لم يخفى عنها تغير حجم حدقتاه والنظرة المصدومة في

عينيه ولا تعلم هل بسبب علمه بنيتهم أم بطبيعة زواجها ؟

وتجاوزت التفكير في كل ذلك وقالت برجاء حزين

" جدي أترك الأمر لوالدي هو من سيجد حلاً للأمر ، أنا
أثق به وعلينا جميعاً أن نكون كذلك "




اشتد فكاه بقوة وقال بحزم

" أنتِ لا تعرفين والدك يا تيما ... "



توقفت أنفاسها وارتسمت الحيرة في عيناها الدامعة كما

ملامحها وذاك ما قرأه بوضوح فتابع موضحاً وبنبرة جادة

" منذ كان زعيماً للحالك كان مشهوداً له بالوفاء بالعهد
وباحترام أحكام القبيلة لأنه عن طريقها كان يفض
النزاعات بين كبرى القبائل وذاك ما زاد ثقتهم به وما جعل
الشطر الذي تسكنه الحالك يعمه الكثير من السلام
وقت حكمه "



ابتلعت غصتها مع ريقها الجاف وهمست بتعاسة

" لكن ... "



قاطعها وتابع نيابةً عنها وبكلمات حانقة متأسية

" لكنهم الآن دمروه سياسياً ووضعوه في مواجهة مع
الأحكام القبلية التي كان يحكم ويفصل بها وبعدل .. هذه
حقيقة لا يمكن نكرانها "



عادت الدموع للتسرب من عينيها التي ارتسم الألم فيها

واضحاً ولم تستطع النطق بأي كلمة تصارع أنفاسها

عبراتها السجينة وسط أضلعها بينما تابع هو بمرارة

" أنا السبب في كل هذا وليس والدك لأني من قتل ووالدي
وشقيقي هم من سلموهم عنقي وسلالتي وليس مطر لذلك
عليّا أن أنهي كل هذا وأنقذ والدك لتبرئته أمام شعبه على
الأقل وإن لم أستطع إنقاذكما "



تحررت أول عبرة مكتومة انتفض معها صدرها بقوة وقالت

بصوت باكي

" ومن قال بأنه التصرف السليم ؟ قد يفعل والدي شيئاً
وأنت ستعيقه بهذا "



ارتسم الحزن عميقاً في عينيه وتألم قلبه لرؤية دموعها

وبكائها وهو ما جعله عاجزاً حتى اللحظة عن الركض

نحوها واحتواء دموعها وعبراتها في حضنه خشية أن

يضعف ويتبدل رأيه والحل الذي لا خيار آخر له لذلك اختار

التمزق بعيداً عنها .. حفيدته الحبيبة التي طالما تمنى أن

يعيش معها ومع ابنته حياة تعوضه عن كل ما فقده لكنه

نسي بأن واقعه مختلف تماماً وماضيه لن يتركه ما عاش ،

شعر بالمرارة في حلقه وكأن قلبه بات يوزعها على جسده

بأكمله وذاك ما ظهر واضحاً في صوته حين قال

" لا شيء أمام والدك يفعله أنا أعلم بتفكيره ونزاهته أكثر
منك يا تيما فكيف أن يصبح الأمر على مرأى من الشعب
بأكمله "



ولمعت عيناه بدموع حبيسة تغلبت على صموده الرجولي

وقال بحزن وبحة خفيفة تغلبت على صوته

" أنا من فعل ذلك بغض النظر عن الأسباب وقد سئمت .."



وضرب بيده على صدره والدموع تظهر بوضوح بين جفنيه

الحمروان متابعاً بحرقة

" سئمت من العيش وحيداً سجيناً وهارباً من كل شيء
وحتى من نفسي وهويتي "



كان مشهداً دمعت له عينان الواقفان أمامه دون أن ينطق

أيّا منهما بشيء عجزاً عن قول أي شيء يطفئ مرارة تلك

اللحظات بينما رفع هو يده أمام وجهه وفرد أصابعه وقال

ببحة أوضح وانكسار

" أضعت خمساً وثلاثين عاماً من عمري أهرب ممّا
لا مفر منه .. "



وقبض أصابعه تلك وتمردت أول دمعة على حصونه المنيعة

وضرب بقبضته تلك على صدره متابعاً

" قسماً لو علمت بذاك الاتفاق والوثيقة ما كنت تزوجت
ولا فكرت في ذلك لكني علمت بعد أن حملت جدتك وكان
الأوان قد فات حينها وأخرجوني من البلاد وابتعدت عنها
مكرهاً وسلمتها وابنتي لغيري لأحميهما مني "





ارتفعت يدها لشفتيها وغطتهما تخفي فيها عبراتها الموجعة

والدموع تنزل دون توقف تنظر من خلفها لمن ارتمى جسده

على الكرسي الذي كان يجلس عليه وأنزل رأسه للأسفل

وشد قبصتاه بقوة فوق ركبتيه وهمس بغصة وألم

" كنت أموت في كل يوم وليلة وحيداً ومنفياً على أمل أن
أجتمع بكما يوماً وحرموني حتى من ذاك الحلم "

وتقاطرت الدموع من عينيه نحو الأرض مباشرة فركضت

نحوه وارتمت أمام قدميه وحضنت ساقه باكية وقالت

بنحيب موجع

" لا أريد أن تموت ولا أن أخسرك جدي أرجوك ... أرجوك
لا تخرج من هنا "



أغمض عينيه بقوة واهتز كتفاه من شدة مقاومته للانهيار

باكياً كالنساء لعله يطفئ النار المشتعلة بداخله لكنه عاجز

حتى عن فعل ذلك ، نزل من كرسيه للأرض وحضنها

وانهارت حصونه المنيعة نهاية الأمر وها قد خرج ما تحجر

في داخله ثلاثة عقود كاملة ، وبالرغم من أنها كانت عِبارة

عن عَبرات رجولية مكتومة إلا أنها كانت كفيلة بإذابة

الحجر جعلت الواقف مكانه عند الباب يشاركهما البكاء في

صمت قبل أن تحرره قدماه وركض نحوهما وجلس على

الأرض أيضاً وحضنهما معاً لا شيء أعلى من صوت بكائه

سوى نحيب التي بدأت ترى باقي أحلامها وعائلتها الصغيرة

تنهار وتخسرهم جميعاً وتباعاً في مشهد مؤلم يصور حقيقة

من لا يملكون شيئاً يفعلونه سوى ذلك .


*
*
*


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 10:39 PM   #18333

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

كانت مطرقة عقبة لا تتوقف عن الضرب كما أوامره

الصارخة بأن يهدأ الجميع بينما لم يجدي ذلك مع من باتو

محاصرين هناك دون أن يعلم أحد السبب وراء إغلاق جميع

الأبواب عليهم ووقوف رجال مسلحين من القوات الخاصة

أمام كل واحد منها وقد تم سجنهم داخل القاعة بشكل فعلي

وهو ما جعل الأصوات تتعالى وتتداخل بين متسائل

ومستنكر ورافض فلا هي تتوقف ولا تخضع لأمر القاضي

الذي اكتشف بأن دوره انتهى وبشكل فعلي حين أصبح

صوته وأصواتهم سواء لا أحد ينصاع له وكانت الدقائق

تمضي الواحدة تلو الأخرى وكلما مضى الوقت أكثر كلما

ازداد وضع المحتجزين هناك سوءاً خاصة مع عبارات

عيسى الحانقة المتفرقة وصمت شعيب عنه وكأنه يخدم

مآربه بذلك لأنها كانت فرصتهم المواتية لإيصال الصورة

التي أرادوها لزعماء القبائل عن زعيمهم وبطلهم

الأسطوري كما كان دائماً فها هو غادر وتركهم وترك

مسألة قبلية مهمة تتعلق به هذه المرة وتخاذل فيها عكس

ما عُرف عنه سابقاً حين كان يقتلع الحق من جذوره ليعيده

لأصحابه ويَرضى الجميع بحُكمه حينها لثقتهم التامة في

عدله واحتراما له إن كرهت أنفسهم ذلك .



ارتفعت يد شعيب فجأة وغادر صمته الطويل صائحاً

" عائلة الشاهين يا من تغنت بكم القبائل والأجيال لأنكم من
تعيدون الحق لأصحابه أهذا ما تفعلونه حين تكونون
جزئاً منه ؟ "


كان يخاطب من لا وجود لهم هناك لأن غرضه الأساسي

ليس أن يصلهم صوته بل أن يصل من حوله والدليل على

ذلك ابتسامة الانتصار التي ارتسمت على شفتيه ما أن



علت بعض الأصوات من خلفه وحوله وتوالت



التعليقات الرجولية



" أجل هذا حقيقي .. "



" معه حق فيما قال "



" من المفترض أن العهد عهد "



ونظر لشقيقيه حينها واللذان بادلاه ابتسامات النصر قبل

أن تتوجه الأنظار جميعها نحو عقبة الذي وقف هذه المرة

وضرب بمطرقته بقوة وارتفع صوته في المكان بأكمله

بسبب وجود مكبرات الصوت قائلاً بحزم

" ليصمت الجميع هنا ويلتزم الهدوء "



لكنه وككل مرة حاول فيها منذ باتو محتجزين هنا وهو

معهم باءت محاولته بالفشل الذريع لأن الوضع تبدل لما

يشبه زنزانة السجن الجميع فيها سواء وقد فقد مكانته

كقاضٍ أمامهم بل وكوزير للعدل !




وحين أعلن يأسه التام وبدأ عقله يقنعه بفكرة أن يتوجه

ناحية محتجزيهم هنا كل هذا الوقت ويفهم الأمر منهم أو

يحاول أمرهم بإخلاء المكان توقف كل ذاك الضجيج فجأة

وكأن المكان أصبح خالياً منهم وتوجهت الأنظار جميعها

وهو أولهم ناحية الباب الداخلي للقاعة والذي انفتح فجأة

مع ابتعاد الحارس الموجود أمامه ودخل منه مطر وحيداً

لا أحد معه ولا حرسه الشخصي ليوصل رسالته لجميع

الموجودين في ذاك المكان عن السبب وراء ذلك وبأن ابن

عائلة الشاهين لا يهرب ولا يخاف أحداً غير خالقه ولا

يستخدم سلطته للتملص من واجباته كأي فرد من قبيلته

وكأي شخص من البلاد كاملة .



كانت طريقة وقوفه ونظرته الشامخة تتحدث بكل ذلك نيابة

عنه وهو يقف مواجهاً لهم ولثلاثتهم تحديداً وإن فصلت

بينهم مسافة لابأس بها وقد قلصها شعيب حين خطت قدماه

للأمام ببطء وتبعه شقيقاه سريعاً ثم الواقفين من خلفهم

تباعاً وعادت الكلمات الهامسة للتقاذف بينهم وكأنهم جيش

منساق يجهل أرض المعركة كما أساليبها عكس الذي اختار

القتال فيها وحيداً لازال يقف عند طرف المنصة نظرات

القوة في عينيه لا تترك عينا خصمه المحدقتان فيه بتحدي

والذي كان يرى فقط بأن الهدف الذي سعى له لأعوام

طويلة بدأ يدنو منه ومن تحقيقه وما تم التلاعب به قبل

أكثر من أربعين عاماً آن الأوان لأن يتغير ولن يترك هذه

الفرصة مطلقاً .



توقفت خطواتهم فجأة ورجال القبائل من خلفهم حين انفتح

باب القاعة مجدداً وسلب جميع الأنظار مشهد الداخلين منه

بأجسادهم الرجولية الطويلة وشخصياتهم القوية الواثقة

التي لم تعطيها شاشات التلفاز سابقاً حقها وبذلاتهم

السوداء الفاخرة تحكي قصصاً أخرى عن الرجولة حين

تصل أعلى مراتب الفخامة وقد بدأوا بالتحلق حول زعيمهم

بالتتابع وكأن كل واحد منهم يقول أنا خصمكم وغريمكم كما

كانوا دائماً وعُرف عنهم كقلب رجل واحد مستعد للموت

وخسارة نبضاته من أجل من كانوا ولازالوا يفدونه

بأرواحهم ومهما كانت الأسباب .




مشهد تغيرت له جميع الملامح وشعيب تحديداً وبشكل

مختلف والذي كان يعلم جيداً تأثير هذا على الواقفين خلفه

فهذا يُذكرهم بأمر واحد وهو أن لا ينسوا بأن هؤلاء من

جعلوهم أسياد البلاد ومن جعلوا الحرب تدور لصالحهم يوماً

ومن بسواعدهم وعقولهم وقوة قلوبهم قبل إرادتهم وصلت

البلاد لما هي عليه اليوم وبأنهم مستعدون لخوض أي حرب

ومهما كان نوعها من أجل الواقف بينهم الآن كالأسد

الشامخ الواثق ، وذاك ما جعله ينظر حوله وتتشتت أفكاره

كما ثقته لثواني قليلة قبل أن يخرج عن صمته ورفع رأسه

وهو يقول بصوت جهوري مرتفع بينما لم يترك نظره عينا

من أصبح وكأنه خصمه وغريمه بشكل منفصل الآن

" نحن هنا للمطالبة بحقنا كمعتدى عليهم فقط وطالب الحق
يفترض أن تنصفه الناس قبل القانون "



عادت الثقة والقوة لنظراته سريعاً وما أن قال ما يعلم بدهاء

بأنه الدرع الحامي لكل ما يفعله وكأنه يتحدى أن يقول أحد

منهم ما يُسقط به كلامه أو يرده عليه ، لكن الأمر لم يكن

كما يتخيل ولا نية لأحد منهم لقول شيء ليس فقط لأنهم لا

يتحدثون دون أمر وإذن من زعيمهم بل وبسبب الباب الذي

فُتح من خلفهم حينها وهو الباب الثالث والمخصص لقضاة

الجلسات وكانت المفاجأة الجديدة في انتظارهم وهي دخول

أبان منه وقد قال مبتسماً بثقة وهو يسير نحو الجميع

بخطوات واسعة واثقة

" ها هي الجلسة الحقيقية بدأت "



وتوقفت خطواته في مكان اختاره بعناية تامة يربط منصة

القضاة بخاله ورجاله وبين الواقفين في الأسفل جميعهم

والذين تفاوتت نظراتهم بين الاستغراب والفضول والترقب

فرفع يده وقال بابتسامة جانبية

" أنا محامٍ وبشكل رسمي هنا فلا أعتقد بأنه ثمة أحد
لديه أي اعتراض "



ونظر عند نهاية كلماته ناحية قاضي الجلسة الذي لازال

يعيش مالم يراه ويعرفه يوماً وقد لاذ بالصمت فهو بالفعل

محامي للجلسة ودخوله وتدخله سيكون قانوني لأن ما

فعله شعيب وأشقائه إتمام للجلسة ذاتها كما قال عند دخوله

فلم يكن لديه سوى الصمت وهو ينظر له وقد توجه نحو

منصة الشهود دون أن ينتظر تعليق أو اعتراض من أي

أحد غير القاضي الذي لم يعترض وإن لم يقل شيئاً وبدأ

بجمع الأوراق المتناثرة على أرضيتها الخشبية .. الأوراق

التي حفظها عن ظهر قلب وحُرم من الترافع بها في آخر

لحظة ولم يتخيل بأنه سيكون ثمة وقت كهذا مناسب

ليعرضها لقضاء شعب بلاد بأكمله وليس قاضي وحيد

وكلمات تُقرأ وسط جدران صماء لتموت في سجن

الصمت مجدداً .


صعد عتبات المنصة التي وقفت تيما عليها قبله وقرأت تلك

الأسطر فيهم بدموع قلبها قبل عينيها ولم تجد عدالة في

الأرض تقتص بحقها مما موجود فيهم تنتظر عدالة رب

السماء فقط ، اعتلى منصة الادعاء ووضعهم على الطاولة

أمامه ووضع يده عليهم بينما نظره كان موجهاً نحو

شخص واحد وهو صاحب النظرة الصقرية الحادة الواثقة

والمحدقة في عينيه وشعر فجأة بضربات قلبه تضطرب

ويحار فعلياً في تكوين شخصية الرجل الذي يفترض بأنه

خاله وهو ابن شقيقته الوحيدة ! لأنه يشعر بذات الرهبة

والهيبة ما أن يراه وينظر إليه وفي كل مرة يراه فيها فلم

يعتد بعد فكرة أن هذا الرجل العظيم ذو العنفوان الرجولي

الفريد من نوعه جزء منه وفرد من عائلته .



تحررت أنفاسه وشعر بكم هائل من الراحة والثقة ما أن

تحركت الشفاه الجادة الحازمة في أول رد فعل للواقف بين

رجاله هناك وأهداه ابتسامة جانبية لم تزد ملامحه إلا قوة

وثبات فابتسم بدوره ودون شعور منه وأومأ برأسه وكأنه

يقول له فهمت ما تصبوا إليه وهو مرادي الوحيد أيضاً .



رفع يده مع تغير اتجاه نظره للباب الذي دخل منه والحرس

الواقفين عنده وحرك أصابعه في إشارة فهمها الواقف

هناك من فوره وفتح الباب على اتساعه ودخل منه أربعة

شبان مع آلة تصوير ومعداتها تامة فتعلقت الأنظار

المستغربة بهم وفهم الجميع حينها بأن القادم سيكون

في بث مباشر وأمام الملأ .


*
*
*

" لا يمكننا استلام القضية الأدلة جميعها ضده أنا أعتذر"

قال ذلك الذي رفع يديه خلف رأسه يتكئ بظهره على

الكرسي الجلدي للخلف وكأنه يوثق كلامه بالأفعال فقال

ﻟﻴﻮﻧﺎﺭﺩ والذي أراح وجنته على كفه بينما كانت يده الأخرى

تلعب بالقلم فيها يضعها فوق الأوراق المتناثرة تحتها

" ابنته واثقة من أنه ليس الفاعل .. هل يقتل رجل طفليه
وهو لا يشتكي من أي اضطرابات نفسية ولا يتعاطى أي
نوع من الممنوعات ولم يكن مخموراً وقتها ! "

قال آنسون ينظر له

" لكن هو الفاعل وهو يرفض قول غير أنه لم يقصد

فعل ذلك ! "



وافقه الجالس أمامه وقد أومأ برأسه

" يمكننا تخفيف الحكم عنه على الأقل "



نظر حينها ناحية الذي كان ينظر للبعيد بشرود وكأنه في

بعد فلكي آخر وقال

" أعرفك لا تقبل قضايا يكون فيها المتهم هو الفاعل فهل
ستكتفي بالتحقيق كلجنة ادعاء أم ترى أنه عليك قبولها
كمحامٍ يا وقاص ؟ "


رفع نظره له ما أن سمع اسمه وقال

" فيما ! "



لم يستطع آنسون إمساك ضحكته قائلاً

" لا يبدو أنك كنتَ منتبهاً لما كنا نقول "


ارتسم الإحراج على ملامحه كما الابتسامة التي زينت

شفتيه ومرر أصابعه في شعره قفا عنقه متمتماً

" أجل لقد شرد ذهني قليلاً "



وقف كيفن وقال يجمع الأوراق أمامه

" يبدو أنه علينا أخذ قسط من الراحة ونلتقي بعد استراحة الغذاء "


تبعه ﻟﻴﻮﻧﺎﺭﺩ وغادر كرسيه قائلاً

" أنا عليا الذهاب لإكسفورد لا أستطيع أن أكون معكم
اليوم ... وداعاً "




وغادر أيضاً يتبعه رفيقه وكان آنسون الشخص الأخير

المتبقي معه والذي وقف قائلاً

" سأغادر للندن ما هي خططك أنت ؟ "



وقال آخر كلمة وقد أشار بحاجب مرفوع خلف كتفه وحيث

الجالسة هناك ففهم مقصده سريعاً وقال بصوت منخفض

وهو يقف

" أريد شقة واليوم تحديداً سأترك الأمر لك "



تأوه الواقف أمامه هامساً بابتسامة

" أووه ما هذا التطور اللافت "



تبدلت نظراته للضيق وقال

" لا تلصق أفكارك القذرة بي .. أنت تعرفني جيداً "




ضحك بصمت وقال

" بالتأكيد ولهذا تفاجأت "

وضربت يده على كتفه وقال وهو يتجه نحو الباب المفتوح

" اعتبرها مزحة أعتذر عنها وسأفعل ما تريد كن مطمئناً "


وما أن أصبح خارج الباب الذي تركه خلفه مفتوحاً توقف

بسبب نداء الذي لحق به وما أن استدار نحوه أصبح يقف

أمامه تماماً وقال

" انتبه آنسون أريدها في مكان جيد وليس غرفة حانة "



وقال آخر كلماته ببرود ونظرة يفهمها جيداً فضحك وقال

" أعرف ذوقك جيداً كما مستواك المادي ، يلزمني بعض
الوقت فقط لأني لن أستأجرها لك عن طريق الإنترنت
فقط وينصدم كلينا "



اومأ له برأسه موافقاً قبل أن يشير به لباب المكتب خلفه

قائلاً بهدوء

" لا تتكاسل يا آنسون إنها جالسة هنا منذ الصباح "



فرد يديه وقال متعجباً

" أعلم أنك ترفض التدخل في خصوصياتك لكني أستغرب
هذا وعائلتك تمتلك واحداً من أهم الفنادق في لندن ! "



تمتم وقاص يرمقه ببرود

" لا يبدو لي أنك تحترمها فعلياً ! "



ضحك كثيراً وقال مغادراً يشير له بيده

" أراك لاحقاً "


وغادر وتركه فعاد ناحية مكتبه واتجهت عيناه وفور دخوله

ناحية التي لم يفارقها نظره أساساً ومنذ أصبحا هنا فإما

نظره عليها وإمّا عقله معها ونظره مع غيرها وهي على

حالتها تلك تحضن ساقيها جالسة فوق السرير الفردي

الموجود في زاوية المكتب عند النوافذ الكبيرة المضللة

ونظرها على الشارع في الخارج حيث الزحام وحركة

السيارات ولا يعلم جذبها كل ذلك لمشاهدته أم شاردة الذهن

لا تهتم له أبداً ؟

ما يعلمه جيداً وبات موقن منه تماماً أنه ما أن يجتمعا في

مكان واحد يفقد كل شيء له السلطة عليه في جسده ونفسه

وحواسه ..! حقيقة لا نفع من نكرانها ومهما حاول .


حرك رأسه مستغفراً الله بهمس مكتئب يائس وتوجه

ناحيتها ووقف قربها ودس يداه في جيبيه ينظر حيث كانت

ولازالت تنظر ونظر لها ما أن رفعت رأسها ونظرت لعينيه

فابتسمت شفتاه ودون استئذان منه وقال

" ثمة مطعم صغير قريب من هنا أرتاده دائماً يقدم طعاماً
فرنسياً رائعاً ما رأيك في أن نتناول طعام الغذاء فيه قبل
مغادرتنا ؟ "



توقع بل وانتظر رفضها القاطع وجملتها المعتادة بأنها لا

تريد تناول أي شيء لكنها فاجأته وهي تُنزل ساقيها

وقدميها تلامسان الأرض ووقفت وانحنت لحذائها تلبسه

دون أن تعترض أو تمانع وإن لم تقل شيئاً آخر فابتسم

برضا وهذا يكفي ليجعله سعيداً فهو لا يتوقع الكثير منها .


ما أن استوت واقفة حتى تحرك من هناك وهي تسير بجانبه

وفي صمتها المعتاد مغادران أروقة مبنى المحكمة حتى كانا

خارجه ، كان المطعم قريباً منه ووصلاه سيراً على الأقدام

وكان بالفعل متوسط الحجم كما كان بواجهة زجاجية مدعمة

بالخشب المطلي باللون الأسود وكان الهدوء رائعاً في

الداخل عكس الأجواء الصاخبة خارجه سوى من موسيقى

فرنسية هادئة تُسمع متساوية في كل جانب فيه كما رواده

القليلون مقارنة بغيره لأنه مختص بالطعام الفرنسي تحديداً

وزبائنه أغلبهم من الفرنسيين المقيمين في البلاد فلا طعام

غيره يُقدم هنا .



كان اختياره لطاولة معينة عند الزاوية الأبعد عن الجالسين

هناك وسحب الكرسي لها أولاً وجلس مقابلاً لها ونظر

للشاب الذي توجه نحوه من فوره يرتدي بذلة سوداء أنيقة

والذي كان ابن صاحب المطعم والمشرف عليه وقال

بالفرنسية مبتسماً

" مرحباً سيد وقاص "


ابتسم وهو يجيبه بذات اللغة

" مرحباً داميان كيف حالك ؟ "


أجاب وذات الإبتسامة المرحة تزين شفتيه

" بخير ... لم أرك منذ فترة "


ضحك وقاص وقال

" إنه أسبوع واحد فقط ! "


ضحكا معاً وقال الشاب يجمع كفيه

" لا أظنك ستترك الخيار لنا كالمعتاد "


نظر له باستغراب وقال

" وما تغير الآن ! "


قال مبتسماً ينقل نظره بينهما

" لم تكن برفقة امرأة وحدكما من قبل دون شخص ثالث
وقد يكون لديها اختيار مختلف "



نظر للتي كانت تمسك لائحة الطعام تنظر لها بصمت نظرة

من يبدو لا يهتم بالمكتوب فيها أو لا يفهمه وخمٌن بأنها

كانت تبحث عن صور له أو تتوقعها مكتوبة بالإنجليزية

ونظر له وقال مبتسماً

" قد لا تعرف الطعام الفرنسي وأنا أثق في ذوقك "



ضحك الشاب بخفة وقال يومئ برأسه

" أتمنى ذلك وأن لا تنهي علاقتها بك بسببي الليلة "



لم يستطع وقاص إمساك ضحكته بينما سرق نظره ناحيتها

وكانت تضع اللائحة من يدها وتبدو كالأخرس الذي لا يسمع

ما يُقال وقال ينظر لملامحها بابتسامة شاردة حزينة

" أتظن هذا ! "


كان يقصد ظنونه الخاطئة لعلاقتهما وهو الأمر الذي فهمه

ذاك الشاب بشكل خاطئ فقال بمزاح ضاحك

" وستكون ممتناً لي إن انتهى الأمر بالزواج "



وغمز له بعينه ما أن نظر له مندهشاً بسبب ما قال فتابع

من فوره مبتسماً بينما عاد وغمز له بعينه مجدداً

" إنكما مثاليان معاً وأرجوا حدوث ذلك سريعاً "



ضحك وقاص وقال

" سأقدم لك عجلاً فرنسياً حياً هدية حينها "


اتسعت شفتا الشاب بدهشة وقال بحماس باسم

" عليا أن أصلي لحدوث ذلك إذاً "



ضحكا معاً قبل أن تنقطع ضحكاتهما بسبب التي تحدثت

بفرنسية طلقة سليمة وهي تنطر لعيني الجالس أمامها

وببرود قاتل

" أريد طبق كونفيت وطبق ﺭﺍﺗﺎﺗﻮﻱ وأريده مع صلصة
حمراء لا أريده جافاً "



وكان ذاك ما جعل عينا الشاب الفرنسي تتسع وهو ينقل

نظره من شعرها البني المائل للشقار المقابل له لوقوفه

خلفها لوجه وقاص والذي كان عكس ما كان يظن ويتوقع

بأنه سيجده مصدوماً مثله وقد فاجأه بارتفاع رأسه ضاحكاً

قبل أن ينظر له وقال مبتسماً وكأنه يقاوم نفسه كي لا

يضحك مجدداً

" لا تقلق يا داميان أنت لم تفسد شيئاً "


ضحك وقال معتذراً بحركة من يده

" ألمهم لا تنسى العجل الفرنسي "

وغادر من فوره ونظرات وقاص الباسمة تتبعه قبل أن ينظر

للتي فتحت المنديل المطوي الناعم ووضعته على فخذيها

وقال بابتسامة مائلة ما أن رفعت نظرها له

" كم لغة أيضاً تتقنينها ! "



اتكأت بظهرها للخلف وكتفت ذراعيها لصدرها قائلة ببرود

" الإيطالية والإسبانية فلا تتحدث عني بهما أمامي
مستقبلاً "



قال بضحكة صغيرة

" أنا لا أتقنهما أساساً "


وكالمعتاد لم تهتم لتعلق أو تستمر في الحديث عن الأمر وقد

شغلت نظرها بحركة سبابتها على مقبض الشوكة اللامعة

الموضوعة يسارها ورغم ذلك قال ونظره لا يترك ملامحها

" لقد تلقيتِ تعليماً جيداً وخلال فترة قصيرة !! "



توقفت حركة يدها بينما لم تبعد نظرها عنها وخالفت

توقعاته حين علقت على الأمر قائلة بشرود

" عمي عكرمة علمني الكثير فور إجرائي العملية الأولى
وبالرغم من أني كنت طفلة "



لا ينكر مفاجأته بالأمر وليس بسبب اسم ذاك الرجل فهو

علم عنه سابقاً بل لأنه أولاً لم يكن يعلم بأنها أجرت أكثر

من عملية جراحية بخصوص الأكياس المائية في دماغها

وثانياً والأهم هو الحزن الذي اكتسى عيناها ونظراتها

الشاردة فقلما رأى هذا في عينيها وعبّرت عن المشاعر

المشابهة له ! بل وتتحدث عن أمر يخص طفولتها !!

همس بحزن وعيناه لازالت تراقبها

" رحمه الله "


لم يستطع قول شيء غير ذلك وما عساه يقول أمام تلك

الحقيقة المؤسفة ؟

ولم ينتهي الأمر عند ذلك كما كان يظن فقد جمعت كفيها

على الطاولة تحتها وعيناها على الكأس اللامع وارتسمت

ابتسامة لا يعلم ساخرة أم متألمة على الشفتان الجميلتان

ما أن قالت

"كنت معرضة للإصابة بورم في الدماغ إن أُهملت حالتي "



شعر بقلبه ينقبض بشدة بسبب الفكرة فقط فكيف أن تكون

حقيقة ؟ حتى أنه عجز عن التعليق على ما قالت ويبدو أنها

لم تنتظر ذلك وهي تتابع مشيحة بوجهها جانباً وكأنها تخفي

مشاعرها عنه

" لقد فعل شيئاً عظيماً من أجلي بالرغم من أني لا
أقرب له "



ابتسم بمرارة ولمعت عيناه المحدقتان بها بحزن بينما

خرجت كلماته بنبرة متضايقة مستاءة ونظره لم يفارق

جانب وجهها المقابل له

" عائلتك الحقيقية سيئة للغاية .. أنا أكرههم ولا أتمنى
مقابلة أي أحد منهم "



لم يستغرب النظرة التي وجهتها نحوه حينها وكأنه مجنون

يتحدث أمامها فقال بابتسامة متأسية

" مؤكد هذا ما كان سيقوله أي شخص غيري يجلس
مكاني الآن لكنك ترافقين الشخص الخاطئ "




تنهدت بضيق وقالت

" أعلم بأنك لست مغفلاً وغبياً لتقول هذا "





اومأ برأسه وقال بهدوء

" وأنا أعلم جيداً بأنك لستِ في حاجة للتحدث مع أحد
للتخفيف عنك وبأنه ليس مقصدك وليس مقصدي أيضاً
فأنا أكرههم ونفسي معهم بالفعل "




وقال آخر كلماته بما يشبه الغضب المكبوت فارتسم الضيق

في ملامحها أكثر وقالت

" هذا بسبب شعورك بالشفقة ... أنا أكره هذا "




قال سريعاً وبجدية

" لا ليس كذلك بل لأني أعترف بذنبنا في حقكم يا زيزفون ،
جدتك ووالدك ووالدتك وأنتِ وشقيقك .. جميعكم علينا تحمل
إثم ما حدث لكم وأخجل من نفسي كلما فكرت في هذا "





كان الضيق هو المسيطر على مشاعره عند نهاية كلماته

تلك ومن نفسه قبل الجميع بينما لاذ كلاهما بالصمت ما أن

بدأت النادلة الشابة بوضع الطعام على الطاولة أمامهما

بحركة أنيقة متقنة وسريعة ، وما أن غادرت نظر للتي

رفعت شوكتها ونظرها على الطبق تحتها وقال متابعاً حديثه

عن الأمر ذاته يرفض عقله قبل قلبه التوقف عند ذاك الحد

" كنت أجهل كل ذلك وسألت جدي عنك حين كنت صغيراً
وقال بأن جدتك طالبت بتركك لديها لأنك مريضة وحين
علمت بعد أعوام عن وجودك سعيت بكل جهدي لأصل لك
أو لأي معلومات توصل إليك وسألت مطر شاهين مراراً
عنك لكنه قال بأن ما هو داخل البلاد خارج سيطرته
وألححت على جدي كثيراً ليجلبك للعيش معنا وليتني
لم أفعل "



قال آخر كلماته بمرارة وندم واضح وكان ذاك ما شد نظرها

له فتابع من فوره ينظر للزرقة الصافية في عينيها


"حين زوّجك جدي بنجيب فعلت المستحيل لمنع ذاك الزواج
أو إبطاله لكني لم أفلح وكانت تلك المرة الأولى في حياتي
التي أتشاجر فيها مع جدي ويرتفع صوتي في وجوده
وسافرت خارج البلاد لأسابيع لأني لم أعد أريد رؤية
ولا سماع أياً منهم حينها "



" أنت تعلم رأيي في الأمر سلفاً "


قالت ذلك شبه هامسة ولم تفارق نظراتها عينيه مما جعل

مشاعره تطفوا للسطح دون أي رادع ولو كان الأمر بيده

لما كان يعلم ما فعل حينها غير تقبيل عينيها لكن لا شيء

لديه سوى التحسر في صمت فقال من فوره وبذات نبرته

السابقة وضميره يؤلم قلبه أكثر


" أعلم بأنك لا تكرهينني وأصدق هذا لكن ذلك لا يعفيني من
حقيقة جرمنا حيالك فأنا عجزت عن مساعدتك في أول
مشكلة واجهتك فترة وجودك بيننا وكان سفري حينها مجرد
هروب أحمق من فشلي "



أبعدت نظرها عنه وتبدلت تلك الزرقة في عينيها لأمواج

زرقاء غامقة ما أن خرجت الكلمات الحاقدة من بين

شفتيها بتأني

" المذنب الوحيد والأساسي هو جدك "



تنهد بأسى ولم يعلق وحدق فيها بتفكير وشرود بينما كانت

نظراتها الجامدة تحدق في كل شيء عداه ، لقد كان حديثها

سابقاً يشمل الجميع دون تمييز وإن كان الجزء الأكبر منه

موجه لجده فهل احتكاكها بهم غيّر من نظرتها للأمر ؟ هل

استطاع هو ووالده ورواح ووالدته تغيير مفهومها ذاك ؟!

حتى نجيب أخرجته من دائرة اتهامها !

لم يستطع إبعاد نظره عنها يراقبها حتى أنه نسي الطعام

أمامه بينما عادت هي للانشغال بتناول قطعة لحم البط

الطري حتى فاجأته بأن قالت وهي تضع شوكتها مكانها

" لما تمسك قضيتي وأنت ترفض المشابهات لها ؟ "


حدق في عينيها التي ارتفعت له مجدداً بنظرة حاول جاهداً

أن لا تُظهر تفاجئه بما قالت فها هي كانت منتبهة لحديثهم

في مكتبه ! بل ويبدو كان دليله القاطع لصدقه سابقاً حين

سألته عن قبول المال لأجل أي قضية في خروجهما الوحيد

معاً ، قال بعد صمت برهة

" أنتِ لستِ الفاعلة يا زيزفون "



وتابع من فوره ونبرته تتبدل للجدية

" لم تقتلي نجيب ولا والدتك ولا زوجها "



قالت سريعاً وبنبرة مشابهة

" لكنّ إسحاق فعل .. قتل زوج والدتي ومُتهم بقتلها أيضاً
أتترافع عنه في كلا القضيتين إن لزم الأمر ؟ "



" أجل "


قالها مباشرة ودون تردد مما جعلها تغرق في صمت لحظي

وكأنها لم تتوقع أن يكون جوابه سريعاً وواثقاً هكذا ، وظهر

ذلك جلياً في صوتها كما ملامحها حين قالت بتشكيك

وابتسامة ساخرة ترتسم على طرف شفتيها وإن لم تتخلى

ملامحها عن الجدية

" لكنه مخالف لمبادئك ؟! "



قال من فوره

" أنا لا أدافع عن القاتل دون دليل ملموس يثبت براءته يا
زيزفون فإزهاق الأرواح أمر خاطئ والقانون هو من يأخذ
الحق المنتهك وديننا يأمر بذلك "



قالت ونبرتها تتبدل للاستياء فجأة

" لما تقبل إذاً ..؟ هل السبب شعورك بالذنب ؟ "


حرك رأسه رافضاً لأفكارها وقال بجدية

" إن كان المقياس هو الشعور بالذنب فأنا على استعداد
لأن آخذ الحكم نيابة عنه وأُسجن أو أُعدم ، وإن كان يُقاس
بصلة الدم لكنت أجرمتك في حق شقيقي ورفعت قضية
ضدك وليس أن أترافع عنك لكني مع الحق فقط
وأينما كان "



وتوقفت كلماته ينظر لعينيها وكأنه يحاورها في الصمت

الذي تعشق التصاقها الدائم به قبل أن يتابع وبذات

نبرته الجادة

" لا يمكنني الحكم على قضية قتل شقيقك لذاك الرجل وأنا
لم أعرف السبب ، ليس ثمة طفل في العاشرة يقتل رجلاً
دون سبب يدفعه لذلك ففي ديننا يموت الرجل دون ماله
ودون دمه ودون عرضه .. أي يقاتل من أجلها في حال
الاعتداء عليه بسببها وإن مات فهو شهيد "




وما أن أنهى كلماته تلك عاد للصمت مجدداً يبحث عن

الأجوبة في عينيها لعلمه بأنه لن يجود بها لسانها أبداً وكما

توقع فقد أشاحت بوجهها جانباً وكأنها تتهرب منه بل

تهرب بالمعنى الأصح ويعلم بأنها ترفض قول ذاك السبب أو

الحديث عنه وهي الشاهد الوحيد عمّا حدث تلك الليلة وما

لم يتم ذكره في ملف قضيتها ذاك حتى اليوم واللحظة !!

كان يرى فيهما فقط السواد المغيم الشرود الغاضب والحقد

الأسود وما جعله يضيع بين كل ذلك حتى تجاوزت كل تلك

المشاعر كما يبدو ونظرت له وقالت باستياء واضح

" لكن كلامك يخالف القانون الذي درسته وتعمل به فهو
يقف مع المضطربين نفسياً في جرائمهم لكن لا يبرر لمن
ذكرتهم في ذاك الحديث النبوي ، القانون لا يعترف بالدين
ولا في بلاد المسلمين "



قال من فوره وبرفض

" مفهومك خاطئ فكم من شخص قتل رجلاً تعدى على
حرمات منزله وبرأه القانون ، وعن الدول العربية أتحدث "



قالت سريعاً ونظراتها القوية تحدق في عينيه مباشرة

" هل تترافع ضد جدك وتقدمه للقصاص لو أني رفعت
دعوى ضده ؟ "



كان سؤالاً مفاجئاً ولم يتوقعه ولا يستطيع نكران ذلك مما

جعله يحدق فيها بصمت لبرهة وقبل أن يقول بريبة

" ما غرضك من هذا السؤال يا زيزفون ؟ "


" غرضي أن تجيب "


قالتها مباشرة وبنبرة قوية فواجهها بالقوة ذاتها قائلاً

" لا ليس كذلك فأنتِ تعلمين جيداً بأن القضاء لن
يقبل الدعوة "



وكان ذاك ما جعلها تشتعل فعلياً وقالت بضيق

" ها أنت تعترف بأنه قضاء فاشل لا يعترف بالمسببات بل
النتائج لكان جدك الأولى بتحمل القضايا عن شقيقي بل
وجميع ما عانته عائلتي "



حاول جاهداً كبت انفعاله لأنه يعلم جيداً تأثير الأمر عليها

وقال بنبرة متزنة

" هل سيرضيك الحكم بالتعويض المادي وسجنه حينها
يا زيزفون ؟ "


ولم يستغرب الكلمات التي خرجت من عمق حقدها

حينها هامسة

" إن رأيته يتعذب سيرضيني "

قال بجدية
" لا لن يحدث ذلك أبداً يا زيزفون ولن تشعري بهذا وإن
سلبته كامل ثروته وقتلتنا أمام عينيه جميعنا فلن تشعري
بالسعادة ولا الراحة "



وازدادت نبرته قوة وهو يتابع ينظر لعمق عينيها

" لن تجديها إن لم تتصالحي مع نفسك وتنسي أحقادك صدقيني "



صوت ضربها لكف يدها على الطاولة تحتها تبعه رنين

الأواني الخزفية المهتزة أمامها جعل الأنظار جميعها تلتفت

نحوهما وقد تلاه صوتها المرتفع ما أن صرخت فيه بعنف

" يالها من عبارات سخيفة قام بتأليفها من لم يعرف معنى
ما يقول وأصبح الأغبياء يصدقونها لكن من عاش وعرف
معنى الألم الحقيقي الذي منبعه القلب بسبب أحدهم
فسيبصق في وجهه ما أن يراه بسبب الخرافات التي
يروجها للناس "



كان يحدق فيها بوجوم قبل أن ينظر حوله وللأعين التي

باتت تنظر لهما بفضول فلم يتوقع رد فعلها هذا وهو يعلم

شخصيتها جيداً !

قال بصوت منخفض ما أن نظر لها مجدداً ورأى الغضب

لازال يتقاذف كالشرر من عينيها

" زيزفون اهدئي "



لكن ذلك لم يزدها إلا اشتعالا وعلا صوتها الغاضب مجدداً

وقد ضربت بقبضتها الطاولة هذه المرة

" لن أهدأ ولن أصمت فهل تتسامح أنت مع من كان
السبب في موت جميع من تحب أمام عينيك وتركك
تعاني طوال حياتك ؟ "



قال بضيق وقد تجاهل الموجودين حولهما أيضاً لأن الوضع

لم يعد يسمح بذلك

" أنا لم أقل سامحيه بل تتسامحي مع نفسك "



وكما توقع لم تفلح كلماته تلك في إقناعها بوجهة نظره وقد

رمت سبابتها صارخة بحدة

" كلاهما تأخذك للنتيجة ذاتها فأنا لست حمقاء وعاشرت
أطباء نفسيين لسنوات يروجون للحماقات ذاتها التي
تقولها ولم يعش أيّا منهم مثيلاً لها من قبل ليحكم "


وبحركة غاضبة قوية رفعت المنديل عنها ووضعته بحركة

أقوى على الطاولة ووقفت قائلة بحدة تنظر لعينيه

" شكراً على وجبة الغذاء وتعاطفك معي يا ابن جدك "


وما أن أنهت كلماتها تلك غادرت بخطوات واسعة غاضبة

ووجهتها باب المطعم فوقف مسرعاً وتبعها وتوقف فجأة
قرب الباب بسبب الذي قابله وقد قال بابتسامة كئيبة

" يبدوا لا أمل لي في العجل "


فابتسم وأخرج محفظته بحركة سريعة ومد له نقودا منها

وركض مستعجلاً ونظراته المستغربة لمزاجه المعاكس

لشجارهما تتبعه وقد قال

" إن كان الحساب ناقصاً أخبرني فيما بعد "


وغادر باب المطعم بخطوات راكضة ووقف خارجه ونظر

يميناً وتحركت خطواته المسرعة ناحية مقصده والتي كانت

تبتعد دون وجهة ولا دليل لها هنا وما أن وصل إليها أمسك

بذراعها وأدارها نحوه وقال بأنفاس لاهثة ونبرة حانقة

" زيزفون انتظري أين تنوين الذهاب ؟! "



سحبت ذراعها منه قائلة بضيق

" لا شأن لك بي ..أو قم بإمضاء قراراً باعتقالي فيما بعد "


قالت آخر عبارتها بتملق وأدارت ظهرها له فعاد وأوقفها

قائلاً بجدية يشير بيده حيث سيارته المتوقفة في

الجانب الآخر

" لنغادر من هنا وننسى كل ما قيل "



" افعلها وحدك "



همست بها في وجهه من بين أسنانها وتركته وتابعت

سيرها ولا يعلم النسيان أم المغادرة كانت تعني لكن المؤكد

أنها تقصدهما معاً ، ترك كل تلك الأفكار مكانها ولحق بها

ولأنه يعلم عنادها جيداً كما نوع غضبها الذي يكون جدهما

محوراً أساسياً فيه عاد لإيقافها من ذراعها مجدداً فلا يمكنه

تركها غاضباً أيضاً ليعاني من رحلة البحث عنها فيما بعد

بل ولن يطاوعه قلبه لفعلها من أساسه لذلك قال بحزم ما

أن نظر لعينيها الحانقة

" زيزفون أقسمت عليك بالله أن تتوقفي عن هذا "



كان مزاجها المشتعل على حاله لم يتغير وذاك ما كانت

تظهره عيناها المدججة بالغضب وما أن كانت ستتحدث

قاطعها صوت الطفلة التي وقفت بينهما تحمل سلة أزهار

في يديها وقد رفعت عيناها الزرقاء الواسعة لهما تتطاير

خصلات غرتها السوداء الناعمة فوقهما وقالت بابتسامة

جميلة تنظر لوقاص تحديداً

" سيدي اشتري لها زهرة ستسامحك حبيبتك حينها "



لم يستطع إمساك ابتسامته وهو ينقل نظره منها للتي كانت

وكما توقع تنظر للطفلة مصدومة قبل أن تتبدل تلك النظرة


بأخرى مستاءة وهي تنظر لعينيه ، وما أن حاولت

اجتيازهما مغادرة أمسكها من يدها والتفت أصابعه حول

معصمها موقفاً إياها مكانها بينما مد يده الأخرى للطفلة

قائلاً بابتسامة

" هات واحدة "


أشرق وجه الطفلة الجميلة وهي تخرج له زهرة من سلتها

المليئة ورفعتها نحوه فأخذها منها ومدها لها بالفعل

وبالرغم من النظرة الغاضبة في عينيها كما شفتيها

المزمومتان بحنق لم يتراجع كما لم تترك الابتسامة شفتيه

وقد كبّلها عن فعل أي شيء صوت الطفلة التي قالت تنظر

لها برجاء طفولي

" اقبليها سيدتي أرجوك ليشتريها ولا تغضبي منه "



كانت نظرتها تلك كفيلة بإذابة الجليد فكيف بقلب بشري مما

جعلها تستسلم بسهولة فاستلمتها من يده بحركة عنيفة كما

سحبت معصمها منه وغادرت باتجاه المكان المركونة

سيارته فيه هذه المرة فابتسم بانتصار وأخرج ورقة نقدية

أعطاها للطفلة وغادر ولم يكن يعلم كم الرقم الموجود فيها

ولم يهتم لذلك ويراها تستحقها للمساعدة التي قدمتها له

وفي وقتها تماماً ، تباطأت خطواته وأدار رأسه نحوها ما

أن صرخت من خلفه بسعادة ودهشة تلوح بها في

يدها عاليا

" شكراً لك سيدي ... كم أتمنى من الله أن تكونا
حبيبين دائماً "



ابتسم وأشار لها بيده قبل أن يتابع سيره يحرك رأسه

مبتسماً بسبب أفكار الطفلة الحالمة فهم علموهم هذا

لاصطياد من ينفع كزبون يشتري منهم والمصيدة هي قلوب

النساء لأنهن يعشقن هذه الأمور وتعني لهن الكثير لكنها لا

تعلم بأن تلك الفاتنة مختلفة تماماً ولولا أنها حركت مشاعر

الطفلة داخلها ما كانت لتقبلها ، وأتاه دليل كل ذلك سريعاً

فما أن وصل السيارة التي أصبحت تجلس بداخلها منذ وقت

وفتح بابه حتى ابتسم وهو يرى الزهرة المرمية على

كرسيه فرفعها وجلس وأغلق الباب يتجنب النظر ناحيتها

وما أن تحرك بالسيارة من هناك غرسها في واحدة من

فتحات التكييف الموجودة في مقدمة السيارة بينهما ونظر

ناحيتها حينها فكانت تكتف ذراعيها وتنظر أمامها بضيق

ونفاذ صبر فقال مبتسماً وهو يعيد يده للمقود ونظره

للطريق الذي دخله للتو

" ستبقى هنا لتتجمد وتصبح زهرة جميلة باردة تشبهك
تماماً "



وما أن أنهى كلماته نظر نحوها وكانت تنظر له نظرة


حانقة وحاجباها الرقيقان معقودان بضيق وعكس ما


توقع تمتمت ببرود

" وماذا عنك أنت ؟ "
ضحك ودون شعور منه ونظر للطريق المزدحم أمامه وقال
"لا أعلم فلا أحد يمكنه الحكم على نفسه فما تقولين أنتِ "



ورمقها بطرف عينيه مبتسماً فأشاحت بوجهها عنه ناحية

النافذة متمتمه

" سيء للغاية "


لم يستطع منع عينيه من التحديق فيها حينها وترك الطريق

وما سيحدث فيه وإن كانت لا تنظر له وابتسامة رقيقة

تزين شفتيه وقال ولازال يتعمد مداعبتها وتلطيف الأجواء

بينهما إن كان سيأتي بأي نتائج أم لا

" تقصدينني أنا أم حظي أم مستقبلي ؟ "


وضحك ما أن نظرت له والاستياء لم يفارق عينيها بعد

ومدت يدها نحو الزهرة وسحبتها من مكانها بحركة غاضبة

وفتحت النافذة ورمتها منها فضحك وقال ونظره على

الطريق أمامه ويداه تدير المقود لينعطف

" أثمة من يقال عنها بأنها زهرة جميلة وتغضب ! "



نظرت ناحيته وقالت بضيق

" لما لا تصمت وتهتم بقيادتك "


ابتسم وقال وسيارتهما تدخل الطريق المفتوح مسرعة

" أمرك سيدتي "


وعلا رنين هاتفه فجأة فأخرجه من جيبه وأجاب قائلاً

" اجل يا آنسون "



وصله صوته سريعاً

" وجدت طلبك "

ابتسم وقال

" بهذه السرعة !! "



قال ذاك من فوره وبعد ضحكة صغيرة

" وما الصعب في وقتنا هذا ؟ زوج شقيقتي لديه صديق
يملك مكتباً للخدمات العامة والشقة في مبنى سكني مرموق
وأخبرته بأن الزبون لا يهتم للسعر "


وختم كلماته بضحكة عالية فضحك أيضاً وقال

" جيداً فعلت أرسل لي الموقع وسأكون هناك خلال
ساعة تقريباً "

*
*
*

همس نوح وعيناه المتسعة لم تفارق أبان

" ما هذا الذي يحدث هناك ؟ "



ونظر لشعيب الذي لم يبدي أي رد فعل أو ينظر له بينما

تولى عيسى المهمة عنه هامساً أيضاً وبكلمات مشدودة

" يخططون لشيء ما بالتأكيد "


خرج حينها شعيب عن صمته وقال بجمود

" الأمر بالنسبة لهم يختلف عنّا ، نحن لا علاقة
لنا بالسياسة "


حدق فيه نوح ببلاهة واستغراب بينما أومأ عيسى برأسه

مبتسماً وقد وصله معنى ما أشار له شقيقه فنقل نظره

ناحية أبان مجدداً وقرر الاستمتاع بالسماع فقط لأن شقيقه

ذاك قد أصاب عين الحقيقية وهو سبب تواجد أبان الرئيسي

وإن لم يكن الوحيد لأنه بدأ بهم أولاً كطبق مقبلات فقط قبل

البدئ في الوجبة الرئيسية لذلك وجه نظره لهم قبل أن يقول

" نحن هنا من أجل أمر لا أراه أهم مما يوجد بين يداي الآن
لكني سأوليه بعضاً من وقتك ووقت أشراف الجنوب "



وقال آخر كلماته وهو ينقل نظره بين عقبة وجمع المشايخ

الواقفين في الأسفل متجاهلاً شعيب وأشقائه بشكل متعمد

ورفع أحد الأوراق بيده موجهاً إياها نحوهم وقال بصوت

واضح ملأ المكان

" ما يعلمه الجميع هنا بأن ورقة الميثاق هذه عمرها خمسة
وثلاثون عاماً وكان الزعيم مطر حينها لم يبلغ الخامسة
عشر من عمره بعد والموقعون عليها هم والده وعمه
بينما الزواج والإنجاب حدث في صنوان وعلمه بالشيء
فيما بعد ما كان ليغير في الواقع شيئاً "


وأنزل يده بينما تابع بصوت واثق قوي

" والأهم من ذلك أننا هنا في قضاء أي إن احتكم الخصمان
له فكل ما سيفعله هو فتح ملف قضية للتحقيق في وجود
دجى الحالك على قيد الحياة أم لا ومن ثم تقديمه للمحاكمة
والحكم عليه أما قواعد وقوانين القبائل ليست من
اختصاصه وسيسقطها جميعها "



سكت عند آخر كلمة قالها ونظره موجه لشعيب تحديداً

والذي كان ينظر له بدوره وكأن هدفه تحول نحوه بينما

بدأت التمتمات من خلفه تعلو بين موافق ومتسائل وعلا

صوت أبان مجدداً وبعد أن ضرب بيده ضربات خفيفة

على طاولته

" الهدوء رجاءً حتى ينتهي ما لدي "


وكان لكلماته مفعول السحر وقد هدأ الجميع منصاعين فنظر

نحو عقبة الذي رفع كتفيه مبتسماً وكأنه يقول له أنا

أصبحت واحداً منهم هنا فبادله الابتسام قبل أن يقول وقد

عاد بنظره نحو شعيب وشقيقاه

" وفي حال تم إثبات أنه على قيد الحياة كل هذه الأعوام
التي لم يظهر فيها فلكم الحق في توكيل محامٍ والسير في
القضية بشكل قانوني ثم يدرس القضاء تهمة وحيدة موجهة
للزعيم مطر وهي التستر على مذنب هذا في حال تم إثبات
تستره عليه ومن هذا المنطلق سيكون لنا حق البحث في
السبب وراء جريمة القتل وسيقف دجى الحالك هنا أمام
القضاء حال وجوده حياً ليروي لنا تفاصيل الحادثة ولكل
طرف الحق في البحث عن الشهود والأدلة لجريمة قتل
عمرها تجاوز الثلاثين عاماً "




وعلت ابتسامة انتصار شفتيه وهو ينظر لهم من علياء

وكأنه يتحداهم لردها عليه ، وكان شعيب كما توقع وكما

علم عنه من الدقائق القليلة التي عرفه فيها يلتزم الصمت

كما الهدوء الغريب ولن يستغرب هذا منه فهو علم سريعاً

بأنه لا يشبه شقيقاه بل ولا يشبه أحداً منهم جميعهم فهو

يفكر أولاً ويخطط في صمت وبدهاء ويعلم من أين وكيف

يصيب هدفه وأتاه دليل ذلك حين حاول شقيقه أن يتحدث

معترضاً فأسكته بحركة من يده بينما لم تترك نظراته عيني

أبان وكأنها إشارة له ليتابع حديثه وكان ذاك ما زاد

دهشته وإن لم تظهر على ملامحه فهو توقع بالفعل أن

يحتج أغباهم ويكشف خبايا تلك الحادثة كدليل بيّن ضدهم

ولذلك قام بمنعه لأنه علم بأن لسان شقيقه ذاك سيزل دون

شعور ، وأقر في قرارة نفسه بأنه إن لم يكن رجلاً يُشهد

له بالشر والإجرام لكان بطلاً عظيماً يستحق لقب سيد

الجنوب ولهذا هو يراه ليس بالخصم الهين لمطر شاهين

وعليه اللعب معه بدهاء مماثل بل ويجب أن يتفوق عليه في

ذلك ليخرج من هذه الحرب رابحاً ولهذا يرى بأن مهمته

شديدة الصعوبة بالرغم من ثقته التامة في خاله ذاك وبأنه

أيضاً رجل يعرف كيف يضع عقله في المسار الصحيح لهذا

عليه فقط أن يستمر في الثقة به وأن يقوم بواجبه هنا فقط

ويترك الباقي له فلن يقدر عليها بشري غيره ، قال وهو

يشير برأسه ليد شعيب

" أما ما يخص الورقة في يديك وشيوخنا وأشرافنا مكانكم
في مجلس عائلة الشاهين ومناقشة هذا بما اقتضت به
الأعراف فما جعل الموقعين عليها يفعلون ذلك إلا نزاهتهم
وعدلهم ولن يظلمكم ابنهم وزعيمكم فيما هو حق لكم .. "



ورفع يده يفرد سبابته وخنصره وهو يتابع

" ولهذا أنتم أمام خيارين لا ثالث لهما إمّا الاحتكام للقضاء
بما ينص به وله علاقة تامة به أو مجلس شيوخ وفض
نزاع بما يرضيكم ويرضي الجميع "




وما أن انهى كلماته تلك أنزل يده مقبوضة ووضعها فوق

الأوراق على الطاولة أمامه ولم يترك له نوح المجال ليأخذ

نفساً وهو يصرخ بغضب محتج

" نحن نريد ما هو مو.. "


" أصمتتت "


كانت تلك صرخة شعيب وكلماته المسموعة الأولى منذ أن

اعتلى أبان المنصة فوجد الهواء السبيل لرئتيه المتشنجتان

واستطاع ان يهنئ نفسه أخيراً فما أراده وصل إليه ورد

فعل شعيب كان الدليل القاطع على أنه حوصر في مسار

ضيق واعتراف ضمني بأنه هزمهم أمام من حشدوهم

ليكونوا هنا بل وأمام الشعب عامة وقد أعاد القضية

لمسارها الصحيح فإمّا أن يمزق الورقة الموجودة بين يديه

ويترك القضاء ليحكم في الحادثة التي يعلمونها ويجهلها

غيرهم أو أن يتجه لمجلس الشيوخ والحكماء للوصول لحل

يرضيهم كطرف متضرر ومعتدى عليه ، قال ضارباً بيده

على الأوراق تحتها

" ننتقل الآن لما هو أهم وموجود هنا "



ونظر ناحية مطر ما أن أنهى كلماته تلك والذي كان ينظر له

أيضاً بالرغم من أنه لم يستطع قراءة أي شيء في تلك

العينان السوداء الحادة لكنه يفهم أمراً واحداً بأن هذه

المهزلة يجب أن تنتهي وليعلم الجميع ما كان خافياً عنهم

كل هذه الأعوام ، يعلم جيداً بأن كشف ما فيها سيضره

خارجياً لكنه سيعالج الأمر داخلياً وهو الأهم وبما أن شراع

صنوان توفي فقد سقط الشرط وتتالت الشروط بعده تباعاً

وبما أنه وكما يعرفه جيداً لا يسعى لحكم البلاد ولا خوض

الانتخابات فهو لن يهتم لما سيكون عليه رأي قادة الدول

العظمى ويفهم جيداً بأنه يهتم فقط لوضع البلاد وعدم

انزلاقها في حرب أهلية جديدة ولهذا على المحاكمة

الحقيقية أن تبدأ الآن .


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 10:41 PM   #18334

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

حين وصلت سيارته للمكان نظر برضا للمبنى السكني الضخم

والمؤلف من عدة طوابق واجهته زجاجية بالكامل ويأخذ

شكلاً مستطيلاً وتوقف بالسيارة أمام بابه الرئيسي وما أن

فتح بابه ونزل كان ثمة موظف أسرع لفتح باب زيزفون

قبل أن يتوجه نحوه فمد له مفتاح سيارته وقال

" إسمي هو وقاص سلطان "


ابتسم الشاب وبدأ يحاول تكرار الاسم ليحفظه فضحك وقال

" أتركه لدى قسم الاستعلامات سآخذه فيما بعد "


أومأ له مبتسماً وتوجه نحو السيارة من فوره بينما نظر

وقاص للواقفة قربه والتي كانت تنظر للباب الزجاجي الذي

انفتح آليا لخروج سيدة بثياب أنيقة منه تتحدث في هاتفها

فتحركت خطواته نحوه وتبعته هي من فورها ودخلا لصالة

استقبال واسعة بأرضية رخامية سوداء لامعة عند طرفها

الأيمن وضعت طاولة نصف دائرية تجلس خلفها ثلاث

فتيات في أماكن متفرقة وكل واحدة يوجد أمامها حاسوب

فتوجه نحو التي كانت متفرغة عكس رفيقتيها اللتان كانت

إحداهما تدون بيانات رجل ترافقه إمراه وطفلان والأخرى

تتحدث ضاحكة مع شاب يقف أمامها ، ما أن وصل إليها

نظر خلفه أولاً وحيث التي لم تتبعه نظراتها تنتقل في

المكان الذي لا يخلو من زائريه بعدم اهتمام وكأنها تفعل

ذلك لتمضية الوقت ليس إلا قبل أن يعود بنظره للتي كانت

تنتظره مبتسمة فأخرج لها بطاقته الشخصية ومدها

لها قائلاً

" يوجد حجز لشقة بإسمي هنا "


أخذتها منه ونظرت لاسمه فيها قبل أن تنظر لشاشة

حاسوبها وقالت وهي تعيدها له

" أجل سيدي عليك فقط التوقيع واستلام بطاقة الباب "



وناولته ورقة وقلم حبر فوقع أسفلها بعد نظرة سريعة

لأسطرها وناولها إياها وأخرج بطاقة وأعطاها إياها أيضاً

لأنه من شروط العقد دفع ثلاث أشهر مقدماً وهذا ما يضمن

به هؤلاء التجار حقهم لأنه ينظر بعين الحسرة لكل زبون

يصل ولا يجد شقة شاغرة لذلك عليك الإلتزام بالدفع إن

أتممت مدة السكن أم لم تفعل .


أعادت له بطاقته كما ناولته بطاقة أخرى معها

وقالت مبتسمة

" أتمنى لكم إقامة سعيدة لدينا وأي مشكلة تواجهك يمكنك
التواصل معنا من خلال الهاتف المخصص وسنرسل من
يقوم بحلها سريعاً "


شكرها وهو يأخذهما منها وقال وهو يدس بطاقته

المصرفية في جيب سترته الداخلي

" كم بطاقة لباب الشقة ؟ "


قالت من فورها والابتسامة اللبقة لا تغادر شفتيها

" اثنتان فقط سيدي واحدة معك الآن ويُمنع عنك الخروج
بها من هنا وتتركها لدينا وتستلمها كلما صعدت لشقتك ،
وفي حال أردت تركها لشخص يشاركك السكن مثلاً تترك
اسمه لدينا أما الثانية لا يتم تسليمها لأي أحد تستخدم
للحالات الطارئة فقط وبوجود رجال الأمن كنشوب حريق
في الشقة على سبيل المثال أو بطلب رسمي من الشرطة
فقط لغرض اقتحامها "



أخرج لها البطاقة الخاصة بعمله ومدها لها قائلاً

" أريد الأخرى أيضاً "


اخذتها منه ونظرت لها مطولاً وقبل أن تغادر كرسيها قائلة

" انتظر لحظة من فضلك "



وغادرت من هناك باتجاه الممر الوحيد في المكان وبدأت

الدقائق تمضي ونظره يراقب كل حين التي لازالت واقفة

مكانها حتى عادت التي ما أن جلست على كرسيها ناولته

بطاقته وبطاقة الباب الأخرى قائلة

" كان عليّا أخذ موافقة السيد كيران أولاً كما عليّا تدوين
اسم مستخدمها كي لا نسلمها لغيره ولا نستلمها إلا منه "




قال مباشرة

" سيكونان معي كلاهما "



ارتفع حاجباها باستغراب قبل أن تقول

" حسناً كما تشاء ونتمنى لك إقامة ممتعة "



شكرها وهو يدسهما في جيب سترته لأنه يعلم ما ستكون

ردة فعل جده ما أن يعلم كما القاتل الذي لازال يجهل هويته

حتى الآن ولن يطمئن وثمة بطاقة أخرى يمكن فتحه بها

وإن أغروهم ببعض المال لأخذها منهم .



كانت الشقة كما طلب تماماً وأراد أثاثها عصري له ألوان

مميزة ومتناسقة وإطلالة زجاجية على نهر التايمز والمباني

الجميلة المحيطة به حيث كانت تحتل الطابق الخامس .



انتقل نظره ناحية التي صعدت السلالم القصير الموجود

هناك يفصل الغرف عن الردهة الواسعة وراقبها حتى

اختفت عن ناظريه ويعلم بأنها تقصد الغرفة التي لن

تغادرها أبداً ، عاد بنظره الشارد حيث كان يمسك خصره

بيديه من تحت سترته المفتوحة وتفكيره منحسر حول

نقطة واحدة

( ما هي خطوته القادمة ؟ )



استسلم لمتاهات تلك الفكرة لوقت وقبل أن يخرج هاتفه من

جيب سترته وتوقف لثواني أمام الاسم الموجود في شاشته

حتى اتخذ قراره النهائي وضغط أيقونة الاتصال وما هي إلا

لحظات ووصله الصوت الرجولي الهادئ

" مرحباً يا وقاص "


قال مباشرة

" مرحباً أبي ... "



وتردد قليلاً قبل أن يتغلب على كل ذلك قائلاً

" ثمة ما عليّا إخبارك به وما عليك معرفته "


*
*
*

كان أول ما شعرت به يضايق نومها وهي تغادره التصلب

في عنقها الذي كان متيبساً بسبب سقوط رأسها جانباً لوقت

طويل في رحلة نوم عميق تمسك به جسدها المنهك درجة

أن لم يزعجها شيء فيه ! وما أن فتحت عيناها مضت

ثواني قصيرة كانت منفصلة فيها عن واقعها تماماً

لتستوعب أين هي الآن ولما تنام هكذا حتى جلب عقلها

اللحظات الأخيرة قبل نومها تباعاً واستوت في جلوسها

ونظرت باستغراب لباقة الزهور التي وضعتها سابقاً على

الكرسي المجاور وأصبحت الآن في حضنها !

نظرت سريعاً وبذهول للكرسي المجاور لها وللجسد الجالس

عليه والذي كان خالٍ تماماً وقت نومها وانطلاق طائرتهم

وانتقلت نظراتها المتسعة لوجهه وملامحه المسترخية

مغمض العينين يتكئ بكرسيه للخلف وتساءلت لما ترك

كرسي القيادة وينام بجوارها هنا !

أبعدت نظرها عن ملامحه محمرة الوجنتين توبخ نفسها

ورفعت شعرها وغرتها عن وجهها وتثاءبت مطولاً قبل أن

تنظر مصدومة للشاشة أمام كرسيه والتي كانت تُظهر خط

سير رحلتهم والطائرة التي بدأت تقترب من بلادهم فهل

نامت لكل هذا الوقت !!

عبست ملامحها ما أن أخبرها عقلها بأنه قد يكون موجوداً

هنا منذ انطلاق الطائرة ومؤكد طاقم القيادة أصروا على أن

يترك القيادة لمساعده ويكون بجوارها وهي كانت كالجثة

الميتة لا تعلم عمّا حولها شيئاً .



" متى كانت آخر مرة نمتِ فيها ؟ "


أجفلت مصدومة ونظرت نحو صاحب الكلمات المسترخية

الكسولة والذي لازال على وضعه السابق واكتشفت الآن

بأنه لم يكن نائماً بينما أضاعت هي الرحلة نائمة كالباندا !!

ومعه حق يسأل سؤالاً كهذا وما لا يعلمه بأنها لازالت
تشعر بالنعاس !



ما أن ارتفع جفناه أبعدت نظرها عنه لباقة الأزهار البيضاء

بين يديها واشتدت أصابعها عليها وابتسمت بصدق وهي

تقول بكلمات هادئة رقيقة

" شكراً على الحفل وعلى كل شيء كان رائعاً اليوم "


ابتسمت شفتاه ابتسامة أخفاها سريعاً بينما نظر لها بطرف

عينيه وتمتم ببرود

" كان عليك شكر أصدقائك "


ماتت ابتسامتها حينها ورمقته بطرف عينيها أيضاً تزم

شفتيها بحنق فهو لا يتركها تسعد بأي شيء في وجوده أو

يخصهما لكنها لن تصمت وتختبئ خلف غضبها الصامت

كالسابق فوالداها أصبحا خارج المعادلة الآن لذلك هاجمته

بالطريقة والنبرة ذاتها قائلة ببرود تنتظر أمامها

" لا أحد من أصدقائي يمكنه شراء فستان مماثل "


ارتسمت التسلية على ملامحه كما ابتسامته المائلة وكأن
ذاك ما ينتظره منها وقال ينظر لما يظهر له من ملامحها

" قد يكون هدية من مديرك "


اتسعت عيناها وكما توقعت لن يعترف أبداً بأي أمر إيجابي

يفعله من أجلها ، استدار رأسها نحوه هذه المرة

وقالت متملقة

" ولا هو يفعلها ولا لابنته نفسها "


فاجأها بأن علت ضحكته في المكان الذي لا يحوي سواهما

يرفع رأسه على مسند الكرسي خلفه حتى شردت عيناها في

ملامحه الضاحكة تبتسم ببلاهة ونظر لها ما أن انتهى من

ضحكه وقال

" قد يفعلها احتفالا بالتخلص منك "


كان دورها حينها ولم تستطع إمساك ضحكتها التي علت

رقيقة تشبهها في المكان وعادت لجلوسها السابق واتكأت

برأسها للأعلى أيضاً وارتسمت ابتسامة جميلة على

شفتيها وقالت

" منذ كنت طفلة وحلمي حفل زفاف رائع يتحدث
عنه الجميع "



كانت نظراته ملتصقة بملامحها وكأنه ينسخ صوراً لها في

عقله قبل قلبه وتسللت الابتسامة لملامحه ودون شعور ولا

استئذان ما أن اتسعت ابتسامتها الجميلة أكثر وقالت بينما

لازالت تنظر نحو الأعلى وكأنها انفصلت عن الحاضر تماماً

" كنت ألتصق بالتلفاز كلما رأيت حفل زفاف في أحد
المسلسلات حتى أنني قلت لأمي مرة بأنني أريد أن أكون
راهب في الكنيسة لأحضر جميع حفلات الزفاف "



واختفت ابتسامتها تدريجياً مع انتهاء كلماتها تلك وشردت


عيناها بشيء يشبه الحزن بسبب تناقض مستقبلها مع


أحلام طفولتها تلك .


" خالي مطر هو من رفض فكرة إقامة حفل كبير في لندن "

جعلتها كلماته الهادئة الرزينة تلك والتي خرجت دون تردد

ولا تفكير منه تتجمد مكانها للحظات وكأنها تحاول فهمها

واستيعابها كلٌ على حدى واستوت جالسة ما أن حدث ذلك

ونظرت ناحيته وهمست مصدومة


" لكن لماذا ؟! "


كتف ذراعيه لصدره ونظر للخارطة على الشاشة أمامه

وقال بشرود ونبرة غامضة

" بسبب الماضي وابن راكان "


كانت نظراتها المصدومة تزداد اتساعا وقالت ما أن

استطاعت فعل ذلك

" لكن .. ! ذلك الأمر مر عليه وقت طويل ومؤكد مات
ذاك الرجل منذ زمن "



نظر نحوها ولعينيها تحديداً وقال بجدية

" هذا تفكيري وتفكيرك أنتِ لكن مطر شاهين لا ، ولأنه لا
يغدر ولو كان عدوه وبما أنه لم يقتله بيديه فهو لم
ولن ينساه "


شعرت بالانقباض في قلبها وأخافها مجرد التفكير في الأمر

فذاك الرجل كان يرى بأن عائلة كنعان هم من باعوه لمطر

شاهين لذلك قتلهم كبيراً وصغيراً ومؤكد يعتقد بأنهم السبب

أيضاً في خسارته للحرب معه ولن ينسى هذا لهم إن كان

لازال على قيد الحياة ، لكن أيكون حياً بالفعل بعد كل هذه

الأعوام ؟!

أيعقل هذا أم هي مخاوف رجل الحروب فقط والذي لا يترك

شيئاً للصدف والتكهنات ؟


لم تستطع إبعاد نظراتها المتسائلة الحائرة عنه وإن كان لا

ينظر لها فهل وافق على هذا رغم اعتراض خاله

ومخاوفه ؟!

ولما يرفض الاعتراف بذلك وكأنه لا علم له به مثلها


تماماً ؟ هل يصعب عليه تجاوز جرح كرامته وما حدث

بينهما سابقاً لهذا الحد ؟

نظرت لعينيه وما أن رمقها بطرفهما وتمتم ببرود

" والآن سيتصدر حفل زفاف مطار مواقع التواصل جميعها
وسأتلقى توبيخاً معتبراً منه بسبب أحلام طفولتك السخيفة "

عادت ضحكتها لملأ المكان كما عادت نظراته للتحديق بها

وقالت ضاحكة

" لا أصدق بأنك لم تحسب حساباً لذلك "


ارتسمت الابتسامة على شفتيه وهو يعود بنظره للشاشة

أمامه وسبابته تتحرك عليها بينما كانت نظراتها هي

الملتصقة به حينها وشعرت بضربات قلبها تتعالى بتناغم

منتظم وهي تنظر لملامحه الرجولية بالغة الوسامة

والممتزجة بالجدية والاتزان وتمنت أن عبّرت عن شكرها

الحقيقيّ وامتنانها له وبأن حضنت ذراعه واتكأت برأسها

عليها وهي تخبره عن كل ذلك لكن الهوة العميقة بينهما

سبقت خجلها الفطري لمنعها عن فعل ذلك وتبعتها

ابتسامتها المحبة وهي تختفي تدريجياً ما أن تذكرت

حديثه السابق عن الفتاة التي يحبها وأراد الارتباط بها .


كان صوت المضيفة الذي اخترق صمت المكان حينها معلنة

عن نهاية رحلتهم واقتراب طائرتهم من مهبط مطار

العاصمة حوران ما أنقذها من الغوص أكثر في تلك الأفكار

ومن الألم الذي سيحطم قلبها وهي تتصوره يتخيلها

مكانها الآن ويقارن مشاعره في الحالتين لتكون الخاسر


بكل تأكيد .


ارتفعت نظراتها معه وهو يقف ويرفع قبعته ويضعها فوق

رأسه بينما غادر كرسيه قائلاً

" ستكون والدتي سعيدة بهذا فهي لا تعلم عن قدومك "


وكانت تلك هي الصاعقة التي اصطدمت بحاجز مشاعرها


وحولته لأشلاء وهي تراقبه من خلف الدموع التي أحرقت

زجاج عينيها فها هي تسقط عائدة لأرض الواقع ليتحطم

قلبها قبل أحلامها فهي ليست سوى واحدة من أمنيات

والدته وأمر يفعله من أجلها فقط .


*
*
*

أدار مقبض الباب ببطء وفتحه وابتسم بحزن ما أن وقع نظره

على الجالسة فوق سريرها تُقلب يدها ألبوم الصور الكبير

الموجود في حجرها والذي امتلأ بصور مراحل طفولتها

جميعها بينما كانت ملامحها أبعد ما يكون عن الاستمتاع

بتلك الذكريات الجميلة ولن يستغرب هذا بعدما حدث فهي

كانت المرة الأولى التي يتعامل فيها معها بتلك القسوة كما

هي الأولى التي تسجن فيها نفسها في غرفتها ليوم كامل

فهي كانت دائماً أقوى من أن يجعلها أي شيء تفعل ذلك ،

وإن حدث ووصلت لمرحلة الاستياء بسبب أحدهم تخرج

فقط .. تتنزه وتتسوق وترجع عند نهاية الرحلة

بمزاجها السابق .


لا ينكر بأنه من ساهم في تكوين شخصيتها لتكون هكذا

ورغم انتقادات زوجته الدائمة إلا أنه أصر على أن يربيها

لتكون سيدة نفسها صاحبة قراراتها والأهم أن لا تحتاجه

وتبكي تناديه إن تعرضت لأي أذى وهي طفلة فهو سافر

ودخل هذه البلاد مهاجراً وفاراً من بلاد الحرب وأول

شخص التقى به هنا حينها وكان عربي الأصل قدّم له

نصيحة واحدة

( تزوج بإنجليزية قبل أن يضيع مالك )

لكنه اتخذ قراراً مغايراً وعمل بدوام كامل حتى أصبح لديه

ثمن سكن مستقل ثم تزوج لكن ليس بامرأة تعطيه المال بل

بمن تحتاج له ولم يندم على قراره ذاك يوماً وهو الزواج

بمن كان لقاؤه الأول بها قرب محطة القطار تحمل بين يديها

طفلها الذي كان لا يتوقف عن البكاء بسبب الجوع واقتربت

منه حينها وطلبت منه أن يعطيها المال ثمن لرحلتها لتعود

لموطنها الأصلي وتعيده له بعد ذلك وحين سألها لما

اختارته هو من بين جميع الموجودين في المحطة الممتلئة

بالناس قالت عبارة لم ينساها أبداً

( رأيت في ملامحك رجلاً شريفاً لن يستغلني من أجل
ذلك المال )


وعلم حينها بأنها امرأة شريفة أيضاً وإن لم تكن مسلمة ،

امرأة ترفض بيع جسدها من أجل المال ومهما كانت تحتاجه

ولم تتخلى عن طفلها بالرغم من كل الصعوبات التي عانتها

في وجوده معها ، وكان أول ما فعله حينها أن أنفق كل ما

يملكه على طعام وحفاضات وملابس لطفلها وعلى استئجار

غرفة مؤقتة لهما لأنها لم تكن تملك رقماً لعائلتها هناك كما

كانت على خلاف مع والدتها بسبب زواجها من والد طفلها

الإنجليزي فوجد فيها الشخص الذي يشبهه ويكمله أيضاً ..

إمراه لم تنظر لعيوبه ولا ما ينقصه وأدهشه أن أعلنت

إسلامها فقط لرؤيتها لتعامله معها وذاك ما جعله يقرر

الارتباط بها ورزق منها بابنته الوحيدة .. الابنة التي كان

يريدها أن تقف دون أن تحتاج لمن تستند عليه لأنه رزق

بها في سن متأخرة ولا يعلم متى قد يحين أجله ويتركها

وحيدة في هذا العالم ، ليس لعدم ثقته في الخالق لكن الحياة

في هذه البلاد لا ترحم الرجال فكيف بامرأة ؟

وحتى إن عادت لموطنها هناك يتوقع جيداً ما سيواجهها

فيها وما مقدار تقبل عائلته هناك لها ، ولا ينكر بأنه واجه

صعوبات كثيرة معها مستقبلاً بسبب عنادها واستقلاليتها

لكنه لم يندم أيضاً لأنه أوصلها لما يريد لها أن تكون ولن

يخاف من تركها وحيدة في هذا العالم من دونه لأنها تعرف

جيداً كيف تقف في أوج سقوطها وتفعل ما تريد وما تراه

صواباً ومهما كانت المخاطر وتقتص ممن يظلم غيرها قبل

من يظلمها ، تعمل وتدرس وتمارس هواياتها المحببة في

ذات اليوم دون أي خلل يفسد إحداها وكانت ومنذ مراهقتها

تعلم الصواب من الخطأ وتتخذ قرارها فيه دون أن ترجع

لأحد لهذا تغاضى دائماً عن عيوب شخصيتها هذه ..

الشخصية التي محاولة تغييرها الآن معناه التحول لأخرى

أسوأ منها .


اقترب منها وجلس على طرف السرير مقابلاً لها ونظر

للصور التي كانت متوقفة عندها تنظر لها دون أن ترفع

رأسها ولا نظرها له رغم علمها بوجوده وكانت فيها في

سن السابعة ترتدي الملابس المخصصة لرياضة الكاراتيه

يزينها الحزام الأسود حول خصرها النحيل وشعرها الأشقر

مرفوع للأعلى في جديلة طويلة ينساب على ظهرها

بنعومة ونظرتها تنطق قوة وابتسامتها تحمل كل معاني

الثقة بالنفس حيث كانت تهزم جميع منافسيها من الفئة

العمرية المماثلة والأكبر بمرحلتين أيضاً .


امتدت يده له ورفعه من حجرها وقد أفلتته أصابعها دون

رفض أو مقاومة وإن لم يتغير وضعها ولم تنظر له وأغلقه

ووضعه جانباً وقال بهدوء ما أن عاد بنظره لها

" أعلم بأني مخطئ يا ساندرين وفعلت ما لم أفعله سابقاً
وما كنت أرفض مجرد التفكير في فعله لكن هذا لا يمنع
فكرة أنك تصرفتِ بشكل خاطئ ، وليس ما فعلتِه أعني بل
عدم إعلام أحد بذلك وفي أمر لا يخصك "



أنهى كلماته التي تبدلت للجدية عند آخرها وهي على حالها

لم تتحدث كما لم ترفع رأسها فتنهد نفساً عميقاً وقال

" ثمة سؤال واحد أريد جواباً له وأعرفك جيداً لا تكذبين "


وتبدلت لهجته للجدية وهو يتابع ونظره لم يفارق ما يظهر

له من ملامحها

" هل كانت ماريه تعلم وموافقة على هذا ؟ "


والنتيجة كانت ذاتها الصمت التام وكأنها تمثال امرأة جالسة
تتنفس فقال ببعض الضيق

" ما توقعته صحيح إذاً ؟ "


ارتفع رأسها حينها ونظرت لعينيه وقالت بضيق

" أكانت ستمانع بعدما فعله بها ! "


قال بضيق أشد ينظر لعينيها بقوة

" هل سألتها عن رأيها لتعلمي ممانعتها من عدمها ؟
وهل أخبرتك بما حدث وما السبب ؟ "


وكان ذاك ما زاد اشتعالها بل وما يُغضبها سماعه في كل

مرة فنفضت يدها قائلة باحتجاج غاضب

" هل يحتاج الأمر ذلك أبي ؟ أليس ما رأته عيناك يكفي ؟
أكنتَ .... "



قاطعها من قبل أن تقول ما يعرفه جيداً بل ويرفض أفكارها

الخاطئة عنه قائلاً بحزم

" ما كنت لأرضاها في حقك يا ساندرين وما كنت

لأصمت إن كنتِ مكانها "




وكما توقع كان رد فعلها أتساع عينيها المصدومة بغضب

فتابع من فوره وبجدية موضحاً

" وذلك لا يعني أنني أتخاذل ناحيتها لكن الأمر مختلف
ساندي وزوجها ووالده أقرب لها مني وإن كنت
عم والديها "




أشعلتها كلماته مجدداً وقالت برفض محتج

" وكيف يكون ذلك ؟! دماؤك التي تسري في عروقها
وتحمل ذات اسمك وليس العكس ! "

قال بجدية أقرب للحدة

" أجل لكن الزواج رباط مختلف وجعل الله له
ضوابط وحقوق "



شخرت بسخرية قبل أن تقول بضيق تشير بيدها للبعيد

" ومن ضمن تلك الضوابط والحقوق أن يتحكم بها
ويضربها متى شاء ويطردها للشارع منتصف الليل
بمنشفة الحمام ! "



قال محتجاً

" أنا لم أقل بأنه لم يخطئ لكننا لم نعلم ما حدث يا
ساندرين وما يجعل والده يقف في صفه ولا يتخذ
موقفاً منه "




قالت بعينين ذاهلة ولهجة رفض غاضب

" أتريد القول بأنها المخطئة وهو على حق ! "



قال بحدة ونفاذ صبر

" قلت لم نعلم بعد وثمة فرق بينهما لكن ما فعلتِه الآن
سيتسبب بمشاكل أكبر من المشكلة ذاتها وتعلمين جيداً
حساسية وضعهما كليهما يا ساندرين "



وكما توقع كان رد فعلها الصمت التام بينما كانت ملامحها

كما نظراتها واشتداد فكيها يدل على أمر واحد فقط

فقال بضيق

" أيمكنك إدراك خطئك والاعتراف به ؟ "


" أنا لم اخطئ .. "


قالتها مباشرة وبثقة كاملة وكلمات قوية وتابعت بجدية

وعناد على رأيها

" أليس من حق ماريه أن تكون امرأة مستقلة تمتلك
قراراتها ؟ "


علا صوته أكثر بينما يده تشير جانباً

" هكذا ساندي ! بهذه الطريقة ؟ "


وكان جوابها أيضاً سريعاً غاضباً ومحتجاً تحرك يدها

بعشوائية قائلة

" ماريه عاشت وتربت لم تعرف أحداً سواه وحتى حين
هاجر وتركها سجنت نفسها في مربع ضيق تنتظر قدومه
ليخرجها منه وهو يستغل ذلك ويصنع منها امرأة ضعيفة لا
يمكنها العيش من دونه أو مخالفة أوامره "




صرخ مجدداً وكأنه يبارزها في ذلك

" نحن لم نعش معهما لنحكم بهذا "



وكان مفعول صراخه الغاضب كالسابق أن صاحت

محتجة بضيق

" أيحتاج الأمر أبي ؟ كل ما حدث ولا نعلم ! "


قال مباشرة وبحزم

" أجل لا نعلم شيئاً فنحن رأينا النتائج فقط لكننا لم نصل
للأسباب بعد "


لاذ كلاهما بالصمت أخيراً وكأن كل واحد منهما يعطي نفسه

الفرصة لاستجماع أنفاسه الغاضبة وتهدئتها قليلاً قبل أن

تتحدث التي لم تسمح لعقلها بإطالة ذلك ليصل لمرحلة

تناسيه وسألته بلهجة جادة تنظر لعينيه وكأنها تنتظر

الجواب منهما قبل لسانه

" إن دخلت منزلك يوماً ما مطرودة ومهانة وأصابع ذاك
الرجل محفورة على وجهي أكنت ستنتظر لتعلم الأسباب
وإن كنت مخطئة في نظره أم لا ! "




قال مباشرة وواثقاً من كلمة يقولها

" وإن كنتِ أنتِ مكانها كنت سأنظر للأسباب أولاً كما
لن أسمح بأن يظلمك أبداً "



وما أن كانت ستتحدث ويتوقع جيداً ما ستقول سبقها

قائلاً بجدية

" ساندرين أسالتِ نفسك يوماً إن كانت ماريه معترضة
على نفسها وتريد أن تتغير ؟ "



وكالمتوقع أيضاً حدقت فيه بذهول وكأنها لم تتوقع سؤاله

ذاك أو لم تفكر فيه وتفاجأت به فتابع من فوره وبذات

نبرته الجادة

" ما تريدينه أنتِ أمر وما تريده هي أمر آخر فها أنتِ
ترفضين أن تكون لك شخصية مختلفة عن شخصيتك
وماريه لها الحق في هذا أيضاً "



تحرر لسانها أخيراً وقالت برفض محتج

" أنا لم أنتقد شخصيتها أبي لا تخلط الأمور "


قال سريعاً وباتهام حاد

" وما معنى ما تتحدثين عنه ؟ "


بررت بانفعال واضح تتهم غريمها أكثر من كونها تدافع

عن نفسها

" أنا قلت بأنه يحاول بلورتها كما يريد لأنها شخصية
مرنة لم تتعلم أبداً أن تكون غير ذلك "



قال بانفعال مشابه وسبابته تشير لها

" وهو ما فعلته أنتِ معها أيضاً فلما تلقين باللوم عليه ؟ "


" أنا ! "

همست بها مصدومة فقال بحزم ينظر بقوة لعينيها

" أجل أنتِ .. فهل سألتِ نفسك كم مرة حاولتِ فيها
إجبارها على ما تريدين وما ترينه الصواب وبأنه في
مصلحتها ودون أن تستمعي لرأيها ؟ "



قالت مدافعة عن رأيها بقوة

" لأنه كذلك بالفعل "
قال بحدة يواجهها بالحقيقة المُغيبة عن عقلها

" هو كذلك في نظرك أنتِ وفي تركيب شخصيتك لكنك لم
تسألي نفسك يوماً إن كانت هي راضية عن نفسها أم لا "



كانت ستتحدث وستحتج كما يعرفها ويفهمها جيداً فسبقها

قائلاً بجدية

" ساندرين نحن كبشر لم يخلقنا الله متساوون وإن أراد كل
شخص أن يجعل الجميع مثله لاختل توازن الطبيعة ، ماريه
لم تذكر أمامك يوماً بأنها تكره ما هي عليه أليس كذلك ؟
كما لن تحب نعتها بالضعيفة "



قالت سريعاً وبانفعال محتج تلوح بسبابتها جانباً

" هي ليست ضعيفة وأنا لم أقل هذا بل واجهت مواقف عدة
بقوة خفية أدهشتني بها لكن ما يفعله ذاك الرجل هو دفعها
لذلك وهي لا يمكنها فرض ما تريد ولا التعبير عن رأيها
وقول كلمة أنا أريد هذا فقط "



تنهد بضيق ونفاذ صبر فهي لم تتغير أبداً ولم تُعلمها الحياة

بعد معنى أن تترك مساحة لتقلباتها لتفرض عليها أحياناً

مالا تريده ولا يمكنها تقبل ذلك قبل الاعتراف به كما وتُعامل

غيرها قبل نفسها من ذات المنظور خاصة بعد انضمامها

السنوات الأخيرة لقسم الإغاثة التابع لمنظمة حقوقية ، قال

بكل ما يستطيع من هدوء مزج معه الجدية في كلماته

" ساندرين عليك أن تفهمي أمراً وجيداً أيضاً بأن المرأة
جزء من الرجل ليس أنا ولا أنتِ ولا أي بشر يمكنه فهم
وفك تعقيدات هذا الأمر ونحن لم نكن معهما في منزل واحد
لنحكم من هو المسيطر المتحكم ومن المُقاد فيهما وهل
لفتاة أخرى بغير شخصية ماريه الآن أن تنسجم مع تيم
كرجل أم لا "



لاذ بالصمت لبرهة يحاول أن يعطيها مساحة كافية

لتستوعب ما قال وما أن كانت ستتحدث رفع سبابته أمامها

في إشارة آمرة لتصمت بينما تابع بما يعلم جيداً بأنها

ستقوله الآن

" صحيح أننا شهدنا مواقف سيئة وقد جلبها إلى هنا سابقاً
وآثار صفعته واضحة على وجهها وأمرها أن تجمع ثيابها
وتغادر معه ولم يعترض أحد ثم المرة الأخيرة التي جاءت
فيها إلى هنا لكننا لم نعرف أبداً الأسباب ولما تغفر له
ماريه نفسها ! "



وكالمتوقع كانت كلماته تذهب أدراج الرياح وفهم ذلك

سريعاً من اتساع عينيها وقد قالت بذهول غاضب وسبابتها

تشير بعيداً

" أتصدق أبي أن فتاة كماريه يمكنها إيذاء أحدهم أو ارتكاب

الأخطاء في حق الغير ؟! لا وفي من تحب أكثر من
نفسها !! "




قال من فوره وبنبرة قوية حادة

" وإن يكن لن نحكم ونحن لا نعلم يا ساندرين "


وما أن كانت ستهاجمه بغضب اشتعل في عينيها قبل

كلماتها سبقها قائلاً بضيق

" ساندرين أنا أفهم جيداً ما تقصدين وما تريدين لماريه
وترين بأنه في صالحها لكن هذا تصرف خاطئ وهو يهدم
شخصيتها وليس يقومها "



وأنهى أي محاولة لها للعناد والدفاع عن رأيها أكثر من ذلك

قائلاً بحدة

" وانتهى الحديث في الأمر الآن لأن ما حدث لا يمكن
تغييره ولندعو الله فقط أن لا يكون في الأمر هلاكهما كلاهما
لأنك وضعتها في مصير مجهول بيديك وستكونين الملام
الوحيد ومن نفسك قبل الجميع حينها "



وكما توقع قفزت مجتازة عتبة لومها لنفسها أو اعترافها
بخطئها قائلة بضيق

" هذا كان سيحدث على أية حال لأنك سمعت جيداً ما كان
السيد غستوني يقول .. "



ومجدداً هاجمت من كانت تراه سبب كل ذلك متابعة بغضب

" وكنت أعلم بأن ذاك الكنعاني سيخرجها من البلاد إن علم
بذلك ويخفيها عنهم بأي طريقة كانت ليستمر في طمس
شخصيتها واستغلال مشاعرها "



وكانت هي من قاطعته هذه المرة ما أن كان سيتحدث قائلة

بجدية تنظر لعينيه

" أعلم بأن ماريه مختلفة عني وقد تكون فعلاً راضية عمّا
هي عليه وكل ما فعلتُه الآن أني أوصلتها حيث المكان الذي
تقرر فيه دون ضغوط ولا تحكم من أحد وإن أرادت العودة
له فلتفعل ذلك لكن ليس بأمر منه واستغلال لعاطفتها نحوه
بل بقرار منها "


وأنهت كلماتها تلك تزم شفتيها بقوة وكأن مجرد ذكر تلك

التفاصيل يشعرها بالغضب وأكد ذلك أنفاسها القوية الغاضبة

فوقف وغادر السرير وقال بحدة وتهديد يحرك سبابته

في وجهها

" عليك أنتِ أيضاً إذاً الالتزام بذلك وابتعدي عن حياتها
وقراراتها ساندرين وما حدث إن تكرر فلا أنتِ ابنتي
ولا أعرفك "


وغادر من فوره باب الغرفة الذي أغلقه بقوة خلفه وبعد أن

وجه تهديده الصريح نحوها لأن النقاش لا طائل منه معها

كما بات يُجزم وكانت النتيجة مجرد جدال عقيم وكأن كل

واحد منهما يدافع عن رأيه أكثر من كونه يحاول إقناع

الآخر به وترك نظراتها الحانقة ملتصقة بالباب المغلق قبل

أن تتحرر كلماتها الغاضبة وقالت بضيق وكأنها تراه بدل

الخشب المصقول أمامها

" ثمة يوم بالتأكيد لن تحتاج فيه لأحد ليقرر عنها وستقول كلمة لا لكم جميعاً "


*
*
*

" أنتِ ماريه هارون أم ماري دفسنت أم ماري مديتشي ؟ "


ابتسمت بمرارة بينما لمعت عيناها بالدموع ما أن همست

بتلك الكلمات تسأل صورتها في المرآة أمامها يزين جسدها

قماش الفستان الأحمر الطويل وتغطي خصلات شعرها البني

الناعم كتفاها بعد أن أصبحت مستعدة للعشاء الأول لها هنا

وفي العالم الجديد والغريب عنها والذي وجدت نفسها فجأة

مجبرة على التعايش والتأقلم معه .


نظرت لعينيها الحزينتين وتكرر السؤال ذاته والذي باتت

تشعر رويداً رويداً بأنها تفقد الجواب الأكيد له وبدأت تشعر

بالضياع وكأن هويتها الحقيقية تُسلب منها في محاولات

بائسة للتأقلم مع واقع لا يمت لماضيها بأي صلة وحارت

كيف يفعل الأخرون ذلك ؟ كيف عاش تيم ولأعوام طويلة

على أنه الفتى اليوناني تيموثي ! وكذلك والده وعم والدها

وحتى مطر شاهين نفسه ؟! كيف لهؤلاء أن يعيشوا

ويتأقلموا مع شخصيتان متناقضتان تماماً !


ارتفعت يدها المقبوضة لصدرها واشتدت أصابعها بقوة

تنظر للمعان الدموع في عينيها .. هي لا تستطيع فعل ذلك

مثلهم وتلك هي الحقيقة المخيفة القاسية وتشعر بالعجز

والحيرة والتشتت ..! عاجزة عن فعل أي شيء في عالم

الخطأ فيه معناه هلاك الكثيرين وهي أولهم كما أن تجنب

الخطأ معناه الوقوع في أخطاء أكبر منه حتى باتت تبحث

عن الصواب ولا تعلم أين تجده ! لأول مرة في حياتها

تواجه قراراً مصيرياً كهذا ويكون عليها مواجهته والاختيار

فيه وحيدة دون أن يتخذه غيرها نيابة عنها أو أن يقنعها

أحدهم بما يريد لتتبعه منصاعة فباتت كالعالق في الوحل لا

يمكنه الخروج ولا العودة وعليه أن يجد طريقة ما لتخليص

نفسه منه .


مسحت عيناها في حركة سريعة ونظرت ناحية الباب الذي

تكرر الطرق عليه لمرتين متتاليتين قبل أن يتحرك مقبضه

وينفتح فاشتدت يداها ببعضهما وقاومت باستماتة توترها

الذي باتت تراه مَرضياً مزعجاً وهي تنظر لوجه فاليريو

الباسم والذي تقدم نحو الداخل خطوة واحدة قائلاً

" آسف لم أسمع صوتك تأذنين فدخلت بفضاضة هكذا "



وأتبع كلماته بضحكة خفيفة فحاولت جاهدة رسم ابتسامة

صغيرة على شفتيها وقالت محرجة

" أنا من عليها الاعتذار فيبدو أنني تأخرت "



غابت الابتسامة من وجهه قبل أن يقول بهدوء ولباقة

" والدي لم ينزل لغرفة الطعام بعد أنا من أردت التحدث
معك لأني لن أكون هنا في وقت قريب "



رطبت شفتيها بلسانها في حركة لا إرادية وتعالت ضربات

قلبها وكأنها توقعت سلفاً عمّا يريد التحدث وذكرى لقائها به

ليلة البارحة تراودها مجدداً لكنه قال ما لم تتوقعه هكذا أبداً

خاصة مع نبرته المتضايقة

" تقابلت وتيم اليوم .. أو بالأحرى هو من فعل ذلك ولم

يكن اللقاء ودياً البتة "



وكانت كلماته تلك وما سمعته ما زاد وضع ضربات قلبها

سوءاً وقد تعالت معه أنفاسها تنظر لعينيه ممّا جعل يده

ترتفع لذراعها وأمسكها قائلاً بوجل

" مما أنتِ خائفة ماري فلا يمكنه إيذاؤك بعد الآن "



أبعدت نظرها عنه وهي تتراجع للخلف خطوة وقد تحررت

ذراعها من قبضته وقالت تنظر للفراغ بتشتت

" أنا لست خائفة وهو لم يؤذني "



وأغمضت عينيها تُنزل رأسها للأسفل ما أن قال

وبكلمات جادة

" متأكد من أنك تخفين الكثير ولأنه أمر يخصك لن أتحدث

عنه لكن كوني أكيدة بأن ماري دفسنت انتهت والموجودة

الآن هي ماري مديتشي فقط "



ابتسمت بمرارة عند نهاية كلماته تلك تكابد دموعها كي لا

تندفع ودون توقف فالتي انتهت هي ماريه هارون فقط ..

انتهت وللأبد كما يبدو ولا تملك شيئاً سوى النظر لها

بحسرة وهي تتلاشى وتموت ، ارتفع رأسها ونظرت له ما

أن وصلتها كلماته الجادة

" ثمة ما كنت أريد سؤالك عنه ماري "



شعرت بتوترها يزداد كما صوت ضربات قلبها التي باتت

تضرب في أذنيها وشعرت بالثواني القصيرة كأعوام حتى

قال أخيراً ورحمها

" هل اتفقتما سابقاً على خروجك من بريطانيا ؟ "



" ماذا ! "


همست بها مصدومة تنظر له بعينين متسعة حتى عجزت
عن قول المزيد من شدة ذهولها بينما قال هو متابعاً ما أن

فهم من رد فعلها جهلها بهذا

" هذا ما قاله وبأن مكانك خارج البلاد .. "


وقاطع نفسه فجأة وقال بضيق عائداً للنقطة السابقة

" يا إلهي كم هو شاب حاد الطباع ! أيظنك شيء من
ممتلكاته الخاصة ؟ "



كان يُعبر عن استيائه بعشوائية وضيق واضح بينما كانت

نظراتها المصدومة موجهة نحو الفراغ وكأنها تحاول إقناع

عقلها بذلك أو تصديقه فإلى أين ينوي إبعادها ؟!

يبدو أن عقابه لها لم ينتهي بعد وبالتأكيد لم يحدث ذلك

وعليها أن تبكي دماً لتدفع ثمن فعلتها تلك لكن أولاً يجب

أن تختفي من أمامه لأنه كما يبدو يرفض أن تجمعهما بلاد

واحدة معاً ، تعالت أنفاسها وامتلأت عيناها بالدموع حين

فقدت أي قدرة لها على منع ذلك وإن لم تسمح لها بمفارقة

رموشها بينما قال الذي عقد حاجبيه متسائلاً

" أكان يخطط لإعادتك لإيطاليا ؟ "



شعرت بكلماته كسكين حاد يخترق قلبها وحركت رأسها

بضياع ودون أن تنظر له هامسة ببحة

" لا أعلم "


كانت لا تعلم بالفعل فهو لا يمكنه إرسالها لعائلة ماري

بالتأكيد ولا إعادتها لموطنها لأنه أمر مستحيل حالياً بعد أن

أصبحت هنا وتواجدت معه ومع عائلة عم والدها كفتاة

إيطالية وقريبة لهما فما هو مخططه المستقبلي لها إذاً

والذي يفترض بأن لا تخالفه ولا تعترض عليه ؟

ارتفعت عيناها الدامعة ونظرت له ما أن قال ما لم يعد

يمكنه الصمت عنه أكثر

"لا أريد التدخل فعلياً ماري لكني أستغرب سبب كل هذا ! "



كانت نظراته المتضايقة كما حاجباه المعقودان وتغير مزاجه

الدائم الابتسام كما يبدو عليه دليل واضح على نيته التدخل

في الأمر وتعلم جيداً ما ستكون تبعات ذلك لذلك قالت وإن

بتوتر واضح

" أنا ... لقد ارتكبت خطئاً ما أغضبه بشدة "


وتبدلت نظراتها للحزن فجأة تشعر بمرارة قاسية في حلقها

فهي قالت الحقيقة وإن كانت ناقصة ومغايرة للواقع وهذا

أكثر ما يؤلمها ويمزق قلبها ، لكن ذلك لم يجعل مزاجه

يتغير وقد قال معلقاً باستياء

" جميعنا نخطئ ومن يعترف بخطئه كأنه لم يفعل شيئاً
فهل يبرر له هذا معاقبتك على طريقته ؟ "



هربت من نظراته تشد شفتيها بقوة وكأنها تمنعها من

الارتجاف باكية فهي لا يمكنها قول الحقيقة ولا الدفاع عنه

أو حتى عن نفسها ، ارتفعت نظراتها له ما أن أمسكت يداه

بكتفيها وقال بحزم ونظرات جادة

" اسمعي ماري أنتِ هنا لا أحد يقرر ما تريدين نيابة عنك
وعلى ذاك الفتى اليوناني معرفة هذا والاقتناع به وبما أنك
من قرر تركه والعيش معنا فلا يحق له فعل كل ما يفعل "



وتابع من فوره وباستياء واضح يبعد يديه عنها

" سمعت عنه الكثير سابقاً ومن قبل أن ألتقي به في منزل
الأميرال ولم أتوقع أبداً أن يكون عكس ما يُقال عنه ! "



ملأت الدموع عيناها المحدقة في الأرض بحزن بينما تابع

الذي لم يرحمها أبداً قائلاً بضيق وكأنه يحدث نفسه

" كيف لرجل الرصاصة الواحدة أن يكون ممن يفقدون

التحكم في انفعالاتهم هكذا ! ظننته كما قيل عنه جبل

جليدي لا يمكن لأحد صهره لكن ما رأيته اليوم لا ينطبق

على رجل الكولينيل جايروا الأول أبداً !! "



" المعذرة سيدي العشاء أصبح جاهزاً والسيد غستوني في
غرفة الطعام الآن "



كان ذاك صوت المرأة التي ظهرت عند الباب فجأة وأنهت

سيل كلماته المستاءة ورحمت التي تنفست الصعداء متمنية

أن حضنتها تعبيراً عن شكرها لإنهاء كل هذا بينما تولى

فاليريوا الأمر عنها قائلاً


" حسناً إيريكا .. شكراً لك "



فغادرت من فورها وبعد إنحنائه صغيرة من رأسها ونظره

يتبعها حتى اختفت ونظر حينها للتي كانت تنظر لكل شيء

حولها عداه بينما تكاد تُمزق بشرة يديها من كثرة شدها

لهما وقال ببعض الهدوء الممزوج بالجدية

" لازلت لا أريد لوالدي أن يعلم بكل هذا لأني أعرف
رد فعله جيداً "


رفعت نظرها لعينيه حينها وقالت بابتسامة ممتنة

" ولا أنا أريد ذلك "



ابتسمت ملامحه قبل شفتيه حينها وامتدت يده ليدها وأمسك

بأطراف أصابعها ورفعها لشفتيه وقبّلها قبل أن يقول

مبتسماً وهو ينظر لعينيها

" أنتِ فتاة مهذبة ورائعة ماري وبدأت أصدق الآن كل ما
كنتِ تكتبينه في رسائلك لوالدي "



وأنهى كلماته ويده تلامس ظهرها يسير بها خارج الغرفة

ولم ينتبه أو يرى الدهشة التي ارتسمت على ملامحها

وصدمتها بما قال وسمعت ! وبالكاد استطاعت رؤية عتبات

السلالم وهي تنزل معه بسبب ذهولها وتشتت أفكارها

وتذكرت فجأة حديث ساندرين عن ابنة خالتها ماري وبأنها

سبب الخلاف بين العائلتين فهل لهذا علاقة بالرسائل التي

تحدث عنها ؟ وما هو هذا الذي كتبته وكان يصعب عليه

تصديقه !



عندما وصلا غرفة الطعام كانت قد توصلت مع عقلها

المشتت الضائع لحقيقة واحدة أن تلك الفتاة ماري تحمل

الغازاً كثيرة لم يكشفها موتها ولا عودتها للحياة مجدداً

والله وحده يعلم متى سيحدث ذلك وما تبعاته عليها هي

قبل الجميع .


*
*
*


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 10:43 PM   #18335

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

بالرغم من أن الباب الموجود خلفها انفتح منذ وقت

كإجراء روتيني لخروج ركاب الدرجة الأولى أولاً إلا

أنها لم تغادر مكانها حتى كانت تسمع أصوات باقي


الركاب يغادرون من الباب المخصص لهم وكان نظرها

مركزاً على الحقيبة الورقية الكبيرة بقربها والتي

وضعت الفستان فيها سابقاً

وتساءلت إن كانت عائلة كعائلته ستهتم لأمر الاحتفاظ به

أو التفكير في الأموال التي دُفعت ثمناً له إن هي تركته

هنا أو في أي مكان وغادرت ؟

لكنها لا ترغب في هذا فعلاً فهو بات يعني لها أكثر من

ذلك بكثير ، وضعت باقة الأزهار معه تحاول دسها في

الكيس دون أن تتلفها ووضعته بجانب كيس الهدايا

ونظرت لحقيبتها الصغيرة وفتحتها وأخرجت قطعة الثياب

الوحيدة التي جلبتها معها لأنه كان عليها أن لا تأخذ

معها إلا أوراقها وجواز سفرها حسب أوامره .



أخرجت الحجاب الناعم بألوانه الهادئة الجميلة ولفته حول

شعرها ورأسها بإحكام وحركة بطيئة وكأنها تتلذذ بفعل

ذلك .. وهي كذلك بالفعل وما كان يمسكها عنه سوى

عيشهم في تلك البلاد وكل ما قد يواجهها وعائلتها

وعملها من صعوبات وتنمر إن هي لبسته ، تعلم بأنها

ليست حجة تتحجج بها لكنها أرادت دائماً العودة لبلادها

من أجل هذا في المقام الأول فهنا فقط يمكنها ممارسة

دينها دون أي ممانعة من أحد أو نظرات إزدراء .


وقفت بعدها ورفعت حقائبها ونظرت نحو المضيفة التي

كانت تقف عند الباب وخجلت من الابتسامة التي كانت

تهديها إياها بالرغم من أنها واقفة هنا منذ وقت تنتظرها

بالتأكيد لأنه يفترض بأنها أول من غادر من هنا وليس

آخرهم ولم تستطع كما يبدو تذكيرها بأن الطائرة توقفت

منذ وقت وبأنه لا أحد غيرها هنا .



توجهت نحوها واعتذرت منها مبتسمة وهي تغادر الطائرة

نحو الطابق الثاني من المطار بخطوات لم تتوقع أن تكون

بطيئة مترددة هكذا ! استخدمت المصعد الذي وجدت

مضيفة أخرى في انتظارها لتفتحه لها ببطاقتها الخاصة

وعلمت حينها بأنها تركت اثنتان في انتظارها وليس

واحدة .


وما أن انفتح الباب أمامها ووجدت نفسها في صالة

المسافرين ووقفت مكانها تنظر حولها بابتسامة واسعة

وكأن جميع الموجودين هناك كانوا في انتظارها !

وشعرت بقلبها يرتجف حماساً وسعادة بذاك المشهد، كانت

تحاول أن ترى وتسمع الجميع فهي لا تصدق بأن جميع

الموجودين حولها يتحدثون لغتها ولهجتها الأصلية التي

حرص والداها على تنميتها فيهما ومنذ الصغر ، لا تصدق

بأن جميع هذه الوجوه تنتمي لها دماؤهم واحدة والأرض

من تحت أقدامهم هي موطنهم جميعاً .. موطنها وبلادها

وغذاء روحها الذي لطالما شعرت بالحرمان منه وتمنت

عيش هذه اللحظة وتذوق لذتها .



كانت تبتسم في وجه كل من وقعت عينها عليه لايعنيها ما

سيفهم من سلوكها هذا وبماذا سيترجمه وكل ما يهمها أن

يوصل قلبها رسالته لهم وبأنها تحبهم جميعاً بعيوبهم

ومميزاتهم لأنها تنتمي لهم وتجرعت مرارة العيش في عالم

يفتقر لوجودهم بل ويحاربهم ويكرههم ، وبالرغم من كل ما

عانته عائلة والدها من إبادة جماعية على ترابه الذي

تشبعت به دماؤهم إلا أنها لا تلقي باللوم عليهم ولا تشعر

بالغضب لذلك بل بالفخر لأنهم قدموا أرواحهم وعائلاتهم من

أجل هذا الوطن .. من أجل وحدته وحريته وكرامته

وارتفاع رايته عالياً .


كانت تسير بينهم بحركة بطيئة بينما لازالت نظراتها تبحث

عن وجوههم جميعاً كما ابتسامتها الجميلة التي بدأت تأخذ

مفعول السحر على الأغلب وهم يبادلونها بمثيلة لها .



" إن انتهيتِ من توزيع الهدايا المجانية علينا المغادرة "


اختفت ابتسامتها تلك ونظرت نحو صاحب الكلمات الساخرة

الذي أصبح يقف بجانبها ولم تشعر به وكان لايزال بلباس

الطيران وأغضبتها التسلية التي رأتها في عينيه وشعرت

فقط بأنه يسخر منها فقالت متضايقة وإن بصوت منخفض

لأن الجميع بات ينظر نحوهم لوجود قائد الرحلة هنا

" أنت لم تعرف معنى أن تعيش خارج وطنك "


تبدلت ملامحه للجمود فجأة وقبل أن ترتسم ابتسامة جانبية

على طرف شفتيه وتمتم متجهماً

" وأنتِ لم تعرفي بعد تفكير الرجال المختلف هنا لذلك لا
أريد ضرب أحدهم لأنه يحاول إيصال رقم هاتفه لك "


حدقت فيه بذهول لتفكيره في تلك النتيجة وارتخت أصابعها

ما أن أمسكت يده بالحقيبتين الورقيتين الكبيرتين وحملها

عنها وسارت منصاعة ما أن لامست يده ظهرها يسير بها

نحو باب المطار الرئيسي مباشرة ، وسَرت قشعريرة قوية

على طول عمودها الفقري ما أن أدار رأسه بحركة شامخة

تشبهه وهمس قرب أذنها

" أنتِ أجمل بالحجاب "


شعرت بوجنتيها تشتعلان وقلبها قفز لحلقها ليس بسبب

كلماته تلك فقط لأنها تضعه عن اقتناع تام وليس لنيل رضا

أي أحد ولا هو نفسه بل بسبب يده التي ما أن تحركا وسط

جموع المسافرين رفعها لكتفها وأحاطت ذراعه بهما ممّا

جعل النظرات الفضولية تتحرك معهما ، ولم تستطع التنفس

بشكل طبيعي حتى أصبحا خارج المطار وحيث أضواء

الأعمدة القوية المنتشرة في كل مكان وحررها منه ورحمها

حينها بسبب السيارة التي وقفت أمامهما مباشرة وقد انفتح

بابها سريعاً ونزل منها شاب بزي سائقي المطار واقترب

منه ومد له مفتاحها قائلاً بابتسامة

" حمداً لله على السلامة سيدي "


شكره مبتسماً وهو يأخذه منه بينما تولى فتح الأبواب

لهما ، وما أن انطلقت السيارة مغادرة المطار للطريق

السريع المتسع بدأت بمسابقة الريح لقوة محركها ومهارة

سائقها ، ولأنه وكما عرفت عنه ويظهر واضحاً على

شخصيته صمته يفوق حديثه بمراحل كبيرة عمّ السيارة

سكون وهدوء مع فخامتها حتى كانت تشعر بها وكأنها

تطير مع الريح دون محرك ودون أن تلامس الأرض ولأن

كلماته الأخيرة لازالت تطرق قلبها وتخشى من زوال

مفعولها بسبب أي حديث آخر قد يزعجها غرقت في

الكرسي الجلدي وعادت لرحلة النوم التي يبدو لم

تنهيها بعد .


*
*
*

كان العشاء هادئاً كما يمكن تسميته وإن كانت في عالم أبعد

ما يكون عن ذلك لأن الضجيج في رأسها لم يتوقف أبداً

كما التفكير المتواصل في كل ما قال وسمعت منه وإن لم

يخبرها مفصلاً بما دار بينهما إلا أنها فهمت بأنه كان

غاضباً لانتقالها إلى هنا كما يرفضه ويعلم بأن هذا ما

سيقف عائقاً بينه وبين مخططه لإخراجها من البلاد ونفيها

بعيداً عنه ، وهذا ما يبدوا كانت ساندرين تتوقعه لذلك فعلت

كل هذا وأرسلتها إلى هنا ودون أن يعلم أحد ولا والديها ولا

حتى هي نفسها كي لا تعترض أو تمانع وبذلك تنتقل الحرب

بين مطر شاهين وبينه لأخرى بينه وبين ساندرين

وأصبحت هي كالكرة بينهم جميعاً كل واحد منهم يريد

تصويبها للمرمى الذي يريد أن يحقق به هدفه ولا أحد منهم

جميعاً فكر بها كمخلوق بشري له مشاعر وأحاسيس

وليس قطعة من حجر لا قلب له يشعر ويتألم مثلهم .


بعد العشاء الذي أجبرت نفسها مكرهة على تناول القليل

منه رغم روعة مذاقه والذي لم تشارك في الحديث القصير

الذي دار فيه بين فاليريوا ووالده ليس فقط لأنها لا تعرف

أصحاب الأسماء التي تحدثا عنها بل ولأنها لا تملك أدنى

رغبة في قول أي شيء ، وكان حينها عليهم الانتقال لغرفة

الموسيقى وشرب الشاي فيها وهو أحد طقوس سيد المكان

العديدة والتي لازال يتمسك بها وبقوة وعليها الانصياع

ليس لأنها مجبرة على ذلك فقط بل ولأنه صاحب المكان

الوحيد الذي يأويها حالياً كشخص آخر غير ماريه هارون

التي كانت بحاجة دائمة لنصائح وإرشادات وتوجيه الجميع

وسمعت هنا وللمرة الأولى في حياتها كلمة

( القرار لك وحدك )

وإن كان الحزن والتعاسة في قلبها أفسدا معناها لديها

ولأنها تعيشها كشخصية غير حقيقتها وإن استثنينا بأنه

رأي الابن فقط ولا تعلم حتى الآن إن كان لوالده رأي

مشابه أو بأنه نسخة جديدة عنهم .


كانت الموسيقى هادئة وجميلة أخذتها لعالم بعيد جداً عمّا

هي فيه وسافرت معها بعيداً لماضيها ولكل العقبات التي

مرت بها وعايشتها وحيدة وحتى الأمل الوحيد الذي عاشت

تنتظر تحققه والذي تيقنت بعد وصولها هنا بأنه ميت ومنذ

وقت طويل يسخر من تعلقها به ، وأخذتها دوامة أفكارها

الحزينة من واقعها درجة أنها لم تشعر بوقوف فاليريوا

والجالس قرب والده واستئذانه مغادراً لأن عليه النوم

والمغادرة صباحاً لنورثود ، ولم يجذبها لواقعها ذاك سوى

توقف صوت الموسيقى فجأة فرفعت نظرها للواقف قرب

الآلة الكلاسيكية التي كانت تنبعث منها وكان غاستوني

الذي قال بجدية ينظر لعينيها

" لا يبدو لي أنك سعيدة بتواجدك هنا ماري "


" لا مطلقاً "


قالتها سريعاً وهي تقف على طولها مندهشة من ملاحظته

أو بالأحرى خائفة من اكتشاف كذبتها وكابوسها الأول حالياً

والذي ستحتاج لوقت طويل لتتخلص منه وتعتاد كما يبدو .


ابتلعت ريقها بصعوبة تنتظر تعليق الذي قال أخيراً ولم

تتخلى ملامحه عن الجدية

" كنتِ صامتة طوال وقت العشاء كما أن كوب الشاي
أمامك أصبح بارداً ولم تشربي منه شيئاً ولم تشاركينا
الحديث بسبب شرودك الحزين طوال الوقت "



نظرت لا شعورياً لكوبها الذي لم ترفعه من مكانه كما قال

ونسيت أمره تماماً في رحلتها التعيسة تلك مع ماضيها ،

وما أن نظرت له مجدداً قالت بأدب وهدوء وإن كان قلبها

يكاد يُحطم أضلعها بسبب ضرباته المجنونة

" السبب ليس تواجدي هنا كن متأكداً عمي "


نظر لعينيها بصمت لبرهة شعرت بها سنوات طويلة بسبب

توترها تشد يديها ببعضهما بقوة لتخفي كل ذلك فيهما

ورحمها أخيراً وقد تحركت شفتاه الحازمة وقال

" ما السبب إذاً فأنا لا أريد رؤية حفيدة شقيقي
حزينة هكذا "


ترددت قليلاً بل وضاعت فيما يمكنها قوله والتبرير به

وهربت بنظراتها منه ما أن استطاع عقلها تصور الحقيقية

بما يمكنها التصريح به وقالت بحزن

" لقد مررت بأوقات صعبة سابقاً وأحتاج لبعض الوقت
لأكون بخير "



" حفيد اليونانيين ذاك تعنين ؟ "


ارتفع نظرها له سريعاً وما أن قال تلك الكلمات وبنبرة

متضايقة هذه المرة وقالت مباشرة

" لا .. أنا ... "


وبدأت تتلعثم وخشيت بأن يشك في أقوالها بسبب ذلك

خاصة وأنه يبدو صاحب ذكاء حاذ فقالت سريعاً موضحة

" أقصد قبل قدومي للندن "


لكن محاولتها تلك بآت بالفشل كما يبدو أو أنه لم يهتم لها

وهو يعود لذات كلامه السابق قائلاً بضيق

" ذاك المغرور المدلل لازلت مستاءً من فكرة أن يكون

وصياً عليك وبموافقة والدك سابقاً ولم أقتنع أبداً بكل

الأمور التي كنتِ تخبريني عنها وتخصه "



عادت للهرب من نظراته القوية الحازمة تنظر ليديها التي

احمرت مفاصلها من شدة ما كانت تفرغ كل ما تشعر به

وتكبته بها وعاد لها حديث ابنه الأخير عن خطاباتها

الماضية وما تحمله وتخفيه أيضاً وها هو أحدهما بات

يصدقها والآخر أصبح يكذبها ! رفعت نظرها له ما أن طال

صمته ينتظر تعليقها ورطبت شفتيها قبل أن تقول بحزن

حقيقي لا تمثيل فيه نطقت به عيناها قبل كلماتها

" أنا أريد أن أنسى فقط عمي .. أن أنسى كل شيء أصبح
من الماضي الآن "



وكان لكلماتها تلك مفعول السحر فعلياً حيث كان رد فعله

المبدئي أن أوما برأسه موافقاً بحركة خفيفة وتحرك من

مكانه أخيراً ناحية باب الغرفة المفتوح قائلاً

" علينا أن ننسى الماضي إذاً فأنا أيضاً أريد ذلك كما لن
أسمح له بأن يتكرر "



تبدل الحزن في عينيها لتشوش وهي تراقبه يبتعد ورأس

عصاه يضرب الأرض بحركة قوية من يده وآخر ما قال

وهو يجتاز الباب مغادراً

" عمتِ مساءً "



فتنفست الصعداء وسمح بذلك لأنفاسها أن تتحرر من

صدرها بدفعة قوية وتحركت من مكانها أيضاً مغادرة

باتجاه السلالم ولغرفتها مباشرة وكأنها ستحميها بجدرانها

من جميع الموجودين في ذاك المكان .


*
*
*

وصل باب غرفتها المغلق ووقف أمامه وتنهد بقلة حيلة قبل

أن يطرقه قائلاً

" زيزفون العشاء سيبرد لا تأخذي الدواء دون طعام "


والنتيجة كانت ذاتها الصمت التام فهي ومنذ وصولهما

دخلت الغرفة ولم تغادرها أبداً وهذه المرة الثانية التي

يطرق الباب ويخبرها عن العشاء الذي وصل منذ وقت ،

امتدت يده ببطء نحو مقبضه وتوقفت فور وصولها له

وقبض أصابعه قبل أن يبعدها وغادر من هناك معلناً

استسلامه ونزل السلم القصير الذي كان يفصل الغرف عن

بهو الشقة الواسع ونظره على طاولة الطعام والأطباق

الموزعة فوقها وشعر بأن رغبته في تناوله تبخرت أيضاً .

جلس عند أول أريكة وصل لها وأخرج هاتفه وأوصله

بالإنترنت ، استرخى على ظهرها المريح وكأنه سيستلقي

عليها ورفع قدمه على طرفها بينما أدار يده الحرة خلف

رأسه وبدأ يحاول إيجاد حل بمساعدة الشبكة العنكبوتية لما

لا خبرة مطلقاً له فيه ولا حل أمامه غيره فلا يمكنه الخروج

للأسواق الآن ويعلم جيداً رأيها إن طلب منها مرافقته

لذلك عليه إيجاد حل للأمر بنفسه .


دخل أحد المواقع الإلكترونية الخاصة ببيع الملابس النسائية

وتواصل مع البائعة وشرح لها طلبه كي لا يقضي الوقت

في البحث بين المنتجات المعروضة وإن كانوا يملكون

برنامجاً لتحديد طلباتك لكن الأمر أيضاً كان أصعب مما

يتوقع ، كانت الأمور تسير على ما يرام حتى توقف عند

سؤالها عن القياسات ووقف أمام جدار سميك جعله يشعر

بالإحباط فكيف سيعلم عن قياسها ؟

وانتهى الأمر بأن اقترحت عليه بأن تريه صوراً لعارضات

تخصهم وهو يحدد الوزن والجسد الأقرب لها ووجد أنه

الحل الأنسب .


اتسعت عيناه مصدوماً ما أن أرسلت له ثلاث صور لنساء

لا يغطي أجسادهن إلا الملابس الداخلية وهمس من بين

أسانانه بحنق

" ليس غريباً عنكم بالتأكيد "


اختار من اعتقد بأن لها الجسد الأقرب فهي ليست زوجته

أو عشيقة له كما تظن تلك البائعة بالتأكيد لكن لا حل

أمامه ، أنزل الصورة وكتب لها عليها

( هذه هي )


وصله ردها سريعاً

( اتفقنا .. سيكون طلبك لديك خلال ساعة واحدة )


تجمد أصبعه كما حواسه جميعها فجأة وحين شعر بحركة ما

خلفه واستدارت عيناه قبل رأسه مع التي خرجت من خلفه

وسقطت مقلتاه دون شعور منه على شاشة هاتفه مجدداً

والصورة والمحادثة التي كانت فيها وبحركة غبية لا

شعورية قلبه على فخذه وهو يستوي جالساً رغم علمه بأن

الحقيقة الواضحة لا تنفيها الأمنيات ولا حتى التوقعات .


كان ينظر لها بفضول وترقب بل وشعور كريه كرهه هو

نفسه بأن لا تكون لمحت أو رأت ذلك لكنها وكالمعتاد

نسفت جميع أمنياته بل وخانت حتى توقعاته بأن لا تعلق

على الأمر كعادتها حين جلست ونظرت للفراغ

متمتمه ببرود

" أهكذا يخدعونك بسلب الأموال منك ؟ "


وكانت تلك فرصته لتبرير موقفه وهو أفضل بالنسبة له من

صمتها واختزال تلك الفكرة الكارثية عنه أو أن يبرر هو

لنفسه دون تعليق منها ورغم ذلك خرج صوته متضايقاً

حين قال

" أما كان كافياً ما علمته عن وقاص حتى اللحظة ؟ "


نظرت له وقالت بابتسامة ساخرة متملقة

" عنيت بأن أمثالهم يبيعونك الثياب الغير مرغوبة لديهم

لأنك لا ترى البضاعة كاملة "


كان رد فعله المبدئي نظرة مصدومة دامت لجزء من الثانية

فقط قبل أن يرتفع رأسه عالياً مع ارتفاع ضحكته التي لم

يستطع التحكم بها ويعترف بأنه يضحك على غبائه

وتسرعه ، قال ما أن انتهى من ضحكه وقد عاد ونظر لها

" أنتِ لا يمكن التغلب عليك مطلقاً "


تبدلت نظرتها للجمود وكتفت ذراعيها لصدرها وقالت ببرود

" بل أنت من يتصرف كالأغلب .. إنها عيوب حمقاء
في البشرية "


كان يعلم بأنها تقصد التسرع في الحكم والخوف المتسرع

من ردود أفعال من يهمنا أمرهم درجة أن لا نفكر بشكل

سوي ونحكم على أفكارهم من منطق مشاعرنا نحوهم

لذلك قال بهدوء

" إنها طبيعة البشر فعلاً ولا يمكن وصفها بالغباء "


وأتاه الدليل الفعلي لذلك حين نظرت لعينيه تحديداً

قائلة ببرود

" وتحكيم المشاعر الإنسانية يجعل من الشخص
عدواً لعقله "



كان يعلم بأنها تقصده بل ونقاشهما في المطعم اليوم تحديداً

لذلك أكمل نظريتها سريعاً وقد قال ببرود مماثل

" أو سيكون بلا قلب "

كان يحاربها في أرضها ومن ذات منظورها لذلك لم يتوقع

منها الرحمة أبداً ، وكانت كذلك بالفعل وقد أهدته ابتسامة

ساخرة كرصاصة توجهها نحوه في كل موقف مشابه وقالت

" من الغريب أن يقول هذا من وصل لمركز مدعي عام
وفي هذا السن "


لم يستغرب هذا منها بالطبع كما اعتاده وألفته نفسه لذلك

عاد وهاجمها بالسلاح نفسه قائلاً بجمود

" لم أتخلى عن إنسانيتي يوماً كما لم أفشل أبداً "


أبعدت نظرها عنه وكأنها تختلي بمشاعرها ونظرت ناحية

الواجهة الزجاجية بعيداً وأنوار ناطحات السحاب العالية

وقالت بعد صمت لحظة وبجمود بينما بدت وكأنها

تخاطب نفسها

" وإن كنت ناجحاً فهذا لا ينفي بأنك ضعيف أمام مشاعرك
ولهذا ترفض القضايا المتعلقة بالأقربين لك "



ولاذت بالصمت للحظة أخرى شعر فيها بالمعنى الفعلي

لتأثير كلماتها تلك عليه قبل أن تتابع بنبرة جوفاء لا تعبير

فيها بينما لازالت نظراتها شاردة هناك

" أمثالك يواجهون صدمات عنيفة من المقربين لهم نهاية
الأمر أو حين يتمردون على سلوكهم المعتاد ولن
يُقدر لك أحد ذلك "



ابتسم بحزن وهو ينظر لما يظهر له من ملامحها فقد كانت

وكأنها معه في كل ما حدث له مؤخراً وصدمته الفعلية بعدم

تقبل عائلته لسلوكه الجديد حين قرر التمرد على طباعه

القديمة ! ورغم ذلك قال وكأنه يتلذذ بمناقشاتهما

ومهما كانت

" وما علاقة هذا بالمشاعر الإنسانية ؟ "


ابتسمت بسخرية وتمتمت ونظرها لازال هناك

" ستموت تباعاً "


قال سريعاً ونظر لم يفارقها

" لن يحدث ذلك أبداً "


استدار رأسها نحوه حينها ونظرت له بعينين مشوشة بشكل

واضح وكأنها حوصرت وسط فكرة لبرهة من الزمن لكنها

سرعان ما عادت لطبيعتها وقالت بجمود

" ستعيش غريباً وتموت وحيداً إذاً "



انقبضت أصابعه لا شعورياً ولا يعلم لما شعر بألم خفي

حينها وكأنه استشعر بأنها كانت تتحدث عن نفسها وآلمه

مجرد التفكير في الأمر وإن كان مجرد ظنون وخيالات في

عقله وقال بكل ما يستطيع لجعل صوته يبدو طبيعياً وهادئاً

" نحن بحاجة لمن حولنا يا زيزفون عليك تغيير أفكارك
لأنها خاطئة ، ومشاعرك نحو شقيقك أكبر مثال "



" لا ليست كذلك "


قالتها بكلمات مندفعة قوية وأنفاسها بدأت تعبر عن غضبها

المكبوت حتى الآن كما يبدو لكن ذلك لم يوقفه بل قال

وبإصرار ينظر بقوة لعينيها

" ماذا إن واجهك يوماً برأي مخالف لاعتقادك ووصفك
بأنك بلا قلب ولا مشاعر ؟ "


اتسعت عيناها وكأنها لم تتدارك صدمتها لتتحكم في

مشاعرها كالمعتاد ، ولم يترك لها فرصة التقوقع على

نفسها مجدداً وقد تابع من فوره وبنبرة جادة

" هل ستعترفين بذلك حينها ؟ "


وكما توقع فقد اشتعلت الزرقة الجميلة في عينيها لتتحول

لشهب غامقة بينما خرجت الكلمات منها مندفعة

بحزم رافض

" لن يحدث ذلك لأنه يعلم جيداً عن حجم المعاناة التي
طالتنا جميعنا وهو أيضاً ولأعوام "



كان يعلم بأنه يسير في أرض ملغمة ويخاطر مجدداً وبأن

موقف المطعم صباحاً يتكرر وبطريقة أسوأ لكنه لن يتراجع

وعليها أن تواجه عيوبها وإن رفضها عقلها فليس لديها

مكان تهرب إليه منه الآن فأعاد مجدداً وبكلمات قوية

وإصرار عنيد ينظر لعينيها

" وإن حدث ذلك يا زيزفون ؟ "



وخانت جميع توقعاته حين صرخت بانفعال غاضب

" إن فعلها فهو ليس شقيقي ولا أعرفه ولن أعترف به "



لا ينكر بأنه شعر بخيبة أمل حطمت قلبه حينها وبأنها خانت

توقعاته بكلماتها الأخيرة فهل يتغلب الحقد في قلبها حتى

على حبها لشقيقها ! هل وصلت لهذه المرحلة بالفعل ؟

وتذكر فجأة كلمات جده سابقاً عن أنها امرأة ميتة خاوية

وجسد بلا روح تغذيه أحقاده فقط ومن دونها لا يستمر

ويموت وازداد شعوره بالألم فخرجت الكلمات دون استئذان

منه بينما بدت نبرته تعيسة مخذولة

" أنتِ لا تقسين على نفسك فقط بهذا "


طال صمته بعدها كما نظراتها التي لم تفارق عينيه وتمنى

أن تسلل منها لعقلها وعلم ما كانت تفكر فيه حينها ، ولأول

مرة في حياته يشعر بالعجز عن فهم امرأة ! بل هي أول

امرأة يعجز عن فهمها المطلق بالمعنى الأصح فهي عبارة

عن لغز يسير على الأرض يصعب عليه التكهن بأي رد

فعل لها أو فهم أي معنى تخفيه خلف تصرفاتها وكلماتها

وتسائل هل هي بالفعل كما قال جده تستغله للوصول

لأهدافها لذلك باتت ردود أفعالها وتصرفاتها تتناقض معه ؟

لكن لما ستفعل هذا وهي ليست من ذاك النوع من

الشخصيات المريضة بحب الذات !

عاد به عقله لنقطة البداية تلقائياً حين وصل به لطريق

مسدود وقال بابتسامة دمجت السخرية والمرارة معاً

ونبرة عميقة

" مؤكد لم تعرفي يوماً شعور الرفض وقسوته "


لم يتوقع أبداً أن يقول هذا ويعترف لنفسه بذلك فيبدو أن

اليأس والإحباط يوصلان الإنسان لمرحلة ألامبالاة وعدم

توقع النتائج وتجنبها !

لكنه لم يندم أيضاً لأن كبته المستمر يؤذيه أيضاً وبطريقة

أكثر قسوة ، وتبدلت مشاعره سريعاً للترقب الفضولي حول

رد فعلها وتعليقها حتى تغلبت على كل ذلك وفاجأته ككل

مرة حين قالت ببرود بينما كانت تنظر لعينيه بمكر أنثوي

"هل الأمر ممتع في رأيك ؟مؤكد كانت لك تجارب مماثلة "



لم يستطع كتم الضحكة الصغيرة التي افلتت منه وإن كان

أخفض رأسه حينها يغرس أصابع يده في خصلات مقدمة

شعره فلازال يتمنى أن يتوقع وإن لمرة واحدة هجومها

المميت أو رد فعلها وها هي عادت واتخذت وضعية التلذذ

بمحاصرة خصمها في زاوية ضيقة ولن يسمح لها مطلقاً

بهزيمته هذه المرة ، دفع أصابعه للخلف خلال خصلات

شعره الناعمة وصولاً لقفا عنقه وهو يرفع رأسه بينما

ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتيه وقال

" نعم لكني لم أشعر بالتسلية يوماً وأنا أرفض إحداهن ،
تمنيت فقط أن كان من الممكن توجيه المشاعر
للمنحى السليم "



وكان هجومه مباشراً بل وقوياً ضدها وهو يعكسه عليها

ويضعها في مكانه بحيث أنها تتمنى لو كان بإمكانها نسيان

أحقادها وتوجيه مشاعرها بشكل صحيح لتحبه ، وتوقع أن

تتهرب من ذلك بمهاجمته وذاك ما فعلته بالفعل وهي تهديه

ابتسامة مشابهة لابتسامته تلك قائلة

" أتعني بأنك تمنيت أن أحببت المدعوة إلينا بدلاً
من زوجتك تلك ؟ "


كانت الضربة أقسى مما كان يتوقع جعلت ملامحه تتخذ

وضع الرفض سريعاً ودون شعور منه مما جعل ابتسامة

النصر ترتسم بوضوح على شفتيها وذاك ما جعل كلماته

تخرج مستاءة حينها وهو يقول

" نحن نضع الأمثلة عن كلينا "


كلماته تلك جعلت ملامحها أيضاً تتخذ وضعية أخرى وهي

الجمود التام بادئ الأمر وهذا كان معاكس لتوقعه بأن

تستمتع بانتصارها عليه بل وخرجت كلماتها متضايقة

وبشدة حين قالت

" بل رأيك يعبر عن نفسك فقط "



اتخذ هو وضع المنتصر حينها وهو ما ظهر على ملامحه

وابتسامته ونصب ساقه الأيمن على ركبته وأمسك قدمه

بيده اليسرى وقال بمكر ينظر لعينيها

" ظننت بأن الأمثلة توافق جميع الحالات المشابهة "


وكان ذاك ما جعلها تقف على طولها تشد قبضتيها بجانب

جسدها بقوة وإن كانت ترسم على وجهها قناع قوي من

الجمود وهو المتوقع منها بالنسبة له ، ولأنه السبب فيه

كان عليه توقع أي عقاب من طرفها لأنه يتهمها وعلانية

بأنها تحارب مشاعرها وتحاول إخفائها بقتلها ، وكان له

ما توقع بالفعل وقد قالت وبكلمات باردة كالجليد

" أرى بأن موت شقيقك رفع الكثير من القيود عنك ! أم
نسيت بأنني في فترة حداد كما تقول ؟ "



جعلته كلماتها تلك يصمت تماماً وإن كانت الابتسامة

المرتسمة على شفتيه وهو يراقبها وقد تحركت خطواتها

على الفور مجتازة المكان الذي يجلس فيه لم تنم عن

هزيمة ولا الشعور بالضيق وذاك ما جعله يرفض انتهاء

الحرب بالطريقة الاعتيادية لتكون الضربة الأخيرة لها لذلك

همس وهو يدير نصف وجهه نحوها ما أن كانت في خط

مستقيم يفصلهما في سيرها

" جبانة "


وكما توقع توقفت خطواتها فجأة ونظرت نحوه نظرة كفيلة

بقتله بسبب حدتها بالرغم من أن كلماتها خرجت جامدة

جمود الصخر حين قالت

" لحسن حظك أني لست في مزاج سيء لكنت أنت من
سيدفع ثمن هذه الكلمة "



ارتفع حاجباه مبتسماً وأمال رأسه نحوها متمتماً

" وبماذا ؟ "


ابتسمت بسخرية متمتمه أيضاً

" بالندم المميت بسبب تأنيب الضمير صباحاً "



قالت ما لديها وتابعت طريقها دون أن تهتم بما فعلته

بضحيتها بينما لم تستطع عيناه المفتوحتان على اتساعهما

إبداء أي رد فعل آخر سوى من مقلتاه اللتان مالتا قليلاً حين

سمع صوت الكرسي يتحرك من خلفه عند طاولة الطعام أما

باقي جسده كما حواسه كانت ما تزال في شللها المؤقت وقد

تذكر فجأة قبلتها تلك وجُرأتها لفعلها دون تردد فهل كانت

تعني أنها ... ؟

هل يدفعها العناد والإنتقام منه لفعلها ... !!



وبينما كان يسمع صوت ملعقتها المنتظم خلفه لأكلها بشكل

هادئ تماماً كان قلبه كما عقله يصرخان بصخب مرعب

وكأن كل واحد منهما سينفجر قبل الآخر ، ولم يشعر

بالارتخاء في عضلاته إلا حين سمع صوت خطواتها تصعد

عتبات السلالم بعد وقت قصير ، حينها فقط تحررت أطرافه

كما أنفاسه المتشنجة ووقف على طوله ونظر نحو طاولة

الطعام ثم للمكان الذي اختفت منه واشتدت شفتاه مع تغضن

جبينه بحنق ، سرق نظره شاشة هاتفه التي أضاءت فجأة

لأنه كان يضعه على الوضع الصامت وكان الرقم يخص ذاك

المتجر الإلكتروني فتأفف غضباً من نفسه ورفعه وأجاب

من فوره قائلاً

" ليس الليلة أرسلوهم في الغد "


وأنهى المكالمة من فوره ورمى هاتفه مكانه هامساً من

بين أسنانه

" يالها من هزيمة نكراء "


تحرك بعدها باتجاه السلالم وصعد أيضاً ووجهته الباب

المجاور لغرفتها ووجد نفسه ودون شعور منه يسير

بخطوات سريعة وكأنه يفر من الباب الذي يفصلها عنه !!



لكن مخاوف عقله الباطن تحققت بالفعل وتوقفت خطواته

حين فُتح فجأة وبشق الأنفس تمكن من التغلب على

تشنجات ملامحه كي لا تُظهر ما يحدث داخله وكي لا يظهر

بمظهر الجبان الخائف من تهديدها ذاك بالرغم من أن شعر

جسده بأكمله وقف حينها بينما كانت هي فوق هدوئها ألا

مبالي زاده صوتها البارد حين قالت

" هل ستغادر صباحاً ؟ "

همس دون شعور منه

" لا "


قالت من فورها وبجمود

" ذلك أفضل "


وضربت الباب بقوة في وجهه ما أن أنهت كلماتها تلك فشد

على أسنانه وتحرك بخطوات غاضبة نحو الغرفة الأخرى

ودخلها وضرب بابها أيضاً ووقف يداه في وسطه ونظر

حوله يبحث عن باب الحمام لأنه يدخلها للمرة الأولى ، وما

أن تحركت خطواته نحوه توقف فجأة ونظر لباب الغرفة

وتغيرت وجهته نحوه وأغلقه بإدارة مقبضه الذي يعمل

كمفتاح أيضاً وعاد نحو السرير وهو ينزع قميصه بحركة

غاضبة يتهرب من التفكير في سبب ذلك وبأنه لا يثق في

جنونها كما لا يثق في نفسه التي لن تصمد أماما بالتأكيد ،

رمى القميص بحركة غاضبة من يده وتوجه نحو

الحمام متمتماً

" تباً للنساء "


*
*
*


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 10:46 PM   #18336

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*


" كنانة "


اخترق صوته الرجولي الهادئ السواد الذي كان يغلف

عقلها قبل حواسها وهو ما جعلها تفتح عينيها ببطء قبل أن

تجلس بحركة واحدة ونظرت لنافذتها مندهشة حين اكتشفت

بأن السيارة تقف أمام منزل مرتفع تحيطه الأضواء وكأنها

نجوم ملتصقة بجدرانه الجيرية الجميلة وعلمت حينها بأن

رحلتهما وصلت لنهايتها !


وما أن سمعت بابه يُفتح فتحت بابها أيضاً ووقفت خارج

السيارة وارتفع نظرها لا شعورياً للبناء الذي أصبح أكثر

وضوحاً الآن وحدقت فيه بإعجاب ، سبق وأن رأت منازل

ومباني كثيرة رائعة ونادرة بحكم عيشها في تلك البلاد

لكنها لم تكن تتخيل أن ترى مثيلاً لها هنا بالرغم من علمها

المسبق عن ثروة عائلتهم كمالكي لسلسلة مصانع أغذية

وأسواق تجارية موزعة في البلاد بأكملها ، هذا غير

الاستثمارات الأخرى حتى كانوا من رواد الصناعة في البلاد

، هي لم ترى العاصمة حوران من الداخل فهل الحميراء هنا

مدينة كبرى مثلها ؟ لم يترك لها نومها المرضي فرصة

لمعرفة ذلك حين دخلتها سيارته لكانت تمتعت بالنظر لها

على الأقل وإن كان الوقت ليلاً .


سارت خطواتها خلفه ما أن توجه ناحية عتبات الباب

المرتفعة وفي صمت تام يشبه المكان حولهما لتأخر الوقت

الذي قارب منتصف الليل وكانت تظن بأن الصمت في

الداخل سيكون مشابهاً لخارجه حتى تجاوزا باب المنزل

وتفاجأت برؤية الواقفة هناك في انتظارهما أو في انتظار

ابنها بمعنى أدق ومؤكد تعلم سلفاً بوقت وصوله لأن

الابتسامة المحبة الصادقة التي كانت توجهها نحوه وفور

دخوله تبدلت فجأة للدهشة وما أن دخلت هي ورأتها تلاها

الاستغراب وهي تنقل نظرها بينهما فشعرت بتوتر غريب

ينتابها فجأة فهي كانت تفكر فعلياً في لحظة لقائها بها ،

وبالرغم من أنها من اختارتها لابنها وموافقة على وجودها

هنا إلا أنها كانت تفكر دائماً وتحتار في نوع هذه المرأة

التي قررت وأملت أوامرها عليه ودون نقاش ؟ فهي لا

تذكرها حين التقت بها سابقاً ورأتها فقد رأت الكثيرات في

تلك الأمسية من نساء مجتمع وحقوقيات ومقيمين هناك

ولم تستطع أبداً تذكر ملامحها وأيقنت الآن بأنها لم تراها

حينها ، ومؤكد لم تراها فهذا الوجه لا يُنسى أبداً .


كانت ضربات قلبها تتعالى تدريجياً بينما كانت نظرات

جوزاء تزداد حدة وهي تستقر أخيراً على عيني ابنها

والذي أدار عينيه عالياً بحركة بطيئة قبل أن ينظر لها

متمتماً ببرود

" قولي حمداً لله على السلامة على الأقل أمي "


وكما توقع بادرت بالهجوم وكأنه ضغط زر التشغيل

المتوقف مؤقتاً عن العمل وقالت بحدة

" لما لم تخبرني يا غيهم ؟ "


كان حاجباها معقودان بشدة كما نظراتها المشتعلة وذاك

ما جعل الواقفة خلفه تنكمش على نفسها وإن لم تتحرك

أطرافها وتمنت أن فرت هاربة من الباب وراءها كطفلة

خرقاء ولا تفهم لما ينتابها هذا النوع من الشعور حيالها !!

هل أفكارها السابقة عنها هي السبب ؟! أمّا الواقف أمامها

فوضعه كان مختلف تماماً ولم تكن تعلم بأن صمته حينها

مجرد نوع من التجاهل الرجولي الفطري لحديث النساء

وليس ضعفاً منه بينما لم تنتظر جوزاء أكثر من ذلك وقد

قالت بضيق ولازالت تنظر لعينيه

" أهكذا يتم استقبال عروس ؟ وفي هذا الوقت ؟! "


عبارتها تلك جعلت عينا كنانة تتسع بشكل فعلي تحدق فيها

بذهول ولحسن حظها أنها كانت لا تراها فهي لم تتوقع أبداً

أن يكون هذا هو السبب وراء غضبها منه !!

أتغضب وتعترض من أجلها هي ؟!

ظنت بأنها مستاءة فقط لأنها لم تكن تعلم ولم يأخذ رأيها

في الأمر أولاً !

انحرف نظرها نحو زوجها هذه المرة والذي دس يديه في

جيبي بنطلونه وقال بتملق ونظره لم يفارق العينان السوداء

المحدقتان فيه بحنق

" وكيف سيكون هذا الاستقبال وأنتِ تعلنين الحداد ! "


وكان ذاك ما زاد وضع مزاجها سوءاً وقالت بحدة

" غيهم .. إن كنت لا تحترم ميتهم وميتنا فأنا لا "


تنهد بضيق وقال مستسلماً نهاية الأمر وإن كانت

نبرته مستاءة

" كان الأمر مستعجلاً وطارئاً أمي فلما نصنع مشكلة من
لا شيء ؟ "


وتابع من فوره ومن قبل أن تعاود مهاجمته مجدداً

" ثم أنتِ لم يكن في نيتك إقامة حفل ولا صغير فما سيتغير
إن أبلغتك أم لم أفعل ؟ "


اتسعت عيناها فجأة وقالت بذهول غاضب

" تعاقبني يا غيهم ؟ "


أجفل مندهشاً وقال مستنكراً

" أمي بالله عليك ما هذه الأفكار ! "


لم تكن نظرتها تنم عن اقتناعها بل وعن اكتفائها بذلك

وكانت هذه المرة الأولى التي تستقبله فيها بهذا الطبع

الناري الحاد ويكره فعلياً أن يتشاجر معها أو يغضبها وإن

بكلمة من دون قصد لذلك سبقها قائلاً ببعض الهدوء

" أيمكننا ترك مناقشة هذا للغد أمي فجميعنا متعبون "


زمت شفتيها بحنق منه لكنها استسلمت نهاية الأمر

وإن لم يكن استسلاما تاماً فقد تمتمت ترمقه ببرود

" بالتأكيد يمكنك ذلك لكن كنانة لا "


لم يُنبئها هدوء نظراته برد فعله واستقباله للأمر ورغم ذلك

تابعت سريعاً وبحزم

" لن تدخل منزلها وغرفتكما قادمة من الطائرة .. هذا أمر
لا نقاش فيه "


كانت تعلم بأنه متعب بسبب الرحلة والقيادة لكنها أيضاً

تتفهم وضع الفتاة مثل ابنها تماماً وثمة واجبات نحوها

عليهم الالتزام بها ولن تسمح لاندفاعه الذكوري كرجل

بحرمانها من كل ذلك لذلك كانت نظراتها له تنضح إصراراً

وعناداً فكلاهما يعرف الآخر جيداً وإن كان غيهم يختلف

كثيراً عن أبان لكنها تعلم بأنه لا يختلف عنه حين يضع

عناده في المرتبة الأولى وما يحدث الآن أكبر مثال على

ذلك فهو رفض الانتظار لأنه اتخذ قراره ولا نقاش فيه

وتجاهل حداد العائلتين وما يمرون به ، لكنه خان جميع

توقعاتها حين اجتازها بخطوات كسولة ولازالت يداه سجينتا

جيوب بنطلون بذلته متمتماً ببرود

" لا بأس .. تصبحين على خير "


وغادر ناحية السلالم ونظراتها الحانقة تتبعه ولن تستغرب

استسلامه فهو وصل لمراده في جميع الأحوال كما لن

تستغرب أن يتنازل وإن قليلاً من أجلها فذاك كان طبعه دائماً

، قالت تنظر له وهو يصعد السلالم

" لا تنم ثمة ما علينا التحدث فيه "


كان جوابه المبدئي الصمت حتى كان عند آخر العتبات

المكشوفة لهما وقال حينها وهو يختفي عنها

" لا تتأخري إذاً أو ستجدينني نائم "


وغادر وتركها تنظر لمكانه الخالي منه وهو حال كنانة

أيضاً وإن كانت نظراتها مختلفة تماماً فهي لم تتوقع اللقاء

بين الأم وابنها المفضل هكذا !

لم ترسم صوراً ولا في أبعد أحلامها بأنه غيهم ذاته الذي

تعرفه هو ما ستراه هنا !!

وأتاها جواب كل ذلك ما أن نظرت ناحية التي قالت بضيق

تنظر لعينيها

" عليك أن تعتادي هذا هنا لأن تربية الأبناء الذكور تشبه
ترويض الثيران "


لم تستطع إمساك ضحكة صغيرة تغلبت عليها حاولت بكل ما

تستطيع كبتها كي لا تفهمها بشكل خاطئ لكنها فاجأتها

بضحكة مماثلة تلاها ابتسامة واسعة محبة وهي تتوجه

نحوها وقالت تفرد ذراعيها لها

" والآن مرحباً بعروس إبني وابنتي الجديدة "


شع وجهها بابتسامة واسعة تغلبت على دهشتها بالأمر

وتحركت نحوها ونامت في حضنها منصاعة وأغمضت

عينيها تستشعر ذاك الدفء الذي غمرها ولم تتوقعه

وذراعاها تضمها لها بقوة وحارت في تكوين شخصية هذه

المرأة كما ابنها من قبلها وتسألت هل ستضعها في خانة

مناصريها هنا أم العكس ؟!

فهي لم تتوقع سوى بأنها ستلعب دور شرطي المرور في

حياتها معه !

وتساءلت مجدداً هل ستلقي بأوامرها ويستسلم هو دائماً

هكذا أم أن ما حدث هنا قبل قليل هو العكس !!

وآمنت في النهاية بأمر واحد وهو أنه عليها فقط ترك كل

ذلك لأوانه وكما قالت ساندرين سابقاً عليها ترك حقائب

قلبها وعقلها موضبة وجاهزة لرحلة العودة في أي وقت

كي لا تتحطم وتنهار حال حدوث ذلك في وقت قريب .


أخرجها من أفكارها تلك يدا جوزاء التي أبعدتها عنها

وأمسكت بذراعها وقالت مبتسمة

" مؤكد أنتِ متعبة الآن وعليك أن ترتاحي وسأعد لك
الطعام بنفسي "

شعرت بالخجل من نفسها ومن أفكارها حتى كرهت

مشاعرها تلك وقالت بابتسامة ممتنة

" لا أبداً عمتي لا تتعبي نفسك أنا لا أشعر بالجوع "


أبعدت يديها عنها وقالت وذات الابتسامة تزين شفتيها

" إذاً سآخذك لغرفة الضيوف فلن تدخلي منزلك قبل أن

تشتري جهازك كاملاً وكل ما تحتاجين ويتمناه قلبك ونقيم

لك حفلاً صغيراً هنا "


فاجأتها بكل ذلك حتى ظهر على ملامحها دون شعور منها

وعادت وتذكرت غضبها السابق بسبب إهمالهم لمهرها وما

قد تحتاجه وقالت متلعثمة

" لكن ...أنا .. "


قاطعتها سريعاً وبنبرة جادة

" هذا واجبنا نحوك يا كنانة ولولا عناد زوجك لما كانت
الأمور هكذا "


وقالت آخر كلماتها بضيق فلازالت مستاءة من تصرفه

وعناده الذي جعله يتخذ قرارات فردية هكذا ، بينما كان

رأي وتفكير الواقفة أمامها مختلفاً وقد خيم الحزن على

ملامحها ما أن تذكرت ما حدث في مقر نورثود كما حديثه

عن سبب إلغاء حفل الزفاف وقالت

" أنا أتفهم موقفه الآن كما أن الأمور تشابكت مؤخراً
وأصبح الأمر اضطراريا "


ابتسمت المقابلة لها وقالت بنظرة شاردة وإن لم تبتعد

عن عينيها

" تمنيت وانتظرت كأي أم اليوم الذي أحتفل فيه بزواجهما
معاً وتدخل عروساهما هذا المنزل بفساتين الزفاف .. "


وتبدلت نبرتها لضيق فجأة متابعة

" لكن كل واحد منهما أسوأ من الآخر حين يتعلق
الأمر بالعناد "


ابتسمت كنانة رغماً عنها وقالت

" ألمهم أنهما بخير ، أطال الله في عمرك لتري كل ما
يتمناه قلبك "


جعلت كلماتها تلك وجهها يشرق بابتسامة صادقة مجدداً

وأمسكت يدها بكلتا يديها وقالت وعيناها ترمقها بمودة

" ما أروعك من امرأة .. لم يخطئ قلبي حين اختارك "


وسحبتها معها وتحركت من هناك قائلة

" هيّا تعالي لأوصلك لغرفتك لتنامي وترتاحي "


وتوجهت بها نحو السلالم ذاته الذي صعد منه ابنها قبل

قليل لكن رحلتهما انتهت عند الطابق الأول وحيث كانت

الغرفة المقصودة هي الأقرب من تلك الناحية ووقفت بها

عند بابها ونظرت لها وقالت وكأنها تذكرت أمراً ما فجأة

" هل حقائبك في السيارة ؟ "


لاذت بالصمت للحظة مترددة وقبل أن تقول بهدوء حزين

" أنا لم احضر معي شيئاً "


ظهر الاستياء وبشكل واضح على ملامح جوزاء وقالت

" هذا كان خطؤنا.. أنا لم أكن أعلم بأنه سيجلبك معه لما
كنت تركته يفعلها "


قالت مبررة سريعاً

" لا هو لم يكن خطؤك ولا خطأ غيهم بل أنا "


وتوقفت كلماتها فجأة توبخ نفسها ولسانها فما ستقول لها

إن هي سألتها عن السبب وهو طلب منها أن لا تخبر أحداً ؟

بل وهل يمكنها قول حقيقة تصرفها الغبي المتهور ؟

كانت تحدق فيها بصمت بينما كانت نظرات جوزاء تؤكد

شكوكها فقالت مبررة تحاول إنقاذ الموقف

" لا أعلم كيف أشرح الأمر لكننا اضطررنا للسفر فجأة "


تنهدت حينها وقالت

" أنا لم أفهم شيئاً لكن لا يهم .. ألمهم الآن كيف ستنامين
بهذه الثياب؟ "


نظرت لثيابها في حركة لا إرادية قبل أن تنظر لها مجدداً

وقالت مبتسمة

" سأتدبر الأمر لا تقلقي فبسبب عملي كمضيفة لفترة لابأس
بها كنت معتادة على النوم بثياب عملي وجالسة في
الطائرة أيضاً "

ضحكت وقالت

" عليك استرجاع تلك الذكريات الليلة إذاً "


بادلتها الضحك بينما قالت جوزاء

" ولا يمكنك أيضاً التواصل مع الخادمات في هذا الوقت
لأنهن يغادرن المنزل لسكنهن الخاص هنا بعد العشاء فإن
احتجت شيئاً المنزل منزلك يا كنانة يمكنك التنقل وفعل كل
ما تريدين فأبان يقيم في منزله في الأعلى كما أنه ليس
هنا الليلة "



ابتسمت بامتنان حقيقي وقالت

" شكراً لك عمتي وأعتذر على كل ما أسببه من مشكلات "


قالت باسمة

" نحن من عليه الاعتذار يا كنانة أنتِ ابنة هذا المنزل الآن
وإحدى سيداته "


اضطرب قلبها بشدة وقالت

" أتمنى أن أستحق هذا الشرف "


ابتسمت لها بحب وارتفعت يدها لطرف وجهها تمسح

عليه وقالت

" بل وأكثر من ذلك ونظرتي لا تخيب أبداً .. بارك الله في
من رباك "


غمرت الدموع عينيها وأمسكت يدها وقبلتها احتراما لها

واعتذاراً حقيقياً بسبب أفكارها السابقة عنها والتي باتت

تراها وتفهمها الآن بشكل مختلف بل وجعلتها تغير كل

أفكارها تلك من اللقاء الأول فقط .


طبطبت يد جوزاء الحرة على يدها مبتسمة وقالت

" سيرى ذاك العنيد حسابه مني فلن يحدث ما يخطط له قبل إنتهاء رحلة والده ومجيئه "


وأتبعت كلماتها بضحكة صغيرة بينما كان رد فعل كنانة أن

أخفضت نظرها مبتسمة بحياء وحارت مجدداً في نوع

شخصية هذه المرأة سليلة عائلة الشاهين الشهيرة وابنة

الجنوب والحالك تحديداً !! .


وكانت نظرات جوزاء لها تحمل كل معاني الحب والسعادة

فهي انتظرت ومنذ ولدتهما اليوم الذي تزوجهما فيه وترى

أبنائهم وحمدت الله أن كانت زوجة كل واحد منهما كما

تريد وتتمنى ، لامست كتفها بيدها فرفعت رأسها ونظرت

لعينيها فقالت مبتسمة

" تصبحين على خير إذاً وأراك غداً صباحاً "


همست مبتسمة تنظر لها وهي تبتعد في الإتجاه الآخر

" وأنتِ بخير "


وما أن اختفت عن نظرها دخلت الغرفة وعيناها تتجول فيها

بينما يدها تغلق الباب خلفها فبينما كان المنزل شبه مظلم

وقت وصولهما وصعودها إلى هنا الوضع في هذه الغرفة

كان مختلفاً لأنها مضاءة تماماً وشعرت بالدهشة وهي تنظر

لغرفة النوم التي دمجت لون النحاس مع الخشب الأسود

بينما تميز الزجاج المتداخل مع ديكورها باللون العسلي

وحارت إن كانت هذه غرفة الضيوف فكيف تكون الغرف


الرئيسية هنا !!


توجهت نحو السرير الواسع تفتح أزرار سترتها ونزعتها

ووضعتها فوقه وأتبعتها بحجابها لتبقى بالبنطلون والبلوزة

الداخلية المصنوعة من الكتان والتي كانت بلا أكمام

وتوجهت نحو الحمام فعليها أن تتحمل عناء النوم

هكذا الليلة .


*
*
*

نزل عتبات السلالم الشبه مظلم وتوقف عند منتصفها ما أن

ظهرت له التي كما توقع كانت موجودة هناك تراقب الباب

منتظرة واشتدت أصابعه على سياج السلالم وهو يتذكر

مكالمته اليوم وكلماته ، كان يعتقد بأنه فقد القدرة على

النطق بسبب صدمته بما قال وسمع منه لكنه اكتشف سريعاً

بأن الأمر مختلف عن ذلك فلم يستطع توبيخه ولا الصراخ

به رافضاً لما فعل ووجد نفسه يوافقه في كل ما قرر فعله !!

يعلم جيداً ما ستكون تبعات هذا الأمر وعواقب فعلته تلك

لكنه أيضاً تركه يفعل ما أراد واختار بنفسه ومهما كانت

النتائج المترتبة عليه فسيكون اختياره وقراره ولن يساهم

مجدداً في تدمير أي واحد من أبنائه ومهما كانت درجة

اقتناعه بحديث والده .



نزل باقي العتبات وتوجه نحوها حيث كانت قرب الباب الذي

لا تتوقف عن الذهاب له والنظر من خلاله وكأنها لا

تستطيع سماع صوت سيارته من المكان الذي كانت

تجلس فيه !


ما أن وقف خلفها وشعرت به حتى استدارت نحوه بحركة

سريعة مجفلة ولامست يدها صدرها وتنهدت بارتياح قائلة

" هذا أنت يا سلطان ! لقد أفزعتني "


التوت شفتاه بابتسامة ساخرة وقال

" وكيف يكون هذا ؟ تقفين في الظلام هنا ويفزعك ظهور
أحدهم من خلفك ! "


أمسكت يدها بوسطها وقالت بضيق

" إن كان علينا تصديق ما يقول وقاص فثمة قاتل هنا .. ألا تخشى أن يقتلني أيضاً ؟ "


ارتفع رأسه وعلت ضحكته الرجولية في المكان المظلم ..

ضحكة لم يعرفها منذ وصله خبر وفاة ابنه نجيب ولم يتخيل

أن تجد طريقاً لها في أضلعه في وقت قريب وكأنها انتظرت

الفرصة المواتية فقط ، وذاك ما جعل الواقفة أمامه تمسك

خصرها بكلتا يديها هذه المرة وقالت بضيق أشد

" هل قلت ما يضحك أو أمراً ليس حقيقياً ؟ "


نظر لها وقال يمسك ضحكته

" لا يبدو لي أنك تخافين من قاتل ما متجول هنا "


زحف القلق لملامحها فجأة وقالت حانقة

" وماذا أفعل مع قلبي فوقاص لم يرجع حتى الآن كما أنه
يُغلق هاتفه ! "



أومأ برأسه وقال بهدوء

" هو بخير اطمئني "



حدقت فيه باستغراب وقالت

" هل رأيته أم تحدث معك ؟ "



عاد للإيماء برأسه وقال

" اتصل بي وقال بأنه لن يرجع الليلة لأن لديه أمراً
مهماً يفعله "


رمشت بعينيها قليلاً وكأنها تحاول ترجمة ما قال وتجاوزت

كل ذلك نهاية الأمر قائلة

" وماذا عن الفتاة ؟ "


اتسعت عيناه بدهشة وقال

" أي فتاة ! "


حدقت فيه باستغراب بادئ الأمر وقالت بنفاذ صبر

" زيزفون بالطبع فهي مسجونة في جناحها ولم تتناول
شيئاً كما أنه قام بتغيير رمز الباب ولم يخبرني عنه "


تنهد بعمق وحرك رأسه دليل الفهم فهو اعتقد للحظة بأن

الجميع هنا بات يعلم بما حدث وقال

" لا تقلقي بشأنها أيضاً "


حدقت فيه ببلاهة لبرهة وقبل أن تقول بضيق

" كيف لا أقلق وهي بلا طعام ولا شراب ليوم كامل ! هل
نتركها تموت أمامنا ؟ "


حرك يده أمام وجهه قائلاً بضيق مماثل وصوت منخفض

" رقية أخفضي صوتك وإنسي أمر الفتاة كغيرك هنا هل
عليك أن تكوني المسئولة عن الجميع "

حدقت فيه مصدومة وقالت

" ماذا تقصد بهذا ؟ "


وتابعت من فورها وبضيق

" هل بات الشعور الإنساني تدخلاً في شؤون الجميع ! "


تأفف وهمس منهياً سيل كلماتها الذي يعلم بأنه لن يتوقف

" وقاص أخذها معه يا رقية "


" ماذا !! "


همست بها مصدومة تحدق في عينيه بعينين متسعة

وصاحت ما أن أفاقت من صدمتها


" أخذها كيف وإلى أين ؟! "


رفع يده مجدداً وهمس بغضب من بين أسنانه

" أخفضي صوتك يا رقية "


وتابع من فوره بضيق وبصوت خفيض

" لقد أخذها من هنا ومنذ الصباح فلا توقعينا في المشكلات
مع والدي بسبب إنسانيتك التي تتحدثين عنها "



حدقت فيه بذهول لم يفارقها بعد وقالت مندهشة

" وهل سيخفى الأمر عنه ؟ "


وضع سبابته على شفتيه وقال بضيق

" سيحدث إن التزمت الصمت وأخفضتِ صوتك "


لكنه كان كمن ينفخ في الريح لأن عقل المرأة في رأسها لم

يستوعب بعد ما حدث لتفكر في الصمت عنه فقالت بضيق

" فقد ابنك عقله بالتأكيد ولن يرحمه جده إن علم بهذا "


ضرب يديه ببعضهما قائلاً بيأس منها

" لا حول ولا قوة إلا بالله "


وما أن كانت ستتحدث أسكتها بسبابته قبل كلماته قائلاً

بتهديد

" هش ولا كلمة ولن يعلم أحد بهذا وحين يعلم والدي لكل
حادث حديث حينها "


لاذت بالصمت وإن لم يظهر الاقتناع في عينيها فتابع من

فوره وبنبرة جادة

" لن ينتبه هذه الفترة على الأقل وحتى نجد للأمر حلاً "


ولم يدم الصمت لوقت أطول لدى التي قالت بضيق وبصوت

منخفض هذه المرة

" لا حل سوى إجبار ابنك على إعادتها وأنت تعلم جيداً ما
سيحدث حين يعلم والدك يا سلطان "


قال بضيق مماثل

" لهذا لا أريده أن يعلم الآن ولذلك عليك التوقف عن
السؤال والبحث عنها فلا أحد غيرك يتفقدها هناك
ويفكر فيها "


ضمت يديه لبعضهما متمتمه بأسى حزين

" ليرحمنا الله برحمته "


تنهد بحزن ينظر لعينيها الحزينة والتي لمعت الدموع فيها

بوضوح ويتفهم مشاعرها ناحية من ربته وأحبته كابنها

كما يعذر قلقها وخوفها عليه لأنه من شهد غضب والده

ناحية مسألة حفيدته تلك لكن الأمر خرج عن سيطرته ولا

نفع من الحديث والجدال فيه ، التفت ذراعه حول كتفيها

وسار بها من هناك قائلاً
" أُتركي الأمر لي وسأحاول التحدث معه لاحقاً وفهم ما
ينوي فعله أمّا الآن هيا للنوم حالاً أنا أنتظرك منذ ساعة "


نظرت له سائران نحو السلالم وقالت باستغراب

" ألن تنام مع أسماء ؟ "


تنهد وقال ببرود

" لا مزاج لديا لسماع ما أسمعه كل ليلة "


وغابا خلف عتبات السلام الضخم ولم ينتبه أيًّا منهما

للعينان التي كانت تراقب كل شيء من خلف الظلام وقد

خرجت صاحبتها من مخبأها فور ابتعادهما وسارت نحو

السلالم الذي اختفيا فيه وصعدت عتباته بخطوات حذرة

وحماس متقد حتى أصبحت في الأعلى وتأكدت من سيرهما

ناحية جناح رقية وركضت حينها في الاتجاه الآخر مسرعة

وبخطوات خفيفة غير مسموعة ذات الوقت حتى وصلت

مبتغاها لاهثة الأنفاس وطرقت الباب بحذر طرقات متواصلة

وحين يئست من أن تسمعها التي يفصلها عنها باب آخر

لاتساع جناحها عاودت الطرق بصوت أعلى هذه المرة

تراقب المكان حولها ويدها على الباب حتى انفتح أخيراً

وظهرت أمامها صاحبة الملامح الشاحبة والعينان المتورمة

حتى اللحظة تربط حزام قميصها الحريري المفتوح حول

جسدها لتستره به ، عقدت حاجبيها باستغراب ما أن رأتها

وهمست حانقة

" ما الذي تفعلينه هنا ؟ "


بادلتها الواقفة أمامها الهمس سريعاً

" ثمة أمر مهم عليّا إخبارك به سيدتي "



قالت بضيق


" ألا ينتظر حتى الصباح ؟ "


قالت بكلمات سريعة هامسة


"السيد سلطان سينام في جناح السيدة رقية فوجدت
الفرصة مناسبة "


اتسعت عيناها وقالت

" وكيف علمتِ بهذا ! "


قالت تلك من فورها

" رأيتهما وسمعته يخبرها بأنه لا يريد سماعك ككل ليلة "



شدت على أسنانها بغضب منها قبلهما وسحبتها نحو الداخل

من ثيابها قائلة

" أدخلي هيّا "



وما أن أصبحتا في الداخل نظرت لها وقالت

" ما هذا الذي لا ينتظر حتى الصباح ؟ "


قالت الخادمة من فورها

" تلك القاتلة أخرجها السيد وقاص من هنا "


وكما توقعت اتسعت عينا أسماء حتى كانت تجزم بأنها

ستتمزق من شدة صدمتها وتحررت كلمات عقلها المشوش

حتى اللحظة هامسة بعدم استيعاب

" أخرجها من أين ! "



قالت من فورها

" من القصر "


" ماذا !! "


صرخت بها في وجهها بل وتابعت صراخها الغاضب

" كيف يحدث هذا ؟! "


قالت بذات همسها الحذر وكأن الواقفة أمامها ليست

تصيح غاضبة

" لقد سمعت السيد سلطان بأذني يخبر السيدة رقية "

وبدأت تسرد لها ما وصلها من كلامهما وفهمته وختمت كل

ذلك بالمسألة الأهم في الأمر قائلة

" قال بأنه عليهما إخفاء الأمر عن الجميع كي لا يعلم
السيد ضرار "


تعالت أنفاسها الغاضبة ولازالت تحدق في العينان البنية

المستديرة يرتب عقلها كل ما سمعته منها مع آخر عبارة

قالتها وقالت ترمي بيدها نحو الباب الفتوح

" غادري هيّا ولا أريد أن يعلم أحد "


نظرت لها بصمت لبرهة عيناها ترتسم فيها خيبة أمل

واضحة وذاك ما جعلها تقول بضيق

" ستنالين ثمن هذا وليس وقته الآن غادري هيّا "


استدارت تلك مغادرة من فورها ومغلقة الباب خلفها وعينا

أسماء تراقبها وهمست من بين أسنانها وهي تتوجه

نحو غرفتها

" كآلة الصِرافة تتنفس مالاً "


وما أن دخلت الغرفة ضربت بابها خلفها بقوة

وهامسة بغضب

" هكذا إذاً يا سلطان ، هذا ما تنوي فعله أنت وابنك وتلك
الأفعى رقية للتفريط في دم إبني "


*
*
*

قفزت واقفة ما أن سمعت الصوت الذي كانت تنتظره منذ

وقت وهو الطرقات المتقطعة على باب المنزل فمنذ مغادرته

ليلة البارحة لم يرجع وتجنبت الاتصال به لأنه راسلها

صباحاً كي لا تذهب لمقابلة مارية وهذا يعني بأنه بخير

واتصالها لن يكون إلا تصرفاً أحمق وسخيف ، وبالرغم من

ذلك ساورها القلق فهي لم تنسى طريقة خروجه البارحة

وتوتره والكلمات التي قالها إن لها أو لمحدثه في الهاتف .

غادرت غرفتها وتوجهت ناحية الباب بخطوات سريعة وإن

كانت طرقاته منخفضة نوعاً ما ومتفرقة فهل يتصور أن

تسمعه إن كانت نائمة !! فتحت الباب ولازالت تمسكه

بيدها ونظرت له وهو يجتازه تتفحص عيناها ملامحه

العابسة المتجهمة وقد همس ودون أن ينظر لها

" السلام عليكم "


لم يبدر منها أي تعليق ولا أي رد على سلامه لأن عقلها

كان منشغلاً بأمر آخر قد سيطر على جميع حواسها وأغلقت

الباب بحركة واحدة سريعة وتبعته حيث كان متوجهاً نحو

غرفته وقالت تسير خلفه

" هل كل شيء على ما يرام "


" أجل "


كان ذاك فقط ما قاله وهو يخرج هاتفه الذي علا رنينه فجأة

ووضعه على أذنه وقد وقف أمام باب غرفته متمتماً

" مرحباً يا مطر "


تحركت جميع مجساتها حينها ووقفت مكانها وهو يفتح باب

العرفة وقد دخل قائلا بانفعال واضح فيبدو أن المكالمة

كانت ومنذ بدايتها هجومية

" وما كنت تتوقع مني فعله ؟ كان عليّا إخباره بذلك
ليتوقف عن التفكير بتهور وجنون "


لم تستطع منع نفسها من الوقوف عند الباب والاستماع لما

يقول خاصة وقد ذكر اسم مطر ويبدو كانا يتحدثان عن ابنه

مصحوبا بعبارة تهور وجنون !! راقبته بفضول وهو

يوليها ظهره وقد قال بجمود يمسك خصره بيده من تحت

سترة بذلته المفتوحة

" سيخمن بأني من أخبرك بمحاولة سفره "


رمشت بعينيها باستغراب بينما كان هو صامتاً يستمع له

وقبل أن يتبدل الجمود في كلماته للغضب فجأة قائلاً

" هل أتركه يلقي بنفسه للتهلكة وأقف أتفرج فقط لأن الحل
الوحيد لدي حينها تصرف أحمق ؟ بل وكنت سأخبره
بالحقيقة إن لزم الأمر وكانت الخيار الوحيد لإنقاذه
من التهور "


شدت شفتها وقد فهمت حينها بأنه نعت تصرفه ذاك بالحمق

لهذا ثار غاضباً فأي تصرف هذا وما الذي فعله تيم !!

راقبته بفضول وهو يستمع له وقد مسح على وجهه وكأنه

يمسك نفسه عن الانفجار مجدداً أو تذكر أمراً ما وقال بعد

لحظات وبكلمات حانقة

" وهذه مصيبة أخرى أنا لست الملام فيها يا مطر لأن ابنة
الحارثة من فعلتها "


اتسعت عيناها عند سماع اسمها وتذكرت حين قابلتها في

حفل عائلة السلطان فأي مصيبة هذه التي فعلتها
هي أيضاً ؟!

تركت الأجوبة عن أسئلتها للذي قال بضيق يحرك يده



" نعم صدّق هذا فتلك الفتاة من فعلها ووضعتنا جميعنا
أمام الأمر الواقع وحتى والدها ، فعليك أن تضيف لعمرها
ضعفيه لتتوقع تصرفاتها "


تغضن جبينها باستغراب وازدادت التعقيدات لديها بدلاً من

أن تنكشف الحقائق وإن جزئياًّ بينما لازالت تحدق في الذي

قال بحدة يرمي يده جانبا

" لا شيء بيدي ولا بيدك نفعله فالأمر أصبح في يد مارية
وحدها الآن ولا يمكننا ولا التواصل معها هاتفيا ولا رؤيتها
والتحدث معها مستقبلاً وفي أي مكانٍ كان "

ارتفعت يدها لشفتيها واتسعت عيناها بذهول وبدأت ضربات

قلبها ترتفع تصاعدياً وما أن تابع بصوت غاضب

" وما لا تعلمه أيضا بأنه تهجم على منزل الحارثة وهدد
ابنته وكاد يقتلها ليعلم أين أخذتها "



لم تستطع إمساك شهقتها المصدومة لكنها وبأعجوبة كتمت

صوتها لتكون صامتة بينما ضلت فاغرة الفاه تنظر لقفاه

وقد صاح بضيق وانفعال

" توقف عن إلقاء اللوم عليّا يا مطر فأنا مثلك تماماً لم
أتوقع رد فعله ذاك وظننت بأنه سينسى أمرها نهائياً بعدما
توصل له من أفكار نحوها ، والله وحده يعلم ما سيفعل
أيضاً للوصول لها ؟ وما أخشاه فعلياً أن يؤذيها لأنه يبدو
فقد عقله وبشكل نهائي "


لاذ بالصمت قليلاً يستمع له وإن كان صمته مجرد انفجار

داخلي خفي يظهر جلياً على تنفسه من حركة كتفيه

العريضان ، وسرعان ما طفا للسطح مجدداً وهو يشير

بسبابته للفراغ أمامه وكأنه يقف أمامه الآن صارخاً

" لك أوجه هذا السؤال يا مطر فأنت من كنت تقول دائماً
بأنه ابنك وبأنك من رباه أمّا أنا فوالده قانوناً فقط "



انقبضت أصابعها لا شعورياً وشعرت بألم ضغطها عليها في

قلبها وكأنها تعصره بها ورقّت عيناها بحزن وهي تنظر له

من خلف سحابة دموع رقيقة برقت في عينيها ودون شعور

منها وقد عاد للقول بانفعال

" أجل تربيتك وإن لم تغرس فيه هذا لكنك لم تحاول يوماً
تغييره فتربى وكبر على العناد والتمرد حتى على أوامرك
أنت زعيمه ووالده "



وقال آخر كلمة يشد على حروفها بسخرية ومرارة واضحة

لم تخفى في صوته بينما تابع سريعاً وكأنه يرفض منحه

فرصة للرد على ما قال وقد لوّح بسبابته جانباً

" لقد انتهى دوري عند هذا الحد فمارية هي ماري
الإيطالية الآن والاقتراب منها سيكون فيه هلاكها وهلاك تيم
معها ، أمّا هو فلم أكن والده يوماً لينصت لما أقول وما
أستطيع فعله من أجله فعلته والباقي متروك لرجاحة
عقله .. "


وتبدلت لهجته للحنق الغاضب وهو يضرب بطرف أصابعه

على صدغه متابعاً

" هذا إن بقي منه شيء لأنه فقده تماماً كما يبدو "


وكانت لحظات صمت قليلة استمع فيها لمحدثه قبل أن

يقول بضيق

" أنا لا حل أمامي سوى الانتظار افعل أنت ما تريده وما
تراه مناسباً لكني خارج الموضوع بأكمله من الآن
فصاعداً ... وداعاً "



وأنهى الاتصال عند آخر كلمة قالها ورمى الهاتف من يده

على السرير أمامه واستدار حينها نحو الباب والواقفة

مكانها حتى الآن والتي يبدو من ملامحه ونظراته بأنه كان

يعلم بوجودها ولم يتفاجأ به فأخفت توترها كما الدموع

الحبيسة في عينيها حتى اللحظة وهي تنظر ليدها التي

دستها في جيب سترة بيجامتها واقتربت منه خطوتين وهي

تخرج المفاتيح التي أصدرت صوتاً واضحاً في صمت

المكان ومدتها له بينما لم يفارقها نظرها وكانت مفاتيحه

التي تركها لديها ليلة البارحة فنظر لهم بين أصابعها دون

أن يحرك يده لأخذها ، وما أن رفع نظره لها كانت تنظر له

هذه المرة نظرة حاولت جاهدة أن تكون طبيعية وكأنها لم

تسمع شيئاً مما قال فلا زالت تضع لنفسها حداً وإن مجبرة

فعليها أن لا تتعدى حدودها هنا فيبقى زواجها منه مجرد

ورقة تنتهي بكلمة من أحدهما وهو مجرد رجل غريب

عنها وكذلك ابنه ومها كانت علاقتها بهما ، وإن رغبت

فعلياً في تقديم المساعدة يجب أن لا يكون تدخلاً يفسد

الأمور بدلاً من إصلاحها وهو ما عليها أن لا تنساه أبداً ،

عادت نظراته للمفاتيح في يدها ما أن قال بشيء من الهدوء

" أُتركيه لديك تحسباً لأي طارئ حتى أُخرج لك
نسخة عنه "


وما أن عاد ونظر لعينيها وجدها تنظر بتركيز بل وبتفحص

وتمعن لذقنه وكأنها تبحث عن شيء ما فيه ! وهو ما جعل

حاجباه يرتفعان باستغراب بل وكاد يرفع يده ويمرر

أصابعه عليه ليتأكد من أنه ليست ثمة شيء ما عالق به أو

يتحرك فوقه ! لكن ما تحرك حينها هو لسانها هي وقد

اتسعت ابتسامتها وهي تقول

" يبدو أنه ليس بالضرورة أن تكون اللحية زرقاء "


فعقد حاجبيه ينظر لها باستغراب بادئ الأمر وقبل أن تتحرر

من شفتيه ضحكة قصيرة لم يستطع التحكم بها فهي تقصد

تلك القصة بالتأكيد وصاحب اللحية الزرقاء واختباره

لزوجته ، لم تفارق الابتسامة شفتيها وهي تنظر لملامحه

التي اختفى التجهم والعبوس منها حينها وهذا ما كانت

تصبوا إليه وقالت وهي تعيد يدها لجيبها والمفاتيح فيها

" ما يميزنا نحن البشر أنه يمكننا الابتسام ورغم كل ما
نمر ونشعر به "



لكن ما فعلته كلماتها تلك حينها أن جعلت الابتسامة تختفي

من وجهه تدريجياً وابتعد نظره عنها وقد ارتسمت واحدة

أخرى ساخرة على شفتيه وقال

" لكنه لا يفعل شيئاً يفيدنا "


حركت رأسها ترفض أفكاره تلك بالرغم من أنه لا يراها

وقالت بابتسامة حزينة

" يكفي أن يعطينا دفعة نحو المستقبل لنفكر فيه بإيجابية "


وتابعت من فورها لازالت تنظر لعينيه المحدقة في الفراغ

بوجوم كئيب

" لا يجب أن ينظر المرء لمشاكله بسوداوية مطلقة لأن
ذاك يجعل كل شيء في عالمنا سيئاً وحتى في طريقة
تخلصنا من مشاكلنا تلك فتكون العواقب وخيمة والحلول
تصبح مجرد تعقيدات جديدة "



رفع نظره لها حينها فابتسمت وكل ما كانت تريده هو تغيير

مزاجه بالرغم من أنها تعلم ممّا فهمته بأنهم يمرون

بمشاكل كبيرة واتسعت ابتسامتها وقالت ببشاشة وثقة تامة

" لذلك علينا أن ندمج السواد بالبياض دائماً وما أن نعتاد
ذلك ستتغير نظرتنا للأمور ونتخلص من سجن ماضينا
وعبء حاضرنا بل ونتخلص من نوبات القلق من
مستقبلنا أيضاً "



لاذ بالصمت لبرهة ينظر لعينيها فقط حتى كانت ستعتذر

مغادرة لأنه يريد إنهاء الحديث في الأمر لكنه خان توقعاتها

حين قال وكأنه يبحث عن شيء ما في عينيها

" مؤكد لك باع طويل في هذا لتتعلمي معنى التحكم فيه "


جاهدت باستماته كي لا يظهر الحزن في عينيها فهي بالفعل

عاشت ما لم يعرفه أحد وترفض أن يعلم به أحد أيضاً وقد

استطاعت تجاوز الألم الذي يسببه التفكير فيه وإن كانت

مسألة والدتها العائق الوحيد أمامها حتى الآن وليس لأنها

تضعف أمام ألم ذكرياتها السيئة معها بل ما قد يؤول إليه

الحال في مستقبل مختلف يخصهما ، حركت كتفيها وقالت

مبتسمة

" ليس ثمة حياة تخلوا من الأزمات .. المثالية في
الجنة فقط "



ارتسمت السخرية على شفتيه وقال

" إذاً تعلمين جيداً بأن التفكير في الأمر أكثر سهولة
من تنفيذه "


قابلت ابتسامته تلك بواحدة مناقضة لها تماماً وقالت

بثقة تامة

" لكنه ينجح والشعور حينها سيكون رائعاً "


كان الأمر تجربة شخصية بالنسبة لها وتعلم نتائجه جيداً ،

لكن ابتسامتها الواثقة تلك خبت تدريجياً وهي ترى تجهم

ملامحه حين أبعد نظره عنها متمتماً ببرود

" ثمة أمور لا بياض فيها .. هي سوداء فقط "

لمعت عيناها بحزن ما أن تذكرت زوجته السابقة وكل ما مر

به من رحيله لمرضها ثم نكران ابنه له وبالرغم من ذلك

كان صوتها باسماً حين قالت

" ليس بالضرورة أن يكون البياض متعلقاً بتلك الأمور
فثمة أشياء كثيرة من حولنا تدعوا للتفاؤل "



وما أن ارتفع نظره لها مجدداً رفعت كتفيها وقالت تمسك

ضحكتها

" وأهمها أنه يمكنك قول ما تريد وبالطريقة التي تريد لمن
هو رئيس بلادك .. هذا شرف لا يناله أي شخص "

واتبعت كلماتها التي جعلته يبتسم فعلياً بضحكة صغيرة

فحرك رأسه قائلاً بما مزج تلك الابتسامة مع نبرة متأسية

" ما لا تعلمينه بأنه يسمح بهذا في تلك المسألة فقط "


لم تستطع منع نظرة الحزن التي سيطرت على عينيها

نهاية الأمر وقالت تنظر لعينيه

" أفكارك عنه خاطئة إذاً وهذه إحدى النقاط البيضاء
المضيئة "


وختمت عبارتها تلك بابتسامة متفائلة تؤكد كلماتها فهذا

دليل قاطع بأنه يراه ويعده والده وليس العكس كما يظن ،

وهو ما رأته في عينيه التي أكدت لها بأنه كان يحاول

تفسير كلماتها تلك وأكيدة من أنه سيصل للنتيجة ذاتها

فمطر شاهين لا يرى غيره والداً له مهما فعل هو من أجله

ومهما أنكر ذاك الابن أبوته ، تنهدت باسمة وقالت

وخطواتها تعود نحو الوراء ودون أن تدير ظهرها له

" مؤكد تحتاج للنوم والراحة الآن .. أعتذر على
إزعاجي لك "


واستدارت نحو الباب من فورها ونظراته تتبعها في صمت

حتى كانت ستجتازه وتوقفت فجأة واستدارت نحوه مجدداً

وأخرجت يدها من جيبها والمفاتيح لازالت فيها ورفعتها

بجانب وجهها وقالت مبتسمة تحركها ورنينها المعدني

يُسمع في المكان بوضوح

" لكنك لم تخبرني أيُّها هو المفتاح المُحرم ؟ "


خرجت منه ضحكة أخرى لم يستطع التحكم بها أيضاً وها

قد عادت لتذكيره بتلك الرواية وما فعله ذاك الرجل ، قال

وابتسامة ساخرة مزجت المكر فيها تزين شفتيه وهو ينظر

لعينيها الباسمة

" انتبهي فقط أن تنتهي نهاية زوجته تلك "


ارتفع حاجباها وهي تدّعي المفاجأة بينما لم تفارق

الابتسامة المرحة شفتيها وقالت وهي ترميهم وتلتقطهم

في حركة واحدة سريعة

" يبدوا أنك تجهل نهايتها الحقيقية فهي حملت البياض
أيضاً لها "


وأمسكت يدها بمقبض الباب وقالت وهي تغلقه باسمة

" تصبح على خير "


واختفت هكذا كما ظهرت كالعادة وكأنها خيال في حياته لا

حقيقة له ! وهو وضعه الغريب معها ظهرت في حياته فجأة

ومؤكد ستختفي كما ظهرت وككل شيء عرفه في حياته .


نزع سترته ورماها على الكرسي قربه وتوجه ناحية باب

الحمام يفتح أزرار أكمام قميصه متمتماً بكلماتها وابتسامة

طفيفة ارتسمت على شفتيه

" ثمة أشياء كثيرة من حولنا تدعوا للتفاؤل وقد تكون
تخصها هي تحديداً "


ودخل الحمام مغلقاً بابه خلفه وتلك الفكرة لا تتركه فبالفعل

هو نفي من الهازان سابقاً وقتلوا عائلته بأكملها لكن ذلك

جعله يلتقي بالمرأة التي تزوجها وأحبها واكتشف بأنه ثمة

حياة مثالية رائعة معها ، وصحيح بأنه خسرها وللأبد بل

وحُرم منها أيضاً وهي على قيد الحياة لكنها وهبته الابن

الذي ما كانت لتعطيه امرأة أخرى فرصة الحصول عليه

حينها ، وصحيح بأنه ينكره بل ويكرهه وبشدة لكنه موجود

وعلى قيد الحياة ولم يخسره أيضاً ووحده من سيعطيه

فرصة حمل حفيده بين يديه .

*
*
*


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 10:48 PM   #18337

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

بعد حمام سريع وفي وقت قياسي خرج لغرفته يرتدي

بنطلون رياضي قصير ومريح بينما كان لا يزال عاري

الصدر يضع منشفة صغيرة على عنقه تستقبل قطرات

الماء المتساقطة من خصلات شعره البني الناعم وكان

متجهاً نحو الخزانة حين انفتح باب غرفته ودون طرق

لعلمه المسبق بالتأكيد بوصولها وذاك ما جعلها تدخل

مباشرة وما جعله يتوقف وينظر ناحيتها ، وبالرغم من أنه

ابنها واعتادت رؤية هذا حين كانت تدخل دون إعلامه

ويكون خارجاً من الحمام لكنها لم تترك فرصة معاقبته

ومحاصرته في الزاوية فقالت متملقة

" ألم تكن تعلم بقدومي ؟ أم أنك كنت تتوقع شخصاً آخر ؟ "


نظر نحو الخزانة التي فتح بابها متمتماً ببرود

" وهل تركتِ مجالاً للتوقعات ؟ "


في موقف آخر كانت لتضحك أو لتخجل من جرأتها أو

وقاحته لكنها وكما توقع تماماً قالت بضيق تمسك

وسطها بيدها

" لأنه التصرف الصحيح أم كنت تريدها أن تنام معك هنا
وهي لم تجلب معها ولا ثياباً لتلبسها ؟ أم تريد أن تدخلها
لغرفتكما وكأنها سبية وليست عروساً "


سحب قميصاً داخلياً ولبسه بحركة سريعة قائلاً بجمود

" وأنا لم أعترض كما لم أمانع "


ونظر نحوها وتابع من فوره ومن قبل أن تفكر في متابعة

هجومها قائلاً باستياء

" فقط لينتهي النقاش في الأمر أمي فما سمعته في الأسفل
يكفي ويزيد "


تنهدت تحرك رأسها بيأس منه وقالت

" وأنا لست هنا للتحدث عن هذا بل فيما هو أهم "


غضن جبينه وقال بتوجس

" هل حدث شيء ما ؟ "
أومأت برأسها متنهدة وقالت

" أجل فاليوم كانت محاكمة خالك مطر "


رمى المنشفة من يده على السرير قائلاً بضيق

" آمنت بالله يالحماقات النساء ! أثمة من ترفع قضية
للطلاق من مطر شاهين الذي تمنت العشائر لأعوام
مناسبته !! "



واجهته بضيق أشد قائلة

" هذا الأمر بينهما يا غيهم لا أنا ولا أنت يحق لنا مناقشته
ولا التحدث فيه "



تأفف مستغفراً الله بضيق وقال ملوحاً بيده

" ولما سنتحدث في الأمر إذاً وفي هذا الوقت ؟ "


تنهدت بضيق وقالت

" عائلة غيلوان "



حدق فيها باستغراب وقد تغير مزاجه فجأة وهمس

" ما بهم ! "


قالت مباشرة

" علموا بأن غسق تكون ابنة عمي دجى وبالتالي انتفى
خيار موته "



اتسعت عيناه بدهشة وقال

" ماذا !! لكن كيف حدث ذلك ؟! "


عبست ملامحها وقالت ببؤس

" لو أنك كنت داخل البلاد أو متفرغاً لكنت قرأت كل هذا
في صفحات الإنترنت فالأمر تحول لأشبه بفضيحة "



حرك رأسه بعدم استيعاب وكأنها تتحدث بلغة لا يفهمها

وأعاد سؤاله مجدداً وبنبرة جادة

" كيف حدث ذلك يا أمي ؟ "



قالت بكآبة

" أوراق القضية وصلت لهم بطريقة لازلت أجهلها حتى
الآن ، هذا فقط ما فهمته من أبان "



غضن جبينه بتفكير وقال

" وأين هو ليعلم ! "

قالت مباشرة

" كان هناك ولم يغادر حوران منذ حدث ذلك الأمر وهذا ما
أريد أن تفعله أنت أيضاً في الغد ، أريدكما بجانب خالك
وعمي وعائلته "



فرد يديه وقال بضيق

" وما الذي سنفعله بوجودنا هناك فالكارثة وقعت وعناد
وتعصب قبائل الجنوب لا يفتته الصخر ونحن لا ننتمي لهم
في جميع الأحوال "



قالت بنفاذ بصبر

" وإن كنتم لا تنتمون لقبائل الجنوب ولا كلمة لكم فيهم
لكنه خالك وعمي وابنته ومن واجبنا الوقوف بجانبهم ..
كما أني سأغادر معك في الغد "



أبعد نظره عنها للفراغ وأمسك خصره بيديه متمتماً بعبوس

" ما هذه المصيبة "


وكان ذاك ما زاد وضعها سوءاً فهي تجلس على الجمر منذ

علمت ولولا وصول طائرته الليلة لكانت طلبت ذلك من أبان

وإن عاد هنا من أجلها ، ولن تستغرب تجهم ملامحه

وشروده الآن فكل واحد منهم له أن يتخيل المستقبل وما

سيحمل معه فعائلة المجرمين تلك لا ينقصهم المال ليغروهم

به ولا الجاه والكلمة بين قبائل الجنوب ليسلموها لهم في

المقابل ، حركت رأسها متمتمه بحزن

" إنها كارثة لا أعلم كيف سيجد مطر حلاً لها "


رفع حينها نظره لها وقال بحاجبين معقودين بشدة

" ولما يجده مطر وهي تريد الانفصال عنه ولجأت
للقانون لفعلها ؟ "



تبدلت ملامحها للضيق فجأة وقالت بحزم

" غيهم ليس جميع الأمور علينا التدخل فيها فلا أسمع هذا
منك هناك أمام أحد ، والله وحده يعلم شقيقك عمِل
بتوصياتي أم كعادته يسمع فقط "


حرك يده جانباً وهو يقول بضيق

" وأنا كل ما سأفعله إيصالك إلى هناك فما النفع الذي
سأقدمه لهم فحتى الصحف والتلفاز لم نظهر فيهم ولا لمرة
واحدة معه وكأننا لسنا أبناء شقيقته الوحيدة "

اتسعت عيناها مصدومة مما سمعته منه ومن أفكاره قبل كل

ذلك وقالت بحدة

"وقل بأنه لم يسلمكم مراكز في البلاد أيضاً يا ابن والدتك "



قال سريعاً وبضيق

" أنا لم أقصد هذا ولم نحتاج ذلك يوماً "



لكنها لم تسمع أو لم تهتم لكل ما قال وقد تابعت هجومها

الغاضب نحوه

" حتى قاسم والذي هو زوج ابنته وعمي صقر لم يفعل
ذلك لهما ويساعدانه في تسيير أمور البلاد من دون أي
صفة رسمية لأني أعرف شقيقي جيداً لن يقول أحد بأنه
سلّم البلاد لرجال عائلته "


قال برفض محتج

" أمي لا تفسري الأمور كما يحلو لعقلك "


والنتيجة كانت ذاتها وتلقى المزيد من صراخها الغاضب

وسبابتها تشير له

" ثم لا تنسى بأن رتبة الطيار هذه بمساعدته وبأنك قدت
الطائرة كطيار مساعد بأمر منه لكنت حتى اللحظة تتدرب
وتجمع ساعات الطيران "


ضرب كفيه ببعضهما صارخاً بنفاذ صبر

" أستغفر الله العظيم "


صرخت فيه بالمثل مباشرة

" أجل عليك أن تستغفر وكثيراً أيضاً فما قلت له معنى واحد
وهو ما فهمته "


أشار بيده جانباً وقال مبرراً بضيق

" قلت بأن الإعلام لم يقدمنا للشعب كعائلة له لنستطيع فعل
أي شيء وثمة فرق كبير بينهما ، ثم نحن لسنا بحاجة لا
لمراكز ولا لمال "



توقفت لبرهة تتلقف أنفاسها الغاضبة وكأنها تحاول تهدئتها

وقبل أن تعود وتقول بكلمات حازمة

" أنا أريد أن نكون معهم وبجانبهم لا يهمني من يرانا ومن
يعرفنا ، وقبيلة غيلوان لن يؤثر فيهم معرفتكم كما أهل
الجنوب أيضاً فالمصيبة حلها فقط عند الله ومن ثم خالك
مطر هي حقيقة لا نقاش فيها "



عاد ناحية خزانته المفتوحة وأخرج منها قميص وبنطلون

جينز وأغلق بابها بقوة وتحرك نحو الحمام فأوقفته ممسكة

بذراعه وقالت مستغربة

" إلى أين ؟ "


نظر لها وقال

" سأذهب من الآن وأنتِ يمكنك اللحاق مع والدي "


قالت معترضة

" وما نفع ذهابك في هذا الوقت ؟ كما أنك متعب وعليك أن
تنام وترتاح "

وتابعت من فورها وقبل أن يعارضها

" ثم والدك مسافر هو وعمك ولن يرجعا قبل نهاية
الأسبوع "



لاذ بالصمت للحظة وكأنه يستوعب ما قالت وغضن

جبينه قائلاً

" وهل سنترك المنزل جميعنا ؟ "


أبعدت يدها عنه وقالت

" كنت أفكر طوال اليوم في هذا بسبب دراسة بثينة ويمامة
لكن وجود كنانة الآن جلب الحل لكل ذلك أم أنك لا تراها
امرأة يمكن الاعتماد عليها "



وقالت آخر كلماتها ترمقه بتشكيك رافض فقال ببرود متعمد

" بالتأكيد لكنهن يبقين نساء "


جمعت يداها عند وسطها وقالت ببرود أشد

" وكأننا لم نكن نبيت فيه من قبل من دونكم ؟ ثم وما
وضيفة الحرس الذين ندفع لهم الأموال ؟ "



تنهد مستسلماً كالعادة وقال بجمود

" حسناً لكن ليس قبل الظهيرة لأنه عليّا زيارة مقر
السفارة البريطانية صباحاً "


تنهدت باستسلام أيضاً متمتمه

" حسناً أمري لله "


وغادرت من فورها ناحية الباب الذي دخلت منه قائلة

" تصبح على خير "


واغلقته خلفها بهدوء ونظراته تتبعها قبل أن ينظر لهاتفه

على طاولة السرير وتمتم باستياء وهو يرفعه بحركة

غاضبة

" أي خير هذا يا ابنة شاهين الحالك ؟ "

*
*
*

حضنت ركبتيها واتكأت بطرف جبينها على زجاج النافذة

تراقب عيناها الظلام في الخارج بشرود حزين وها قد

تحررت أخيراً من سَجن نفسها في سريرها مدعية النوم لأن

والدتها فتحت باب غرفتها لأكثر من مرة وحتى وقت صلاة

العشاء لتدركها وهي تصلي ولهذا تهربت مدعية النوم الذي

لم يقرب جفناها ولم تعرفه أبداً بالرغم من شعور الخدر

الذي لازال يلازم أطرافها بل وحواسها حتى اللحظة ، وأي

نوم هذا الذي ستراه عيناها فكل ما حدث لازال يغلي في

قلبها كالسعير فهي عرفت شتى أنواع التهم ونظرات

التشكيك سابقاً لكنها لم تختبر هذه التي تكون في شرفها

وإن بينها وبين نفسها ، بل ومؤكد سيكون هذا ما فكر فيه

هو وعمته ، وبالرغم من أنها مكرهة على الزواج به وأنه

لم يوجه أي إتهام لفظي نحوها إلا أن صمته كان قاسياً

وأشعرها بالنتيجة ذاتها .


رفعت سبابتها ورسمت بها على بخار أنفاسها المتجمعة

على زجاج النافذة وابتسمت بحزن ولمعت عيناها ببريق

الدموع وهي تنظر للحرفين المتداخلين وتذكرت سريعاً ابنة

خالتها وصديقة طفولتها المقربة ( غسق ) وأخذها الحنين

لتلك الذكريات البعيدة وبالرغم من الحروب والدمار حينها

حملت معها منها ذكريات جميلة ورائعة تتذكر خروجهما

معاً في المناسبات العائلية ولقاءاتهما في المدرسة ..

أحاديثهما وضحكاتهما والتعليقات المتفرقة من الجميع

حولهما .. استيائها الدائم من مديح النساء لها وتجاهلها

هي وضحكها حين غضبت غسق لأنها من تم خطبتها قبلها

لأول مرة وهي بعمر السادسة عشر ، وأثقلت الحيرة قلبها

فكل واحدة منها كانت بطالع سيء ومستقبل كئيب !!

قلب مكسور ومشاعر ممزقة ، الفارق الوحيد أن لتلك الآن

ابنة في مثل طولها أمّا هي فقد حصدت خيبات الأمل فقط

دون نتائج ملموسة .


رفعت يدها لوجهها وفي حركة سريعة مسحت عيناها ما أن

انفتح باب الغرفة ببطء وظهر لها وجه والدتها التي

ابتسمت لها وإن كانت ابتسامة متوترة استغربتها !!

لقد تهربت طوال الساعات الماضية من مواجهتها

وتعترف بأنها لم تكن تتوقع أن تبقى مستيقظة لبعد
منتصف الليل وتقرر زيارتها !


استدارت في جلوسها نحوها وأنزلت قدماها للأرض بينما

اقتربت منها قائلة

" هل أعد لك شيئاً تأكلينه يا جليلة ؟ "


حاولت جاهدة رسم ابتسامة على شفتيها وإن كانت باهتة

متعبة تشبهها وهي تقول

" شكراً لك أمي لا أشعر بالجوع "


ورفعت نظرها معها وقد وقفت أمامها وقالت مستنكرة

" لكنك وصلتِ إلى هنا بعد العصر ولم تتناولِ شيئاً "


كانت تعلم بأنها لن تكون العبارة الأخيرة لذلك أنهت كل

ذلك قائلة برجاء

" لو كنت جائعة لنزلت للمطبخ وأكلت لوحدي أمي
أقسم لك "

أومأت لها في صمت بينما بقيت واقفة مكانها وكما توقعت

كان ثمة المزيد لديها ولن تفوت الفرصة بالتأكيد فقد قالت

تنظر لعيناها التي هربت بنظرها منها للأرض

" حسناً ألن تخبريني ما الذي حدث بينك وبين زوجك
جعلك تتركي منزلك ؟ "



كانت أصابعها تشد على طرف السرير تحتهما بقوة بينما

رفعت نظرها لها مجدداً وقالت باستياء

" لم يحدث شيء أمي أتكرهون أن أزوركم ؟! "


اتسعت عيناها وقالت مندفعة

" لا بالتأكيد لكنك ... "


قاطعتها سريعاً بينما مزاجها بدأ يتبدل للضيق تدريجياً

" لكنني لازلت عروس وهو لم يكن من جلبني أعلم هذا ،
لكن قائد أخبرك بنفسه بأنه موافق وكان منشغلاً فقط "



كان الارتباك الغير معتاد يزداد في ملامح وكلمات التي

قالت مجدداً

" أجل يا جليلة لكن ... "


فقاطعتها مجدداً لأنها وصلت أقصى درجات الاحتمال

بسبب التعب الجسدي والنفسي وقالت باستياء ومرارة

تشير لنفسها

" أمي الرحمة أرجوك أنا لا أريد التحدث مع أحد اليوم
ولا قول أي شيء لأنني متعبة و... "



وتوقفت كلماتها فجأة بسبب صوت باب الغرفة القوي والذي

اصطدم بالجدار بسبب ضربة من قدم الذي ركله بقوة وهو

يفتحه صارخاً

" بل لديك ما تقولين وستنطقين الآن "


صاحت والدتها من فورها تنظر له

" وثاب غادر من هنا أنا من سيتحدث معها "


بينما وقفت هي على طولها ودون شعور منها وها قد

علمت الآن سبب كلمات والدتها المتوترة بل ولما زارتها

في هذا الوقت فيبدو بأنه هو من كان يشتعل ناراً ويرسلها

في كل مرة أو هي من تنهاه وتختار المجيء بدلاً عنه
وهو الأرجح .

صرخ سريعاً ينظر بعينين مشتعلة لوالدته بينما تشير

سبابته نحو الواقفة خلفها

" ألم تسمعي بأذنك ما تقول ؟ بل وتطردك علانية "


أشعلتها كلماته حينها بل واتهامه الباطل مما جعلها

تصرخ محتجة

" أنا لم أخطئ في حقها فهي والدتي أيضاً ولن أرضى لها
ما أكرهه لنفسي وما لديّا قلته ولا شيء يُضاف عليه "



كان هجومه فعلياً حينها وهو يتوجه نحوها صارخاً

" وتتجرئين عليّا أيضاً يا جليلة ؟ تظنين أن جلب ذاك
المحامي الفاشل لك سيجعلك تقنعينا بهذا ؟ أم تظنينا أطفالاً
نصدق ما تقولينه "



التصقت بالسرير خلفها وهي ترجع للوراء لأن والدتها

كانت الحائل بينهما وقد صرخت وهي تمسكه من ذراعيه

" توقف يا وثاب حلفتك بالله "


وبالرغم من توقفه إلا أن نظراته المشتعلة لم تترك عينا

التي مد يده نحوها يقاوم دفع يدا والدته له صارخاً

" ستتكلمين الآن بل وستركبين سيارتي وتعودي لمنزلك
قبل طلوع النهار "


وكان ذاك ما جعل دموع القهر تملأ عينيها وإن لم تسمح

لها بالتمرد على رموشها وهي تشعر بالمهانة فلم يهتم ولا

لمعرفة السبب وكأنها بهيمة تُساق لمصيرها مرغمة ، فكان

ذاك ما جعلها تصرخ فيه بالمثل وبعناد قاتل

" لن أغادر من هنا إلا جثة ميتة فافعلها أولاً واقتلني "


انتفض جسده بقوة حينها وهو ينظر لوالدته بينما كانت

أوردة نحره ووجهه تكاد تتفجر بالدماء وصرخ

" أسمعتِ أمي ما تقول ؟ هل أتاك دليل كلامي الآن وبأنها
وصلت إلى هنا ولا نية لها في العودة "

كان حال الواقفة بينهما حينها الأسوأ بينهم ويداها ترتجف

كما ساقاها .. وجهها شاحب وشفتاها جافة وحمدت الله أنّ

والدهما غرفته في الأسفل وبسبب الأدوية التي يتناولها لن

يشعر بكل هذا ، لكن لا يمكنها أن تأمن شر ابنها وأنه لن

يخرج من هنا دون مراده وهو الذي أقسم لها قبل

صعودهما بأنها لن تبات معهم الليلة وستكون قبل طلوع

الشمس في حوران وإن سحبها من شعرها لذلك طلبت منه

أن تتحدث هي معها أولاً وبعد نوم والدهما لكنه وكعادته


لا يعرف شيء اسمه صبر وتروي ، ولأنها تعرف طباع

ابنتها أيضاً وعنادها طلبت ذلك وأصرت عليه ، صرخت

في محاولة أخيرة خائرة القوة وهي تحاول إمساكه عنها

" انتظر لنفهم منها أولاً يا وثاب "


وما أن أنهت كلماتها تلك تركته واستدارت نحو الواقفة

خلفها والتي كالمتوقع منها تماماً لن ترضخ بسهولة ولن

يجعلها تهديده تتراجع وهي المصرة على عدم قول أسبابها

ذات الوقت فقد صرخت من فورها وقبل أن توجه لها أي

سؤال تنفض يديها بغضب

" لا شيء لديّا لأقوله كم مرة سأقول هذا أمي ؟ ولا شيء
لديّا هناك أخسره لأركض إليه "

وكانت عبارتها تلك بل وآخرها تحديداً ما جعله يدفع والدته

جانباً بقوة لم تستطع مقاومتها كما مقاومة السقوط أرضاً

وهجم على التي أخفت وجهها خلف ذراعها في حركة

دفاعية لا شعورية صارخاً

" ماذا تقصدين بهذا يا نكرة "


وبدأت يده بضرب جسدها ووجهها بينما كان يمسك ذراعها

بالأخرى بقوة لم يهتم لصراخها ولا بكائها ولا محاولات


والدته التي كانت تحاول إبعاده والصراخ في كل مرة

" توقف يا وثاب "

لأن الغضب أعماه عن رؤية وسماع أي شيء ولا نحيب

شقيقته الباكية تحت قدميه بعد أن إنهار جسدها المتعب

نهاية الأمر ولا دموع والدته ورجاءاها التي كان يدفعها

في كل مرة بعيداً كقطعة قماش بالية ، ولم ترحم يده ولا

قدمه من كان يفترض أن يكون لها السند والظهر الذي تلجأ

إليه كلما ظلمتها الحياة لا أن يكون كلاهما عليها ، ولم

تنتظر هي منه ذلك فبالرغم من أن صراخها المتألم كان

يخرج رغماً عنها إلا أنها لم تتحدث بغير صرخاتها تلك ولم

تستجديه الرحمة أو تترجاه أو توافقه على ما يريده تنتظر

فقط أن تلفظ أنفاسها الأخيرة تحت ركلات قدمه فالموت

أشرف في نظرها بكثير من كل ذلك .


تبدلت صرخاتها لأنين متقطع حين توقف عنها كل ذاك

الأذى فجأة ليس رحمة منه ولا شفقة ولا إعياء بل لأنه ثمة

من سحبه من ظهر قميصه بقوة ولكمه بقبضته في وجهه

لكمة جعلته يرتمي على الكرسي الخشبي وتدحرج معه على

الأرض صارخاً بألم قبل أن يدفعه بقوة متألماً وحينها فقط

علم عن هوية الفاعل والذي لم يترك له مجالاً ليراه قبل ذلك

وهو يوجهه قبضته نحو وجهه بسرعة البرق وكان قائد

الذي وقف ينظر له بغضب مشتعل لازال يُحرق أنفاسه

اللاهثة ونظراته كما قبضته التي لم ترتخي بعد تدل على

أنه لازال يحمل له المزيد ، وذاك ما حدث فعلاً وهو يركض

نحوه متجاهلاً صراخ والدته الراجي ونداء شقيقته الباكية

باسمه وهو يهوي بجسده على الجسد الذي إنهال عليه

ضرباً لم يستطع مقاومته بينما لم تتوقف شفتاه عن سبه

وشتمه يفرغ فيه غضبه المشتعل منذ سمع صراخ شقيقته

المحببة لديه فكيف وهو يراه أمامه يضربها ودون رحمة

كالبهيمة فذاك المشهد الذي لم يفارقه حتى اللحظة ما جعله

يلكمه ويلكمه دون توقف ودون أن يترك له أي فرصة

للدفاع عن نفسه ولا إبعاده عنه .


" توقف يا قائد "


كان هذه المرة صوت رجولي صارخ جعله يتوقف وينصاع

سريعاً وهو يستوي واقفاً وينظر ناحيته واقفاً عند الباب

وهو من يفترض بأنه نائم ولا يمكن لصوت شجارهم أن

يوقظه لكن الأمر تعدى الشجار بالألسن ويبدو أن العجوز

الواقف مستنداً على عكازه لا يستسلم بشكل فعلي لتلك

الأدوية كما يظنون ، كما كانت نظراته الغاضبة الحادة أكبر

دليل على ذلك وهو ما جعل نظرات قائد تتمسك بعدائيتها

فهو لم ينسى بعد اليوم الذي طرده فيه وثاب وشقيقه وسام

من هنا يُذكرهما بأنهما ليسا فردين من هذه العائلة بينما

وقف والده صامتاً لم تؤثر به ولا دموع زوجته وهي تترجى

ابنيها أن لا يرحلا ، كما أنه من وافق ابنه على إجبارها

على الزواج لذلك هو عازم الآن وبعد ما رأته عيناه هنا أن

لا يخضع مجدداً ولا لكبريائه وكرامته لذلك توجه من فوره

نحو التي لازالت تجلس على الأرض تنظر لكل ما يجري

بعينين دامعة ذاهلة مفجوعة وخائفة ذات الوقت ورفعها من

ساعدها حتى وقفت يلف أصابعه الطويلة حول معصمها

بقوة وقال بصوت قوي ينقل نظره بين والدها الواقف مكانه

ينظر له ووثاب الذي وقف يرتب قميصه بحركة غاضبة

وينظر له بعينين مشتعلة

" ستخرج شقيقتي معي من هنا إن بالغصب أو بالقانون
ولن أسمح لأي رجل على وجه الأرض أن تمتد يده عليها
وكائناً من يكون ومهما كانت أسبابه "



كانت نظرات والدها له جامدة جمود الصخر ولا يمكن فهم

ما يجول في عقله حينها بمجرد النظر لها وهو ما جعل

أصابعه تشتد على رسغها أكثر فقد شعر بارتجاف يدها

الواضح والجميع يعلم ما يكون هذا الرجل جيداً وإن شابَ

شعر رأسه وانحنى ظهره قليلاً وفقد قوة شبابه وصحته إلا

أنه كان ولازال صاحب الكلمة العليا في ذاك المنزل لأنه كان

من أشد أنواع الآباء حزماً خاصة في تربيته لبناته والتي

فقدت توازنها قليلاً عند الابن الذكر الوحيد ولعدة أعوام

حتى كانت النتيجة رجل بطباع والده الحادة ممزوجة مع

السلوك العدواني السيء بسبب تدليل والديه المفرط له

وذاك ما ظهر جلياً حين صرخ ذاك الابن بقوة وسبابته

تشير نحوهما بينما نظره موجه لوالده

" أرأيت ما يحدث يا أبي ؟ هي تركت منزل زوجها وهو
من جلبها منه دون أن يخبر... "


" أصمت يا وثاااب "



كانت صرخة والده كفيلة بإخراسه تماماً بينما لم يكلف

نفسه عناء النظر ناحيته لأن نظراته الغائمة لم تترك عينا

قائد وضرب بعكازه الأرض ما أن قال بحدة

" لن تخرج بها من هنا يا ابن نصران "


كانت عبارته تلك بمثابة الموت بالنسبة لجليلة وأشد من

ذلك على قائد بل ووالدتهما التي أمسكت فمها باكية وهي

تقف بينهم جميعاً ، الوحيد الذي انبعثت النشوة في أوردته

كان وثاب الذي نفخ صدره يبتسم لوالده بامتنان وفخر

ابتسامة تلاشت كالضباب تحت أشعة الشمس الحارقة ما أن

نظر نحوه وصرخ بحركة خفيفة من عكازه

" بل أنت من تغادر منزلي فوراً "


لم يكن وحده من تحول لتمثال حجري بعينين متسعة حينها

بل كان للجميع النصيب منها .. قائد الذي كان هذا التصرف

أبعد من مخيلته مروراً بوجه جليلة الباكي المصدوم

وصولاً لوالدتها التي شهقت بصمت تضرب صدرها بيدها

بينما صاح وثاب ما أن اجتاز صدمته قبل الجميع لأنه

المعني الأول بذاك الأمر

" أنا !!؟ "


كان وكأنه يتوقع خلاف ذلك بل وواثق من أنه أخطأ في

مقصده حتى قال صارخاً في وجهه

" أجل أنت ولا أريد رؤيتك هنا مجدداً "


أنتفض جسده بقوة من هول صدمته لأنه لم يعرف منه هذا

السلوك سابقاً فإمّا أن يقف في صفه أو أن يصمت فقال

بانفعال واضح بينما سبابته تشير نحو قائد

" أنا من تطرده بينما هو من .... "


قاطعه صارخاً وموجهاً رأس عكازه نحو الباب

" غادر من هنا يا وثااااب "


وكانت له الكلمة العليا بذلك وهو من يعرفه جيداً وذاك ما

جعله يستسلم وإن كرهت نفسه فهو لم يفعلها وطرده سابقاً

فكان وقع الإهانة عليه أكبر من تصوره هو نفسه فتحركت

خطواته الغاضبة الواسعة نحو الباب المفتوح على اتساعه

وغادر منه متجاهلاً صراخ والدته التي تحركت خلفه

قائلة بجزع

" وثاب انتظر "

وتوقفت خطواتها عند زوجها الذي أمسكت بيده من فوق

إنحناء خشب عكازه وقالت برجاء باكي

" أقسمت عليك بالله يا يونس أين سيذهب في هذا الوقت ؟
دعنا نتفا.... "


وتوقفت كلماتها حين نفض يده عنها صارخاً

" أصمتي أو ألحقتك به "


قبضت أصابعها بعيداً عنه بينما صرخ هو يحرك عكازه

بقوة في الاتجاه الذي غادر منه ابنها قبل قليل ونظراته

الغاضبة لم تفارقها


" أنا لم أنجبه وأربيه لتمتد يده على شقيقاته بل ليكون
لهن السند بعدي "


وانتفض جسدها بسبب ضربه للباب بطرف العكاز بقوة

وراقبته نظراتها الجزعة وهو يغادره صارخاً

" ظننته رجل يُعتمد عليه لكني لم أعرف كيف أربي رجلاً "



وابتعد مع ابتعاد صوت اصطدام رأس عكازه بالأرض

فضربت يديها ببعضهما تتمتم باكية

" لا حول ولا قوة إلا بالله "


ولحقت به مباشرة فهو وإن تغلب على ألم عموده الفقري

وهو يصعد إلى هنا فلن يكون نزول السلالم بالأمر السهل

عليه بالتأكيد فكان خيارها الأول هو اللحاق به وتركت

بعدها صمتاً موحشاً سرعان ما تخلله صوت نحيب التي

هوى جسدها جالسة على السرير خلفها وأخفت عيناها

وبكائها في كفيها منحنية الرأس قبل أن تستسلم لحضن

الذي جلس بجوارها وشدها إليه يشعر بكل عبرة تخرج من

جوفها سكين يذبحه وحمد الله أنه استمع لرأي عقله حين

توقع أن يحدث هذا معها وأن لا يتركها وثاب وشأنها فلازم

المنزل يراقبه من طرف الشارع جالساً في سيارته منذ

اتصل بوالدته وقت العشاء وسألها عنها وعمّا ينوي وثاب

فعله وقرأ من أجوبتها المتضاربة وكلماتها المتوترة أموراً

تخفيها عنه ، وبما أن سيارة ابنها ذاك لم تغادر المنزل علم

بأنه ينتظر الفرصة فقط .


حضنها بقوة وكأنه سيدخلها وسط أضلعه وقال بحزن

" لن يفعلها مجدداً يا جليلة أقسم لك وإن أخذته
بنفسي للسجن "



لم يستطع قول غير ذلك وأي كلام هذا الذي يمكنه قوله

فالقسوة حينما تكون من الشقيق أو الأب لا يضاهيها شيء

في الوجود لأنهم ثوابت في حياة المرأة عكس الزوج والابن

، وكم حمد الله أنّ موقف والدها كان مخالفاً لتوقعاته ولا

يمكنه نكران ذلك فلطالما وقف معه ضد شقيقاته الإناث ،

وها قد فهم اليوم السبب فهو كان يريده الظهر القوي

الحامي لهن لكنه اختار الطريقة الخاطئة للأسف ومنذ

البداية فأن تجعل للشقيق القوامه على شقيقته لا يعني



أن تعلمه كيف يقسو عليها بل أن يحتويها ويحترمها لتحبه

وبالتالي ستفعل كل شيء لأجله ولا تخالف كلمته أبداً وهذا

ما علمته إياه الحياة حين وجد نفسه بين أم وأب منفصلان

عن بعضهما وعائلتان كل واحدة منهما ليست

عائلته الخاصة .



تركها تبكي في حضنه مكتفياً بالمسح على شعرها حتى

بدأت عبراتها تختفي تدريجياً وبكاؤها يخف وحين ابتعدت

عنه انتظرها حتى عاودت لف شعرها الذي تناثر أغلبه من

المشبك البلاستيكي المثبت فيه بعد الذي حدث بينما كانت

تنظر للأرض شهقاتها لازالت تكتسح أضلعها كل حين ، وما

أن أنزلت يديها لحجرها وقد استقر نظرها عليهما نظر

لنصف وجهها المقابل له والذي كان متورماً من شدة البكاء

وكدمة حمراء تحت عينها يعلم بأنها ستتحول للّون الأزرق

فيما بعد والله وحده يعلم ما الذي تشعر به أيضاً في جسدها

من أضرار بسبب ضربه المبرح لها ، شد قبضتيه بقوة

وكأنه يمنعهما من تحطيم خشب السرير تحته للتنفيس عن

غضبه الذي يشعر بأنه لم يخمد بعد وقال بكل ما استطاع

من هدوء

" جليلة عليك إخباري بما حدث لأكون بجانبك وحتى إن
وقف والدك ضدك مستقبلاً "



وكان جوابها الصمت لازالت تنظر ليديها التي بدأت تشدهما

ببعضهما بقوة وقد تقاطرت دموعها عليهما في تمرد جديد

على عيناها التي لم تعد تملك القوة أساساً لترغمها على

عدم فعلها وكان ذاك ما مزق قلبه وبشدة ويعلم بأنها

تصمت لأنها لا تجد المنصف في كل مرة فقال بجدية

نطقت بها عيناه قبل لسانه

" أنا لن أخذلك أبداً يا شقيقتي وما حدث في السابق لن
يتكرر ولن يجبرك أحد على ما لا تريدين أقسم لك "


كان ينتظر أي كلمة تصدر عنها ومهما كانت حتى يئس

تماماً فلا شيء غير الدموع التي ترفض التوقف وهي

تمسحها تكراراً ورغم كل ذلك كان سيحاول مجدداً ودون

يأس لكن الكلمات توقفت على رأس لسانه حين فاجأته

شفتاها التي تحركت ببطء وخرج همسها مبحوحاً خافتاً

بينما لم ترفع نظرها نحوه

" كنت متعبة اليوميين الماضيين وأجهل السبب لأنها
أعراض غريبة حدثت فجأة ولم أعرفها سابقاً لذلك جلب
طبيبة للمنزل ... "



وتوقفت فجأة وبدأت تشد يديها بقوة مجدداً ولازالت تنظر

لها فقال ينظر لها بفضول وترقب

" وماذا حدث ؟! "


لاذت بالصمت لبعض الوقت حتى ظن بأنها لن تتحدث ولم

يكن يتصور أنه بسبب ثقلها عليها حتى خرجت كلماتها

أخيراً مختلطة بعبرتها المكتومة

" كشفت عليا سريعاً ثم أعطتني جهاز اختبار حمل ... "



وتوقفت كلماتها مع وقوفه ينظر لها مصدوماً لمجرد

سماعه اسم ذاك الجهاز ومؤكد توقع التالي ما سيكون

ورغم ذلك نظرت له فوقها وقد قالت ببكاء ظهر واضحاً

في صوتها والدموع تتقاطر من رموشها الكثيفة تباعاً

" لقد أخبرته وعمته بأني حامل وأرتهم نتيجة الاختبار "




كانت عيناه متسعة بطريقة لم تعرفها سابقاً وأنفاسه تخرج

كالإعصار وكأنه قنبلة موقوتة توشك على الانفجار وتدمير

كل شيء لكنه وفجأة اختفى ذاك الوميض الأسود في عينيه

وتبدلت نظرته لتفكير عميق وكأن فكرة ما اجتاحت عقلة

فجأة وهو ما يفعله بديهياً الشخص الذي لا يتوقف عقله عن

العمل وقت الغضب وهمس ينظر لعينيها

" لكن ... كيف يا جليلة "


هربت بنظراتها منه وعادت تنظر ليديها المقبوضتين معاً

بقوة من بين الدموع المتكدسة في عينيها ولم تكن أيضاً

بالغباء الذي يجعلها لا تفهم معنى سؤاله ذاك ومن الطبيعي

أن لا يقوله بشكل مباشر خاصة مع صدمته بالأمر وشعرت

بثقل العالم بأسره يجثو على قلبها حتى كادت تفقد أنفاسها

وهي تقول بكلمات باكية متأنية

" أجل كل واحد منّا ينام في غرفة حتى الآن "



ووقفت على طولها ما أن تحرك بخطوات مسرعة غاضبة

نحو باب الغرفة ولحقت به رغم ألمها وأدركته قبل أن

يخرج وأمسكت بذراعه قائلة

" أين ستذهب ؟ "



وما أن أدار رأسه نحوها قال بحاجبين معقودين

ونظرات غاضبة

" لحوران بالتأكيد "

اشتدت أصابعها على ذراعه وقالت مندفعة وبكلمات راجية

" لا يا قائد أرجوك "


حرك يده في محاولة للفرار من قبضتيها وقال بحدة

" أتركيني يا جليلة فالنار المشتعلة داخلي لن تنطفئ
إلا بذهابي "



لكنها لم تتركه بل أمسكت ذراعه بكلتا يديها وقالت مجدداً

" لا ليس هكذا يا قائد رجاءً "


استدار نحوها بكامل جسده وقال بضيق

" ولما يا جليلة ! بل وبأي طريقة أخرى ؟ "


ولاذ بالصمت لبرهة وقبل أن يقول ونظرة تفكير ترتسم

على ملامحه

" ماذا فعل لك ؟ "


فاجأها سؤاله وإن كان يفترض بأن تتوقعه فحركت رأسها

سريعاً وقالت

" لم يفعل شيئاً "


تبدلت نظراته للاستغراب وقال

" وماذا قال ؟ "


هربت بنظراتها منه وتعلم جيداً ما توقعه وكان سبب غضبه

ذاك وقالت بصوت خفيض مرتخي

" حتى وقت وصولك لم يقل شيئاً "


نظر لها بعدم استيعاب وقال دون شعور

" لا شيء أبداً !! "


رفعت نظرها له وقالت بصوت ذابل يشبه ذبول وحزن

ملامحها تنظر لعينيه

" لا شيء لأني سجنت نفسي في حمام الغرفة ولم أراه
إلا وقت أخبرني بقدومك "



حرك رأسه في حيرة وضياع ولم يعلق فأبعدت نظرها عنه

مجدداً نحو الأرض وقالت بحزن "

أنا لا أنتظر رأيه وما سيقول "


وكان ذاك ما جعل حاجباه الأسودان ينعقدان بشدة

وقال بحزم

" وكيف هذا يا جليلة ! عليه قبل أي أحد أن يتأكد وبالدليل
القاطع عدم صحة ذلك "



رفعت رأسها ونظرت لعينيه وقد بدأت عيناها تمتلئ

بالدموع وهمست بحزن وبحة واضحة

" هل احتجت أنت لدليل يا قائد ؟ "


شعر بكلماتها نصل سكين اخترق قلبه حتى شعر بالخدر

في أطرافه وسمع صوته وكأنه ليس له حين قال

" أنا شقيقك وأثق بك "



ابتلعت غصتها مع ريقها الجاف ودمعت عيناها وقد

قالت بأسى

" لكنك رجل ولن تختلف عنه في هذا لذلك عليه أن يكون
مثلك أو لا أريده ولن أخرج من هنا وإن قتلوني "

ضمها لصدره في حركة واحدة تغلبت فيها يداه على كل

شيء فيه ينظر للفراغ أمامه بشرود حزين قبل أن يبعدها

عنه ممسكاً بذراعيها وقال بنبرة جادة ينظر لعينيها الدامعة

" أخبريني إذاً ما تنوين فعله وأنا معك في كل ما ستقررين
وما تريدين "


ابتسمت شفتاها وإن كانت ابتسامة ذابلة تشبه ملامحها

الحزينة المتعبة والتي سرعان ما اختفت أيضاً وحين قالت

بجمود ولازالت تنظر لعينيه

" لقد تركت حقيبة ثيابي لديه فإما أن تلحق بي ويحررني
منه بمحض إرادته أو أن يأتي بنفسه لسماعي لأنه
يصدقني فقط "




حرك رأسه والدهشة أول ما ارتسم على ملامح وجهه وإن

تخللتها ابتسامة واضحة وقال

" وأي رجل هذا الذي يمكنه تجاوز اختبار كهذا ؟! "


أشاحت بوجهها جانباً واشتدت قبضتاها بجانب جسدها

وقالت ببرود

" إن كان رجلاً سيجتازه فأنا لن أجلس عند قدميه أبكي
وأترجاه أن يصدق ما أقول "



تنهد في صمت وقبل أن يقول

" عليك أولاً أن ... "



لكنها قاطعته قبل أن ينهي ما تعرفه وتتوقعه جيداً ونظرت

له قائلة

" سأزور الطبيبة النسائية غداً ولن أجلب فقط ورقة اختبار
تثبت كذب تلك الطبيبة بل وورقة تثبت بأني لازلت عذراء
ولم يقربني رجل أبداً لكنه لن يراها إلا إن جاء إلى هنا ومن
دون حقيبة ثيابي "


عاد لاحتضانها مجدداً وقبّل رأسها وقال

" وأنا معك وبجانبك في كلا الحالتين "



وعاد وأبعدها عنه وقال برقة ينظر لعينيها

" نامي الآن وارتاحي ولا تفكري في شيء مما حدث
وسيحدث حسناً ؟ "


أومأت برأسها تبتسم له بامتنان وحزن وهمست

بعينين دامعة

" شكراً لك يا شقيقي "


ارتفعت يداه لرأسها وأمسكه وقبّل جبينها قبل أن ينظر

لعينيها قائلاً

" لقد أحسنتِ صنيعاً بما فعلته يا جليلة ولم تخب ظنوني بك
، وإن كان بالفعل يستحق كلمة رجل سيفكر ويقرر كرجل "



وتابع من فوره ويده تمسح على طرف وجهها

" سأزورك في الغد ... تصبحين على خير "



وقال آخر كلماته وهو يستدير مغادراً وقد ودعته نظراتها

الحزينة الدامعة وتمنت أن كان كل شقيق في الوجود يشبهه

بل وأن كان هو شقيقها من والديها وليس وثاب ،

استغفرت الله بكلمات حزينة هامسة وعادت نحو سريرها

تجر خطواتها بصعوبة بسبب الرضوض في ساقها وفخذها

الأيمن لأنه كان أكثر مكان تلقى ركلاته القوية بينما غادر

هو مغلقاً الباب خلفه بهدوء وما أن وصل السلالم المؤدي

للطابق الأرضي وجد والدته أمام وجهه فتوقف لوقوفها وقد

قالت سريعاً تنظر لعينيه بترقب وفضول

" هل أخبرتك بما حدث يا قائد ؟ "



تنهد نفساً عميقاً وحرك رأسه قائلاً

" أجل ولا تتعبي نفسك وتتعبيها معك بسؤالها يا أمي
فهي لن تقول "


تغضن جبينها باستغراب وقبل أن تقول بضيق

" وما هو هذا الذي لن تقوله ؟! لا تكون الأمور

هكذا يا قائد "



تنهد بضيق مماثل وقال بكلمات جادة ويده تشير نحو المكان

الذي جاء منه

" أنا في صفها وهي على حق فاتركوها تقرر فقط دون
أي تدخل "


اتسعت عيناها وارتفعت يدها لصدرها وقالت بجزع

" هل ستتطلق منه ؟ "



حرك رأسه في يأس منها فتفكيرهم منحصر فقط في طلاقها

منه ودون التفكير حتى في السبب ! قال بذات كلماته

الجادة الحازمة

" بل سترجع له معززة مكرمة أو أن يطلقها بنفسه فلا
تعيدوها له مُهانة يا أمي رجاءً "



حركت رأسها بأسى وضربت يديها ببعضهما متمتمه بحزن

" يا رب رحماك "



تنهد بضيق فهو يعرف والدته جيداً فهي لم تستطع العيش

مع والده وعائلته لأنهم ذئاب وهي لا حول لها ولا قوة

تصمت أكثر مما تتحدث وتزوجته وهي في سن صغير

وحين تزوجت بزوجها الحالي استطاعت أن تعاشره

وتتحمل طباعه بسبب طبعها المسالم ذاك ويعلم بأنه لا

كلمة لها معه ومع ابنه ورغم ذلك نظر لعينيها ورفع سبابته

وهو يقول بحزم

" أمي لن يجبرها أحد على العودة له دون أن يأتي بنفسه ،
وإن فكر والدها في فعلها فقسماً سآخذها من هنا ولن يجدها
أحد بعد اليوم "



وما أن أنهى كلماته تلك اجتازها نازلاً السلالم وقد قال

" تصبحين على خير "


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 10:51 PM   #18338

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*


زمت شفتيها واشتدت أصابعها على الهاتف في يدها بينما

كان صوت شقيقتها المرتفع الغاضب لم يكتفي من تحطيمها

صارخه بغضب

" قسماً لم ترى عيناي من هي أشد غباء منك يا جمانة ،
بغبائك وسذاجتك كادت تلك المرأة أن تورطك في مصيبة
عظيمة وتخرج هي منها وكأن شيء لم يحدث لأنها استغلت
غبائك وضعفك .. "



كانت تصرخ وتعيد بكل ما جاد به لسانها وهي تستمع دون

نقاش كالعادة ليس لأنها تراها محقة أو لا تملك ما تقول بل

لأنها كانت دائماً الفتاة التي تفتقر للذكاء وحسن التصرف

في نظر عائلتها جميعهم وكانت شقيقتها التؤام هي المثال

الذي تُعاقب به دائماً بتذكيرها بأنها أفضل منها في كل

شيء وهما اللتان ولدتا في ذات اليوم والوقت حتى تشبع

عقلها بتلك الأفكار ، أغمضت عينيها وتنهدت بعمق ما أن

قالت التي يبدو لم تكتفي بعد من توبيخها

" أتعلمين ما كان سيكون مصيرك ؟ "



نفضت يدها الحرة وقالت بضيق

" يكفي يا جيهان لقد تشبعت "


وكان ذاك ما جعلها تعود للصراخ الغاضب مجدداً قائلة

" لا ليس يكفي ولا جَلد ظهرك يا مغفلة ، أكنتِ تتوقعين ما
كان سيحدث الآن لو لم يخرج لكما ذاك الرجل من العدم ؟ "




ارتجف جسدها بأكمله من مجرد تذكر ذلك وقالت بتوتر

" لا تذكرني به فأنا أصبحت أراه يخرج لي من كل مكان "



وصلها صوتها المتضايق سريعاً

" لا لن يخرج مجدداً وليس هو بهذا الغباء كما سيبلغها
هي بأنكما رأيتماه "



اتسعت عيناها وهمست مصدومة

" يبلغها !! "


قالت تلك بتذمر

" يا الله ما أغباك يا جمانة "


عادت لشد شفتيها بحنق مكبوت كعادتها بينما عادت

شقيقتها تلك للصراخ فيها متابعة

" أتتصورين مثلاً أنه موجود هناك دون علمها ؟
بل واختفى لأنها ساعدته على ذلك "



تبدلت ملامحها للاستغراب فجأة وهمست

" لكن كيف ؟! "


وصلها صوتها الجاد سريعاً

" لا يهم ذلك ولا ينفعنا في شيء لكنه لن يدخل دون
علمها بالتأكيد "


اشتدت قبضتها بغضب وقالت مندفعة

" إذاً سأخبر الجميع بما رأيته ليكتشفوا أمرها "



صاحت فيها محذرة

" إياك وفعلها أو فعل أي شيء من دون إعلامي "



تنهدت بضيق بينما لم تترك لها وقتاً لتعترض وقد قالت

مباشرة وبتهديد

" لن نتحرك قبل أن نعلم من يكون وكيف يصل لها ، لا
تصرفات حمقاء مجدداً جمانة افهمي ما أقول ؟ "


كورت شفتيها وتمتمت ببرود

" لا أفهم "


" ماذا تقولين !! "



لم تستغرب صوتها المصدوم حين قالت عبارتها تلك فهي لم

تكن تسمع منها سابقاً سوى حسنا ونعم وكما تريدين لكنها

تعلمت أموراً كثيرة وإن لم تستطع تطبيقها جميعها حتى

الآن لذلك شجعت نفسها ولأول مرة ونجح الأمر حين

سمعت صوتها وكأنها لا تعرفه وهي تنفجر فيها بحدة

" قلت لا أفهم ولا أريد أن أفهم وهذه المرة الأخيرة التي
أتحدث معك فيها عن شيء "

ولم تجد الوقت للتنفس وتهنئة نفسها على شجاعتها

الغير معهودة حتى وجدت نفسها عرضة للهجوم مجدداً

من التي قالت بغضب حتى كانت تشعر بصوتها يضرب

طبلة أذنها

" لا تمارسي دروس بناء الشخصية التي تقرئين الأكاذيب
عنها ضدي يا جمانة فأنا أعرفك جيداً كما أعلم عن نوع
عدوك وستنتهي لخارج قصر تلك العائلة إن استمريتِ في
التصرف بغباء "



كانت عيناها متسعة بينما عجزت عن تحريك لسانها وكأنه

تيبس تماماً ووحدها أنفاسها القوية ما كان يخرج من

شفتيها فلم تستطع استيعاب ما سمعت للتو وكأنها ليست

هي من نصحها بتلك الدروس والدورات فهل أصبحت مجرد

أكاذيب حين استخدمتها ضدها ؟ أطبقت شفتيها واستجمعت

أنفاسها لتنتظم قليلاً ثم همست ببرود وهي تبعد الهاتف

عن أذنها

" وداعاً "



وأغلقت الخط وهي تسمع صراخها الغاضب يبتعد ولم تهتم

لسماع ما كانت تقول لأنها تعرفه وحفظته لأعوام طويلة ،

أغلقت هاتفها ما أن عاودت الاتصال بها ورمته بعيداً عنها

واستندت بمرفقيها على ركبتيها وأمسكت رأسها بيديها

منحنية الظهر تغرس أصابعها بين خصلات شعرها وشدته

بقوة واكتسى الألم عينيها وكلمات شقيقتها تلك تتكرر في

رأسها دون توقف ولا خضوع لها حتى بدأت بضربه بهما

بقوة صارخة

" يكفي .. يكفي .. يكفييي "



رفعت رأسها لاهثة الأنفاس تنظر بعينين واجمتين لباب

الغرفة المفتوح والذي تسرب منه صوت طرق واضح على

باب الجناح فوقفت ترفع شعرها عن وجهها وغادرت

الغرفة قبل أن تتوقف خطواتها بسبب الوساوس التي

انتابتها فجأة وهذا بات حالها تخاف من ظل الأشجار

على النافذة .



ما أن تكرر الطرق بإلحاح أجبرت قدماها على التحرك حتى

وصلت له وفتحته ببطء وأصابع متشنجة حتى كان كشق

بسيط نظرت من خلاله وحين اكتشفت هوية الطارق فتحت

الباب رغم استغرابها لزيارتها الآن ! ابتعدت للخلف خطوة

ما أن دخلت أسماء وأغلقت الباب خلفها وذاك ما جعلها

تزداد توجساً وحيرة فمؤكد لديها سبب ما جعلها تأتي

وتتصرف هكذا ! وهو ما تبين لها بالفعل ما أن نظرت

لعينيها وقالت

" ثمة أمر مهم علينا التحدث فيه "



تذكرت كل ما قالته شقيقتها وإن كان بطريقة قاسية لكنها

حقيقة عليها الاعتراف بها لذلك قالت سريعاً وببرود

" لن أصعد لذاك الجناح مجدداً ولا في وضح النهار "


قابلت أسماء كلماتها تلك بالسخرية متمتمه

" كل هذا بسبب الخوف ؟ "

قالت مندفعة وبضيق

" لا .. "


وتابعت من فورها وبجمود تنظر لعينيها

" وإن كان الحديث عن الخوف فقد كنا شريكتان فيه "


تقبلت أسماء إهانتها بالصمت وإن مكرهة ولن تستطيع

بالطبع نكران ذلك وتعلم بأنها خرقاء وكانت أكثر جبناً منها

أيضاً لكنها سبيلها الوحيد فهي انتظرت خروج السيد ضرار

فجراً لتخبره ثم تراجعت لأنه ليس ثمة وقت يفصلها عن

معرفة الأمر والآن وصلت لباب جناحه وتراجعت حين

فكرت بأنه قد يخبر سلطان بأنها من أخبره وهنا ستنتهي

هي للنهاية التي تريدها لتلك القاتلة فوجدت بأنه لا حل

أمامها سوى جمانة لتصل لهدفها دون أن تقحم نفسها في

مشكلات مع زوجها أو حتى مع والده ، ازداد عزمها على

ما هي هنا من أجله وقالت بجدية

" أنا لست هنا لأجل ذلك لأنها لم تعد موجودة فيه أساساً "



حدقت فيها بعينين ذاهلة وهمست

" ماذا !! "


لم تعلق ولم تخبرها بشيء لتتركها قليلاً تتقلب فوق الجمر

المتقد ، وهو ما حدث فعلاً وقد خرجت كلماتها نهاية الأمر

متناثرة مبتورة هامسة

" كيف .. لكن .. أين ذهبت ! "


وحركت رأسها كالبلهاء التي تحاول تفسير شيء ما وعادت

وقالت باستغراب

" هل أعادوها للمستشفى ؟ "

تحركت شفتا أسماء حينها وما أن علمت بأن ضحيتها باتت

جاهزة لتلقي الخبر الأهم وقالت بكلمات متأنية واضحة

" بل أخرجها زوجك من هنا وللأبد يا ساذجة "


وكان رد فعلها أن صرخت فيها بعنف وعينان متسعة

" ماذااا !! "


ابتسمت بانتصار لبلوغها مرادها فهي تعرف تهور المرأة

حين يتعلق الأمر بزوجها فكيف بواحدة كالواقفة أمامها الآن

لم تراها حكّمت عقلها يوماً وفكّرت قبل أن تتصرف فألقت

لها بسلاحها الأخير قائلة بجدية

" هذا ما قاله سلطان بلسانه ونقلته الخادمة لي وتأكدت
منه بنفسي فلم يصعد لها أحد فترة الصباح "



بدأت الدموع تنزل دون توقف من العينين المشبعتين باللون

الأسود الثقيل للتخلص من مشكلة حجمهما الصغير بينما

استغلت الواقفة أمامها الوضع الشبه هادئ حتى الآن بسبب

الصدمة لتصل لغايتها الأساسية وقالت

" هم يخفون كل هذا عن عمي لأنه إن علم فسينتهي شيء
اسمه وقاص هنا وسترجع تلك القاتلة المجنونة لمكانها
الأساسي وهو الصحيح أو السجن "



وتابعت من فورها ما أن لاحظت بأنها تنصت لها بتفكير

وقالت تعيد مجدداً

" وصول الخبر لضرار السلطان هو ما سيبعدها عن
هنا وللأبد "



قالت التي انتهت من دراسة الفكرة أخيراً وبعبرة واضحة

" ووقاص أيضاً وأنا سأرجع لمنزل والدي بالطبع "



لا تنكر بأنها فاجأتها بل وأظهرت غبائها فما كان عليها

أن تقول بأن وقاص سينتهي وجوده أيضاً ، تباً لها لقد

استهانت بصغر عقلها كثيراً وعليها إصلاح الأمر سريعاً ،

قالت مباشرة وبنبرة جادة واثقة لتقنعها

" لا بالتأكيد فأنتِ زوجته "


سالت الدموع مجدداً في خطان أسودان عبر وجنتها

وقالت بحسرة

" زوجته التي خسرته منذ أن خالفت أمره ولن يأخذني
معه ما لم أستعيده لي أولاً "



تنهدت المقابلة لها بضيق ولم تكن على استعداد لسماع

نواحها وشكواها لذلك قد انتهى ما لديها وقالت مغادرة

" أنا أخبرتك وأنتِ لك الخيار "


" ولما لم تخبريه أنتِ ؟ "


توقفت فجأة وتركت يدها مقبض الباب تنظر للفراغ أمامها

مندهشة فهي لم تتوقع هذا السؤال منها ..! عقلها الصدئ

يمكنه العمل إذاً ؟! استدارت نحوها ونظرت لعينيها تحاول

استغلال كل جزء من الثانية لترتيب ما ستقوله ووجدت

حجتها سريعاً قائلة

" لأنه لن يصدقني وسيظن بأني أفعل ذلك انتقاما لموت
إبني لكن أنتِ لا ، حتى أنه يحسب لعلاقته بوالدك
ألف حساب "



وحين لم تعلق واكتفت بالنظر لها بصمت تَجدد أملها بأن

تفعل ما تخطط له لذلك أضافت ترسم نظرة حزن في عينيها

قبل كلماتها

" إبني مات وانتهى لكن زوجك ما يزال على قيد الحياة
وخسارة الأحياء أشد قسوة لأنك ستريه مع غيرك دائماً "

وما أن أنهت كلماتها تلك غادرت مغلقة الباب خلفها وتركت


التي أنزلت بها صاعقة مدمرة بما قالت وذكّرتها بكل ما

علمته منها دفعة واحدة بل وحددت لها ما سيحدث معها

مستقبلاً وذاك ما جعل أنفاسها تتعالى بقوة حتى كانت

أضلعها ستنفجر بها وخرجت صرختها العالية نهاية الأمر

وكأنها تُخرج الزلزال المدوي داخلها فيها وعادت بخطوات

راكضة نحو غرفتها ورفعت هاتفها الذي بالكاد كانت تراه

من خلف دموعها المنهمرة دون توقف ، وتوقفت لوقت

تنظر له بين يديها المرتجفتان وتذكرت كل ما قالته لها قبل

قليل وبأنها قررت أن لا تستشيرها ولا تسألها أو تحكي لها

عن شيء مطلقاً بل وستفعل ما يخبرها به عقلها ومهما

كانت النتائج .

*
*
*

مرت الدقائق الواحدة تلو الأخرى وهي على حالتها ذاتها

عيناها مفتوحتان وتحدق في ديكور سقف الغرفة حتى

حفظت تفاصيله كاملة وبائت جميع محاولاتها للنوم بالفشل

، وكيف ستنام بعد كل ساعات النوم الطويلة تلك ؟ وها هي

تدفع ثمن كل ذلك ودخلت في حرب ضروس مع عقلها

لتجنبه التفكير فيما حدث وفيما سيحدث لأن ذلك يرهقها

نفسياً وجسدياً أيضاً وعليها ترك المستقبل للمستقبل يكشف

نفسه بنفسه .


رمت اللحاف عن جسدها وجلست تجمع شعرها بجانب

كتفها ووقفت وغادرت السرير وبدأت في الدوران

بعشوائية في الغرفة الواسعة الشبه مظلمة وكأنها تشغل

عقلها بفعل أي شيء ، توجهت ناحية الستائر الثقيلة

المنسدلة وأبعدت طرفها بيدها وشغلت نفسها للحظات

بالنظر للحديقة التي بالرغم من انتشار الأنوار فيها إلا أنها

متأكدة من أنه ثمة تفاصيل كثيرة رائعة فيها يخفيها الظلام

الذي لا قمر فيه .


تركت القماش الثقيل الفاخر يعود لمكانه وعادت نحو

سريرها ورفعت هاتفها ونظرت للإشارة التي لا وجود لها

فيه لأن شريحة هاتفها لن تعمل هنا بالطبع وخيّم الحزن

على ملامحها ما أن تذكرت والدتها فلا يمكنها ولا الاتصال

بها الآن فقط لتسمع صوتها وصوت والدها وإن كانت

ستكون كطفلة في العاشرة أخذوها بعيداً عن والديها لكنها

شعرت بالفعل بالحنين والاشتياق لهم ومن الآن فالشعور

فقط بأنه ثمة آلاف الأميال تفصلها عنهم يزيدها سوءاً ،

استغفرت الله وهي تضع هاتفها مكانه وأخذتها خطواتها

ناحية باب الغرفة وبتردد أمسكت مقبضه وأدارته ببطء

وكأن كل من في المنزل سيسمعون صوت طقطقته الخفيفة

التي بالكاد تُسمع بالرغم من السكون التام .


كانت أضواء الجدران الخافتة تضيء الممر القصير وتعكس

أنوارها زخارفه الذهبية الجميلة وكان البابان المجاوران

لغرفتها مغلقان ولا تعلم إن كانت غرف شاغرة أم لا ؟

وكان يفصلها عن بعضها أقواس كبيرة تحمل ذات النقوش

والزخارف يتوسط كل واحدة منها ثريا ضخمة تلمع قطع

الكريستال المتدلية منها كالنجوم وإن كانت غير مضاءة ،

وبالنظر لنهاية الممر علمت بأنه لا ينتهي هناك بل يبدو

أنه يفتح على الجانبين كما تشعر بنسيم هادئ لامس

بشرتها الدافئة جعلها ترتاب عن مصدره ! وذاك ما دفعها

لترك مكانها وباب غرفتها مفتوحاً وتقدمت خطواتها ببطء

نحو ذاك الجانب من الممر والذي لم تأتيان منه بينما كانت

نظراتها مصوبة نحو الأمام وكأن عقلها أفقدَها أهمية

جميع التفاصيل حولها وبات هدفه هو اكتشاف المكان

المكشوف هنا .


وكان شكّها في محله وقد وقفت بعد اجتيازها للقوس الثالث

وأعمدته الضخمة تنظر مستغربة ناحية الشرفة الواسعة

المطلة نحو الخارج بزاوية نصف دائرية وعلمت فوراً

بأنها تحتل أحد زوايا المنزل وهذا ما رأته بوضوح وقت

نزولها من السيارة والنظر له فقد كان بزوايا نصف دائرية

عبارة عن شرفات يحيط كل واحدة منها سياج ذهبي براق

وجميل ، لكن ما جعلها تقف مستغربة ليس وجود هذه

الشرفة بل جسد الفتاة الجالسة على الأرض تحضن ركبتيها

مقابلة للسياج توليها ظهرها واستغربت وجودها هنا في

هذا الوقت !


شخص واحد كان يمكنها تكهن من قد يكون هذا وذاك ما

جعلها تقترب من الشرفة أكثر وتوقفت خطواتها ما أن

شعرت الجالسة هناك بها ووقفت على طولها واستدارت

نحوها والتقت عيناهما مباشرة لتعلق نظرات كنانة في

الأحداق الرمادية الواسعة المحدقة فيها باستغراب مماثل

مما جعلها تُهمل النظر لباقي ملامحها للحظات لأنها كانت

كالسحر تماماً ! فهي للمرة الأولى ترى عينان بهذا اللون

تكون جميلة هكذا !

أم أن السر في بريق الدموع الذي جعلها تتحول لسطح لامع

من الفضة الطبيعية جعلها مختلفة عمّن رأتهم من قبل ؟!

وبدأت تخميناتها تأخذ منحى آخر فهذه ليس لها عينان

كغيهم ولا كوالدته ولا ملامحها ولون بشرتها أيضاً !

وبالرغم من ذلك قالت وهي ترسم ابتسامة ودود

على شفتيها

" أنتِ بالتأكيد بثينة .. أنا كنانة زوجة غيهم "


وكان ذاك ما جعل العينان الرماديتان تتسعان بذهول بادئ

الأمر ولازالت تحدق في عينيها قبل أن تنتقل نظراتها تلك

ببطء على جسدها ثم صعوداً لعينها مجدداً وهو ما جعل

كنانة تأخذ وضعية الاستغراب أكثر والذي تبدل للصدمة

ما أن تحركت بخطوات راكضة حتى اجتازتها مسرعة

ونظراتها المصدومة تتبعها بسبب سلوكها الغريب ذاك !


وما أن اختفت عن نظرها سمعت صوت باب قربها يُغلق

بقوة فعلمت بأنها دخلت أحد الغرف المجاورة لغرفتها بينما

وقفت هي في مكانها للحظات تحاول تفسير وفهم كل هذا

حتى انتهى بها الأمر أن تنهدت في حيرة وتحركت من هناك

أيضاً وعادت أدراجها فعليها فقط أن تلتزم غرفتها فهي من

تعدت على عزلتها هنا .


*
*
*

جلست مكانها المعتاد تحضن حقيبتها اليدوية والابتسامة

الواسعة تزين وجهها وقد انطلقت على الفور الحافلة

المخصصة بالمنضمة التي كرست نفسها للعمل فيها ومنذ

كانت في الرابعة عشر من عمرها وها هي الرحلة التي

انتظرتها منذ عامين قد حان وقتها وتحقق حلمها أخيراً

وستزور أدغال كايلي المكان الذي انتظرت وبشغف


الذهاب إليه .


نظرت للجالسة بجانبها وقالت مبتسمة

" لو كان الأمر بيدي لنمت في المطار منذ البارحة "


وانطلقت ضحكتهما مرتفعة بينما زينت وجه سائق الحافلة

العجوز ابتسامة رقيقة وهو ينظر لهما من خلال مرآته

الأمامية الواسعة فإن تغيبت هذه الفتاة عن الركوب يوماً

يفتقد صوت ضحكاتها في المكان الشبه ساكن قبل ركوبها .

ما أن وصلت حافلتهم ساحة مطار ﻟﻮﺗﻦ كانت ثمة ثلاثة

أخريات في انتظارهم وقد امتلأت أيضاً بأفراد المنظمة من

الفئات والتخصصات المختلفة ونزل الجميع حينها ودخلوا

مبنى المطار في مجموعات وقد اختلطت الأحاديث بين

الأصدقاء مع الضحكات ولكل واحد منهم تصور ومخطط

معين لرحلتهم تلك والتي ستأخذ يومين كاملين .


نظرت للسائرة بجانبها فور وصولهم لصالة المسافرين

المزدحمة وقالت ضاحكة

" لم أكن أتوقع أن يوافق والدي وهو الذي يظن سابقاً
بأننا سنعود اليوم "



ضحكت أيضاً وقالت

" هذا يعني أننا سننزل لمطار كاليه ونعود بعد خمس
دقائق "



تشاركتا الضحك قبل أن تقول المرافقة لها وابتسامة جانبية

ترتسم على شفتيها

" والدك تفكيره غريب للغاية ! ما في الأمر إن ذهبتِ في
رحلة تنظمها المنظمة ! نحن نذهب في رحلات مع أصدقائنا
ولا يعترض أحد "


اختفت ابتسامتها وتركتها وسارت نحو البقية قائلة بحدة

" كم مرة سأعيد بأنه تفكير رائع من والدي وأحبه كما
هو ومقتنعة تماماً "



لحقت بها بخطوات سريعة وقالت ضاحكة

" حسناً لما الصراخ "


وما أن أصبحت تسير بجانبها رمقتها بطرف عينيها وقالت

تمسك ضحكتها

" أجل نسيت بأنه أمامك الكثير من الأشهر لتبلغي الخامسة
والعشرين وتستقلين "



وقفت ساندرين وأبعدت الحقيبة عن كتفها وضربتها بها

وهي تتجنبها ضاحكة بينما قالت بضيق

" حمقاء ولن تفسدي مزاجي أبداً بما تفعلينه "


ضحكت وقالت

" بالتأكيد لن يفعلها أحد اليوم ولا صديقتك المحببة إيلا "

تجعدت ملامحها ونظرت للجانب الآخر حيث الواقفة مع

رفيقتاها تضع قبعة غريبة الشكل تشبه فكرة الأدغال التي

ينوون زيارتها والتي رغم بشاعتها لم تفسد جمالها

الإنجليزي الواضح ، قالت تمسك ضحكتها

" أنظري إنها تشبه الدجاجة "


وضحكتا بصوت مرتفع لم تستطع أيّا منهما التحكم به مما

جعل البقية ينظرون نحوهما لكن لم تلتقط نظراتها سوى

صاحبة العينان الخضراء العشبية التي كانت تنظر لها

بحنق وحقد وكأنها علمت بأنها سبب ضحكاتهما تلك بينما

قابلتها ساندرين بالتجاهل التام وهي ترفع أنفها في وجهها

وسحبت صديقتها معها وهما تتوجهان ناحية المشرف الذي

اجتمع حوله عدد منهم قبل أن يتوجه الجميع ناحية صالة

الانتظار حين تم الإعلان عن رحلتهم .


قالت مبتسمة تخاطب الواقفة خلفها وهي تقدم جواز سفرها

وتذكرتها للموظفة الجالسة خلف عازل زجاجي أمامهم

" ستكون الرحلة الأجمل على الإطلاق "



قالت التي كانت تنظر ناحية الإطلالة الزجاجية المطلة على

مهبط الطائرات وحيث الطائرة المتوقفة الأقرب لمكانهم

" أجل فقد توقعنا سابقاً أن الرحلة ستكون بالقطار عبر
بحر المانش ويبدو أنهم يستأجرون طائرة غالية الثمن !! "


نظرت ساندرين حيث الطائرة التي لم يكن يظهر لها سوى

مقدمتها تقريباً وقالت ساخرة

" ومن قال بأنها طائرتك يا معدومة ؟ من هذا الذي سيدفع
ثمن الكرسي الذي ستجلسين عليه ؟ "



حدقت في الورقة بين يديها باستغراب قائلة

" لأنه ... "


لكنها قاطعتها وهما تبتعدان تنظر لما بين يديها

" ما هو رقم كرسيك ؟ "


وتابعت من فورها تنقل نظرها بين ورقتيهما

" لسنا بجوار بعضينا ! كيف يكون هذا ؟! "


رفعت نظرها لها وقالت باستغراب

" لا أعلم ! "


تنهدت بضيق وقالت متذمرة

" يا إلهي من هذا الذي سأقضي ساعات الرحلة بجواره ؟ "


وتأففت من فورها متابعة

" أنتِ لا تشاهدين الأفلام ولا تستمعين للموسيقى وهذا
يروق لي "



ضحكت كاتي وقالت مباشرة

" يروق لك أم يناسبك لأنك ستنامين فور انطلاق الطائرة "


ضحكتا معاً واستمر ضحكهما ومزاحهما برفقة بقية

المقربين منهما حتى اجتازتا باب المسافرين وحاجز

التفتيش وما أن ساروا نحو الممر المخصص لها قالت

السائرة بجانبها باندهاش تشير بسبابتها نحو الطرف البعيد

للواجهة الزجاجية

" أرأيتِ ساندي إنها طائرتنا ! "



تمتمت باستغراب وهي تنظر لتلك الجهة

" كيف يكون هذا ! "



قالت كاتي سريعاً

" لو أنك انتبهت لاسم الشركة على التذكرة لعلمتِ بالأمر ،
لقد كنت سأخبرك بهذا "


وتابعت تقلب ورقة رقم كرسيها في الطائرة باستغراب

" الغريب في الأمر أن المنظمة تتكفل بكامل تكاليف الرحلة

فمن المنطقي والمعتاد أن تختار واحدة مصنوعة من

الخردة ! "


كانت لا تتوقف عن الحديث والتساؤل بينما كانت هي تحاول

النظر للشعار المرسوم عليها والأهم تذُكر أين رأته سابقاً !

لكنها اختفت عنها بمجرد اجتيازهم الباب الضخم المفتوح

وأصبحوا حينها في الممر الاصطناعي المعلق الموصول

بين مبنى المطار والطائرة واختفى عنهم كل شيء ونزعها

من كل ذلك صراخ الشاب الذي صاح مرحاً وبضحكة

مرتفعة

" من يصل أولاً لباب الطائرة "


وركضوا ضاحكين من فورهم وبصراخ متحمس على


ضحكات المشرفين الذين تركوهم خلفهم بسبب تصرفهم

الطفولي الذي كان يعبر عن سعادتهم بالرحلة المنتظرة منذ

وقت طويل ، وكانت الاجواء وقت دخولهم لا تقل عنها

صخباً وضحكاً حتى بدأ كل واحد يأخذ مكانه المخصص له

واستطاع الجميع التأقلم مع رفيقه المعلوم سلفاً عدا التي

كانت تقترب من كرسيها بملامح عابسة وهي تنظر لقمة

الرأس والشعر الأسود المصفف بعناية شديدة وتوصلت

لأول معلومة سيئة بأنه شاب وليس فتاة .


لكن الأسوأ كان في انتظارها فما أن وقفت أمام الكرسي

الطويل الظهر وارتفع رأس من كان منشغلاً مع هاتفه يغلقه

لقرب إقلاع الطائرة حتى شهقت بصوت قوي اختلط مع

صرخة مذعورة وكأنها رأت شبحاً أمامها مما جعل تلك

الابتسامة الشابة المحاطة بلحية ذات قصة شبابية أنيقة

تزداد اتساعا وتحركت شفتاه قائلاً

" كنت أتسأل من رفيقي هنا .. ياله من حظ موفق "


كان من الطبيعي أن يتوقع استسلامها للأمر الواقع لكن

ليس مع واحدة مثلها وهو ما يعلمه جيداً فأول ما فعلته

وصوت المضيفة يقترب منها وهي تساعد الجميع على

جلوس في أمكنتهم لتبدأ رحلتهم أن صاحت بقوة


" انتظروا أريد أن أنزل "

*
*
*

كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل وهو لم يغادر مكانه

مختبئ خلف أقرب الأشجار لمنزله من الناحية الغربية

والمعاكسة للتي اختفى منها ذاك المتسلل سابقاً ولن يفارقه

حتى يخرج مجدداً فلا يمكنه النوم ولا الراحة ما لم يعلم من

يكون وماذا يريد ! هل هو من عمّال مزرعة أويس أم

مزارع أبناء غيلوان أو رجالهم أم شخص آخر غير

ثلاثتهم ؟ وكل خيار يجعله يشتعل ويصر أكثر على التحمل

والانتظار وإن طلعت شمس النهار عليه وهو واقف هنا .


كانت الدقائق تمضي وهو يقنع نفسه بالصمود والاستمرار

حين توقفت جميع حواسه عدا حاسة السمع وتركز نظره

على الناحية التي سمع منها صوت خطوات تقترب ، وعلى

الرغم من صوت حفيف الأشجار بسبب النسائم الخفيفة

و صراصير الليل إلا أنه سمعها بوضوح لا يعلم لشدة

تركيزه أم لأن عقله الباطن لا يعمل سوى لذلك ؟! ولا يهم

بالنسبة له فما يهمه الآن وبات نظره منحصراً ناحيته فقط

هو الجهة التي باتت الخطوات تتباطأ وهي تقترب منها

وكانت الجهة الشرقية من سور منزله وذاتها التي اختفى

منها ذاك الصوت سابقاً .


كانت ضربات قلبه ترتفع لا شعورياً ليس بسبب التوتر ولا

الخوف بل كل ما تمَلكه حينها هو شعور حارق بالغضب

وتمنى فقط أن يمسك بعنقه بين يديه وهذا ما يصبوا إليه

بالفعل وإن لم يكن شخصية عدائية سريعة الغضب سابقاً

أو ممن لا يتحكمون في انفعالاتهم لكنه تعب من الصراع

النفسي الذي يعيشه وعليه أن ينهيه وسريعاً أيضاً وأن يُعلّم

هذا النكرة درساً في احترام حرمات الغير ومهما كانت

أسبابه .

توقفت أنفاسه كما حواسه جميعها وسباق ضربات قلبه

الصاخبة تلك ما أن ظهر له طيف الرجل باللباس الغامق

بعيداً يتسلل بخطوات بطيئة وجسده ملتصق بجدار سور

المنزل بينما نظراته تراقب المكان بأكمله وذاك ما أوضحته

حركة رأسه الغير مستقرة فلم يستطع الانتظار أكثر من ذلك

لأن غضبه الفعلي منه أفقده السيطرة على أطرافه لينتظر

ويعلم ما ينوي فعله والوصول له فانطلقت ساقاه راكضاً

نحوه وكما توقع ما أن خطت قدماه أول خطواتها حتى أطلق

ذاك الدخيل العنان لساقيه أيضاً وانطلق بسرعة الريح في

الاتجاه الذي جاء منه وهذا ما لم يكن يمان يتوقعه وأن

يكون بهذه اللياقة والخفة وهو ما جعله يُخرج كامل طاقته

أيضاً وهو يخترق جذوع الأشجار العالية راكضاً خلفه

لمسافة واتجاه هو نفسه لم يعد يعرفهما ، وحين شعر

باليأس بدأ يتسلل لنفسه من فكرة اللحاق به كانت اللحظة

التي تعثرت فيها تلك الأقدام المحلقة مع الريح والفرصة

السانحة له وفي ثواني معدودة ليقلص المسافة بينهما قبل

أن يقفز ذاك الجسد ويستعيد توازنه سريعاً .


وما أن أدرك يمان بأنه سيمدد المسافة بينهما مجدداً لأنه

بدأ يفقد طاقته تدريجياً عكس الذي كان وكأنه يركض للتو

لم يجد أمامه سوى حل واحد وفي النقطة الأقرب التي

وصل فيها إليه ترك لقدميه فرصة التحليق في الهواء عالياً

لبضع خطوات وقفز نحو الذي يبدو لم يجهز نفسه لهذه

الحركة وما جعل خطواته تتوتر مجدداً بسبب ملامسة يد

يمان لجسده وكانت تلك فرصته المواتية وهو يمسك بأحد

ساقيه لحظة اصطدام جسده بالأرض وهو ما جعل ذاك

الجسد يهوي نحو الأرض أيضاً ويتدحرج وجسد يمان معه

تباعاً لأنه رفض ترك ذاك الساق النحيل والفرصة التي لن

تتكرر مجدداً ، وبالرغم من ألمه الجسدي حينها إلا أنه

زحف فوقه وأمسكت يداه بكتفيه بقوة وكان يضع لثاماً على

وجهه ومع شدة الظلام لم يكن ليستطيع تبينه جيداً وإن

نزعه عنه لذلك انتقلت يداه لعنقه وشده منه بقوة صارخاً

بالرغم من تقطع أنفاسه اللاهثة

" من أنت .. ولما تتسلل لمنزلي ؟ "


ويبدو أن ذاك المجهول كان يستسلم له طواعية لتنظيم

أنفاسه وتعب جسده أيضاً لأنه وبكل سهولة ركله بركبته

ليقذف جسده بعيداً عنه فقد كان يمتلك لياقة بدنية لم يكن

يتصورها وهو ما جعله يتمسك بكل ما أوتي من قوة بياقته

التي لازالت أصابع يمناه متعلقة بها مما أعاق حركته وهو

ما أعطى الفرصة ليمان ليعود وينبطح فوق معدته وإن

بالعرض هذه المرة وبدأ الغبار يتصاعد بسبب حركة

أقدامهما العشوائية وقد قرر كلاهما الدخول في عراك حين

فقد أحدهما الأمل في الفرار والآخر الأمل في إبقائه تحت

قبضته فكانت المعركة بين من يريد إنهاك خصمه ليتحرر

منه وبين من يريد إنهاكه ليحكم قبضته عليه ويعلم عن

هويته وسبب تواجده الدائم قرب منزله .



تأوه يمان بقوة حين اصطدم ظهره بالأرض بينما أصبح

خصمه يجلس فوقه تمسك يده بياقته بقوة يثبته على

الأرض منهك القوى لأنه لم يعرف حياته العراك بجميع

أنواعه بحكم شخصيته المسالمة ، وبالرغم من بنيته

الجسدية بسبب عمله الدائم في زراعة الأرض وفلاحتها إلا

أنه كان يتفوق عليه كثيراً وذاك ما اعترف به بل واستسلم

له ، لكن الأسوأ لم يكن هناك بل في يده الأخرى التي

رفعها عالياً يحمل فيها سكيناً كان يخبئه في مكان ما من

جسده واتسعت عينا يمان بصدمة ليس بسبب ذاك السلاح

الموجه نحوه من علو بل بسبب الصوت الذي كان لفتى

يبدو لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره حين اخترق صوت

أنفاسهما القوية قائلاً

" عليك أن تموت إن كان غرضك الكشف عن هويتي "


كان لم يغادر صدمته بعد بأن من كان يصارعه قبل قليل

كرجل لرجل بل وأكثر قوة منه مجرد فتى !! وعادت

التساؤلات لعقله عن سبب اقترابه من منزله ومراقبته

وهو بهذا السن !


نقل نظره بين نصل السكين اللامع تحت ضوء النجوم

الخافت ووجهه المخفي عنه حتى اللحظة وقال بصوت

منخفض لازال لهاث أنفاسه واضحاً فيه

" هو سؤال واحد فقط أريد جوابه منك .. هل شعيب غيلوان
من كلفك بهذا ؟ "


كان جوابه المبدئي صادماً وهو يشخر ضاحكاً قبل أن يقول

" ذاك الإمعة فليمسك بنا أولاً ليفعلها ويأمرني بما يريد "


همس ولازال ينظر له باستغراب

" لكنك وسط أراضيه !! "


خرج صوته الساخر الواثق سريعاً

" نعم لكن النجوم فوق رأسي أقرب له مني "


كان يحدق فيه فوقه بذهول لم يستطع تجاوزه بسهولة فلما

يتحدث بكل هذه الثقة وهو في هذا السن وعن شعيب

غيلوان تحديداً !!

رجال يهابونه ويخافون شروره ! هو ليس من أعوانه إذاً

ولا من عمّال أويس فمن يكون؟ وما الذي يفعله هنا وهو

يكره شعيب هكذا ؟! قال مغادراً صمته القصير

" أنتَ لا تنوي قتلي فلما تفعل هذا ؟ "


لم يستغرب صمته اللحظي ويبدو أنه فاجأه بالأمر وهذا ما

بات متأكداً منه بأنه ليس بقاتل ولن يفعلها لَما ترك هذه

الفرصة سابقاً ، قال أخيراً وبنبرة قوية ويده تشد على

ياقته أكثر

" لأنك من جلب هذا لنفسه "


أغضبته كلماته تلك فهو تركه يسخر منه بما يكفي لذلك

قال وبغضب

" بل أنت من اعتدى على منزلي "


وانتقل الغضب له سريعاً وقد صرخ بالمثل

" لا أسمح لك بقول هذا فأنا لم أدخله ولم أكن أريد فعلها "


وتابع من فوره ودون أن يترك له مجالاً ليقول أي

كلمة أخرى

" ولا وقت لديا للتحدث معك أكثر من هذا وسأتركك
لأنك ... "


وتوقفت كلماته فجأة مختنقاً بصوت شهقته المكتومة مما

جعل عينا يمان تتسع على أقصاها وهو يرى جسده النحيل

يهوي فوقه ويسقط على صدره وظهر له خيال الجسد

الواقف خلفه يمسك في يديه الحجر الذي ضربه به

على رأسه .


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 10:55 PM   #18339

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي





*
*
*

غادرت غرفة تبديل الملابس بعد أن ارتدت بنطلوناً كحلياً

جميلاً من قماش ثقيل وفاخر له جيبان مقوسان عند خصره

العريض وبلوزة من الشيفون الثقيل لها ياقة مستديرة

متسعة من الأعلى وصيقة عند الخصر لتعود وتتسع في

الأسفل بقصة مثلثة الشكل تغطي وركيها وكانت بيضاء

بلون الثلج وقد رفعت شعرها بطريقة أنيقة تدلت منه

الخصلات البنية كنافورة صغيرة .


كانت تنظر لما أخرجته في يدها وهي حقيبة الحُلي التي لم

تفتحها حتى الآن ولم تعرف ما فيها ولا تنكر بأنه ينتابها

فضول غريب حيالها لا تعلم مصدره وأسبابه ! وصلت

لطاولة التزيين ووضعتها عليها وفتحتها وأخرجت أولاً

العلبة المخملية مستطيلة الشكل الموضوعة في الأعلى وما

أن فتحتها حتى شعرت بضربات قلبها ترتفع حتى كانت

تشعر بها تؤلم أضلعها وهي تنظر للصليب الموجود فيها

وكان بحجم سبابتها تقريباً مصنوع من الذهب الخالص

تزينه بأكمله فصوص من الألماس اللامعة ببريق أخاذ ،

امتدت أصابعها له ورفعته واكتشفت حينها بأنه لم يكن

مجرد صليب عادي بل قرط أذن مكون من قطعة واحدة فقط

تدلى معه سلسال ذهبي رقيق ينتهي بحبة ألماس تأخذ شكل

دمعة صغيرة .


نظرت ناحية الباب الذي طرقه أحدهم من الخارج قبل أن

يستدير مقبضه ببطء وانفتح كاشفاً عن وجه إيريكا الباسم

والتي قالت سريعاً

" صباح الخير آنستي .. أعتذر لإزعاجي لك كان عليا التأكد
إن كنتِ نائمة أم لا "


أهدتها ابتسامة مماثلة ترفض إبداء انزعاجها من

تصرفها وقالت

" لا داعي للاعتذار أنا أستيقظ باكراً دائماً "


دخلت حينها الخادمة قائلة وابتسامة أكثر اتساعا

تزين شفتيها

" كان عليك استغلال هذه الأوقات للراحة قبل العودة
لدراستك ... أتنوين الخروج ؟ "



لم تشاركها المزاج الباسم حينما همست

" لا "


ويبدو أنها فهمت تغير مزاجها حينها بشكل خاطئ فقد

قالت محرجة

" أعتذر لكثرة ثرثرتي .. لم يكن في نيتي التدخل "


حركت رأسها سريعاً وقالت بابتسامة ذابلة

" لا بأس أنا لست منزعجة "


بدا الامتنان واضحاً في ابتسامتها وقالت

" هل أجلب لك طعام الفطور هنا أم تريدين تناوله في
الأسفل أم في الحديقة ؟ "



حدقت فيها بتفكير لبرهة وقبل أن تقول متغلبة على ترددها

" هل غادر عمي ؟ "



قالت من فورها باسمة

" أجل وهو لن يرجع قبل وقت الظهيرة فاليوم هو موعده
المعتاد مع طبيب الأسنان "



حدقت فيها باستغراب ولم تستطع منع نفسها عن قول

" أيزوره أسبوعياً !! "


ضحكت الخادمة من فورها وقالت

" أجل فهو ليس مجرد طبيب فقط بل صديق له "


خرجت منها ضحكة صغيرة رقيقة تشبهها وقالت

" أجل فهمت "



وتبعها نظرها وهي تجتازها ناحية باب الشرفة الذي

فتحته قائلة

" السيد فاليريو سيغادر بعد قليل أيضاً "



وما أن فتحت المجال أمام النسائم الربيعية المنعشة للدخول

توجهت نحو السرير تزيل أغطيته بحركة سريعة

متقنة متابعة

" سيتغيب لعدة أيام كالعادة ولن يكون هنا قبل نهاية الشهر
القادم تقريباً "



وحين لم يبدر عن الواقفة مكانها أي تعليق وقفت على

طولها وقالت تحمل القماش الناعم الفاخر بين يديها بينما

كانت ابتسامة مرتبكة تزين شفتيها

" لم يكن غرضي التنصت لقد سمعت ذلك مصادفة "


وتابعت من فورها محرجة

" لا أريد أن يكون لديك صورة سيئة عني فأنا أحبهما
كعائلة لي كما أنّ أوليفيا لا تتحدث كثيراً بل وتصمت
لساعات دون أن يزعجها ذلك وهذا يشعرني بالملل ل
أني لا أشبهها أبداً "



وختمت كلماتها بعبوس مما جعل شفتا ماريه تبتسم

مرغمة وقالت

" أكنتما تعملان هنا من قبل ؟ "



قالت تلك من فورها وبابتسامة واسعة وكأنها تعود لذكريات

محببة لديها

" أجل فقد كان مالك هذا المنزل الكبير رجل إنجليزي ثري

وكان يُفضل المكوث فيه عن المدن وكان له ابنتان وابن

شاب وآخر هو ابن زوجته الثانية التي تزوجها بعد وفاة

زوجته الأولى وكانوا يزورونه في أوقات متفرقة لذلك كان

السكون هو المسيطر هنا أغلب الأوقات فيما عدا الأيام التي

كانوا يجتمعون فيها مع أطفالهم هنا و... "



قاطعت نفسها فجأة حين وقع نظرها وللمرة الأولى على

الصندوق في يديها وقالت مندهشة

" أوه يا إلهي إنه قرط السيدة أنيتا أم أخطأت ؟ "



نقلت نظرها منها له رجوعاً إليها وقالت باستغراب

" ومن تكون السيدة أنيتا ؟! "


تركت ما في يديها حينها وتوجهت نحوها قائلة

" إنها والدة السيد فاليريو "


وتابعت من فورها وهي تقف أمامها وتنظر له بفضول

" هو من أهداك إياه ؟ "



نظرت له بين يديها وقالت في حيرة

" وصل مع الأغراض التي أرسلها بالأمس !! "



" يا إلهي لقد أحسن صنيعاً "



رفعت نظرها بحركة سريعة نحو التي قالت ذلك تضم يديها

لبعضهما وعيناها تزهوان بسعادة لا مثيل لها بينما قابلت

ماريه كل ذلك بضربات قلب متوترة وعلامات كثيرة من

الحيرة ترتسم على ملامحها البريئة وقالت باستغراب

" هل تعرفينها !! "


قالت سريعاً تنقل نظرها لعينيها

" أجل لقد التقيت بها مراراً فالسيد ماكويد والمالك السابق

لهذا المكان كان والسيد غستوني صديقان وكان حين يزور

إنجلترا يزوره هنا وبحكم صداقتهما تلك باعه إياه بل

وتركنا نعمل هنا بتوصية منه "



وعادت ونظرت له مجدداً وقالت بابتسامة حزينة وقد عادت

تضم يديها معاً

" في جميع الزيارات التي رأيتها فيها كانت تقتنيه ولم
تكن تنزعه أبداً ، اختياره لك معناه أن لك مكانة كبيرة في
هذه العائلة وعليك أن تضعيه مثلها "


لم تكن تعلم ما نوع الرصاصة التي أصابتها بها حينها ولا

الصدمة التي كادت تسحق ملامحها وتحولها لصفحة واحدة

لأنها مدت يدها له وأخرجته من علبته قائلة

" سيحب السيد فاليريو هذا كثيراً "


جعلها تصرفها ذاك تتراجع خطوة للوراء دون شعور منها

وفي تصرف غريزي وقالت متلعثمة

" لكن ... قد يزعج هذا السيد غستوني ، أنا لا يمكنني
فعلها "



وعضت باطن شفتها موبخه نفسها فمن شدة صدمتها

وارتباكها نست أن تقول عمي ، ويبدو أن ذاك لم يكن

موضع اهتمام التي قالت مصرة تنظر لعينيها



" لا يمكن هذا فانتِ فرد من العائلة ، وإن لم يكن الأمر
كذلك ما كان ليعطيك السيد فاليريو إياه "



وتابعت من فورها وهي تقترب منها باسمة

" سيحميك دائماً وسيَسعد السيدان برؤيته مجدداً
بالتأكيد "



عادت للابتعاد عنها مما جعلها تتوقف أيضاً وتنظر لها

مستغربة لكن لا خيار آخر أمامها ولا مخرج لها من هذه

الورطة فوقفت عاجزة عن فعل أي شيء تنظر لماساته

تلمع بين أصابعها ، هي تؤمن بنبيهم تُصدقه وتحبه أيضاً

لأن هذا ما يوصي به دينها وأحد ركائزه الأساسية لكن ذلك

لا يبيح لها تطبيق شرائعهم وتشعر بأنها في مأزق حقيقي

فهي على ديانتهم كماري ومن المفترض أن تسعد بهذا

وإن كرهت نفسها تقديساً له ، رفعت مقلتيها المتوترتين

نحوها ولم تجد خيار آخر أمامها غير النطق وإن لم تدرس

وتجهز عبارات مناسبة فقالت بصوت شبه هامس

" لا أستطيع ... فأنا ... "


وكالمتوقع في وضعها وحالتها تلك طارت الكلمات التي لا

وجود لها أساساً لكن عقلها استطاع فعلها في الوقت

المناسب وقالت أخيراً

" أنا أحترم ذكرى الأموات كثيراً ولا أحب ارتداء أشيائهم "


كان عذراً يشبه أفكار الأطفال لكنها لم تكن تملك غيره

حينها فحتى طردها لها الآن لن يكون أمراً طبيعيا وإن كانت

مجرد خادمة ومؤكد مع واحدة كثيرة التحدث مثلها ستخبر

العديدين بموقفها ورد فعلها هذا وقد يكون فاليريو أولهم

هذا إن لم يكن والده ، وأتاها دليل ذلك حين قالت بنظرات

حزينة وخيبة أمل

" ما الذي سيظنه السيد فاليريو وأنتِ تهملين ذكرى
والدته هكذا "


" أنا أهملها !! "



همست بها مصدومة ويدها تلامس صدرها ولم تترك لها

مجالاً لتقول أي شيء بل وأعجزتها عن الحديث فعلياً وقد

اقتربت منها بل ومن جانبها الأيسر تحديداً قائلة

" لا أعلم لما ترفضين ارتداء شيء جميل ومقدس مثله ! "


فاستسلمت لها متنهدة بيأس وقلة حيلة وهي تلبسها إياه

وشفتاها تردد بهمس تراتيل أو صلوات لم تفهمها

وأعجزتها عن فعل أي شيء وتيبس جسدها بأكمله من

مجرد الفكرة وهي ليست ديانتها وخشيت إن أبعدت يديها

وأوقفتها أن تشك بأمرها خاصة مع قدسية هذا الشيء

لديهم وها هي تورطت مع الخادمة الثرثارة التي كانت أيضاً


وكغيرها قد تغلبت عليها نهاية الأمر .



كان في نيتها التخلص من إزعاجها ونزعه بعد خروجها

ومن ثم إعادته لفاليريو في أقرب وقت تراه فيه ومؤكد

سيتفهم أعذارها أكثر من هذه المرأة اللحوحة الفضولية

والتي نظرت لها ما أن ابتعدت عنها قائلة بسعادة

" يا إلهي كم هو جميل وكم أنتِ رائعة به "


ارتفعت يدها لا شعورياً ولامسته بأصابع مرتعشة وشعرت

وكأنه جمرة متقدة متعلقة بها ليس لأنها تهينه أو تقلل من

قيمته بالنسبة لهم لكنه أمر مخالف لدينها ولم تتخيل يوماً

أن تتجرأ على فعلها لولا الضرورة ودمعت عيناها دون

شعور منها وهي تتصور نفسها تنساق مستقبلاً خلف أمور

أخرى ترفضها من أجل لعب هذا الدور الذي وجدت نفسها

مجبرة عليه ومنذ دخلت هذه البلاد فالتفت أصابعها حوله

وفي نيتها نزعه وبحركة واحدة ودون اهتمام لرأيها وما

ستقول لكنها توقفت مكانها كما اتسعت عيناها تنظر لعيني

الواقفة أمامها والتي لم تكن بحال أفضل منها والأصوات

الرجولية المرتفعة والمتداخلة تصلها من الخارج متسللة

من باب الشرفة المفتوح فقالت وعيناها الذاهلة لم تفارق

عيني المقابلة لها

" هل هو شجار بين الحراس ؟! "


حركت تلك رأسها بحركة خفيفة وقالت في حيرة

ونظرات وجِله

" لا هذا لا يحدث في العادة ! ثمة دخيل بالتأ... "


" مارياااا "


تيبس جسدها كما أطرافها وما كان يرتجف حينها هو قلبها

فقط وانقطعت أنفاسها مع امتلاء عيناها المحدقتان بعيني

الواقفة أمامها بالدموع ما أن وصلها الصوت الرجولي

الصارخ بغضب مجدداً

" مارياااااا "


كانت تكابد وبكل قوة السقوط مغشياً عليها لأنه لم يعد

بإمكانها التحكم في نفسها بينما قالت الواقفة أمامها

بهمس مصدوم

" من تكون ماريه هذه !! "


وكان صوتها ذاك بمثابة زر التشغيل لساقيها قبل حواسها

فتركتها وركضت نحو باب الشرفة ودون سؤال ولا استئذان

من عقلها وبالرغم من أنّ صوته كان غاضباً وهو يصرخ

باسمها لأنها لم تكن تنتظر أو تتوقع منه خلاف ذلك وهي

تقف عند سياج الشرفة وتنظر له في الأسفل ، فكل ما

توقعت أن تراه في تلك العينان الغاضبة حينها هو شوارع

وطرقات بلدة حجور التي سكنت قلبها وللأبد ويصعب

عليها انتزاعها ..

منازلها وحواريها والطفلة ذات الجديلتين بملمس الحرير

ولون العسل والفتى شديد الصمت والبرود ذو النظرات

المختلفة عن جميع أقرانه .. الأقدام الصغيرة الحافية

تركض فوق التراب الناعم وصوت ضحكاتها الرقيقة

وتعليقاته الساخرة المتفرقة .



لكنها لم تجد كل ذلك وهي تنظر للوجه الذي ارتفع فور

خروجها .. لا في تقاسيمه شديدة الوسامة ولا عيناه

الواسعة الحادة فلم يكن غضباً ذاك الموجود فيهما !!

لقد عرِفَته سابقاً في أقسى درجات الغضب وحينما يتعلق

الأمر بأقرب المقربين لقلبه وهي والدته لكنها لم ترى

هذا في عينيه ما أرجف أوصالها قبل قلبها وتذكرت

كل ما تناسته للحظات وأنفاسها تخونها تدريجياً .

( ابتعدي عني ماريا لا أريد أن أراك أمامي .. ابتعدي
قبل أن أقتلك )



( اذهبي لمن خنتِ زوجك لأجله )




( سمعت عنه الكثير سابقاً ومن قبل أن ألتقي به في منزل
الأميرال ولم أتوقع أبداً أن يكون عكس ما يُقال عنه ! )




( كيف لرجل الرصاصة الواحدة أن يكون ممن يفقدون
التحكم في انفعالاتهم هكذا ! )



( تيم إبني ولن أسمح لشيء ولا لأحد بأذيته أو أن يكون
سبباً فيها ولا أنتِ ماريه هارون )



( هو أهم لديا من كل شيء حتى الوطن ، ومن أجل سلامته
كنت لأرجعه للبلاد الآن وأبعده عن الخطر لولا تلك
المنظمة والرقاقة التي يزرعونها بداخله فاختفائه الآن
سيكون تهوراً وحماقة ستكون ثمنها حياته وسيموت أمامنا
ولن يستطيع أحد فعل شيء له )




( سأقتلك وأقتل نفسي ما أن أستوعب حقيقة هذا
ماريا قسماً )



( إلى أين فنحن لم نصفي حسابنا بعد )




( هذا ما قاله وبأن مكانك خارج البلاد .. )




( هذا ما قاله وبأن مكانك خارج البلاد .. )



امتلأت عيناها بالدموع وتقطعت أنفاسها أكثر فقد أنساها

غباؤها واندفاع مشاعرها كل ما حدث وبأنها فقدت ثقته

وخسرته وللأبد وبالتالي خسرت أمانها الوحيد وحلم

طفولتها وصباها وبأنهم أخرجوا الوحش الموجود في داخله

والذي لطالما حذرها منه ولم ولن ينسى ما فعلت بالتأكيد

وأنّ عقابها منه لم ينتهي بعد .



ارتجفت أصابعها الممسكة بسياج الشرفة ما أن انحرف

نظرها قليلاً عن عينيه التي أسرتها كلياً وهي ترى القاذف

اليدوي الذي كان يحمله في يده ويوجهه نحو باب المنزل

والواقفين أمامه عند أعلى عتباته وشعرت بارتجاف يديها

ينتقل لأطرافها وصولاً لقلبها فهل يفكر فعلياً في ضرب

المكان به وتحويله لركام !

فلم تتخيل أبداً أن يصل تهديده وتهوره كما قال فاليريو

سابقاً لهذا الحد فهل هو على استعداد لأن يحمل إثمهم

جميعاً في عنقه قبل القضاء الذي سيقف أمامه فقط ليعاقبها

وينتقم منها ؟



كانت تعلم بأن الأمور ستنزلق للأسوأ خاصة مع عناد

الواقف تحتها مباشرة والذي صرخ بغضب

" غادر من هنا يا تيم فماري لن تغادر معك مجبرة وإن
أحرقت المكان بأكمله "


لكن نظراته لم تتركها لازالت مصوبة لعينيها عالياً نظرة

لازالت تجهلها وتخيفها وبشدة لأنها لم تستطع فهمها ولا

قراءتها متجاهلاً كل ما يقول وكأنه يضع الأمر بين يديها

فأصبحت أمام خياران وحيدان لا ثالث لهما فإما أن تغادر

معه وتوقف كل هذا أو أن ترفض وتترك له خيار فعل ما

يريد ويهدد به .



تعالت أنفاسها حتى كانت تعبر لرئتيها بصعوبة فهي تعلم

بأن الأمر الآن مختلف عن سابقاتها حين كان يأخذها من

منزل عمها الحارثة مُرغِماً الجميع على قراره وهي أولهم

لأنه الآن لا يريد أخذها بصفتها زوجته بل لأن عقابها لم

ينتهي بعد وعليها أن تغادر حيث المكان الذي اختاره كمنفى

لها ولازالت تجهله لتعود لمأساتها السابقة فماريه هارون

هي ذاتها لن تتغير في نظرهم جميعاً الفتاة الخانعة

المستسلمة التي يقرر الجميع عنها لأنها لا تجيد اختيار

مصيرها ولا تعرف ما هو في صالحها ولأنه الآن عليها أن

تتعلم درساً مفاده الخطأ معناه العقاب طويل الأمد .



قاومت ارتجاف أوصالها وهي تشد أصابعها على السياج

النحاسي بقوة وامتلأت عيناها بدموع الحسرة والألم وهي

تودع عيناه كما ودعت كل شيء فيه ويخصهما سابقاً وللأبد

لأنه لم يكن لها يوماً ولن يكون أمر تجاهلته متعمده سابقاً

وها هي حصدت نتائجها الآن ، وفي لحظة هي نفسها لا

تعرفها في نفسها تغلبت فيها على عقلها وقلبها وكل شيء

يمت لجسدها بصلة وحتى لسانها المتيبس الرافض وهي

تحركه مرغماً حين صرخت ونظراتها الدامعة لم

تترك عيناه

" لا أريد الخروج من هنا .. هذا هو مكاني وهم عائلتي "


لم تعرف حياتها الشعور الذي انتابها حينها وقلبها يكاد

يحطم كل ما حوله من شدة ضرباته حتى كانت لا تسمع

شيء غيره في أذنيها وهي تقول ما هي ليست مقتنعة به

أساساً وما تعلم بأنه يقرأه كعناد منها وفرار بفعلتها

المشينة تلك كما تعلم جيداً ما ستكون مغبته عليها قبل

الجميع لكنها تحمي نفسها منه بل وتحميه منها أيضاً

فكلاهما بات وجوده في عالم الآخر يعني الهلاك

الحتمي له .


انسابت أول دمعة فوق طرف وجنتها لتتلاشى بين خصلات

غرتها المتطايرة قربها تنظر فقط وبحزن وحسرة لعينيه ..

لأحلامها المنسية وأمنياتها الميتة ولآخر شيء يربطها

بالحياة والسعادة ها هي تفقده وللأبد تنتظر رد فعله التالي

والذي لا يمكن لأحد توقعه ولا هي نفسها وهي تزيد غضبه

اشتعالا بما فعلت ، لكن ما فعله حينها فاق فعلياً جميع

توقعاتها وهو يدس يده الحرة خلف خصر سترته الخاصة

بالمنظمة وأخرج من حزامها مسدسه الشخصي ورفعه

عالياً نحوها .


*
*
*

جلس من نومه بحركة واحدة منزلاً قدماه على الأرض

وكأنه ينتزع نفسه منه انتزاعا وحضن رأسه بيديه منحني

الظهر يتكئ بمرفقيه على ركبتيه وتخللت أصابعه خصلات

شعره الأسود الناعم متثائب ولازالت عيناه مغمضتان وكأنه

لم يفارق نومه بعد ، وما أن رفع رأسه واستوى في جلوسه

رفع ساعته الموضوعة على الطاولة بجانب السرير ونظر

للوقت فيها وكما توقع لقد فاته وقت الفجر وأشرقت

الشمس منذ وقت لأنه معتاد في قصرهم على صوت الأذان

المرتفع والذي إعتاد على الاستيقاظ عليه منذ كان طفلاً

لذلك ينسى أن يضبط منبه هاتفه كلما نام خارجه ونادراً

ما كان يفعلها وينام في الخارج .



وقف مستغفراً الله وتوجه نحو الحمام توضأ وصلى أولاً ثم

رفع هاتفه وفتحه ووضعه مكانه وتوجه ناحية الخزانة وقد

بدأت الرسائل الصوتية تُفتح تباعاً وقد ملأ أولاً المكان

الصوت الرجولي المتزن


( وقاص لقد زرت السيد رايمر وتحدثت معه كما اتفقنا لكن
لا جديد فيما قال يمكنك الإستفادة منه ، لقد قمت بتدوين كل
شيء لتطلع عليه بنفسك )





وتلاه صوت رجولي آخر بدا أقل جدية واتزاناً

( وقاص لقد قررت أنا و آنسون المغادرة اليوم
ل ﺳﺎﻟﺰﺑﻮﺭﻱ وسنكون في لندن وقت الظهيرة ، وتوقف
عن إغلاق هاتفك فهذه ليست طباعك )



توقفت أصابعه التي كانت تغلق أزرار القميص الأسود ونظر

نحو هاتفه ما أن خرج منه صوت زوجة والده

الهادئ الحزين

( وقاص لا أعرفك صاحب قرارات متهورة لكني أثق في
ثقة والدك بك فاعتني بنفسك وبزيزفون جيداً بني )


إبتسم بحب وهو ينهي إغلاق باقي الأزرار صعوداً ونظره

على ما يفعل قبل أن تموت تلك الابتسامة بسبب الصوت

الأنثوي الجديد والذي كان لجمانة والتي خرجت كلماتها

حادة مرتفعة

( وقاص لما تغلق هاتفتك ؟ أنا أعلم بأنك أخذتها من هنا
وغادرت وبشكل نهائي وكأنها هي زوجتك وليس أنا )




وقالت آخر كلماتها بنبرة باكية قبل أن يختفي صوتها بسبب

انتهاء الرسالة فأزال السترة من علّاقتها الخاصة بحركة

غاضبة من يده متأففاً فها هو خبر مغادرتها بدأ يتسرب

وخلال ساعات قليلة فقط ، لبسها وهو يتوجه نحو هاتفه

وكان يظن بأنها المكالمة الأخيرة لكنه فوجئ بصوتها مجدداً

يخرج منه وهو منحني فوقه ويده ممدودة نحوه وبما جعله

يتحجر مكانه مصدوماً




( وقاص إن كنت تريد معرفة هوية القاتل الحقيقي لشقيقك
علينا أن نتقابل اليوم )


*
*
*

خرج لردهة الجناح يحمل في يده كوب قهوة ترتفع منه

الأبخرة في سحابة متعرجة وما أن وصل للأريكة المقابلة

للتلفاز جلس وهو يضعه على الطاولة أمامه ورفع جهاز

التحكم وقام بتشغيله ونظره عليه ، وما أن رفع الكوب

لطرف شفتيه تجمدت يده بل وجميع أطرافه ينظر بذهول

للخبر الذي كان يُذاع مع صورة أبان الواقف أعلى منصة

الادعاء في القاعة ذاتها التي طُرد منها نهاراً !



شعر بجفاف مريع في حلقه وبرودة قاسية تتسلل من

أطرافه بينما انتقلت حدقتاه تلقائياً لشريط الأخبار أسفل

الشاشة وحيث كانت عيناه تتسع بذهول مع كل كلمة يقرؤها

وخارت قواه حتى بات يشعر بأن الكوب الخزفي في يده

أثقل من العالم بأسره فأنزله للطاولة بينما لم يفارق نظره

الكلمات التي لازال يقرؤها بالتتابع ووضعه عليها هامساً

بعدم تصديق

" يا إلهي "


كان الخبر لازال يتصدر القنوات جميعها وبقوة بالرغم من

تأخر الوقت فلم يفصلهم عنه سوى ساعات معدودة ولأنه

لم يجد وقتاً اليوم ولا مزاجاً لتصفح الأخبار عبر الإنترنت لم

يعلم عنه إلا الآن .



مسحت يده على فكه تتخلل أصابعه لحيته الخفيفة وهمس

من بين أسنانه

" تباً لهم .. ألهذا ترك البلاد ورجاله معه ! "




صوت رنين هاتفه هو ما انتشله من كل ذلك وسرق نظره

نحوه وغضن جبينه ينظر باستغراب للاسم على شاشته

وشعر بالتوجس فلما يحدثه في هذا الوقت وما يريد !!



رفعه من أمامه بحركة بطيئة وكأنه يخشى انفجاره بين يديه

وفتح الخط ووضعه على أذنه ولم يتحدث بينما وصله

الصوت المرتخي العميق سريعاً

" مرحباً يا قائد "



عادت نظراته لشاشة التلفاز ما أن احتلتها صورة ثابتة

لمطر وبالكاد استطاع أن يقول وبأحرف متشنجة فعقله

لازال مشوشاً حتى اللحظة

" مرحباً عمير "



قال سريعاً

" أخفض صوت التلفاز قربك لا يمكنني سماعك جيداً "



رفع جهاز التحكم وأغلقه نهائياً بينما وصله صوته مباشرة

" أتصل بجليلة وهاتفها مغلق ؟ "



لم يستطع التحدث بادئ الأمر فهو بات يعلم بما حدث ومن

البديهي أن يحاول عقله التفسير أولاً فجليلة يبدو تنتظر

حقيبتها لا اتصاله !


ومن البديهي أيضاً أن يرسلها أو يأتي بنفسه فلما يتصل بها

وما يريد ؟!

وهل تغلق هي هاتفها لتخمينها باتصاله أم أنها

تفعلها دائماً ؟

ارتفع نظره لا شعورياً ناحية الساعة المعلقة على الجدار

وقال بهدوء

" قد تكون نائمة .. "


" أنت في العمران الآن ؟ "


فاجأه سؤاله وكان بمثابة لغز جديد بالنسبة له وقال دون

أن يترك لعقله فترة تفكير أكبر

" نعم لكني لست في منزل والدتي "



كان تعليق عمير الصمت وكأنه يحاول قول شيء ويعجز

عن صياغة عبارة مناسبة له مما جعله يقول ما كان يرفض

فعلياً قوله والسؤال عنه

" لا يبدو لي أن الأمور تسير على ما يرام بينكما ..
أثمة مشكلة ما ؟ "



كان ينتظر تعليقه بفضول وتوجس بينما يضع نُصب عينيه

كلماتها الأخيرة والاختبار الذي تضعه فيه بل وطلبها منه

عدم التدخل لكنه لن يُظهر له بأنه علم بما حدث كان يريد

فقط أن يعلم مدى تكتمه عن الأمر أيضاً .



لم يكتشف بأنه كان يحبس أنفاسه من شدة الترقب إلا حين

تحررت ما أن وصله صوته المنخفض العميق

" لا .. لا شيء مهم "



ورغم ذلك تغضن جبينه وتبدلت نظرة الفضول والترقب في

عينيه للحيرة فهو لم ينكر بأنه ثمة شيء ما بينهما لكنه

أيضاً لم يبدي رد فعل تناسب شدة الموقف الذي مرا به

اليوم !!



كان من المفترض أن لا يتدخل أكثر لكن صمته الآن سيؤدي

للنتيجة ذاتها لذلك قال ما كان سيقوله لو أنه لم يكن يعلم

"لا أعرف عروساً تترك منزلها لأمر صغير وغير مهم!! "




حدث حينها ما انتظره منذ البداية وتوقعه وهو الضيق

الحقيقي في صوته وقد قال


" ليس ثمة أمر صغير وكبير في الحياة نحن البشر من
نحدد حجم هذا بتصرفاتنا وأفكارنا .. إنها مسألة بين
العقل والقلب "




ارتفع حاجباه في حركة لا إرادية ولم يعلق مجبِراً نفسه

على ذلك فهو يبدو بأنه يراها مشكلة صغيرة وجليلة هي

من تعطيها أكبر من حجمها !!

لا يعلم أيغضب لاستنقاصه لغضبها أم يسعد لتصغيره لحجم

المشكلة التي تُعد كارثة فعلية !

فهل هو مستاء لمغادرتها ؟!

كان عقله يقوده لنتيجة واحدة أراد فقط التأكد منها ليتمكن

من تحليل موقفه ورد فعله على الأمر لذلك قال بتوجس لم

يستطع إخفائه في صوته

" لا يبدو لي أنك تريد التحدث عن الأمر لذلك
سأسألها هي "



" لا .. لا تفعل "



كانت كلماته سريعة بل وآمرة وإن كان صوته لازال يحتفظ

بنبرته المرتخية العميقة وكأنه يقاوم التعب والنوم ، واتخذ

قائد وضع الصمت حينها ليس ليفكر ويحلل ردة فعله فقط

بل وينتظر تتمة كلامه التي باتت متوقعة وقد قال أخيراً

" اترك الأمر بيننا يا قائد لا أريد أن يتدخل أي أحد "


أومأ برأسه تزين طرف شفتيه ابتسامة مائلة وقال

" حسناً كما تريد "



" وداعاً "



كان ذاك فقط ما سمعه منه قبل أن ينهي المكالمة فأبعد

الهاتف عن أذنه ونظر له ولم يستطع إمساك ضحكة صغيرة

أُفلتت منه وقال

" مستاء منها وتريد أن تتفاهم معها هي فقط !!
يتعسر فهمكم فعلاً يا رجال مطر شاهين "




وحرك رأسه مبتسماً ووضع الهاتف على الطاولة وأعاد

تشغيل التلفاز بينما من كان يحدثه قبل قليل لم يفارق هاتفه

يده مثله وهو يحاول مجدداً للرقم الذي كانت نتيجة الاتصال

به ذاتها فرماه على الكرسي بجانبه بحركة غاضبة

واشتدت أصابعه على المقود بينما عادت ذات العبارات

والمشاهد للتكرر في رأسه الذي يكاد ينفجر بها وكأنه

يسمع صراخها وكلماتها الآن الآن




( كااااذبة ... سأقتلك يا كاذبة)



( " هذا لا يكذب " )



( لا بل أريد الذهاب معك )


( تحدثت وعمير عن الأمر لكنه منشغل ولا يستطيع
المغادرة الآن )

ضربت يده المقود بغضب وأداره عند المنعطف الجبلي الذي

وصل له واتسعت عيناه وهو يرى الضوء القوي أمامه

والذي كان مصدره الشاحنة التي ظهرت فجأة من خلف

المنحدر ، وفي حركة سريعة لا إرادية حاول إدارة السيارة

بعيداً عنها لكن ذلك لم يمنع الصدام الذي تجاوز إدراك

كليهما وصوت اصطدام الحديد القوي وحده ما سُمع حينها

في المكان الشبه منقطع .

*
*
*

شدت يديها ببعضهما ونظرها لم يفارقهما بالرغم من

سماعها لصوت الخطوات التي كانت تقترب منها تُسمع

بوضوح فوق أغصان الأشجار المتكسرة فهي باتت تعلم

صاحبها وتعرفه وتميزها من بين جميع الأقدام الأخرى

وأينما كانت .


توقفت تلك الخطوات ما أن وصل صاحبها للمكان الذي

كانت تجلس فيه والجهة الخلفية لمنزلهم تحديداً وحيث

الكرسي الحجري ينظر لملامحها التي تكاد تخفيها خصلات

شعرها المتطايرة أمام وجهها دون أن تهتم لها وكأنها

فقدت صلتها بما حولها أو الرغبة في فعل أي شيء وإن

كان يسبب الإزعاج لها !

حين أخبره خاله صقر بأنه سيجدها هنا لم يصدق حتى دخل

سور المنزل وأخبره أحد الحرس بأنهم لم يقتربوا من هذه

الجهة لأنها تجلس فيها فصدّق كلمات خاله حينها وبأنها

تشبه والدتها في هذا فهو ليس نوع من العناد ولا الدلال

وإجبار الغير على ما تريدان بل نوع آخر من العزلة وقت

الحزن ومهما كانت حالة الطقس في الخارج وقتها .


تحركت خطواته مجدداً وجلس عند الطرف الآخر للكرسي

واتكأ بمرفقيه على ركبتيه ينظر ليديه التي كان يشبك

أصابعها معاً وكانت الدقائق التالية بمثابة الساعات لديه

حتى قال أخيراً وبنبرة عميقة جوفاء ولم يرفع رأسه

ولا نظره

" حينما تم أسري وإدخالي للهازان ... "


وتوقفت كلماته فجأة بالرغم من أن الجالسة بقربه رفعت

رأسها ونظرت له حينها لكنه لم يتابع حديثه ذاك بل نظر

لها أيضاً وإن لم يستوي في جلوسه أو يبعد مرفقيه عن

ركبتيه وتبدلت نبرته للضيق وهو يقول

" أنا لن أسمح بفعل ما يريده أولئك الحمقى وإن فررت بك
لخارج البلاد ولن يعلم ولا والدك عن مكانك كما أني لا أهتم
لتوثيق قانوني لزواجي بك فهو شرعي تماماً "



ساد الصمت من ناحيتها للحظات وقبل أن تهمس بخفوت

تنقل نظراتها المستفهمة بين عينيه

" كنت تقول عندما كنت في الهازان ؟ "



حدق في عينيها للحظات ولا ينكر بأنه لم يتوقع أن تعود

لكلماته السابقة بل وأن تتجاهل كل ما قال بعدها ! كما لا

يعلم كيف قال هو ذلك لأنه لم يفكر يوماّ في قولها لأحد ولا

والدها ولا حتى تيم أقرب الأشخاص له حين كان

مهاجراً هناك !!

أبعد نظره عنها للأرض مجدداً وقال بجمود

" لا طائل من الحديث عن ذلك فثمة ما هو أهم منه الآن "


وكان ذاك ما زاد الأمر سوءاً بدلاً من معالجته وقد وصله

صوتها الحانق سريعاً

" أن أرحل معك دون علم والدي وأترك والدتي وجدي
يواجهان هذه المصيبة وحدهما هو الأهم ؟ "



نظر لها واستوى في جلوسه وقال بجدية

" والدتك ستكون معنا وعمي دجى لا يمكنهم إثبات أنه
لازال على قيد الحياة لأنه ميت تماماً قانونياً ويعيش بهوية
أخرى لن يجدوا أي ثغرة فيها وإن فتشوا العالم بأكمله "



اتسعت عيناها وكأنها ترى شخصاً آخر أمامها لا تعرفه

وقالت مستنكرة

" ووالدي ؟! أنا لا يمكنني .... "



قاطعها بضيق يرمي بحقيقة أفكاره عنها في وجهها

" أنتِ يمكنك فعل كل شيء من أجل البقية لكن من أجل
نفسك لا "



ولم يترك لها أي مجال لتهاجمه أو تدافع عن نفسها أمام

هجومه وهو يتابع بضيق أشد


" إن قرر والدك إخراجك من دونه لن تمانعي
أليس كذلك ؟ "



كانت الدموع قد بدأت تتجمع في عينيها لكنها لم تكن تعبر

عن الحزن ولا الألم بل الغضب والذي ظهر واضحاً في

صوتها حين قالت بانفعال

" لا ولن أسمح بأن يعيش كل واحد منا في بلاد مجدداً ولن
أبتعد عن كليهما "


أبعد نظره عنها للفراغ أمامه بينما التصقت نظراتها هي

بنصف وجهه المقابل لها هذه المرة وقد انعكس النور

القوي فوقهما وظلال الأشجار على ملامحه وأنفه المستقيم

وخصلات شعره القصيرة التي تدلت فوق جبينه بسبب

نسمات الهواء المتحركة لتحوله لما يشبه لوحة فنية رائعة

وشعرت بالألم بسبب كلماتها التي كانت متأكدة من أنها

آلمته ويكتمها في داخله كعادته الدائمة فقالت بأسى حزين

" أريد أن أكون معك لكن ليس بعيداً عنهما "


نظر لها بحركة سريعة حينها وقال بضيق

" إذاً لن تكوني معي بل مع أولئك الرجال "


شعرت بقلبها انقبض بشدة حتى كانت تشعر بالألم القوي

فيه بينما تابع هو من فوره وبنبرة حادة قوية

" وهذا ما أرضى بالموت على السماح به فليقتلوني أولاً
إن لم يجدوا حلاً غيره "


كانت تنظر لعينيه في صمت استصعب عليها مغادرته سريعاً

بسبب الأفكار التي اجتاحتها حينها وهمست بتوجس

وكلمات متأنية

" ماذا حدث ؟! "


كانت ضربات قلبها تتعالى وبشكل جنوني فهي تعلم بأنه لن

يقول أو يقترح تلك الأفكار المجنونة عبثاً ! كما أنها لم

تشاهد بقية الأحداث في التلفاز واعتصمت عن كل ما له

صلة بالأمر بل وقضت أغلب الوقت مع جدها تنام في

حضنه فقط دون أن تتحدث عن أي شيء كي لا يكون


وحيداً وكي لا تؤلمه أكثر بالتحدث عن الأمر .


كانت وكأنها تعيش ساعات وجودها في تلك القاعة مجدداً

وهي تنتظر أن يرحمها ويقول ما قد يجعلها تندم على

سؤالها عنه أيضاً حتى رحمتها شفتاه أخيراً وما أن أبعد

نظره عنها وقال يشد قبضتيه بقوة وكأنه يفرغ ما به فيهما

" طلب السيد عقبة أن يتركوا قاعة المحكمة ويجتمعوا في
منزله وقد أقام مأدبة عشاء من أجلهم "



حدقت في جانب وجهه باستغراب وهمست سريعاً

" وأنت لم تذهب معهم ؟! "



شدّ على أسنانه وفكيه بقوة وإن قال بشيء من البرود

" لن أحتمل الوجود بينهم هناك ، عمي صقر ووالدك
يفيان بالغرض "


اكتسى الحزن ملامحها وعيناها الجميلة وفهمت الآن بأن

السيد عقبة استغل الموقف ليجمعهم لديه في محاولة لإيجاد

حل للمسألة ، جاهدت نفسها بصعوبة وهي تقنعها لتقول

" وهل انتهى اجتماعهم ؟ "


همس بجمود بينما عاد لطريقة جلوسه السابق ولازال

يتجنب النظر لها

" ليس بعد "


تنفست بما يشبه الارتياح وهي تبعد نظرها عنه فهو حررها

من كابوس معرفة ما حدث وهي التي كانت تتوقعه سيئاً فقد

تأخر الوقت ولم تكن تتوقع بأن اجتماعهم ذاك لم ينتهي

بعد ! عادت ونظرت له وقالت بتردد ونبرة حزينة

" وماذا سيحدث الآن ؟ "


حرك رأسه بشرود وقال

" لا أعلم لكنهم سيحاولون إيجاد حل يرضي أولئك الرجال
للتّنازل وإن قليلاً عن شروط العقد "


" ليس جميعها تقصد ! "


همست بتلك الكلمات مصدومة فاستدار رأسه ونظر لها

وقال وابتسامة ساخرة تزين شفتيه

" لن نطمح بذلك فلا يبدو أنهم ينوون فعلها "


عادت ضربات قلبها للتوتر حتى ظهر ذلك جلياً على أنفاسها

ولمعت الدموع في عينيها وقالت بصعوبة

" هذا يعني إما أن يتنازلوا عنّا أو عن عنق جدي ؟! "



هرب بنظراته مجدداً محدقاً بالأرض تحت قدميه فرؤيتها

بهذا الحال كفيل لوحده بقتله لكنه ورغم ذلك قال الحقيقة

التي لا يجدي تضليلها ولا إخفاؤها بينما كان صوته شديد

التجهم والجمود

" هذا في حال قرروا ذلك "


ارتفعت يدها لصدرها واغرورقت عيناها فعلياً بالدموع وإن

لم تفارق رموشها الكثيفة تنظر من خلالها للذي قال وقد

أشاح بوجهه للجانب الآخر

" من الجيد أنّ ابن جوزاء حاصرهم بالقانون لما خرجوا
من تلك القاعة بدون وثيقة موقعة جديدة "



اتسعت عيناها اللامعة بذهول وهمست

" أيفعلها والدي !! "



استوى في جلوسه مجدداً ونظر لها وقال بجدية

ينظر لعينيها

" والدك رجل عادل يا تيما وقد حاصروه بكبار رجال
الجنوب الذين كان يجلس بينهم سابقاً كزعيم لهم يُنفذون
أوامره وأحكامه ومهما كرهت أنفسهم لأنهم يثقون بعدله
ونزاهته "



حركت رأسها بعدم استيعاب ولا تصديق وانسابت أول دمعة

من طرف عينها نزولاً لوجنتها وهو ما جعله يشتعل أكثر

من الداخل وأبعد نظره عنها بحركة غاضبة تشبه كلماته

حين قال

" هو رئيس للبلاد الآن وبإمكانه قتلهم دون أن يحاسبه
أحد لكنه لا يفعلها بالرغم من كل ما فعله به شعبها "


لم تستطع منع عينيها من التحديق فيه باستغراب وقالت

" الشعب لا علاقة ولا علم له بما حدث "



نظر لها مجدداً وقال بضيق يشير بيده أمامه

" والخونة الذين باعوه لدول الغرب منهم أيضاً "


أبعدت نظرها عنه تبعد خصلات غرتها بيديها للخلف

تتخللها أصابعها ببطء تنظر للظلام بعيداً بحزن وألم وعادت

الدموع للتكدس في عينيها وهمست بضياع

" إذاً هو أساء الأمور بدلاً من تحسينها "



قال مباشرة

" لا .. بل هو أشغل العامة بقضية المعاهدة وسبب سفر
والدك ورجاله عن أمر الوثيقة وقضية الثأر "




أبعدت يديها وتحررت الخصلات الحريرية منها مجدداً

ونظرت له وقالت بضيق وعينان دامعة

" وهذا كانت نتائجه مشكلات أعظم أقلها اتهامه بأنه وراء
عملية اغتيال جدي شراع لأن بموته سقطت تلك الاتفاقية ،
هذا غير الاتهامات التي وجهت له بأنه يحاول تأجيج وضع
البلاد وبأنه نقض اتفاقية سرية بإخراجها للعلن
وغيره الكثير "



تنقلت نظراته في ملامحها وكأنه ينسخ صوراً لها وقال

بجدية وكلمات واثقة ما أن استقرت على عينيها ومقلتيها

الزرقاء اللامعة

" والدك لا يهمه كل ذلك فهو لم يسعى يوماً لحكم البلاد ولا
الثناء على أفعاله أو تمجيده هو فكر في عائلته فقط .. أنتم
أهم لديه من كل ذلك "



حركت رأسها بقوة وقالت بنبرة متأسية

" لا هو لم يكن يوماً ليتنازل عن مبادئه ووطنيته
ولا من أجلنا "



وأشارت لنفسها متابعة بحرقة وألم وعيناها تلمع مجدداً

بالدموع الحبيسة بين رموشها الطويلة

" وضع مصلحة الوطن قبلنا حينها وحُرمنا جميعنا من
بعضنا ولم نجني من ذلك سوى القلوب المحطمة "

وأبعدت نظرها عنه بل وأشاحت بوجهها للجانب الآخر تكتم

عبرة ترفض البقاء أكثر حبيسة أضلعها فقال بنظرات حزينة

لم تفارق خصلات شعرها الطويل والحائلة بينهما

" لم أتصور يوماً أن تتغير نظرتك له يا تيما !! "



جعلتها كلماته تلك تدير رأسها نحوه بحركة سريعة تغير

معها مسار ذاك الحرير الأسود من ظهرها لكتفها وصدرها

وقالت بكلمات قوية مندفعة معاكسة تماماً للدموع السجينة

في زجاج عينيها

" نظرتي له لم ولن تتغير أبداً ، صحيح بأنه لم يطلقها وكان
يظن بأن سفرهم لن يتعدى الأربعة أعوام لكن هذا لا ينفي
بأنه اختار الوطن حينها "


اشتدت أصابعه وتحولت لقبضة متكورة في حركة لا إرادية

وكأنه يفرغ كل ما يكبته فيها وقال بحزم ينظر

بتركيز لعينيها

" وإن لم يفعل ماذا كان سيحدث ؟ ألكِ أن تتصوري هذا ؟ "


وأشار بيده بعيداً وهو يتابع مباشرة وبلهجة اكثر

حزماً وجدية

" كانت ستشتعل حرباً لا نهاية لها بين صنوان والحالك
وكان رجاله سيُقتلون أمام عينيه وتحت قصف طائرات من
يسمون أنفسهم دعاة السلام وسيخسر البلاد وجيشه
ويخسركم أيضاً "



لم تجعلها كلماته الواقعية تلك تهدأ أو تغير مفهومها

ونظرتها للأمر بل صاحت بحرقة وقد ضربت بظهر كفها

على فخذها

" لكن البلاد استنزفته لآخر قطرة دماء فيه وتشتت عائلته
ولم يعرف معنى السعادة .. أهذا يكون جزاؤه ؟! "



امتدت يده نحو يدها تلك وشدت أصابعه عليها بقوة فهو

يفهم ما تمر وتشعر به بل ويشعر بأضعافه المضاعفة وقلبه

يتمزق ولا حل أمامه ولا خيار في يديه ، ورغم ذلك استمر

في دور القوي الذي أراد فقط أن يمدها بالقوه وقال بكلمات

جادة ويده لازالت تضغط على أصابعها الباردة الناعمة

" هو مختلف عنّا يا تيما لأنه لا يفكر بمثل تفكيرك ولا مثل
تفكير أي أحد منا ولا يمكنه التخلي عن مبادئه ولآخر يوم
في حياته .. هذا هو رجل الوطن ورجل الحروب "



وترك يدها ما أن رفعتهما كلاهما لوجهها مجدداً تبعد بهما

خصلات غرتها المتطايرة بنعومة مع الريح وكأنها تعطي

النسائم الربيعية مساحة أوسع من بشرتها الناعمة بينما

خرجت كلماتها مختلطة بعبرة حبيسة لازالت تقاومها حتى

اللحظة بينما كان صوتها حانقاً وبشدة

" تباً لهم .. ما الذي سيجنونه من كل هذا ! أشقائهم ماتوا
منذ زمن لما لا ينظرون لما فعله والدي من أجلهم ؟ "


عاد لإبعاد نظره عنها وهمس بكلمات شاردة تشبه

نظراته تلك

" هدفهم جدك .. هم لم ولن يروا والدك عدواً لهم "


أبعدت يديها ونظرت له وقالت بجدية

" أنت لم ترى نظراتهم له يا قاسم .. أنا لا أصدق بأن
هدفهم هو جدي وسلالته فقط "



اتسعت عيناه في حيرة ونظر لها بل ولعينيها بتفكير لبرهة

وكأنه يحاول تفسير ما تقول وقال ما أن عجز عن فعل ذلك

" مستحيل ..! قد يكون لأنهم يظنون بأنه يخفي أمر
وجوده حياً "


حركت رأسها بعجز عن تصديق ذلك وهي تتذكر ما حدث

في تلك القاعة بعد دخولهم وهمست بأسى حزين

" أجزم بأنهم لن يكتفوا وإن سلمنا لهم ثلاثتنا "


همس دون شعور منه

" ولماذا !! "


نظرت للفراغ أمامها بشرود وضياع وقالت بكلمات متأنية

" لا أعلم لكن عيناه ونظراته المخيفة كانت وكأنها تقول
بأنه يريد فقط الوصول لغاية ما بكل ما يفعله "



زادته كلماتها تلك حيرة وضياعاً حتى أعجزته عن النطق ،

يعلم بأنها حادة الذكاء سليلة عائلة الشاهين لكن يصعب

عليه استيعاب أن يكون ذلك صحيحاً فلا شيء آخر قد

يطمحون له !

قال ولازال ينظر بتركيز لنصف وجهها المقابل له

" لا أعتقد هذا فإن كان لا يريد المال ولا المنصب ولا الجاه
فهو لن يسعى لأمر آخر بالتأكيد "


حضنت نفسها بيديها وكأنها تحميها من مجرد التفكير في

الأمر فعينا ونظرات شعيب لا تفارقها أبداً وكأنها تراه

أمامها في كل مكان ، ارتسمت التعاسة على ملامحها وقالت

بشرود حزين

" أخشى فقط أن يكون الثمن أشد قسوة من أخذنا
ثلاثتنا معاً "


أبعد نظره عنها للسماء السوداء عالياً وتخللت أصابعه

شعره يشده للوراء قبل أن تنتقل من قفا عنقه لفكيه وقال

ونظره لم يفارق النجوم المتناثرة فيها بينما كانت كلماته

جوفاء كئيبة

" سنرى ما سيخرج عنه اجتماعهم في منزل السيد عقبة
ثم لكل حادث حديث "


نظرت له ولازال ينظر عالياً بعينين حزينة شاردة وتعلم ما

يشعر به الآن فأصعب ما في الوجود أن يعجز الرجل عن

مساعدة من يحبهم ، ملأت الدموع عينيها ونظرت ليديها

اللتان عادت لشدهما بقوة في حجرها واختلط صوتها بنبرة

بكاء واضحة لم يعد يمكنها كتمه أكثر من ذلك ما أن قالت

" قلبي يحترق عليهم جميعهم .. والدي ووالدتي وجدي ،
أشعر به يتمزق دون توقف "


وكان ذاك هو الخيط الرفيع بينها وبين صمودها الذي

تمسكت به لساعات وأمام الجميع .. جدها والكاسر وحتى

الجالس بجوارها الآن بل وحتى نفسها وانهارت باكية نهاية

الأمر ما جعله يقف سريعاً ويجلس ملتصقاً بها وشدها

لحضنه وأحاطتها ذراعيه يحضنها بقوة ومسحت يده على

شعرها وقال يحاول الصمود رغم ضعفه المميت أمام

دموعها وبكائها

" لنا قدر محدد يا تيما الله رسمه لنا لا يمكننا السير على
غيره ولا تغييره إلا بالدعاء "


تمسكت أصابعها بطرف سترته وقالت باكية تدفن

ملامحها فيها

" لا يمكنني تصور أن يموت جدي ونصبح أنا ووالدتي
لديهم .. لا يمكنني فعلها فمجرد التفكير فيها يقودني
للجنون ، سيكون والدي ميتاً بالتأكيد ليحدث ذلك "



واختلطت آخر كلمات قالتها بعبراتها المتلاحقة فشدها

لحضنه أكثر يشعر بكل كلمة قالتها سكين يذبح قلبه

وروحه ، اشتد سواد نظراته الغاضبة والمحدقة في الفراغ

أمامه وقال من بين أسنانه

" ليس والدك فقط بل وأنا أيضاً لأني لن أسمح بهذا
ومهما حدث "



ازداد بكاؤها حدة وقالت

" لو أن الوقت يعود للوراء لما سمحت لتلك المحاكمة
أن تحدث وبأي طريقة كانت وإن قتلت نفسي "



مسحت يده على شعرها وقبّل رأسها وكأنه يحمد الله أنَّ تلك

الأمنية لا يمكن تحقيقها الآن والتي نتيجتها أن يفقدها هي

وللأبد ، اتكأ بذقنه على رأسها يحضنها أكثر وقال بحزن

" لا شيء في الحياة يمكن تغييره هو قدرنا ولا مهرب
لنا منه "


شعر بكلماتها سكين يخترق صدره حيث تدفن وجهها

وملامحها ما أن قالت باكية وبحسرة وألم

" كم أتمنى أن يعود كل شيء كما كان بعد أن توضحت
الأمور الخفية وينسيا كل ما حدث سابقاً "



عاد ودفن شفتيه في نعومة شعرها وقبّله مجدداً وكأنه

يشجع نفسه على قول الحقيقة التي لا مهرب منها وما

يرفضه قلبه ويوافقه عقله الذي كانت له الغلبة نهاية الأمر

وقال بكلمات متأنية حزينة ونظرات شاردة واجمة

" الرجل يا تيما حين يُطعن في كبريائه وكرامته يضع كل
شيء تحت حذائه ويدعسه به ويمضي .. وحتى قلبه
ومشاعره "



جعلتها كلماته تلك تبتعد عن حضنه بحركة سريعة وقالت

بكلمات غاضبة باكية تنظر لعينيه

" ولما أنتم هكذا ! "


ابتسم رغماً عنه بسبب تفكيرها وكلماتها الطفولية تلك

وأمسك وجهها بيديه يمسح إبهاماه الدموع عن وجنتيها

وقال بكلمات هادئة ينظر لعينيها

" لأنه شيء في تكويننا ولا نختلف فيه البتة "



أبعدت نظرها عنه وتبعه وجهها مما جعله يبعد يديه عنها

وحدقت في الفراغ أمامها بعينين حزينة دامعة فتنهد
بعمق وقال

" تيما ... "


وتوقفت كلماته لأنه وكالعادة سرقها منه ما هو أهم من

وجوده ومن كلماته وارتفع نظره معها وهي تقف على

طولها ما أن سمعت صوت السيارة التي دخلت من بوابة

المنزل متوجهة نحو الداخل فهمست بخفوت تنظر

لتلك الجهة

" هذا أبي "

وتركته وسارت راكضة حول المنزل لتدركه فهي لم تنم ولم

تستطع فعلها تنتظره وقد ادعت النوم لينام الكاسر لأنه

قرر أن لا ينام قبلها .


حين وصلت لباب المنزل كانت سيارته فقط الموجودة هناك

فركضت نحو الداخل مسرعة وكما توقعت كان يصعد

السلالم حينها سترته في يده وخطواته البطيئة كانت تصف

حالة التعب والإرهاق التي وصل لها فلحقت به وقالت وهي

تصعد أول العتبات

" أبي "

وتوقفت خطواتها بسبب توقفه ونظرت لوجهه بل ولعينيه

تحديداً ما أن استدار رأسه نحوها وشعرت بقلبها يتمزق

حين لم يبدر منه أي كلمة وكأنه يرفض قول أي شيء

ولأي شخصٍ كان ! ولأنها تتفهم شدة الموقف قررت أن لا

تسأله عمّا حدث وما نتج عنه اجتماعهم ذاك وإن كانت

تحترق لمعرفة ذلك لكنها هنا من أجل أمر آخر .


اشتدت قبضة أصابعها على السياج الخشبي للسلالم في

حركة لا إرادية بسبب توترها .. لا بل ترددها الذي كان يكاد

يفقدها النطق وقالت نهاية الأمر متغلبة على كل ذلك بينما

كانت كلماتها حزينة تشبه نظراتها لعينيه

" لقد أخذها خالي رعد من المستشفى ولا نعلم حتى
الآن أين هما "


تجنبت ذكر كلمة والدتي ولا تعرف لما ! وكانت ضربات

قلبها ترتفع بشكل جنوني لشدة ترقبها وتمنت في لحظة


يأس أن خالف جميع مخاوفها بل وكلمات قاسم التي لازالت

تنخر في رأسها وتعذب قلبها ، واكتشفت حينها بأنها مجرد

أمنيات ميتة تُضاف لدفتر ذكرياتها الأليمة ورأت كلماته

تلك أمامها وبكل حرف فيها وكأنها تسمعها منه الآن وهي

تراه يدير ظهره لها دون أن يعلق بشيء بل ولم تتغير

ملامحه البتة وكأنه لم يسمعها !

فنزلت دموعها دون شعور منها وهي تودعه كوداعها لكل

شيء كان يربطها بالحياة وعادت كلمات قاسم لمهاجمتها

ودون رحمة وهي تسمع صوت خطواته مبتعداً



( الرجل يا تيما حين يُطعن في كبريائه وكرامته يضع كل
شيء .. تحت حذائه ويدعسه به ويمضي .. وحتى قلبه
ومشاعره )



حركت رأسها بقوة ورفض وصعدت العتبات راكضة خلفه

ما أن اختفى تماماً عن نظرها فهي تعرف والدها جيداً يحبها

كما لم يحبَ رجل امرأة من قبل ، لكن كل ذلك تلاشى ما أن

صفعها الواقع بمرارة حقيقته وتوقفت خطواتها مع انتفاض

جسدها بسبب صوت باب الغرفة الذي ضربه خلفه بقوة

ليرسل لها رسالة واضحة مفادها بأن باب قاعة المحكمة

ذاك سيكون أمامها كلما قررت فتح باب آخر بينهما .


فودعته عيناها الدامعة كما ودعت جميع أحلام طفولتها

ونزلت عتبات السلالم بخطوات بطيئة وجسدها ملتصق

بالجدار تسحب قدماها فوقها بصعوبة بينما عيناها الحزينة

التعسة والتي يحفها جفنين حمراوين بشدة كانتا تحدقان في

الفراغ بحزن وكأنها فقدت صلتها بالعالم وكل شيء من

حولها حتى أنها لم تنظر ناحية الباب ولا للداخل منه والذي

كان صقر وقد وقف ينظر لها باستغراب وهي تجتازه
وكأنها لا تراه متوجهة ناحية ممر غرفتها .


" ماذا حدث ؟ "


توقفت خطواتها فجأة وحين وصلها صوت قاسم الذي دخل

أيضاً ووجه ذاك السؤال لصقر دون أن ينتبه لوجودها

هناك ، وكان ذاك ما أعاد حواسها للحياة وللشعور بما

حولها مجدداً ، وما أن استدارت نحوهما كان صقر ينظر له

قبل أن ينظر لها ثم يعود وينظر له مجدداً في رسالة صامتة

لم يكن لذكائها الفطري أن يتجاوزها بسهولة وهو ما جعلها

تعود أدراجها حتى وقفت أمامهما وقالت ببحة وترقب

" ماذا طلبوا في المقابل ؟ "


نقل صقر نظره بينها وبين قاسم باستغراب والذي تنهد بقلة

حيلة رافعاً يديه وكأنه يقول له

( لا جدوى من تغيير أفكارها )

ولا يعلم بأنه لم يكن يتساءل عن هذا بل كيف خمّنت أن

يكون هذا ما حدث !!



تهرب من النظر لها وقال وهو يجتازها

" لا شيء مهم .. أنا متعب وأريد أن أنام "



لكن ذلك لم يُقنعها ولم يعطيه الفرصة أيضاً للتخلص منها

لأن ذراعه كانت في قبضتها سريعاً وأدارته ناحيتها وقالت

بإصرار تنظر لعينيه

" بل ثمة ما حدث وعليك إخباري به "



نقل نظره من عينيها الحزينة المجدة والمتورمة بشدة

والتي كانت السبب الرئيسي لصمته رأفة بحالها ليستقر

على عيني قاسم الذي خان توقعاته حينها وهو يومئ له

برأسه متنهداً بقلة حيلة ليفهم بأنه عليه التحدث وقول ما

حدث وبأن إخفائه عنها لا جدوى منه فهي ستعلمه إن منه

أو من غيره وإن اليوم أو في الغد ولن يزيد إخفائه عنها

وضعها إلا سوءاً ، فكان دوره حينها للتنهد بقلة حيلة

وبؤس وقال بعد حرب طويلة مع نفسه وبكلمات جوفاء

متجهمة كتجهم ملامحه

" لقد وضعوا شرطاً للتنازل عن سلالته فقط "



جعلت كلماته تلك عينا تيما تتجمدان بتوجس وجعلت

الواقف خلفها يتقدم بضع خطوات حتى أصبح يقف بجانبها

ومقابلاً له فكما توقع تماماً لن يفكروا في التنازل عن عنق

قاتل أشقائهم أبداً ، ولم يكن يعلم بأنهم يحملون المزيد حتى

تحرك رأس صقر في عجز وملامحه لا تعبر سوى عن

الذهول وعدم التصديق الذي لم يغادره بعد مما جعل مشاعر

كليهما تهوي للقاع ، وكان قاسم الأشجع على التحدث

والنطق حينها كعادة الرجال وقد قال بكلمات هامسة

متوجسة

" وما يكون هذا الشرط ؟ "


كان رد فعل صقر المبدئي ابتسامة ساخرة وفرد كفه أمامها

تحديداً وقال وكأنه يستهزىء بالأمر وإن كانت نظرته لا

تقول ذلك البتة

" طالب بأن يزوج شقيقتاه التوأم بي وبجدك "


لم يستغرب حينها النظرة التي رآها في عينيهما والتي كانت

تعبر عن عدم التصديق وكأنها نُسخت ووزعت عليهما وإن

كان في موقف غير هذا الذي هم فيه لضحك حتى خارت

قواه ، ولأن الأمر لم ينتهي بعد ولم يتجاوزاه أيضاً تابع

بضيق وقد بدأ يعد بأصابعه ابتداء بإصبعه الصغرى

" زواج لا طلاق فيه ولا تشاركها زوجة أخرى معه
لا سابقة ولا لاحقة ، وزواج تام وبدليل طبي "



كانت عينا تيما لازالت تعيش الصدمة التي لم تغادرها بعد

وقد حولتها لتمثال حجري بينما نقل قاسم نظراته الذاهلة

بينهما وكأنه يتأكد من أن ما سمعه حقيقي وفهمه بشكل

سليم تماماً وقبل أن يغادر صمته مجدداً وقال بضيق وقد

استقر نظره على عيني صقر

" هذا ليس تنازلاً بل تعجيز ! فخروج خالي دجى معناه
موته بسبب الشرط الآخر بينما عدم الموافقة عليه معناه
إلغاء عملية التفاوض معهم برمتها "



كان رد فعل صقر الغير متوقع ابتسامة ساخرة وكأنه يخفي

المزيد وما هو أشد قسوة من ذلك ! وذاك ما حدث فعلياً

حين قال بسخرية

" هذا يكون تفكيري وتفكيرك يا قاسم وليس شعيب
غيلوان "


تحركت يد تيما حينها ولامست صدرها في شهقة صامتة

بينما اتسعت عينا قاسم وقد همس بتوجس وريبة

" وما يكون إذاً ؟! "


ضرب صقر كفيه ببعضهما وكأنه ينوي قتلهما بكل ما يفعله

بينما هي ليست سوى فاجعة لم تغادره بعد ليستوعبها أيضاً

وقال أخيراً وقد علا صوته في المكان الساكن المظلم ويده

تشير عالياً

" اشترط في تلك الحال أن يكون الزوج بدلاً عنه هو مطر"



المخرج : ~

بقلم / Maraam Al-Maraam

من غسق إلى مطر

تلومونني... و تلومون انهياري
و كأنكم قد تناسيتم أن ما حدث كان نتيجة لجرحي و انكساري!!!
كم قد شكوت ألمي فلم ألقَ سوى صمت أو أسوأ الأعذار...
انظروا جيداً فأمامكم عاشقة متيمة في محراب العشق كانت تتبتل ليل نهار...
و ما كنت على موعد مع الحب و إنما اقتحم قلبي كعاصفة بل كإعصار...
و كم رسمت أحلاماً و زينتها بأجمل الورود و الأزهار...
فاستيقظت على واقعٍ قاسٍ فاق العلقم بطعم المرار...
و كلما ذكرت اسمه في عزلة... فاضت عيناي شوقاً بدمع مدرار...
و ما نهرت القلب أن كفاك عشقاً إلا و أجابني: و هل تكتفي الصحاري من الأمطار؟!!
أجل -يا من تستنكرون فعلتي- ها أنا ذا أقف في وجه زعيمكم المغوار...
يا غيث قلبي كم أموت لحضنك شوقاً لكنه بات مليئاً بأشواك كالصبار...
قد نحيت قلبي و أسلمت رايتي لحكم عقلي بعزم و إصرار...
ما فادني القلب سوى بخذلان موجع فلأتبع حكم العقل الصارم البتار...
و حتى -يا صفي الروح- لو كان في الفراق موتي... لكنه الآن قد بات قراري...

نهاية الفصل



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 11:02 PM   #18340

أميرة الوفاء

مشرفة منتدى الصور وpuzzle star ومُحيي عبق روايتي الأصيل ولؤلؤة بحر الورق وحارسة سراديب الحكايات وراوي القلوب وفراشة الروايات المنقولةونجم خباياجنون المطر

 
الصورة الرمزية أميرة الوفاء

? العضوٌ??? » 393922
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 11,306
?  نُقآطِيْ » أميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond repute
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1767 ( الأعضاء 210 والزوار 1557) أميرة الوفاء*, ‏منـال مختار, ‏روحي أنا, ‏queen of darkness, ‏القرنفله, ‏سمية١٢٣, ‏منارًً, ‏جنون المشاعرر+, ‏Athina4, ‏ملكةالقمر, ‏shaoshao, ‏هامة المجد, ‏جويرية جةجو, ‏Rivan mohammad, ‏Roon.11, ‏ملك حسام, ‏لؤلؤة جدة, ‏افيندار, ‏هتاف عبدالله, ‏منال ر, ‏ৡOosary, ‏Rhaf Adil, ‏lobnaaaa, ‏sarah72, ‏عطعوطة, ‏hibba+, ‏Fatima hfz, ‏ام الور, ‏Habiba Banani, ‏فوز الأمل, ‏ام الارات, ‏ميهافq, ‏ذرة أكسجين, ‏Aya 611, ‏aya biry, ‏جولتا, ‏سهام زيد, ‏روان حاج يحيى, ‏كادىياسين, ‏panooramah, ‏Black hand, ‏Batool Azzam, ‏. تنآهيد, ‏افنان23, ‏Bint rim, ‏عاشقة الوحدة والصمت, ‏Kha wla, ‏روزا لينا, ‏بيبآا, ‏ع عبد الجبار, ‏تارة ابراهيم, ‏Güzal, ‏مسره الجوريه, ‏شمس عمر, ‏ارميتاج, ‏آميره بآخلاقي, ‏همس الضلال, ‏نور الهدى الباشا, ‏برد المشاعر+, ‏جواهر الخليج, ‏رواني$, ‏فراشة التوليب, ‏كامارو, ‏ام عدي ريان, ‏حورررررر, ‏أميرة مملكتي, ‏Princess zayn, ‏انايا, ‏هبة الله العواد, ‏ايمان ربيع, ‏نور حسن عبد العال, ‏Reemo Roo, ‏بيبووووو, ‏نورقوزيل, ‏أمااان, ‏ديالاا, ‏سندريلا ساسو, ‏ميرو76, ‏Heyam23, ‏HUDA1995, ‏رقيةرقية16, ‏"جوري", ‏روح آسيا, ‏سلام مصطفى, ‏ام سليم المراعبه, ‏مدلالة, ‏ناي محمد, ‏رنا اسامه, ‏Fezoo, ‏ردينه حسن, ‏جنان عثوم, ‏الجوزاء●°, ‏زهره ابي, ‏Señorita, ‏هاجر جوده+, ‏غالية العلي, ‏Høpë☆, ‏لولو بكري, ‏رحابي, ‏شذى الحربي, ‏Djadly, ‏وردة الاحبة, ‏مطرغسق, ‏المهري, ‏إِسـراء أَحـمَد عُثمآن, ‏toty_sweety, ‏اروى الموسى, ‏بلاكوايت, ‏Baraa Ahmed, ‏امل زينة, ‏ياسمين78, ‏Gunoot Malik, ‏نقطة زوءْ, ‏وطن النهار., ‏ZahratAlnar+, ‏Lashbona+, ‏بسم الله عليها, ‏remokoko, ‏رياح بنفسج, ‏Hafelha, ‏راوين, ‏أم البنيين, ‏خولة1996, ‏امل وطن, ‏Oneع٣, ‏ألحان الربيع, ‏Odine, ‏الشفاه الغليظة, ‏أم نووور, ‏ميار111, ‏سسسناء, ‏لــوولي, ‏آية ماضى, ‏Manar saif, ‏Şirin, ‏deegoo+, ‏sam_202, ‏لووليت, ‏Lara35, ‏jayano, ‏Memoskeef, ‏~~عنود ـ الصيد~~, ‏هالة صالح البحر, ‏زهرورة, ‏هانا مهدى, ‏اسماء مهدي, ‏ميريت مانسا, ‏مونى مادو, ‏الاوركيدا., ‏منى ال علي., ‏Hanita, ‏ليان لولو, ‏فرحة شيماء+, ‏ضلالة الامل, ‏تالااا, ‏Lola bissou, ‏رقة فراشة, ‏حنحون3, ‏چوقي, ‏نَـــايّ+, ‏غرام النهار, ‏رياح التلال, ‏Ti_, ‏دانه عبد, ‏قطر الند, ‏حكايا الروح, ‏سوويرا, ‏مروة الزفتاوي, ‏عاشقة جنون مطر, ‏نورالهدى**, ‏مينو ويزي, ‏Nesrine Nina, ‏امم غنى, ‏فوفونان, ‏Warda123, ‏حياة*جديدة, ‏ام بيبرس+, ‏folla09000, ‏hawazin15, ‏ودق الخير, ‏نهى اليا, ‏ملاذ حكمي, ‏لولي الحمد, ‏بزوغ فجر جديد, ‏Shima zead, ‏قطرالندى حسن, ‏ميرا حوا, ‏حروراء, ‏رضوي@, ‏اسمهانوا, ‏ريما عزالدين, ‏أمل بالرجوع, ‏وحيدة أبوها, ‏راء عين, ‏Manoraaa, ‏Reeo+, ‏Ayames, ‏هامتي عتيبه, ‏نرمان, ‏chouchou23, ‏مجنونة الطب, ‏شخص ما في هاذا العالم, ‏معالي ., ‏الخلوقه, ‏نرجس79, ‏ناردين يوسف, ‏ايرس, ‏وردة جلنار+



أحلى سيلفي مع
أغلى الناس ميشو

ويبقى الوفاء
سمة جمهور
متابعي جنون
ومحبي ميشو

ما شاء الله
حضور مميز
كالعادة

اشتقنا لسيلفي
حلو مثل هيك



أميرة الوفاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:08 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.