آخر 10 مشاركات
صيدلية الرياض| حبوب اجهاض |بسرية تامة| في جدة 0563940846 حبوب سايتوتك 200 للبيع جدة (الكاتـب : دكتور تركي - )           »          حبوب سايتوتك في الرياض |اطلبها الان| 0563940846 الدفع عند الاستلام (الكاتـب : دكتور تركي - )           »          عرض مغرى (148) للكاتبة Michelle Conder .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          عشيقة الإيطالي (1) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          220 - همسات - جيسيكا ستيل (الكاتـب : monaaa - )           »          261-سحابة من الماضي - ساره كريفن ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          همسات حروف من ينبوع القلب الرقراق..(سجال أدبي)... (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          18 – بعدك لا أحد - مارجورى لوتى -كنوز أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          604 -الحب أولاً وأخيراً - ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات الطويلة المنقولة الخليجية المكتملة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-07-17, 11:46 AM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 بلا روح / للكاتبة جُبرانيه?* عمانية مكتملة






بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقدم لكم رواية
بلا روح
للكاتبة جُبرانيه?*



قراءة ممتعة للجميع۔۔۔۔۔


ندى تدى likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 05-11-17 الساعة 08:56 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-07-17, 11:47 AM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

رابط لتحميل الرواية

https://www.rewity.com/forum/t395444.html#post12787616



جميع الشخصيات و الأماكن و المُسميات خيالية و لا تمَّت للواقع بأي صِلة ، فإن صادف و حدث ذلك فهو ليس إلّا محض صُدفة ! ¶ +
¶ الأخطاء و الأفعال الخاطئة و غير الأخلاقية في بداية الرواية كُتبت لِتُعالج في النهاية و ليس لتزيين الحرام و ما إلى ذلك ¶ +
¶ لا أُبيح نقل روايتي دون ذكر اسمي ( جُبرانيه?* )، و إن حدث فلن أسامح الفاعل ليوم ِ الدين و في ذلك اليوم سيكون ُ بيننا حساب أمام الله تعالى ¶ +
¶ لا تلتهوا بالرواية عن الصلاة و ذكر الله .. اللهم إني بلّغت فاللهم اشهد ¶ +
¶ للرواية هدف ¶ +
¶ موعد التنزيل : *الجُزء : الجمعة ، *مقتطفات من الجُزء : الثلاثاء ¶ .

¶ (جُبرانيه?* ) ، تويتر : jubraniah ¶ .
7-7-2017 ـ .

¶ ¶ ¶

الفُصول :

¶ الفصل الأول : ما قبل الثاني عشر من أكتوبر ¶ .
«1» :





¶ ¶ ¶






التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 09-11-17 الساعة 09:54 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-07-17, 11:48 AM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

]



المُقدمة :

" أكثرُ الذين يجرون وراءَ المال ،
يفقدون روحهم في الطريق ,
و ما أتعسَ الذين يعيشونَ بِلا روح ،"

لِـمُصطفى أمين .

¶ ¶ ¶



¶ الفصل الأول : ما قبل الثاني عشر من أكتوبر ¶ .
»1«

على النصف الشرقي من الكرة الأرضية ألقتِ الشمسُ أشعتها ، و صعدت العصافير على مسارحها أعلى الشجر لِتغرد ، و في ذاتِ الوقت عاودَ قلبُ (نازك ) الإنشطارَ من جديد ، ليترجمَ ألمه بدموعٍ حارقة .. الثاني عشر من أكتوبر لعام ألفين و أثني عشر ، يومٌ رسخ في ذاكرتها بكل آلامهِ و مواجعه ، رغم مرورِ أربعةِ أعوام على ما حدث إلا أن آلامَ القلوب لا تعرف شيئاً يُسمى " مرت سنوات .. انسى ! " ، فقد كانت (نازك ) تحتَ ملاءةِ سريرها البيضاءِ ذاتِ الدوائرِ الحمراءِ الكبيرة مستعدةً لاستذكارِ كل ما حصل و البكاءِ عليهِ لولا قدوم (هيكارو ) ، الفتاة اليابانية ذاتِ الواحد و العشرين عاماً التي تشارك (نازك ) في السكن لِتقفَ بالقربِ من رأسها و تبعدُ الملاءةَ و تصرخُ عليّها بصوتها ذي النغمةِ الرقيقة المُغلفة بنبرة ٍ أخرى حيوية للغاية و مفعمةٍ بالحياة لتقول باليابانية :
" نااااااااااااات تشان ! ، الم تستيقظي للآن ؟ ، انظري للساعة ، سيطردُنا الدكتور أغاسا من الصف إذا تأخرنا "
و أردفت بِتأفف : " ذاك البدين ذو النظارات المُستديرة ! " .
حينَ أبعدت (هيكارو ) الملاءةَ فتحت (نازك ) عينيها الحمراوينِ ببطئ ، و ألتزمتِ الصمت و على تقاسيمِ وجهها هو الضيقُ واضح ، و لكن ما إن أنهت (هيكارو ) جملتها حتى ضحكت (نازِك ) بخفة فلو أن اليوم لم يكن الثاني عشر من أكتوبر لفجَّرتِ المكانَ بضحكتها الصاخبة التي لطالما أزعجت بها (هيكارو ) و (رؤى ) ابنةُ عمها التي تشاركها السكن و في ذاتِ الوقت صديقتها الصدوقة التي كانت مكافأة ربانيةً بحق ، و بعد ثوانٍ فقط من إطلاقِ ضحكتها أمسكتِ الملاءةَ بيديها و وضعتها عليها و أغمضت عينيها قائلةً لِـ (هيكارو ) باليابانية:
" هيكارو لن أذهب للجامعة اليوم ، لِذا فلتخرجي الآن و لتغلقي البابَ وراءكِ جيداً " .
لم تستغرِب (هيكارو ) أبداً من تغير مزاج (نازك ) فجأة ، فـهي معروفةٌ بتقلبِ المزاج ، لدرجةِ أنها تضحك ُ قبل دقائق و فجأة تغضب أو تصمتُ ، و تخالطُ الناسَ لأيامٍ و تنعزل لِأخرى ، و هكذا تظل مُتخبطة بين كل ضِدين في هذهِ الحياة ، فهي هادئة و عصبية .. جميلة و قبيحة .. ضعيفة و قوية ، في آنٍ واحد ! ، ما إن غادرت (هيكارو ) و أغلقت الباب خلفها كما طلبت منها (نازك ) حتى قامت بدفنِ وجهها في سريرها من جديد ! ، و لكن هذهِ المرة حاولت أن لا تذرف أي دمعة ! و لكن قلبها كان أضعف من أن يكسرَ هذهِ القيود التي طوّقتها في الثاني عشر من أكتوبر ، لِذا عاودت ممارسةَ تلكَ الطقوس ككُل عام ، الطقوس المعتادة و التي تتكون من الدُموع و الندم و الحسرة ! ، و بعد دقائقَ فقط مسحت تلكَ البلوراتِ الملحية التي غطت وجهها بأناملها ، لِتبعدَ عنها تلكَ الملاءةَ البيضاء و تجلسَ القرفصاءَ على السرير ! ، و انعكاسُ صورتها بِملامحها البائسة يظهرُ أمامها على المرآة لِتتأمل نفسها بِشفقةٍ مُبتدئةً بِخصلاتِ شعرها الغامقةِ المُلتصقةِ على وجهها بسببِ الدموع ! ، و عينيها الحمراوين اللتين كانتا ككُرتين مُلتهبتين من نارٍ ! ، و انتهت بِوجنتيّها الزُعفرانيتين من جرّاء الألم و البؤس و التفكير ! ، لتأخذ بعدها شهيقاً طويلاً و تزفرهُ ببطئ ! ، و بعدها ضمّت ساقيها بالقربِ من صدرها و أرخت رأسها على الحائطِ وراءها ! .
قبل 3 سنوات ، في يناير لعامِ ألفين و أحد عشر :
آنذاك قرر والد (نازك ) أخذهم للخليج في إجازةِ منتصفِ العام الدراسي كما هي معروفة في الخليج و لكنها في اليابان تعرف بإجازةِ بدايةِ العام ! ، و كانت تلكَ هي المرة الأولى التي تزورُ فيها الخليج بعد أن غادرتها منذ 15 عاماً ! ، فقد كانت (نازِك ) و عائلتها يعيشون في اليابان لِتجارةِ والدها و الذي جنى أموالاً طائلة و لكنهُ في المقابل أصبح عبداً لهذا المالِ فغدا يعيشُ بلا روح ! ، و أما هي و أخواتها فقد فقدوا أشياءً كثيرة أهمها الدين و الأخلاق ! ، و أيضاً لم يحمّل والدهم نفسه عناءَ تعليمهم للتحدث بالعربية إلا أن والدتهم تلك المرأة العظيمة في عيونهم استطاعت فعلَ ذلك بِمفردها ! ، صحيحٌ أنهم في بادئِ الأمر قد عانوا كثير للاختلافِ الكبير بين اللغُتين ، فالمنزل يتكلم لغة و المدرسة و الحضانة و الشارع وووو لغة أخرى إلى أن المطافَ قد انتهى بهم و هم يتحدثونَ العربية بشكل ليس بممتاز و لكن جيّد .
ما إن وصلوا حتى عاشوا أول أيامٍ لهم هناكَ بشكل طبيعي و جميل كما يعيشونها في اليابانِ بالضبط إلا أن بعض الفروقات قد أثرت عليهم كاللغة و الجوّ و المجتمع و طبيعة تفكيره ، و لكن الوالد قلبَ الأمور رأساً على عقب ذاتَ ليلةٍ مُقمرة و هادئة ، فقد ابتدأَ الأمر في الساعةِ السابعةِ تماماً ، حين سمعِت (مريم ) أختُ (نازك ) طرقاً خفيفاً على بابِ الغُرفةِ لِتضع الروايةَ التي بيدها على الطاولةِ المكتبية و تذهب لفتحِ الباب و إذا بالقادمِ هو والدها ! ، و حين رأته (نازك ) نزعتِ السماعةَ من على رأسها و وضعتها على رقبتها و وضعت الجيتار من يديها بجانبها على السرير ، و كذلك الأخت الصغرى (نور ) قامت هي الأخرى بنزعِ السماعاتِ من أذنها و وضعتها على اللاب توب الذي أغلقتهُ توّاً ، و أما (رؤى ) ابنةُ عمهم اليتيمة قامت هي الأخرى بوضعِ هاتفها جانباً و عدّلت من جلستها ، لِتنظر الفتيات الأربعُ للوالدِ بنظرةِ استفسار ، لِينطق هو بنبرةِ صوتهِ التي يُلامَسُ منها الكِبر و التعالي :
" اطلعوا ، بكلم أختكم " !
ما أثارَ دهشةَ الجميعِ هو ليس أنه يريدُ التحدث مع أختهم كما يقول بل ما أثار دهشتهم هو أن الوالد قد جاء لِعندهم ! ، فهو لا يُرى إلا مرتينِ في الأسبوع بالرغم من أنهم في منزلٍ واحد و أيضاً إذا أرادَ أحداً فهذا الأحد هو من يذهب إليه و ليس هو من يأتي هذا الصحيح كونه والداً ! ، لِيقول من جديد حين رأى الجميعَ غارقين في بحورِ دهشتهم :
" ما سمعتوني ؟ " .
لِتقفَ ( نور ) و تليها ( رؤى ) و أخيراً (نازِك ) لأن (مريم ) بالأصل كانت واقفة ، و ما إن خطونَ حتى قالَ و نظرهُ متجهٌ لِـ (نازك ) :
" انتي اجلسي ، بكلمش انتي "
لِتنظر إليه (نازك ) بنظراتِ دهشة و كذلك فعلن البقية مثل فعلها ، فمنذ متى و والدها يملك أحاديثاً ليحادثها بها ! ، فهو إن حادث أحداً فسيحادثُ ( نور ) لأنها أميرتهُ الصغيرة ذات الأربعةَ عشر ربيعاً ، أو (مريم ) تلكَ الرزينة ذاتِ العقلِ التجاري التي عاشت لِعشرين خريفاً ، أو أيضاً يتبادلُ الأحاديث مع (رؤى ) تلكَ التي تعملُ كَـ"مودِل " لِمُنتجاتِ شركته هي و (نور ) و التي تبلغ تسعةَ عشر عاماً ، أما هي فليست إلا مُغنية مهووسة لا فائدةَ منها كما يقول ، لِذا غادرَ كلُ من شغل حيزاً من الغُرفة و لم يتبقى أحدٌ سواها هي و والدها ، لِيبدأ الوالدُ حديثهُ و الذي سبقهُ بشبكِ أصابعِ يديه و جلوسهِ على الكُرسي المكتبي واضعاً رجلاً على أخرى ، ليقول بِنبرةٍ باردةٍ كالثلج :
" رح تتزوجي طلال ! " .
لِتنظرَ إليه (نازك ) بِعينين مفتوحتين للآخرِ و شَفَتََانِ مُنفصلتين جرّاء الدهشة ، لِتقول بنبرةٍ واضحٌ هو فيها عدم الإستيعاب :
" لحظة لحظة لحظة ، شكلي ما سمعت زين " .
لِنظرُ إليها والدها بعينين باردتين بدتا ككتلتينِ من جليد :
" كلامي ما أعيده ألف مرة " .
لِتبدأ (نازك ) تستوعبَ مُرادَ والدها لِتصرخَ بكل وقاحة :
" والله ما أتزوجه لو أموت و لا أعرفه أصلاً و لا أريد أعرفه " !
لِينظرَ إليها والدها من جديد ، و يقول بنبرةٍ أكثر بروداً من السابقَ فقد أنعدمت انسانيتهُ في رحلتهِ لجمع المال إذ انتهى بهِ الأمر واقعاً في غرامِ الأموال :
" انا ما جاي أسألش ، أنا جاي أخبرش " .
و ما إن أنهى جُملته حتى أنزل رجله الأولى عن الأخرى و اتجه بخِطواتٍ متوسطة للبابِ ِبكل خيلاء و كِبر كعادته و عادة كل عابد للأموال مثله ، ليخرج و يتركَ (نازك ) وراءهُ حائرةً مدهوشة فكيف لوالدها أن يفعل بها هذا ، و في النهاية من يكون ذاك البائس (طلال ) أصلاً ، حين سألت نفسها هذا السؤال قد تبادرَ مباشرة لِذهنها إجابة واحدة و هي أن هذا المدعو ( طلال ) ليس إلا بائساً عابداً للمال كوالدها ، و في نهايةِ الأمر هي لا تريدُ الزواجَ أصلاً ، لِذا فجأة غزا قلبها شعورُ العجز و الظلم فهي تعرف والدها لا يوجد هناك من يرده عن قراراته و التي دائماً تصب في صالحهِ و صالحِ جيبهِ و بطاقاته البنكية ، لِتكونَ ردةَ فعلها هي تحطيمُ كل ما هو موجود على تلكَ التسريحةِ الخشبيةِ الفخمةِ بِكل جنونٍ و قوة ، لِيُسرع إليها كلاً من (مريم ) ، (نور ) ، (رؤى ) و أمهم ، لِتقول (نور ) و التي دخلت أولاً بِصوتٍ شبه باكٍ : " نيتشان – أختي – " ! .
لم يوقظ (نازك ) من حالةِ غضبها و تحطيمها للأشياءِ إلا صوت ُ (مريم ) التي قالت :
" ناااااااااااااااااااااااا ااااااازك ! بس ! " .
لِتهدأ فجأةً يديها عن الحركة و لكن في أعماقِ قلبها براكينُ تتفجّر و تثور ! ، لِتجلسَ فجأة على الأرض و هي متكئة على الجدار و ترفعُ خصلاتِ شعرها الأمامية للوراءِ ، و هي تتنفسُ بضيقٍ و غضب ، لِتقفَ فجأة و تمسكُ ذاكَ المعطفَ الرمادي القصير الذي يصلُ للخصرِ بيدها اليُسرى و تخرجَ من الغرفةِ وسط صُراخِ والدتها و أخواتها و أمرهم لها بالتوقف مكانها حالاً ، لكنها طبعاً قد رمت بكلامِ الجميعِ و صراخهم و توسلاتهم لها بالعودة و التوقف عرضَ الحائط و أكملت طريقها ، و ما إن نزلتَ من الدرجِ اللولبي و خرجت من الصالة ، لِتقفَ في وسط الحديقة و هي تتذكر فجأة أن هذهِ ليست طوكيو لِذا فهي لا تعرف الطرق هنا و لا الأماكن ، لِذا قررت أن تتراجعَ عن قرارها و أن تجلسَ في كرسي الحديقة الخشبي و في النهاية هذا القرارُ أفضل من دخولِ المنزل ، لذا اتجهت بخطواتٍ هادئة بعكسِ دقّاتِ قلبها التي تشبهُ الطبول الأفريقية في جنونها ، و جلست بهدوءٍ أيضاً و هي تضعُ ذلك المعطفَ القصير على كتفيها دونَ ادخال ذراعيها في كُميّه ، و صارت تفكر في ما الذي يجب عليها فعله الآن ، ءتهرب ؟ أم تتمرد ؟ أم تقتلُ نفسها ؟ ، فهي قد أدرجت فكرةَ الزواج في قائمة ِ الأهداف بعيدة الأمد ، لِما بعد 10 سنوات تقريباً ! لكن والدها بأنانيتهِ سُيفسدُ كل أحلامها و خططها ، و لكنها حالياً لا تملك أي شيءٍ لتردعهُ و لكنها متأكدةٌ أنها ستفعل أي شيء لِردعه حتى لو كان هذا الشيء هو مُحاربته ! .
استغرقت (نازِك ) تقريباً ساعةً كاملة و هي تحاول ُ الوصولَ لِفكرةٍ لتمنع هذا الزواج ، و خلالَ هذه الساعةِ جاءتها (مريم ) أولاً لِتحاول اقناعها بالدخول فالجو بارد ، و بعدها (نور ) و (رؤى ) و التي رددتا نفس الكلام و أخيراً والدتها و التي قالت نفس الكلام ، و لكنها أبتِ الدخول لِدرجةِ أن النُعاسَ قد بدأ يُداعب عينيها و في ذاتِ الوقت لا تريدُ الدخول للمنزل ، لِتسندَ ظهرها على مسندِ اليد الحديدي و تمّد ساقيها للأمام و بعدها تضعُ يديها داخلَ جيوبِ بنطالها الأسود و هي تُحدَّقُ في السماء ِ اللامعةِ و النجوم البرّاقة ، و بعدها تأخذُ شهيقاً عميقاً و تزفرهُ ببطئ ، و حركت رأسها للجهةِ اليُمنى لتسندهُ على الكُرسي و أغمضت عينيها و فجأةً غطَّت في النوم ، في الحديقة ! ، و أمام ناظريّ شخصين غريبين .
في الجهة ِ الأخرى عندَ أولئكَ الاثنين اللذين كانا قابعينِ داخل سيارةِ البي أم دبليو الرياضية ذات اللون الأسود ، كانَ الأول ينظرُ إليها من بعيد بِشفقة ، لِيقولَ الأول للآخر الذي كانَ بجانبهِ واقفاً و هو يعبثُ في هاتفهِ الآيفون الذهبي اللون :
" ما أعرف ياخي كيف متحملة تنام بهالبرد " .
لِيردَ الآخر ببرودٍ : " شعليك انته ؟ "
ليردَ الأول بنبرةٍ تحملُ بينَ موجاتها طيبةً و حنيةً ظاهرة : " مسكينة " .
لِيهز الآخر رأسهُ جرّاء انزعاجه : " كنان تراك قرفتني و بعطيك إياها من الآخر هذي عايشه باليابان هالبرد إلي هنا عندهم يصير حر ، و بعدين أول مرة أسمع حد ينام برع و آخر شي شعليك ، حتى ان شاء الله تنام بوسط الشارع ، نحنه هنا ناخذ الأوراق من هالسكرتير الملعون بعدها نتوكل و بس " .
بعد أن أنهى كلامه ، نظر إليهِ (كنان ) بنظرةٍ حادة لِيقول : " الأمير لا تلعن " .
لِيرمقهُ الآخر بنظرةٍ لا مُباليه و يرد عليه بنبرةٍ مستفزة : " إن شاء الله " .
لِينظر إليه ( كنان ) من جديد بذات النظرة السابقة .. نظرةٌ يائسة و فاقدةٍ للأمل ، فهذا هو أخوهُ الوحيد و الأكبر و فوق َ كل هذا لا تُرجى منهُ أيّة فائدة فهو يملكُ هوايةً واحدة و هي حصدُ الأموال ! ، و هذا هو ما يكرههُ و يمقتهُ فيه و يكرهُ فيهِ شيئاً آخر و هو كثرةُ اللعن ! ، لكنه ماذا يفعل و ماذا يقول ؟ ، فهو في النهاية يبقى في أسفل القائمة بالنسبة لِوالديه أولاً و لأخيهِ ثانياً و السبب واحد ، عدمُ عبادتهِ للمال ! .
ظلّ (كنان ) و ( الأمير ) ينتظران ذاك السكرتير الخاص بوالد ( نازك ) لِبضع دقائق ، و بعد أن جاء و سلَّم بعض الأوراق لهم ، همَّا بالانصراف ، و لكن قبل ذلك ، سمع ( كنان ) ( الأمير ) و هو يوّجهُ له حديثاً و من العجيب أنه لم يكن عن المال كما أعتقد في البداية :
" المباراة بتتابعها ؟ ، أنا بروح مع الشباب " .
لِيردَ عليهِ (كنان ) و الذي كانت علاماتُ المقتِ تُرسم على وجهه : " نوّاف و شلته ؟ "
لِيهزَّ (الأمير ) رأسه بالإيجاب و هو يتأملُ وجهه في مرآة السيارة الأمامية و هو يغرزُ أصابعهُ في شعرهِ المصبوغ بِالبني ، لِيقول بعدها : " تروح " ؟
لِيرد (كنان ) : " لا ، روح انته " .
لِيسمع بعدها صوت أخاهُ بنبرةٍ مُتعجبة : " حبيبي تراها مباراة البايرن – بايرن ميونخ – ! "
ليُجيب عليهِ : " بشوفها فِ البيت " .
و بعدها أردف و هو يضعُ يدهُ اليسار على مقبضِ الباب :
" انته روح ، أنا عندي شغلة بخلصها و برجع " .
لِيفتحَ سدّة السيارة و يُقّلب ما بها حتى أخيراً وجدَ قلم حبر و بعدها يفتحُ بابَ السيارةِ و ينزل تاركاً (الأمير ) وراءهُ و هو يتساءلُ بشأن هذه الـ"شغلة " المفاجأة فالذي يعرفه هو عن ( كنان ) أنه ُ ليس إلّا رسّاماً مخبول ! ، و لكنهُ تجاهلَ الأمر و ذهب في طريقهِ لِعند ِ (نواف ) و بقية أصدقاءه ، في حينِ أن ( كنان ) الذي كانَ لا يزالُ واقفاً أمام منزل عائلة ( نازك ) أمسكَ حبّة المحارمِ الورقية التي تحمِلُ أول حرفين من اسمه بيدهِ اليُمنى و أمسك ذاك القلم بيدهِ اليُسرى كونه أعسر ، لِيكتُب عليها بِخطٍ ليس بجميل و لكنهُ مفهوم بلغةٍ عربيةٍ فصيحة :
" كُوني بخير .. و ابتسمي ïپ–"
كان لِلوجهِ المبتسم في حياةِ ( كنان ) معنى آخر ، فقد شكَّ ( كنان ) حين كان يُراقب (نازك ) من بعيد أن هذهِ أفعالُ شخصٍ حزين ، أو موجوع ، أو متضاربِ المشاعر .. أفعالُ شخص عاجز و لا يعلم ما الحل ، و لطالما كان يعتبرُ نفسه فارساً يحمي و يدافعُ عن أولئكَ الصامتين اللذين يعانون ، فلطالما كانت لوحاتهُ تحكي ألف حكاية ، و تحملُ بينَ طيّاتها : أطفال فلسطين ، ضحايا بشار و داعش و أمثالهم الكُثُر ، لِذا هو الآن لا يدري لماذا و لكنهُ يرى تلكَ النائمة على كُرسي الحديقة في وسطِ البرد ، كاللاجئين الذين ملئوا المخيمات و تركوا أوطانهم و استغاثوا و لم يُغاثوا ، و بطبيعةِ الحال فهو لا يملكُ لهم حلاً سوى رسمهم في محاولةِ فتحِ بصيرة الناس لِآلامهم ، بعد ثوانٍ قليلة التفتَ جهةَ اليمين و اليسار ليرى هل هناكَ من هو قريب ، و يتجه بعدها بِخفة بالقرب من تلكَ النائمة و التي رأى أنها تحتضنُ يديها التي كان من الواضحِ أنهما باردتين ، لِيمد يديه لِوشاحهِ الصوفي الذي يطوّق عُنقه و ينزعه ليضعهُ فوق يديها بِكل هُدوء و دسَّ ذلك المنديل داخله ، و بعدها اختفى بهدوء مثل ما أتى ، و في عقلهِ صوتٌ يقول له أن هذهِ الإنسانةَ ليست غريبةً عليه أبداً ، ليست غريبة ، يُحس و كأنها كانت داخلَ قوقعة ذكرياته يوماً ما .
و ما إن ذهبَ ( كنان ) حتى استيقظت ( نازك ) التي أحسَّت فجأة بدفءِ يديها اللتين كانتا قبل قليلٍ ككرتينِ ثلجيتين ، لِترفع رأسها من على المسندِ الحديدي المُزخرف لِتحسَ بألمٍ يغزو أعلى عنقها جرّاء طريقة نومها الخاطئة ، لِتحاربَ الألم و تجلس و هي تمسك مكانَ الألم بيدها اليُسرى ، و فجأة تنتبه لذلكَ الوشاحِ الغريب فهي لا ترتدي الأوشحةَ هنا ! لِتمسكهُ بأصابعها الطويلة و هي تتفحصهُ تارةً من الأمام و تارةً من الخلف ، لِترى فجأةً ذلكَ الجسم المُسطحَ الذي سقط منهُ على العُشب الأخضر ، لِتثني جسدها و تأخذها و حين جاءت لفتحها تعجّبت من الكلامِ المكتوب عليها فهو باللغة العربية و هي لا تعرف حتى قراءة العربية ! لذا لطالما خجلت من نفسها حين ترى نصوصاً عربية و تقف هي أمامها عاجزةً عن فك شفراتها ، و لكنها ابتسمت فقط لِمجرد رؤية الوجه المبتسم ، رُغم أنها لا تعلم لمن هذا الوشاح و لا من أين أتى هذا المنديل إلا أنها أحست بالسعادة ، ظلّت تتأمل الكلماتِ المكتوبة و التي كانت بالنسبةِ لها كالطلاسم و لكنها قطَّبت حاجبيها حين رأت آخر حرفين مٌذيلين على المنديل و المكتوبين بالانكليزية (K.O ) ، كانت (نازك ) مُتعجِّبةً فعلاً فلو أن ما حدث الآن قد حدث في طوكيو فهي ستفهمُ فوراً أنهم أحد ُ مُعجبيها ، لِذا ظلت تفكرُ طويلاً في كيف ستفهم ما هو المكتوبُ على هذا المنديل ، و استغرقت وقتاً أطول لِتفكر في كيف وصل هذا الوِشاح لِعندها و بعد كُل هذا التفكير فكرت في الذهاب لرؤية تسجيلات الكاميرا فعلّها تعرف من هو هذا المجهول الذي فعل َ هذا ، لِتقفَ و هي تمسك ذلك الوشاح الرماديّ الذي طوتهُ الآن ، و أما تلكَ الرسالة فقد وضعتها في جيبِ معطفها الرمادي ! ، و انطلقت نحو ذلك المكان الذي تستطيعُ فيهِ رؤيةَ التسجيلات ، استغرقت فقط دقيقتين لِتصل و ما إن وصلت حتى رأت والدها هُناك ، لِتتصادفَ نظراتهم ، نظرات والدها الباردة و نظراتها هي المقهورة ، لِتتجه هي نحو شاشة الـ(LSD ) الموصلةِ بكاميراتِ المُراقبة ، لِتجلسَ أمام اللاب توب بعد أن أخرجت اسطواناتِ التسجيل ، لِتصل للساعةِ الثامنة و ظلَّت تُقدِّم الفيديو للأمام حتى جاءت تلك اللحظة التي نامت فيها و بعد دقائق فقط حدثتِ الصدمة التي لم تكن تتوقعها و التي جعلتها تقف من على الكُرسي كالملسوعة ! .

¶ ¶ ¶
لا إله إلا أنت سُبحانك إني كنتُ من الظالمين .
اللقاء القادم : الجُمعة .
مُقتطفات : الثلاثاء .
هَـمسة : " أبي قَيسي و أنا بِالعشقِ لَيلاه <3 " .
أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه .





التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 02-08-17 الساعة 11:15 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-07-17, 08:29 AM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

* السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
كيف الحال ؟ بإذن الله بخير .

في الأسابيعِ القادمة سأكون في رحلة سفر ، لذا سأثبت على وضع الأجزاء يوم الجمعة ،
لكن إلغاء فكرة وضع المقتطفات كون دخول المنتدى من غير الّاب توب صعب بعض الشيء .

+ بسم الله :






¶ الفصل الأول : ما قبل الثاني عشر من أكتوبر ¶ .
«2»

ظلَّت تُقدِّم الفيديو للأمام حتى جاءت تلك اللحظة التي نامت فيها و بعد دقائق فقط حدثتِ الصدمة التي لم تكن تتوقعها و التي جعلتها تقف من على الكُرسي كالملسوعة ! ، و الذي جعلها تُصدم بهذا الشكل هو أن كاميراتِ المراقبة قد توقفت فجأة عن العمل ! ، لِتسأل والدها بعد أن حدث صراع داخلها و لكنها تُحس أنها مُرغمة على فعل ذلك لِذا نطقت بِكل هدوء بِاليابانية:
" لماذا انقطع التصوير فجأة ؟ "
لِيتجاهلها والدها ، و لكن ذلك الذي كان بجانبه ِ و الذي لم تنتبه هي له أجاب عِوضا ً عن والدها :
" لقد احترقت الوصلاتُ فجأة ، سيأتي غداً من هو مسؤول باصلاحها " .
حرّكت (نازك ) لهُ رأسها بمعنى أنها قد فهمت و طمرت ذاك القهر الذي تشكَل بقلبها لأن والدها قد تجاهلها أمام أحدٍ ما .. رغم أنها لا تريد أن تحادثه إلّا أنها في ذات الوقت لا تحب أن يتجاهلها ! ، لماذا ؟ لا تدري و لكنها منذ وُلدت و هي هكذا ، و ما هي إلا ثوانٍ فقط حتى أبعدت هذا التفكيرَ و طهّرت خلايا مُخها منه ، لِتنظرَ لوالدها لوهلة و من ثم انتقلت ببصرها للِجُدران و الأثاث و ما إلى ذلك .. كانت الفخامة تشعُ منه كضوءٍ ساطع ، لِتبتسم بِسخرية و تهمسَ باليابانية : " عابد الأموال ! " .
ما إن أنهت نُطق جملتها حتى وجّهت بصرها بتجاهِ والدها لِتراهُ غارقاً بالتفكير في الأوراقِ التي يحملها بين يديه ، لِتحس بالراحةِ كونهُ لم يسمعها فهي تعترفُ أن أسلوبها مع والدها وقِح و غير مهذبٍ أبداً لكنها تتخذُ كونَ والدها "عابداً للأموال " كحجة و هذا في الأساس لا يصح .
خطت ( نازك ) خطوتين فقط ، لينطق السكرتير بِجُملةٍ جعلتها تبلع ريقها لِمراتٍ متتالية :
" ناتسوكو ساما أليسَ هذا الوشاحُ غريباً بعض الشي ؟ " .
كانت تفهمُ قصدهُ جيداً رغمَ أنه لم يقُلها بشكلٍ مباشرٍ لأن الوالد هناك و هو لا يعلمُ ما هي ردةُ فعلهِ و لكن السكرتير كان متأكداً أنهُ رآهُ في مكانٍ ما و على أحدِ الشبانِ أيضاً و لكنه قرر إنهاء الأمر و عدم إعطاءهِ أيَّة أهمية ففي النهاية هذا الأمر لا يحق له و في ذاتِ الوقت ردة فعل (نازك ) أكدَّت له أن قصة الوشاح غير طبيعية لِيقول قبل أن تنطق هي و يحنيَ رأسه دلالةً على الاعتذار :
" أعتذر ، لقد تحدثت كثيراً " .
لِتبتسمَ هي و تخرجَ بخطواتٍ كبيرة و شِبه مُسرعة ، و ما إن خرجت حتى استنشقتِ الهواء بعمق و زفرته بعدها ببطى ، و تالياً ذهبت راكضةً لِتلكَ الصالة التي كانت كحلقةِ وصل بين غرفةِ الأربعِ فتيات ، لِتراهنّ جالساتٍ هناك ، (مريم ) تجلسُ على الأريكةِ و هي مغمضةٌ عينيها و رأسها متكئ على الأريكةِ خلفها ، أما (رؤى ) فقد كانت نصف نائمة فقد كانت تغلقُ عينيها للحظة و ينحني رأسها للجهةِ اليُسرى و بعدها تستيقظُ و تنظرُ للساعةِ و تحاولُ مقاومةَ النُعاس ، و (نور ) قد نامت على الأريكةِ فعلاً ، إذاً فوالدتها هي الوحيدة التي كانت مُستيقظةً تماماً و هي تصوّب نظرها للساعةِ تارةً و بعدها تلتفتُ للدرج ِ في محاولةٍ أن ترى أن ابنتها الوسطى المتمردة قد عادت ، بما أن الساعةَ قد تجاوزت الحادية عشرة ! ، لِتأتي (نازك ) و هي تطوّق أكتافَ والدتها بيديها ، لِترتعبُ الأم بشكلٍ واضح نتيجةَ الحركةِ المُفاجئة ، لِتضحك (نازك ) و تردف بعدها :
" ليش جالسين هنا ؟ "
لِتسيقظَ ( مريم ) و كذلك ( رؤى ) على صوتها ، لِتلتفتَ (نازك ) لهما و هي تُعطيهما تلكَ الابتسامةَ البلهاء كونها تعلم أن (مريم ) غاضبة و قد تقفُ الآن و تقطعُ لها رأسها ، لكنها هذهِ المرة لم تنطق بأي حرف بل اتجهت لِغُرفتها و كذلكَ (رؤى ) لحقتها لِتقول (نازك ) بصوتٍ عال :
" تراضيكم الأيام ! "
بمعنى أنها لن تذهب لتُراضي أي واحدةٍ فيهن ، فالوقتُ كفيل بحل كل المشاكل ، لِذا ذهبت و جلست مُقابلَ أمها و هي تُخرجُ هاتفها من جيبِ بنطالها الجينز الأزرق ، لِتقول :
" متى نرجع اليابان ؟ باقي 3 أيام صح ؟ "
لِتردَ والدتها : " لا ، 5 أيام " .
لتُرسمَ على معالمِ وجهها علاماتُ الصدمة : " 5 ؟ واجد ! " .
لتقول والدتها : " الأيام تمر بسرعة " .
فجأةً صمتت (نازك ) لفترة بعدها وضعتِ الهاتفَ جانباً من يدها ، و أنزلت رجلها التي كانت مرفوعةً فوق الطاولةِ الزجاجيةِ المُستطيلة ، و بلعت ريقها لمرات عديدة و قالت بعد تردد ، و كل هذا كان أمام ناظريّ أمها و (نور ) النائمة :
" إلا صح شسالفة هالطلال ؟ "
بعد أن أنهت جُملتها أنزلت رأسها للأرض فظلَّت تتأمل حبّاتِ البلاطِ المُتراصة و هي تنتظرُ لسماعِ أيّة إجابةٍ من أمها و لكنها لم تسمع أي حرفٍ منها حتى لِترفعَ رأسها و ترى أمها غارقةً في التفكير ، لِتقوم هي في الوقتِ ذاته في تأملِ أمها ، تلكَ الأربعينيةُ الجميلة ، ذاتَ البشرةِ البيضاء و العينين الواسعتين العسليتين و الشعرِ الطويل الأسود كان الجمالُ العربي يُشِعُ من أمها ، أما هي لم تِرث من أمها و لا قطرةً من بحرِ جمالها بعكسِ (مريم ) و (نور ) فقد كانت هي بيضاءَ أيضاً و لها عينين ناعستينِ و سوداوين و شعرٌ كستنائي متوسطُ الطول جرّاء صبغه ، فقد كانت متوسطةَ الجمال و لطالما تساءلت أين هي عقول أولئكَ الذين يقولونَ أن البيضاءَ دائماً جميلة فلطالما رأت سمراواتٍ فاتنات و لكنها مع هذا كُله فهي تحب ُ شكلها كما هي الآن ، ما هي إلا ثوانٍ فقط حتى قطعت أمها صمتها بقولها :
" بصراحة ما أعرف من طلال ! " .
لِتنظر (نازك ) في عينيّ أمها مُحَاولة إقناعها بقول الحقيقةِ معها و تنحني كما يفعلُ اليابانيون :
" اوني قايشيمس أوكّا سان " – أرجوك يا أمي - .
لِتشتتَ الوالدة نظرها و تحاولُ أن لا تنظر ناحيةَ (نازك ) تلكَ التي لا تزال إلى الآن في وضعِ الانحناء ، لِتقول الوالدة بقلّة حيلة :
" طلال ، واحد من أولاد صاحب أبوك و .... "
قبل أن تكملَ الوالدة كلامها ، نطقت (نازك ) بِـ : " ليش أنا ؟ ، ليش ما مريم ؟ "
في ذلكَ الوقت كانتِ الوالدةُ تعرفُ الإجابة و لكنها لا تريدُ إعطاءها لِـابنتها مهما حدث مع أنها تشك أن (نازك ) تعرف الإجابة بالفعل ، لذا قالت في محاولةِ أن تنسي (نازك ) هذا الأمر :
" لا تخافي ، الزواج بعد التخرج كذا بشهر 10 ، لوقتها بنشوف حل " .
لِتهزَّ (نازك ) رأسها بِالموافقة ، و تقول بعدها لِوالدتها و هي تنظرُ لِـ(نور ) :
" أوديها للغرفة ؟ " .
لِتردَ والدتها : " ما تقدري ، عادي خليها " .
لِتضحك هي في محاولةِ تلطيفِ الجو : " لا أقدر ، شوفي كم طولي ؟ 175 ، و هي ؟ 160 يمكن بس و وزنها كيلوين ! "
لِتضحك والدتها : " انتِ عملاقة ما أعرف على من طالعة ! "
لِتقول (نازك ) بجدّية : " على عابد الفلوس " .
لِتردَ عليها والدتها سريعاً بصوتٍ غاضبٍ و نبرةٍ عالية تدل على الاستياء : " هذا أبوش ، كم مرة قلت لش لا تتكلمي بهالأسلوب " .
لِتخطوَ (نازك ) تجاهَ (نور ) و تضعَ يدها الأولى تحت رقبتها و الأخرى تحت رجليها و هي تتجاهل كلام والدتها ! ، و نطقت بِـ : " ثقيلة ! " .
علمت والدتها أن (نازك ) تريد إنهاءِ أمر التحدث عن والدها لِذا سكتت هي الأخرى و حركت رأسها بيأسٍ من هذهِ المُراهقة الواقفة أمامها ، فهي تعلم أنها طويلة كوالدها ، و متمردةٌ مثله كما كان هو أيضاً في السابقِ و هي أيضاً تعلمُ أن خلفَ لا مبالاتها و تمردها هذا قلبٌ آخر .. نقي و مليءٌ بالحب ، فقط هو بحاجةِ من يمسك بيدها و يحيي هذا القلب من جديد .

¶ ¶ ¶

في الجانبِ الآخر من المدينة ، كان ( كنان ) يجلسُ على سطحِ المنزل و هو يتأملُ القمر الذي اعتلى السماء بدلاً من الشمس و النجومُ تحيط بهِ من كل جانب ، هذا المشهدُ بالذات حين يحَّل القمرُ مكانَ الشمسِ يذكرهُ بحالتهِ هو و أخوه ، فهو يعلمُ أن والدهُ لطالما سعى أن يرى أي واحدٍ فيهما هو الأحقّ بأن يكون الوريث و لكنه لطالما استخدمَ وسائلَ بشعة قد تفرقهما ذات يوم ، فلو كانوا قد سألوا (كنان ) مباشرةً لأعترف أنه لا يريدُ أيَّة أموال ، فقط يريدُ عائلةً حقيقية و ليسَ عبدة أموال ، و مع كل هذا فقد أدخلوه عنّوة لِكليةِ الحقوق و هو كان يريدُ كليةَ الفنون و لكنهُ لطالما كان عاجزاً أمامهم و لا يزال ، و ما زادَ الطين بلةً في عينيهِ أنهم قد دبروا لِتزويجهِ أيضاً من انسانةٍ لا يعرفها و لا يعرف اسمها حتى فقط ما يعرفهُ عنها أنها ابنةُ أحد عَبَدَةِ الأموال ، لِيستنشقَ الهواءَ المحيطَ به بعمقٍ يصحبهُ غضب و يزفرهُ ببطئ و ألم ، و بعدها يغمضُ عينيهِ في محاولةٍ للاسترخاء و إبعادِ التفكير السلبي و تطهير نفسهِ منه ، لِيقطع أخوهُ كل هذا بقدومه المُفاجئ ، لِيجلسَ أمامه و هو يقول بِخُبث :
" ها كيف عجبتك ؟ " .
لِينظرَ إليهِ الآخر بِقلةِ صبر : " شـالي عجبني ؟ "
لِيردَ الآخر بِخُبث : " اخت نواف " .
لِتظهرَ الصدمة على وجهِ ( كنان ) فهو لا يُطيق ( نوّاف ) و مع كل هذا سيتزوج أخته عنوة ، لِيرد على أخيه :
" تزوجها اذا عاجبتك " .
لِيبتعد عنهُ و هوَ يشكُ أنه قد يفقدُ أعصابه ، فوالديه لا يستمعون لهُ أبداً لدرجةِ أنهم قد قرروا تزويجه بدون أن يسألوه و هو لا يزال في العشرين من عُمره ، فهو ليس قادراً على العنايةِ بنفسهِ أصلاً ليعتني بأحد آخر و عليهِ أن يتخرجَ من كُلية الحقوق أولاً و التي رسب فيها مرتين و كاد أن يطرد منها و لكن "واسطات " والده كانت هي من تعيدهُ إليها ، و قد تحمل هذا الأمر و لكن أمرَ الزواج لن يستطيعَ تحملّهُ أبداً ، لِيذهبَ مُسرعاً لِوالدهِ ذاك الذي يقبعُ الآن في مكتبهِ وسطَ أوراق المعاملاتِ التجارية و شيكاتِ البنوك ، ليطرقَ الباب ثلاثاً و بعدها يدخل مباشرةً و يرى والدهُ أمامهُ و هو مُطرقٌ رأسه ينظر لبعضِ الأوراق كما توقع لِيبتسمَ بسُخريةٍ و بعدها قال بعد أن رفعَ والدهُ رأسه :
" ما رح أتزوج أخت نواف ! "
لِينظرَ له والدهُ و هو يرفعُ حاجبهُ و ينزلُ الآخر لِيردَ عليه ببرود :
" من طلب رأيك أصلاً ؟ "
لِيقول (كنان ) سريعاً : " انت تعرف بعدني صغير " .
ليقولَ والدهُ الذي وضعَ الأوراقَ من يدهِ على الطاولة المكتبية و أنزلَ نظارتهُ الخاصة بالقراءة :
" زين من قالك بزوجك الحين ؟ ، بعد كم سنة بس أحسن نضمن البنت "
تعَّّجب كنان من آخر ما نطق بهِ والده ءهي انسانة حقا ً ؟ أم أنها سيارة أو سلعة لنضمنها ! لكنه عاد ليُجادل من جديد :
" زين ، أي وحدة بس ما أخت نواف ! " .
حينها لم يردَ عليه والده ، بل نظرَ إليهِ بنظراتٍ باردة و لا يمكن أن تُفسّر و قال لهُ بعدها :
" اطلع و سكّر الباب وراك " .
لِيسكُت (كنان ) و يخرج و هو يجر أذيال الخيبةِ وراءه ، و ظلَّ طوال تلكَ الليلةِ و هو يندبُ حظه ، و يحقد على (نواف ) كونه ُ السبب الأول لضياعِ أخيه الأكبر و سلوكهِ طريق الخمر و النساء و الشهوة ! .

¶ ¶ ¶

في اليومِ الذي يليه ، كانتِ الشمسُ قد أشرقت و غربت أيضاً و غزا القمر مكانها في وسطِ السماءِ و احتله و التفت حولهُ النجوم كراقصاتٍ شرقيات ، ففي ذاتِ الوقت قررت (نازك ) الخروج من المنزل لتستنشقَ بعض الهواء ، فهي لم تخرج في أيٍّ من تلكَ الستةِ الأيام الماضية ، و الآن بعد أن بدأ موضوع (طلال ) أصبحت تتجاهل والدها تماماً و تحبذ أن لا تختلطَ بهِ رُغمَ أنه لا يُرى إلّا في الأسبوع مرتين ! .
" وين رايحة ؟ " .
هذا هو ما قالته ُ (مريم ) حين رأت (نازك ) بِبنطالها الأسود والقميصِ الرمادي الذي يصلُ لِأسفلِ الفخذ و ارتدت فوقهُ معطفاً يصل للركبة باللون ِ الأسود ، و شعرها متوسطُ الطولِ كان على هيئةِ ذيل حصان و اختتمت كل هذا بِحذاء رياضي ، فهي طويلة بما يكفي كي لا ترتدي كعباً عالياً ، فلو فعلت لأصبحت ناطحة سحاب ! ، لِترد (نازك ) بِـ :
" نطلع ، ما أعرف وين بالضبط بس أي مكان أنا و رؤى و نور ، تروحي ؟ "
لِتستغرقَ (مريم ) بضعَ دقائقَ في التفكير لِتجيب بِـ :
" أي ، بس انتظروني على ما أجهز و أخلص " .
لِتذهب (مريم ) ، في حينِ أن (نازك ) غزا تفكيرها فجأة ذاكَ الوشاحُ المجهول و الرسالة ! ، لِتبتسم ، و بعدها اختفتِ الابتسامةُ فجأه لِتكلم نفسها باليابانيةِ قائلةً : " ءمن الممكن أنني وقعت في حُبِ شخصٍ مجهول ! " ، بعدها هزَّت رأسها يُمنةً و يُسرة لِتنفي هذا الاعتقاد الأحمق ، و ترمي نفسها على الأريكةِ الملونة و لكنَ نفس التفكير كان يحتلُ عقلها ، لِتمسك الوسادةَ و تضعها على أعلى رأسها و هي تصرخ بِــ :
" لاااا ، مَساكا – مستحيل- " .
و فجأةً رأت أمامها أربعةَ أجسامٍ مُصطفة أمامها ، لِتبتسم بشكلٍ أبله :
" أنا بخير ، بخيرٍ تماماً ! " .
لِترى نظراتٍ مُزينةً بالشكِ و الخوف و القلقِ مُتجهةً نحوها ، لِتقفَ سريعاً في أملَ أن توضح لهم أنها بخير و حين كانت تمشي ، فلم تكد تخطو خطوتين حتى ضربت رأسها بِحاملِ الكُتب المُثَّبت على الجدار :
" يارا يارا إيتاي –يا إلهي ، مؤلم ! – "
وضعت يدها مكانَ الضربة ِ و هي تسمعُ ضحكات تتفجر من أفواهِ كل الموجودين لكنها حاولت تجاهلَ الإحراج و ذهبت معهم ، و ما إن صعدنَ للسيارة و وصلن لمنتصف الطريق المؤدي للشاطئ حتى أتصلت الوالدة على هاتف (نور ) إذ أن (نازك ) قد تركتهُ في المنزل و (مريم ) قد فرغَ شحنه قبل دقائق ، و (رؤى ) وضعتهُ على الصامت ، لِتردَ (نور ) :
" كونيتشيوا أوكّا سان – مرحباً أمي – " .
بعدها أردفت بِنبرةٍ مصدومة و واضحٌ هو عليها الضيق : " ناني ؟ - ماذا - "
لِتردف بعدها من جديد : " ناندي ؟ - لماذا ؟ - .
لِتقول بعدها بيأس و قبل أن تُغلق المكالمة : " هاي – حاضر – " .
لِتُغلق الهاتف و ترفعَ رأسها لِتقول :
" أمي تقول نرجع الحين ، نروح بيت خالتي " .
لِتقول (مريم ) : " وينه أصلاً بيت خالتي ؟ " .
و تردفَ بعدها (رؤى ) : " و أنا شوضعي ؟ "
لِترد عليها (نور ) : " عادي ! " .
لِتقول (نازك ) : " ياخي ما أطيقهم ، يعني لازم نروح ؟ "
نور : " ترا أمي قالت يعني شقول لها بعد ! "
مريم : " لازم نروح ، ما لازم نجيب لأمي و لنفسنا الكلام " .
لِتأخذ (نازك ) نفساً عميقاً و تُخرجهُ ببطئ لِتقول بضيق: " هاي ! " .
حينها انعطفت (مريم ) في أقرب مُنعطف ، و كان الوقت المٌقدّر لوصولهم للبيت ما يُقارب الثلاثين دقيقة ، لِتقومَ (نازك ) و التي كانت تجلسُ بالمقعدِ الأمامي بِوصلِ هاتف ِ (نور ) بِمسجل الصوت بعد أن أخذته منها ، لِتدخل كلمة السر التي كانت تعرفها بعدها تبحثُ في ملف الأغاني عن أغنيةٍ ما ، و لفت نظرها أغنيةٌ مسجلةٌ بِـ :
Nat chan _yoroshty _2009 " نات تشان _ اغفري لي !" .
لِتضغط عليها لا شعورياً ، لِتفتحَ و هي تضعُ الهاتفَ من يدها ، لِتبدأ الأغنية و ما إن بدأت الأغنية حتى انصدمتِ الثلاثُ (رؤى ، مريم ، نور ) ، فقد كان َ الجميعُ يعلمُ القصة الحقيقة للأُغنية إلّا أنهم لا يعلمون ما هو المغزى الحقيقي لها ! و الذي كان سببه موقفاً ما قد حدث في عامِ ألفين و تسعة أيضاً ! ، و هذهِ الأغنيةُ هي أيضاً كانت خِتامَ مسيرةِ (نازك ) أو بالأصح ( ناتسوكو ) أو كما يطلق عليها في عالمِ الشهرة (نات تشان ) ، فقد اعتزلت الغناء بعدها ، ففي وقتٍ يسبقُ إصدارَ هذهِ الأُغنيةِ بِشهرٍ و نصف تقريباً ، في التاسع من سبتمبر لعام ألفين و تسعة! ، تاريخٌ مميز يحملُ ذكرى قبيحة ، حدث ما لم يكُن بالحسبان ، حدث ما جعل (نازك ) تزاولُ طبيباً نفسياً .
في ذاتِ الوقت الذي كانت فيه (رؤى ) و بنات عمها يعشنَ شعورَ الصدمة ، أفاقت (مريم ) من صدمتها و انتبهت للطريقِ الذي تقودُ فيه ، أما (نور ) و (رؤى ) فقد التزمتا الصمت ، في حين أن (نازك ) كتّفت يديها و وضعت رأسها على النافذةِ و هي تتأمل عواميد الإنارةِ المُنتشرة على طول الطريق ، و تعودُ بذاكرتها للوراء ، لِـ (9-9-2009) :
ذات يومٍ مُشمسٍ و هادئ ، تغطي فيهِ الغيومُ صفحةَ السماء النقية ، اتصلت الجدةُ بِـ (نازك ) تلكَ التي كانت في سنتها الثانوية الأولى و التي نسيت عُلبة غدائها ، لتطلب منها مُلاقاتها بجانبِ تقاطع الطريق ، لتقول (نازك ) :
" جدتي لا تتعبي نفسش ، عطيه لأي حد من هناك و أنا بشوفهم بنفس المكان ! "
لِتردَ الجدة بِـ : " لا ، لازم أتأكد أنه وصلش " .
لذا وافقت (نازك ) الجدةَ على ذلك ، و ما إن انتهت (نازك ) من مكالمتها حتى التفتت لِصديقها الياباني ذي البشرةِ البيضاء و العينينِ الضيقتينِ بلونِ الليل ، و الشعر المصبوغِ بالأشقر لِتقول له :
" ايتشيرو سأعودُ للمنزل ، فقد نسيتُ علبة غدائي و لا يمكنني في ذاتِ الوقت رفضُ طلب ِ جدتي بالعودة ، فلتذهبي انتي قبلي " .
ما إن أنهت جملتها حتى قال صديقها ( ايتشيرو ) : " هاي – حسناً - .
لِتُلَوح لها (نازك ) يدها دلالةً على الوداع ، و تذهب مُسرعةً لِتصلَ أخيراً للتقاطُع ، و ما إن وصلت حتى لوَّحت لجدتها أيضاً بيديها و هي تصرخُ بِـ :
" أوبا سان – جدتي – " .
لِترى جدتها تنظرُ إليها و هي تبتسم ، و قد عبرت (نازك ) الطريق لِتصل للجدة و لكن فجأة جاءَ أحد المُجرمين الفارّين من العدالةِ و هو مخمورٌ و يُمسكُ بيده ِ سكيناً لِيُمسك بالجدة و يضع السكين بالقُرب من عنقها ، أخذها كرهينةٍ و في النهار ! ، لِتفتحَ (نازك ) عينيها بأكملها و تصرخ بِـ : " أوبا سان " .
لِيقول لها ذاكَ المخمور و هو يقرّب السكين لِعنقِ الجدة : " لا تقتربي يا صغيرة " .
لِتقفَ (نازك ) مكانها ، و بينها و بين الجدة و المجرمِ مسافة ، لتأتي بعدها الشُرطة ، ليستطيعوا امساكهُ فعلاً و لكنه دفعَ الجدة لتسقطَ بوسطِ الطريق ! ، و فجأة تحوّلت الإشارة الحمراء للسيارات لخضراء ، لتأتي سيارةٌ مسرعة ، و تصدمَ الجدة ، لِيتطايرَ جسدها المُتعب من طعناتِ الزمن كقطعة باليةٍ من ورق في الهواء ! ، و صندوق الغداءِ الذي كان بيدها قُذفَ بالهواءِ ليسقط أمام قدميّ (نازك ) المصدومة ، لِتتفجرَ بعدها براكينُ دماءٍ من أماكنَ مختلفةٍ من جسدِ الجدة ، لِيتوقفَ جسدها الستيني عن الحركة ، وسط أنظارِ الناس .. و (نازك ) تلكَ التي كانت جامدةً ، و قد ثلجتِ الدموع في مُقلتيها ، و ارتسمت على شفتيها فُتحةٌ كبيرة جرّاء الصدمة ، لِيلتفَ الناس ُ حول الجدة و هي لا تزالُ في مكانها مصدومةً ، فقد كانت أضعف من أن تتحمل كل هذا ، لكنها ما إن أفاقت من صدمتها ، حتى جرت سريعاً ، و دخلت وسطَ ذلك الحشدِ الذي تجمّع لِتصرخَ و الدموعُ ترافقُ صراخها :
" أوبا سان .. أوبا سان " .
ما إن وصلت لجسدِ الجدة المرمي كجثةٍ هامدة حتى زادَ انفعالها ، و هي تُمسك جدتها بيديها و تهزها :
" أوبا سان .. يوكيرو .. يوكيروووو – استيقظي " .
و ما هي دقائق حتى امتلئ نقاءُ يدها بالأحمر الدامي ، ليحاولَ الناس ابعادها عن جدتها التي ستذهب في الإسعافِ الآن ! .
قطعَ حبلُ ذكرياتها ، صوتُ (مريم ) :
" وصلنا " .
لِتفتح (نازك ) الباب و تنزل دون أيَّة كلمة ، فهي في الحقيقة لا تحتاجُ لاستعادةِ هذهِ الذكرى فقد ماتت الجدة ، و هي تحمِّل نفسها هذا الأمر ، لِذا ما إن أطلقت هذه الأُغنية التي كتبت كلماتها بنفسها حتى اعتزلت ، و هذه السنةُ الثانية لاعتزالها ، و أيضاً قد زاولت الذهاب للطبيب النفسي لسنةٍ كاملة ، حتى اختفتِ الكوابيسُ و الأحلام المُزعجة ، و اختفى الحُزن من ملامحِ وجهها و لكن مع ذلك فالحزنُ له لمحة في عينيها ، و للندم أرضٌ واسعة يسكنها داخل قلبها ، و لكنها مُضطّرةٌ لِكبحِ كل هذه المشاعر رغم أنها تؤمن في داخلها أنها تستحقُ أن تُجمع كُل أحزانِ الدُنيا و تُصَب داخلها كي يقل ندمها قليلاً ! .

¶ ¶ ¶

في الجانبِ الآخر من العالم كان ( كنان ) يواجهُ صعوبةً في أحدِ الدروس الخاصة بالقانون ، فقرر الذهاب ليسأل أخوهُ الأكبر بما أنه قد درسَ هذا مُسبقاً ، لِيخرجَ من غرفته ممسكاً بِالكتابِ و القلم ، فهو يعلمُ أنه اذا رسبَ مجدداً سيُطرد من مكانين : الكُلية و المدرسة ! ، لذا ما إن وصلَ لغرفةِ أخيه حتى سمِعَ حواراً كاد أن يجلطه :
" نوّاف ، عشرين مرة أقولك أخر السفرة لآخر الشهر ، عادي أنا بقنع أبوي بس هالسفرة ما أفوّتها ، مستحيل أفوّتها " .
لِيُردف بعدها بِخُبث : " حبيبي هذي تايلاند ! " .
لِيدخلَ (كنان ) للغرفة دون أن يستأذنَ و يسحب الهاتف من يدِ أخيه و يقول لِـ(نواف ) الذي كان في الجهة ِ الأخرى من الهاتف :
" بيجي يوم أقتلك فيه بيدي " .
لِيُغلقَ بعدها في وجهه ، و يلتفت لِـ ذاكَ الجالس :
" انته ما تفهم ؟ ، عشرين مرة أقولك وقف هالمصخرة و هالشغلات ! ، خله يزوجوك يمكن تعقل ! "
لِيجيبَ الآخر ببرود دم :
" حبيبي ، أبوك و أمك اختاروا لي وحدة ، أتوقع أنها شيفة انته عاد تعرف ذوق أبوي و أمي ، بس لا كان عندها فلوس عاد هنا ما أقدر أتكلم "
ليُنهي جُملته و يبتسم لِـأخيهِ ، لِيقول (كنان ) :
" انته صاحي ؟ ، والله العظيم أحس مكانك المصح النفسي ! "
و لكن أخاهُ قد تجاهلهٌ لِيقول :
" و حتى لا تزوجت ذيك الخُبلة إلي ما أعرفها ، ما بوقف عن هالسوالف ع قولك ، ياخي انت جرّب وو "
قبل أن يكملَ كلامه ، رمى (كِنان ) عليهِ الكتاب و بعدها القلم و خرجَ غضباً ، فمهما فعل فهذا القبيح لا يفهم أبداً ، فهو لم يفهم سابقاً و لن يفهمَ الآن ، لذا من الأفضلِ له أن يتجه لِمرسمهِ الصغير الذي صنعهُ في قبو ِ البيت و يحاول أن يمتص غضبه بواسطة الألوان ، ما إن وصل إلى هناك ، حتى ارتدى قطعةً تحميهِ من أن يتلوثَ بالألوان ، و بعدها جلسَ على الكرسي الصغير الأبيض و الدائري ، و هو يتأمل اللوحةَ البيضاءَ أمامه لٍِيفكر بماذا يرسم ، ليجتاحَ هدوءَ تفكيرهِ فجأة ، صورة لتلك َ النائمة في الحديقةِ وسطَ الأشجار و في الجوِ البارد ، ليبتسمَ بخفةِ ، و ما إن عادَ لوعيهِ حتى نفضَ تلكَ الأفكار القبيحةَ من رأسه ، و ظلَّ يقلب من جديد في ثنايا ذاكرته باحثاً عن من تكون تلكَ النائمة ، فهو متأكدة مائةً بالمائة أنها تحتل جُزءاً من ذاكرتهِ و قلبه في آن واحد ، و لكن عقلهُ يأبى أن يتذكر من تكون ! ، و توّقف عنِ التفكير حين سمعَ رنّة هاتفه ، و رأى اسمَ أمه على الشاشة !.

¶ ¶ ¶

في ذاتِ المساء بعد أن التقت (نازك ) بخالاتها و بناتها ، التي رأتهم آخر مرة في اليابان قبل ثلاث سنوات ، و كان من الواضح أن (نازك ) و بناتُ خالاتها كلٌ يحمل ضغينةٌ على الآخر ، لِذا فعلت نفسِ الأمر الذي تفعلهُ دائماً حين تريد الهروب من أي شيء ، لِتخرجَ خارجاً في محاولةٍ لِلمشي في الأرجاء ، جالت بعينيها في المكان ِ ما إن خرجت من البيت و وضعت قدميها على الفناء ، خالتها هي من الطبقةِ المتوسطة لذا فهي تعيشُ في حيٍ متوسطِ الحالة .
وضعت يدها بجيبها و هي تخطو نحوَ باب الفناء لِتخرجَ من البيت و ما إن وضعت قدمها على عتبة الباب ، حتى يأتيها في عقلها صوتُ (مريم ) الغاضب :
" أنا كم مرة قلت لش ، بطلي هياته ف الشوارع ، و بعدين انتي ما تعرفي الأماكن هنا مثل طوكيو و ما عندش حد " .
لِتترد أولاً ، و لكنها بعدها خرجت و هي تنظرُ لساعةِ يدها التي كانت تشيرُ للساعةِ الحادية عشرة ، و ما إن خرجت من البيت و مشت بضع خطواتٍ نحو اللامكان ! ، سمعت ضحكاتٍ غريبة و قهقهات ثملة تأتي من وراءها ، لِتحتضنَ نفسها بيدها ، و تُسرع في خطواتها ، و مع هذا فقد كانت لا تزال تلكَ الضحكات تتبعها ، لِتبلعَ ريقها و تُدير رأسها للخلف ، و يقعَ بصرها على آخر شيءٍ تمنتهُ أن يكون فقد رأت ثلاثةَ شُبان من الواضحِ أنهم عديموا الأخلاق ، لِتقرر أن تطلقَ العنان َ لقدميها و تجري بأقصى ما يمكنها ، فمن الواضح أنها أطول قامةً منهم و كما هو معروف كلما كان الشخص أطولَ قامة كلما كانت خطوتهُ أكبر ممن هم أقصر منه ، لذا استندت على هذهِ القاعدة و ركضت بأسرعِ ما يمكنها ، لِتصلَ في نهايةِ المطاف لِسورٍ مكون من شبكٍ حديدي مما يدلُ على أنها مزرعة و هذا سورها الخلفي أيضاً ! ، و بجانبها كذلكَ مزارعُ أخرى إذن لا مفر ، و ما زادَ خوفها و توترها أكثر ظِلٌ طويل قادم من جهةِ اليمين ، و أما ورائها فقد أصبح صوتُ الضحكات أعلى و أكثر قُرباً منها ، لِتبلعَ ريقها بصعوبةٍ بالغة و تقررَ الاستسلام للقدر ! .

¶ ¶ ¶

لا إله إلا أنت سُبحانك إني كنتُ من الظالمين .
اللقاء القادم : الجُمعة .
هَـمسة : " سَماع الأغاني مُحرّم شرعاً " .
أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه .


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-17, 02:59 PM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

¶ الفصل الأول : ما قبل الثاني عشر من أكتوبر ¶ .
»3«

لذا استندت على هذهِ القاعدة و ركضت بأسرعِ ما يمكنها ، لِتصلَ في نهايةِ المطاف لِسورٍ مكون من شبكٍ حديدي مما يدلُ على أنها مزرعة و هذا سورها الخلفي أيضاً ! ، و بجانبها كذلكَ مزارعُ أخرى إذن لا مفر ، و ما زادَ خوفها و توترها أكثر ظِلٌ طويل قادم من جهةِ اليمين ، و أما ورائها فقد أصبح صوتُ الضحكات أعلى و أكثر قُرباً منها ، لِتبلعَ ريقها بصعوبةٍ بالغة و تقررَ الاستلام للقدر ! .

¶ ¶ ¶

في الجانبِ الآخر من الـ"حارة " التي كانت ( نازك ) عالقةً فيها ، كانت الثلاثُ فتيات و الوالدة يحاولونَ الاتصال بتلكَ المجنونة التي تُدعى ( نازك ) ، لِتقول ( نور ) :
" صح ، خلت تلفونها بالبيت " .
لِتوَّجه ( مريم ) سؤالاً لِوالدتها التي قد بلغَ خوفها ذروته : " هالمجنونة اختي حقيقي ؟ و لا بدلوها بالمستشفى ؟! " .
لِتردفَ (رؤى ) على كلامِ ( مريم ) : " عشرين مرة نقول لها لا تروحي لأي مكان ، تحسب انها ف طوكيو ! " .
لِتنهرهما والدتهما : " بس ! ، ما وقته ، خلنا نعرف وينها أول شي ، بعدين تضاربوا ! " .
توّقعت ( نور ) أن أختها في البيت لِتقول : " يمكن ف البيت " .
لِترد ( مريم ) باستهزاءٍ واضح : " أيوا بالبيت "
لِتُردف بعدها بنبرةٍ عالية و صُراخ : " كيف يعني بتمشي من هنا للبيت ؟ ، عندش كلام زين قوليه ، ما عندش كلام اسكتي ! " .
لِتسكُت (نور ) بعد كلام ( مريم ) و لتصمتَ (رؤى ) طواعيةً أيضاً ، فالجميعُ يعلمُ كيف هي (مريم ) اذا غضبت تُصبح كالمجنونة ، و في الوقت ذاته أجزمَ الموجودون جميعاً أن (نازك ) ميتةٌ اليوم لا محالة .. على يديّ (مريم ) .

¶ ¶ ¶

في الجانبِ الآخر ، عند (نازك ) ، فقط هي ثوانٍ حتى وصلَ الظلُ الطويل بالقُرب منها ، لِيلتفت جهتها أولاً و جهةَ أولئك الثلاثة ثانياً ، لِيفهمَ ما يحصل دون أن يخبرهُ أحد ، لِيُمسك يدها ! ، و يركضا للجهةِ اليُمنى و التي كانت نهايتها أيضاً سور من الشِباك الحديدية لكنها لم تكن تعلم ماذا تفعلُ جرّاء الخوفِ و التوتر لِتنصاعَ لِأمرِ ذاك المجهول و تتبعهُ و هو ممسكٌ بيدها ! ، لِيصلا لِنهايةِ الطريق لِيُصادفا ذلك السور ذي الشِباكِ الحديدية مجدداً ، لِيقفَ هو أمامها و تقفَ هي وراءه في محاولةٍ لحمايتها ، و أولئك الثلاثةُ يقتربون منهم ، و ما إن ركَّز (كنان ) بنظرهِ نحوهم حتى رأى ملامحَ ( نواف ) تتشكل أمامه ! ، لِيرتفعَ ضغطُ دمه ، و يتركَ يد من بجانبهِ و يرتدي قبعة الرأس المُلتصقة بِقميصهِ كي لا يعرفهُ ( نوّاف ) ، و لكن الذي أثار دهشة (كِنان ) أن هؤلاء الثلاثة لا يقفون بل يزاولون المشي بتجاههم ! ، لِيسمعَ صوت أحدهم و هو يقول :
" شكله روميو مالها " .
و فجأة ً و حين كانَ ( كنان ) يوّجهُ نظره لِلأرض استقرّ بصرهُ على حجر متوسطِ الحجم لِيحملهُ و يرميه بتجاهِ الشباب الثلاثة ، لِتفتحَ (نازك ) فمها من الصدمة ، فلو سقطَ الحجر على رأس أحدهم لمات حالاً في مكانه ، و لكنها أحست بيدٍ تسحبها من جديد ، و هي ترى ذاكَ الحجر سقطَ على رجلِ أحد منهم لِيصرخَ على الاثنين الذين هم وراءه :
" يا أغبياء مسكوهم ! "
لِيجريا من جديد في الاتجاهِ المعاكس و الذي بلا شك أنهُ سينتهي بِسور الشباكِ الحديدية البائس ذاك ، و لكن (نازك ) توقفت فجأة ، لِيقفَ ( كنان ) معها ! ، لِتتذكر فجأةً أيضاً أنها لم تُزاول حضور دروس الكاراتيه من أجل لا شيء ، لِتنظرَ لذلكَ الواقف بجانبها و تسحبَ يدها من يده بِعُنف و كأنها الآن قد أحسّت بالذي يجري من حولها ، لِتقولَ له و هي تنظر لأولئكَ الاثنان ِ :
" ابتعد من هُنا " .
قالتها بِالانكليزية لِأنها لم تكن ترى ملامحه جيداً فلم تكن تدري ما هي جنسيتهُ و لكنها كانت متأكدةً بأنه بالتأكيد سيفهم الإنجليزية و ما إن وصلَ أحد الاثنين بِالقُرب منها ، لِترفعَ رجلها و تركله .. في وجهه ! ، لِيفتح ( كنان ) فمهُ من الصدمة و كذلكَ ذاك الآخر ، لِيسحبَ رفيقهُ الذي وقع أرضاً و يفران بعيداً ، لِتلتفتَ لِـ ( كنان ) الذي لا زال تحت تأثير الصدمة ، و ما إن رأت وجهه حتى أيقنت أنه خليجي و لكنها تعّجبت كيف لِخليجي أن يفعل ما فعلهُ هذا فهي تعلمُ أن هذا الأمر لا يُفعل هنا ، لِتتأمل يدها و تسأل نفسها مجدداً بكيف فعل هذا و هذا لا يُفعل هنا ، و لِـ (كنان ) أيضاً نفسُ التفكير ، فما حصل من المستحيل أن يحصل َ في الخليج ، فلم تكن (نازك ) تعلم أنه أمريكي المَنشأ و هو لم يكن يعلم أنها هي يابانيةُ المنشأ .. أو بالأصح لم يتذكر .
قطعت (نازك ) الصمت الذي حصل حين ظلّت تتأمل المكان لِتتذكر أنها لا تعلمُ أين هي و لا تعلمُ كيف تعودُ للمنزلِ حتى ، لِتطلب من الواقفَ أمامها بعد تردد واضح :
" عادي استخدم تلفونك ؟ " .
لِيقفَ هو جامداً في مكانهِ أولاً و بعدها يستوعبُ الأمر لِيخرجهُ من جيبهِ و يفتح الرمز المكون من 4 أرقام ، و يمدهُ لها ، لِتأخذهُ هي باحراج ، و هي تتأمل شكله ، آيفون فضي ، لِترفعَ بعدها كُمّ قميصها و تنظرُ لِذراعها و هي تتذكر ما حدث بالأمس حين جاءت (مريم ) و كتبت رقمها على ذراع (نازك ) و هي تقول :
" لا سرقوش و لا شي ، اتصلي .. أعرفش ما تجلسي ف مكان واحد " .
عادت للواقع و هي تبتسمُ بسخرية ، و اتصلت بعدها بِـ (مريم ) لِيأتيها صوت (مريم ) و الذي استنشقت منهُ رائحةَ العصبيةِ تفوح ، لِتقول : " ألو ؟ "
لِتجيبَ هي : " مريم ؟ "
و ما إن تعرّفت (مريم ) على صوتها حتى صرخت عليها ، لدرجة ِ أن صوتها قد اخترقَ سماعةَ الهاتف و وصل لِمسامع (كنان ) : " وينش انتِ ؟ تدوري ف نص الليل ، و الله لا شفتش لأقص رجولش قص و ... "
لِتقاطعها (نازك ) : " أوكِ ، ما أعرف أنا وين بس تعالي لي ، أعتقد إني أتذكر الطريق أقدّر أخمنه "
ما إن أنتهت من جملتها ، حتى صرخت عليها (مريم ) من جديد :" ما أجي لو تموتي ! " .
لِتنهي جملتها و تنهي المكالمةَ في ذاتِ الوقت ، لِتبعدَ (نازك ) الهاتفَ من أذنها و هي تهمس بِـ : " يارو – حقيرة – " .
لِيسمعها (كِنان ) و يتذكر أن هذهِ هي النائمة التي رآها قبل أيام ، لِيسألها بِلطف :" أوصلش ؟ "
لِتنظرَ هي إليه ِ بنظرةٍ سيئة و هي ترفع حاجبها لِيفهم قصدها فيتراجعَ عن كلامه ، و لكن (نازك ) بعد دقيقتينِ من التفكير نطقت بِـ :
" أوك ، بس شوف هنا و انت امشي وراي بمترين " .
قالت هذا و هي تُؤشرُ بيديها على مكانها و مكانه ، لِيوافق على كلامها ، و يمشيان ، و قد كانت (نازك ) تحاولُ تخمين الطريقَ الذي يقودُ للتقاطعِ القريب من منزلِ خالتها كي تتصل بِـ (مريم ) من جديد و تأتي لِتُقلها ، فهي من المستحيل أن تذهب مع هذا الغريب ، و أثناءَ تفكيرها بهذا أحسَّت فجأة ً أنها أصبحت بِمستوى أكثر انخفاضاً مما كانت عليهِ قبل لحظات ، لِتدرك أخيراً أنها قد وقعت بسبب سرحانها ! ، لتتذكر أن ذلكَ الغريب كان وراءها لِتشعرَ باحراج غير طبيعي ، و لكنها حاولت بأقصى ما يُمكن أن لا توضح احراجها ، لِتعودَ و تقف على قدميها من جديد لِترى أن كم قطرةً من دم قد تدفقت من باطنِ يدها اليُمنى ، في ذاتِ الوقت حاول (كنان ) قدر الإمكان أن لا يضحك و يحرجها ، لِذا أخرج من جيبهِ منديلاً و مدهُ لها ، أما هي فظلّت تتأمل ذلكَ المنديل الممدود و هي تشاورُ نفسها ءآخذهُ أم لا ؟ ، و بعدها أخذته ، لِتقومَ بمسحِ جُرحها به و شرعت تكمل ُ طريقها و ذاكَ الغريب يمشي وراءها مع وجودِ مسافةٍ بينهما ، و أما هو فقد كان يحاول عَصرَ ذاكرتهِ قدر الإمكان فهو متأكد أن هذهِ الانسانةَ و التي لا يعرف اسمها حتى أو لا يتذكرهُ إن صحَّ القول لها ذكريات مطمورةٌ في ذاكرته ، لِتقطع هي حبلَ تفكيره حين قالت :
" بس خلاص أوقف هنا " .
لِتردف و هي تؤشر لِسيارةٍ بجانبِ التقاطع بعد أن رأت اللوحة : " هذي اختي ! " .
لِيقفَ هو و يذهبَ في تجاهِ مزرعةِ خاله ، لِتقولَ من جديد بعد تردد : " أريقاتو –شكراً – " .
قالتها و هي تقرُنها بابتسامةٍ خفيفة و بعدها ذهبت بهدوءٍ بتجاهِ سيارةِ أختها ، و ما إن دخلت حتى صرخت (مريم ) عليها :
" مجنونة انتِ مجنونة ؟ ، المفروض ما أجي أدورش ، بس عشان أمي جيت ، صار لي ثلث ساعة و أنا واقفة هنا ، مجنونة انتِ ؟ مجنونة ؟! " .
و لِأول مرةٍ منذُ سنين تنطقُ (نازك ) بِـ : " اوكِ ، جومينّاساي ! – آسفة – " .
لِتلتفت َ لها (مريم ) و آثارُ الصدمة مرسومة على وجهها ، لِتبعد يدها اليُمنى عن المقود و تضعها على جبهةِ (نازك ) : انتِ بخير ؟!
لِتردَ (نازك ) : هاي – نعم - .
لِتصمتَ ( مريم ) و هي لا تزالُ مصدومة ، في حينِ أن ( نازك ) بدأت تُحس أن هذا الغريب قد بدأ الجلوسَ على عرشِ قلبها ، لكنها لا تُريد تصديقَ هذا الأمر ، فمنذ جاءت هنا أصبحت تقعُ في حبِ المجاهيل ! ، و لِنفي هذا الشعورِ قامت بضربِ وجهها بكلتا يديها :
" لاااااااا ، مَساكا –لا مُستحيل – " .
لِتنظرَ إليها (مريم ) من جديد و بِصدمةٍ أكبر : " أحلف انش ما صاحية ! " .
لِتردفَ بعدها بنبرةٍ يتخللها الشك : " شصار ف هالفترة إلي ضعتي فيها ؟ " .
لِتقول (نازك ) : " و لا شي " !
لِتتوسدَ النافذةَ من جديد ! ، و تدّعي أنها تحاولُ النوم كي لا تسألها (مريم ) أسئلة ً أكثر فلو علمت ، ستقومُ بقتلها بيديها ! .

¶ ¶ ¶

في الجانبِ الآخر ، قرر ( كِنان ) العودة لِلمكان الذي يقبعُ فيهِ أخوه و أصحابهُ الحمقى ، لِيتذكر فجأة أن واحداً من أولئكَ الثلاثة الأغبياء كان ( نواف ) و الذي استأذنهم بأن هناك عملاً هام ينتظرهُ ، قال ( كنان ) في داخله " شغل ضروري ؟ خمر ! " ، لكنه تجاهلَ ( نواف ) و غيره و قرر تغيير طريقهِ و العودةَ للمنزل ، ليتوّجه لِمزرعةِ خاله ، و أثناءَ دخولهِ صادفَ ( نوّاف ) و هو يمشي بِعَرَج ! ، لِيبتسم بِخفة و هو يتذكرُ أنهُ هو من فعل هذا بِه و في ذاتِ الوقت شعرَ بسلامٍ داخلي ! ، لأنه اعتبر هذا كجُزءٍ من انتقامٍ لِـ( الأمير ) ! ، لِذا أكملَ طريقه ، ليدخلَ أخوهُ و أصدقاؤه في نطاقِ نظره ليتوّجه لهم سريعاً ، لِيقفَ مواجهاً لِأخيه و هو يأخذ مفاتيح السيارة التي كانت موضوعةً أمام أخيه ، لِيقولَ لهُ بصمتٍ منخفض :
" برجع البيت ، شوف لك واحد من هالثيران يرجعك " .
لِيذهب دون أن يستمع لِلذي سيقوله أخوه ! .
أما عند الأخ ، سرّهُ شيء و ضرّه آخر ! ، الذي سرّه أن ( كِنان ) صحيفة الأخبار المتنقلة الخاصة بوالدته قد رحل فالآن سيستطيع شُربَ الخمر بِهدوء ، و ما ضرّهُ أن أفعال أخيهِ الأصغر الغبية تجعلهُ يبدو أحمقاً أمام أصدقائه ، فهو يعلم أن ( كنان ) لا يطيقهم لذا يتصرفُ هكذا ، و هو يعلمُ أن ذاك الرسام المخبول – كما يقول – قد جاء لأن والدته طلبت منهُ ذلك و إلا لكان يفضّل الموت على القدومِ إلى هنا .

¶ ¶ ¶

كانت ( نازك ) تَقفُ و علاماتُ الدهشةِ واضحةٌ على وجهها و هي ترى أن هذا المنديل مُطابقُ لِلمنديل السابق ، لِتهمسَ لِنفسها " إذن ذاكَ المجهولُ يبدو هكذا ! " ، لِتُحسّ بِالسعادة تغمرُها و أخيراً قد عرفت ذاكَ المجهولَ صاحبَ الوشاح و الذي قد توّطن قلبها بأفعاله ، لِتبتسمَ ابتسامةً صغيرة و لكنها اختفت حين تذكرت ذاكَ الاسم البائس ( طلال ) ! ، تكرههُ .. تكرههُ بشدة و من شدةِ كرهها له لا تُريد أن تعرف عنهُ أي شي و لا تريد حتى أن تعرف كيف هو شكله ، و ستنساهُ من الآن حتى تعودَ إلى هنا في المرةِ القادمةِ حينها ستعرفُ كيف ستتصرفُ معه و تزيحهُ من طريقها ! .

¶ ¶ ¶

كان ( كنان ) لا يزال في الطريقِ حين أحّس بالملل ! ، فأصبحَ يُقلَّب " السي ديات " بيدهِ اليُمنى و يُمسكُ المقودَ بِالأخرى ، و ينقلُ بصرهُ بين هنا و هنا ! ، مع أن الطريقَ خالٍ إلّا أنه لا يُمكنهُ فقد انتباهه ، لِذا أخذ الـ"سي دي " الذي وقعَ بين يديهِ و أدخلهُ في المسجل لِتشتغل فجأة أغنية صاخبة لِيخفضَ الصوتَ سريعاً ، و يتساءلُ في نفسهِ لماذا لا لحدثُ له مثل ما يحدثُ في الأفلام و المسلسلات و الروايات أن تشتغل أغنيةٌ تناسبُ مزاجه فجأة ، لِيضحك على نفسهِ و على سُخفِ تخيلاته ، ففي الواقع هو يظنُ هذا أن هذا الفعل سخيف للغاية .

¶ ¶ ¶

بعد أيام ، في اليابان
مع بدأِ أول يومٍ دراسي في الفصل الجديد ، كانت ( نازك ) قد استعدت كُليّاً للذهابِ للمدرسة ، لِترفعَ بصرها للساعة المُعلّقة على الجدار ، لترى أن العقربَ الصغير يُشير للرقم 6 و العقرب الأكبر يُشيرُ للرقم 6 ، لِتخرج من غرفتها متجهةً لِغرفة المعيشة ، لم تتفاجأ لأنها لم ترى أحداً ، و كانَ هذا الأفضل لها ، لكنها رأت ( رؤى ) أمامَ عينيها و التي من الواضح أنها استيقظت توّا لِتقول لها بِصدمة باليابانية :
" انها السادسة و النصف ، هل انتِ بكاملِ قواك ِ العقلية ؟ "
لِترد الأخرى : " هاي ! – نعم – " .
لِتقول ( رؤى ) من جديد : " ستذهبين للمدرسة في هذا الوقت ؟ "
أجابت ( نازك ) بعد أن ابتعدت من أمام ( رؤى ) و تجهت للباب المؤدي للخارج : " هاي ! ، و لن آخذ السائق لا تقلقي "
لِتتفاجئ ( رؤى ) من ردها فهيَ لم تكن تقصد هذا و لكنها لم ترد عليها فهي تعلم أنها متقلبة المزاج ! .
أما ( نازك ) فحينَ خرجت قد صادفت ذلك السائق الذي كان ينتظرها فهو يعلم أن هذهِ الانسانة لا تثبت على شيء فتارةً تذهب متأخرة و تارةً مُبكرة و إن تأخر ستأكلهُ حيّاً ! ، و لكنها هذهِ المرة لا تُريد منه أن يوصلها و قد حاولَ اقناعها و لكنها رفضت ، لِتذهب هي َ مشياً ، و أما ( نازك ) فقد كانت هذهِ أول مرة منذ أن ماتت جدتها و هي تذهب للمدرسةِ على أقدامها ، فقد كانت حينها ترتاد ثانوية عامة فلم تكن تريد أن تُكملَ تعليمها في مدرسةٍ خاصة بما أن صديق طفولتها يدرس في مدرسة عامة ، و لكنها الآن و بعد أن فقدت جدتها عادت للمدارسِ الخاصة و أيضاً صديق طفولتها أصبح ثرياً لذا فقد أصبح بإمكانه ارتياد مدرسة خاصة و أيضاً قد حظيت بثلاثةِ أصدقاء آخرين جيدين .
انقطعَ عقلها عن التفكيرِ حين رأت صديق طفولتها و هو يوقف سيارتهُ و ينزلَ منها ، لِيقول لها و هو يلوّح لها من بعيد : " نات تشان " .
لِتلفتَّ له و تبتسمَ حين أصبحت تقفُ بالقرب مِنه ، لِتضربهُ على رأسهِ بخفة :
" ءلم أقل لك أن لا تناديني بهذا الاسم في الطريق يا حديث الثراء ؟ " .
لِيطلقَ هو تأويهةً تدل على الألمَ قائلاً : " أيتها المُسترجلة " .
لِتضربهُ من جديد : " من هي المسترجلة ؟" .
كادَ حديثُ الثراء ( ايتشيرو ) أن يرد عليها إلّا أن الاثنان سمعا صوتاً أنثوياً يناديهما من بعيد ، لِيلتفتا و يريا ( مارو ) ، لِيقول ( ايتشيرو ) :
" مارو ، أين هيَ سيارتكِ الفخمة ؟ " .
لِتردَ ( مارو ) و هي تلهثُ من الركض : " لقد جئتُ من المدرسةَ ركضاً إلى هنا ، إن المُتنمرين يحيطون بِـنارومي ! " .
لِيقول ( ايتشيرو ) : " هيا اصعدا ، علينا الذهابُ للمدرسةِ سريعاً ! " .
لِيفتحَ بابَ السيارةِ و يصعدَ لِتصعد بعدهُ ( مارو ) تليها ( نازك ) لِيقول للسائق : " توّجه سريعاً للمدرسة " .
في غضونِ عشر دقائق وصلَ الثلاثةُ للمدرسة و نزلوا من السيارة ليقول ( ايتشيرو ) : " ءلا تظنون أننا كدنا ننبعج ؟"
لِتردَ عليه ( مارو ) : " هذا لأنك عملاق " .
و سألت ( ناتسوكو ) و هي تنظرُ لِـ( مارو ) : " أين هي نارومي ؟ " .
لِتقول ( مارو ) : " في غرفة تدريباتِ كرة السلة " .
لِيتوّجه الثلاثةُ مسرعين إلى هناك ، لِيفتحَ ( ايتشيرو ) الباب على مصراعيهِ ، لِيروا ( نارومي ) تجثو على ركبتيها ، و فتاة أخرى تُمسكها من شعرها و هي تصرخُ عليها :
" فلتعتذري أيتها الخرقاء " .
لِتقولَ ( مارو ) : " آسفة " .
لِتردَ تلكَ المتنمرة التي كانت تُمسكُ بشعرها : " إن كنتِ آسفةً فلتموتي "
لِتصرخُ أكتر ، لدرجةِ أن شرايين وجهها كادت أن تنفجر : " فلتموتي الآن " .
لِيتدخل الثلاثة حين قالت ( ناتسوكو ) : " يارو – حقيرة – ".
لِتقولَ بعدها : " فلتتركيها الآن ، اتركيها قبل أن أقتلكِ .. يوكو ! " .
لِتبعد ( يوكو ) يدها عن ( نارومي ) و هي تقول باستهزاء : " أوه الأجنبية ذات العيون الواسعة ، أتيتِ أخيراً ؟ "
لِتصرخَ بعدها من جديد : " كيف تجرؤ صديقتكِ الحُثالة على سرقة تاتسو سنباي مني " .
لِيُجيبَ ( ايتشيرو ) على سؤالها و هو يتعمد إغاضتها : " و منذ متى أصبح تاتسو ملككِ ؟ "
تجاهلتهُ ( يوكو ) و هي تنظرُ لتابعيها الأحمقين : " اخرجوا هؤلاء الثلاثة من هنا حالاً " .
قالتها و هي تُشير باصبعها لِـ( ناتسوكو ) و رِفاقها ، لِيذهبَ أولئكَ الاثنانِ لِإخراجهم لِيبدأ شِجار بين الثلاثةِ و أولئكَ الاثنان ، لِيُبعد ( ايتشيرو ) ( مارو ) بعيداً كونها لا تُجيدُ أيَّا من فنونِ القتال في حين أنهُ يجيدُ التكواندو و ( ناتسوكو ) تجيدُ الكاراتيه ، لِتبدأ معركةٌ طويلة بينَ الأربعة ، لِيتوقفَ الجميع حين سمعوا صوت شخصٍ ما يصرخُ عليهم :
" موه .. مينّا – توقفوا جميعاً ، يكفي ! – " .
لِيُبعد كلٌ منهم يدهُ عن الآخر و هم يتطقون بـ: "آكيرا كُن ؟"
لِيأتي بعدهُ ذاك الشاب الطويلُ و هو مًتعجّب لِيقول و هو ينظرُ لوجوهِ جميعِ الموجودين : " أيتشيروتشي ، ناتسوكوتشي ، ماروتشي ، ما الذي تفعلونهُ هنا يا رفاق ؟ "
لِينتبهَ بعدها على وجودِ ( نارومي ) و هي تجثو على ركبتيها : " ناروميتشي ! ، لماذا انتِ جاثيةٌ على ركبتيكِ هكذا؟"
لِيتجاوز ( آكيرا ) و بعدهُ البقية ليقفَ أمام ( نارومي ) و يمد يده لها لكي تقف و لكنها ظلّت على نفس وضعيتها ، لِذا وضعَ يديهِ على كتفيها لِيساعدها على الوقوف ِ و بعدها فهم أن ( يوكو ) قدعادت لِأفعالها القبيحة مع أصدقائهِ حين نظرَ من جديد لِـ( ايتشيرو ) و ( ناتسوكو ) ، لِيبتعد عن ( نارومي ) التي اقتربت منها ( مارو ) و أخذتها معها لتقفا سوياً بالقرب من ( ايتشيرو ) و ( ناتسوكو ) ، و في ذلكَ الحين نطقَ بِـ و هو ينحني :
" سامحهم رجاءً هذهِ المرة آكيرا كن ! " .
لِيقول ( آكيرا ) رئيس نادي كُرة السلة : " تاتسو ! أنت تعلم أنهم قد يدخلوننا بمشاكل بسبب شجاراتهم في غرفة تدريبنا ! ، و هذهِ المرة لن أسامحهم ، فلقد سامحتهم سابقاً " .
لِتنحني ( نارومي ) بدلاً من ( تاتسو ) : " أوني قايشيمس آكيرا كُن – أرجوك آكيرا – " .
لِيقولَ ( آكيرا ) بِحزم : " لا ، هيا انتم الأربعة عليكم مُقابلة المدير الآن " .
لِتقول ( مارو ) و هي َ تنظرُ لِـ( تاتسو ) : " تاتسو ، فلتقنع قائدك ! " .
لِيرمقها ( آكيرا ) بنظراتٍ جعلتها تلزمُ الصمت ، و تقدم الأربعةُ أمامه و توّجهوا للمدير الذي كان يعلمُ بمشاجرتهم هذهِ من الأصل ، فقد عرفت نصفُ المدرسةِ بهذا .
و حين وقفوا أمامه نطق بِـ :
" ءلم أحذركم أن لا تكرروا مشاجراتكم هذه ؟ هذهِ هي المرةُ الخامسة خلال هذا العام ! ، هل تريدون أن يؤثر هذا على ملفكم و قبولكم بالجامعات ؟ "
لِينحنوا جميعاً و ينطقوا بي : " جومينّا ساي " .
لِيقولَ المُدير و قد نفذَ صبره : " غداً تعالوا برفقةِ آبائكم ، و ستقومون بالتنظيفِ طوال أسبوعين ، و إن كررتم هذا الأمر مُجدداً سأقوم بطردكم و حينها لن أهتم لمن يكون آبائكم ! .. انصرفوا " .
لِينحنوا مجدداً و يخرجوا ، لِيسلُك ( ايتشيرو ) و ( ناتسوكو ) الممر الأيمين لمكتب المدير في حينِ أن أتباع ( يوكو ) سلكوا الطريق الأيسر .
قالت ( ناتسوكو ) و هي تمسحُ باطنَ كفها من قطراتِ الدم و العرق المختلطين جرّاء الشجار : " هؤلاء الكوهاي مجانين ! "
لِتٌردف و هي تلمسُ خدها الذي بدأ ينزفُ قليلاً : " لقد أفسدوا جمالَ وجهي ، كيف سأظهرُ بعروض الغناءِ الآن ؟ "
لِيقفَ ( ايتشيروا ) فجأةً و الذي كانَ يمسحُ الدم يسار شفتيه : " عروض الغناء ؟ هل أنتِ جادّة ؟ "
حركت ( ناتسوكو ) رأسها بمعنى نعم ، ليقول ( ايتشيروا ) بِحماس : يتّا ، سوقوي نات تشان ! – مرحى ، مُدهش - .
لِيُردف بعدها : " هناك كلمات لِأغنية قد كتبتها لكِ قبل أن تخبرينا باعتزالِك ، هل تريدين رؤيتها ؟ " .
لِتضحك ( ناتسوكو ) : " ءلا تزالُ هاوياً للكتابة ؟ " .
لِيرد هو عليها : " هاااي – نعم " .
لِتقول هي من جديد : " جانبتي – ابذل جهدك "
لِتردفَ بعدها مُقلَّدة ( تاتسو ) : " ايتشيروتشي ! "
لِيضحك هو بعدها يُردف : " انه محظوظ ! ، فهو فاحشُ الثراء ، و عارضُ أزياء ، و لاعبُ سلة و وسيمٌ أيضا ! "
لِتردّ عليهِ بنبرةٍ مَرِحة : " و انتَ محظوظٌ كذلك ، فأنت تملك والداً رائعاً و أنت أيضاً "
لِينظر إليها بفضولٍ ، لِتردف هي بقصد إغاضته : " كّواي – لطيف " .
لِتخيبَ آمالهُ و يقولَ و هو يمثلُ الحزن : " لقد جرحتِ مشاعري " .
لِتجيبهُ هي سريعاً : " أعلم هذا ! " .
و بعد خطواتٍ قليلة رأوا بقية أصدقاءهم أمامهم ، لينظرَ ( ايتشيرو ) للساعة و يقول بنبرةٍ مُتعجبة : " السابعة و النصف ! " .
لِترد ( ناتسوكو ) : " المتبقي نصف ساعة ! " .
لِيقتربَ منهم الثلاثة ( تاتسو ، مارو ، نارومي ) ، لينطق ( ايتشيرو ) أولاً : " كيف تسمحين لِتلكَ القبيحة بالتنمر عليكِ ؟ هل تريدين مني قتلكِ؟! " .
لِتسكتَ هي و لا ترد ، و لكنها حين رأت التساؤل في عيونِ الجميع ، أجابت : " لو كنتُ قمتُ بالردِ عليها لكنتُ الآن في حالةٍ يُرثى لها " .
لِيقول ( تاتسو ) : " لن يحصل هذا ، ألسنا نحنُ الأربعةَ أصدقائكِ ؟ "
لِتبتسم لهم : " هاي – نعم – " .
لِتردفَ و هي تنظرُ لِـ( ايتشيرو ) و ( ناتسوكو ) : " أريقاتو أي تشان ، نات تشان " .
لِيضربها ( ايتشيرو ) بِخفةً على مؤخرةِ رأسها : " هوووي ! ، لا شُكر بين الأصدقاء " .
لِتردفَ ( ناتسوكو ) على كلامه : " هل ضربتها بدلاً مني أم علي ضربها من جديد ؟ " .
لِتعودَ ( نارومي ) للوراء ، و تختبأ خلف ( مارو ) ، لِتقول ( مارو ) : " هي فعلاً تستحقُ ذلك ! " .
لِيقول ( تاتسو ) : " هل تريدون مني أيَّة مساعدة ؟ " .
لِتقولَ ( نارومي ) بعد أن ابتعدت عن ( مارو ) : " هووي هووي ! هل تتآمرون عليّ الآن ؟! " .
لِيضحكَ الجميع ، بعدها يقول ( ايتشيرو ) : " مينّا – رفاق - ، ستعودُ نات تشان للغناء من جديد ! - .
سألتها ( نارومي ) أولاً : " هل انتِ متأكدة ؟ " .
لِيسأل ( تاتسو ) بعدها سريعاً: " هذا صحيح ، هل أنتِ متأكدة ؟ "
لِتجيب ( ناتسوكو ) : " هاي ! " .
لِتقول ( مارو ) : " يتا ! ، سوقوي نات تشان ! " .
لِتردف : " هل ستتعاقدين مع شركة والدي الترفيهية كالسابق ؟ "
لِتفكرَ ( ناتسوكو ) بعدها تجيب : " هاي ، لأجلك ! " .
بعدها لَمح الأربعة لمحةً من الحُزن على وجهِ ( نارومي ) لأنها طالبةُ منحة خيرية ! ، و هذا يجعلها تعاني من تنمر مستمر من ( يوكو ) و من هم من أمثالها ، و حين انتبهت ( نارومي ) مسحت الحزن من على وجهها و قالت بِحماس : " هل ستأتونَ اليوم بعد المدرسة لِمكان عملي الجزئي " .
لِيجيبَ الأربعةُ في آن ٍ واحد : " بالطبع ! " .
لِتمُرَ من أمامهم ( يوكو ) و ورائها تابعيها الاثنين و هي تقول : " ابنة بائع الرامن القبيحة ! " .
لِتجيبَ عليها ( نارومي ) : " و لكنني على الأقل لستُ ابنةَ العشيقة " .
لِتتوقفَ ( يوكو ) و تعودُ للخلفِ و هي تسألها بغضب : " من هي ابنةُ العشيقة أيتها الفقيرةُ القبيحة ؟ " .
كان الجميع يعلمُ حقيقةَ أن ( يوكو ) ابنة غير شرعية و لكنها مع هذا تتنمرُ على الكثيرين و لا تُبالي بأحد ، لذا لم تكن ( نارومي ) تملكُ شيئاً آخر لِـإسكاتِ ( يوكو ) سوى هذا ! .
غضبت ( يوكو ) أكثر حين قامت ( نارومي ) بتجاهلها لِتقترب َ منها و تحاولُ ضربها ، لكن ( مارو ) هذهِ المرة هي من منعتها : " لا تحاولي لمسها .. بل لا تفكري في ذلك حتى " .
لِتبتعد ( يوكو ) و هي تُحس بأنها ستقتل هؤلاءِ الأربعة اللذين يحيطون بِـ( تاتسو ) فهي من المُفترضِ أن تكون بِقربهِ و ليسَ هم ! .
و ما إن رحلت حتى قال ( تاتسو ) : " و ما بالُ الماعزين اللذين يمشيان معظمَ الوقت وراءها ؟ " .
لِيقول َبعدها شيئاً واضحٌ أنه قد تذّكرهُ لِتوّه : " صحيح ما الذي حصل معكما ؟" .
أجابت ( ناتسوكو ) : " علينا تنظيفُ المدرسة طوالَ اسبوعين ، و إحضارُ آبائنا غداً " .
سألتها ( نارومي ) : " هل سيأتي والدكِ ؟ " .
فقد َ كان جميعُ أصدقاءها يعلمون ماهيةَ والدها لِتجيبَ بِـ : " لا أدري ، ربما سأُحضر أُختي ! "
لِتقول ( مارو ) : " إن هذا المُدير البائس لن يرضى بهذا " .
لِترد ( ناتسوكو ) : " لا أدري ، ساُفكر في الأمر لاحقاً " .
لِيقول ( ايتشيرو ) و هو يضربُ جبهته : " أوه لا ! ، لن نستطيعَ القدومَ معكم بعد المدرسة ! ".
لِتقول ( ناتسوكو ) : " هذا صحيح ! "
( تاتسو ) : " لا بأس ، سننتظركُما لِحين انتهاءِ العقاب ! "
أردف َ و هو ينظرُ لِـ( مارو ، نارومي ) : " ءليسَ كذلك ؟ " .
لِتُجيبَ ( نارومي ) و كذلك ( مارو ) : " هاي " .
و تردف ( مارو ) : " ففي النهاية هذا خطأي " .
لِيضربها ( تاتسو ) على رأسها كما يفعلُ ( ايتشيرو ) : " ءلم نتفق على إنهاء هذا الأمر ؟ "
لِيُكملَ بعدها بِمرح : " بل هذا خطأي لأنني وسيم فقد تشاجرتم بسببي ! " .
لترّد عليهِ ( مارو ) : " ءترى نفسكَ وسيم ؟ ءلا تظن ُ أنك تشبه رُكبتي ؟ "
لِينفجرَ الجميعُ من الضحك ، و يقول ( تاتسو ) : " ماروتشي أنتِ قاسية ! " .
لِترد ( مارو ) عليهِ من جديد : " ءلم أقل لكَ ألّا تناديني بهذا الاسم ، لمَ كل الحمقى أمثالك يضيفون المقطع ( تشي ) لحديثهم ؟! " .
كادَ أن يرُدَ عليها إلّا أن الجرسَ قد قُرع و عليهم الدخولُ للفصل ، فجميعهم بفصلٍ واحد .

¶ ¶ ¶
لا إله إلا أنت سُبحانك إني كنتُ من الظالمين .
اللقاء القادم : الجُمعة .
أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه .


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-08-17, 04:39 AM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


¶ الفصل الأول : ما قبل الثاني عشر من أكتوبر ¶ .
«4»

و بعد أن انتهى الدوام المدرسي ، و حينَ كان َ الأربعة يُمسكونَ المكانِس ، ضرَب ( ايتشيرو ) بِمكنستهِ مكنسةَ ( دايكي ) تابع ( يوكو ) .
لِيقول ( دايكي ) و هو يردُ الضربة بِالمكنسة : " هووي أيها القبيح ما بك ؟ " .
لِيرد عليه ( ايتشيرو ) : " لا قبيح غيرُك هنا ، فلتنظرَ لنفسك أولاً " .
قال التابعُ الآخر ( ميتسو ) : " هوي هوي أنتما ، لا نريدُ الدخول َ في المشاكلِ مجدداً " .
( ناتسوكو ) : " إذا كُنتَ لا تريد المشاكل ، فلا تتعرض لصديقتي مرةً أخرى " .
( ميتسو ): " بل عليكِ أنتِ أن تُبعدي صديقتكِ عن تاتسو سينباي " .
( ناتسوكو ) : " لا يوجد شيء بين تاتسو و نارومي ، إن راعيتكَ مجنونةٌ فقط ليس إلّا " .
لِيسألها ( ميتسو ) باستغراب : " راعيتي ؟ " .
( ناتسوكو ) : " نعم فأنت و هذا المعتوه الآخر أغنامُ يوكو ! " .
قالتها و هي تؤشرُ على ( دايكي ) ، لِيطلقَ ( ايتشيرو ) ضحكةً فجّرت المكان ! .
لِيصرخَ ( ميتسو ) بغضب : " لسنا أغناماً ، و إن كنتِ لا تعلمين شيئاً فلتسكتي إذن " .
لِتكتفي ( ناتسوكو ) بابتسامةِ سخرية لِترد عليه .
( اتشيرو ) بغيض و هو يهمس لِـ ( ناتسوكو ) : " ذلكَ الكوهاي البغيض " .
( ناتسوكو ) تتجاهله !: " هوي هوي ، علينا أن ننتهي سريعاً ، علينا الذهاب لِلمقهى الذي تعملُ فيه ( نارومي ) " .
( اتشيرو ) بِحماس : " هااااي " .

¶ ¶ ¶

في مكانٍ آخر ، يبعد عن مكانِ ( نازك ) بِكم بحرٍ و محيط و أرض ، كان ( كِنان ) مُستلقٍ على أرضِ مرسمه ، مغمضاً عينيه ، و واضعاً ذراعهُ اليُمنى على جبهتهِ و اليُسرى على بطنهِ ، كان يائساً تماماً و هو يُفكر بِكيفَ سيتحملُ الذي يحصل ! ، قالَ بصوتٍ عال ٍ :
" يا رب تموت ! "
فقد كانت فِكرة الزواج من اخت ( نواف ) تبعثُ الكُره في قلبهِ و الاشمئزاز ، فهوَ أصلاً لا يُريد الزواجَ في هذا الوقت فكيفُ لوالدهِ أن يفعلَ هذا ؟ ، لكن فجأة خطرت في بالهِ فكرة ، لِيقفَ سريعاً و يركضَ للخارج ، إلى أن وَصلَ إلى البابِ الذي يفصلهُ عن والدته ، لِيطرقَ البابَ ثلاثاً و يدخُل سريعاً ، فرآها واقفةً أمام التسريحةِ ، لِيذهبَ و يقفَ بالقرب منها ، و يبلعَ ريقهُ أكثر من ثلاثِ مرات لِيقول :
" يُمَّا " .
لِتنظرَ إليهِ بازدراء ، لِيرَّد رغم جرحِ قلبه : " ما أريد أتزوج اخت نوّاف ! " .
لِتقفَ أمه بعصبية : " مجنون انته ؟ تتزوجها و رجولك فوق راسك ، تفهم ؟ " .
حينها ابتلعَ كلماته ، و عاد للخلف ، عاد للمكانِ الذي أتى منهُ قبل قليل .. للمرسم السري الخاص به ، جلسَ متكئاً على الجدار و هو يتذكرُ نظرةَ الازدراءِ في وجهِ أمه ، لِيشعرُ بأن الضيقَ يكادُ يخنقهُ ، فهذهِ هي النظراتُ التي كان دائماً يراها حين أتى إلى هنا قبل سنتين ! ، فآخر سِتُ سنوات باستثناء هاتين السنتين كان يعيشُ في أمريكا ، لِوحده مع أربعةِ جدران ، داخل َ منزلٍ ضخم ، فعلوا هذا به لأنهم لمسوا فيهِ عدم عبادتهِ للمال ، فاعتبروا هذا عقاباً له ، و لكنهُ دخل كُلية الفنون دون علمهم و حين علموا أشعلوا الدُنيا ناراً ! ، فأعادوهُ إلى هنا ، و لكنهُ لا يزال كما كان ، لا يحملُ مشاعرَ الحب للمال ! ، و الآن زواجهُ من أخت ( نوّاف ) كما يقول هو بالتأكيد عقابُ على عدم عبادتهِ للمالِ أولاً ، و لِأنه طُرد من كلية القانون ثانياً ! .

¶ ¶ ¶

بعد ساعات :
في المقهى الذي تعملُ فيه ( نارومي ) ، كان الأربعةُ يجلسونَ على أحدِ الطاولات و هم لا يزالونَ بالزي المدرسي ، لِيهمسَ ( ايتشيرو ) لِـ ( ناتسوكو ) :
" هل تظنين أن نارومي فعلاً تحب تاتسو و لكنها تخفي هذا الأمر عنّا ؟ " .
( ناتسوكو ) ردّت بنفس مستوى الصوت الهامس : " لا .. لا أظنُ هذا ، و لكن ما أنا متأكدةٌ منهُ هو أن تاتسو هو الذي يحب نارومي و لكنهُ يخفي الأمر عنّا " .
لِتردفَ بعد ما سكتت لِثانيتين : " نحنُ الاثنينِ على الأرجح " .
لِيردَّ ( ايتشيرو ) بِهمسٍ و استغراب : " هل تقصدين أن مارو تعلم بذلك ؟ " .
لِتحرك ( ناتسوكو ) رأسها دلالةً على الموافقة ! ، و حين جاءت لِتفتح فاهها ، رأت عيونَ ( تاتسو ، مارو ) مصوّبةٌ عليهما ، لِتقول ( مارو ) :
" في ماذا تتهامسان ؟ " .
( ايتشيرو ) : " لا شأن لك ! " .
جاءت ( مارو ) لِتردَ عليه و لكنها تجمّدت حين رأت أحدَ طلابِ الثانوية المشاهير لِتقول : " أي تشان ! " .
لِترتفعَ علاماتُ التقزز على وجهِ ( تاتسو ، ايتشيرو ) ، لِيغيرَ ( ايتشيرو ) الموضوع قائلاً : " تاتسو ، هل أنت تحبُ نارومي فعلاً ؟ "
صمتَ ( تاتسو ) لِوهلة ، و ( مارو ) ادّعت الانشغال بِمراقبة ( أي تشان ) ذلكَ الذي لطالما أُعجبت به ، و لكن ( ايتشيرو ، ناتسوكو ) كانا مركزّين نظرهما عليهِ ، لِيفتح ( تاتسو ) فمة و يقول و هو يتلعثم : " بالطبع لا ، أنا .. أنا لا أحب ناروميتشي فهي بالنسبةِ لي مثل ناتسوكوتشي و ماروتشي " ! .
جاءت ( ناتسوكو ) لِتتحدث و لكن قدوم ( نارومي ) جعلها تصمت ، لِتقول ( نارومي ) :
" أنا أعتذرُ لأنني لا أستطيعُ الجلوس معكم ، فقد أخذت دورَ أحداهن في العمل كونها مريضة ! " .
لِتأتيها إجابة واحدة من أصوات مختلفة : " لا بأس .. سنفعلها في يومٍ آخر " .
لِتردف بعدها ( مارو ) : " سننتظركِ ، و حين تنهين عملك ، سنعود للمنزلِ سوياً " .
لِتبتسم ( نارومي ) و تهز رأسها بالموافقة .
و بعدها ذهبت ( نارومي ) لتعودَ ( ناتسوكو ) للتهامسِ رفقةَ ( ايتشيرو ) ، و حينَ كان ( ايتشيرو ) يُحركُ ذراعهُ ليبدأ الهمس ، اصطدمت يدهُ بالعصيرِ الذي أمامه لِينسكبَ على ( ناتسوكو ) لِيعتذرَ سريعاً قبل أن تقتله ، لكنها أجابت بِـ :
" بِتس ني – لا بأس -" .
و لكنهُ لم يتعجب من فعلها و لا حتى ( تاتسو ) و ( مارو ) فهم يعرفون أنها مُتقلبة المزاج ! .
لِذا وقفت ( ناتسوكو ) لِتذهب لِتنظيف ما اتسخَ من ملابسها ، لِتقول ( مارو ) : " هل انتَ أعمى ؟ " .
لِيرد عليها ( ايتشيرو ) : " لم أكن أقصدُ ذلك ايتها البغيضة " .
لِيستمر الاثنان على هذا المِنوال لِدقائق ، لدرجة أن ( تاتسو ) أمسك رأسه من الصداع الذي سبباهُ له ، و حينها أحَّس أن ( ناتسوكو ) قد تأخرت فعلاً ، وقفَ و هو يقول :
" سأتفقد ناتسوكوتشي ! " .
لِيبتعد عن الاثنين اللذين لا يزالانِ يتشاجران كالمعتاد ، لِيرى ( ناتسوكو ) واقفة ، و أمامها شابٌ طويل يعطيهِ ظهره ، لِيتجه لهما و يسحب ( ناتسوكو ) من ذراعها إلى جانبهِ فجأة أما هي حين رأت أنه ( تاتسو ) اطمئنت ، لِينظرَ ( تاتسو ) لذلكَ الشاب ، لِيتذكرَ أنهُ أحد أصدقاء ( أي تشان ) مثلما يعرف و لكنه لا يتذكر من يكون بِالضبط ، لِيقولَ له و هو يضعُ ذراعهُ على كتفها :
" لا تتجرأ على لمسها ، فهي خاصتي " .
لِيرد الآخر : " أوه حقاً ؟ يبدو أن الشائعات بخصوص علاقتك بِـ نات تشان حقيقة ؟! " .
لِيتجاهلهُ ( تاتسو ) و يذهبَ لِطريقه و هو ممسكٌ بيدِ ( ناتسوكو ) التي كانت تتأخر ُ عنه بخطوتين ، و أصبحت الطاولات ُ في نطاقِ بصرهما ، رأيا أن أحدَ أصحاب ( أي تشان ) يُحدث ( نارومي ) و التي كانت واقفةً أمام طاولتهم ، و حين تحركت ( نارومي ) من أمامه مدّ ساقة لِتتعثر ( نارومي ) و يسقطَ ما بيدها ، و ينكسر ، لِيُفلت ( تاتسو ) يد ( ناتسوكو ) و يذهب لِرؤية ما الذي حلّ بِـ ( نارومي ! ) ، لِتلحقهُ ( ناتسوكو ) و ( ايتشيرو ) الذي وقف من مكانه ، لِيذهب تجاهها ، لِيقول ( تاتسو ) بِغضب :
" كيف تجرؤ أيها الحقير ؟ "
لِيبتسم له و هو يمسحُ على شعرهِ بيدهِ : " و ما شأنك أنت ؟ " .
لِيصلَ غضب ( تاتسو ) ذروته ، و يمدَ يدهُ على ذلك الشاب لِيبدأ شجار كبير ، لِيسحبَ ( ايتشيرو ) ( تاتسو ) و ذاكَ الآخر أيضاً سحبهُ أحد أصدقائه ، لِينتهي الأمر بِـ ( ناتسوكو ) و أصدقائها مطرودين! ، فـ ( أي تشان ) و أصحابهُ هم أشهر فرقة غنائية حالياً و الجميعُ يسقطُ في حِبالِ حُبهم ، لِذا قال ( اتشيرو ) لِـ ( ناتسوكو ) بصوتٍ هامس :
" أعتقد أن شكوكنا قد أصبحت حقيقة ! " .
لِتردَ هي عليهِ في ذاتِ الوقت : " لا يمكنني أن أُوافقَ على هذهِ العلاقة ! " .
لِيردَ عليها من جديد : " و أنا معكِ في هذا ! " .
لِيسمعا صوتَ ( مارو ) : " هي أنتما في ماذا تتهامسان من جديد ؟ " .
لِيُحرَّك الاثنانِ رأسيهما و يقولا في آنٍ واحد : " لا .. لا شيء ! " .
لِيمشيَ بعدها الأربعةُ سوياً حتى وصلوا لآخر الطريق ، و هناك َ توجد ثلاثةُ منعطفات ، سلكَ ( ايتشيرو ) و ( تاتسو ) المُنعطف الأيمن ، أما ( مارو ) فقد سلكت ( الأيسر ) و برفقتها ( ناتسوكو ) ، و ( ناتسوكو ) كانت هي من يبتدأ الحديث حين قالت :
" مارو ، تسجيلُ أغنيتي الجديدة سيكونُ غداً صحيح ؟ "
لِتجيب ( مارو ) : " هاي " .
و تردف بعدها بِنبرةٍ مُغلفة بالحماسة : " ياتااا ، أنني متحمسة ! " .
( ناتسوكو ) : " ءتعلمين ؟ لقد كتبتُ كلمات أغنية ، لا أدري إن كنتِ رؤيتها " .
لِتجيبَ ( مارو ) بِدهشة : " واو ، نات تشان انتِ تؤلفين كلمات أغانٍ ؟ "
لِتكمل على كلامها بِحماس و طيبة : " بالطبع أريد رؤيتها و الآن أيضاً ، ففي النهاية أنتِ عليكِ تسجيل ألبوم كامل و ليس أغنية واحدة ! " .
لِترد ( ناتسوكو ) : " لا ، فقد اتفقتُ مع الرئيس على أُغنية واحدة ، و "
توقفت ( ناتسوكو ) عن الحديث و و لكنها أكملت بعد ثوانٍ ببساطة :
" أيّا كان ! ، فالرئيس لم يعد واثقاً بي و بصوتي ! "
ردَّت ( مارو ) سريعاً : " لا ، والدي ليس هكذا ، أنا متأكدة أيضاً أنكِ ستنجحين "
لِتردف بعدها بِحماس أكثر : " فايتو نات تشان – قاتلي – ".
لِتنطق ( ناتسوكو ) بِحماسٍ مساوٍ لِحماس ( مارو ) : " هااي " .

¶ ¶ ¶

في اليوم التالي :
كانت ( ناتسوكو ) تُحاولُ أن تُهدئ من روعها ، فهي قد أبطنت توترها ، لقد أكملت خريفينِ كاملين دون تسجيلِ أيّة أغنية ، و لكنها الآن قد عادت ، عادت لأن حب ذلك المجهول كان كالوقود أشعلَ حب الموسيقى الذي كان يسكن قلبها منذ سنوات ، لِذا هيَ هنا اليوم لِتغني له ! ، هي تعلمُ أنه لن يسمع و لن يرى ، و لكن حتى لو كانت نسبةُ احتمالِ سماعهِ لها هي 0.000001% ! ، إلّا أنهُ لا تزال هناكَ فرصة ، لِذا هي دقائق فقط ، حتى بدأت في الغناء ، و ما هي إلا ثوانٍ فقط حتى اختفى التوترُ و القلق و كُل شيء ، و أحسّت بالوقت و كأنه دقيقة ، و انتهت ! .. و انتهى التسجيل و انتهى كل شيء ! ، لِتخرجَ من ذلكَ المكان كما جاءت إليه ، فهي عليها العودةُ للمدرسة الآن فالعقاب لم ينتهِ ، و هي قد أوكلت ( ايتشيرو ) مهمة التستر على غيابها و لكنها لا تثق بِخراف ( يوكو ) الاثنين أبداً ، لِذا أسرعت للمدرسة ، و في ذاتِ الوقت فجأة قد تعّجبت من نفسها لديها سائق ! ، و سيّارة .. فلماذا تمشي على قدميها هكذا ، و بطريقتها هذه قد اسغرقت قُرابةَ الساعة لِتصلَ للمدرسة ، و لكنها حينَ وقفت أمام بوابةِ المدرسة أبعدت هذا التفكير عنها ، لِتذهب سريعاً لحيثُ يتواجد ( ايتشيرو ) كما هو المُفترض ، و ما إن رأته حتى قال لها :
" نات تشان ، انظري لهذا ! " .
بعد أن أنهى حديثهُ مدَّ لها الهاتف ، لِترى تعليقاتِ مُستخدمي الانترنت :
" هذا رائع " .
" لم أكن أتوقع أن تعود نات تشان .. ياتا أنا سعيدة لعودتها " .
و غيرها الكثير مما جعلها تشعرُ بِسعادةٍ شديدة : " كم هم سريعون ! " .
، و لكن فرحتها تلاشت حين َ قرأت مقالاً مختلفاً لِتصرخَ على ( ايتشيرو ) :
" ايتشرو .. فلتنظر لهذا !! "
و حين قرأَ الاثنانِ المحتوى أُصيبا بِصدمة : " تاتسو لاعب السلة الصاعد يقع في حُب نادلة مقهى عادية ! " .
و ما جعلَ من هذهِ الشرارةِ ناراً هو صورةٌ لِـ ( تاتسو ، نارومي ) ، التقطت في شجارِ الأمس ! .
( ايتشيرو ) : " أظنُ أن نارومي ستقعُ في مشكلةٍ بسبب هذا ! "
لِتوافقهُ ( ناتسوكو ) الرأي .

¶ ¶ ¶

في اليوم الذي يليهِ ، و في الجانبِ الآخر من العالم ، في الخليج ، حيثُ البِحارُ و المحيطاتُ و الجِبال ، كان ( كنان ) يُحاولُ التركيز في دراستهِ قدرَ المُستطاعِ و لكنهُ لم يستطع ، لِيفتحَ هاتفه علَّ هُناك من يتذكرهُ و يتحدث معه ! ، و لكنهُ تفاجأ حين رأى بعض الرسائل من أحدِ أصدقاءِ الثانوية في أمريكا ، و ما زادَ صدمتهُ هوَ حين رأى تلكَ النائمة التي رآها هُنا قبل آيام ! :
" ألا تذكرُ من تكون هذه ؟ ، إنها تلكَ المُغنية اليابانية التي كُنت مهووساً بها بِشدة في 2008 و ما تلاه ، حتى اعتزلت في 2009 " .
ما إن قرأ ( كِنان ) هذهِ الرسالة حتى تذكرها ، فقد عَلِمَ الآن لمَ كانت تشغلُ حيزاً من ذكرياتهِ و قلبهِ في آنٍ واحد ، فقد كانَ من أحدِ مُعجبيها في ما مضى من الزمن ! .

¶ ¶ ¶

في شرقِ الكُرةِ الأرضية ، في أرخبيلِ الجُزُر ، كانت ( نازك ) في مواجهةِ والدها منذ أن أشرقتِ الشمس ! ، و هذا غريب :
" ليش ما خبرتيني انش رح ترجعي تغني ؟ " .
لِتجيبَ هي بأسلوبٍ مُتكبر : " و ليش أخبرك ؟ " .
لِينظرَ لها والدها بِنظراتٍ باردة فهوَ الوحيدُ القادر على إغاضتها مِن جميعِ مَن هم حولها : " لازم أختار بين شيئين الـ .. "
لِتقاطعهُ هي : " الفلوس و لا الفلوس ؟ "
لِتُكمل بعدها : " كنت أعرف انك قررت تزوجني لذاك المُتخلف لأنني ما مصدر فائدة مثل الباقي ! ، ترا لو ظليت أغني تجيك الفلوس ، و لا تزوجت المريض النفسي تجيك فلوس ، ففكل الحالات انته فايز ، و عشان كذا بسوي إلي أشوفه صح ! " .
لِترميَ كلامها و بعدها تخرُج بِكل وقاحة دون أن تستمعَ لِوالدها ، في حينِ أن والدها قد فكر مراراً و تكراراً في أمرٍ ما ، قد يقلبُ موازنَ حياتها ، لِذا بِكم ضغطةِ زرٍ على الهاتف تمّ الأمر ! " .

¶ ¶ ¶
لا إله إلا أنت سُبحانك إني كنتُ من الظالمين .
اللقاء القادم : الجُمعة .
أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-08-17, 08:17 AM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

* السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
" ترا الرواية كملت شهر "$ ، المهم خلال هذي الثلاثة أسابيع الي تسبق دراستي قررت أحط جُزئين في الأسبوع ، بما أننا فاضين حالياً ما عندنا دراسة و لا شي ، لأنه أحس جزء واحد فِ الأسبوع ما يكفي ، فالآن صارت مواعيد الأجزاء : الاثنين و الجمعة ، بس اذا ما حبيتوا كذا رح نرجع على الروتين القدم جزء كل جمعه +
الأكشنات رح تبدأ من الجُزء الجاي هع ") " .



¶ الفصل الأول : ما قبل الثاني عشر من أكتوبر ¶ .
»5«

مرَّ أسبوعٌ تآكلت فيهِ الأيام دون أي جديد ، ( ناتسوكو ) مشغولةٌ بآداءِ أول ألبوم بعد الاعتزال ، و ( تاتسو ) منغمس في جلسات التصوير ، و ( مارو ) أصبحت ترتاد دروس الرقص كونها مُغنية راقصة ، في حينِ أن ( نارومي ) لا تزالُ كالسابق تزاولُ عملها الجزئي ، و ( ايتشيرو ) يقضي معظم وقتهِ في كتابة روايته الجديدة التي سيُشارك بها في مسابقة الكاتبة للناشئين .
و لكنّ منذُ اليوم كان قد حُكِم على ( ناتسوكو ) بأن تتغير حياتها ، حين عادت ذات مساء للمنزل و رأت الجميعَ مجتمعين على طاولةِ العشاء المُستطيلةِ الشكل و الطويلة ، فالأب يقبعُ على رأسها و على يمينهِ والدتها ، و بجانبها ( نور ) و على يسارِ الوالد ( مريم ) و بجانبها ( رؤى ) ، و أما هي فلا تتذكر مكانها أين يقبع أصلاً ! ، فربما آخر مرة جلست معهم كانت قبل سنتين أو أكثر ، و من أجلِ أجدتها أيضاً ، لا لأجلِ أحدٍ آخر .
قالت والدتها بِصوتها الحنونِ كالمُعتاد : " نازك ، تعالي .. اجلسي جنب نور و لا رؤى " .
لِتقول ( رؤى ) و ( نور ) في آنٍ واحد : " تعالي ! " .
لِتحركَ رأسها بِمعنى لا ، و هي تقول : " ما أريد ! " .
لِتختفيَ بعدها عن الأنظار و هي كالعادة تتجاهلُ الجميع ! ، اتجهت بِخطواتٍ سريعة للدرج المستقيم و بعدها اتجهت لليمين ، و هناكَ في آخر الرواق كانت غُرفتها ، لِتدخلَ و ترميَ الحقيبةَ على الأرض و ترمي بعدها بِنفسها على السرير ، ل تجلسُ عليهِ و هي تصوَّب نظرها على المرآةِ الطويلة الموجودةِ على زاوية الغرفة و هي تتأمل شعرها ، المرفوع من الأمام و المربوط من الخلفِ على هيئةِ ذيل حصان و نهايتهُ تداعبُ وسطَ ظهرها ، لِتذهبَ و تُمسكَ المقص و تقومُ بقصه حتى تصلَ أطرافهُ لِغايةِ أسفلِ كتفها بِسنتيمتر واحد ! ، لِتنظرَ للمرآة و تبتسم لِنفسها :
" هكذا أجمل ، فقط يحتاج لِصبغه جديدة ! " .
لِتجلسَ بعدها من جديد و هي تُحِسُ بِقليلٍ من الضيقِ يُحيطُ بِقلبها ، لِتشهقَ الهواءَ بِعمق و تزفرهُ ببطئ ، و في محاولةٍ لِنسيانِ الأمر ، اتجهت حولَ خزانةِ الملابس ، لِتبحث عن ذلكَ الوشاحِ الرمادي و ما إن رأتهُ حتى احتضنتهُ بين يديها بِكل حالمية ! ، و تنطقُ بِـ :
" متى سأراكَ مجدداً ؟! " .
و بعدها بِثوانٍ فقط انتبهت على ما تفعل ، لِتبعدهُ من بينِ يديها و تدخلهُ في الخزانة و وضعته بعيداً عمداً كي لا تفعل مثل ما فعلتهُ الآن ، فهي تعلم أنها في أحلام ليس إلّا فكيف لها أن تلتقي بإنسان يبعدُ عنها مسافةَ المحيطات و البِحار و الشطآن ! ، و أيضاً هيَ لا تملكُ الوقت للتفكير بهذهِ الأشياء إذ عليها التخلصُ من تلك المُصيبة التي التصقت بها " طلال ! " ، لِتحسَ أنها مُقيدة و مخنوقة ، فكيف لها أن تتزوج و الآن أيضاً ! ، و من كثرةِ التفكير عادت لِتلقيَ بجسدها على السريرِ الدائري الأبيض بِنقاءِ السحب من جديد ، و هي لا تزالُ بِتنورةِ المدرسة القصيرة و القميص المدرسي ، لِتُغلقَ عينيها بهدوء و تذهبَ لعالمٍ آخر ، عالم لا تُحس فيه بشيء ، و لا تُجبرُ فيه ِ على فعل ِ شيء .

¶ ¶ ¶

في الجانبِ الآخر من المدينة ، كان ( تاتسو ) يقفُ في الزقاق ، و بالضبط أمامَ الباب الخلفية لِلمقهى الذي تعملُ فيه ( نارومي ) بِعمل جُزئي ، كان واقفاً و هو يغطي نصفَ وجهه السُفلي بوشاح ، و النصفَ العلوي قد غطّاه بِالقبعة ، فهو لا يُطيقُ نشرَ المزيد من الشائعات ، فآخر شائعة و التي كانت تشملهُ و تشمل ( نارومي ) قد استطاع نفيها بِصعوبة شديدة ، لذا فقد انتظرَ نِصف ساعةٍ تقريباً حتى خرجت ( نارومي ) و من الواضح انها متجهةٌ للمنزل ، لِيلحقَ بها و ما إن رأتهُ حتى ظنّته سارق لِتصرخ َ و لكنه وضعَ يدهُ على فمها لِيمنعها ، و بعدها قال لها :
" ءلم تعرفيني ؟ " .
و ما إن عرفته حتى قالت له : " ما الذي تريدهُ الآن ؟ .. تاتسو نحنُ لسنا سوى أصدقاء و أنت تعلم هذا ، فأنا اعتبرك صديقاً بِمنزلةِ ايتشيرو تماماً ، و إن كُنت تعتبرني مختلفة عن مارو و نات تشان فتلك مشكلتك و عليكَ التخلصُ منها " .
لِيتعجّب من تهجمها عليهِ هكذا ، لِيرد : " هوي هوي ! ، ما بكِ ؟ " .
( نارومي ) بِغضب : " ابتعد قبل أن أتسبب بمشكلة لك " .
لِيحُس ( تاتسو ) أنهُ يريد قتلها الآن و بيديه ، فهي تعلم أنهُ يحبها و لكنها تتجاهله و هذا الأمر لا يُعجبه .. لا يُعجبه أبداً ، لكنه انصرف الآن ، فقط لِأجل أن يبعد المشاكل و الشائعات عنها ، لِذا ما إن وصلَ للمنزل حتى رمى نفسهُ على أحد الأرائكِ الفخمة لِيصرخَ كالمجنون ! ، لِتأتيهِ أمه :
" تاتسو ، ما بك ؟ هل جننت ؟ " .
لِيسكت و يقفَ على قدميه و يتجهَ لِغرفته ، لِيحاولَ نسيان الأمر عن طريقِ النوم ! .

¶ ¶ ¶

في الجُزءِ الآخر من المدينة ، كانت ( نارومي ) قد وصلت للشقةِ التي تقبعُ فيها هي و أختها الصغرى ، لِتتجهَ مباشرةً للنافذة لِتتأملَ الشوارعَ و أعمدةَ الإنارة ! ، و هي تتذكرُ ما حصل قبل أيام ، و بعد الاشاعة التي انتشرت حول ( تاتسو ) :
ذاتَ صباح حين كانت متوجهةً للمدرسة ، توّقفت سيارةٌ فخمة على جانبِ الطريق لِتفتحَ تلكَ المرأة النافذة و يأتي رجلٌ آخر ، يُجبرها على ركوبِ السيارة ، لِتفعل ذلك فهي لا تريد أيَّة مشاكل ، لِتقول المرأة :
" كاجامي نارومي سان ؟ "
لِتفتحَ عينيها بِصدمة ، فكيف لهذهِ الغريبة أن تعرفها ، لِتردف تلكَ المرأة : " لا تحاولي التقرب من أبني من جديد ، و بالمقابل سيكون هذا هو الثمن إن قبلتي .. مليون دولار ! " .
فتحت ( نارومي ) عينيها و فمها في آنٍ واحد من الصدمة ، تحصل على مليون دولار في ثوانٍ ، تصبح غنيةً في دقائق ! .
و بعدها أردفت المرأة من جديد : " و لكن إن رفضتي ، فستصبحُ أختكِ طيفاً ! .. لذا خُذي هذا المال الآن فَبهِ ستستطعينَ سداد ديون والدك و التعلم في أحسن الجامعات و كذلكَ أختك ستدخل ثانوية جيدة و بدون أن تتعرض لِمضايقاتٍ كونها فتاة منحة خيرية ، و لكنني سأكون طيبةً معك ِ و سأُرسلكِ للدراسة في الخارج ، فقط الآن ابتعدي عن تاتسو .. و خذي هذا المال .. و غادري اليابان .. و أخيراً لا تفكري أن ترفضي "
لِتعودَ للواقع و هي تعتقدُ أن عليها فعلُ ما قالته والدة ( تاتسو ) ، فهي تعلم أن ( تاتسو ) لن يتركها ، و بهذا ستضرر هي و أختها ، لِذا قررت أن تغادرَ اليابان بعد التخرج و الذي لم يتبقى له ُ سوى شهرٌ واحد تقريباً ! .

¶ ¶ ¶

في اليوم التالي ، في الصُبحِ و قبل َ أن تبدأ أول حصة ، كان الأربعةُ قد تجمّعوا سويةً حين كان ( ايتشيرو ) هو من ابتدأ الحديث : " هوي ، أين هي نارومي ؟ " .
( مارو ) : " في آخر فترة أصبحت تتجاهلنا " .
لِترمقَ ( ناتسوكو ) ( تاتسو ) بِنظرات فهم معناها ، لِيسحبها من يدها خارجاً دون أن يتفوّه بأيّة كلمة وسط استغراب ( ايتشيرو ) و ( مارو ) ، لِيخرجا ، و يقفا أمام بابِ الصف :
( تاتسو ) : " ناتسوكو ، هل تعتقدين أن ما توقعتيهِ قد حصل ؟ "
( ناتسوكو ) و التي قد صرَّح ( تاتسو ) لها بِحبه لِـ( نارومي ) أخيراً ، فقد أصبح الأربعة الآن يعلمون : " أظن ذلك ، فأنا لا أظن أن أمك ستسكت إذا علمت " .
( تاتسو ) : " و لكن كيف لها أن تعلم ؟ " .
( ناتسوكو ) : " رُبما كانت تراقبك ، كما قد فعلت سابقاً مع تايجا سينباي ! "
( تاتسو ) : " أنا أيضاً أشكُ في هذا ، و ما الذي علي فعله ُ الآن ؟ "
( ناتسوكو ) : " لا شيء ، ءلا تظن أن الضرر سيلحق بِـ نارومي ؟ إذا تدخلت أنت " .
لم يُكملا لأن ( نارومي ) قد أتت أخيراً للصف لِيلحقا بها ، و ما إن جلست ( نارومي ) حتى رأت الأربعةَ يشكلون دائرةً حولها ، ولكنها تجاهلتهم تماماً و كأنهم غيرُ موجودين ، و لِذا قُرع الجرس ، لتقول ( مارو ) : " فلنؤجل أعمالنا لليوم ، و لنلتقِ لاحقاً بعد المدرسة بعد أن يُنهيا الثنائي المجنون العقاب ! " .
لِتنظرَ بِـ " نص عين " لِـ ( ناتسوكو ، اتشيرو ) ، ليتفقَ الجميعُ على هذا ، و حين عادت ( ناتسوكو ) لِمقعدها و قبل أن يأتي المعلم ، ألقت نظرة على هاتفها لِترى رسالةً من والدها : " اليوم لا تروحي المدرسة ، تعالي الشركة"
لِتتعجَّب ( ناتسوكو ) ، تذهب لوالدها و في الشركة و أيضاً طلبَ منها أن لا تذهب للمدرسة ، لِتنتبه أنهُ قد أرسلَ الرسالة منذ وقتٍ طويل ، و هي لم تنتبه إلّا الآن ، لِذلك تعمّدت الجلوس َ بالمدرسة و عدم الذهاب إليه ، و لكن ما إن جاء وقت " البريك " حتى ترى اثنان ذي وجوهٍ مألوفة ، يقتحمونَ الصف و يقفون بالقرب منها و يطلبون منها القدوم معهم ، لِترفض ، لِيقول الأول بِشكل واضح :
" لقد سمح لنا السيد باستخدامِ العنف معك ! " .
لِتقف و هي تقول بِنبرةٍ يملؤها التقزز : " لا تضع يديكَ علي و إلا كسرتها لك ! " .
لِيبتعدا قليلاً و تأخذ هي حقيبتها و تمشي ، خارجةً من المدرسة ! ، لتذهب لِشركة والدها ، و كانَ كل من رآها تعجّب ، لِذا ما إن وصلت أمام مكتبِ والدها حتى فتحت الباب بقوة و قد كانت على بعد أنملة من كسرها ! ، و ما إن دخلت حتى رأت والدها و أمامهُ شخصٌ آخر ، لِيقولَ الوالد :
" اجلسي " .
لِتردَ هي بِبرود و لا مُبالاة و وقاحة كعادتها : " خلصني ، شعندك ؟ " .
لِيستغربَ ذلك الجالس أمام والدها و يقولَ داخل نفسه " هذي ليش ما تعرف تتكلم عربي زين ، تتكلم مكّسر ! و فوق هذا كله قليلة أدب ! " ، لِيتجاهلها والدها و الذي يتحدث العربية بطلاقة ، لِيقولَ لها و ابتسامةُ خبثٍ تعلو محياه : " طلال ! " .
لِتفتح عينيها بأكملهما ، و أخيراً قد رأت ذلك الأحمق الذي لُصِّق بها ، لِتتفحصهُ من أعلى رأسهِ حتى أخمص قدميه ، و ما إن رأت وجهه بِنظرةٍ خاطفة لم تنكرُ أنه جميل ! ، لكنها كانت تعلمُ أنه لا فائدةَ منه اذا كان عابداً للأموال ، لِتقول ببرود : " زين ، شسوي له يعني ؟ " .
و ما كادَ الوالد أن يتحدث حتى عادت للوراء في محاولةٍ للهروب ! ، و لكنها تفاجأت حين رأت ذلكَ الذي يقفُ أمام الباب بِلباسهِ الأسود الرسمي ، لِتبلعَ ريقها مرات متتالية و تقول بعدها لهُ بلهجة حازمة :
" ابتعد قبل أن أكسر لك دماغك " .
حينها كانَ الوالد مُبتسماً و هو ينتظرُ ردةَ فعلها ، هل ستهربُ فعلاً ، في حينِ أن ( طلال ) كان مصدوماً من هذهِ الانسانةِ الوقحة و المجنونة و التي واضح أنها ليست بِعادية أبداً ، و لكنهُ إلى الآن لم يرى شيئاً بعد ! .
فكرت ( نازك ) فجأة بِشيءٍ ما بامكانهِ تشتيتُ انتباهِ هذا الضخم ، حين رفعت يدها ملّوحة و هي تقول : " أوكّا سان – أمي – ".
لِيلتفتَ الجميع و ليس فقط ذلك الحارس الضخم ، لِتخرجَ سريعاً ، لِيصرخ والدها عليه : " احضرها الآن فوراً " .
أما هي ، فانطلقت سريعاً ، لتجد رِجال والدها يلاحقونها ، لِتذهبَ في طريقٍ عشوائي و تختبئ في الزقاق ، و أخيراً قد ابتعدوا عنها ، و بعدها عادت للمدرسة و هي تكادُ تموت من التعب و لم تدخل للفصل ، بل ذهبت لِلسطح ، فإن جاؤوا الآن بالتأكيد لن يروها ، لِتتحمل َ ساعةً فقط ، و بعدها أرسلت لِلأربعةِ الآخرين أن يأتوا إليها ، و طبعاً لم يأتي سوى ( ايتشيرو ، تاتسو ) فـ ( مارو ) تعشقُ الدراسة ، إذ أنها دائماً الأفضل درجات و ( نارومي ) بالطبع كانت تتجاهلهم .
( تاتسو ) : " ناتسوكوتشي هل أنتِ بخير ؟ "
( ناتسوكو ) : " هاي – نعم – " .
( ايتشيرو ) : " ما الذي حدث ؟ " .
( ناتسوكو ) : " طلب مني والدي الذهاب لِشركته بدلاً من الذهاب للمدرسة و لكنني فعلتُ العكس ، و حين أرسلَ رجالهُ لأخذي ذهبت و هربت أيضاً " .
( ايتشيرو ، تاتسو ) كلٌ منهما كان مصدوماً : " هوي ! "
( تاتسو ) : " ناتسوكوتشي هل أنتِ فعلاً فتاة ؟ "
( ايتشيرو ) : " نات تشان انكِ فعلاً قوية " .
ضربت ( ناتسوكو ) رأسيهما بيديها ، الأول ضربتهُ باليسرى و الآخر باليمنى .
( ايتشيرو ) : " سأفقد ذاكرتي بسببك ! "
( تاتسو ) : " و أنا كذلك ! " .
و بعد دقائق فقط جاءت ( مارو ) ، لِتركضَ ناحيتهم ، و هي تحتضنُ ( ناتسوكو ) قائلةً : " نات تشان ، هل أنتِ بخير ؟ " .
لِتقول ( ناتسوكو ) بِمزاح : " هاي أوكّا سان " .
( مارو ) : " هوي ! ، فلتشكري الرب أن هناك من يقلق عليكِ ! "
( ايتشيرو ) : " و لكن كيف خرجتِ من الصف يا تنساي تشان – عبقري – " .
( مارو ) : " أصمت يا .. "
أردفت بِخُبث : " مينيكوي تشان – قبيح – " .
( ايتشيرو ) : " ها انتم تجرحون مشاعري من جديد ! " .
( تاتسو ) : " ناتسوكوتشي ، ما الذي علينا فعلهُ الآن " .
( ناتسوكو ) : " لا أدري فعلاً ! " .
لِيجلسَ ( ايتشيرو ) و هو يتكئ على الجدار : " صحيح ، لم تخبرينا ما الذي حدث معك حين عدتي لعُمان؟ " .
لِتجلسَ ( مارو ) و ( تاتسو ) بِحماس و هما يجلسانِ على الأرض قريباً من ( ايتشيرو ) : " هاي هاي " .
لِتقول ( ناتسوكو ) بنبرةٍ مغلفة بِالملل : " لماذا تريدون معرفة ذلك ؟ " .
( تاتسو ) : " هوي ! ، نحن أصدقاؤكِ المقربون يا ناكرةَ الجميل " .
( مارو ) : " هااي " .
( ايتشيرو ) قال و هو يُقطَّع الحروف لِإغاضة ( ناتسوكو ): " كي ني نا ري ما سو ! – أشعر بالفضول – " .
لِتجلسَ أمامهم و هي تقول : " لا تذكروني بتلكَ الأيام القبيحة ، الشيء الأول الجيد أنني قد وقعتُ في حبِ شخصٍ مجهول ! " .
لِيشهقَ الثلاثةُ من الصدمة : " هونتو ؟! – حقاً – ؟ "
( ناتسوكو ) : " هاي ، و لكن لا أحد يعلمُ بهذا " .
( مارو ) بِتمثيلية : " ياتا ، لقد أصبحت ابنتي ناضجةً أخيراً " .
( ناتسوكو ) بِنبرة فخر : " لا تستهيني بي ، أوكّا سان " .
( ايتشيرو ) يُمسك قلبه بتمثيلية : " نات تشان ، اونوري – اللعنة عليكِ – " .
لِيردف بعدها : " ما هو اسمُ هذا السارق ، الذي تجرّأ على سرقتكِ مني ؟ "
( ناتسوكو ) : " لا أعلم ! ، و لكنني أعلم الحرف الأول من اسمه و الثاني لا أدري إن كان اسم والده أم عائلته .. k.o " .
( ايتشيرو ) : " k.o ؟ واتاسناي – لن أسمح لك بالحصول عليها " .
( مارو ) ضربتهُ على مؤخرةِ رأسه كالمعتاد : " اذهب للجحيم " .
و أردفت و هي تلتفتُ لِـ ( ناتسوكو ) : " كيف حدث ذلك ، فلتخبرينا " .
( ناتسوكو ) : " انسي الأمر .. الشيء الآخر الذي حدث أنني كدتُ أخطف ! " .
و بعدها صارت ( ناتسوكو ) تُخبرهم بكل ما حدث معها باستثناء أي شيء يتعلق بِـ(طلال) ، لِتنطق ( مارو ) بِـ : " لقد تحمست فعلاً لِزيارة بلدك ، فقد أحصل على حبيب مجهول " .
ردّت عليها ( ناتسوكو ) : " لا تحلمي في هذا ، فهذا الأمر غير مسموحٍ هناك ، بسبب الدين أو العادات .. لا أدري أيها بالضبط ! ، و لكنني في ذات الوقت لا أدري كيف حصل هذا معي " .
( ايتشيرو ) : " قد يكونُ مثلكِ ، غربي المنشأ " .
( ناتسوكو ) : " رُبما ! " .
و بعدها ظلَّ الأربعة يتحدثون بأمورٍ أخرى ، إلى أن حانَ وقت الخروج ، لِينزلوا جميعاً الدرج و بعدها يتوّجهَ الثلاثة للفصل لإحضار حقائبهم ، حينَ صادفت ( نارومي ) ( ناتسوكو ) لِتسألها :
" هل أنت بخير ؟ " .
( ناتسوكو ) : " هاي " .
لِتبتسم لها ( نارومي ) و تذهب ، لِتناديها ( ناتسوكو ) : " نارومي "
و تتبعها و حينَ وصلت بالقرب منها في آخر الرواق سألتها بِوضوح : " ما الذي يجري ؟ ، لماذا تتجاهليننا ؟ " .
( نارومي ) بِنبرة سُخرية : " هذا الأفضل لنا جميعاً ، إذ أننا من طبقات مختلفة ! " .
جاءت ( ناتسوكو ) لِترد عليها ، و لكن قدوم ( تاتسو ، ايتشيرو ، مارو ) جعل ( نارومي ) تذهبُ سريعاً ، لِيقول ( ايتشيرو ) : " هوي ! ، ما بها هذه ؟ " .
لِتجيب َ عليهِ ( مارو ) : " لا أعلم ما بها و لكنني أعلم أنها تتجاهلنا عمداً " .
( ناتسوكو ) : " فلننسى الأمر ، و لنخرج الآن .. ءَليس لديكم أعمال اليوم ؟ " .
( تاتسو ، ايتشيرو ) : " لا ! " .
( مارو ) : " لا بأس بإجازة في يوم واحد " .
بعدها أكملَ الأربعةُ طريقهم و هم يتبادلونَ أطراف الحديث الممزوجة بالمزاح و الضربِ الخفيف ، و لكن ما إن وصلوا بقُرب البوابة حتى وقفت فجأة ( ناتسوكو ) ،
( تاتسو ) : " ناتسوكوتشي ، لماذا توقفتي ؟ "
( ايتشيرو ) : " هل هناك خطب ما ؟ " .
و لكن ( ناتسوكو ) التزمت الصمت و لم ترد على أي أحدٍ منهم ، لِتقول ( مارو ) لها و هي تهّز كتفها بِشكلٍ خفيف :
" نات تشان ، هل أنتِ بخير ؟ " .
لِتتجاهلهم ( ناتسوكو ) و تتوّجه لذلك الواقفِ بِكِبَر أمام البوابة و هو يبتسمُ لها بخبث ، لِتقف أمامه مباشرةً و تقول بنبرة حادة : " انته ! ، شتسوي هنا ؟ "
لِيجيبها بعد ثوانٍ اصطنع فيها التفكير : " أنتظرش ! " .
و ختم كلماتهُ بابتسامة خبيثة كخُبثه ، و التي كانت في عيون ( نازك ) كَسكينٍ جديدة طعنها بها والدها ، بعدها تحدّث ( ايتشيرو ) بعد أن وصلَ بقربهم :
" نات تشان ، من يكون هذا ؟ "
( تاتسو ) : " هل هو يزعجكِ ؟ هل تريدينَ مني لكمه ؟ " .
أجابت ( ناتسوكو ) بعد لحظاتٍ من التفكير المصطنع : " إنه سائقي الجديد ! "
لِتختمها بابتسامةٍ خبيثة ، مثل ما فعل ( طلال ) تماماً .
( مارو ) و هي تضمُ يديها و بِرومنسية نطقت : " أوه ، سائقكم وسيم ، من الجيد لو أن سائقي هكذا و لكنهُ ليس إلّا عجوزاً ! " .
( ناتسوكو ) : " ءتسمين هذا القبيح وسيماً ؟ ، فلتأتي ذات يوم لعُمان و سترين من هم أوسم منه ألف مرة ! " .
بعدها التفتت إليه ، لِتنطق بِنبرة أظهرت فيها أنها لا تُطيق من تحدثه : " انته تتكلم ياباني ؟ "
ليقول لها بنبرة بطيئة و بحروف مُقّطعة : " هـ ـــاي ، تو سا ما ! – نعم ، زوجتي ! - .
لِتفتح ( نازك ) عينيها بأكملهما ، و كذلك أصدقاؤها ، لِتقول محاولةً تدارك الوضع : " إنك وقح ، ولكنني سأغفرُ لك لأن والدي يرعاك رعاية ً خاصة " .
لِيقولَ ( ايتشيرو ) : " يي باكا شينيه ! – يا أحمق مُت – " .
لِيردف بعدها و هو يضعُ يُطوق كتفيّ ( ناتسوكو ) بيده : " انها زوجتي ءلا ترى ؟ "
قالها و هو يُشير لِشعرهِ و شعرها : " نحنُ لدينا لونُ الشعر ذاته ، أليسَ هذا دليلاً كافياً ؟ "
لِينظرَ إليه ( طلال ) باستخفاف و هو يقول داخل نفسه " الحمدلله و الشكر ! " .
لِيأتي بعدها ( تاتسو ) و يطوّق هو الآخر ( ناتسوكو ) بيده : " هي زوجته و لكنها أميرتي ! ، لذا لا تضع عينيكَ عليها و إلا سأفقئهما لك ! "
و بهذا أصبحت ( ناتسوكو ) وسطَ الشابين و يدُ كل واحدٍ منهما موضوعةٌ عليها ، لِتبتسم لِـ( طلال ) بقصد اغاضته لكنهُ ابتسمَ لها بِسخرية من جديد ، و بعدها نطقت ( مارو ) :
" فلنذهب الآن لمكانٍ ما .. و لكن ماذا بشأن سائقك نات تشان ؟ "
أجابت ( ناتسوكو ) و هي تكاد تموتُ من الغيض : " إنه من بلد والدي ، لذا والدي طلبَ مني أن أُريهِ بعض المناظرِ كي يتسلى و يتغلب قليلاً على الغُربة " .
( ايتشيرو ) بِضجر : " هل علينا فعلُ ذلكَ حقاً ؟ "
( تاتسو ) يهمس لِـ ( ايتشيرو ) : " أنا فعلاً لم أُحبه و لكنني سأتحملهُ لأجل ناتسوكوتشي " .
( ايتشيرو ) : " و أنا أيضاً " .
و حين جاءوا لِيذهبوا ، ضربت ( مارو ) كلاً من ( ايتشيرو ) و ( تاتسو ) و أبعدتهما عن ( ناتسوكو ) لِتضمها من الجانب و هي تقول : " ابتعدوا جميعاً عن ابنتي " .
لِتقول ( ناتسوكو ) بعدها مباشرةً بنبرةِ حُب: " أوكّا سان - أمي - " .
و في هذهِ الأثناء كان ( طلال ) ينظرُ إليهم باستغراب و صدمة في آنِ الوقت و هو يلومُ حظة الذي جعلهُ يعلق مع حُفنة من المجانين ! ، لكنهُ استسلمَ و رضيَ و لحقهم ، ليستوعبَ بعدها أن هذهِ التي تُدعى ( نازك ) ليست بذاك السوء ، و ليست بذلك الجمال ، و لكنها كما يقول تفي بالغرض ! ، لِذا فقد أخرج هاتفه و بعد أن أدخل كلمة السر فتح تطبيق " واتس أب " و يفتح على أول محادثة و المُسجّلة باسم ( brother ) :
" الحظ يبتسم لي ، طلعت صرّافة فلوس و شكلها بين بين ! " .
لَيأتيهُ الرد سريعاً : " زين مبروك .. شسوي لك يعني ؟ " .
بعدها جاء لِيرد و لكنها رأى أن أخاه قد قام بِحظره ! .

¶ ¶ ¶

في الجانب الآخر من العالم ، في شرق الوطن العربي ، كان ( كِنان ) في مكانهِ المعتاد ، في قبوِ البيت الذي اعتبرهُ مرسماً له ، فقد كانت الساعة تُشير للحادية عشر صباحاً ! ، و هو لا يزال في ذاتِ المكان من يومِ أمس ، فقد طُرد بالأمس من جديد ، و الآن لا يملكُ الشجاعةَ لإخبارِ والديه ، ففعلاً سيقومونَ بذبحه و تعليقهِ على عمودِ الإنارة لِيكون عِبرةً لمن لا يعتبر ، و لكنَ تفكيرهُ قد انقطع حين سمع صوتَ تنبيه قدومَ رسالة على تطيبق " الواتس أب " ، لِيرى الاسم ( the prince ) ، و ما إن فتحها و قرأ محتواها ، حتى أحّس بِالتقزز و الاشمئزاز منه و بعد أن ردّ عليه قام بِحظره ، فلطالما كان أخوهُ عابداً للأموال و عديماً للأخلاق ! ، لكنهُ فجأة بدأ باستيعابِ الأمر ، أن خطيبة أخوه تقبعُ في اليابانِ الآن ، لذا تبادر لِذهنه سريعاً أنها أحد أخوات ( نات تشان ! ) ، لِذا أحّس بالسعادة أولاً لأنهُ أخيراً سيراها من جديد ، و لكنهُ في ذاتِ الوقت أحّس أنه غبي ، فهو بالتأكيد لا يعني لها شيئاً هذا باستثناء أن يكون َ تحليلهُ للأمر خاطئ ، فهناكَ الكثير من الخليجيين المقيمين في اليابان و ليست ( نات تشان ) فقط ، ليبتسم بِسخريةٍ لِنفسهِ و عليها ، و لم يَكد أن يقف للخروج حتى رأى هاتفهُ يضيء و يرن باسم والدته ! ، ليبلعَ ريقه ألف مرةٍ متتاليه ! ، لِيتأكد أنها فعلاً قد علمت أمر طرده ، لِذا قرر الذهاب إليها الآن و حالاً قبل أن يزيدَ غيضها و غضبها ، فلذلك اتجه سريعاً لحيث تقبعُ أمه و فعلاً قد حدث كما توقع كانت تنتظرهُ و هي تمشي ذهاباً و اياباً على الرواق ، و الغضبُ يشع من وجهها ، و ما إن رأته حتى وقفت و نظرت إليهِ بغضب ، و طبعاً صرخت في وجهه :
" كِنان يا الحيوان فشلتني قدام الناس و العالم ، هذي المرة الثالثة الي ترسب فيها يعني خلاص انطردت ، شوف أخوك .. شوف طلال بعمره كله ما رسب و لا عمره فشلني نفس ما فشلتني انت ، ما أعرف شسويت ف دنيتي عشان تطلع انت ولدي و اطلع أمك ، لكن رح تشوف إن ما كسرت راسك " .
ظلَّ هو صامتاً و فقط ليستمع لِكلام أمه ، لِتردف : " اليوم .. اليوم بتروح لأمريكا ما لك جلسة هنا " .
صُدم ( كنان ) بسبب ما قالتهُ والدته فهو لا يُريد العودة لذلكَ المنفى ، فقد نفي سابقاً لِسنين طوال و ذلك كافٍ ، لِذا و لمرة من المرات القليلة التي يتحلى فيها بالشجاعة لِمجابهةِ والديه نطق بِـ : " ما أريد أروح " ! .
لِيصبحَ غضبُ والدته بركاناً ثائراً لا يُخمد ، فأول ما فعلته هوَ طبعُ أصابعِ يدها الخمسة على خده و بعدها قالت : " لك وجه ترفض و تعاند ؟ " .
أردفت بعدها : " انته اليوم رايح يعني رايح " .
التزم ( كنان ) الصمت من جديد فهو لم يتوقع منهم ما هو أقل من هذا ، ففي النهاية هو ليس ( الأمير طلال ) ! ، رُغم أن طلال رسب لمرات عديدة إلا أن علاقات والدته جعلتهُ ينجح و يتخرج مع أنه من المفترض الآن لا يزال في السنة الجامعية الأولى .. ففي النهاية هذا ما يحدث حين يكون المرء أمير والديه .

¶ ¶ ¶
لا إله إلا أنت سُبحانك إني كنتُ من الظالمين .
اللقاء القادم : الجُمعة .
أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه .


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-17, 04:51 AM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

السلآم عليكم و رحمة الله .

* " أتمنى بعد ما تقرأوا الجزء هذا تعطوني توقعاتكم + أي شخصية حبيتوا " .








¶ الفصل الأول : ما قبل الثاني عشر من أكتوبر ¶ .
«6»

في طوكيو ، و بعد ثلاثين دقيقة تماماً من المشي في الأرجاء هنا و هناك ، قالت ( مارو ) و هي تنظر لساعتها :
" اوه عليّ الذهاب الآن " .
( ناتسوكو ) : " ناندي؟ – لماذا ؟ - .
( مارو ) : " عليّ الاستعداد للاختبارات " .
قال الثلاثة في ذات الوقت : " أيّةُ اختبارات ؟ "
لِتنظرَ إليهم ( مارو ) بِنظرةٍ جعلتهم يبلعون ألسنتهم ، لِتصرخ عليهم : " أأنتم حمقاء لهذهِ الدرجة ؟ ، ألا تعلمون أن الاختبارات النهاية قريبة ، و أننا سنتخرج قريباً أيضاً " .
لِتردف بعدها بِسخرية : " كنتُ أعلم أنكم حمقى و لكن ليس لهذهِ الدرجة ! " .
سألها ( طلال ) باستغراب : " ألا تظنين أنهم يمزحون ؟ "
لِتجيبه ( مارو ) : " لا "
لِتردف و هي تُشير لِـ ( ايتشيرو ) :" هذا القبيح يأتي متأخراً للفصل و ينام ، و هذا العملاق أيضاً كذلك ، و هذا باستثناءِ أنهما يتغيبان كثيراً "
لِتنهي كلامها و هي تشير على ( تاتسو ) ، لِيسألها ( طلال ) و هو يقصد إغاضة ( ناتسوكو ) :
" ماذا عنها ؟ " .
لِتجيب ( مارو ) بِعصبية : " هذهِ العملاقة الأخرى ؟ تنظرُ للنافذة و تراقب الشارع و كأنها حارس ، هذا باستثناء نومها دائماً في حصةِ الرياضيات و الأدب ! "
لِتردف بنبرةٍ غاضبة كالسابق و هي غير مُنتبهة أنها تحدث ( طلال ) : " أتعلم كم هو ترتيبهم من بينِ مئة طالب ؟ " .
لِيقول الثلاثةُ في ذاتِ الوقت : " هوي هوي ، كيف لكِ أن تكشفي كل هذه الأمور لغريب ؟ " .
لِترد عليهم بغضب : " فقد سأمتُ منكم ، سينتهي بكم المطاف تتسولونَ على الطريق ، لِذا سأخبره بترتيبكم المُشين " .
لِتردف و هي تُشير على ( ايتشيرو ) و بعدها على ( تاتسو ) : " القبيح ترتيبهُ 98 ، و العملاق 100 "
و أشارت على ( ناتسوكو ) و لكنها لم تكد تتحدث حتى أمسكتها ( ناتسوكو ) و هي تُغطي فمها بيدها ، لِتقول و هي تنظر لِـ( طلال ) : " لا تصدقها فهي تتحدث كثيراً أمام الغرباء ! " .
و ما إن أنهت جُملتها حتى نطقت بِـ : " ايتا ! ، مارو ! ، عضتكِ مؤلمة كعضةِ كلب ! " .
لِتتجاهلها ( مارو ) و هي تنظر لطلال : " ترتيبها 88 ! ، فلتحرِص على اخبار والدتها " .
و بعدها ذهبت و تركتهم في وسطِ الطريق ، لِيقول ( ايتشيرو ) : " تتغير فعلاً حين يخص الأمر الدراسة " .
( ناتسوكو ) : " إن أوكّا سان تهتم كثيراً لدراستنا " .
( تاتسو ) : " هل علينا أن ندرس فعلاً ؟ " .
لِتجيبه ( ناتسوكو ) بنبرةِ استهزاء : " و هل هناك جامعة ستقبلك أصلاً ؟ "
لِيقول ( طلال ) : " و كأن هناك جامعة ستقبلكِ انتِ " .
لِتقول له : " هوي ، إنك تتحدث كثيرا ً بالنسبة لِسائق ، فلنذهب الآن " .
بعدها استمروا في المشي ، و كان ( ايتشيرو ) و ( تاتسو ) يتحدثونَ مع ( طلال ) الذي أحّس أنه سيموت ُ من الغيض لأن الأمر انتهى بِكونه مع هؤلاءِ المراهقين الحمقى ، في ذات الوقت كانت ( ناتسوكو ) تُفكر في شيءٍ يجعلها ترتاح من هذا الـ ( طلال ) الآن و للأبد .. إلى أن توصلت لفكرة أخيراً لِتنطق :
" انني أشعرُ بالجوع "
( اتشيرو ) : " فلنأكل الرامِن
( تاتسو ) : " lets go “
ليذهبَ الثلاثةُ و برفقتهم ( طلال ) الذي أكل قلبه الندم اكلاً ! ، فقد ندم لأنه وافق على الزواج من صرّافة
النقود ( نازك ) فصحيحٌ انها ستُمطر عليهِ الأموال و لكنها لا تملك دماغاً البتة ! ، و ندم أيضاً لأنه لم يتزوج اخت ( نواف ) بدلاً من ( كنان ) فهو يُؤخذ برأيه و لا يُجبر على شيء بعكس ( كنان ) ، قطع تفكيرهُ صوتُ ( تاتسو ) القائل :
" هوي .. أوجي سان – عمي – ألن تدخل ؟"
فتح ( طلال ) عينيهِ بأكملهما من الصدمة ، هو ليس بعجوز ، فقط يبلغُ خمسةً و عشرين عاماً و هو يناديهِ بعمي؟ ليقول بصوت منخفض : " ما ألومك دامك ربيع ذيك الخبلة " .
و لحقَهم بعدها ، و شعر بالندم أكثر و أكثر حين قرر القدوم هنا ، فقد اعتقد ان هناك فرساً بانتظارهِ لِيروض و لكن قد يكون هو الفرس الذي سيُروض ، فكيف لهم أن يحضروه هو و بكامل فخامته لِمطعمٍ كهذا و عليهِ الجلوس على الأرض أيضاً ! ، فلم يكن لديهِ خيارٌ سوى كظم غيضهِ و الجلوس بصمت و السرحان في عالمٍ آخر ، و لكن اليوم قرر أن يُراقب الذاهبَ و القادم إلى أن يرتاح من حفنةِ المجانين هذه ! ، و فجأة مرّت مجموعة فتيات يبدون كأميرات فاتنات ، ليراقبهُن هو و يفحصهن من أعلى رؤوسهن حتى أخمص قدميهن ، لتقول له ( نازك ) : " "شوي شوي على عيونك لا تطلع من مكانها " .
لم يرد عليها ( طلال ) بل رمقها بنظراتِ سُخرية و أشاح بوجهه ، و ما إن وصل الرامن ظلَّ ينظرُ إليه بتقزُز فهو لا يحبه ! ، و لكن حدث ما لم يكن بالحسبان حين قلبت ( نازك ) طاولة الطعام بأكملها على ( طلال ) و ولّت هاربة ، في حينِ ان ( تاتسو ، ايتشيرو ) كانوا في حالةِ صدمةٍ و ذهول !! أما ( طلال ) فكان يعيشُ حالتين .. الأولى : صدمةٌ و ذهول ، الثانية : الألم نتيجةَ الرامن الساخن الذي انسكب على ساقه ، و هنا و في هذهِ اللحظة قرر أن يُعيدَ تربية هذه الطفلة المُراهقة و تراجع عن فسخِ الخطوبة ، في حينِ أن ( ايتشيرو ، تاتسو ) ولّوا هاربين أيضاً وراء صديقتهم .
أما ( نازك ) و التي مشت مسافةً متوسطة حتى تصل لمنزل والدها الفخم ، دخلت المنزل و ابتسامةٌ عذبة مرسومة على وجهها :
" تدايماس – لقد عُدت –" .
تعجّب الموجودون من ابتسامتها الساطعة التي رُسمت على ثغرها منذ أن أتت و تعجبوا أكثر بعد أن ألقت تحية الدخول ، إذ أنها مُعتادة على الدخولِ بوجهٍ غاضب .. فلطالما تعب الجميع منها و من محاولةِ إعادة غرس الأخلاق التي تفتقرها فيها .
( مريم ) بشك : " ليش أحسش مسوية مصيبة؟" .
تجاهلتها ( نازك ) كعادتها الوقحة ، لتقول ( نور ) تلك التي تحمل الشيء الكثير من أساليب الحياة اليابانية : " نور تشان تحس بذلك أيضاً ! " .
ردّت ( نازك ) على الاثنتين بردٍ لا يؤخذ منهُ حقٌ و لا باطل : " انني بانتظارِ الحرية " .
لتقول ( مريم ) بنبرةٍ ملؤها اليقين : " متأكدة انش سويتي مصيبة " .
رمقتها ( نازك ) بنظراتٍ غير معلومةِ الماهية و ابتسامةٌ لئيمة رُسمت على ثغرها : " أتمنى لو أستطيع ذلك ! ".
( نور ) : " من يسمعكِ الآن سيظن أنكِ ملاك بريئة ، لن يخطر على بالهم أبداً انكِ رئيسة عصابة " .
تجاهلتها ( نازك ) من جديد و هي تقفُ لأخذ " ريموت " التلفاز ، لتجلسَ بعدها من جديد و هي تضعُ رجلاً على الأخرى و أخذت تقلبُ في القنوات حتى توقفت على قناه موسيقية تعرضُ أغنيةً راقصة ، لترفع الصوت و ترقصَ على أنغام الموسيقى كالمخبولة ! .
( نور ) : " إن رآك من يتعاقدُ معكِ و انتِ ترقصين سيُلغي العقد فوراً و ينتحر ! " .
كان ردُ ( نازك ) عليها هو رفعُ الصوت أكثر و التمايلُ مع الألحانِ بجنون .
( مريم ) : " خفي الصوت لا أكسر راسش " .
( نازك ) على نفس حالتها السابقة : " ما اسمعش اول شي و بعدين لا تتكلمي عربي"
وقفت ( مريم ) لتذهب لأخذِ الـ" ريموت " و تخفض الصوت ، لتجلس بعدها ( نازك ) و هي تمتمُ بأحد أغانيها الجديدة ! .. و لكن تمتمتها توقفت حين تخلل إلى مسامعها صوتُ اغلاقِ الباب بقوة ، و يليهِ صرخةُ والدها : " ناازك ، وينش يا قليلة الأدب؟ "
لِتقف و الخوف ُ يعتريها و لكنها حاولت اخفاءه ، لترى جُثة والدها العريضة تقفُ امامها بِكل شموخ ، ليستقبلها والدها بِلطمةٍ جعلت أيمن وجهها يحمّر و يتورم وسط دهشةِ ( نور ، مريم ) أما هي فلم تكن تتوقع أقل من هذا و لكن كل شيءٍ بسيط بالنسبة لها ما دام المقابل هو أن تبقى عازبة !
صارت ( نازك ) تمسح وجنتها اليُمنى من الألم بأطراف أصابعها و التزمت الصمت ، لتوقن ( مريم ) أن أختها الوسطى قد افتعلت مُشكلةً بلا شك ! ، لذا وضعت يدها على كتف ( نور ) لتمشيَ الاثنتان بتجاهِ الدرج اللولبي ، تاركين ( نازك ) و والدها يتصارعين وحدهما
نطق والد ( نازك ) : " شاللي سويتيه ؟ هاا ؟ " .
لتبلعَ التي سُؤلت ريقها و تعطي أجابةً واحدة .. السكوت .
ليصرخَ عليها والدها من جديد : " تكلمي ، انطقي " .
ليردف بسخرية و بنبرةِ صوتٍ أكثر انخفاضاً من السابقة : " أنأكل لسانش ؟ " .
حينها نطقت ( نازك ) أخيراً قائلةً : " و هل يوجد حل آخر ؟ ، اذا كان لديك حل آخر فلتعطيني إياه "
لتردف بعدها بنبرةٍ مرتفعة ملؤها العجز : " أنا ابنتك و لست أحد سلع شركتك لتبيعني هكذا لذلك البائس الحقير " .
ليصرخ عليها والدها من جديد : " لا ترفعي صوتش لا أقص لش لسانش " .
و أردف بعدها : " لا تحسبي انش بتصرفات الأطفال هذي بتغيري لي رأي ، خلاص زواجش شهر3 " .
لتنظرَ إليه ( نازك ) بعينين مفتوحتين بالكامل و شفاهٍ منفصلة جرّاء الصدمة : " و الله و على جثتي اتزوجه .. إن كان هو و لا غيره " .
عناد ( نازك ) مُستفز و وقاحتها أكثر استفزازاً لذا قال والدها : " اطلعي من هالبيت ، الحين تتقلعي و وجهش هذا ما اريد اشوفه لحد ذاك اليوم الي نروح فيه عمان " .
لِتذهب ( نازك ) بتجاهِ الباب بخطواتٍ بطيئة فهي نادمة لأنها قد جنت على نفسها و الآن عليها الزواج من ذاك القبيح بعد شهر ، و في ذات الوقت تذكرت ان والدتها أخبرتها أن التخرج سيكون في شهرِ أكتوبر .. لكنها ابتسمت بسخرية حين تذكرت أن والدتها درست طوال حياتها في الخليج ، و في عمان بالتحديد فكيف ستعلم متى هو التخرج ، حتى أنها لم تكن في اليابان أثناء تخرج ( مريم ) ! .
ظلت ( نازك ) تمشي في الطرقات و هي لا تزال بملابس المدرسة ، فقط تلفُ وشاحاً على رقبتها ليغطي نصف وجهها مُخفيةً هوية ( نات تشان ) .. و انتهى بها الأمر و هي تجلسُ على أحدِ الكراسي القابعة على جانب الطريق ، لتمسك هاتفها محاولةً الاتصال في أي أحدٍ من أصدقاءها ، فهي أولاً لا يمكنها النوم في منزل ( ايتشيرو ) كونه فتى ، و لا في منزل ( تاتسو ) .. لذا الحل الوحيد كان ( مارو ) بما أن ( نارومي ) تحاول تجنبهم في هذه الفترة

¶ ¶ ¶

في الجانب الآخر .. كان ( كنان ) يجلسُ على احد الكراسي في صالةِ الانتظار فهكذا هو ! ، كالدميةِ بين يديّ والديه حين يطلبون منه الرحيل يرحل و حين يُعيدونه يعود ! ، و لكنهُ قد تعب من كونه هكذا ، يشعرُ بالأسى حين يقارن حياته بحياة ( الأمير طلال ) فهو منبوذ و مشتت في حين أن ( طلال ) كالأمير ، لكنهُ أبعد هذا التفكير و شهق بعضَ الهواء و زفرهُ من جديد ، ليقفَ و هو يُعلق حقيبةَ ظهره على كتف واحد حين سمع النداء لطائرته المُتجهة إلى طوكيو ! ، لِيستعيدَ بعدها ما حدث قبل ساعات :
كان جالساً في غُرفتهِ هذهِ المرة ، يُقلّب كُتب الفن بينَ يديه ِ ، حين دخلت والدتهُ غُرفته ، لِيُجبر نفسهُ على الابتسام ، و لكنها كانت كعادتها معه .. جافة ! .
قالت والدته : " بتروح طوكيو .. بدال نيويورك " .
لِيرُد عليها ( كِنان ) سريعاً بنبرةٍ فرِحة و سعيدة : " مع طلال ؟ " .
لِتُجيبه والدته بِجفاف : " طلال اليوم راجع " .
و إلى هذا الحد توّقف ( كِنان ) عن استرجاعِ ذكرياته ، لِيُدركَ أخيراً أنهم قد أرسلوه لِـ منفى آخر ، غير نيويورك ، ليعيشَ مشاعرَ الوحدة من جديد .. في أملِ أن يعبُد المال كما يتمنون ! .

¶ ¶ ¶

في الجانبِ الآخر .. في أرخبيلِ اليابان .
حاولت ( نازك ) الاتصال بِـ ( مارو ) مرارا ً و تكراراً و لكن هاتفها مُطفئ ، لذا لم يكُن لديها حل سوى الاتصال بِـ ( نارومي ) علّها تُجيب و لكنها الأُخرى لا تجيب .. أو بالأصح تغلقهُ في وجهها ، لِتجلسَ مكانها على الكرسي بيأس و هي تنظرُ للساعة ، 9:00 أين يُمكنها الذهاب الآن ؟ .
ظلّت ( نازك ) لِفترة على نفس الحال ، تنتظر اتصالاً من أحد الاثنين : والدها ، مارو ، فلعلّ الأول يُعيدها للمنزل ، ولعلّ الأخرى تأويها في منزلها .. إلى أن أخيراً رأت هاتفها يُضيء باسم مارو ، لِترد سريعاً و تنطقَ بِـ : " مارو .. آهٍ كم أُحبكِ " .
مارو بنبرةِ استغراب : " هوي هوي ما الذي يجري ؟ " .
ردّت عليها ( نازك ) : " طُردت من المنزل " .
لِتسمع بعدها شَهقةَ ( مارو ) و التي أردفت بعدها بِنبرةٍ قلقة : " أين أنتِ الآن ؟ .. هذهِ المرة الثانية التي تُطردين فيها من المنزل هذا العام ! " .
( نازك ) بإحراج : " لا مكان ، أظنُ أنه لا يمكنني المكوث عند تاتسو أو ايتشيرو " .
( مارو ) ردّت عليها سريعاً : " لا .. لا تذهبي هناك ، فهم في النهاية شُبّان ، أين أنت ِ الآن ؟ سآتيكِ لآخذكِ لمنزلي " .
( نازك ) بِإمتنان : " أريغاتو أوكّا سان .. أنا الآن جالسة على ذلكَ الكُرسي ، الذي كنّا نلتقي عندهُ قبلاً في أيام العُطل " .
( مارو ) : " حسناً ، ابقِ هناك ، سآتيكِ فوراً " .
أغلقت ( نازك ) المُكالمة و هي تبتسم ، لأن ( مارو ) كانت مكتوبةً في قدرها ! ، رٌبما أُعطيت أباً قاسياً و لكنها في المقابل تملكُ أماً عظيمة ، و رُبما طُعنت من أصدقاءها في الماضي و لكنها الآن عوّضت بِـ ( مارو ) .

¶ ¶ ¶

في الجانبِ الآخر من المدينة ، في منزلِ والد ( نازك ) ، كانت الوالدة قد عادت للبيت قبل دقائق ، حين رأت ( مريم ) و والدها يتناقشان في بعضِ الأمور ، لِتتأكد بأنها أمور خاصة بشركة العائلة ، و انتقلت ببصرها بعدها لِـ ( رؤى ) و التي كانت تُغيّر قنوات التلفاز بملل ، و بعدها رأت ( نور ) التي كانت مُمسكةً بِـ الـ " آيباد " ، لِتسألهم سريعاً باستغراب :
" وين نازك ؟ .. الساعة 9:30 ! " .
لِتلتفتَ كُل الأنظارِ إليها باسثناء الوالد ، لِينظرَ الجميع عليها و السكوتُ هو إجابتهم الوحيدة ، لِتقول بعدها من جديد :
" هي دايماً ما تتأخر عن هالوقت ! " .
لِيرفعَ لها الوالد ُ نظرهُ بِبرود و يقول : " طردتها .. لا تخافي أكيد حصلت لها مكان ، بتلاقيها ببيت حد من الشلة الصايعة إلي تعرفها " .
فلم يكن والدها على وِفاقٍ أبداً مع أصدقائها ، و لكن ردةَ فعل والدتها كانت الصدمة ، لِتسرع في إخراج هاتفها من حقيبةِ يدها و الاتصال بـ ابنتها الوسطى ، وسط لا مُبالاةِ الوالد ، و خوف ( نور ) و فضول ( رؤى ) و التظاهر باللامبالاة من ( مريم ) ، لِتنطقَ سريعاً حين سمعت صوت ابنتها :
" انتِ وين ؟ .. متأكدة ؟ .. أوكِ " .
لِتغلقَ الهاتف بعدها و تقول : " ببيت ربيعتها " .
و التزمتِ الصمتَ بعدها ، فهي لا يُمكنها أن تُناقش زوجها في أي شي ء .. و لم يسبق لها أن تفعل هذا من قَبل حتى .. فهي لا تتجرأ أصلاً ! .

¶ ¶ ¶

بعد ثلاثةِ أسابيع، في يومِ التخرج :
( تاتسو ) : " هوي نات تشان ، ءلا تزالين تُقيمين في بيت مارو ؟ "
( ناتسوكو ) : " هوي هوي ، إن هذا مُحرج بما فيهِ الكفاية فلا تتحدث عن الأمر " .
( مارو ) : " لا بأس ، نحن نقضي وقتا ً ممتعاً ، فوالديّ مُسافران ، و لا يوجد في البيت عداي و أختي الصُغرى " .
( ايتشيرو ) : " إن والدكِ قاسٍ و شرير للغاية .. لا أشكُ أن سيقوم ببيعكِ في المستقبل " .
لِيقول بعدها مُمثلاً الشجاعة : " لا تخافي .. سأجعلُ والدي يقومُ بتبنيكِ " .
ما إن نطق ( ايتشيرو ) حتى تذكرت ( ناتسوكو ) موضوع ( طلال ) لِتشعرَ بالاشمئزاز ، و بعدها ضربت ( ايتشيرو ) على رأسهِ كالمُعتاد : " أصمت يا قبيح " .
أمسك ( ايتشيرو ) مكانَ الضربةِ و هو يقولُ بِألم : " كان من المفترضِ أن تكوني ذكراً ! " .
أنهت ( مارو ) هذا الحِوار بِقولها : " أين هي نارومي ؟ .. كيف لها أن لا تأتي ليوم التخرج ؟ " .
( ناتسوكو ) و هي تخرج هاتفها من جيبِ تنورتها المدرسية : " سأحاولُ الاتصال بها " .

¶ ¶ ¶

في مكانٍ آخر من طوكيو .. في المطارِ و على أحدِ الطائرات بالتحديد ، كانت ( نارومي ) قد قررت الرحيل َ فعلاً فهي لا يُمكنها تحملُ ما قد تفعلهُ بها ( أم تاتسو ) ، لذا فقد قررتِ الرحيل بإرادتها بدلاً من إجبارها على ذلك .. ففي النهاية ستكون النهاية واحدة ! ، قطعَ تفكيرها صوت أختها الصُغرى و هي تقول لها :
" نيتشان ، عليكِ ارتداءُ حزام الأمان الآن " .
لِتفعلَ ( نارومي ) ما قالتهٌ لها أختها في صمت .. و هي تستعدُ لِتغادر اليابان للأبد ! ، و لكن سؤالاً واحداً لا يزالُ يتبادر لِذهنها ، لماذا كون ( تاتسو ) مُعجباً بِـ ( ناتسوكو ) كما نصّت إحدى الشائعات من فترة جائز ، و لكن هي و ( تاتسو ) مُحرّم ، لِتطردَ هذا التفكير من عقلها و ترسل لِـ ( ايتشرو ) بما أنهُ كان الاسم الأقرب بأنها راحلة بلا عودة ! .. و أغلقت ِ الهاتف بعدها .
و بعد ثوانٍ .. رحلت ( نارومي ) تاركةً ورائها أشخاصاً بعضهم كانَ السبب في دمارِ حياتها و تشتتها الذي تعيشهُ الآن و البعضُ الآخر أسعدوها كما لو أنها تُسعد يوماً ! .

¶ ¶ ¶

في المدرسة :
فتحَ ( ايتشيرو ) هاتفه ما إن سمع صوتَ تنبيه وصول رسالة ، لِيقول بنبرةٍ غير مُصدقة :
" مَساكا – مستحيل " .
لِيردَ عليهِ رفاقهُ الثلاثة في ذاتِ الوقت باستغراب : " ماذا هناك ؟ " .
( ايتشيرو ) : " اقرأوا هذا ! " .
أخذ ( تاتسو ) الهاتف من يدِ ( ايتشيرو ) ، و أدخلت الاثنتين رأسيهما في الهاتفِ ، لِيُصدموا جميعاً بعدها ، لِيتبادر لِذهن ( تاتسو ) أن هذا من فعلِ أمه ، فقد فعلت سابقاً نفسَ الأمر مع أخيهِ الأكبر ، لِذا أعاد لِـ ( ايتشيرو ) هاتفه ، و ركضَ خارجاً من الفصل تاركاً أصدقاؤه و هم ينادونه وراءه ! " .
ذهب ( تاتسو ) راكضاً لِحيثُ تقبع والدته .. فلا مكان آخر تكونُ فيه في مثل هذا الوقت إلا الشركة ، ليدخلَ و هو يركض وسطَ استغرابِ الموظفين ، لِيصل لِمكتبِ والدته و يفتحَ الباب و يتوجه لِيقف أمامها مُباشرة ً :
" أوكّا سان ، لم تكوني أنتِ من فعل ذلك صحيح ؟ "
لِتفهمَ والدته قصده و لكنها تتجاهله : " ءلم أقل لكَ ألف مرة ، أن لا تأتي راكضاً إلى هنا كالمجنون ، و لا تفتحَ الباب بهذا الجنون أيضاً " .
( تاتسو ) : " هل كنتِ أنتِ فعلاً .. من أرسل ( مارو ) بعيداً ؟ " .
والدته : " لم أُجبرها و لكنني خيّرتها في ذلك ! ، و اخرج الآن من هنا ، و إن كانَ لديكَ شيءٌ لِقوله فاتركهُ للمنزل .
لم يكن لدى ( تاتسو ) خيارٌ حينها سوى السكوت و الخروج كما طلبت منه .

¶ ¶ ¶

في المدرسة :
كان الثلاثةُ يجلسونَ على السطح حين سمعت ( ناتسوكو ) صوت تنبيه وصول رسالة في هاتفها ، لِتظنَ أنها من ( تاتسو ) ، و لكنها تتفاجئ حين قرأت اسم والدها ، و قرأت المحتوى :
" ارجعي البيت .. اليوم رايحين عُمان ! " .
لِتبتسم بِسخرية و تقول : " إنهم فعلاً يحبون إغاضتي " .
( ايتشيرو ) : " ماذا هنالك ؟ " .
( ناتسوكو ) : " إن والدي يطلب مني العودة للمنزل ، لأننا سنعود لعُمان اليوم " ,
( ايتشيرو ) : " لقد بدأت أفكر فعلياً في جعلِ والدي يتبناكِ ! " .
( مارو ) : " لا أدري كيف استطعتِ تحمل هذا طوال هذهِ الفترة ! " .
( ناتسوكو ) : " رغم أنها ليستِ المرةَ الأولى التي أُطرد فيها من المنزل ، و لكنها المرة الأطول و أيضاً لم يسحب والدي بطاقاتي الائتمانية .. و الآن هل يُريد السفر كثمنٍ لإبقاء البطاقات ؟ " .
( مارو ) : " هل تظنينَ هذا فعلاً ؟ " .
( ناتسوكو ) : " في كلِ الحالات لن أعود ! " .
قالتها و هي تتذكر تهديدَ والدها لها ، بِتقديم الزواج من ذاك البائس ( طلال ) ، و لكنها لن تذهب و حتى لو كان ثمنُ ذلك هو روحها ! .

¶ ¶ ¶

بعد ساعات ..
كانت ( نازك ) تستعدُ للخروجِ الآن بِرفقة ( مارو ) حين رأت رِجال والدها باستقبالها ، لِتفهم سبب مجيئهم ، و تقول لِـ ( مارو ) :
" أعتقدُ أنه علي الذهاب " .
لِتذهب بعدها بِكرامتها مع رجالِ والدها ، فهي تعلمُ أنه طلب منهم إحضارها بأي ثمن و طريقة ! ، و لكنها تعجّبت حين رأت أنهم يسكلون طريق َ المطارِ بدلاً من طريقِ المنزل ، و حين وصلوا أمروها بالنزول لِتفعل و هناك رأت ( مريم ) .. و ما إن رأتها ( مريم ) حتى قالت :
" نروح نحنه قبل و همه يلحقونا بكره " .
لم تهتم لها ( نازك ) مُطلقاً بل مَشت وراءها ، و هُناك في المطار حينَ رأت أحدَ رجال والدها مشغولٌ بِوزنِ الحقائب التي أكتشفت لاحقاً أن إحداها تخصها التفتت للخلفِ سريعاً في غفلةِ من الاثنين ( مريم ) و ذاك المعتوه ذي العضلات و الرداءِ الأسود ، فهي لا تثق بِـ ( مريم ) في مثلِ هذهِ الأمور إذ أنها ذراع والدها اليُمنى ، لِذا قررت أن تمسك نفسها و تهرب من هُنا ، لِذا جرت بِسرعة ، لِتتمكن ( مريم ) أخيراً استيعاب ما يحصل ، لِتصرخ مناديةً :
( نازك .. نااازك ) ! .
و بعد أن تفوّهت بهذا أصبحت تجري وراءها و كذلكَ رجلُ والدها مفتولُ العضلات ! .. كانت ( نازك ) خائفةً من أن تلحقها ( مريم ) فهي في هذا الوضع لا يُمكنها الاعتماد على قاعدة " كُلما كُنت أطول كانت خطواتك أكبر و أسرع " ، فصحيحٌ أن ( مريم ) أقصر منها بِعشرةِ سنتيمترات إلّا أنها كانت العدّاءة رقم واحد في ثانويتها ، و العدّاءة رقم ثلاثة في طوكيو ، و لكنها ظلّت تدعو في قلبها أن لا تلحق بها ، و حاولت الإسراعَ قدر الإمكان ، حتى التفتت و رأت ( مريم ) لا تبعد عنها كثيراً .. و تلقائياً و بدون أدني تفكير أخرجت الميداليةَ المتوسطةَ الجحم التي هي على شكلِ دُب و رمتها على ( مريم ) ، فضرَبت الميدالية رأس ( مريم ) مما جعلها تفقد تركيزها و تتعثر و بهذا خرجت ( نازك ) من المطار بِسلام و لكنها اتجهت للمنزل ! .
أما ( مريم ) فبعد أن تعثرت أمسكت بذلك الجسم الصغير الذي رمتهُ بها ( نازك ) لِتتفاجئ حين ترى أنه ميداليةُ الدب ، فلطالما كانت تحبها لِدرجةِ أنها ممنوعٌ لمسها ! .. لِذا أخذتها ( مريم ) و وضعتها في جيبها حين وصل رجلُ والدها هو و الحقائب ! .. لِتتصل ( مريم ) بوالدها و تخبره ُ بالذي حصل ! .

¶ ¶ ¶

بعد نصف ساعة تماماً ، دخلت ( نازك ) المنزلَ و رأت والدها في استقبالها ، لِتقول له قبل أن ينطق :
" ما لازم تطردني .. بطلع بكرامتي ! " .
لِيردَ عليها بابتسامةٍ باردة : " اجلسي مكانش " .
و توّجه للخارجِ بعدها ، فعليهِ تربيةُ أمواله لِتتكاثر أكثر فأكثر ! ، في حينِ أن ( نازك ) كانت مُتعجبة تماماً ، فكيفَ لِوالدها أن لا يُلقي بها خارجاً ، أو يرسم كفّه على وجنتها ، أو يصرخَ عليها على الأقل ، في الحقيقة لم تكن ( نازك ) تعلم أن كُل شيءٍ جرى مثل ما خططَ لهُ والدها .
فجأةً أصبحت ( نازك ) تُحس أن حرارتها مُرتفعة لِدرجةِ أن أنفها يسيل ، و قبل أن تصعدَ لغرفتها المهجورة منذ أسابيع ، رأتها والدتها لِتقول لها باستغراب :
" ما رحتوا ؟ " .
لِتجيبها ( نازك ) : " هربت ! " .
ما إن سمعت والدتها ما قالته حتى اعتلت الصدمة وجهها و و جاءت لِتوبخها و لكن عُطاس ( نازك ) المُستمر منعها ، لِتضع يدها على جبهتها و تقول : " شكلش مريضة ! " .
و قد كانت فعلاً مريضة ، و يوماً بعد يوماً زاد ارتفاع ُ حرارتها و ارهاقها ، لِدرجةِ أنها لازمتِ السرير لِأيام ، و بعد هذهِ الأيام أوقعت ( نازك ) نفسها في الهاوية دون أن تدرك ، حين كانت لا تزال مريضة ، لِذا فلم تعد مُركزة كما لو كانت بصحتها و عافيتها ، فقد كانت تجلسُ في حديقةِ المنزلِ حين جاءها سكرتير والدها ، يطلبُ منها توقيعَ بعض الأوراق و لو أن ( نازك ) أمعنتِ النظر لرأت أن شكلها مُتغيّر ! ، فشرعت توقعُ الأوراق دون أن تسأل حتى ، فهي مُتعبة للغاية ، لِذا قال لها السكرتير :
" ءليسَ من الأفضل لو تقومين بقراءتها قبل توقيعها ؟ " .
ردّت هي : " لا بأس ! " .
فلو أنها كانت بِخير لأدركت أن الأمر مريب ! .. فلو أنها قرأت الأوراق جيداً لوجدت أن هناك ورقة مكتوبة بالعربية ! ، رُغم أنها لا تقرأ العربية و لكنها كانت ستشك فيها بما أن هناك فراغينَ يُملآن بالتوقيع ! .. فلو كانت مُنتبهة لَعلمت أنه عقدُ زواج ! .. و لو كانت بخير لعلمت أن الأمر غريب ، فمنذ متى و هي توقع أوراقاً لوالدها ؟!، و لم يتمكن السكرتير العجوزُ من إخبارها رُغم أنه يشعرُ بالأسى عليها لأن والدها سَيقومُ بِدفنهِ حيّاً ! .

¶ ¶ ¶
لا إله إلا أنت سُبحانك إني كنتُ من الظالمين .
اللقاء القادم : الإثنين .
أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-08-17, 11:58 PM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

¶ الفصل الأول : ما قبل الثاني عشر من أكتوبر ¶ .
«7»

في يومٍ مُشمسٍ و هادئ ، أرتدت ( نازك ) ملابسها سوداءَ اللون ، و اذا تدّخل علم النفس في هذهِ الحالة ، فإن ( نازك ) تُريد العيش بعيداً عن أُعين الناس .. و تريد ُ الاختفاء و هذه هي الحقيقة ، و الآن قد استعدّت لتخرج و قبل ذلك أخذت بعضَ المناديلِ في جيوبِ بنطالها ، و وقفت أمام المرآة و هي تنظرُ للقميصِ الذي ترتديه .. قميص من نايك ! ، لِتقول لنفسها بنبرةٍ خرجت شاحبة من تأثير المرض :
" إن هذا القميصَ بدا طويلاً بعض َ الشيء .. هل قصرت ؟! " .
لِتبتسم بعدها بِسخريةٍ على نفسها ، و تنظرَ لِحذائها الرياضي ، لِتقول :
" هذا الحذاء يعطيني طولاً أكثر .. +2 ؟ سأصبح بطول 177 .. كعمودِ إنارةِ الشارع بالضبط ! " .
ختمت حديثها بابتسامةٍ من جديد ! : " شكلي جنيّت ! " .
و أخيراً خرجت من الغرفة ، و ما إن خرجت حتى أخرجت هاتفها من جيبها ، لِترى اتصالاتٍ عديدة من أصدقائها الثلاثة و رسائل منهم أيضاً عددها تخطى الألف ! ، فهي لم تفتح هاتفها منذ أسبوعٍ كامل ! .. و لِهذا ظلّت تنزلُ الدرج و هي تكتبُ رِسالة لِأصدقائها تُخبرهم فيها أنها بخير و أنه لا يجب أن يقلقوا عليها ، و طبعاً ما إن أرسلتها حتى قرأتها ( مارو ) سريعاً ، لِتصُب عليها شلالاً متواصلاً من الشتائمِ و العتاب ، حينها قالت ( نازك ) في نفسها : " سريعة ! " .
و لكنها توّقفت عن الحركةِ لِثوانٍ حين أدركت أنها الآن في وسطِ غرفةِ المعيشة ، و هُناكَ أصوات غريبة ، لِترفعَ رأسها ببطئ ، و ترى والدها و عائلتها في ناحية و الناحية الأخرى يجلسُ فيها أُناسٌ لا تعرفهم ، و لكنها بعد التمعن فيهم ، عرفت أحدهم و هو ( طلال ) ! .
لِتنظر إليهِ باشمئزاز ، و تكملَ طريقها للخارج رُغم أنها تعلم أن والدها قد يدفنها حية و لكنها الآن لم تعد تهتم لشيءٍ .. فقد أصبحت يائسةً تماماً من كُل شيء ! .

¶ ¶ ¶

في الجانبِ الآخر من طوكيو ، كان ( كِنان ) يَحملُ بينَ يديه ورقة لِإعلان للالتحاق بمعهد للفنون ، في البداية ظلّ يُفكر هل يتركُ طوكيو و يتجه لِـ أوساكا ، ففي النهاية لن يسأل أحد عنه ! .. فهو يعلمُ أن عائلته هنا في طوكيو منذ يومين و لكن لا أحد منهم فكر أن يأتي لِرؤيةِ وجهه حتى ! .

¶ ¶ ¶

في مكانٍ آخر ، كانت ( ناتسوكو ) قد علمت بما حدث لِـ ( نارومي ) الآن فقط ، و لكنها لم تعلم ما الذي يجب عليها قولهُ ، فوالدة ( تاتسو ) كَوالدها هي تماماً .. لا فرق بينهما .
( مارو ) أغلقت هذا الموضوعَ بقصدٍ منها حين قالت : " ما الذي ستفعلونهُ بخصوص الجامعة ؟ " .
( تاتسو ) : " لا أعتقد أنني سألتحق بالجامعة ! ، رُبما إذا فزنا ببطولةِ الربيع سأُقبل في الفريق الوطني " .
( ناتسوكو ) : " أنتِ تعلمين أن ترتيبي قد ارتفع بعد أن أقمتُ عندكِ لفترة .. ءءتخيلين ؟ أنا في المرتبة 50؟! " .
هزّت ( مارو ) رأسها دلالة على أنها فاقدة للأمل تماماً من هذهِ الانسانة .
و لكن ( ناتسوكو ) أكملت كلامها : " المهم أنا فعلاً لا أريد الالتحاقَ بالجامعة ، ففي النهاية لا توجد جامعة ستقبلني ، و أيضاً سأهتم بالغناءِ أكثر " .
و أردفت بعدها بتردد : " أظن أنني سأتعلم الرقص ! " .
ما إن نطقت بهذا حتى فتح الثلاثة أعينهم من الصدمة ، لِيقول ( تاتسو ) : " أظنُ أنه من الأفضل أن تبقي كما أنتِ الآن ! " .
( مارو ) بِحماس : " لا ، فلتجربي الأمر معي لمرة و لنقرر بعدها " .
لم تكن ( ناتسوكو ) تعلم لماذا قررت فعل هذا و لكنها قررتهُ و حسب ! .
و لكنهم جميعاً تعّجبوا حين لم يسمعوا صوت ( ايتشيرو ) و الذي كان يضعُ رأسه على الطاولةِ و الغمُ و البؤسُ يعلوانِ وجهه ، لِتسأله ( مارو ) :
" هوي ، أيها القبيح ما بك ؟ " .
أجابها ( ايتشيرو ) بصوتٍ بائس : " لقد رُفضت روايتي ! " .
حينها اتجه إليه ( تاتسو ) و ضربهُ على ظهره ، لِيصرخ ( ايتشيرو ) : " أيها العملاق ! " .
( تاتسو ) : " ابتهج ! " .
( ايتشيرو ) : " سأذهب للدراسة في الخارج .. سأدرس الأدب الإنكليزي ! " .
( ناتسوكو ، مارو ، تاتسو ) : " سيكونُ ذلك رائعاً " .
( ناتسوكو ) تضربهُ على رأسه كالمُعتاد : " اذهب ، و عُد ككاتبٍ مشهور ، دعني أتباهى بك ! " .
( مارو ) أكملت على كلامِ صديقتها : " أتمنى لو كان بإمكاني التباهي بك أيضاً كتابعٍ ناجح ! " .
( ايتشيرو ) : " هوي هوي ، متى أصبحت تابعاً لكِ ؟ " .
( تاتسو ) : " فلتقاتل ، قبيح سنباي ! " .
( ايتشيرو ) : " سأتحملكم إلى أن أذهب فقط .. لذا سأتجاهلكم الآن ! .
و ما إن أنهى كلامه حتى وجّه سؤالاً لِـ ( مارو ) : " و ماذا عنكِ أنت ؟ " .
( مارو ) : " سأدرسُ إدارةَ الأعمال في الخارجِ أيضاً .. أعتقد أنني سأدرسها في أمريكا " .
( ايتشيرو ) يُمثل الضيق : " لقد هربتُ منكِ إلى هناك و ستلحقينني أيضاً ؟ " .


¶ ¶ ¶

مضتِ الأيامُ و الشهورُ و اقتربَ الشتاء ، و طوالَ هذهِ الفترة لم يحدث شيءٌ من طرفِ والد ( نازك ) مما جعلها تتعجّب ، أما ( ايتشيرو ، مارو ) فقد ذهبا لِأمريكا قبل أيامٍ بالفعل ، فلم يبقى الآن سواها هي و ( تاتسو ) الذي أصبح لاعباً في الفريق الوطني لِكرةِ السلة الآن .. و لكن الأهم من كل هذا ، أن الغد من المُفترض أن يكون يوم زفافها هي و ذاك البائس ( طلال ) فكلُ ما فعلتهُ سابقاً لم يجعل والدها ينحني أبداً ، و لكنها إلى الآن تدعو أن يذهبَ ذلك البائس من طريقها و إلى الآن لم تعلم بشأن الأوراق التي وقعتها ، و لكن حدث ما لم يكن بالحُسبان حين سمعِت صُراخَ والدها فجّر المكان ، لِترتجفَ في مكانها هي و كل من معها ، و لكنها هذهِ المرة كانت متأكدة بأنه لا يصرخُ عليها هي ، و قد التزم الجميعَ الصمت حين دخلَ الوالد و عيناهُ من الغضبِ كبراكين تتفجر و هو يتحدث في الهاتف :
" جيبه لي هالكلب ، حي و لا ميت .. تجيبه تجيبه ، تفهم ؟ " .
لِيغلقَ الهاتف بعدها و يرميهِ بقوةٍ على الأرض لِدرجة أنه قد تحطم ، لِيقول بنبرةٍ عالية :
" طلال الكلب ، ألغى كل شي و شرد ! .. ما يلعب علي أنا هالحيوان ! " .
حينها علِم الجميع أن ( طلال ) مُختفي و لم يجده أحد ، في ذلك الوقت كانت ( نازك ) تريد أن تضحكَ بصوتٍ عالٍ و لكنها التزمت الصمت ، كي لا تأتيها صفعةٌ تُفقدها السمعَ بشكل مؤقت ، و لكنها أجبرت ابتسامتها على الاختفاءِ حين سمعت والدها يقول لها :
" تعالي ! " .
لِتبلعَ ريقها و تذهب وراءه إلى مكتبه ، و هناك صُدمت و كأنها لم تُصدم من قبل ، فكيفَ لِوالدها أن يخدعها بهذا الشكل ، فهي فعلاً لا تتذكر أنها قد قامت بالتوقيع على أوراقِ زواج ! ، لِذا حينها قالت و هي تحاول و لِأول مرة إخفاء دموعها و لكن نبرتها كانت هادئة مصدومة :
" هالكلب تحصله حتى لو كان تحت الأرض ، و أما أنا و انته ما عاد يربطنا شي ! " .
في ذلكَ اليوم حين خرجت من المنزل ، كانت تتمنى لو أنها خرجت من حياتهم بالفعل ، فما جاءها يكفيها و أكثر ، و في ذلكَ اليومِ أيضاً بكت كما لو أنها لم تبكي منذ سنين ، بكت و بكت و بكت لِدرجةِ أنها أحسّت أن عينيها قد جفتا ، و لم تستطع الهدوء حتى لِدرجةِ أنها أرسلت رِسالة لِـ ( تاتسو ) صديقها الوحيد المتبقي هنا و قد كانت الرسالة تحملُ أخطاءَ إملائية كثيرة مما جعل ( تاتسو ) يقلق ، لِيأتيها و حين جاءها لم يُصدق في بادئِ الأمر أنها ( ناتسوكوتشي ) مثلما يقول التي يعرفها ، و سألها في بادئِ الأمرِ عن ما بها و لكنها لم تتحدث ، فقط بكت و بكت .. و بكت بِشدة مما جعل ( تاتسو ) يصمت و يجلس بِجانبها ، و ظلّت على هذا الحال لِساعات متواصلة إلى أن أخيراً توقفت ، و نطقت بِصوتها الشاحب الحزين بِـ :
" سأكون بخير ، بإمكانك الذهاب " .
لم يكد ( تاتسو ) ينطق بحرف حتى ابتعدت هي من أمامه شيئاً فشيئاً حتى اختفى طيفها ، لِيخرج هو هاتفه و يرسل لها : " فلتخبريني بالذي حصل ، حين تكونين بخير " .
أما ( نازك ) فقد عادت للمنزل في ذلكَ الوقت المتأخر ، لِتأخذ أشياءها و تغادرَ من المنزل ، فجُرحها هذهِ المرة لن يبرأ ، و حدث ما تمنت إذ أنها لم تُقابل أحداً منهم هُناك إلى أن وصلت للغرفة أخرجت حقيبةَ السفر الصغيرة الحجم و ملأتها ببعضِ الملابس و بالتأكيد لم تنسى الصورة التي تجمعها بأصدقائها الأربعة ، و الصورة الأخرى التي تجمعها بوالدتها و جدتها ، و جاءت لتتحقق من ميدالية الدب و لكنها لم تجدها ، و لِأول مرة لم تُتعب نفسها في البحث عنها أكثر .. فقد كرهت كل شيءٍ ماديّ ! . لذا فقد اتجهت للخارج و هي تسحبُ حقيبتها وراءها ، و فجأة قد صادفت أمها التي كان الحزنُ واضحاً على ملامحِ وجهها و كذلكَ الندم و لوم الذات ، لِتقول لها ( نازك ) :
" سأزوركِ باستمرار ! .. و لكن أرجوك ِ أن لا تطلبي مني البقاء ! " .
و فعلت كما فعلت قبل قليل مع ( تاتسو ) ذهبت دون أن تستمع لوالدتها حتى ، و قبل أن تخرج من بوابةِ المنزلِ المؤدية للِخارج ، أنحنت للحقيبة لِتخرجَ من جيبِ الحقيبةِ الأمامي ، محفظة صغيرةً على شكل بيكاتشو ، أهدتها إياها ( نارومي ) في يومِ ميلادها السابع عشر ! ، لِتتذكر أن ( نارومي ) قد أُجبرت على الرحيل ، لِتحس باحتقارٍ كبير و اشمئزاز ناحيةَ والدة ( تاتسو ) و من هم على شاكلتها ، و على نفسها أيضاً ! ، لأنهُ كان من المفترض منها أن تساعد صديقتها بدلاً من هذا .. و لكن الندم لن ينفعَ الآن ، و لتتخلص من شعورِ الندم حاولت الانشغال في حسابِ الأموال الموجودة في المحفظة لِتدركَ أنها تكفيها ، و بعدها أخرجت منها بطاقتين ائتمانيتين الأولى هي التي أعطاها هي والدها ، و الأخرى هي التي تضع فيها الأموال التي تأتيها من الغناء ، لذا اتجهت لِمكتب ِ والدها المظلم ، و دون أن تفتح الأنوار ، اتجهت لِطاولته المكتبية و طبعاً قد ضربت رجلها مرتين أو ثلاثة في الأثاث إلى أن وصلت و هناك رمت البطاقة الائتمانية على طاولته ، و خرجت ، لِتصل للخارج و تحمل حقيبتها و تخرج من المنزل ، لِتذهب لِفندقِ عائلة ( تاتسو ) و غداً تبحث عن شقةٍ و المهم أن تكونَ بعيدة عن والدها ، رُغم أنها الآن باتت تفكرُ في الرحيل إلى أوساكا أو ناغاساكي ! .

¶ ¶ ¶

بعد أيام و بعد أن وجدت ( نازك ) سكناً مناسباً ، لا يعرف مكانهُ سواها هي و ( تاتسو ) ، ففي هذهِ الأيام بجانبِ تسجيلها لِألبومٍ جديد ، أصبحت كثيراً تذهب لتدريبات كرة السلة الخاصة بِـ ( تاتسو ) برفقته ، و اعتادت أيضاً على رؤيةِ والدتها في " الكافيه " القريب ، و هذا ما ستفعلهُ الآن ، لذا استعدت للخروج و مقابلةِ والدتها ، و حين خرجت رأت مغلفاً أمام الباب ، لِتنحني و تمسكه بين يديها و تقلبه بين يديها بعدها فتحتِ الباب من جديد ، و رمتهُ لِيقعَ على الأريكة ِ التي تقبعُ في زاويةِ غرفةِ المعيشة الصغيرة ، و خرجت بعدها ، و حين وصلت لمكانِ اللقاء رأت والدتها هناك ، لتبتسم مُخفيةً ألمها و تجلسَ أمها ، و هي تقول بمرح :
" طلعت أمي تحافظ على الوقت " .
لتبتسم لها أمها ، و تقول لها بعد تردد : " ما ترجعي البيت ؟ " .
لِتحركَ ( نازك ) رأسها بِـ لا ! .
لِتقول والدتها من جديد : " كيف تعيشي كذا ؟ ، محد معش " .
لِتكمل ( نازك ) على كلام والدتها : " الدنيا ما فيها أمان .. صح ؟ ، عادي ! " .
لِيمضيَ الوقت بعدها في أحاديث أخرى ، لا تخلو من محاولات والدة ( نازك ) لإعادة ابنتها للمنزل ، و ما إن أصبحَ عودة الوالدة للمنزل لازماً ، ودعت ابنتها و رحلت ! .
أما ( نازك ) فقد قررت العودة لحيثُ تسكنُ مشياً ، لِتمشي بخطواتٍ بطيئة و هي تتأملُ كل شيءٍ من حولها الناس ، البنايات ، الأنوار .. كُل شيء ! ، و بعدها دخلت خٌصلة من شعرها لِنطاق بصرها ، لِتمسكها بأطرافِ أصابعها و تقول لنفسها : " لقد عاد للون الأسود ! " .
فآخر مرة صبغت شعرها ، كان برفقةِ ( ايتشيرو ) قبل أن يسافر ، ففي هذهِ الأيام أصبحت تشتاق لأن تجتمع مع أصدقائها الثلاثة كالسابق ، فقد اشتاقت لأن " تطقم " لون شعرها مع ( ايتشيرو ) و أن تضربهُ على رأسه ، و كذلك اشتاقت لأن تنصحها ( مارو ) كالوالدة الخائفة على طفلها ، و تشتاق أيضاً لِشجار ( ايتشيرو ، مارو ) مع بعضهما ! .
قطعت هذا التفكير و اتجهت لمكانِ سكنها و حين دخلت تذكر أمر المُغلف ، لِتتجه ناحيتهُ سريعاً و تفتحه ، لِتصطدم حين تفتحه ، فبهِ صور لوالدها و امرأة أخرى ، لتعلمَ أن والدها خائن .. و التفكيرُ في هذا الأمر جعل جسدها يقّشعر ، و لكنها فكرت بفعلٍ شيطاني .

¶ ¶ ¶

بعد يومينَ ،
استيقظت ( نازك ) بِنشاط و هي تريدُ رؤيةَ ردةِ فعل والدها على الذي سيراهٌ ، لذا ذهبت لكي تتجهز سريعاً ، و ما إن أنتهت حتى أدخلت ذلكَ المغلفَ في حقيبةِ ظهرها ، و كالعادة طوّقت عنقها و جزءاً من وجهها بِوشاح كي لا يعرفها المارة و كذلكَ ارتدت نظارةً و خرجت ، و قبل أن تتجهَ لوالدها ذهبت لِتصبغَ شعرها ! ، فقد اختارات صبغة أشقر ثلجي ! و بعدها اتجهت لوالدها الذي ما إن رآها حتى تعجب ، لِتضع المغلف أمام عينيه ، لِيفتحهُ و هو ينظر إليها كعادته ببرود ، و لكن ما إن رأى الصور حتى تحول بروده لِصدمة ، لِيصرخ عليها بغضب :
" جنيتِ انتِ ؟ .. أنا ؟ تهدديني انتِ ؟ ".
لِترد بوقاحتها المعتادة : " إذا كان طلال الي ما يسوى لعب عليك , كيف أنا ؟ " .
لِيقول لها والدها : " من وين جبتي هالكذب ؟ " .
ابتسمت و هي تقولي : " وصلني و وصلت لك إياه ! " .
الوالد : " نازك ؟ لا تلعبي معي ، صدقيني وقتها ما ينفع الندم " .
تجاهلت ( نازك ) كل ذلكَ الكلام ، لِتقول : " هذا تهديد مبدئي بس ، أنا ما عطيته أمي عشانها هي ما عشانك انته " .
الوالد : " انسي هالسالفة و اسحبي كل كلمة قلتيها ، قبل لا أسوي شي يخليش تندمي طول عمرش " .
( نازك ) : " أوكِ بس عندي لك هدية " .
ختمت كلماتها باتصال هاتفي نطقت فيه بِـ : " يمكنكِ الدخول " .
و حينَ دخلت تلكَ المرأة التي كانت في الصور ، صُدم والدها ، أما هي فابتسمت و خرجت ، فقد تطلب الأمر منها يومين لتجد هذهِ المرأة ! ، أخرجت هاتفها لِترى التاريخ : " 11" ، لِتتجه للملاحظات و تكتب :
" 11-10-2012 ، الساعة 8:00 صباحاً
اليوم و لأول مرة هزمت والدي ! " .
فهي لم تكن تُدرك حينها أن والدها كان صادقاً في تهديدهِ لها و أنه فعلاً سيفعل ما يجعلها تندم طول حياتها ! .

¶ ¶ ¶
لا إله إلا أنت سُبحانك إني كنتُ من الظالمين .
اللقاء القادم : الجُمعة .
أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه .


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-08-17, 11:34 PM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

- السلآم عليكم و رحمة الله ،
* أعتذر .. أعتذر .. أعتذر على قُصر الجزء ،



¶ الفصل الثاني : في أحضان الثاني عشر من أكتوبر ¶ .


في يومٍ خريفي هادئ بدأت الحكاية ، ففي ذلكَ اليوم ، كانت ( نازك ) ككُل يوم تزورُ الثلاثةَ أماكن التي هي معتادة على زيارتها ، صالة تدريب ( تاتسو ) ، الاستوديو ، " الكافيه " الذي تُقابل فيهِ والدتها ، ولكنها هذا اليوم قررت أن تمرَ على الاستوديو أولاً ، لذا استقلّت الحافلة العمومية لِتصلَ إلى هناك ، و ما إن وصلت إلى هناك حتى ألقت التحية كالمُعتاد ، و بعدها قامت بتوقيعِ اسطواناتِ ألبومها الجديد للمعجبين ، و بعدها حين جاءت لِتخرج ، قابلها أحد الموجودين هناك و الذي لا تتذكر حتى ما هي وظيفته ! ، لِيمد لها مُغلفاً ، لِتأخذهُ منها و تقلبهُ يُمنة و يسرة و هي تسأل :
" ما هذا ؟ " .
لِيُجيبها هو : " لا شك أنه من أحد المعجبين كالعادة ! " .
لم تُرد ( نازك ) عليه ، فقط حركت رأٍسها بِـ نعم ، و خرجت متوجهةً لِصالة تدريب ( تاتسو ) و لكنها رأت الصالة مغلقة ، ففهمت أنه لا أحد هنا إلى الآن ، فهم لم تعتد على الحضورِ في هذا الوقت ، و هذهِ هي المرة الأولى .
و بعد دقائق من المشي ، رفعت معصمها لترى الساعة :
" إن الوقت يمرُ سريعاً .. عليّ مقابلةُ أمي الآن ! " .
لِتذهب جرياً حتى وصلت لِمحطةِ القطار و من هناك وصلت لذلكَ " الكافيه " ، و لكنها تفاجئت لأنها لم ترى والدتها التي اعتادت أن تأتي قبل الموعدِ بفترة ، و لكنها دخلت و جلست على الطاولة التي اعتادت على الجلوسِ عليها مع أمها ، كانتِ الطاولة بِجانبِ الجدار المُعلّق عليهِ لوحة بيضاء يكتبُ فيها الزبائن ما يشاءون ، لِترفع يدها و تلمسَ برفق ما كتبتهُ برفقةِ والدتها حين التقيا هنا للمرة الأولى ، و قد كان المكتوب جُملةً عربية هي في الأصلِ بيت ٌ شعري كانت والدتها تُحبه : " قد لا يبلغُ المرءُ الفجر إلّا عن طريق الليل " لـ ( جبران خليل جبران ) ، رُغم أن ( نازك ) لم تكن تعرف من هو جُبران إلّا أنها أحبت ما قال حين فهمته ، و في النهاية كيف لها أن لا تحب ما تحبهُ والدتها ! ، و فوقَ كل هذا ( مريم ) أيضاً كانت من مهووسين قصائد جبران خليل ، لِدرجةِ أنها كانت تُدعى في أحد الفترات ( جُبرانيه ! ) .
ظلّت ( نازك ) تنتظرُ والدتها لِساعتين كاملتين قضتهما في مراقبة الداخلِ و الخارج ، و لكنها قررت الخروج حين أحست أنه لم يعد بإمكانها الانتظار فأكثر ، و قبل أن تخرج تذكرت ذلك المغلف الذي أُعطيت إياه اليوم ، و ما إن فتحته حتى رأت عبارةً مكتوبةً باليابانية ، جعلت قلبها يرتجف ، و بدنها يقشعر ، و ما زادَ الأمر رُعباً هو قطراتُ الدم الأحمر التي زيّنت أطراف الورقة .. كانت الورقة تحمل تهديداً ، و لكنها حين أمعنت في الخط أيقنت أن هذا الخط .. خط سكرتير والدها ، لِتضغطَ على الورقةِ بقوة و تخرج جاريةً لوالدها الذي لا شكَ أنهُ الآن في شركته ، يضاعفُ أوقاتَ عملِ موظفيه كي تكُبر نقوده ، وصلت لِهناكَ خلال دقائق لأنها كانت تجري ! ، و واصلت جريها حتى وصلت لِمكتبه ، لتدخله دون استئذان ، فرأتهٌ هناك غارقاً وسطَ الأوراق ، لِتقول له بصوت خرجَ يرتجف و هي تمّد له تلك الرسالة المشؤومة :
" هذي منك صح ؟ " .
لِينظرَ إليها ببرود : " وصلتش ؟ " .
قالت سريعاً : " عطيني معناها ! " .
لِتتذكرَ بعدها أن والدتها ليست هُنا ! ، و تذكرت بعدها أيضاً أن والدها ليسَ بزوجٍ محب لِأمها ، لِتقول له : " أمي ، انته تعرف وين أمي صح ؟ " .
لِيقول لها بعد أن وضعَ نظارتهُ الطبية على طاولته : " أيوا ! " .
ما إن أنهى كلامه حتى نظرت إليه بفضولٍ و خوفٍ ممزوجين .
لِيردفَ هو : " شي من الأماكن " .
نظرت إليه ( نازك ) بنظرةٍ يتضحُ منها أنها لم تفهم مقصده ، لِيقول هو بخُبث : " سافرت أمس .. محد خبرش ؟ " .
لِتنظرَ إليه مرةً أخرى بنظراتِ خوف و صدمة : " سافرت ؟! " .
لِتسأله مرةً أخرى بِغباء : " متى ترجع ؟ " .
في ذلكَ الوقت حين سألت والدها ، ظلّ ينظرُ في عينيها لِدقائق ، بعدها أخرج جسماً مُستطيلاً من دُرجِ طاولتهِ المكتبيه ، لِضعهُ أمام عينيها و هو يقول : " لما يوصلها هذا ! " .
صُدمت ( نازك ) حين رأت جوازَ سفر والدتها بين يديّ والدها ، ءهذا يعني أنه قد أخرج والدتها من البلاد ؟! ، و بسببها هي أو بالأصح نفاها ! .
أتت ( نازك ) لِتمد يدها و تلتقطُ جوازَ السفر ، لكن والدها أبعدهُ عنها ، لِيقول لها :
" تحملي كل اللوم من خواتش و الباقين ، اعرفي انه هذا صار بسببش .. ما أحسن لو كنتِ محترمة نفسش من البداية ؟ " .
في تلكَ اللحظة جُرحت ( نازك ) للمرةِ الألف ، فهي كانت تحاول الكفاحَ أمام لومِ نفسها لموتِ الجدة ، فكيف َ لها الآن أن تتحمل لوماً جديدة ، كيف لها أن تلومَ نفسها على هذا أيضاً .. فكيف لها تحمل كل هذا ؟! .. موت جدتها .. اختفاءُ والدتها ، كل هذا خطأها هي ؟ ، و حتى ذهاب ( نارومي ) القسري هي تتحملُ جزءاً من الأمر ! .

¶ ¶ ¶
لا إله إلا أنت سُبحانك إني كنتُ من الظالمين .
اللقاء القادم : الاثنين .
أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه .


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:58 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.