آخر 10 مشاركات
هل يصفح القلب؟-قلوب شرقية(33)-[حصرياً]للكاتبة:: Asma Ahmed(كاملة)*مميزة* (الكاتـب : Asmaa Ahmad - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          أغلى من الياقوت: الجزء الأول من سلسلة أحجار كريمة. (الكاتـب : سيلينان - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          39 - ابنة الريح -روايات أحلام قديمة (الكاتـب : فرح - )           »          [تحميل] الــخــوف مــن الــحــب للكاتبة : bent ommha (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          عذراء في ليلة زفافها (22) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          إشاعة حب (122) للكاتبة: Michelle Reid (كاملة) (الكاتـب : بحر الندى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-11-20, 08:09 PM   #1541

لبنى البلسان

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية لبنى البلسان

? العضوٌ??? » 462696
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 5,543
?  نُقآطِيْ » لبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond repute
افتراضي


تسجيل حضوووور 💕💕💕

لبنى البلسان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-11-20, 08:21 PM   #1542

سوووما العسولة
 
الصورة الرمزية سوووما العسولة

? العضوٌ??? » 313266
?  التسِجيلٌ » Feb 2014
? مشَارَ?اتْي » 928
?  نُقآطِيْ » سوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond repute
افتراضي

تسجيييل حضووور نرمين قلبي الله يسعد قلبك يارب زي ماتسعدينا صح الرواية فيها حزن وزعل بس تسليني جد ومااتوقعت القادم واحس بحماس
سلللمت يداكي ودمتي.. كوني بخير..
بانتظارك 😍🌹


سوووما العسولة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-11-20, 10:46 PM   #1543

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور فى انتظار الطيف الجديد يانيمو

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-11-20, 11:06 PM   #1544

MerasNihal
 
الصورة الرمزية MerasNihal

? العضوٌ??? » 410863
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 252
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » MerasNihal is on a distinguished road
افتراضي

يا هلا بالخمييس ويا هلا بالأستاذة
تسجيل حضووور⁦❤️⁩⁦❤️⁩


MerasNihal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-11-20, 11:58 PM   #1545

Moon roro
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 418427
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 852
?  نُقآطِيْ » Moon roro is on a distinguished road
افتراضي

مساء الخير
تسجيل حضووووور💕💕💕


Moon roro غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-11-20, 12:22 AM   #1546

بنت سعاد38

? العضوٌ??? » 403742
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 524
?  نُقآطِيْ » بنت سعاد38 is on a distinguished road
افتراضي

اسجييييييل حضوووووووووور

بنت سعاد38 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-11-20, 12:44 AM   #1547

MerasNihal
 
الصورة الرمزية MerasNihal

? العضوٌ??? » 410863
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 252
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » MerasNihal is on a distinguished road
افتراضي

يا ترى الأستاذة مختفية فين!! 🤭

MerasNihal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-11-20, 01:03 AM   #1548

Gehan hassan
 
الصورة الرمزية Gehan hassan

? العضوٌ??? » 396829
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 194
?  نُقآطِيْ » Gehan hassan is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور في الانتظار يا نيمو

Gehan hassan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-11-20, 01:25 AM   #1549

ميمو٧٧

? العضوٌ??? » 416015
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 700
?  نُقآطِيْ » ميمو٧٧ is on a distinguished road
افتراضي

بانتظار الاطياف تسجيل حضور

ميمو٧٧ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-11-20, 01:40 AM   #1550

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف الثامن عشر
=====

*بنفسجي*
======
_أنا معكِ ولن أسمح لأحد أن يؤذيكِ ..أنا معكِ في كل ما تريدين ..أنا معكِ في كل ما تختارين ..قريباً تكسبين القضية ويكون لك مالك الخاص ..يمكنك بدء مشروع صغير يناسبك ..أو لعلك تريدين إكمال تعليمك ..أو ربما ترغبين في العودة لبلدك ..لا تزال السبل كلها مفتوحة أمامك ..لا داعي لكل هذا الخوف والدموع .

تتذكرها ديمة بصوت حسام أمام مرآتها التي أصلحها عاصي الرفاعي بعدما أخبرته ماسة ..
وليته يستطيع أن يصلح -داخلها- كل المرايا!!

تتذكرها فيرتجف جسدها بخوف وهي تخشى مواجهة شبح هالة هذه المرة ..
ربما لأن "وليد الذنب" يصرخ داخلها ..
هل توشك أن تتعاطف مع قاتلها ؟!
هل تصدق ذاك الاحتواء الذي كان يقطر بين حروفه ؟!
هل احتمت خلف ظهره حقاً من أديم فآواها؟!
"آواها"!!
الكلمة العجيبة تخز صدرها كأنها تذكرها بما فقدته ..
المأوى!
ومن سواها يدرك قيمته؟!

_ها! أضيفي إذن صفة الخيانة لبقية سماتك بعد الجبن والضعف وقلة العقل !

تصرخ صرخة خافتة وهي تسمعها بصوت شبح غازي الأسود ..
تشعر بلسعة صفعته على وجنتها ..
والأقسى ..على صفحة قلبها !!

_أليس هذا من كنتِ تدعين رغبتك في الانتقام منه لصديقتك ؟! رفعتِ رايتك البيضاء أمام كلماته المعسولة ؟! أو ربما غرتك وسامته ؟! قلتِ في نفسك تجربين الشاب كما جربتِ الكهل؟! جسدك الرخيص افتقد من ...

عيناها تتسعان بصدمة وسيل الكلمات البذيئة بمعناها الفاحش يصلها بوضوح ..
بمنتهى الوضوح كأنما يقولها بحق فلا تميز واقعاً من خيال ..!!
جسدها ينتفض برعدة حقيقية وهي تستعيد أقسى مشاهدها معه -وكلها قاسٍ! - في الفراش!

تئن بألم مغمضة عينيها وهي تضم ثيابها فوقها بقوة لعلها تقاوم شعورها بالعري ..بالانتهاك ..
لكن "الشبح الأسود" لايزال منجله يحصد رؤوس أفكارها فيلطخها بالدم ..

_لستِ خائنة ..لستِ فاشلة ..لستِ ضعيفة ..يوماً ما ستنتقمين ..ستنتزعين عباءة الألم هذه من فوق كتفيكِ فتلقينها على غيرك ..وقتها فقط ستصدقين أنك لست بالضعيفة ..وقتها ستقتلين غازي حقاً ..ستقتلينه داخلك وإن عجزتِ أن تقتليه أمام الناس .

شبحها الأرجواني يواجهها بها كأنه يمنحها بعضاً من سند ..
فتعاود فتح عينيها ليستمر ال"مدد الأرجواني":
_انتقمي ..جرحك لن يشفيه سوى القسوة ..شفاؤكِ أن تؤذي ..ساعتها ربما تستعيدين نفسك ..

_هالة ..هالة ..أين أنتِ؟! لماذا اختفيتِ؟!

تئن بها بوجع وهي تطارد سراب أشباحها عبر المرآة ..
شبح هالة لم يعد يأتيها عاتباً معرضاً ..
بل اختفى ..اختفى تماماً !!
_أنا أحتاجك ..عودي ..عودي ..هالة ..

يعلو صوتها بها باستجداء طاغٍ وأحد ذراعيها يمتد أمامها كأنها تدعوها بينما كفها الآخر يتشبث بفردة القرط في أذنها ..

كلماتها تتحول لصرخات خافتة وهي تشعر بالخوف ..
شبح غازي الأسود يقترب ..
يقترب ..

فتشهق برعب وهي تتراجع للخلف لتركض مغادرة الغرفة ..
بل والبيت كله ..

تقف مكانها حيث قادتها خطواتها لترفع عينيها لأعلى ..
أخيراً ضوء الشمس في الحديقة يقهر كل ظلام مخاوفها ..
أشباحها كلها تختفي فتتنهد بارتياح وهي تلتقط نفساً تلو آخر ..

شحوب ملامحها يكتسي أخيراً بوردية خفيفة وهي تميز سند وقد قدم راكضاً إليها من بيت عاصي المقابل تلحقه ماسة وقد تثاقلت خطواتها بأثر الحمل تهتف باعتراض:
_اللبن أولاً ..لن تلعب مع ديمة اليوم إلا لو شربته .

هاهو ذا سند أخيراً أمامها!
تضمه لصدرها فلا تعلم أيهما أشد احتياجاً لصاحبه !!
لم تعد بها حاجة لترفع عينيها للشمس كي تقهر أشباح ظلامها ..
شمسها الآن بين ذراعيها!

_لا تدلليه يا ديمة ..هو يرفض شرب اللبن منذ بضعة أيام .

تهتف بها ماسة بضيق وهي ترفع كوب اللبن في يدها لكن ابتسامة شاحبة تظلل ثغر ديمة التي رفعت وجهها في مواجهة وجه الصغير لتغمغم بصوتها الرقيق ذي الشجن:
_حقاً ترفض شرب اللبن؟!

ترمقها ماسة بنظرة مشفقة مع هذا الحنان الفطري الذي تشبعت به ملامحها وهي تنزل الصغير أرضاً لتهتف بنبرة "حيوية" نادرة على طبيعتها الكئيبة :
_انتظر هنا لحظة .

يتعلق سند في ثيابها بكلمته "اليتيمة":
_ماما.
لكنها تقبل جبينه هامسة :
_لن أتأخر ..ستعجبك هديتي ..انتظر هنا .

تقولها لتركض نحو بيتها المقابل فتقترب ماسة من سند لتحيطه بذراعها لكنه كعهده يبتعد عنها نافراً فتزفر زفرة قصيرة وهي تمسد بطنها تنتظر ديمة التي عادت بما تحمله لترفعه في وجه الصغير قائلة :
_ما رأيك؟!

تبتسم ماسة بمزيج من تأثر وإعجاب ..و..غيرة!
غيرة طفيفة لم تشأ الاعتراف بها وهي ترى هدية ديمة التي كانت كوباً أبيض طبعت عليه صورة ..
صورة هالة !!

هذه التي ما إن رآها سند حتى دمعت عيناه بمزيج غريب من حزن وفرحة وكلمته اليتيمة تتردد ك"عصفور سجين" بين شفتيه :
_ماما ..ماما ..ماما ..

يقولها وهو يقبل الكوب الفارغ تارة ..يضمه لصدره تارة ..يمسح به جبينه تارة أخرى ..ثم يعاود النظر إليه بعينين دامعتين وشفتاه تتحركان بتمتمة خافتة غير مفهومة ..كأنه يناشد الغالية الراحلة أن تعود ..
يتلفت حوله أخيراً كأنه يبحث عنها ثم تعاود الدموع غزو عينيه لكن ديمة تجلس على ركبتيها أمامه ..تمسح وجهه بأناملها هاتفة بصوت يشبه رجفة انفعاله :
_هالة معنا ..حولنا ..صدقني ..أنا ..أنا أراها .

ينعقد حاجبا ماسة وهي تشعر بغرابة حديث ديمة التي كانت تردف بنبرة ظاهرة الصدق:
_أجل أراها ..تعانقني ..تربت على كتفي ..لكنها الآن مستاءة مني ..تعطيني ظهرها ولا تكلمني ..لا تجعلها تتضايق منك أنت الآخر !

ترتجف شفتا الصغير وهر يبحث حوله فتشعر ماسة بالارتباك وهي لا تدري صحة تصرف ديمة بهذا القول في موقف كهذا ..
لكن الصغير يمنحها الجواب وهي ترى ديمة تتناول منها الكوب لتصب اللبن في الكوب خاصتها -بصورة هالة_ ثم تعطيه للصغير فيشرب اللبن دون اعتراض!

_جيد ! "يبدو" أنك تعرفين جيداً ما تفعلينه !
صوت عاصي المهيب يظهر في الصورة فجأة ينثر ذبذبات نفور في قلب ديمة التي رفعت عينيها إليه ببعض الخوف الذي لا تملكه..
يالله !
كيف كانت هالة تتعامل مع رجل مثله ؟!

بينما يتقدم عاصي أكثر ليتناول الكوب ناظراً لصورة هالة ..
غابات زيتونه تشتعل بنيران ذنب لايزال عاجزاً عن تكفيره ..
خاصة وسند يرمقه بهذه النظرة الغريبة ثم ينتزع الكوب منه بقوة تناسب طفولته ليضمه لصدره ..

_تريد أخذه مني هو الآخر؟! ألا يكفيك أنك حرمتني من أمي؟!

لم ينطقها سند لكن عاصي سمعها !!
سمعها ب"أذن" ذنبه لتتفجر شظاياها في روحه !!
لهذا عاد يرمق ديمة بنظرة غريبة غامضة ليقول متماً جملته السابقة :
_أتمنى أن يكون هذا حالك في حياتك كلها .

ينعقد حاجبا ماسة بمزيج من الدهشة والضيق وهي تشعر أن عاصي يخفي عنها الكثير بشأن ديمة التي ازدادت سطوة الخوف على ملامحها :
_ماذا تقصد يا سيد عاصي؟!

يهم عاصي برد موارب لكن نظراته تعلقت بهذه التي غادرت بيته للتو لتقترب منهم وقد تشبث نور وضياء بطرفي ثوبها ..
طيف!
نظراتها المشتعلة تميز عينيها المتوهجتين وقد تعلقت بديمة ..
تقترب أكثر بنفس العنفوان الهادئ الذي يحيط هالتها كأنها لم تفجر ألغامها في حقوله الهادئة بعودتها الكارثية ..
لينقل عاصي بصره بينها وبين ديمة للحظات بنظرة غامضة ..
قبل أن يخاطب ديمة مشيراً لطيف بكفه :
_أختي!
=======
رغم ما أثارته كلمة "أختي" في روحها من شجن -خاصة وهو يعرفها بهذه البساطة الظاهرة-لكن طيف تتجاوز عن هذا وهي تتفحص ملامح ديمة التي بدت لها شديدة الفتنة ..
جمالٌ كهذا غريب في هذا البلد لاريب أن خطواتها في أي مكان تسبب زحاماً مرورياً معتبراً و..مبرراً !
وجه سينمائي بعينين ترويان ألف حكاية وجع ..
كأنها "بطلة" فرت من أوراق رواياتها لتتجسد لحماً ودماً !!
لهذا دفعها الفضول لتسأل بفظاظتها المعهودة :
_من هذه ؟!

_ديمة ! كانت صديقة هالة والدة سند ..تقيم هنا .
تقولها ماسة ببعض التحفظ وهي تراقب ملامح سند الذي تشبث بثوب ديمة ..
فتطلق طيف صوتاٌ ساخراً وهي تكتف ساعديها هاتفة :
_جامدة القلب أنتِ يا ماسة إذ تقبلين وجود قنبلة فتنة كهذه بالقرب من زوجك مع سوابقه المتعددة بالزواج .

يحمر وجه ماسة بانفعال من سلاطة لسانها رغم اعتيادها عليها لكنها تشعر أنها تجاوزت كل الحدود هذه المرة ..
ربما لأنها مست هاجساً حقيقياً بداخلها ..
فيما تشحب ملامح ديمة حد الموت وهي تتشبث بسند الصغير الذي أخفى وجهه في ثوبها ..
أشباحها تعاود فرض سطوتها على روحها فيشمت"الأسود " ويبتعد "الأبيض" ويغضب الأرجواني منذراً بانتقام !

لكن طيف تتمادى في فظاظتها وقد غرها حلم عاصي لتردف مخاطبة ديمة :
_لا أرى "الحلوة" قد تضايقت من كلامي ..هل يروقك ما أحكي عنه ؟!
وانفجر الوضع كله في لحظة !!
لم يعلم أحدهم كيف تحركت ديمة بهذه السرعة لتخمش وجه طيف بأظافرها بحركة خاطفة هاتفة بغضب غريب على طبيعتها "الظاهرة":
_أنا هنا بإرادتي لأجل طفل يراني كما أراه الدنيا وما فيها فاحتفظي بقاذورات أفكارك لنفسك .

تندفع طيف نحوها لتشد شعرها وهي تهم بخمش وجهها هي الأخرى لكن عاصي يكبل حركة ذراعيها وهو يجذبها نحوه لتلتقي عيناها بعينيه المشتعلتين بغضب فتكاد تقذفه بواحدة من عباراتها اللاذعة لكن ..
بكاء سند أخرسها !!

_عودي للداخل!
يقولها عاصي بصرامة مخاطباً طيف ليردف وهو يميل على أذنيها بهمس خافت:

_احفظي لسانك أمام أولادي .

تشتعل ملامح طيف وقد وخز قلبها بكاء سند الصغير إنما تأخذها العزة بالإثم فتحرر نفسها من ذراعي عاصي لتهتف بحدة :
_الأمر في يدك ..حقق لي ما جئت لأجله وبعدها أعدك أنك لن ترى وجهي ثانية .

ينعقد حاجبا ماسة بضيق حقيقي وهي تمسد بطنها شاعرة بالاختناق من هذا الموقف كله خاصة وهي لا تفهم ما تحكي عنه طيف ..
فيما يكز عاصي على أسنانه وهو يرى طيف تندفع نحو الداخل بعد عبارتها فيدخل بدوره لاحقاً بها فيما تعطيهم ديمة ظهرها وهي تتحرك بسند نحو جانب بعيد من الحديقة تحاول تهدئته ..

_رأيتِ ماذا فعلت "طنط ديمة الحمراء"؟! أعجبتني! ظننت "عمتو" ستأكلها لكنها كانت قوية ..."تش ..تش ..تش" ..
يكرر ضياء اللفظ الأخير وهو يضم قبضته في وضع لكمات متتالية مقلداً ديمة ..
فتضحك نور لأول وهلة لكنها تعاود النظر لسند من بعيد قائلة :
_لكن سند خاف!

_اسكتا وتعاليا للداخل .
تهتف بها ماسة بانفعال وهي تدفعهما أمامها للداخل بينما تنظر للخلف تطمئن على سند في كنف ديمة ..

تدخلهما غرفتهما ثم تبحث عن عاصي لتجده واقفاً في المرسم أمام لوحته الأخيرة منعقد الحاجبين ..
تقترب منه بخطوات متثاقلة فتلين ملامحه وهو يهدهد الخوف الفضي في حدقتيها قبل أن يستدير نحوها بكامل جسده ليحتويها بين ذراعيه صامتاً ..
تشعر بخفقات قلبه الهادرة تحت راحتها المبسوطة على صدره فترفع إليه عينيها هامسة بقلق:
_لماذا عادت طيف؟! الأمر لا يريحني ..أشعر أنكما تخفيان الكثير .
يطلق زفرة مشتعلة وذراعاه يشتدان لا إرادياً حولها فتردف بالمزيد من القلق:
_لا تقل إنك لن تخبرني ..بالله عليك لن أحتمل المزيد من الضغوط ..كفاني كل الذي يحدث حولي .

يتهدج صوتها في كلماتها الأخيرة واشياً بقرب بكائها فيربت على وجنتيها برفق لتغيم عيناه بنظرة قاتمة مع رده :
_أعرف أنك تحتملين الكثير ..لا أريد أن أزيد قلقك لكن ظني أن الأيام القادمة ستحمل الأصعب .
_عاصي!
تهمس بها بمزيج من رجاء وترقب ليشيح بوجهه نحو اللوحة من جديد ..
يراقب رسم "الفلامنجو" الغريب على لوحته والذي يحمل توقيع طيف بينما يحكي لماسة باقتضاب ما قالته أخته وسبب عودتها .

لتشهق ماسة أخيراً بارتياع وهي ترتد للخلف هاتفة :
_ياللمصيبة !طيف حدث معها هذا ؟! لا أصدق!!
_لا تصدقين.
يقولها بنبرة غريبة بين تقرير وسؤال وعيناه شاردتان بنفس النظرة القاتمة لتنظر ماسة للوحته بتشتت هاتفة :
_ما الذي ستفعله في هذه الكارثة ؟!
تشتد نظراته قتامة وهو يتحرك مبتعداً نحو نافذة المرسم المطلة على الحديقة فتلحق به ليغمغم بصمت مقتضب:
_ما ينبغي فعله !
_عاصي!
تهتف بها بانفعال ضائق فيلوح بسبابته في وجهها قائلاً:
_دعي كل شيئ لوقته ..ولا تتحدثي معها عن الأمر فلن تصدقك قولاً .

تمسد جبينها بأناملها وهي تشعر بالصدمة تكاد تفقدها صوابها ..
لأول مرة تشعر أنها عاجزة عن قراءة رد فعل عاصي في مصيبة كهذه ..
عاصي القديم كان ليدفن طيف حية مع ذاك الرجل دون لحظة تفكير بعدما حدث !
لكن ..عاصي الجديد ماذا سيفعل؟!

تنقطع أفكارها وهي ترى طيف عبر النافذة تعود للحديقة حيث ديمة وسند فتهتف بجزع:
_يا إلهي! سيتشاجران من جديد ...
تهتف بها وهي تهم بالمغادرة كي تتوجه للحديقة لكن عاصي يمسك ذراعها برفق قائلاً بنبرة خبيرة :
_دعيهما ..لا أظن طيف عادت لتتشاجر .

تتردد قليلاً وهي تراقب طيف من جديد عبر النافذة ..
خطواتها الفتية لا تفضح مشاعر ..
لكنها تتثاقل أخيراً وهي تقف أمام سند وديمة ..
كانت تعطيها ظهرها فلم تتبين ملامحها لكن ردة فعل ديمة لم تكن شديدة الحدة ..

_هاتان المجنونتان! أخشى على سند بينهما!
تهتف بها ماسة بنفاد صبر لكن عاصي يراقبهما من بعيد ليقول بنبرته الغامضة :
_دعيهما معاً ..لا تتدخلي بينهما ..ظني أن كلاً منهما ستمنح الأخرى "شيئاً" تحتاجه !
========
تتحفز ديمة في جلستها وهي ترى طيف تقترب منها ..
"شبحها الأرجواني" يتخلى عنها في هذه اللحظة لتغلبها طبيعتها "الزرقاء" فتنكمش مكانها وهي تضم سند إليها ..
فيما تقترب طيف أكثر وعيناها مسلطتان على الصغير ..
رغم أن ألم خمش أظافر ديمة لوجهها لا يزال طازجاً على بشرتها لكنها تتجاهله وهي تتقدم نحوهما تسوقها عاطفتها قبل عقلها ..

سند ..
مجد ..
طيف ..

ما أشبه الليلة بالبارحة !
وجوه مختلفة لأرواح متشابهة صاغها الوجع منذ الميلاد ولا تدري بأي خاتمة سيجود القدر !
ربما لهذا جاهدت طبيعتها المتنمرة بطبيعتها لتعود إليهما !

_لا تخف ..نسيت هذه بالداخل فأحضرتها لك .

تقولها بلهجتها الجافة الفطرية مخاطبة سند وهي تعطيه "بطته" الصفراء البلاستيكية الصغيرة فيتردد الصغير قليلاً وهو يتشبث بديمة أكثر ..
لكن طيف تنحني لتجلس قبالتهما على عشب الحديقة ثم تقرب البطة البلاستيكية منه قائلة بنفس النبرة الجافة ظاهراً :
_خذها..ألم تفكر أنها افتقدتك عندما تركتها وحدها ؟!

تتسع عينا سند بتفاعل مع كلماتها لتردف طيف وهي تحرك البطة على صدر الصغير تمسده ببطء:
_ضمها إليك ..قل لها أنك لن تتركها ..طمئنها كما تطمئنك .

تنفرج شفتا ديمة بدهشة مشوبة بالارتياب وهي ترى سند يفعل مثلما قالت طيف ..
شفتاه تتمتمان بكلمات غير مسموعة وهو يغمض عينيه ضاماً لعبته لصدره بكفيه الصغيرين وظهره ملتصق بصدرها هي ..

تعود ببصرها نحو طيف بنفس الارتياب لترمقها الأخيرة بنظرة طويلة صامتة قبل أن تقول بشرود :
_لو كنتِ تهتمين لأمر الصغير حقاً فعلّميه أن لذة الحب ليست فقط في أخذه بل أحياناً تبدو ذروة اللذة في منحه !

تقولها طيف وهي تشعر أنها أصدق ما قالته في عمرها كله !!
يوماً ما عندما تلتقي ب"سندبادها" ستخبره أن هذا أعظم درس علمه لها ..
أنها عاشت عمرها كله تنتظر من يمنحها العاطفة فلم تذق لها طعماً ألذ مما وجدته في متعة منحِها بكف وأخْذِها بآخر !
لا ..لم تندم على ما منحته ولن تفعل حتى تفهم ..
وستفهم !

تنتبه من شرودها لنظرات ديمة المحدقة فيها فتطلق زفرة قصيرة ..
تعترف أنها تجاوزت حدودها معها لهذا تعتذر "بطريقتها":
_لو كنتِ تقيمين هنا فقط لأجل سند فأنتِ إما أكثر أهل الدنيا طيبة أو أكثرهم حماقة !

تحدجها ديمة بنفس النظرة المتوجسة وهي تشعر بمزيج من الخوف والارتباك ..
لكن "رماد" فطرتها النقية يترك العنان لإحساسها لعله يمنحه بعض الحياة ..
يخبرها أن هذه أمامها ليست بهذا السوء الذي يفضحه ظاهرها ..
والأهم ..
هذه "النظرة الآدمية" الجديدة التي لمحتها في عيني طيف ومنحتها هذا الشعور "النادر" الذي لم تصادفه في حياتها بعد هالة سوى مع ..حسام!
تنفض عنها الخاطر الأخير وهي تطرق برأسها لتضم سند إليها قائلة :
_وربما أكثرهم يأساً ..أكثرهم وحدة !
_وحدة ؟! ألا تنظرين لنفسك في المرآة يا "بنت"؟! أكاد أراهن أن عاصي الرفاعي يجعل لك حارساً خاصاً كي يصرف عنك عيون المعجبين أينما حللتِ ؟!

فظاظتها يخالطها مرح جاف بدا كالمزيد من الاعتذار ..
ورسم ابتسامة شاحبة على شفتي ديمة لتغمغم ولاتزال مطرقة بوجهها :
_الجمال أحياناً نقمة ..وأنا جربت حظي في الرجال .

ينتاب طيف المزيد من الفضول فتسألها باهتمام :
_احكي لي قصتك ..أنا أكتب الروايات ..من يدري ؟!ربما ألهمتني فكرة رواية جديدة !

_حكايتي رواية مكررة لن تستهوي أحداً ..
تقولها ديمة بنفس النبرة اليائسة وهي تضم سند الذي تكور في حجرها وبين كفيه كوبه و"بطته"..
لتربت على ظهره بهذا المشهد الذي مس قلب طيف لتجد نفسها تقترب في جلستها منهما لتشاركها التربيت على ظهر الصغير الذي رفع عينين مترقبتين نحو طيف كأنه يختبرها قبل أن يعاود دفن وجهه بين ذراعي ديمة ..

_جربي!
تقولها طيف بفضول وهي تمني نفسها بحكاية تنسيها مرور أيامها هنا حتى يأتيها عاصي بسندبادها ..وظنها أن اليوم ليس ببعيد !

فتصمت ديمة لدقائق طالت يحتدم فيها صراع أشباحها داخلها فلا يبدو منه على ملامحها سوى شحوب خوف ..وضياع ..

_لهجتك شامية .
تحاول بها انتزاع المزيد من كلماتها لكن ديمة تبدو وكأنها تغوص من جديد في صراعاتها ..لتردف بصوت متخبط :
_سورية ..جئت هنا لاجئة ..هالة من جلبتني إلى هنا ..التقيتها صدفة لتكون صديقتي وأحن البشر عليّ ..حتى تزوجنا ..

تعقد طيف حاجبيها وهي تتفحص ملامح الفتاة بفراسة ..
كلماتها تتقطع وكأن الحروف تمزق روحها بخروجها ..
أي سر تخفيه هذه البائسة ؟!
يزداد فضولها وهي تسألها باهتمام :
_وأين زوجك ؟!
_قتلته !
تقولها ديمة دون تفكير فتشهق طيف بعنف وهي تحيد ببصرها نحو سند تختبر رد فعله على كلامها لكنه لحسن الحظ كان قد استسلم لغفوة بين ذراعي الأرجوانية الشاردة ..

_هذه هي الحكاية التقليدية التي لن تستهوي أحداً ؟! قتلت زوجك ؟! هكذا ببساطة كأنك تقولين "غسلت الخضار!"..هل تغيرت مصر كثيراً عما تركتها ؟!
سخريتها الفظة تخفف سوداوية الموقف فتعود إليها ديمة من شرودها كأنها لم تنتبه لما حكته بينما طيف تردف بنفس التهكم :
_وماذا تفعلين في بيت عاصي الرفاعي؟! تنفذين العقوبة ؟!

_قتلته ..هنا !
تهمس بها ديمة بشحوب وهي تشير بسبابتها المرتجفة نحو رأسها فتطلق طيف صوتاً ساخراً وهي ترفع أحد حاجبيها بينما تحلق إبهامها مع سبابتها في وضع استحسان قائلة :
_أعرفه هذا "القتل" الحلال..أمارسه كثيراً ..العالم مليئ بالأوغاد الذين يستحقونه ..أخبريني حقاً أين زوجك ؟!

_مات ..يقولون أن أحدهم قتله في فراشه .
_يقولون؟!
_لا أعرف تفاصيل ولا أريد أن أعرف .
تغمغم بها ديمة بصوت مرتجف وقد غابت عيناها في شرود قصير أنبت قطرات عرق غزيرة على جبينها لتدرك طيف بحدسها أن هذه البائسة تواجه جحيماً بداخلها لا يعلم عنه أحد ..
لكن ما شأنها هي؟!
مالها وللناس؟!
فلتبقَ في صومعتها الحامية كفاها ما نالها من أذى الخلطة !!

لهذا ردمت بئر فضولها عامدة لتغير الموضوع وهي تعود ببصرها نحو سند ..
تتأمله بنظرة غريبة لتقول:
_أن يأتمنك طفل مثله على أمانه لشيئٌ عظيم ..قلوب الأطفال لا تخطئ التأويل ..لا أذكر متى كانت آخر مرة اعتذرت فيها لأحدهم وظني أنني لم أفعلها في حياتي ..لكن لو كنتِ أنتِ هنا فقط لأجل الصغير فأنتِ تستحقين اعتذاراً لا أعرف كيف أقدمه .

يهيأ إليها أن ديمة لم تسمعها وقد عاد شرودها يبتلعها فتتنهد طيف بعمق وهي تطرق برأسها قائلة :
_منذ عدت إلى هنا وأنا أحمل هم رؤية سند بالذات ..
_لماذا؟!

تسألها ديمة فتلتقي عيناهما بنظرة طويلة وقد بدت كلتاهما في هذه اللحظة -رغم التناقض الظاهري الشاسع بينهما- تحملان نفس الرماد القابع في خراب الروح ينتظر الريح كي تنثره لعل معجزة ترد له الحياة ..
لهذا تمنح طيف نفسها فرصة البوح بعد تردد قصير لتشيح بوجهها قائلة :
_حسناً ..لعلها ساعة حقيقة حان وقت الاعتراف بها ..لا يمكنني نفي شعوري بالمسئولية عما أصابه هو وأمه بسببي.
_بسببك ؟! أنتِ؟!
_ربما ..لم أكن سبباً مباشراً ..لكن ..الشرطة كانت تراقب عاصي وهالة مع ذاك المجرم حينها لكن الضابط وقتها لم يتحرك ليمنعه .."المغفل" ظن أنه ينتقم من عاصي لأجلي !

_حسام القاضي؟!
اللهفة التي امتزجت بكراهية ملحوظة في نبرة ديمة -والتي بدت غريبة على جمودها منذ بدأ الحوار- تجعل طيف ترمقها بنظرة متشككة قائلة :
_تعرفينه؟!
_لا!
ترد بها ديمة بسرعة لتطلق طيف صوتاً ساخراً وهي تقترب بوجهها من وجه ديمة وقد التمعت نظراتها الشرسة في ضوء الشمس هاتفة :
_ما رأيت في حياتي "لا" تعني "نعم" كهذه ! تبدين فاشلة في الكذب!

يمتقع وجه ديمة وهي تتلفت حولها بخوف لم يخفَ على عيني طيف لتردد الأولى ملوحة بكفها :
_لا أعرف أحداً..أنا تركت الصعيد وجئت هنا لأجل سند ..هو دين هالة في رقبتي ولن أفرط فيه .

يتململ سند بين ذراعيها منذراً بقرب استيقاظه فتعاود ديمة التربيت على ظهره ليعود لغفوته فيما تنهض طيف من جلستها لتنفض ثيابها وعيناها ترسمان حول ديمة ألف علامة حمراء !!

تهرب ديمة بوجهها منها فتهز طيف رأسها وهي تتحرك مغادرة دون تحية فتهتف بها ديمة بلهفة :
_انتظري ..لن تخبريني عن قصتك مع ذاك الضابط ؟!
فتطلق طيف صوتها الساخر المميز وهي تلتفت نحوها لتكتف ساعديها بنظرة متفحصة هاتفة :
_أنا أقبل المقايضة ..قصتك بقصتي ..لو قبلتِ العرض فأنتِ تعرفين أين سأكون !
=======
*أخضر*
=====
_أنا فشلت يا "إياد"! عجزي لم يعد مجرد ساق مبتورة ..

يقولها إيهاب وبيده "شريط الكاسيت" في غرفة إياد التي أغلقها خلفه ..
عيناه الدامعتان بعجز معلقتان بدبلتها في بنصره ..
أيام زواجهما القليلة لا تثمر سوى عن فشل بعد فشل والهوة بينهما تزداد عمقاً ..
لم يستطع مسها بعد ليلة الزفاف !
مشهدها وهي تتقيأ ظل في مخيلته كجاثوم مطبق فوق صدره ..
رغم أنه يعلم أنها تبذل ما في وسعها لتسترضيه من وقتها لكن ..
تلك "الخيبة" في عينيها تقتله !!

_هل هو ذنبك يا "إياد"؟! هل هو عقابي على ما فعلته بك؟! أن أُعذّب بها وهي أمام عيني محروماً منها كما تعذبت أنت بحرمانك من ورد أمام عينيك ؟! ليتني مثلك أملك شجاعة "الهرب"! أجل ..الهرب أحياناً شجاعة أجدني الآن عاجزاً عنها كما عجزت عن غيرها ..

يغمغم بها بألم وشعور الذنب يغرس رمحه في خاصرته ..
ليس وحده ..
بل هذه أيضاً التي أسندت رأسها على باب الغرفة الموصد من الخارج ..
لم يحكِ لها عن شيئ -ولا عزة- لكن "قلب الأم" المستبصر لم يكن يحتاج لدليل ..
ليلة العرس لم تكن سوى غيمة سوداء ثقيلة تهدد بسيل لن يرحم !
كلاهما ظلم نفسه بهذه الزيجة ولايزال يظن الثوب المهلهل يحتمل المزيد من الرُقَع!

تتنهد أخيراً بحرقة وهي تشعر أن عذاب قلبها كله يختفي الآن خلف باب هذه الغرفة ..
الوجع الذي انقسم بين "ابنيها" ..الآن يتحد في نفس المكان !

قلب "الأم" يستصرخها أن تقتحم خلوته لتضمه لصدرها فتمنحه من حنانها درعاً تعلم أنه لن يكفي وحده لصد سهام الألم ..
لكن عقل "خديجة" يعلم أن جدار "رجولته" المتشقق لن يحتمل ضربة أخرى ..

لهذا تتحرك بخطوات متثاقلة نحو المطبخ القريب لترى عزة وقد وقفت أمام الغلاية الكهربية شاردة النظرات ..

ترمقها بنظرة عاتبة غلبها إشفاقها وهي تتقدم نحوها لتربت على ظهرها قائلة :
_لم تنتبهي لغليان الماء ..أدركيه قبل أن يبرد .

تتنحنح عزة بارتباك وهي تلتفت نحوها بنظرة زائغة ..كالعادة يربكها حضور خديجة كطفلة مذنبة في حضرة ناظرة مدرسة ..
لهذا تتراجع بظهرها قائلة :
_لا بأس ..لم أعد أريد ..فقدت شهيتي .

تقولها وهي تغادر المطبخ لتتوقف أمامه للحظات ..
أين تذهب ؟!
البيت على اتساعه يبدو لها كسجن كبير ؟!
غرفة نومهما ؟!
تكرهها وهي تذكرها بإخفاقات كل ليلة ..
برأسها المثقل بدموعها على وسادتها وهو يعطيها ظهره يخاف تكرار الفشل ..
بشعورها الخانق الذي يمزقها أنها تهبط المزيد من درجات سلم التنازل ..
لكن ..ألا يحتمل أن يكون العيب فيها هي؟!
هي التي عجزت أن تكون أنثى حقيقية في عينيه كما كانت مع راغب؟!
هل هي مصادفة أن يرفضها "جسد" كل رجل تزوجته حتى ولو ارتضاها عقله "كراغب" أو قلبه "كإيهاب"؟!
تدمع عيناها بشعورها الآن بهوان نفسها ..
صارت تكره جسدها ..ملابسها ..زينتها ..حتى صورة مرآتها !!
"عزة الأنصاري" لم تكن سوى وهم أمام الكاميرات ..
بينما هي في الواقع لا تنال سوى ظلمة الكواليس!!

تدور بعينيها في الرواق بحثاً عن مكان آخر ..
غرفة إياد ..؟!
حيث يختفي إيهاب داخلها بالساعات ولا تدري ماذا يفعل هناك !
تخاف أن تسأل ..
تخاف اعترافه أنه يهرب منها ..
أنها صارت وزراً على عاتقه كما صار هو كذلك!!

هل تخرج إذن ؟!
تترك كل هذا خلف ظهرها وتنزل لتلقي نفسها وسط الزحام ؟!
تبحث عن "وشاحها الأخضر" في عيون الناس؟!
تباً !!
حتى هذا لم يعد يجدي ..صار يؤلم أكثر!!

غصة هائلة تستحكم حلقها فلا تجد مكاناً يؤوي دموعها سوى الحمام !!
تهرع إليه لتسكب دموعها خلف الباب المغلق كي لا يراها أحد !!

خديجة خلف الباب المغلق تبتسم بسخرية مريرة للمفارقة !
ابنها وزوجته صارا أسيريْ الأبواب الموصدة!


لهذا انتظرت صابرة حتى خرجت عزة وقد ظنت الأخيرة أنها أخفت آثار بكائها ..إنما ليس على قلب أم !!

تبتسم لها خديجة ابتسامة متحفظة وهي تمسك بكفها لتسحبها نحو الصالة القريبة فتجلس جوارها على الأريكة ..
تتفحص ملامحها لتقول فجأة :
_إيهاب يختبئ بحزنه خلف باب غرفة مغلقة ..تماماً كما كنتِ تفعلين منذ قليل في مكان آخر ..تعلمين متى ستنجح هذه الزيجة ؟! عندما يكون نفس الباب المغلق في غرفة واحدة هو ما يخفي حزنكما معاً !

تفهم مغزى عبارتها فتغمغم مدافعة رغم نبرتها المنهكة :
_لم أغضبه في شيئ! هل اشتكى لك مني؟!

كانت تثق أن إيهاب لم يفعل لهذا لم تتعجب قول خديجة :
_لن يفعلها! إيهاب يعتبر وجودك الآن في حياته -بأي صورة- أفضل معطياته .

فتغمض عزة عينيها مغمغمة بتعب:
_ماذا تريدينني أن أفعل؟!
تربت خديجة على كفها لتجبرها على فتح عينيها قائلة :
_تعرفين ابني منذ ما يزيد عن الثلاثة أعوام صحيح ؟!
تومئ عزة برأسها إيجاباً فتعاود خديجة قولها :
_ماذا جذبك إليه ؟!
تصمت عزة للحظات وقد بدا السؤال لها مفاجئاً ..
تستعيد ذكرى لقاءهما الأول ..فتردد بين حنين ووجع:
_مرحه ..عفويته ..طيبة ملامحه ..ثقافته غير المتكلفة ..أخلاقه .
تتلعثم بعدها بارتباك لترفع خديجة حاجبيها قائلة :
_لا أظن صفات كهذه تبدو صعبة المنال لامرأة في مكانتك وشهرتك ..لابد أن هناك شيئاً ما مميزاً شدك إليه هو بالذات !

فتعض عزة شفتها بقوة انفعالها لتطلق بوحها :

_ربما لأنه هو الوحيد الذي اقترب دون أن يضغط عليّ ..حنانه كان يمسني دون أن يخترق حدود أماني ..ذراعاه يحيطان بي دون أن تروعني ضمتهما ..يشعرني أنه قريب حد الحماية إنما ليس حد الاختناق .

تهز خديجة رأسها بتفهم لتعاود سؤالها :
_وماذا عنه هو؟! لماذا اختارك أنتِ بالذات ؟!

تهز رأسها بجهل لتردف خديجة بنفس النبرة القوية :
_لأنكِ منحتِه -دون أن تقصدي- شعوره بقيمته عندك ..إيهاب خرج من تجربتين كلتيهما أسوأ من الأخرى ..كلتيهما منحته صورة سلبية عن نفسه .."الفاجومي" الذي يتباهى بلقبه لا يعرف أنه مجرد قناع لرجل يريد رؤية محاسنه في عيون تحبه .

_أنا أحبه !

تقولها بسرعة عفوية لتغمض عينيها بعدها بقوة ..
هل تكذب؟!
المصيبة أنها لا تعرف!!
كل ما تثق به أنها تختنق في بعده ..تماماً كما تختنق الآن بهذا القرب!!
كيف يمكن أن تتشوش الرؤية هكذا فتتحول سماؤه الصافية التي طالما أسرتها صورتها ل..ضباب!

تتفحصها خديجة بنظرات عميقة وهي تقرأ حيرتها على صفحة وجهها واضحة كالشمس ..
تختار تصديق "ظاهر" ما تبوح به فتتنهد بعمق قائلة :
_إذن ..أنقذي ما بينكما!
_كيف؟!
تسألها عزة بتشتت لترد بحاجبين منعقدين:
_لو كان كلاكما ضاع من الآخر في منتصف الطريق ..فعودا لتلتقيا حيث كانت البداية.

تعقد عزة حاجبيها بتساؤل لتبتسم لها خديجة بود وهي تحتضن كفي عزة بين راحتيها قائلة بما بدا لها الحل :
_عودا صديقين!
=======
_مباركٌ زواجكما! إيهاب يبدو بمزاج جيد ..خشيت أن يؤثر ما حدث ليلة الحفل على حالته !

تقولها قريبته التي جاءت مهنئة لهما على زواجهما وقد جلسوا جميعاً في غرفة الصالون ببيت خديجة التي لمحت شعور الذنب في عيني عزة ،وشعور الألم في عيني ابنها الذي رد رغم هذا بقناع "الفاجومي":
_بالطبع مزاجي في أحسن حالاته ! زوجتي أفضل امرأة في الدنيا! ما حدث ليلة الزفاف كان مجرد سوء تصرف ..صحيح أن أختها تطرفت في رد فعلها لكن ما يعنينا ؟! أنا وعزة نعرف كم يحب كل منا الآخر!
يقولها وهو يضغط كف عزة في راحته فتفهمها كدعوة لتأكيد ما يقول ..لتجد نفسها تغمغم بابتسامة مصطنعة :
_صحيح .

تبتسم قريبته وهي تدعو لهما بالبركة ثم تنخرط في الحديث مع خديجة في أمور جانبية ..
لتشعر عزة بإيهاب وقد تشبث بكفها بقوة أكبر للحظات ..
ترفع عينيها إليه وكذلك يفعل هو ..
لقاء "نادر" قلما صار يجسر كلاهما عليه !!
لحظة واحدة ..حملت اشتياق كل منهما ل"الوجه الحقيقي" للآخر..
قبل أن تقام السدود بينهما من جديد فيعاودان خفض بصرهما ..
كفه يترك كفها ببطء فتتشبث به هي ..
ثم تغلبها طبيعتها المترددة فتتركه أخيراً باستسلام !!

_سمعت إشاعات أنك ستتركين البرنامج !
تقولها قريبته لتشحب ملامح عزة وهي تدرك أن الشائعة تداولتها الكثير من المواقع والصحف طيلة الأيام السابقة ..
انتظرت أن يكذبها المخرج لكنه لم يفعل ..
وخشيت هي أن تسأل !
كأنما الهروب من الواقع سيغيره!
_لا! عزة لن تترك البرنامج! هم يطلبون منها بعض المواكبة لتغيرات الحال وهي تتفهم هذا وستحرص عليه .

يقولها إيهاب بنفس الابتسامة المصطنعة فترفع عزة عينيها إليه بصدمة !
لماذا يبدو وكأنه يحرضها على المزيد من التنازلات ؟!
"الفاجومي" القديم لم يكن ليقول هذا أبداً !!
تراه فقط يدافع عنها أمام قريبته ؟!


تنهض قريبته لتغادر بعد أحاديث تقليدية غاب عنها ذهنها فيودعونها لتشعر به عزة ينسحب للداخل بخطوات مهزومة تناقض مرحه الظاهر منذ قليل..
ترمقها خديجة بنظرة ذات مغزى كأنما تذكرها بحديثهما ثم تدخل غرفتها لتمنحهما مساحة من الخصوصية ..

تتردد عزة قليلاً وهي لا تدري ماذا تفعل ..
لكنها تترك نفسها لنصيحة خديجة ..
فليعودا لأول الطريق ..صديقين!

تبحث عنه لتجده يتهيأ لحلق ذقنه أمام مرآة باب الحمام المفتوح وقد أمسك أنبوبة معجون الحلاقة ليضع منه على وجهه
حلاقة ؟!
الآن؟!
تنتبه لحرصه المبالغ فيه على مظهره هذه الأيام خاصة أمام الضيوف المهنئين فيخفق قلبها بالمزيد من الشفقة نحوه ..
يراها عبر المرآة فيخفض عينيه عنها وأنفاسه تكاد تشتعل كعهده كلما رآها مؤخراً ..
ألف مطرقة تهوي فوق ضلوعه وهو يشعر ب"خزي رجولته" أمامها هي بالذات !
يحاول تصنع ابتسامة لكن قناع "الفاجومي" يخذله أمامها ..
كلاهما يتحاشى التحدث عن الأمر منذ ليلة الزفاف ولو أنه يفكر في الأمر كل يوم ..
ربما لو نجح في طبع وشمه على جسدها لوجد حينها أرضاً جديدة مشتركة بينهما !
الخزي .العجز ..
الغضب ..
والذنب ..
دوامة يدور فيها ولا يرسو معها على قرار !!


_أحب رائحته .

صوتها ينتزعه من جحيم أفكاره الذي يحترق به لكنه يعجز عن رفع عينيه إليها ..
تقترب أكثر لتتشمم معجون الحلاقة على بشرته ثم تغمغم بعينين مغمضتين ابتلعهما شرودهما :
_كان أبي يستعمل واحداً رائحته شبيهة بهذه كثيراً ..لا أذكر عنه أشياء كثيرة لكنني أتذكر هذه الرائحة ..ربما لأنها مثلت عندي رائحة الأمان الذي فقدته بعده ..عندما رسبت لأول مرة في دراستي واضطررت لتركها لأعرف معنى أول فشل في حياتي ..عندما فُسخت خطبتي الأولى ..عندما شهر بي ذاك الوغد أيامها ملطخاً سمعتي ..في كل مرة من هذه كنت أشتري أنبوبة كهذه ..أفتح غطاءها وأتشمم رائحتها كأنني أطارد سراب الأمان المفقود ..تعلم؟! عندما تزوجت راغب كان أحياناً يقوم بحلاقة ذقنه في شقتنا ..لكن الغريب أنني لم أشم هذه الرائحة أبداً في "معجون حلاقته" ! لا أدري هل كانت مختلفة حقاً أم أنني كنت أذكى من مطاردة سراب لن يكون لي!

لم تكد تنتهي من عبارتها حتى سمعت صوت الأنبوبة تسقط من يده قبل أن تشعر بذراعيه يضمانها نحوه بقوة ..
قوة تشتد عتية لأول لحظة وتجبرها أن تفتح عينيها مواجهة عينيه ..
عاطفة تصرخ كالشمس بين حدقتيه ..
حنان يلفها بهذه الغلالة التي طالما اشتهت نسيجها ..
عجز تشفق عليه منه ..
و..خوف تشاركه فيه !!

لكن ذراعيه يتراخيان في النهاية حول خصرها وهو يشيح بوجهه كأنه يخفي عنها سعير دواخله !
تكتم أنة خافتة كادت تهرب من شفتيها ..
كيف تخبره كم تحب عناقاً كهذا .. وكم تكرهه !!


تتجاوز عن أفكارها السلبية وهي تتناول ماكينة الحلاقة القريبة لترتجف ابتسامة على ثغرها مع سؤالها :
_تسمح لي؟!

يفتح عينيه وهو ينتبه لما تقصده فيطرق ببصره وهو يسألها بصوت مبحوح:
_واثقة أنك تشمين الرائحة الآن جيداً ؟!

تزداد ابتسامتها ارتجافاً وهي تومئ برأسها ..
تكذب؟!
لا !
الأسوأ من أنها تكذب أنها لم تعد تميز الصدق من الكذب!!
الأصباغ اختلطت فتاهت الألوان !!
بينما يشعر هو أنه يتمزق بعذابه بها ..
كل ذرة تعقل داخله تأمره أن يطلق سراحها من أسره لكنه -ببساطة- لا يستطيع!

تبدأ في حلق ذقنه بأنامل مرتعشة تشبه صوتها :
_الأمر يبدو أسهل من بعيد ..أخاف أن أجرحك !

لكنه يحتضن أناملها الممسكة بالماكينة على وجنته كي يمنحها بعض الدعم ..
وللأسف ..أنامله أشد ارتجافاً من أناملها ..
فتجرحه الشفرة !!

تشهق بخوف لمرأى الدم فتهرع لتحضر ما تطهر به الجرح البسيط ..تعتذر بكلمات مرتجفة لكنه يبتسم لها مطمئناً ويصر أن تكمل ما ..بدأته !

_شكراً!
يهمس بها أخيراً بعدما أنهت مهمتها بعاطفة توهجت في عينيه قبل أن يعود الخزي و..يطفئها !

لكنها تصر أن تكمل ما انتوته فتقول له ببساطة مصطنعة :
_الجو رائع بالشرفة ..أريد تجربة تلك الأرجوحة التي اشتريتها لنا هناك .
_أشعر بالإرهاق ..دعيها ليوم آخر.
يقولها هارباً ..وخائفاٌ ..
لكنها تمسك كفه هامسة :
_أرجوك ..أنا أفتقد فيك رجلاً ..كان صديقي!

تضرعها "الحقيقي" يكشف سوءات كل ادعاءاتها السابقة !!
نقطة بيضاء صريحة وسط زخم الألوان الذي يلطخ لوحتها !!
فكيف له أن يرفض؟!

خطواته تشبه خطواتها في ثقلها وهو يتوجه بها نحو الأرجوحة العريضة التي جعلها في شرفة البيت الكبيرة ..
يجلسها ثم يجلس جوارها وهو لا يدري أي باب حديث يفتح ..

_عندما اشتريتها كانت أكبر مخاوفي أنها لن تحتمل وزني وقتها ..ظللت أستحلف البائع عشرات المرات أنها لن تنكسر بي ..لم أكن أعلم وقتها أن فقدان عدة كيلوجرامات ستكون أهون مشاكلي يوماً ما !

مرحه المعهود تخالطه الآن مرارة حقيقية لطخت حروفه واستنفرت شعورها بالمزيد من الإشفاق نحوه ..
لهذا حاولت التغلب على مرارتها الشخصية ..
هي تزوجته لتسعده ..فلتفعل!
تتحرك لتغير جلستها فتتمدد على الأريكة لتسند رأسها على ساقيه ..تتناول كفه لتبسطه على وجنتها ..
تحتفظ بصورة ساطعة للقمر والنجوم التي التمعت في السماء ثم تغمض عليها عينيها !

يرتجف جسده تأثراً بها وهو يراها في ضوء القمر هكذا بين ذراعيه كأجمل مرة رآها فيها ..
دفء أناملها على كفه يحكي سطوراً من اشتياق ..
قالت إنها تفتقده كصديق ..!
حقاً يمكنه الفرحة بشيئ كهذا ؟!

أنامله الحرة تداعب خصلات شعرها وصوته الحنون يلقي مرارته جانباً مكتفياً برنة احتوائه :
_تكلمي يا "جنيتي"..تكلمي وامنحيني السكينة !

تبقي عينيها مغمضتين على صورة لامعة لقمر ونجوم ..
ووجه"صديق" تحبه ..
لتهمس له بخفوت :
_وتعدني أن تتكلم أنت الآخر؟!
_عمّاذا؟!
_كل منا سيتحدث عن مخاوفه .
_حتى ولو لم يكن الآخر قادراً على منحه الحل؟!
_كفانا دفء المشاركة ! تماماً كما نفعل منذ سنوات .
همسها يبدو له شديد الوضوح بعيداً عن طبيعتها المتذبذبة في لحظة صفو نادرة ليصمت للحظات ثم يتنهد هامساً :
_اتفقنا .
همسه الخفيض يمنحها المزيد من حميمية القرب فتنفلت منها أنة خافتة وهي تنطلق في بوح غير منظم ..تشكو له من هيام ..تخبره أن زوجها اتصل بها يعتذر منها عندما علم بما فعلته لتخبره عزة أنها قطعت علاقتها بها تماماً وأنها لن تعود لتعترف بها أختاً ..تخبره عن خوفها من أن تفقد كينونتها في برنامجها ..هويتها التي توشك أن تضيع ..لتنهي كلماتها بقولها :
_أخاف أن تعود أختي فتؤذيني ..أخاف أن أكرهها ..أخاف أن أفقد البرنامج .."عزة الأنصاري" التي بنيتها في عيون الناس ..وأخاف أن ..أفقدك .

كانت راحته تتحرك بوتيرة منتظمة على وجنتها منذ بدأت بوحها لكنها تجمدت فجأة مع كلمتها الأخيرة ..
تفتح عينيها لتلتقي بهذه النظرة المقهورة في عينيه قبل أن يشيح بوجهه ..
فينقبض قلبها وهي تشعر بعجز يشبه عجزه ..
كيف تمد له يداً ؟! ما أقصر ذراعيها هاهنا!!

تنهض من رقدتها فيتحفز في جلسته لكنها تميل رأسها لتهمس بابتسامة واهنة :
_دورك!
ابتسامتها تصيبه ب"عدوى طفيفة" لتحمل شفتاه مثلها ..وإن خرج همسه متوجعاً بتهكم طفيف:
_لكنني لم أمنحك حلاً لمخاوفك!
_اتفقنا أن كفانا دفء المشاركة !

تتسع ابتسامته المرتجفة وأنامله تعبث بخصلات شعره تعيده للوراء ..وليته كان يملك "صلاحية العودة للوراء" في كل ما يريد ..!

يراها تشير له نحو ساقيها كي يتخذ مجلسه كما كانت تفعل فيستجيب وهو يشعر ب"ثقل" رأسه على ساقيها ..
كم ستحتمله ؟!

يراها تربت على وجنته بنفسها دون أن تنتظر مبادرته ..
يرفع عينيه نحو السماء وعلى عكسها لا يغمض عينيه على قمر ونجوم ..بل ..شهاب يهوي محترقاً !
صمته يطول بما يناسب رجلاً اعتاد التكتم خلف قناعه ..
فتهمس متسائلة:
_دعني أخمن ..إياد ؟!
تشعر بتشنج عضلة فكه تحت أناملها فتردف بنفس الخفوت :
_أراك تختفي داخل غرفته كثيراٌ !
_تعرفين ماذا كانت آخر كلماته لي؟!
يقولها بعد صمت قصير فتصمت بدورها احتراماً لبوحه ليردف بصوت أثقله ذنبه :
_كتبها لي بعد موت ورد في رسالة على الهاتف من رقم غريب لم أستطع تتبعه ..لازلت أحفظها حرفاً حرفاً :"هل شقّ عليك كثيراً أن تتركها لي ما بقي لها من عمرها القصير؟! هل كان من الصعب حقاً أن تتركني أتنفس حبها بحرية قبل أن تخمد شعلته للأبد ؟! هل عجزت أن تكون أخاً حقيقياً في المرة الوحيدة التي احتجتك فيها ؟! "..

ينقبض قلبها بلوعة مع همسه الذي اندلع كالحمم من صدر طالما كتم "رماد ذنبه" في قفر ضلوعه :
_ثلاثة أسئلة قضيت الأيام بعدها أبحث لها عن جواب ..لماذا فعلت به هذا ؟!
_أنت أخبرتني أن ورد -رحمها الله- كانت تحبك أنت !
تهمس بها بخفوت محاولةً التسرية عنه ليرد مغمض العينين :
_كنت خارجاً لتوي من تجربة فاشلة مع فتاة انتقصت من قدري..الحب الأول وصدمة الغدر الأولى ..ذاك الشعور القميئ بالدونية وأنني لا أرتقي لتطلعات إحداهن ..وفي أشد لحظات وهني تلك صارحتني ورد بحبها ..صدمتي كانت جلية وأنا الشاهد الصامت على حب إياد لها ..رفضتها أول وهلة ..أخبرتها أنني لا أراها سوى "أخت صغرى" ..لكن عمي وقتها جاءني ليرجوني أن أقبل الزواج منها رأفةً بمرضها ..كان يتمنى أن يسعدها زواجها بي فيمنحها القوة لمقاومة آلامها وهزيمة مرضها ..أخبرته أن إياد يحبها لكنه رفض نسب "أبيه" السيئ كما أنها كانت متعلقة بي أنا بما يشبه الهوس ..

تهز رأسها بأسى وهي لا تدري بماذا ترد ..
كانت تعرف "قشور" القصة التي رواها لها "الفاجومي" يوماً ببساطة تليق بقناعه ..
لكنها أول مرة تسمعها بهذه التفاصيل الصغيرة الغارقة في ألمه العظيم ..وذنبه الأعظم !!

_إياد لم يعاتبني ساعتها..نظر لي نفس النظرة التي قابلني بها أول مرة عندما عاد من العراق ليسكن معنا في بيت أبي ..نظرة المنبوذ الذي يستحلون سرقة حقه ..لم يقلها لي لكنني كنت أراها في عينيه وهو يراني بين أبي وأمي بينما عاش هو سنوات ليست بالقليلة محروماً من حنان أم وأب ..تربيه زوجة أبيه التي كانت تكرهه كراهيتها لأبيه ..حتى أخوه -غير الشقيق- من أبيه علم أنه هرب بعد وقت ما فلم يعد يعرف عنه شيئاً ..كان محروماً من عائلة ..من حب ..وكنت أنا محظياً بكل هذا ..لتزداد حسرته وهو يراني أخطب الفتاة التي أحبها.."ورد" التي كان لها من اسمها نصيب ..قصيرة العمر كانت ! ماتت بين ذراعي بعد خطبتنا بعام .."عزائي" أنها ماتت سعيدة بقربي ..و"عذابي" أنها ماتت بعيدة عنه هو..هو الذي ترك كل شيئ خلفه وهجرنا ..فلم يصلني منه خبر بعد وفاتها سوى رسالته التي أخبرتك عنها .

_أنت منحتها سعادة -ولو زائفة - قاومت بها آلام مرضها في عمرها القصير .
تهمس بها لعلها تمنحه بعض العزاء فتلتوي شفتاه بابتسامة مريرة :
_ومنحته هو عذاب ما تبقى من عمره ..شعور المنبوذ الطريد الذي يبدو أنه لن ينساه !

دمعة ساخنة تترقرق على جانب عينه تمسحها أناملها بسرعة وهي تميل بوجهها لتحتضن وجهه بكلتا راحتيها هامسة :
_لماذا تتذكر كل هذا الآن ؟!
_سألتني عن أكبر مخاوفي ..أكبر مخاوفي أن يعود ..ولا يعود !
يتحشرج بها صوته وهو يردف موضحاً بانفعال علت معه نبرة صوته :
_أن يعود إياد ولا يعود "أخي" ..أخي الذي عرفته ..أو أن يموت أحدنا ولايزال ذنبي واصماً جبيني ..منذ غيابه وأنا أسجل له "شرائط الكاسيت" التي كانت أيقونة صداقتنا يوماً ..أدخرها له لعلها تشفع لي عندما يعود ..وكل ما أخشاه أن يفرق بيننا الموت قبل أن يسمع مني ليدرك كم كنت أتعذب مثله وربما أكثر!

_يالله! وكأنني أسمع واحداً لا أعرفه ! كنت تخفي كل هذا داخلك طوال هذه السنوات دون أن تخبرني ..وأنا التي ظننتنا صديقين؟!
تهمس بها بعجب مشوب بالإشفاق فيفتح عينيه فجأة كأنه يتعجب من فيض بوحه الذي اندفع هكذا دون سدود ..!!


ينهض من جلسته ليأخذ نفساً عميقاً وهو يشيح بوجهه عنها قائلاً بمرح مصطنع أعاد له قناع "الفاجومي":
_خسارة هذا الجو الشاعري في جلسة بائسة كهذه ! لاريب أنكِ تشعرين بالنعاس .
لكنها تدير وجهه نحوها لتهمس بصدق:
_بل أشعر بأنني قريبة منك..قريبة حقيقةً لا ادعاءً ..افتقدت هذا الشعور منذ ..ليلة الحادث !
ليلة الحادث!

وكأنما فكت الجملة الأخيرة سحر لحظات الصفو التي ظللتهما طيلة الدقائق السابقة ..
ليرتفع الحاجز "غير المرئي" بينهما في لحظة ويعود لكل منهما ثقل وزر الآخر على كتفه ..
اثنان تقربهما "الصداقة" ويبعدهما التفكير فيما بعدها ..
طريق يبدو طويلاً ..فهل يملكان الصبر لإكماله ؟!

ينهض واقفاً متجاهلاً الرد على عبارتها لتتجاهلها بدورها وهي تلجأ للصمت مجبورة ..
ليتهما يبقيان هنا!
حيث مغنمها به ك"رفيق روح"
ليتهما لا يعودان لغرفتهما التي تخنقها بنفورها من أن يكون "رفيق جسد"!!

الغريب أن هذا كان شعوره هو الآخر !
بقدر رغبته في أن يضمها إليه ..
يلصقها به ليصهرها معه في لهيب عاطفة يكتوي بها خافقه بين ضلوعه ..لكنه يخشى فشلاً يذبح رجولته من جديد ..
تباً !
أما لهذا العذاب من آخر؟!

_تصبحين على خير.
يقولها بخشونة لم يتعمدها وهو يعطيها ظهره ليتوجه نحو غرفتهما فتلحق به بخطوات متثاقلة وهي تشعر أن حديث الدقائق السابقة استنزف طاقتها كلها ..

رنين جرس الباب يقاطع أفكارها فتقف مكانها لتسأله بقلق:
_من الذي سيطرق الباب في هذه الساعة ؟!

ينظر للساعة جواره والتي تجاوزت منتصف الليل ليهز رأسه بجهل ثم يتوجه نحو الباب ليفتحه ..

دقيقة صمت كاملة تمر به مشدوهاً وهو يطالع الوجه الذي ذابت ملامحه بين غضب وألم ..
غيرته السنين ..وربما ..شوهه الوجع !

_إياد !
يتمتم بها مذهولاً وهو لا يكاد يصدق أنه هو ..
هو هنا أمامه ..
قد عاد !!

ملامحه تكاد تصرخ بفرحة عارمة لكنه يصطدم بهذه النظرة الحاقدة في عيني أخيه وهو ينظر خلف كتفيه لعزة التي تجمدت مكانها ..ليهتف بكلمة واحدة متهمة بدا وكأنه يبصقها في وجهه :
_تزوجت ؟!
========
انتهى الفصل الثامن عشر


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:14 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.