آخر 10 مشاركات
لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          رواية واجتاحت ثنايا القلب (1) .. سلسلة ما بين خفقة وإخفاقة (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ملك يمينــــــك.. روايتي الأولى * متميزه & مكتمله * (الكاتـب : Iraqia - )           »          54-لا ترحلي-ليليان بيك-ع.ق ( تصوير جديد ) (الكاتـب : dalia - )           »          تبكيك أوراق الخريف (4) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          للقلب رأي أخر-قلوب أحلام زائرة-لدرة القلم::زهرة سوداء (سوسن رضوان)كاملة (الكاتـب : زهرة سوداء - )           »          هل يصفح القلب؟-قلوب شرقية(33)-[حصرياً]للكاتبة:: Asma Ahmed(كاملة)*مميزة* (الكاتـب : Asmaa Ahmad - )           »          أغلى من الياقوت: الجزء الأول من سلسلة أحجار كريمة. (الكاتـب : سيلينان - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-11-20, 06:11 PM   #1581

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
افتراضي




هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 06:12 PM   #1582

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
افتراضي



هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 11:53 PM   #1583

MerasNihal
 
الصورة الرمزية MerasNihal

? العضوٌ??? » 410863
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 252
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » MerasNihal is on a distinguished road
افتراضي

يا مساء الجماااااال
تسجيل حضوووور في إنتظار الفصل⁦♥️⁩⁦♥️⁩


MerasNihal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-20, 12:08 AM   #1584

حبيبه عبدالفتاح

? العضوٌ??? » 478211
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 34
?  نُقآطِيْ » حبيبه عبدالفتاح is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضووور🤩🤩
يارب مانمش قبل ماينزل😇🤭


حبيبه عبدالفتاح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-20, 12:20 AM   #1585

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور يانيمو فى انتظار الطيف

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-20, 12:21 AM   #1586

MerasNihal
 
الصورة الرمزية MerasNihal

? العضوٌ??? » 410863
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 252
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » MerasNihal is on a distinguished road
افتراضي

يا مساء الجماااااال
تسجيل حضوووور في إنتظار الفصل⁦♥️⁩⁦♥️⁩


MerasNihal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-20, 12:41 AM   #1587

MerasNihal
 
الصورة الرمزية MerasNihal

? العضوٌ??? » 410863
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 252
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » MerasNihal is on a distinguished road
افتراضي

الفصل هيتأخر يا بنات؟

MerasNihal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-20, 12:59 AM   #1588

بنت سعاد38

? العضوٌ??? » 403742
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 524
?  نُقآطِيْ » بنت سعاد38 is on a distinguished road
افتراضي

فيييييييييين الفصل

بنت سعاد38 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-20, 01:13 AM   #1589

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف التاسع عشر
======
*أحمر*
======
_إلى أين تذهبين ؟!
تسألها هبة وهي تراها قد ارتدت ملابس الخروج متأهبة لمغادرة شقتهما فترد يسرا بابتسامة مصطنعة :
_أشتري بعض اللوازم الضرورية لي ..إبراهيم متعجل في عقد القران والزواج .

تبتسم لها هبة بود وهي تقترب منها متسائلة :
_وأنتِ ؟! ألا تريدين التمهل ؟! واثقة من مشاعرك نحوه ؟! لا تخافين سرعة ارتباطك به هكذا ؟!

فتدمع عيناها بعبرات مختنقة وهي تهز كتفيها ..مرحها المصطنع يخفي مرارة حقيقية :
_حلمي وجاء بين ذراعي ..أقول له: لا ؟!

تتسع ابتسامة هبة رغم شعورها بعدم ارتياح غير مبرر لكنها تربت على كتفها لتقول بمودة :
_إبراهيم "ابن حلال"..ومفتون بكِ ..حبه لكِ لا يخفى على أحد .
_وأنا ..أنا لم أحب رجلاً في حياتي غيره .

تهمس بها بحرارة "غير كاذبة" وهي تغمض عينيها بقوة ..
شريط العمر يمر أمام ناظريها يستعرض صور كل من سبقوه ..
حسام ..فهد ..فادي ..
فلا تجد لهم في القلب سوى ذكريات باهتة ..
وحده هو يحتكر البريق الأعظم !

_آتي معك؟!
تسألها هبة باهتمام لترد بسرعة :
_لا داعي! سأشتري أغراض نسائية خاصة ..أظنكِ ستخجلين من موقف كهذا !

تقولها مدركة طبيعة هبة التي احمرت وجنتاها بسرعة وهي تشيح بوجهها متمتمة بارتباك :
_معك حق! أنا فقط كنت أخاف تركك وحدك ..

تقولها ثم تندفع نحو درج جانبي تستخرج منه مبلغاً مالياً تدسه في كف يسرا قائلة بحزمها الودود :
_خذي هذا كي تتمكني من شراء ما تريدين .

تدمع عينا يسرا بتأثر وهي ترده لها هاتفة :
_لا حاجة لي به .."مستر ربيع " أعطاني ما يكفيني .
لكن هبة تشدد قبضة يسرا على النقود قائلة بإصرار:
_ولو! هذه هديتي لا ترديها .

تغتصب يسرا ابتسامة باهتة وهي تعانقها بقوة ..
عيناها تدوران في تفاصيل المكان حولها بنظرة طويلة كأنها ..تودعه !

خطواتها المتثاقلة تهبط بها الدرج ..
سلمه المكسور الذي تآكل بعض طلاء جدرانه وظهرت أسياخ الحديد من درجاته القديمة لكنه بقي صامداً على حاله ..
المدخل الضيق الذي بدا لها باتساع الكون ..
الشارع العزيز ..
الفرن الذي فاحت منه رائحة الخبز الطازج ..
كرسي ربيع الذي اعتاد الجلوس عليه والذي خلا منه الآن كعهده في هذا التوقيت من اليوم ..
بيت ربيع المقابل وشرفته المغلقة في وجهها بما ودت تصديق أنها ..مصادفة !
كشك "سندس" التي لوحت لها من بعيد لتنشغل بعدها بزبائن ازدحموا حولها ..
سامي الصغير الذي استلقى نائماً على كرسي عريض جوارها ..
بائعة "النعناع" تلملم ما بقي من "حِزم السعادة الخضراء" ..تعد حصيلتها من ربح اليوم وهي تقبل باطن كفها وظاهره قبل أن تنهض لتغادر ..
تزداد خطواتها هي تثاقلاً ..
حتى تتوقف أخيراً مكانها !!

_لا تذهبي ..لا تذهبي ..ابقي هنا !

تهتف بها لنفسها في حسرة موجوعة لكنها تعود لتهز رأسها وهي تجر خطواتها جراً ..

_لا مفر ..لا حل آخر .

تقولها مواسية نفسها وهي تتحرك مغادرة الحي لتشير نحو سيارة أجرة استقلتها بسرعة لتعطي السائق عنوان بغيتها ثم تسند رأسها على ظهر الأريكة ..

تفتح كفها على نقود هبة التي منحتها لها ثم تبتسم بمرارة وهي تفتح حقيبتها هي ..
تستخرج من جيب حافظتها السري بطاقتها الائتمانية باسم يسرا الصباحي لتضعها جوار النقود ..
المبلغ الزهيد لهبة يكاد يساوي صفراً أمام رصيد بطاقتها ..
لكنها الآن تشعر أن "الصفر" يخصها هي!!

_إبراهيم يريد الزواج منكِ .

تتذكرها بصوت ربيع كما سمعتها منذ أيام لينساب الحوار بعدها في أذنيها حياً كما كان ليلتها ..
تستعيد ردة فعلها الأولى ..
فرحة ! فرحة جعلت ذراعيها يكادان يطولان السماء !
وخوف! خوف خسف بها سابع أرض!

_ما رأيك؟!
سؤال ربيع على بساطته يقذفها في أشد وديانها تيهاً !
رأيها؟!
رأيها!!
أي رأي!!
اللعبة تحولت لحلم ..حلم يأتيها الآن جاثياً تحت ركبتيها ..يعدها أن يكون أجمل حقيقة !
كيف ترفضه ؟!

_توافقين؟!
سؤاله يحمل خوفاً لم تفهمه إلا بعد تنهيدة سبقت قوله :
_اسمعي يا ابنتي ..قد تتعجبين سرعة عرضي عليكِ للأمر رغم أن معرفتنا بك قصيرة العمر ..لكنكِ فعلتِ في أيام ما عجز الجميع عنه منذ سنوات ..أنتِ أخرجتِ ابني من قوقعة عزلته ..نزعتِ عن "الدرويش" عباءة حزنه ..أعدتِ له ابتسامته التي ظننتها لن تكتمل أبداً ..لماذا أنتِ بالذات؟! لا أعرف ..لو كان واحداً غير ابني لظننته مجرد انبهار بجمالك ..لكن الدرويش لم تجذبه يوماً فتنة امرأة ..ربما انجذب إليكِ لأنه شعر بحاجتك إليه ..وربما هي فقط القلوب تتقلب حيث شاء لها ربي فتميل لمن تحب دون أسباب !

ترتعش ابتسامتها بهذا "الفخر المخزي"!
كيف يمكن أن يتصارع الفخر مع الخزي بهذه الضراوة في موقف كهذا فلا ينتصر أحدهما ..بل ينبتان هذه الارتجافة المرتعدة في جسدها الذي احتواه ذراعاها !

ليفاجئها ربيع بسؤاله :
_وأنتِ كذلك تحبينه ..لا أحتاج لدليل ..لكن ..ماذا تخفين عنا؟!

تتسع عيناها بخوف يؤكد صدق حدسه وذراعاها يشتدان حول جسدها يدعمانه ..
نظرة منها نحو الجانب القريب ..
زهور هبة الملونة بألوان قوس قزح ..
صوت المذياع من الداخل لصوت تلاوة قرآنية عذبة ..
مذاق شاي حمضي تخففه حلاوة نعناع طازج ..
كلها تستصرخها أن تقول الحقيقة ..

_أنا لست سمرا ..أنا يسرا ..يسرا رفعت الصباحي .

الكلمات تبدو سهلة داخلها إنما تتحجر على شفتيها !!
خاصة وهي تتذكر قوله ..
(ذاك المستشار وأولئك الذين على شاكلته هم من قتلوا ابني ..أدعو الله عليهم في كل صلاة أن يحرق قلوبهم على أبنائهم كما حرقوا قلبي على ابني ..أدعوه وأستغفره وأنا لا أستطيع منع نفسي من تمني قصاص أنفذه بيدي أن أقتل لهم ابنا كما قتلوا لي واحداً )..


سيقتلها فعلاً لو أبعدها عن هنا !!
تدمع عيناها بعجز وهي تحاول مقاومة خوفها ..

فلتقل الحقيقة وسيدعمها إبراهيم ..
لكنها تتذكر قول هبة ..

(رفض خطبتها لأنها أحبت رجلاً قبله ..يقول إنه يريد امرأة -مثله- لم يخفق قلبها إلا له !)

فتموت الصراحة على شفتيها و"خوف الفقد " يرسم صواعق رعده في سمائها ..ليستحل الكذب مكانه :
_لا أخفي شيئاً ..أقسم لك ..هل علمت عني ما يشين ؟!

يرمقها ربيع بنظرة متفحصة فتنهمر دموع صادقة تمتزج بحروفها الكاذبة :
_أنا الشريدة التي آويتموها ..الخائفة التي أمنتموها ..اليتيمة التي وجدت فيك أباً وفي ابنك سنداً ..لماذا تشك فيّ ؟! ماذا تظنني أخفي ؟!

يعقد ربيع حاجبيه بالمزيد من الحيرة وهو يستغفر الله بصوت مسموع ..
نظرته تصدقها ..وتكذبها !!
لكنه يرفع رأسه للسماء أخيراً صامتاً للحظات قبل أن يقف مكانه قائلاً :
_حسناً ..ليدبر الله الخير ..سأخبر إبراهيم بموافقتك .


_وصلنا !
صوت السائق ينتزعها من شرود ذكراها فتنقده أجرته ثم تعيد ما بيدها إلى حقيبتها ..
تغادر السيارة لتصعد البناية الفخمة حيث وجهتها ..
ساقاها ترتجفان بخوف وهما تحملانها نحو المكان المنشود ..
تصل أخيراً لتنهض تلك المرأة من مكانها تتأملها بنظرات فضولية للحظات قبل أن تتذكر هويتها "الحقيقية" فتخفض بصرها باحترام قائلة :
_يسرا "هانم" ..تفضلي ..الطبيب بانتظارك وكل شيئ جاهز .

_تذكرين اتفاقنا ؟! هذا الباب خلفي سيغلق على تفاصيل كل ما سيحدث هنا ..مفهوم؟!

صوتها يستعيد نبرته المسيطرة التي جبلت عليها وهي تصفق باب العيادة خلفها بدوي مرتفع ..
فتزدرد المرأة ريقها بارتباك وهي تومئ برأسها إيجاباً لتشير لها نحو الغرفة المجاورة التي رمقتها يسرا بنظرة طويلة ..

"عملية إعادة عذرية!"
هذا هو الحل !
لا ..ليس خداعاً !!
ليس غشاً !!
هي تريد أن تكون له كما كان ينبغي لها أن تلتقيه ..
امرأته الأولى كما هو رجلها الأول !
أجل ..رجلها الأول!!
ليس عدلاً أن تُزوّر "حسابات الجسد" فاتورة "القلب"!!
إبراهيم رجلها الأول مهما زعموا وليس أقدر منها على الحكم في شيئ كهذا !!
ولو كان الإثبات بشيئ "كهذا" الذي ستجريه فلا بأس!
هي ستعيش سمرا ..مهما كان الثمن !
تدخل لتغلق الباب خلفها بأنامل مرتجفة ..
وتغلق معه طريق التراجع !
=======



*بنفسجي*
=======
_الحقيبة يا ديمة ! لا تفرطي فيها ..

تسمعها ديمة بصوت أمها في منامها ..بصورتها كما رأتها أخر مرة قبل أن تدفعها نحو القارب ..فتردد بأسى:
_فقدتها ..ضاعت ..ضاعت يا أمي كما ضعت أنا !
لكن المرأة تعاود الهتاف بها من بعيد :
_استعيديها ! هي ما بقي لكِ منا ..إياكِ أن تضيعيها ..إياكِ !

موجٌ هادر يحول بينهما والسماء ترعد فوقهما بدوي رهيب لتشهق ديمة بعنف وهي تستيقظ من نومها لا تصدق أنه كان حلماً ..!!!

ملوحة الماء لا تزال عالقة فوق لسانها ..
حمرة الدم التي خضبت زرقة البحر لتمنحه أرجوانية مخيفة ..
صوت الرعد بقسوته يناقض حنان صوت أمها ..
حلم ؟!
هل كان حقاً حلماً ؟!

تدمع عيناها بحنين وهي تدرك أنها المرة الأولى التي تحلم فيها بأمها بعيداً عن "مدينة الأشباح" التي صارت أحد ساكنيها ..
طيف ابتسامة يلوح على شفتيها وهي تتذكر هذه الحقيبة التي تتحدث أمها عنها ..
حقيبة من قماش "البروكار" الدمشقي والذي يعد أفخم أنواع الأقمشة ويصنع من الذهب والفضة والحرير..جدها كان من أقدم الحرفيين بصناعته التي كادت أن تندثر بعد الحروب الأخيرة في الشام وبسبب قلة الإقبال عليه لغلو سعره مقارنة بالأقمشة الأخرى التي تعتمد على الآلات .

ابتسامتها تتسع والذكرى تعانقها من بعيد ..
من بعيد جداٌ ..:

_خذي هذه كي تذكريني عندما أموت ..احتفظي بها بحاجياتك .
_أطال الله عمرك يا جدي..

تهتف بها وهي تتناول منه عطيته ..حقيبة يدوية الصنع من قماش البروكار بلون أزرق فاتح تداخل مع الفضي والأحمر دون أن يطغى كل منها على الآخر محتفظاً بصراحة صبغته ..
_تعالي أعلمك كيف تنسجين على "النول" .
يقولها الجد وهو يقربها منه ليحاول تعليمها الخطوات الأولية فتستجيب له بفضول شغوف لتنطلق ضحكته عالية وهو يضمها إليه ..
ثم يضع فوق مفرق شعرها الأحمر زهرة ياسمين قائلاً :
_حين يجيئ أبوكِ سأخبره أنك أمهر منه..سأعلمك الحرفة التي استنكف هو عن تعليمها ..أخبركِ سراً ..أبوكِ شعر بالحزن عندما وضعتك أمك لتكوني أنثى ..كان يريد ذكراً ..لكنني عندما نظرت لوجهك والزغب الأحمر الذي ظلل رأسك شعرت أن شمساً سقطت من السماء ووقعت في حجري ..أنا من اخترت لك اسم "ديمة" ..عساكِ تكوني سحابة تمطر الخير أينما حلت .

فيض الدموع الساخن يغرق وجهها وهي تستعيد الذكرى حارة وحارقة ..
حواسها تعود للعمل فجأة بعدما قد أصابها العطب لسنوات ..
رائحة الياسمين في أنفها ..
دغدغة لحية ضرغام العجوز ..
ملمس النول بين أناملها ..
ومذاق الحنان الذي ترتشفه روحها بألف لسان !

_الحقيبة ! هي كل ما بقي لكِ منا!

تسمعها بصوت أمها كما كان في الحلم فتنتفض لتغادر الفراش ..
الحقيبة ؟!
أين الحقيبة ؟!

تتلفت حولها بعجز لتخبط قبضتها بقوة في الجدار جوار الفراش ..
الحقيبة هناك في خزانة ملابسها ببيت غازي كما كل أشيائها التي تركتها هناك !!
منذ ألقت الشرطة القبض عليها بعدما صرحت بقتله وهي لم تعد لذاك البيت ..
أديم خرج بها من السجن للشقة التي استأجرها لها ثم جاء بها عاصي الرفاعي إلى هنا !

هل تملك الجرأة لتعود إلى هناك ؟!
تلتفت للخلف فجأة لتطالع "مرآتها" كأنما تبحث فيها عن الجواب ..

_من ذي التي تجسر على العودة ؟! أنتِ يا "فأرة"؟!!
شبح غازي الأسود يصفعها بها ليمنحها الشبح الأرجواني مدده :
_نعم ..تجسرين ..اذهبي وخذي حقك من بين أنياب الأسد !

تهز رأسها بتشتت بينهما ..
لكن ..
شبح هالة الأبيض يقترب ..
ابتسامته باهتة لكنها تكفيها لتربت على كتف ألمها برقة تليق بها ..
وتحسم الجدل الذي يعصف بكيانها ..
ستذهب!
=======
_يالجرأتك! جئتِ بقدميكِ ثانيةً إلى هنا؟!
تهتف بها زوجة غازي الأولى بغلّ وهي تلمح ديمة فور ما فتحت لها باب البيت الكبير ..
فيما ترتجف ديمة كريشة في مهب الريح وهي تعجز عن سماع سيل شتائم المرأة الذي انهمر حولها ..
عيناها تدوران في المكان بهلع ..
تستعيد كل ذكرى قاسية جلدتها هنا ..
صوت غازي يدوي حولها ..يصرخ فيها ..
قبضته تهوي على وجهها ..
جسده الثقيل يجثم فوقها ..
أصابعه تجث خصلات شعرها لتسقط تحت قدميها ..
وتسقط هي معها !

_تبكين؟! تبكين يا "خطافة الرجال" ؟! تدعين الحزن وأنتِ ترتدين مثل هذه الثياب وقد خلعتِ "برقع الحيا"؟! هكذا إذن اظهري على حقيقتك !

تهتف بها المرأة بحقد أشعلته غيرتها من فتنة ديمة التي بدت في مظهرها هذا وقد تخلص وجهها من أثار طغيان غازي وبدت بشرتها البيضاء الناعمة من خلف ثوبها الأنيق العصري كأميرة أسطورية ذكرتها بشعورها أول مرة عندما دخل بها غازي عليها ليخبرها أنه اختارها زوجة ثانية ..

لهذا لم تملك نفسها وهي تجذب ديمة من شعرها القصير لتهتف بحدة :
_ليس لك شيئ هنا أيتها العاهرة! ولو خطت قدماكِ خطوة واحدة داخل هذا البيت فسأكسر رجلك!

لم تكد تتم آخر حروفها حتى فوجئت بقبضة ديمة تلكمها في جانبها لكمة قوية لم تتوقعها منها لتطلق صرخة قوية قبل أن تدفعها ديمة بقوة لتسقطها أرضاً ثم تدهس صدرها بقدمها بقوة غريبة على خنوعها المعهود لتهتف من بين أنفاسها اللاهثة :
_لن أترك حقي! أريد حاجياتي التي تركتها هنا ..وعن قريب آخذ إرثي كله !

لكن المرأة تجذب قدمها ليختل توازن ديمة فتسقط أرضاً لتلقي المرأة بثقل جسدها فوقها ثم تشد شعرها فلا تشعر ديمة بنفسها إلا وهي تلكمها بقبضتها ليصيب خاتمها عين المرأة التي تصرخ صرخة عالية ..
وأخيراً تتلون الدنيا في عيني ديمة بلون الدم !
=======
_أهلاً بالحلوة! نتعرف!
تهتف بها المرأة في الزنزانة الصغيرة التي استقر مقامها فيها ليرتجف جسد ديمة وهي تنكمش على نفسها بخوف ..
السجن من جديد ؟!
ألا يكفيها ما نالته ؟!
تبكي بانهيار مصدوم وهي تحتضن جسدها بذراعيها لتمصمص المرأة شفتيها هاتفة بلؤم:
_يا "حرام"! تبدو أنها مرتك الأولى! لا تخافي يا حبيبتي ..تعالي في حضني!

تستجيب ديمة غير واعية لعناق المرأة قبل أن تنتبه لحقيقة ما تفعله وغرابة حركاتها المتحرشة بها فتنتفض مكانها محاولة التملص منها لكن المرأة تستعين برفيقاتها ليكبلن حركة ديمة التي بدت كلبؤة شرسة وهي تركل وتخمش وتصفع لكنهن تكالبن عليها لتتعالى صرخاتها ..

_كفى يا همج!
صرخة الحارس تبدو لها كطوق نجاة فتلهث بانهيار تام وهي تهرع نحوه ليهتف بها بغلظة :
_تعالي.."الباشا" يريدك !

تتخبط خطواتها اللاهثة وهي تسير جواره تخاف من مجرد النظر للخلف ..
تتذكر مشهداً مشابهاً أنقذها فيه أديم ..
هل يفعلها هذه المرة أيضاً ؟!

يدفعها الحارس بغلظة نحو الغرفة لتتسع عيناها بخوف وهي تميز الملامح القاسية المتوعدة للضابط الذي هتف بها بحدة :
_بضع ساعات فقط في الحبس وتثيرين الشغب؟! من أي داهية ألقيتِ علينا؟! اجلسي هنا حتى ننظر في شأنك ..ادعي ربنا أن تكون عين المرأة بخير وإلا ستكون مصيبة تلتهم من عمرك بضع سنوات في السجن ! من أين ..

يقطع الضابط كلماته وهو يلتفت لشيئ ما خلفها يجعله يقف ليغير نبرته هاتفاً باحترام :
_"حسام باشا"! تفضل .

تلتفت بدورها والاسم المهيب يهز دواخلها بما تحمله نحوه ..
جسدها لا يكف عن الارتعاد وهي تشعر بآلام جسدها تصرخ ..
تصرخ دون صوت !
ما الذي جاء به ؟!
هو الآخر شبح ؟!

فيما تبقى ملامحه هو جامدة عدا ..عينيه !
عيناه بطبيعتهما الصقرية المتفحصة تدوران فوق ملامحها وجسدها المحمر بفعل الضربات التي تلقتها لتوها ..
"النظرة الآدمية" تكتسي بغلالة شفافة من إشفاق ..وغضب !
غضب منها ..ولأجلها !

_من فعل بكِ هذا؟!
صوته الرجولي الخشن وهو يقترب منها بهذه الخطوات المندفعة يجعلها تتراجع للخلف عاجزة عن الكلام إلا من شهقات دموعها الباكية ..

_تعرفها؟!
يهتف بها الضابط بارتباك ليرمقها حسام بنظرة طويلة وهو يسحب كرسياً ليجلسها عليه ..
قبل أن ينتحي بالضابط جانباً ليسرّ إليه ببعض الحديث الذي غاب عن إدراكها ..
أشباحها تعاود مهاجمتها وهي تدفن وجهها بين كفيها ..
فلا تشعر إلا وقد خلت الغرفة أخيراً إلا من كليهما ..

_لماذا فعلت هذا ؟!
يسألها حسام بصوته القوي الذي غادرته دبلوماسية مهنته الجديدة ك"محام"واكتسى برداء "المحقق القديم" ..

_نحن على وشك كسب القضية ..لم تستطيعي الصبر لبضعة أسابيع؟! تتهجمين على المرأة في بيتها وتضربينها ؟!

رنة الغضب في صوته تزداد تصاعداً لترفع إليه وجهها بعينين زائغتين ونظرات مصدومة :
_أنا فعلت هذا حقاً ؟!

يعقد حاجبيه بتفحص وهو يراها تتحسس حرملة ثوبها بأنامل مرتجفة حيث تجلط أثر دم زوجة غازي لتردف بنفس النبرة المشتتة :
_أنا ضربتها ؟!
ضحكة غريبة مختنقة تغادر شفتيها وهي تشير لصدرها بفخر ولاتزال عينيها عالقتين في فراغ الماضي:
_أنا دافعت عن نفسي؟! لم أقف ساكتة هذه المرة ؟! أنا آذيت من أذاني ؟!

يزدرد ريقه بانفعال وهو يقبض كفيه جواره وربما لو أطلق لهما العنان لما تركها إلا أسيرة صدره !!
بقدر الغضب الذي كان يتملكه طوال طريقه من العاصمة إلى هنا خاصة بعد وصوله ورؤيته لها بهذا الوضع المزري ..
بقدر ما يشعر الآن بهذه النار في أحشائها تنتقل إليه هو !!

"حلقة الزعفران" في عينيها تتوهج ب"فرحة قاسية "نبتت وسط أشواك الألم ..وهي تردد بخفوت كأنها لا تراه ..والحقيقة أنها لم تعد تراه وقد عادت لسكنى "مدينة أشباحها":
_سأقول لهم أنني فعلتها ..أخيراً فعلتها ..جميلٌ هذا المذاق في فمي ..يشبه مذاق الدم القديم الصدئ من جروحي ..لكنه هذه المرة يمنحني الأمان ..

تمتمتها تتحول لهذيان لا يسمعه وهو يتفحص ملامحها بنفس المزيج من إشفاق وغضب ..
لكن الأول يغلبه فيعاود سؤالها :
_لماذا ذهبتِ إلى هناك ؟!
_حقيبتي !
تتمتم بها وهي على نفس الحال الغريب لتزداد ارتجافة جسدها وهي تغمض عينيها مستعيدة أحداث حلمها :
_جدي صنعها لي ..كانت هديته ..أمي زارتني في الحلم ..لأول مرة منذ سنوات ..طلبت مني أن أستعيدها ..أنا تركت كل أشيائي في بيت غازي ..لم يسمحوا لي بأخذها ..لكن هذه ..هذه بالذات أريدها ..

ومن جديد تتحول تمتمتها لهذيان لكنه يفهمه بقلبه قبل أذنيه هذه المرة ..
لو استطاع أن يخمد اشتعال حواسه بها كامرأة كارثية الفتنة فكيف يغفل عن "بيت" بناه لها قلبه في الضلوع ؟!
بيت لطفلة شريدة تفتقد المأوى!
طفلة احتلته من "حلم" وأتمت استيطانها ب"واقع"!!
طفلة لا تزال تبحث عن بقايا طفولتها ووطنها في "حقيبة "..
فيستكثرون عليها حتى هذا !!

_ماذا فعلوا بكِ ؟!
يهتف بها بغضب حمائي مكتوم وهو يتبين أثر الضرب على وجهها وما ظهر من جسدها لترد بتشوش عما حدث أمام بيت غازي وفي الزنزانة ..ولم تكد تنتهي حتى رأته ينهض واقفاً فلم تشعر بنفسها وهي تقف بدورها هاتفة بجزع:
_سترحل؟!
_لا تخافي ..سأبذل ما بوسعي لإنهاء هذا الأمر ..لن أتركك وحدك .

صوته لا يبدو حنوناً بقدر ما يبدو صلباً دون تعابير ..

_ليتكم تتركونني وحدي ..ليتكم كلكم تتركونني وحدي .
تتمتم بها بانهيار وعيناها الغارقتان في حزنهما تعيشان صراعهما الخاص مع أشباحها ..
غازي ..هالة ..وشبحها هي المنتقم !

_من نحن؟!
يسألها بتوجس لتهز رأسها دون جواب فيزفر زفرة مشتعلة وهو يجلسها من جديد على كرسيها ثم ينحني بوجهه أمام عينيها ..
يبحث وسط عتمة زرقتهما عن حلقة زعفرانه الآسرة ليهمس أخيراً بنبرة مطمئنة :
_لن يمسك أحد بسوء حتى أعود ..وبعدها نرجع معاً للعاصمة .

تبدو وكأنها لم تفهم ما يعنيه بكل هذا التيه الذي تشدها دواماته !
هي فقط شعرت به يخرج ب"خوفها" ليعود بعد ساعات ب"أمانها" ..!
تفاصيل كثيرة لا تعيها وكلام لا تفهمه لكنها تغادر معه قسم الشرطة أخيراً لتستقر جواره في سيارته ..

إدراكها الكامل يعود إليها رويداً رويداً وهي تشعر بالغرابة ..
هي هنا حقاً؟!
عادت لمدينة غازي؟!
لمدينة هالة ؟!

_لو كان لهذه الطرقات أن تحكي لروت عني ألف حكاية !

تهمس بها بخفوت كأنما تحدث نفسها لكنه يسمعها فيختلس نظرة نحو جانب وجهها دون رد ..
المزيد من الإدراك يهزم هواجسها فتنتبه لما حدث ..
تلتفت نحوه لتسأله فجأة :
_ماذا فعلت؟! كيف تمكنت من إخراجي من هناك؟!

_لا تشغلي بالك ..عائلة زوجة غازي لها الكثير من الثغرات الخفية التي يسهل الضغط عليهم بها كي تتنازل هي عن المحضر .

يقولها باقتضاب يشعرها بالمزيد من الخزي ..الضآلة ..الامتنان ..و ..التشتت !
هل فعل هذا لأجلها ؟!
لماذا؟!
ماذا عندها كي يطمع فيه؟!
جسدها؟!
لا !
غازي -لعنه الله - جعلها تعي نظرة الاشتهاء القميئة في عيون الرجال ونظرته هو أمامها ليست كذلك !!
إذن ..إرثها من غازي؟!
لا تظن مثله يحتاج لمال ؟!
إذن لماذا ؟!

_كيف عرفت ؟! لماذا جئت؟!
تقولها أخيراً بصوت مسموع ليلتفت نحوها فتلتقي عيناهما عبر هذا القرب ..
رعدة باردة تسري في حناياها وقلبها يخفق بقوة ..
كيف هكذا يمكن أن يجتمع الكره ..و ..الامتنان؟!
أناملها تتوق لصفعه ..لإيلام هذا الجسد الذي تراخى عن مساعدة هالة ..
ونفس الأنامل تتوق لمصافحته ..لشكر هذا الدفء الذي بعثه حضوره ..
خاصة وهو يرد بصوته القوي ..القوي كرعد يهدر أولاً ثم يعد بعدها بصيب نافع :
_كيف عرفت ؟! أمي أخبرتني بعدما ذاع الخبر هنا بسهولة كما تعلمين ..لماذا جئت ؟! صدقاً لا أعرف جواباً شافياً ..

أنفاسها تتلاحق مع كلماته الأخيرة وهي تخشى تصديق ما تبوح به نظراته ..
لكنه يعاود الإشاحة بوجهه منتبهاً للطريق :
_لكن لنقل أنني محاميكِ وواجبي أن أكون جوارك في موقف كهذا .

تزدرد ريقها الجاف بصعوبة وهي تعود ببصرها للطريق ..
ضوء النهار يخبرها أنها قضت يوماً وليلة هنا ..
عجباً ..كيف مرت عليها كدهر ..دهر لا تذكر تفاصيله وإن كانت قد اكتوت بوجعه !

_المقابر!
تهتف بها بلهفة تشير للمكان القريب لتشق الصمت بينهما فيلتفت نحوها متسائلاً :
_لماذا تهتمين ؟! لا أظنك تريدين زيارة غازي!

_بل ..!
تبتلع ما بقي من حروفها وهي تتحسس فردة القرط البنفسجية في أذنها ثم تغمض عينيها بقوة كاتمة الجواب!
الجواب الذي عاد يغرس الخنجر في صدرها ..
ماذا عساها تخبره ؟!
أنها تريد زيارة هالة ؟!
عاشقة الظل وضحيته في العلن ؟!

يتأمل سكوتها بتفحص وهو يشعر بأنها لغز كبير يزداد غموضه يوماً بعد يوم ..
لقد ظن أنه فهم من النساء ما يكفيه شر الانجذاب إليهن ..
إنما هذه تبدو وكأنها جاءت ليصيب سهمها صدر غروره !
صمتها الصارخ بعذابها يبدو له كحقل ألغام لا يريد الولوج فيه مكتفياً بوقفته الثابتة ..
لهذا يغير الموضوع :
_لاريب أنكِ جائعة وتريدين تبديل ملابسك ..أمي تنتظرنا وتلح عليكِ في الحضور .
تحاول الرفض بخجل لا تدعيه لكنه يردف بنبرته المتسلطة دون أن ينظر إليها :
_أما أنا فلن ألح ..نحن فعلياً في طريقنا إلى هناك!

تنكمش مكانها في مقعدها وهي تشعر بمزيج من حيرة وخوف ..
بيت غريب آخر ستدخله ؟!
منذ ولجت قدماها أرض مصر وهي نسيت عدد البيوت الغريبة التي دخلتها ..
كثيرة ..كثيرة ..
لم يكن بيت هالة أولها ..ولا بيت عاصي الرفاعي آخرها ..
إنما لا واحد منها منحها الشعور الحقيقي ب"البيت"!

_تعرف سر شكل الأقواس ببيوت الشام؟
تتمتم بها بما بدا له كعودة لهذيان ماضيها فلا يرد مكتفياً بحسن الاستماع لترد مغمضة العينين :
_كان أهل الشام إذا أراد أحدهم تزويج ابنه وليس لديه غرفة إضافية يزوجه فيها يذهب لجاره قائلاً :أعرني كتفك ! بمعنى أن يعيره حائطاً يسمح له ببناء قوس وغرفة فوقه للعريس بين البيتين ..هكذا هي بيوت الشام بشكل أقواسها المميز التي بقيت دليل حسن جوار وكرم وستر ..هذه هي البيوت التي تستحق اسمها ..هذه هي البيوت التي افتقدتها ..وما سواها ليس ببيت .

تضطرب خفقاته لعفويتها التي امتزجت بلهجتها الشامية وهي تتحدث بسرعة كأنما خرج البوح منها غير مقصود ..بل كأنما خشيت أن تكتمه مع ما تكتمه .

يعود ببصره نحوها ..
عينيها المغمضتين ..شفتيها المرتجفتين ..هذه البرودة التي يوقن أنها تشعر بها مع هذه الرعدة في جسدها ..
والتي تناقض هذه الحرازة المنبثقة داخله هو ..
عندما طلبت منه أمه أن يساعدها ويقف جوارها بل ويدعوها للطعام ساعتها رفض الأخير بتعنت زاعماً أنه لن يفتح بيت أمه لكل من "هب ودب" ..
لكنه الآن يشعر بعاديّة الموقف كأنه الوحيد المنطقي هنا ..!!!

يصل بسيارته للبيت فيرصفها ثم يصعد بها للأعلى..
خطواتها متباطئة مترددة كأنها لا تزال لا تصدق كل هذا ..
تفتح لها أمه البيت فترمقها بنظرة أمومية مشفقة ثم تعانقها برفق بعبارات ترحيب تقليدية ..إنما دافئة !
دافئة هذا الدفء الذي تشقق له جليد خوفها وهي تسمح لنفسها بالقليل من الأمان المؤقت ..
مرايا؟!
ألا يوجد مرايا هنا؟!
لا تريد النظر في إحداها ..ليتهم لا يملكون واحدة !!

_الأكل جاهز ..أعرف أن سمعة المطبخ الشامي ممتازة ولاريب أنك "ست بيت" ماهرة ..لكن لعل طعامي يعجبك .

تواضع المرأة يرسم ابتسامة مرتجفة على شفتيها وهي تتمتم بكلمات شكر غير مفهومة ..
لترمقها المرأة بنظرة مشفقة وهي تلمس ارتباكها الوجل ..
عصفورة كهذه ماذا كانت تصنع في كهف غازي المظلم ؟!

تتجنب الأم الحديث عما حدث محاولة تلطيف الوضع بقولها :
_الحمام هنا ..جهزت لكِ بعض الثياب ..مقاسنا متقارب ..لكن ثيابي "ساترة" ربما لا تلائم ذوقك الجديد .

عبارتها الأخيرة تمزج لطفها بعتابها لكن ديمة تبدو غافلة عن كل هذا وهي تتحرك كالمغيبة بنفس الخطوات المتثاقلة نحو الحمام القريب الذي تغلق بابه خلفها . .
مرآة !
من جديد مرآة !!
تشهق بعنف وأنفاسها تتلاحق !!
أشباحها تبدو لها هنا باهتة الملامح إنما طاغية الأثر !
سواد غازي يزداد حقداً ..
بياض هالة يزداد بعداً إنما يقل عتباً ..
خاصتها الأرجواني يزداد تسلطاً ..وألماً !

لهذا تخفض بصرها عن المرآة بسرعة هاربة وهي تشعر أنها مستنزفة ..
تفتح الصنبور لتهيل الماء فوق وجهها وجيدها ..
الآن فقط تبدأ الشعور بوخز جروحها ..
ما الجديد ؟!
جسمها اعتاد الألم فما عاد يؤرقه !!
تخلع عنها ثوبها لتبدله بثوب المرأة الذي بدا أكبر قليلاً من مقاسها لكنها أحبته بلونه الأزرق الداكن ..
زرقة بحر خلا من لون الدم ونبذ أرجوانية المصير!

_منظرها يقطع القلب!
تهمس بها أمه له بالخارج وهي تضع اللمسات الأخيرة لمائدة الطعام فيطرق بوجهه واختلاج عضلة فكه يفضح انفعالاً يعصف به !

خياله الرجولي الخصب يعبث ب"شيطانية" وهو يرسم لها آلاف الصور بينما تخلع ثيابها بالداخل ..
لكن صورة واحدة تتسيد الموقف أخيراً ..

صورة لها كطفلة "تكبر" بين ذراعيه تماماً كما رآها في حلمه !!
وتفرض "أبوة" مستحدثة لا يدري لماذا تعصف به نحوها هي بالذات ؟!
لماذا هذا الشعور الآن بالذات ؟!
هل هو تقدمه بالسن؟!
ازدياد احساسه بالنقص؟!
أم أنه هبة تخصها وحدها ؟!
تباً!!
هذا الارتباك يقتله !
هو ليس رجل التردد و"البين بين" !
فليعترف وحسب أنها ..مميزة!
بل ..إنها أشعلت قنديلاً قديماً ظنه قد احترق فتيله للأبد !

تنقطع أفكاره وهو يراها أخيراً تخرج إليهم ..
ورغم ثوبها الساتر لكنه كان يشعر أن فتنتها لم تنقص ملليمتراً واحداً ..
النمش المميز في بشرتها يبدو له كنجوم حمراء متلألئة شاهدة على جزيرة وجهها البيضاء ..
شعرها الأحمر القصير يحمل رسائل إغواء بعدد شعيراته ..
شفتاها ثمرتا جنة يود لو يجد مفتاحها !

تقطع أمه أفكاره وهي تعاود الترحيب بها بحفاوة لتجلسها على كرسيها أمام المائدة ..

_سأحضر العصير ..تحبين "الموز باللبن" كحسام؟!
تومئ ديمة برأسها بتشتت فتضحك المرأة مردفة بطيبة :
_من صغره وهو يعشقه إنما يشربه أول ما يعصر ..لو لبث بضع دقائق بعدها حتى ولو لم يتغير لونه فمن المستحيل أن يضعه في فمه ..ابدئا بالأكل ولا تنتظراني فأنا مرتبطة بموعد الدواء .

تقولها لتغادر نحو المطبخ القريب فتطرق ديمة بوجهها لتفاجئها حركته وهو يرفع الشوكة بما تحمله ليضعها جوار فمها !
ترفع عينيها إليه بصدمة ليرد بصوته القوي المناقض لخفايا نظراته :
_لست طويل البال كأمي ولن أضيع وقتي في محايلتك لتناول الطعام ..كلي .
تستجيب دون وعي إن لم يكن جوعاً ..فخوفاً!!
لا ..ليس خوفاً منه هو ..بل من هذه الدغدغة التي شعرت بها في حناياها !!
منذ متى لم يطعمها أحدهم هكذا ؟!
ربما ..منذ غادرت وطنها!

رائحة ياسمين تنبعث من مكان ما لتغزو حواسها ..
لتتلون الدنيا في عينيها بألوان علم سوريا ..
مذاق الطعام لذيذ ..
ومذاق الأمان ألذ !
خاصة وقد قدمت أمه تحمل العصير لتضعه أمامها هاتفة بحنان :
_حسام يحبه دون سكر ..كيف تحبينه أنتِ ؟!
تتسع عيناها بدهشة لأول وهلة ..
كأنما نسيت تفاصيل حياتها البسيطة ..
ماذا تحب من العصائر؟!
كم ملعقة سكر ؟!
من أوصد الأبواب في حياتها فلم يترك لها سوى واحد يطل على "مدينة أشباح"؟!

_أربعة .
تقولها ببعض الخجل الذي خضب وجنتيها لتلتوي شفتا حسام بابتسامة واهنة قائلاً :
_هكذا يكون السؤال كم تشربين العصير في كوب السكر!

_لا تستمعي إليه .."السكر للسكر"!
تقولها المرأة مدللة وهي تربت على كتفها بأحد كفيها بينما تقلب لها السكر في العصير بكفها الآخر لتمنحه لها فتتناوله بأنامل مرتجفة قبل أن تتجرعه بنهم دفعة واحدة دون تحفظ ليرمقها حسام بنظرة متفحصة ..
ربما لو كانت امرأة أخرى مكانها لاتهمها بعدم اللياقة ..لكنه الآن لم يكن يرى فيما فعلته سوى عفوية ..
عفوية أحبها !

_"بالهنا والشفا".
تقولها المرأة بطيبة وهي تربت على رأسها فترفع ديمة إليها عينيها بشعور جديد ..
شعور بالذنب !
كيف تنسى أنها كادت تؤذيها يوماً ؟!!

الخاطر الأخير يجعل عينيها تتسعان ارتياع ليعود الخوف يسكنها من جديد ..
ما الذي تفعله هنا؟!
كيف استجابت لدفء هذا الشعور الذي ملأها ؟!
لو كان لها أن تقترب من رجل كهذا فلأجل غاية واحدة ..أن تؤذيه ..أن تنتقم!!
فلتفعلها ..أو ..فلتبتعد !!

_عفواً ..أنا شبعت ..أريد العودة .
تقولها بصوت منهك أرجفته تقلبات انفعالاتها السابقة كلها لتلح المرأة عليها في البقاء لكن حسام يقول بحسم :
_دعيها كما تحب ..صديقي في مطار الأقصر حجز لنا في أقرب رحلة للقاهرة .

تتوه في بقية تفاصيل اللقاء الدافئة حتى تودعها المرأة وهي توصي حسام عليها هامسة في أذنه :
_اعتن بها ..الفتاة يتيمة وغريبة .

وكأنه يحتاج لتوصية !
ابتسامة ساخرة تطوف حول شفتيه وهو يتذكر أنه منذ قدم إلى هنا وهو لم يهتم لرؤية حسابه الالكتروني كي يتابع "عالمه الموازي"!
الأرجوانية شغلته!

_سأترك سيارتي هنا ونستقل سيارة أجرة نحو المطار .
يقولها بنبرته الحاسمة وهو يتحرك معها بضع خطوات بعيداً عن بيته لكنه يتوقف فجأة وقد تذكر شيئاً ليردف:
_انتظري هنا !

تتوقف مكانها بوجل وهي تشعر بالخوف يزداد في كيانها الهش لتراه مكانها يتوجه نحو سيارته القريبة ليفتح حقيبتها ثم يستخرج منها ما عاد به إليها..

_الحقيبة ! أحضرتها لك من بيت غازي ..كان هذا ضمن الاتفاق.
يقولها بصوته القوي الذي ارتجف رغماً عنه وهو يسمع صرخة فرحتها فور ما رأتها قبل أن تختطفها منه لتضمها لصدرها قبل أن تنحني على نفسها كأنها تخشى أن تفقدها من جديد !!
صرخاتها القصيرة تتوالى بين فرحة ..حنين ..ووجع فقد !
دموعها تخلق دمعة في عينيه هو وهو يشعر أنه يهوي في بئرها أكثر ..
فيما لم تكن هي أفضل حالاً وهي تشعر أن صورة ما التصقت بحدقتيها فلن تغادرها للأبد ..
صورة حقيبتها التي عاد بها لتستقر بين ذراعيه ..قبل ذراعيها!
=======
_أين كنتِ ؟!
تهتف بها ماسة بقلق وهي تفتح لها باب بيت عاصي لتتلعثم ديمة بارتباك وهي تضم حقيبة البروكار لصدرها قائلة :
_ذهبت للصعيد ..كنت أستعيد بعض أشيائي .
_ولماذا لم تخبريني أو تخبري عاصي ؟! كنا لنحضر في طلبها دون أن تحتاجي للسفر ؟!

تقولها ماسة بود عاتب لكنها كانت تعلم الجواب !
ديمة لن تطلب من عاصي شيئاً ..لا تزال تحمله ذنب هالة ولو لم تقلها ..ولولا اضطرارها للبقاء لأجل سند لما احتكت به ..بل إنها تشعر كثيراً أنها تخاف منه ..نفس الخوف الذي يداهم من يعرف عاصي من بعيد دون أن يقترب منه !

_لا بأس ..أنا حصلت عليها ..أريد رؤية سند ..افتقدته .

تتفحص ماسة ملامحها لترد :
_سند نائم الآن ..هو الآخر افتقدك ..عفواً ..ما هذه الجروح على وجهك ؟!

تخفض ديمة بصرها وهي تعانق حقيبتها بقوة أكبر قائلة :
_بسيطة !..وقعت على وجهي في الشارع ..سأنتظر سند عندما يستيقظ .

تقولها وهي تعطيها ظهرها تهم بالانصراف لكنها تعود لتنظر لماسة وأناملها تعتصر حقيبتها أكثر لتردف بتردد :
_تلك المرأة ..أخت السيد عاصي ..هل يمكنني التحدث إليها ؟!

_ديمة ! لا داعي للمشاكل ..ابقي بعيدة عن طيف .
تقولها ماسة بقلق فتهز ديمة رأسها باستسلام لأول وهلة وهي تعطيها ظهرها من جديد ..لكنها بطبيعتها المتذبذبة تعود لتنظر إليها قائلة :
_لن أسبب مشاكل ..سنتحدث ..فقط .

_عمّاذا؟!
تسألها ماسة بتوجس لترتجف شفتا ديمة للحظات ثم ترد بتلعثم :
_مجرد ثرثرة .
_ثرثرة! وهل تجيد أي منكما الثرثرة ؟! أنا بالكاد أستخرج منكما كلمة !!
تكاد ماسة تهتف بها باستنكار لكنها تكتمها في نفسها وهي تشير لها نحو الداخل هاتفة :
_تحبين الدخول لغرفتها ؟! أم أسألها كي تلحق بك في الحديقة ؟!

_في الحديقة .
تقولها ديمة وهي تتراجع خطوة للخلف فتهز لها ماسة رأسها وهي تدعو الله سراً أن تستجيب طيف المتعجرفة لطلبها ..
والعجيب أنها استجابت !

_نعم !
ابتدرتها بها طيف بخشونتها المعهودة وهي تجلس جوار ديمة على عشب الحديقة لتشبك ساقيها ..
فترمقها ديمة بنظرة مترددة وهي تضم حقيبتها لصدرها قائلة :
_كنتِ تقولين ..أقصد ..أنتِ ذكرتِ شيئاً عن المقايضة ..قصتك مع ذاك الضابط ..و ..قصتي .

تنظر لها طيف بتفحص تلك النظرة التي تعري من أمامها وهي ترفع أحد حاجبيها صامتة فتزدرد ديمة ريقها بارتباك مردفة :
_يمكنك سرد خطوط عريضة ..احتفظي بما شئتِ من أسرار .

ضحكة ساخرة تغادر حلق طيف التي عادت برأسها للوراء لتحرك خصلات شعرها كما اعتادت لكن ملامحها تبتئس فجأة وهي تتذكر أنه ما عاد بهذا الطول الذي يمنحها سحر حركة كهذه ..
لهذا تكتفي بأن تداعبه بأناملها قائلة بنبرتها القوية :
_درس رقم واحد ..طيف الصالح ليس لديها أسرار ..لا شيئ أخجل من البوح به ..حتى أخطائي أعترف بها ولا أبالي لأنه لا أحد ..لا أحد يملك حق محاسبتي.

تتوهج زرقة عيني ديمة بوميض إعجاب وهي تتمنى لو تكون يوماً مثلها ..
لتردف طيف بنفس النبرة :

_درس رقم اثنين ..أنا أحب عزلتي وأكره صحبة البشر ..داء "الاجتماعية" اللعين هذا لم يصبني ولن يفعل ..فلا تتخيلي أننا سنصير صديقتين لأن أكثر ما أكرهه في حياتي هو ثرثرة النساء!

_أنا أيضاً أحب عزلتي ..ولا أحب الثرثرة .
_عظيم ..استرخي هكذا إذن في جلستك واحكي لي قصتك أولاً ..
تقولها طيف وهي تستخرج علبة سجائرها وقداحتها من جيب بلوزتها لتشعل إحداها ثم تنفث دخانها في الهواء ..
فيحتقن وجه ديمة بحمرة سريعة وهي تغمغم بعينين زائغتين:
_أرجوكِ أطفئيها .
_تؤذي صدرك ؟!
_بل ..تذكرني به ..زوجي الراحل .
تطلق طيف همهمة إدراك وهي تطفئ سيجارتها في عشب الحديقة لتهتف ساخرة :
_سيكون حظك سيئاً جداً إذن لو ارتبطتِ برجل مدخن ..صدقيني لن يتوقف رجل عن التدخين لأجل عينيكِ حتى ولو قلتِ أنها تذكرك بزوجك الراحل بواجهة "البطة المسكينة" التي تصدرينها هذه !

والغريب أن خاطر كل منهما في هذه اللحظة توجه لنفس الرجل ..
حسام القاضي!!

يزداد وجه ديمة احمراراً وهي تخفض حقيبتها دون وعي تبعدها عن صدرها كأنها تنفي تهمة فتلتقط طيف حركتها وهي تقول بخبث:
_حقيبة لطيفة ! لا أظنه تصرفاً طبيعياً أن تجلسي في البيت بحقيبة إلا لو كانت تحمل ذكرى ما !

_جدي صنعها لي ..كنت أدخر فيها ذكرياتي الغالية منذ كنت في سوريا ..جئت بها اليوم فقط من بيت غازي ..

تقولها ديمة وهي تسرد لها تفاصيل قصتها من البداية كاملة ..تتحفظ عن ذكر حسام لكن طيف تدور بسبابتها حول وجهها قائلة :
_لا يا حلوة..لا تتذاكي عليّ ..كل ما ذكرتِه يمكنني معرفة بعضه من ماسة واستنتاج بقيته بمخيلتي الخصبة ..أنا أريد معرفة ما يعنيكِ من "حسام القاضي"!

_وما يدريكِ أنني أهتم به ؟!
تسأل ديمة بتلعثم لتهم طيف بالنهوض قائلة :
_درس رقم ثلاثة ..لا أحب اللف والدوران ..انتهى الكلام .
_لا ..لا ..انتظري!
تهتف بها ديمة برجاء وهي تتمسك بها فترمقها طيف بنظرة محذرة لتردف ديمة وهي تتلفت حولها قائلة :
_تعدينني ألا تخبري أحداً ؟!
_وكيف تضمنين أن أفي بوعدي يا "خائبة الرجا"؟!
تهتف بها طيف ساخرة فترمقها ديمة بنظرة عجز مستغربة تثير شفقة الأولى لتردف بنبرة أكثر ليناً :
_من أين تسقط فوق رأسي الفتيات قليلات الحيلة مثلك ؟! مبتلاة أنا بأشباهك ! قولي ما عندك ولا تخافي ..لن أفشي سرك .

تزدرد ديمة ريقها بتوتر وهي تخفض بصرها لتغمغم بطبيعتها الأرجوانية المشتتة بين حقد أحمر وخوف أزرق :
_أنا تقربت منه عندما علمت أنه يعمل بالمحاماة بزعم أنني أحتاج مساعدته في قضية إرث ..تقربت منه كي ..كي أنتقم لهالة.
_"حلاوتك"!
تهتف بها طيف ساخرة لتقترب بوجهها منها مردفة :
_تنتقمين منه ؟! أنتِ التي تتصرفين كأي كتكوت مبتل يحترم نفسه ؟!! وممن ؟! من حسام القاضي؟! كتلة الدهاء والمكر التي تمشي على قدمين ؟! بالله عليكِ لا تزعمي أنكِ ستستغلين فتنتك لتوقعيه في حبك وبعدها تتركينه ليقطع شرايينه حزناً عليكِ !!

يحمر وجه ديمة بغضب من سخريتها فتنهض من مكانها بحركة عصبية هاتفة :
_لن أكمل الحديث مادمتِ تسخرين مني !

تركض نحو بيتها فتنهض طيف لتلحقها ثم تقف قبالتها هاتفة بضحكات متقطعة :
_اصبري أيتها الشرسة ..لا تغضبي هكذا ..تعودي على طبعي .."خلقة ربنا" !

تشيح ديمة بوجهها هاتفة :
_"ما بطيق حدا يحاكيني بهيك طريقة ..مو فيني أتحمل!"

تقولها بلهجتها السورية ذات الدلال الفطري فتقترب طيف بوجهها منها هاتفة بجدية مصطنعة :
_هل تحدثينه بهذه الطريقة دوماً ؟!
تهز ديمة كتفيها بتساؤل فتتنحنح طيف وهي تشير نحوها هاتفة :
_وتهزين كتفيك هكذا أمامه ؟!

تعقد ديمة حاجبيها بالمزيد من الغضب وقد بدأت تدرك مغزى أسئلتها خاصة وطيف تردف بنفس الجدية المصطنعة :
_لا! هكذا نعيد النظر في قصة "قطع الشرايين"!

تقطع عبارتها بضحكة مكتومة وهي تبسط ذراعها فوق كتفي ديمة تحتوي غضبتها لتتنهد بعد لحظات قائلة :
_ذكرتِني بواحدة كانت تشبهك هكذا في سذاجتك ..كانت تحب واحداً من طرف واحد وصبرت عليه لسنوات ..لكن الله أكرمها أخيراً واجتمعا في مكان واحد !
تقولها قاصدة زهرة لتسألها ديمة بتوجس :
_تزوجته ؟!
_سُجنت معه !
تقولها طيف ساخرة لترتد ديمة بوجهها مصدومة فتطلق طيف ضحكة حرة وهي تتنهد أخيراً لتقول بجدية حقيقية :
_لو أردت الحق فإذا كنتِ تريدين الانتقام من حسام فأنتِ بحاجة لتنتقمي مني أنا أولاً !

ترمقها بنظرة متوجسة لتسير طيف جوارها وهي تتأمل الشمس التي قاربت على المغيب قائلة :
_هو دوري للبوح إذن ..اسمعي إذن عن حسام القاضي الذي لا تعرفينه ..والذي عرفته أنا !

تقولها لتحكي لها قصتها مع حسام من البداية ..حبهما الهش الذي لم يصمد أمام واقعية الحكاية ..زواجه من ابنة رئيسه في العمل ..كيف انتقمت منه بتزوير موتها ..وانتقامه من عاصي لأجلها ..

_لأجلك؟! فعلها لأجلك أنتِ ؟! كان ينتقم لحبيبته ..والضحية امرأة كانت ..كانت ..

"تحبه!"
تكملها سراً لتكتمها في نفسها مغمضة عينيها ..
التفاصيل التي روتها طيف تثير المزيد من زوابع ارتباكها لتضم حقيبتها لصدرها بتشتت ..
هل تصرخ أن معرفتها بالحقيقة لم تغير من وضع جرمه شيئاّ وأنه وقف يتفرج ولم يمنع الأذى عن امرأة بريئة وطفلها ؟!
أم تشفق عليه لأنه كان ضحية خدعة ألقته في بئر شعوره بالذنب فلم يجد مخرجاً سوى الانتقام؟!
هل يشبهها ؟!
هل وجد خلاصه وقتها في أن يلقي عباءة الألم على غيره ؟!

_لو أردتِ نصيحتي فدعي أفكارك الخائبة هذه ..أغلقي دفاتر ماضيكِ وانتبهي لحالك ..مالك أنتِ والانتقام وأهله ؟!
تقولها طيف باستهجان خالطه بعض الشجن لتسألها ديمة بعدم اقتناع:
_تعنين أن الانتقام لم يشفِ غليلك ؟! لم يطفئ هذه النار داخلك ؟!
_بل فعل!
تقولها طيف لتردف بحسرة خفية :
_أطفأ ناراً ..وأشعل أخرى!

ترمقها ديمة بنظرة متوجسة لتسأل بصوت مرتجف:
_لازلتِ تحبينه ؟!
فتطلق طيف ضحكة ساخرة وهي ترفع أحد حاجبيها هاتفة بنبرة خطيرة :
_لو كنت لازلت أحبه تظنينني أحادثك عنه هكذا بهذه البساطة ؟! درس رقم أربعة ..الرجل الذي أحبه لا أشارك تفاصيله مع أي امرأة سواي ولو كانت من محارمه !

تعقد ديمة حاجبيها بتعب حقيقي وهي تشعر أنها تكاد تفقد وعيها من شدة هذا الدوار الذي يعصف بها ..
الأحداث السابقة كلها استنزفتها فلم تعد تميز الواقع من الخيال ..

_وهو الآخر لم يعد يحبني ..لو كانت هذه المعلومة تهمك !
تقولها طيف بخبث لتشحب ملامح ديمة وهي تتراجع بظهرها قبل أن تركض نحو بيتها تلاحقها نظرات طيف المتسلية ..
والمشفقة !!

الحمقاء لا تريد الانتقام من حسام نفسه ..
هي فقط تراه مجرد انعكاس لصورة كل من آذاها !
تظن الانتقام سيريحها ؟!
وهل تملك هي نفسها الجواب؟!!

تطلق زفرة ساخطة وهي ترى الظلام قد ملأ المكان ..

تسمع رنين هاتفها فتلتقطه من جيبها لتتسع عيناها للحظة بمودة فطرية تحاول مداراتها خلف فظاظة ردها وهي تفتح الاتصال:
_خيراً يا حسناء ؟! الرقم يشير أنك في مصر ..عدتِ لأجل زهرة ؟! ماسة أخبرتني أنها خرجت مع "حبيب القلب جلاب المصائب" ..تريدين شيئاً آخر؟!
كلماتها تتوالى متتابعة كأنها تمنعها الثرثرة وتقصر الحديث فتتوقع منها اعتراضاً مرحاً لكن صوت حسناء يبدو بائساً وهي ترد :
_لا أعرف لماذا اتصلت بك أنت بالذات وأنا في هذا الحال ..لكن ظني أنك تملكين قلباً طيباً خلف لسانك الذي يشبه سكين جزار هذا !

فتمط طيف شفتيها باستياء هاتفة :
_انطقي بدون مقدمات ..ماذا تريدين ؟!
تسمع صوت بكائها على الجانب الآخر من الاتصال فيرق قلبها دون كلماتها التي ازدادت فظاظة :
_لا! اسمعي! ما بي يكفيني! لو كنتِ تريدين البكاء فادفني وجهك في وسادتك ولا تضيعي وقتي .
_زهرة !
تقولها حسناء بين دموعها لتعقد طيف حاجبيها وهي تسمع منها ما جعل قلبها ينتفض بهلع وهي تواجه هاجسها الأعظم !
تفقد شعورها بالزمان والمكان وهي تشعر بالهواء يختفي من رئتيها فجأة ليغص حلقها بمرارته وهي تردد :
_كلام فارغ! فلنلتقِ غداً صباحاً كي نتبين هذا الأمر ..ألهذا السبب عدتِ من "أبو ظبي"؟!
_أنهوا التعاقد معي بعدما علموا عما حدث لدكتور جهاد وعلاقتي به كما أنهوا التعاقد معه أيضاً ..تهمة كهذه لن تزول رواسبها بمجرد إثبات براءة !
تقولها حسناء بأسف لتطلق طيف زفرة ساخطة وسباباً غير مقصود أنهت به الاتصال بعد وعدها بلقاء الغد .

تتلفت حولها بمزيج من أسى وغضب !
تنحني لتقطف بعضاً من عشب الحديقة ثم تمزقه بأناملها مفرغة فيه غيظها لتدمع عيناها بألم وهي تعود لتتفحص الحديقة حولها بخوف لم تملكه ..
وحوش الظلمة تتربص أكثر ..فلتعد لصومعتها الآمنة !

تمر في طريقها على غرفة الصغيرين اللذين كانا يلعبان بانهماك فتكتسي نظراتها بحنان غامر ..وهي تتصور مجد معهما تشاركهما اللعب!
كيف ستقوى على ترك كل هذا الدفء هنا بعدما لاقته ؟!
ستفعل!
ستترك كل هذا خلفها !!
فقط يعود لها عاصي بالسندباد فتكسر له سفينته على رأسه بعدما تجبره أن يخلع عباءة أسراره !!

تسمع صوت رنين جرس الباب الذي فتحته ماسة لتعود لها بطرد ورقي مرسل هاتفة :
_هذا لكِ !

تلتمع عينا طيف بلهفة وهي تتناوله منها لتعود به لغرفتها ..
تفضه بسرعة لتستخرج منه محتواه ..
النسخ الأولى التي أرسلتها لها دار النشر من روايتها الجديدة غير الرومانسية التي وعدت بكتابتها ..
يزداد وهج عينيها الشرس وهي تفتح أولى صفحاتها لتقرأ الإهداء قبل أن تغلقه بسرعة ووجيب قلبها يزداد شراسة ..واشتياقاً !
=======
_من الذي فعل بك هذا ؟!
يهتف بها يحيى بجزع وهو يفتح باب الشقة لنزار الذي بدت على وجهه آثار كدمة ما ليدخل الأخير مغلقاً الباب خلفه وهو يتحسس وجهه قائلاً بمرح لم يفقده :
_"واحدة عاشت ملكة مش هتعيش وصيفة" عاكستها في الطريق فضربتني بحقيبتها !
يبتسم يحيى ابتسامة واهنة وهو يخبطه على كتفه قائلاً :
_"زعطوط"!
لكن نزار يخرج هاتفه من جيبه ليرفع أحد حاجبيه هاتفاً :
_لا! اصبر! أخوك ليس سهلاً كذلك! لم أتركها حتى حظيت برقم هاتفها ! "ما محبة إلا بعد عداوة"!

_وماذا بعد ؟! ستبقى تضيع وقتك في الهزل هكذا؟!
يقولها يحيى عاتباً ليرد نزار وهو يهز كتفيه :
_يدي على كتفك ..هل رأيت منك جداً وقلت لا؟! أنت الذي ترفض إزالة الصدأ عن مخك الماسي بعد مغادرتنا ل"أبو ظبي" مكتفياً باجترار الذكريات هنا في بغداد !

يطرق يحيى برأسه دون رد ثم يتوجه لكرسي قريب هزاز يجلس عليه مستسلماً لحركات جسده به صعوداً وهبوطاً فيما يقترب منه نزار ليهتف بعتاب مرح:
_تترك واجهة الشرفة المطلة على "دجلة الخير" وتجلس بكرسيك في مواجهة الحائط الكئيب هكذا ! أحياناً أسأل نفسي كيف احتملت صاحباً مثلك طوال هذه السنوات ؟!
لكن يحيى لا يرد وهو يشرد في الحائط المقابل ..
يشعر أن حياته كلها انتهت بحائط سد تماماً كهذا الذي أمامه !!

_أين مجد ؟!
يسأله نزار باهتمام ليرد يحيى عبر نبرته الشاردة :
_العم "مؤيد" والعمة "رياحين" طلبا مني السماح لها باللعب مع أحفادهما .

يقولها مشيراً لجيرانهما في الطابق السفلي ليبتسم نزار قائلاً بمرحه الذي خالطه بعض الشجن:
_تغيرت يا يحيى! صرت تسمح لها بمخالطة الناس ..تظنها ستجد البديل عن طيف؟!

يرتجف قلبه لوقع الاسم على أذنيه لكنه يحافظ على حركة كرسيه الرتيبة وهو يتجاهل تلميحه قائلاً :
_هي الأخرى تغيرت ..لم تعد تخاف الغرباء ..صارت أكثر حذراً إنما أقل خوفاً .
_تظنها نستها ؟!
يسأله نزار بحذر ليرد يحيى مستمراً في تجاهل الحديث عنها :
_مجد صارت أفضل ..ربما لأجل خلطتها بالأطفال ..ربما لأجل عودتنا لبغداد ..وربما هي فقط ..تتظاهر أمامي بهذا كي لا تضايقني .
يرمقه نزار بنظرة طويلة متفحصة ثم ينحني ليجلس على ركبتيه في مواجهته قائلاً :
_لماذا تعمدت أن نعود لبغداد ؟!
_ألا تعرف؟!
_أعرف ..لكنني أريد سماعها منك !
يقولها نزار محاولاً دفعه للحديث لعله يخرج من دوامة حزنه هذه ..
ليرد يحيى مغمض العينين بنبرته الموصدة على ظلماتها :
_عدت لنقطة البداية كي أشحن نفسي بذات الطاقة لمواصلة طريقنا الذي بدأناه ..الطريق الذي لا عودة منه .

يربت نزار على كتفه فيردف يحيى دون أن يفتح عينيه :
_افتح حاسوبي !

يطيعه نزار لينعقد حاجباه وهو يميز صور المرأتين اللتين يعرفهما جيداً ..
صور حديثة لهما في أماكن عدة ..

ليصله صوت يحيى جامداً كأنما قُدّ من صخر ..إنما كان هو وحده يدرك حمم الوجع التي تندلع بين حروفه :
_كبرتا ! كلتاهما كبرت ..كبرتا دوني ..أنا الذي ظننت في وقت ما ألا يوم يمكن أن يمر لي أو لهما وأحدنا بعيداً عن الآخر ..كبرتا إنما ليستا وحدهما ..كبر معهما الجرح ..والخطيئة ..ووشم النار على جسد اكتوى به دونما ذنب!

_لماذا تذكرهما يا يحيى؟! أما كنت قد نسيت؟!
يقولها نزار بمزيج من عتاب وضيق ليرد يحيى بتنهيدة حارقة غادرت صدره الملتاع وناسبت قوله :
_ظننت ! ظننت أني قد نسيت !

لم يكد يتم عبارته حتى سمع صوت رنين الجرس فنهض من مكانه ..
يسبقه نزار ليفتح الباب ليطالعه وجه العم مؤيد بملامحه البشوش ونظراته الطيبة :
_كيف حالك يا ابني؟!
يتأثر نزار كعهده كلما رأى هذا الرجل بالذات ..
منذ سكنا هذه البناية وهو يشعر بضعف خاص تجاهه ..
ربما لأنه يشبه أباه المصري شكلاً إنما بصبغة عراقية محببة!
_بخير يا عمي ..كيف حالك أنت ؟! والعمة رياحين ؟!

_والله صارت صحتها ضعيفة ..أخاف عليها أكثر من خوفي على نفسي ..لا أظنني أستعيذ ربي من شيئ كاستعاذتي من يوم لا تكون جواري فيه !
يقولها الرجل بعاطفة صادقة لا يتكلف مداراتها فيبتسم نزار وتأثره بالرجل يزداد ..
لتهتف مجد التي دفعت كرسيها لتدخل :
_انظر يا "بابا" ماذا أحضرت حفيدة الشيخ من المكتبة ؟! طيف هنا ! انظر لصورتها !

تشحب ملامح يحيى فجأة وهو يميز الكتاب في يد مجد ..
يهيأ إليه أن الدم انسحب كاملاً من عروقه ليعود ويضخ كاملاً في قلبه فحسب ..
لا يدري متى ولا كيف استقر الكتاب بين يديه المرتجفتين ..
عيناه تعلقتا بصورتها التي توهج فيها "سديم عينيها" بتحدٍّ قوي لم تخذله فيه !

يجف حلقه وهو يقرأ عنوان الرواية
(فلامنجو بثلاثة أقدام!)
هل هي الرواية غير الرومنسية التي وعدت بكتابتها ؟!
أم أنها سارت على نفس النهج القديم؟!
يقينه بها يخبره أن الاحتمال الأول أقرب!

_تعرفون الكاتبة ؟! ابنة ابنتي مغرمة بها !
يقولها الشيخ ببعض الضجر ليبتسم نزار وهو يحاول سحب كفة الحوار لاتجاه آخر:
_التقيناها في إحدى سفرياتنا ..بلغ العمة رياحين السلام وأخبرها أنني أنني أنتظر قومتها بالسلامة كي تحضر لي أكلة "الضلمة" و"كَصّ الدجاج"و"زنود الست" التي وعدتني بها !

يبتسم له الرجل بطيبة وهو يربت على كتفه لينساب الحوار بينهما بسلاسة حتى يغادر الرجل البيت فتهتف مجد بفرحة شابها شجن خفي:
_ العم مؤيد طيب..وحلوة بغداد !
فتزيغ عينا نزار بحزن غريب على طبيعته المرحة وهو يرد :
_بغداد عروس الدنيا ..مهما زرنا من بلاد تبقى درة التاج !

_لن نغادرها إذن ؟! لن نسافر من جديد ؟!
سؤالها يلقي المزيد من الملح على جرح الصديقين ..
لكن نزار يتمالك نفسه وهو يدفع كرسيها للداخل هاتفاً بمرح :
_سمعتِ عن فيلم "...."؟! يقولون إنه ممتاز! تعالي كي نراه !

يقولها وهو يبتعد بها متعمداً كي يمنح يحيى مساحته الخاصة التي شعر بحاجته إليها .

وفي مكانه وقف يحيى كمن يمسك مصيره بين كفيه ..
كان يعلم أن العنقاء ستنهض من رمادها بسرعة لم تخذله فيها ..
لكن ..هذه الوخزة في صدره كيف يتجاوزها ؟!

تراها حقاً كرهته ؟!
نسيته بهذه السهولة ومضت في طريقها ؟!!
بكل "إيثار عاشق" يتمنى لو تفعل!
وبكل "أنانية عاشق" يتمنى لو لم تفعل!
وحدها حلبة العشق ما يتصارع فيها الإيثار والأنانية بنفس القوة فلا ينتصر أحدهما مهما طالت المباراة !

ترتعد أنامله وهو يفتح الكتاب على صفحته الأولى:




"اهداء" ..

تضيق عيناه بتفحص وهو يميز الصفحة الخالية في مقدمة روايتها الجديدة تحت كلمة الإهداء ..!
ترتجف سبابته وهو يقلب الصفحة ..
لتتسع حدقتاه مع كلماتها ويزداد اشتعال النار خلف قضبان عينيه ..

(لا ..ليست خالية !
إنما ما يليق بك لا يصح أن تفضحه حروف ..
زعمت في آخر كلماتك لي أنك تبخرت من حياتي ..
وأؤكد لك أننا سنلتقي ..
كما أؤكد لك أنك وقتها لن تكون أنت كما لن أكون أنا أنا ..
ساعتها فقط ستفهم ..لماذا تركت صفحتك خالية ..
ستفهم ..وستندم!

(طيف "الرفاعي")




يقرأها مرات ومرات ..
يسمعها بصوتها ..يراها بالتماع سديم عينيها ..يشمها برائحة خصلة شعرها التي غفت يوماً بين كفيه ..يلمسها بنعومة عناق زرعها يوماً فوق صدره..
تباً لهذا الاشتياق الذي يكوي ضلوعه !!
كم عمر يكفيه كي ينسى امرأة كهذه ؟!

تؤكد له أنهما سيلتقيان ؟!
تعده ..أم تتوعده ؟!!
الغريب أنه لم يتعجب كلماتها كأنما كتبتها بعقله هو!!

مهلاً !!
هل كتبت "طيف الرفاعي"؟!!
الرفاعي!! وليس الصالح!!
هذا هو الشيئ الوحيد الذي يدعو للعجب هاهنا !!
ماذا تقصد ؟!
يزداد انعقاد حاجبيه وهو يشعر أنه لأول مرة لا يفهمها !!

صوت رنين الجرس من جديد يقاطع أفكاره فيزفر بضيق وهو،يتوقعه العم مؤيد أو أحد أحفاده ..
يفتح الباب لتفاجئه هذه الملامح الصارمة لرجال بدت على ملامحهم عدائية لا تخطئها عين !

_ماذا تريدون ؟!
يهتف بها بصلابة وهو يضم قبضتيه متحفزاً في وقفته لكنه لم يكد ينتهي منها حتى شعر بأقربهم يدفعه ليسقطه أرضاً ..
يعرقل حركته بقدمه فيسقط جواره لينادي نزار لكن هذه الهراوة الثقيلة تسقط على جانب رأسه لتتشوش المرئيات في عينيه وهو يقبض على كتابها بأنامله ..
قبل أن تتراخى قبضته ليفقد وعيه تماماً !
======
انتهى الفصل


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-20, 02:10 AM   #1590

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

واخيرا عاصى وصل لسندباد وهترجع السفينه لحت رجل طيف

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:38 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.