آخر 10 مشاركات
أغلى من الياقوت: الجزء الأول من سلسلة أحجار كريمة. (الكاتـب : سيلينان - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          39 - ابنة الريح -روايات أحلام قديمة (الكاتـب : فرح - )           »          [تحميل] الــخــوف مــن الــحــب للكاتبة : bent ommha (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          عذراء في ليلة زفافها (22) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          إشاعة حب (122) للكاتبة: Michelle Reid (كاملة) (الكاتـب : بحر الندى - )           »          رواية كنتِ أنتِ.. وأنتِ لما تكوني أنتِ ما هو عادي *مكتملة* (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-10-20, 11:23 PM   #1481

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
B17




هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-10-20, 11:24 PM   #1482

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
افتراضي



هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-10-20, 11:25 PM   #1483

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
افتراضي




[


هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-10-20, 11:25 PM   #1484

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
افتراضي

url=https://www.arabsharing.com/][/url]

هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 12:01 AM   #1485

MerasNihal
 
الصورة الرمزية MerasNihal

? العضوٌ??? » 410863
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 252
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » MerasNihal is on a distinguished road
افتراضي

يا هلااااا بالخمييييس
يسعد مسااااكم جميعا
تسجيل حضوووور
لأحلى رواية وكاتبة
في إنتظار الفصل....


MerasNihal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 12:06 AM   #1486

راما الفارس

? العضوٌ??? » 386178
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,037
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » راما الفارس is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور لأحلى نرمين
متحمسجين جدا للفصل خصوصا بعد الاقتباس الجميل جدا
💖💖💖💖💖💖💖💖


راما الفارس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 12:13 AM   #1487

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور يانيمو

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 12:23 AM   #1488

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف السابع عشر
======
*برتقالي*
======
لقاء العيون يبدو أكثر حرارة مما توقعت وهي قادمة إلى هنا ..
فيض نظراته السخي بعاطفة لا يدعيها -ولا تنكرها- كان أكبر من أن تتجاهله ..
لكنها كانت تصده بعنف "درعها المعهود"!!
طيف الصالح لن تمد يدها لتتسول ..لكنها ستنتزع حقاها انتزاعاً بأي طريقة ..
وعاصي الرفاعي الآن ليس سوى مجرد "جسر" ستمر فوقه لبغيتها !!

_طيف!
صوته القوي يأتيها مشبعاً بزخات من حنان لا تريد تصديقه ..
فيتزاحم الدمع "العزيز" في عينيها خلف بابه الموصد لا يعرف متى يؤذن له بحرية !

لهذا تمد يدها ببرود كي تصافحه لكنه لا يمنحها فرصة للمزيد لتجد نفسها فجأة مغمورة بين ذراعيه !!

لا!
لا!
تكاد تصرخ بها رافضة وهي تستعيد مذاق عناقهما الأول منذ سنوات ..
وقتها كان أعمى!
كان مضرجاً بدماء خطاياه وكانت هي فوق قمة جبلها تناظره بعزة وتمنحه صفحها بإباء ،فكان عناقه يرفعها درجة في سلمها الطويل نحو سماء لا تعرف حدوداً !
الآن هي المضرجة بدماء جرحها وقد تعثرت في درجات سلمها لتجد نفسها في القاع من جديد ..
لا حاجة بها لعناقه ..
لا تريده ..
لا تريده ..
لا ...

شهقة خائنة تنفلت من صدرها تقاطع نزف أفكارها وتفتح الباب الموصد ل"الدمع العزيز"!!
شهقة يحتويها صدره وذراعاه يضمانها بقوة تليق "به"وبحنان يليق "بها"!
شهقة تخرجها من "هيكلها المزعوم"..
تذيب برودها المصطنع ..تعري كل عورات ضعفها ..
تصفعها بعرض شريط العمر الأسود ..
تحكم سيطرتها على جوارحها فلا تشعر بأناملها وهي تستجيب لحرارة عناق مثل هذا فترتفع ..
ببطء ..ببطء ..
أناملها هي ترتفع كي تتشبث به !!

بعض العناق حياة ..
بعض العناق عدم ..
بعض العناق حرية ..
وبعض العناق اعتقال ..
وعناقه هو كان مزيجاً من كل هذا !
وكيف لا؟! وهو ينقلها بسرعة البرق بين كل عصورها فلا تدري أي طيف هي؟!

لهذا كانت رفعة رأسها من القوة بمكان وهي تنتفض أخيراً بتمرد هاتفة :
_أنا أتيت كي ..
لكنه يقاطعها من جديد وهو يعاود غرس رأسها على صدره هاتفاً بهيمنته الحنون :
_لا يعنيني لماذا أتيتِ ..المهم أنكِ أتيتِ !

الشهقة الخائنة تتبعها أخواتها ..
الأنامل الواهنة تزداد تشبثاٌ ..
والدمع العزيز ما عاد يستنكف إراقته فوق صدره ..
كأن كل مقاومتها للأيام السابقة قد انهارت في هذه اللحظة!
كأنما لم يعد عاصي الرفاعي مجرد محطة في طريقها ..
بل صار منتهى الطريق!!

من أين له بكل هذه القوة كي يقتلعها من جذور تمردها بمجرد عناق؟!
بل ..ربما ..السؤال الأدق ..
من أين لها بكل هذا الوهن كي تستجيب ؟!

خطأ!
خطأ!
أفيقي يا طيف!
لا تسمحي لهذا السيل أن يجرفك!!
أنتِ أتيتِ لغرض واحد فلا تسمحي بخلطة الأوراق!!

وبهذا العنفوان الطاغي تعاود رفع رأسها من جديد لتنتزع نفسها انتزاعاً من بين ذراعيه ..
تمسح دموعها وهي ترى ماسة تقترب منها مرحبة بحرارة معربة عن مفاجأتها لتمنحها عناقاً تستجيب له بتشتت قبل أن تنتبه لبطن ماسة البارز فيختلج قلبها بشعور لا تريد الاستجابة إليه ..
المزيد من التمرد يرسم البرود على ملامحها لكن ..!!!!

_"عمتو"..هل أحلم؟!
_لا ..لا تحلمين ..أخبرتك أنها ستأتي يوماً ..و"ضياء الرفاعي" يعرف ماذا يقول!

الأولى من نور والثانية من ضياء تجعلانها تلتفت رغماً عنها للصغيرين اللذين استيقظا لتوهما وقد وقفا على باب الغرفة فتتوقف أنفاسها للحظة ..
قبل أن يعاود قلبها الخفقان بجنون !!

رغم كل التحذيرات ..
رغم كل عنفوان التمرد ..
رغم كل الرعب من أن تهوي أكثر وأكثر في بئرها السحيق ..
لكنها تفقد السيطرة على نفسها من جديد وهي تجد قدميها تطيران نحوهما ..
تطوقهما في نفس اللحظة بين ذراعيها..
تغمض عينيها بقوة كأنما تريد أن يتوقف العالم عند هذا المشهد ..وكفى!!

كانت المرة الأولى التي تراهما فيها على الطبيعة بعيداً عن جمود الصور ..
وكانت المرة الأولى التي تفرج فيها عن مشاعرها نحوهما بعيداً عن جمودها هي !!

رائحتهما!!
رائحتهما ..هل تشبه رائحة مجد ؟!
أم تشبه رائحتها هي ؟!
رائحتها عندما كانت بنفس العمر أو ربما أكبر قليلاً !!

مجد !!
مجد!!
تباً لهذه النيران التي تحرقها في اليوم ألف مرة !!
ما بين اشتياق وخذلان ..ووجع!!


_لا أصدق أنك هنا! لا تتصورين مدى سعادتي!
صوت ماسة خلفها ينقذها من دوامة أفكارها فتلتفت نحوها بتشتت ..
قلبها يستصرخها ألا تفلت الصغيرين من بين ذراعيها لكنها تحتمي ب"درع تمردها" من جديد ..
جسدها يستقيم بعد انحناءته لتأخذ نفساً عميقاً وأناملها المرتجفة تمسح "فضيحة" الدمع العزيز ..

_أستريح أولاً من تعب السفر ..وبعدها أخبركما لماذا جئت .

تقولها بفظاظتها المعهودة لتنقل ماسة بصرها بتوجس بينها وبين عاصي الذي بقي واقفاً يرمقها بنظرة متفحصة ..
هذه ليست "طيف" الطفلة البائسة المتشبثة بجلباب أمها والتي رآها أول مرة منذ سنوات ..
ولا تلك التي عثر عليها بعد سنوات أخرى ليمنحها إرثها فتخدعه وتهرب ..
ولا حتى تلك التي أتته بعدها شامتة في مصابه ليحتويها عناقه فيبدل شماتتها لعاطفة صادقة ..
بل هي أخرى جديدة ..مختلفة ..
كأنما تشكلت عجينتها من جديد بصورة أخرى!!
مجروحة !!
خبرته بالناس تكاد تصرخ بها وإن كان قلبه لا يتمناها ..
ود لو تأتيه راغبة لا محتاجة !!

لهذا يبتلع غصة حلقه وهو يقترب منها ليبسط راحته على ظهرها فيرتجف جسدها بمزيج من تمرد ..واحتياج!!
مزيج لا يليق بسواها !!

تلتفت نحوه بعنف هاربة من لقاء نظراته لتبتعد خطوة هاتفة :
_أرني الغرفة التي يمكنني الاستراحة فيها .

_في سريري .
_لا في سريري أنا .

يتنافس بها الصغيران وهما يتقافزان حولها ..يجاذبان ثيابها فتغمض عينيها مقاومة كل هذه المشاعر العاصفة التي تجيش في صدرها ..
لكن عاصي يهتف بهيمنته الممتزجة بحنانه :
_غرفتك موجودة على اسمك..تنتظرك منذ وقت بعيد .
تبتسم ماسة بتأثر وهي تتذكر كيف أصر عاصي منذ أسس هذا البيت أن يحتفظ بغرفة مخصصة لها هي ..كأنه كان يعلم وينتظرها!!

بينما تبقي طيف عينيها مغمضتين كأنما لا تريد رؤية كل هذا !!
مادامت أرضها بوراً لن تقبل المطر ..فليحيا العمى!!

تشعر بكفه على ظهرها من جديد يدفعها برفق فتستجيب لخطوات شاردة تتوقف بها أمام إحدى الغرف ..

_استريحي كما تشائين ..نامي كما تشائين ..واطلبي ما تشائين ..كوني واثقة أنكِ لن تخرجي من هنا خالية الكفين ..وربما ..لن تخرجي أبداً !

يختلج قلبها كطير ذبيح مع "الوعد" الذي ترفلت به كلماته لكن عبارته الأخيرة تجعلها تعاود رفع "درع تمردها" في وجهه وهي تلتفت نحوه قائلة بفظاظة هزمت ارتعاشة صوتها:
_لن أبقى هنا كثيراً على أي حال!

يرمقها بنظرة نافذة وغابات زيتونه تضطرم بنيران باردة من قلق ..
لكنه يؤثر ترك كل شيئ لوقته فيربت على ظهرها برفق ليغادر الغرفة مغلقاً بابها خلفه !

هنا تكتف هي ساعديها بقوة لتهتف من خلف الباب المغلق:
_لا أريد أن يدخل عليّ أحد ..دعوني حتى أستريح .

تقولها ثم تتوجه نحو مرآة قريبة تتفحص شكلها فلا تكاد تعرفه!!
عيناها اللتان انتفختا بأثر بكاء الدقائق السابقة ..
أنفها شديد الاحمرار ..
وأخيراً شعرها الذي قصته !!

_لو تعلمين كم أكره الشعر الطويل ..وكم أحب شعرك !

تسمعها بصوته فترجفها الذكرى!
أجل ..فعلتها!!
لا ..ليس نكاية فيه !!
إنما ..أبت أن تحتفظ بآثار أنامله على خصلاته !!
أنامله فحسب؟!
تغمض عينيها بقوة وذكرى قبلته اليتيمة لخصلة شعرها المستلقية في راحته تقصفها بلا رحمة !!
لكنها تعاود فتحهما بشراسة قبل أن تستدير بعنف لتستلقي على الفراش دون أن تبدل ملابسها كأنما ترفض -مؤقتاً- الاعتراف بأن لها هنا راحة !

جفناها ينزلقان بتعب ..
يحتضنان صورة !
صورة لم تفارقهما وإن فارق صاحبها!

تستلقي على جانبها الأيمن كعادتها منذ عرفت أنه يستلقي على الأيسر كأنما تواجهه ..
طيفه "المراوغ" مثله ..
"الحنون" مثله..
"القاهر" مثله ..
يواجهها في نومتها فتقبض كفها بقوة لتخبط له على صدرها هامسة له بقوة:
_قسماً بمن جعل هذا يخفق لك بعد طول ركود لآتينَّ بك هنا ..تحت قدمي ..لأنتزعن من صدرك كل أسراره قبل أن أمزقه حسرةً عليّ ..لماذا فعلت بي هذا ؟! ستخبرني ..قسماً بأغلظ الأيمان ستخبرني ..تنعّم بكل أنفاسك حتى نلتقي فبعدها والله حتى شهقاتك سأحبسها ! وما أدراك سجن روحي كيف يكون!
======
غرفة الرسم!
بعد منتصف الليل تقريباً!
تفتح بابها بعنفوان يليق بها لتعاود إغلاقه خلفها ..
تضغط زر الإضاءة فيؤذي عينيها النور لهذا تغلقه !!
عاشت الظلمة !
عاشت تحمي وتستر !!

تتحسس -شيئاً ما - بجيب سروالها ثم تطلق توجه نحو النافذة الزجاجية العريضة التي احتلت وحدها حائطاً بأكمله فتفتحها ..
يتسلل منها ضوء القمر نافذاً مخترقاً فيضيئ الغرفة كلها بهذه الإضاءة الخافتة ..
وعلى هذا الضي تميز آخر لوحات عاصي الرفاعي ..
ابتسامة ساخرة تغوص في مرارتها وتذبح شفتيها الحادتين وهي تتفحص المزيد من تفاصيل اللوحة ..
هذه اليد السوداء الصغيرة التي تخترق الصورة كأنها تطلب النجاة !
_ابن الرفاعي صار فناناً! لو رآك أبوك لدفنك مكانك ..لكنه كان سيجلدك على إحدى نخيل حديقة قصره قبلها !

تهكمها المرير لا يمنع تأثرها الداخلي بهذه الصورة خاصة مع ضوء القمر الذي بدا وكأنه يعاندها فيظهر تفاصيل اللوحة حية ..
النهر ..الجسر ..القمر ..
هنا لا تشعر بنفسها وهي تمد أناملها نحو الفرشاة القريبة لتغمسها في لون برتقالي شاحب ..
ثم ترسم بها فوق الجسر طائر "فلامنجو" يقف على قدم واحدة بينما تنثني الأخرى ..قهراً ووجعاً !

تدمع عيناها بمزيج من اشتياق ووعيد لكنها لم تكد تنتبه لما فعلته حتى عادت تغمغم بسخرية :
_عفواً سيد عاصي ! أفسدت لوحتك ..لكنني لا أظنك ستفكر بهذا الأمر كثيراً بعدما أنتوي إخبارك به !

تلقي الفرشاة من يدها غير مبالية فتسقط ملطخة الأرض لكنها لا تهتم ..
تعود نحو النافذة لتتأمل حديقة البيت التي بدت لها في هذه اللحظة كوحوش سوداء مستترة تنتظر الانقضاض في أي لحظة ..

لماذا جاءت إلى هنا ؟!
ربما لأنها تدري أن هذه الغرفة هي عرين عاصي الرفاعي الجديد لهذا أرادت اقتحامه ..
ثقيل..ثقيل ..ثقيل..
وجودها هنا ثقيل على نفسها لكن لابد منه !

هي اعتادت التحايل على ظروفها لتحكم قبضتها على ما تريد ويحيى العراقي الآن هو كل ما تريد ..
يحيى الذي بدا وكأنه تبخر حقاً كما زعم !!
لقد حاولت تتبع آثاره في "أبو ظبي" فلم تصل لشيئ!!
"السندباد" لم يكن نصاباً فحسب ..بل ومزور خبير أيضاً!!
أوراق إيجاره للشقة تختلف عن الأوراق التي قدمها لدار النشر ..وتختلف كذلك عن أوراق شركته التي تركها خلفه !

الآن تفهم كيف بدت أوراقه مع مجد سليمة عندما ادعى بنوتها في نفس الوقت الذي كان يؤكد فيه صاحب دار النشر أنه أعزب !
ليس هذا فحسب ..
بل إنها اكتشفت أن شركته هو وذاك ال "فرقع لوز" نزار كانت بغرض النصب تحت غطاء التأمين ..لكنهما تركا كل شيئ خلفهما وسافرا !
لماذا؟!
تراه اكتفى بغنيمته منها ؟!
لا ..لم يكن المبلغ كبيراً إلى هذا الحد !!
لماذا إذن ؟!
لماذا؟!

_سأعرف! سيخبرني وهو جاثٍ على ركبتيه أمامي ..أقسم!!

تهمس بها من بين أسنانها وأناملها تداعب بتلات زهرة ناعمة حواها صندوق بلاستيكي قد زيّن النافذة الزجاجية من الخارج ..

_بل أنا ..أنقذت حياتي!


تسمعها بصوته والمشهد "المتجدد" يغزو مخيلتها فتتلاحق أنفاسها وكأنها تعيشه من جديد ..
هي بين ذراعيه تعانق الأمان الذي طالما طاردته كسراب ..
وهو بين ذراعيها تتعالى خفقاته بجنون وعيناه تصرخان بحب ..
كيف يكون هذا بكذب؟!
ما حال الصدق إذن ؟!

تصرخ صرخة خافتة وشوك الزهرة يخدش أناملها غدراً فتسحب كفها نحو صدرها لكنها تفاجأ بهذه اليد الكبيرة الخشنة تجذب كفها فتلتفت نحوه هاتفة بفظاظة :
_أفزعتني! ألا تطرق الباب قبل دخولك أم أنك لم تفقد هوايتك بترويع القلوب؟!

كانت تعلم أنها تطرفت في قولها وأنها هي من اقتحمت غرفته !!
لكن رؤيتها لهذه النظرة الحنون في عينيه أفزعتها !
لن تعود للتعلق في حبال ذائبة من جديد ..
هي جاءت لغرض واحد ..وستنفذه !!

_غرّتكِ نعومتها ..فأدماكِ شوكها!

يقولها عاصي بنبرته الخبيرة وهو يرفع كفها نحو صدره لتضطرب خفقاتها وهي تشعر بنور القمر يضفي على ملامحه في هذه اللحظة صبغة غير بشرية ..
كأنه امتلك رؤية ماورائية استشفت خبيئة صدرها خاصة وهو يردف بنفس النبرة :
_ولولا وجعك ما استقر كفك هاهنا على صدري!

تتسع عيناها بانفعال للحظة لكنها تنتزع كفها منه بحركة عصبية ..
لتطلق ضحكة ساخرة تليق بهتافها :
_اخلع عباءة المستبصر يا سيد عاصي فلا تليق برجل بماضيك .

لكنه لم يستسلم لاستفزازها بل ظل يمطرها بنظراته المحتوية ليقول أخيراً :
_دعكِ من الماضي ..نحن في الحاضر!

تطلق ضحكة عصبية أخرى وهي تشيح بوجهها فيحترم صمتها للحظات يتفحص فيها ملامحها ليقول أخيراً:
_استيقظتِ لتوك وقد بقيتِ نائمة منذ وصلتِ ..تشعرين بالجوع؟!

ترتجف نظراتها للحظات يتأكد فيها من حدسه أنها كانت تهرب من لقاء الصغيرين فلم تغادر غرفتها حتى تيقنت من نومهما ..
لا تزال "البردانة" تخشى التعلق بدفء -تراه- لن يدوم!!

_دعك من هذه السخافات ولا تدعنا نتعامل كشقيقين ..أنا لم آتِ لهذا !
تهتف بها بشراسة فينعقد حاجباه بقوة وهو يسألها بحذر :
_ولماذا أتيتِ إذن؟!
_لأجل ما تبقى من إرث حماد الرفاعي.

تقولها بحسم وهي تناظره بعينين فاضتا بعنفوانهما فتزداد عيناه ضيقاً وهو يحاول فهم ما تعنيه ..
هو يذكر أنه منذ سنوات منحها إرثها من مال أبيه بالعدل بل ويزيد !!
لهذا ازدادت لهجته حذراً وهو يردد :
_ما تبقى من إرث حماد الرفاعي!

فترفع ذقنها لتزداد نظرتها شراسة :
_أنت!

تشتعل غابات الزيتون في عينيه بوميض خاطف وهو يتفحصها للحظات قبل أن يتحرك مبتعداً ل..يضغط زر الإضاءة !!
يغشي الضوء عينيها فتغمضهما للحظات لكنها عندما تعاود فتحهما تجده أمامها ..بل حولها!!
أجل حولها!!
هكذا شعرت بالضبط وذراعاه يطوقان كتفيها كأنه صار فجأة رجلاً بسعة العالم !!
_وأنا كلي لكِ!

رعدة!!
رعدة عتية تصيب كل خلاياها وهي تسمعها من رجل مثله بكل هذا الحسم ..وبكل هذا الحنان !
لا!
لا!
لن تصدق !
لن تهوي في هذا البئر من جديد !!

لهذا تنفض ذراعيه عنها ببعض العنف هاتفة :
_لا تسئ فهمي يا ابن الرفاعي! أنا لم آتِ أتسول منك بضع كلمات ترقّع بها ثوب ضميرك الممزق ..أنا جئت كي تمنحني حقي في نفوذك هذا الذي يحكون عنه ..وهذه ليست منة منك عليّ ..نفوذك هذا إرثك من أبيك وأنا أريد حقي فيه .

لم يشأ مجادلتها في ما تقول ..ربما لأنه يوقن من صحة بعضه ..
وربما لأنه أراد احتواء غضبها وعصبيتها ..
والأهم ..فضوله لما عاد بها إليه بعد هذه السنوات !!

لهذا هز رأسه بحذر منتظراً المزيد من كلماتها ..
لتأخذ نفساً عميقاً ثم تقول بنبرتها الفظة الآمرة :
_أريد منك أن تعثر لي على رجل بعينه .

تشتعل غابات الزيتون في عينيه فجأة فتشعر ببعض الخوف رغماً عنها ..
لكنها تتمالك نفسها وهي تكتف ساعديها لتناظره بتحدٍّ مردفة :
_أجل ..كما سمعت ..رجل بعينه ..سأعطيك اسمه وما أعرفه عنه ومطلوبٌ منك بعدها أن تعثر عليه وتحضره لي هنا ..لا تظن المهمة هينة لا تليق بمقام عاصي الرفاعي العظيم ..العثور على رجل كهذا يشبه البحث عن إبرة في كوم قش ..ولولا فشلي في فعلها لما لجأت إليك ..فهو عراقي كان مقيماً في أبو ظبي وغادرها لمكان لا أعلمه .

يزداد اضطرام النيران في عينيه وهو يكز على أسنانه بينما يقترب منها خطوة فيزداد شعورها غير الاعتيادي بالخوف لكن هذا يدفعها للمزيد من التحدي فتهتف بضحكة مستهزئة:
_ماذا؟! ستزعم أنك لا تستطيع ؟! لا يا سيد عاصي فلديك سوابق مشرفة في هذا الشأن ! ألم تعثر لزوجتك على من اغتصبوها ؟!

تقطع كلماتها بصرخة خافتة كتمتها بكل عنفوانها وهي تشعر بقبضته تطوق ساعدها ..والجحيم الزيتوني في عينيه ينذر بالأسوأ ..

_ماذا فعل؟!

يرتجف جسدها رغماً عنها وتاريخها البدائي مع تقاليد كادت تنساها يجتاحها بضراوة رغم محاولتها تهيئة نفسها لما ستحكي عنه ..
شفتاها ترتعدان بثقل "الكذبة" التي تلقيها في وجهه :
_اعتدى على عرضي!

لم تكد تتفوه بها حتى شعرت بأصابعه فوق ذراعها كسوار من نار!!
لكن عينيها الجسورتين لم تحيدا عن نظراته ..
تسمع زمجرة غضبه وأصابع يده الأخرى تمتد لعنقها في رد فعل عفوي لم يملكه .. فتستخرج من جيب سروالها ما كانت تخفيه ..
سكين كبير!!
هذا الذي رفعته بين وجهيهما لتهتف بملء قوتها :
_لو كنت تريد إنهاء الموقف بسهولة يمكنك إلقاء اللوم عليّ وذبحي الآن كي تغسل عارك ..لكن تذكر أنني لا أحمل الذنب وحدي .."الشرف" الذي تغضب له الآن أبوك هو من لطخه في البداية عندما اغتصب أمي ثم رماني بعدها في الشوارع كقطة جرباء يعافّ الاقتراب منها ..وأنت سرت على طريقه بعده ..ومن يدري؟! ربما كانت هذه عدالة القدر فيك وفي أبيك قبلك ..أن أشرب من نفس الكأس الذي سقيتماه لغيركما!

_اسكتي!

تشعر بها وكأنما نطقها بدمه قبل لسانه !!
دمه الذي كان يضخ الدم حاراً في عروقه فيحمر وجهه حتى شعرت به يكاد ينفجر ..
أصابعه حول عنقها تزداد ضغطاً وذرات الهواء بينهما تستحيل لحمم لاهبة ..
يرتعش السكين في يدها لكن نظراتها لعينيه لا تحيد ..
هي بدأت الطريق ولن تبرح حتى تبلغ!!

تنقطع أفكارها وهي تشعر بضغط أصابعه يخف تدريجياً حول رقبتها قبل أن تشعر بكفه يطيح بالسكين في يدها ليسقط أرضاً فتخفق روحها بابتسامة ظفر !!
ابتسامة لم تظهر على شفتيها إنما فضحها عنفوان عينيها !!
على الأقل هو لم يخذلها في موقف كهذا !
ربما عندما تستعيد عافية "قلبها" ستضع موقفاً كهذا في رصيد حسناته !!


تراه يطوق كتفيها بقبضتيه ليهزها بين ذراعيه صارخاً :
_من هو؟!

ليزداد زئير التحدي في عينيها مغالباً خوفها الطبيعي وهي ترد :
_لن أخبرك أي شيئ عنه حتى تعطيني وعدك !

يزداد احتقان وجهه حتى تشعر أن عينيه محاطتين ببركتين من دم !!
ترثي له ؟!
ربما ..!!
لكن المؤكد أنها تشعر ببعض الشماتة !!
فليذق بعضاً من لحم أبيه الفاسد الذي تركها لها كي تبقى عمرها كله تمضغه قسراً!!

_أي وعد ؟!
يصرخ بها بنفس النبرة المشتعلة لتشعر بمنتهى النشوة وهي ترد :
_أن تحضره هنا حياً ولا تمسه بسوء قبل أن أراه أمامي .

عيناه تقذفانها بسهام من نار تتلقاها صامدة مكانها وهي تردف :
_يقولون إنك لا تخلف وعدك ! امنحني إياه وسأخبرك بما أعلمه وإلا فاتركني أتعفن بأسراري وألطخ جبينك بالعار!

هنا تشعر بعينيه تضيقان بنظرة لم تفهمها وقبضتاه حول ذراعيها يكادان يطحنانها طحناً ..
آهة خافتة تنفلت منها رغماً عنها لكنها تكتم شبيهاتها وهي تناظره بنفس التحدي ..
لم تدرِ كم مضى من الوقت ولا متى خفّ جحيم قبضتيه حولها لكنها تراه أخيراً يفرج عنها ليعطيها ظهره لدقائق مرت عليها كدهور ..

قبل أن تصلها كلماته :
_لك وعدي ! لن أمسه بسوء حتى يصل هنا ..لكن ما سيحدث بعدها هو شأني وحدي!

تلتمع عيناها ببريق لمحه وهو يستدير نحوها أخيراً لتزداد قتامة النظرة الغامضة في عينيه ..
لكنها لا تبالي وهي تشعر بأنها عادت ترتقي "سلمها" ..
طيف الصالح لازالت قادرة على استغلال كل الظروف كي تصل لمرادها ..
لا!
ليست نادمة على كذبتها ولن تفعل!!
لو كانت أخبرته أن يحيى فقط قد أخذ بعض مالها ربما لم يكن ليهتم ..لكن ما زعمته يكفل لها أن يقلب عاصي الدنيا شرقها وغربها كي يأتي به ..
وبعدها ؟!
بعدها هي ستعرف كيف تدير دفة المركب ب"الجميع" كما أرادت ..وكما ستريد !!

ينساب لسانها بالبوح عما تعرفه من معلومات عن يحيى فيما تبقى نظراتها ملتمعة بشرود ..
بشغف ..
باشتياق ..
وبوعيد ..!!

هذا الذي قرأته نظرات عاصي بخبرته وهو يستمع منها دون مقاطعة ..
معلوماتها كانت شحيحة ..تتحاشى ذكر التفاصيل ..
لكنه لم يكلف نفسه سؤالها عن كيف استباح ذاك الرجل عرضها!
لماذا؟!
ربما ..ل"غاية" في نفسه!!

_هذا كل ما أعرفه عنه !

تنهي بها كلامها فيرمقها بنظرة أخيرة قبل أن يغادر الغرفة صامتاً دون كلمة واحدة ..
يتوجه بعدها لغرفة نومه ليحدج ماسة النائمة بنظرة عميقة وأنامله تمسد بطنها بارتعاش لا يليق برجل مثله ..
قبل أن ينعقد حاجباه بقوة وهو يتوجه نحو خزانة ملابسه ليفتح آخر أدراجها ويستخرج منه ما قلبته أصابعه بنظرة مشتعلة غامضة ..
عاصي الرفاعي سيعود ليحمل السلاح ..لأجلها هي!
======







أمام سريرها في المشفى يقف ريان بوجه محتقن وقد عاد لتوه ..
عاد بعد دفن أولاده !!

دفن أولاده !!
العبارة تبدو عسيرة التصديق بل ..مستحيلة !!
الابن يعيش عمره مهيئاً نفسه بخوف لفقد أبويه بحكم طبيعة الكون ..
لكن الأبوين لا يفعلان ..
يظنان دوماً أنهما سيسبقانهم في الرحيل ..
ويرفضان تصديق حقيقة أن الموت لا يعرف "ترتيب أسبقية " بل تمتد يده لتجتث أوراق العمر من غصن الحياة بحكمة لا يعلمها إلا خالقها !

يرفع كفيه أمام وجهه بذهول ..
هو وضعهم في حفرهم الضيقة بنفسه ..
ثم واراهم التراب ليرحل ..
غادرهم ؟!
كيف غادرهم ؟!
ربما يحاول إقناع نفسه أنه رحيل مؤقت ككل مرة كان يسافر فيها لرحلة أو مؤتمر ما ..
لكنه وقتها كان يشعر أنه مطمئن ..سيعود ليجدهم ..فدوى ترعاهم !
والآن ..
فدوى !!

يرمقها بنظرة مشفقة طويلة وعيناه تنتقلان من جسدها الساكن الراقد تحت رحمة الأجهزة ،وبين كفيه الملطخين بذنبه ..
هو السبب !!
هو من فعل هذا !!
هو خان صديق عمره وامرأته لأجل عائلة ..
والآن يخسر كل هذا !!

لا !! لا !! لا!!
يهتف بها بصوت مسموع كأنه يريد الطغيان بها على صوت ضميره ..
_لست أنا السبب ..أنا فعلت ما بوسعي لأجلكم ..تنازلت عن مبادئي كي أضمن لكم عيشاً أفضل ..أنا لم أخن جهاد ..يقولون "لو جاءك الطوفان فارم ابنك تحت قدميك" ..وأنا لم أرمه تحت قدمي أنا فقط أزحته عن طريقي كي أفي بمسئولياتي ..هو كان ليعرف كيف يتدبر أمره وحيداً لكن أنا ..أنا ..أنا لي عائلة ..لي عائلة ..

تنقطع كلماته بتهدج صوته المرتجف وكفه المرتجفان يخبطان على صدغيه بقوة تباعاً مرة تلو مرة :
_كانت ..كانت ..كانت لي عائلة !

الدمع الملتهب رغم حرارته يبدو شديد البرودة عديم القيمة وهو يسيل فوق وجنتين موصومتين بالغدر ..
ومن ثقل الوزر ..تأبيان الاعتراف!!
ذنب كهذا بعظم الجبال كيف لكتف بشر أن يحمله ؟!

_لست أنا السبب ..أنا لم أخنكِ ..أنا ..أنا فقدتك ..!!

يعاود الهتاف بها أمام جسد يولاند الساكن كأنها تسمعه فتزداد نبرة صوته حدة :
_فقدتك وسط زحام الطريق ..من أنت ؟! يولاند أم فدوى؟! أتحداكِ لو كنتِ أنت نفسك تملكين الجواب !! أنتِ صرتِ مجرد مسخ مشوه بينهما ..فلا أنتِ يولاند بسحر توهجها وتمردها ولا أنتِ فدوى بعذوبة استسلامها وعطائها ..صرتِ امرأة لا تطاق ..باهتة شاحبة مقيتة روحك تولول كل وقت كالعجائز على الأرصفة حتى ولو بقي لك من الشباب نصيب ..فلماذا تستكثرين عليّ البحث عنك من جديد في صورة أخرى تشبه حبيبتي القديمة ؟! صورة أنتِ من ضيعتِها !!

يستريح عقله مؤقتاٌ بهذا التفسير فيهز رأسه بانفعال مردفاً :
_أجل ..أنتِ من ضيعتِها ! أنتِ السبب!! أنتِ السبب!! أنتِ المذنبة !!أنتِ المجرمة التي قتلت أولادي!!

صوته أخيراً يصفع إدراكها ..
يتخلل الحجب الكثيفة -الرحيمة- التي عصمتها -حتى الآن- من مواجهة طوفان الحصاد ..
ليكون أول ما تعيه "يولاند" وهي تفتح عينيها كلماته المشتعلة :
_لا تفيقي ..لا تفيقي ..موتي ..موتي والحقي بهم !
=======












_لقد ثبتت براءتك ..أعتذر لك ..
يقولها أديم وقد جلس خلف مكتبه مخاطباً جهاد الذي بدا في أسوأ حالاته بعد سجن الأيام السابقة ..
ليردف أديم بنبرة آسفة:
_أعتذر لك نيابة عن مصر كلها !
_وزهرة؟!
يهتف بها جهاد بلهفة عارمة ليمنحه أديم جوابه :
_لا تقلق ..هي بخير..سننهي الإجراءات لتخرجا معاً بأقرب وقت .

يرفع إليه جهاد عينين متوهجتين لم تنطفئا رغم قسوة ما مر به ليقول بيقين :
_الحمد لله ..لم أشك للحظة أن المحنة تخفي خلفها منحة وأن الله لن يضيع حقي ..كما وثقت طوال عمري أنه لن يضيع حق وطني.

يرمقه أديم بنظرة حزن غامضة لم يفهمها وإن اتشحت بالكثير من الإعجاب ليقول بشرود :
_تؤمن كثيراً بوطنك يا دكتور؟!

فيبتسم جهاد وهو يشير بقبضته لصدره قائلاً :
_الوطن ليس قطعة أرض ولا ألوان علم نلقي لها تحية ..الوطن هاهنا مهما تغربنا ..ليس لأنه أفضل مكان ولا أرقى مكان ولا أنظف مكان ..بل لأنه هو بكل أوجاعه قبل خيراته ..أول فضاء اتسع لصرختك وليداً ..لضحكاتك رضيعاّ ..لقفزاتك طفلاّ..لخيالاتك مراهقاً..ولمهامك رجلاً ! أول قطعة قماش منحها لك القدر كي تحيك بها ثوب كينونتك ..هذا الكلام ينطبق على أي وطن ..فما بالك لو كان وطناً بعظمة وطني ؟! وطني الذي مزج شرف الإسلام بشرف العروبة ..فيه ولد عيسى وأسري بمحمد عليهما السلام ..وسيبقى أرضاً لصراع الحق والباطل حتى قيام الساعة .

ابتسامة فخر تشق طريقها على شفتي أديم الذي وقف يصافحه قائلاً بود :
_اعتبر أنك كسبت صديقاً مصرياً جديداً هنا ..ربما لا يمكنني إخبارك باسمي الحقيقي لكن تأكد أنني سأكون جوارك لو احتجتني .

يصافحه جهاد بحرارة ليسأله باهتمام:
_هل يمكنني السؤال كيف ساعدتني؟! كيف علمت عن براءتي ؟!

_اسمح لي بعض المعلومات تحمل جانباً عالياً من السرية لا يمكنني تجاوزه ..لكن ما يمكنني إخبارك به أن الرجل الذي أسعى خلفه هو نفسه الذي ورطك في هذه التهمة بدسّ أدلة مزيفة كان من السهل تصديقها وقتها لولا أن أعادت تفحصها عيون خبيرة .

_سلمت العيون الخبيرة !
يقولها جهاد بلهجته الفلسطينية مع ضحكة بشوش هزمت شحوب ملامحه ليبتسم له أديم متسائلاً:
_تريد شيئاً؟!

_"شالي" الفلسطيني..كنت أرتديه عندما أخذوني من الفندق!
يقولها جهاد بنفس النبرة التي تمزج فخرها بعاطفتها لتتسع ابتسامة أديم وهو يرد :
_ستجده ينتظرك مع الحارس بالخارج نظيفاً ومعطراّ .

يهز له جهاد رأسه بتحية ثم يغادر الغرفة فيبقى أديم يراقب مكانه بشرود للحظات قبل أن يعاود الجلوس ..
ورقة بيضاء كبيرة تزاحمت بالأسماء ..
غازي خضر ..
ديمة ..
حسام القاضي ..
جهاد ..
جنة الرشيدي.. موكلها الذي قتل في السجن ..
وقاتله !
خيوط تتشابك وترتخي فتوصله لكثير وتمنع عنه الأكثر ..
أسماء كثيرة ..تشعبت طرقها لكنها تشترك في شيئ واحد ..
أنها مسدودة النهاية لا توصله لشيئ عدا ..حسام القاضي!

_عساك تقودني لخيط جديد كما وعدت .

يقولها بعينين ضاقتا انفعالاً ثم يزفر بقوة وهو يقف ليلتقط مفاتحه ثم يغادر مكتبه ..

يستقل سيارته ليتحرك بها بلا هدف ..
"طائر الظلام"!!
هكذا كان يدعوه غازي ولا يدري إلى أي حد يناسبه هذا اللقب!!
غصة مريرة تحتكم حلقه وهو يجد السيارة تقترب من المشفى الذي احتجزت فيه دينا حيث التقى بحسام ..
حسام !!
من جديد حسام !!
كأن أهم ما في حياته الآن صار يتعلق بهذا الرجل ..
الكوبرا ..و ديمة !

ينعقد حاجباه بغضب عجز عن منعه وهو يتذكر افتراء ديمة عليه أمامه ..
غضب لأجلها قبل أن يكون منها ..
كيف يحميها من نفسها ؟! كيف؟!
كيف وهو كان شاهداً على عذابات روحها ؟!

يتوقف بالسيارة أمام المشفى دونما سبب منطقي ..
دينا..ديمة !
هل هي مصادفة أن يتشابه الاسمان إلى هذا الحد مع اختلاف صاحبتيهما ؟!
من قمة الطهر لقمة العهر ؟!

_دينا ليست كما تظن ..دعها لشأنها ..لعالمها النظيف الذي اختارت الهرب إليه ..بعيداً عنك ..وحتى عني!

يسمعها بصوت حسام كما قالها له وقتها عندما التقاه هنا ليشرد ببصره وهو ينقر بأصابعه على مقود السيارة ..
يستعيد ما عرفه من حكايتها كما رواها له حسام ..
حكاية ملخصها :
خطأ واحد تزل به القدم نحو هاوية بلا قرار !
ومن مثله يمكنه فهم هذا الشعور؟!
عندما يغرك هوان خطيئة واحدة لتتحول قطرة المطر لكرة من الثلج تهوي من أعلى القمة لتهدم في طريقها كل شيئ!

يغمض عينيه بألم عند هذا الخاطر ثم يطلق زفرة قصيرة وهو يغادر سيارته نحو الأعلى ..

_سيدي!

يهتف بها طبيبها الذي التقاه على باب غرفتها وقد تعرف إلى هويته من زيارته السابقة ليسأله أديم بنبرة عملية :
_كيف هي؟!
_على حالها ..
يقولها الطبيب ببعض الحرج ليردف مدافعاً :
_ليس تقصيراً منا ..لكن جسدها يأبى الاستجابة لمحاولاتنا ..الحادث لم يكن هيناً .

يشعر أديم بالمزيد من الذنب ليعاود سؤاله :
_من يتولى تكاليف إقامتها هنا؟!
_يمكنك السؤال في "الحسابات"..لكنني أظنه "حسام بيه" فلا أحد يزورها غيره ..و ..سيادتك طبعاً .

يهز أديم رأسه بسؤاله من جديد :
_هل يمكن أن يكون لحالتها علاج أفضل في دولة أخرى ؟!
_ربما ! الحالة غريبة وتشخيصها غير مفهوم ..لكنني لا أحبذ نقلها الآن على أي حال ..ليس قبل أن تفيق من غيبوبتها !

يعاود أديم هز رأسه فيسأله الطبيب بفضول:
_هل هي مجرمة خطرة؟! ملامحها لا توحي بهذا على العكس ظننتها ..

يقطع عبارته صاغراً مع هذه النظرة النارية التي حدجه بها أديم فيعتذر بكلمات مقتضبة ثم يغادره ليتنهد أديم بحرارة وهو يفتح باب الغرفة ليدلف إلى الداخل ..

خطواته تقترب ببطء من الجسد المستسلم لغيبوبته على الفراش ..
ملامحها التي بدت له كأول مرة رآها فيها ..
ملائكية طفولية لا تليق بتاريخها الذي عرفه ..

ريقه يجف بالمزيد من شعوره بالذنب نحوها ..
ربما لو يكلفها بمراقبة حسام لكانت الآن أسعد أهل الأرض بافتتاح الاستوديو الخاص بها ..بوابتها لعالمها النظيف !

_تقبلين اعترافات رجل مهزوم ؟!

يهمس بها بخفوت وهو يتخذ مجلسه أمام فراشها وقد انحنى بجذعه للأمام مشبكاً كفيه ..
ليردف بنفس الخفوت الشديد كأنه يكلم نفسه :
_تعلمين كم يحتاج المرء أحيانا للحديث لمن هو مثلك ؟! من لا يسمع ولا يرى فلا يتهم ولا يهاجم ..تعلمين كم يشتاق رجل مثلي للكلام دون أن يقيد حروفه الحذر؟! بل ..تعلمين كم تشبهينني ؟! لا تعجبي يا "قلبيّة الثغر" ..كلانا أجبروه يوماً أن يكون عاهراً بطريقته !

"قلبية الثغر"!
لا يدري من أين قفز لذهنه هذا التشبيه وهو يناظر شفتيها اللتين تكورت أعلاهما واحتدت السفلى لتتخذا معاً شكل القلب الشهير !

_امرأة مثلك -رأس مالها جمالها- لن يسرها قطعاً تشبيهها برجل بملامحي ..كما أن رجلاً بمركزي لن يرضيه تشبيهه بمن مثلك ..لكن صدقيني ..لو عبرنا حاجز الظاهر ونظرنا لباطننا ربما ما وجدتِ فيّ سوى انعكاس مرآتك !

يصمت لحظات ليلتقط أنفاسه ثم يردف بنفس الخفوت الحار :
_لماذا أتيتك اليوم؟! نادماً ؟! الندم لم يعد جديداً عليّ ..منذ سنوات وهو يقتات على دمي ..شاعراً بالذنب نحوك ؟! هذا هو الآخر ليس بجديد عليّ ..تعلمين ما الجديد ؟! أنني وبعد كل هذه السنوات ..وجدت من أجرؤ أن أبوح له بخطاياي ..فلا يكون قاضياً ولا جلاداً ..بل شاهداً أخرس لا تجدي شهادته ..فقط أرتاح بالبوح له .

يطلق تنهيدة طويلة تناسب مقولته ليستطرد :

_اسمي ليس أديم ..لكن ليبقَ كذلك كما يعرفه الجميع ..طائر ظلام يعرف كيف يجد طريقه وسط دهاليزه ..ويخشى من نور الصبح أن يفضح خبيئته .

يتنهد أخيراً بحرارة وهو يعود بظهره للوراء كأنه قد أزاح عن كاهله بعض وزره ليعود فيتفحص ملامحها بشبه ابتسامة قبل أن يقف مكانه هامساً بنفس الخفوت :

_الونس! شكراً لأنكِ منحتني بعضه حتى دون إرادة ..لو كنت مكانك لأفقت سريعاً كي أتخلص من ثرثرة رجل بغيض مثلي .

عبارته الأخيرة حوت سخرية مريرة جعلته يطلق ضحكة مكتومة وهو ينحني فوق رأسها مردفاً :
_تسمحين لي بجلسة اعتراف أخرى؟! ربما كان الحديث إليكِ أفضل من الحديث لصورة مرآتي ..ولو أن كلتيكما متشابهتان ..كلتاكما الحديث إليها ضرب من الجنون !

يغمض عينيه بألم بعدها وهو يعاود الاستقامة بجسده ليهمس أخيراٌ :
_سأعتبر أني حصلت على موافقتك ..وداعاً شبيهتي قلبية الثغر!

يقولها ليستعيد وجهه صرامته وهو يغادر الغرفة لكنه لم يكد يفعل حتى وجد الوجه المألوف أمامه ...!!

_ماذا تفعل هنا ؟!
يهتف بها حسام بغضب ليردف وهو يمسك ذراعه بقبضته بعنف مردفاً :
_ألم أقل لك أن تبتعد عنها ؟!
_أذكر أنني قلت لك المثل عن ديمة .
يقولها أديم ببرود وهو يزيح قبضته عن ذراعه بهدوء ليكز حسام على أسنانه قائلاً بحمية :
_ما دخل هذه بتلك؟! ألا تملك ذرة من رحمة في قلبك ؟! ماذا تراك تبتغي من زيارة امرأة فاقدة لوعيها وكنت أنت السبب في مصابها ؟!
_لا أظنني كنت وحدي السبب!
يقولها أديم مكابراً والعيون تتناطح بقسوة التحدي ..
فيتمالك حسام غضبه ليسأله ببرود :
_ماذا تريد بالضبط؟!
_أنا نفذت جزئي من الاتفاق بيننا ..ساعدت جهاد وزهرة في إثبات براءتهما ..وبقي الجزء الخاص بك .
يقولها أديم بنفس البرود ليصمت حسام للحظات ثم يهز رأسه ببطء قائلاً :
_حسناً ..أنا عند وعدي .

_عظيم ..بقيت إذن حكاية "ديمة"! سلم قضيتها لمحام آخر واقطع علاقتك بها تماماً .
يقولها أديم بنبرة آمرة ليبتسم حسام ساخراً وهو يعقد ساعديه لتصرخ كل خلجة من خلجاته بالرفض ..
فتلتمع عينا أديم بوهج غامض مع استطراده :
_حسناً ..لا تقل أنني لم أحذرك .

يقولها ثم يتجاوزه بخطوات واثقة لكن حسام يلحق به ليمسك ساعده قائلاً :
_ستكون هذه آخر مرة تأتي فيها إلى هنا ..لا أريد أن تفيق دينا فتراك أمامها ..أنا سأتصل بك كي أتم الاتفاق بيننا .

لكن أديم يرمقه بنفس النظرة المتحدية التي اختلطت بغموض لم يفهمه ليتجاوزه دون كلمة واحدة ..
فيطلق حسام سبة ساخطة يكتمها سراً وهو يشعر أن هذا الرجل يبدو وكأنه يخفي أسرار الكون كله خلف ظهره !
======








*أحمر*
======
تكتف يسرا ساعديها وهي تراقب شمس الغروب تلوح لها مبتعدة ..
واقفة في مكانها وحيدة أمام سور السطح حيث ارتصت زهور هبة بألوانها لتشعر بنفسها "نبتة صبار" وحيدة بينها ..

_ماذا؟! ماذا؟! لماذا كل هذا البؤس؟! لا تكبري الأمر ..حالة وفاة عائلية اضطرت هبة للسفر مع ربيع والحرافيش لآداء واجب العزاء ..هل حسبتِ نفسك حقاً من العائلة ولابد أن يأخذوكِ معهم ؟!

تسيل دموعها بتطرف لا يستحقه موقف بسيط كهذا لكنها حقاً كانت تشعر بالاختناق ..
كانت قد عادت منذ قليل من زيارة أمها منتهزة فرصة غياب الجميع وقد صارت هذه الزيارة أثقل على قلبها من كل جبال الأرض ..
جزء هزيل من فطرتها السوية يناشدها التوقف عن كل هذا والبقاء جوار أمها في هذه اللحظات حتى ولو لم تكن تذكرها ..
لكن بقايا روحها المهلهلة أوهن من أن تحتمل المزيد من الفقد ..
ليست أنانية ..إنما هي من فرط الهشاشة تخاف الكسر!
سرب حمام يعود ل"
"برجه" القريب على أحد الأسطح القريبة فتهمس لنفسها بحسرة :
_ليتني مثلك ..أجد آخر المطاف ملجئاً يحتويني بعد التعب!

"إبراهيم"!
خاطرٌ باسمه يبدو لها كنسمة باردة تهدهد أفكارها بعد كل هذا القيظ ..
فتبتسم !
تتذكر مشاكسته إياها في المطبخ..فتضحك !
تتذكر "زر" قميصها الذي استقر في راحته مع كلماته "كل ما يعنيكِ مميز"..فتبسط راحتها فوق قلب تقافزت دقاته !
لكنها تتذكر ما أخبرتها به سندس الثرثارة صباح اليوم أنه تعرض لحادث بسيط بالأمس ..فتعود ملامحها لعبوسها!
تعلم أن الحادث بسيط وأنه لم يتأثر سوى بجرح بسيط في رأسه لكنها تشعر بقلق شديد عليه ..
نفس القلق الذي جعل أباه يأمره أن يستريح اليوم من العمل ولا يسافر معهم لأداء واجب العزاء .

خاطر مجنون يدفعها للركض نحو الأسفل وقد همت بزيارته في بيته ..
لكنها تتوقف عند الدرج !!
قليل من العقل!!
فقط قليل من العقل كي لا تفسدي على نفسك متعة ال..لعبة؟!
لم تعد لعبة ..بل حلماً !!

تعود بخطوات خائبة نحو سور السطح تراقب بيت ربيع المقابل ..
لماذا لا تطل غرفة إبراهيم على هنا ؟!
تطل على تلك الأرض الواسعة التي رفعت عليها لافتة باسم "مستشار" !
كأنما ينقصها أن تكون نافذته الوحيدة على من يعيدونها قسراً للجانب الأسود من عالمها !!

_هذه الأرض ورثتها "أم حسن"أباً عن جد ..كان من المفترض أن يرثها إبراهيم وحسن وأولادهما من بعدهما ..لكن ذاك المستشار وضع يده عليها قوة واقتداراً مستغلاً بعض ثغرات القانون ..لكنني واثق من عدل الله ..جنة سلمت القضية لمحامٍ ماهر يتولاها وظني أن حقنا في الأرض لن يضيع!

تسمعها بصوت ربيع كما قالها لها بالأمس في الفرن ..
فتطلق زفرة ساخطة وهي تشعر بالخوف!
هي تعرف ذاك المستشار..
"نابه أزرق" كما يقولون ولن يفرط في شيئ أراده !!

_هذه الأرض ليست مجرد مال مكتنز ..إنها ما بقي من رائحة أمي وجدودي ..وحسن ! لن أتركها تضيع من يدنا مهما طال العمر ..لن أدع ذاك الرجل ينعم بسرقته !

تسمعها بصوت إبراهيم الذي تدخل في الحوار وقتها فتزفر بالمزيد من السخط ..
السخط الذي داخله شيئ من الرعب وهي تتذكر رد ربيع المشتعل بعدها:
_أولئك الناس لا يبالون بنا وكأننا سرب نمل تدوسه أحذيتهم اللامعة ..ذاك المستشار وأولئك الذين على شاكلته هم من قتلوا ابني ..أدعو الله عليهم في كل صلاة أن يحرق قلوبهم على أبنائهم كما حرقوا قلبي على ابني ..أدعوه وأستغفره وأنا لا أستطيع منع نفسي من تمني قصاص أنفذه بيدي أن أقتل لهم ابنا كما قتلوا لي واحداً .

ينقبض قلبها بنفس اللوعة التي استشعرتها وقتها وهي ك"المريب يكاد يقول خذوني"!
كانت المرة الأولى التي تسمع فيها ربيع يتحدث بهذه الحرقة القاسية بعيداً عن حنانه المعهود !!
ماذا لو عرف حقيقتها ؟!

_حقيقتك؟! ماذا عن حقيقتك؟! أنت سمرا ..ستبقين هكذا إلى متى شئتِ ..لا تخافي ..سمرا ستعيش لتتمتع بكل ما حرمت منه يسرا ..لا تخافي ..لا تخافي!

تقولها وأحد كفيها يربت على الآخر بهذه الحركة "المميزة" التي صارت تلازمها مؤخراً كأنها تدعم نفسها بنفسها ..

_لماذا تأخرتم؟! لماذا تركتموني وحدي؟!

تهتف بها بصوت مسموع وهي تتلفت حولها ثم تطلق زفرة حارة وهي تستخرج هاتفها من جيب تنورتها ..
تعض شفتها بانفعال متردد بين صوت "العقل" و "صخب" الجنون ..فينتصر الثاني!

تضغط زر الاتصال ليصلها إشعار بأن الرقم مشغول ..!!


وفي غرفته كان إبراهيم يمسك هاتفه بانفعال ليهتف بجنة على الجانب الآخر من الاتصال:
_حقاً؟! جهاد ثبتت براءته ..متى سيخرج؟!
_لا أعرف حتى الآن ..لكنه هو وزهرة سيخرجان قريباً ..معجزة! صدقني ما حدث له يقارب المعجزة !
_سبحان من يدبر الأمر !
يقولها بخشوع وهو يرفع وجهه للسماء فيصله صوت جنة المتوهج بحماسه :
_ونعم بالله! الحق لا يضيع !
_أبلغيه سلامي عندما ترينه ..أريد رؤيته بعد خروجه .
_حسناً ..سأفعل.
تقولها واعدة بود لتردف:
_وبخصوص قضية الأرض لا تقلق ..أعرف أن الأمر ليس سهلا وخصمك ليس بالهيّن لكن حسام كذلك رجل يعرف من أين تؤكل الكتف..صدقني هو سيكون أفضل مني في حل هذه القضية .

يغمض عينيه بألم وهو عاجز عن شكرها ..
لا يزال بينهما سد عظيم يأبى أن يفتح أبوابه ..
سد ..اسمه حسن!!
كيف نست؟!
كيف تجاوزت؟!
كيف استمرت ؟!
هو رأى نظرتها ل"ابن الصاوي" في ذاك اليوم الذي خرج فيه هو مع ربيع من السجن بعد احتجازهما في تلك القضية ..
نظرة تقسم أنها تراه الدنيا وما فيها ..
نظرة كانت يوماً ملكاً لحسن ..فكيف طابت نفسها أن تمنح ملكه لسواه ؟!


_إبراهيم!
تقولها وكأنها شعرت بحدسها بما يفكر فيه فيصمت دون رد لتردف بما يشبه الاعتذار:
_بعض الأشياء تحدث رغماً عنا ..ومن الحمق وقتها أن نصدم رؤوسنا بحائط الواقع فلن نجني وقتها سوى الألم ..ربما يأتي يومٌ ما وتفهم ما أعنيه ..لكن حتى لو لم يأتِ هذا اليوم فاعلم أن لكم في عنقي ديناً لن يحله إلا الموت .

من جديد يصمت دون رد عاجزاً عن منح تفهمه هذا الذي تحكي عنه ..
لن يأتي هذا اليوم أبداً ..أبداً ..

_آسفة لإزعاجك على أي حال ..أردت فقط إسعادكم بخبر براءة جهاد..اتصلت بهاتف مستر ربيع لكنه خارج نطاق التغطية .
_لا بأس.
يقولها أخيراً ببعض الخشونة غير المقصودة ثم يغلق الاتصال بزفرة قصيرة لتتسع عيناه بترقب وهو يميز رقم سمرا التي اتصلت به أثناء المكالمة ..

_ماذا حدث ؟!
يهتف بها بقلق عندما فتحت الاتصال وهو يقف مكانه بتحفز فلم يسبق لها أن هاتفته منذ أتى بها إلى للحي سوى لضرورة قصوى ..
ليصله صوتها بارتباك لا تدعيه :
_كنت أريد أن أطمئن ..قالوا لي أنك تعرضت لحادث بالأمس .

ابتسامته تشبه قلبه ..وقلبه يشبه ابتسامته ..
كلاهما الآن كان وهاجاً مشعاً متخماً بهذه السعادة التي حملتها كلمات"ها" العادية..فقط لأنها تعلقت ب"ها" ..هي غير العادية !!

لكنه يتمالك شعوره ليرد :
_أنا بخير..أبي فقط شديد القلق بما يتعلق بشأني .

تشعر أنه سيغلق الاتصال فتحاول البحث عن فاتحة حديث :
_هاتفك كان مشغولاً ..هل كانوا هم ؟! كلمتهم لكن هواتفهم جميعها خارج التغطية .
_لا ..كانت جنة !

لو يعرف كيف شحبت ملامحها حد الموت مع ذكر الاسم ..
خوف ..!
جعلها تعتصر بقبضتها قماش قميصها فوق صدرها ..
غضب..!!
غضب من شعورها بأنها تكاد تفقد أمانها هنا ..
غيرة ..!!
لماذا تكلمه جنة بأريحية ولا تملك هي هذا الحق؟!
وأخيراً ..عجز !
عجز يجعل أصابعها تنحل هابطة ببطء ..كأنها تنتظر نهاية اللعبة ..
اللعبة ..التي ما عادت لعبة !!

_لماذا كانت تكلمك ؟!

لم يلتقط من أطياف مشاعرها السابقة سوى وهج الغيرة !
ربما لأنه وضع نفسه مكانها !!
لهذا أشفق عليها من لهيب كهذا ليتنحنح قائلاً:
_تذكرين ذاك الطبيب الفلسطيني الذي سجنتُ بزعم علاقتي به ؟! كانت تتصل كي تخبرني أنه قد ثبتت براءته وسيخرج من السجن قريباً بعدما وجدت هاتف أبي غير متاح..فرحت جداً بهذا الخبر .

فتتمالك نفسها لتسايره:
_رغم أنك لم تره سوى مرة واحدة .
_أجل ..لكنني أثق بحدسي الذي يخبرني أن له روح فارس ..جنة كذلك تقول عنه هذا .
_تثق كثيراً برأي جنة هذه في الناس؟!

لم تخفَ عليه نبرة العدائية في "هذه" التي فضحها بها لسانها لكنه يحسن تأويلها ..
سعيداً ب"مغزى" غيرتها لكنه يشفق عليها منها ..

لهذا تخطى الحديث عن هذا ليسألها باهتمام :
_أنتِ بخير؟! تريدين شيئاً آخر؟!

الصمت يغزل خيوطه ببطء بينهما ..
بينما تعزف القلوب أكثر ألحانها صخباً !!

تخاف أن يغلق الاتصال فتعود عقدة "الفقد" لتتحكم فيها ..
لهذا تبادر بسؤال ..

_قلت في درسك الذي حضرته بالمسجد عبارة لم أفهمها ..(اكتم عن الناس ذهبك وذهابك ومذهبك) ..ماذا تعني؟!

_هي من أقوال الإمام ابن الجوزي ..تكتم ذهبك ..يعني أمر مالك ..راتبك ..مشترياتك ..لأن منهم المحروم والحاسد والحاقد والمستهين بك لو علم عن فقرك..أما تكتم ذهابك يعني خططك ..طموحاتك ..سعيك ..كي لا يثبطك الكاره أو يتمنى لك الفشل ..و"مذهبك" يعني عقيدتك وأفكارك ..تعلمين أن للحديث عن النفس شهوة سواء للسامع أو المتحدث فلا ينبغي أن يمنح الواحد منا رأيه إلا إذا طلب منه كي لا يقع فريسة الجدل والمهاترات بلا فائدة .

تزدرد ريقها بتوتر وقد وافق الكلام "هوى" في نفسها لتقول بحماس:
_جميل! هذا ما أعتقده أنا أيضاً ..كلما زاد ما تكتمه عن الناس كلما كان هذا أفضل ..صحيح ؟!
_صحيح .
يقولها غافلاً عن مرادها وراضياً عن هذه الحماسة في صوتها لتردف هي بحماس أكبر:
_هذا أعظم كلام سمعته في هذا الشأن ..أنت ..

تنقطع عبارتها بصرخة طويلة تهزه مكانها ليهتف باسمها بقلق لكنه لا يسمع سوى صوت صرخاتها يتعالى من جديد فلا يفكر وهو يهرع ليغادر بيته إليها!!
=======
صرخاتها تتوالى بخوف حقيقي وهي ترى "البرص" الزاحف بشكله المخيف يتحرك فوق الجدار المؤدي لشقة هبة فوق السطح ..
دموعها تسيل بخوف متطرف والهاتف يسقط من يدها بينما تكتف ساعديها مبتعدة لكن عينيها لا تكادان تفارقان الزاحف الذي لم يكن بهذه الضخامة لكنه الخوف البدائي غير المبرر من كائن كهذا ..
تراقبه بوجل لا تدري كيف تقتله وتخشى أن يفلت للداخل فلا يمكنها ملاحقته !

تفيق بعد دقائق تخشبت فيها كتمثال لتنتبه لهاتفها الذي سقط فتنحني لتلتقطه بأصابع مرتجفة لتفاجأ بالصوت خلفها ..

_ماذا حدث؟!
تلتفت نحو إبراهيم كطوق نجاة لتشير بأصابعها المرتجفة نحو "البرص" فيهتف مستنكراً بحدة :
_كنت تصرخين لأجل هذا ؟!

يشعر ببعض الندم بعدها وهو يميز خوفها الحقيقي ودموعها التي كانت تجري فوق صفحة وجهها بين شهقاتها المرتعدة ..حتى بعدما تقدم ليتخلص من ذاك "الوحش" الصغير!
الخاطر الأخير يجتاحه بسخرية فيستغفر الله بصوت مسموع وهو يعاود الالتفات لجسدها المرتجف ووجهها الذي أشاحت به مع كلماتها:
_قتلته؟! مات حقاً؟! لن يعود !!

لم يكن يعرف الكثير عن هستيرية النساء في التعامل مع هذه الأشياء لهذا بدا له انفعالها مبالغاً فيه وإن شعر به صادقاً !

_حرامٌ عليكِ! تصورتك في كارثة بهذه الصرخات التي كنت تطلقينها ! إنه برص! برص! الأطفال هنا في الحي يلعبون معه "الغميضة"!!

تبتسم وسط دموعها وشهقاتها المتلاحقة فيزداد شعوره بها عصفاً لكنه ينتبه لخلوتهما في المكان وما يمكن أن يثيره من شبهات فيتحرك ليبتعد قائلاً :
_لا تخافي ..صدقيني هذه الكائنات تشعر بالخوف من الإنسان أكثر مما يفعل هو .

ابتسامتها الممتنة تزداد اتساعاً وهي تقترب منه قائلة :
_شكراً .

تتعلق عيناه بعينيها للحظة فيشعر أنه يبذل مجهوداً خرافياً كي يغض الطرف عنها ..
يبتعد بجسده..وكل ما عداه منها يقترب !!

لهذا تتلعثم كلماته :
_لا بأس! قتل مثل هذه الزواحف لها ثواب كبير ..لو كنتِ لاتزالين خائفة ابتعدي عن هنا حتى تعود هبة .

تشعر بتباعده الذي لا تفهمه رغم أن حميته المعهودة نحوها لم تتأثر فتهز رأسها لتعدل وضع حجابها قائلة :
_حسناً ..سأنزل ل"سندس" وسامي أجلس معهما أمام الكشك !

_لا!
يبسط بها راحته عفوياً في وجهها مردفاً :
_لا تجلسي في الشارع وتكوني عرضة لهذا وذاك ..يمكنك ..

يقطع عبارته وهو يلاحظ تعلق عينيها الملتمعتين بكفه والآهة الخافتة التي انفلتت من بين شفتيها فينظر لراحة يده المفرودة مدركاً ما أثار انتباهها هكذا ..!!
فهناك كان "زرها" الصغير محشوراً بين دبلته الملونة وجلد إصبعه !

_إبراهيم !!

تهمس بها بوله وهي تقترب أكثر ليحمر وجهه بمزيج عاصف من شعوره في هذه اللحظة وهو يعقد كفيه خلف ظهره كأنه بهذا سيمحو ما رأته !!

_لماذا؟!

لم يكن سؤالها يحتاج لجواب وكل خلجة من خجلجاته تخبرها بالجواب لكنها ودت لو تسمعه منه هو ..
هو الذي بقي صامتاً مطرق الرأس كأنه ضبط بالجرم المشهود !
ليهمس سراً في نفسه :
_لماذا تأخرت في مفاتحتها يا أبي؟! أنا أضيع يا "مستر ربيع"!

لكنها تقترب أكثر وأكثر ..
عيناها تتوهجان أكثر وأكثر ..
قلبها يخفق أكثر وأكثر وأكثر ..

ترتعش كلماتها وهي تشعر بأثر حركة بسيطة كهذه في نفسها ..

_مادمت ترفض منحي سبباً فسأفترض أنا السبب ..

يرفع إليها عينيه بترقب لتهز كتفيها مردفة بمكر امتزج بعاطفتها الهادرة :
_مثلاً ..الدبلة واسعة قليلاً وكنت تريد تضييقها فلم تجد سواه أمامك ..مثلاً ..مثلاً ..
_مثلاً !
يبتسم رغماً عنه وهو يهز بها كتفيه مستجيباً رغماً عنه لمزاحها ..
يالله !!
خجله الرجولي يزلزل جبال أنوثتها الراسيات ربما بأكثر مما وعته في حياتها من جرأة ذكورية !!
هو وحده في كفة لن تسع سواه !!
لهذا تضحك ضحكة نقية تدوي مجلجلة في صدره فيجد نفسه يشاركها إياها دون محاذير .

_خير! اللهم اجعله خيراً !

الصوت خلفهما يجفلهما فيتجمد كلاهما مكانه وهما يريان ربيع قد عاد مع هبة والحرافيش ..
ليردف قيس بمكر عابث:
_"ناس هايصة وناس لايصة" ..نحن في العزاء وسط الصراخ والعويل وتراب السفر وأنتما هنا ت...!

يخرسه ربيع بعبارة زاجرة فيما تبدو هبة أشدهم استياء وهي ترمق إبراهيم بنظرة عاتبة تجعله يبرر باندفاع :
_هي رأت "برصاً" هنا على الجدار وكنت ..أقصد ..

تتلعثم كلماته رغماً عنه وهو يرى المبرر أكثر حماقة ليهتف عنتر بنبرة عابثة :
_برص؟! خير ..خير ..البرص في المنام نصرة ..وفي الحقيقة شر ستتخلص منه .

ينطلق روميو ضاحكاً لتمتزج ضحكات شقيقيه معاٌ فيما يبقى ربيع صامتاً محتقن الوجه لتهتف يسرا مدافعة :
_كنت أتصل به كي أطمئن عليه بعد ما علمته عن حادث الأمس ..وبينما أكلمه رأيت ذاك الكائن يزحف على الجدار ..صرخت ولم أتمالك نفسي وهو جاء كي يرى ما هناك ..

تخاطب بها ربيع وحده وعيناها في عينيه فلم تكن تهتم في هذه اللحظة بأكثر من رأيه هو ..
هو الذي بقي يناظرها بعينين متفحصتين لتردف بخوف صريح قرأه في عينيها :
_أقسم لك هي الحقيقة .
_لا تقسمي ! أنا أعرف ابني ..
يقولها ربيع بحسمه الوقور ليردف بنبرة أكثر بطئاً :
_وأعرفك ..أو ..هكذا أظن .
تزدرد ريقها بارتباك ازداد مع هتاف هبة الساخط :
_ولو يا خالي! ماذا سيقول الناس وهم يرونه يهرع إلى هنا في غيابنا ليلتقيها فوق السطح الذي خلا بهما وقد أظلم الليل؟! لا أعرف كيف خانك طبعك في هذا الموقف يا إبراهيم لم أعهدك متهوراً هكذا ! ماذا لو سمع أحد الجيران صراخها وصعد إلى هنا ليجدك تتضاحك معها وحدكما ؟!

يتبادل الحرافيش نظرات ماكرة فيما يرمق إبراهيم أباه بنظرة عاتبة كأنه يلومه على تأخره في منحه الرد على طلبه الزواج منها ..

_كفاكِ يا هبة !
يقولها ربيع بصرامته الرفيقة فتنهمر دموع يسرا وهي تشعر بخوف هستيري و "عقدة الفقد" تعاود خنق روحها لتهتف وهي تضم كفيها في وضع الرجاء مخاطبة ربيع:
_أنا أعتذر ..أعتذر عن نفسي وعنه ..أنا المخطئة والملومة ..لا تغضب مني ..أرجوك .

فيحتقن وجه إبراهيم بغضب وحميته نحوها تجعله يهتف بحدة :
_لا ..لم تخطئي في شيئ..الموقف فرض نفسه وأنا كنت في طريقي للنزول عندما ..

_كفاك يا إبراهيم ..انتهينا!
يهتف بها ربيع ليردف وبصره معلق بدموع يسرا المرتعدة بخوف وقد خشيت أن يدفعه الموقف لإبعادها عنهم :
_دعوني مع سمرا وحدنا !

_أبي! أرجوك دعني أتحدث معك أولاً !
يهتف بها إبراهيم برجاء مشوب بالغضب لكن ربيع يشير له بكفه قائلاً بحسم :
_لا ! هي أولاً .

يختض جسد يسرا بخوف حقيقي فتترنح مكانها لتتشبث بكرسي خشبي قريب فلا يملك إبراهيم خطوة حمائية يتحركها نحوها لكنه يعود مكانه احتراماً لأبيه ..
يتردد لحظة في البقاء لكن نظرة مطمئنة عرفت شفرتها بين عينيه وعيني ربيع جعلته يرمق يسرا بنظرة داعمة ثم يغادر .

يغادرون تباعاً وآخرهم هبة التي بدت رغم استيائها مشفقة على يسرا لهذا ربتت على كتفها بخفة رغم عبوس ملامحها المعتاد قبل أن تدلف لداخل شقتهما كي تترك لهما حرية الحديث ..

_اجلسي يا ابنتي.
يقولها ربيع بحنانه الصارم وهو يشير لكرسيين خشبيين متقابلين فتعدل يسرا وضع حجابها فوق رأسها بارتباك وهي تستجيب لرغبته ..
يجلس قبالتها لتهتف بود لا تدعيه :
_انت قلت يا "ابنتي" ..وهذا شعوري والله ..مادمت قلتها فلستَ غاضباً مني ..صحيح؟!
لكنه يتفحصها ببصره للحظات كاد يقتلها فيه الترقب قبل أن يلقي قنبلته :
_إبراهيم يريد الزواج منك !
========











=======
_صورة اليوم يا "لوكا"!
يهتف بها فهد بمرح وهو ينادي ابنته التي هرعت إليه لتتوسطه هو وجنة فيلتقط لهما صورة بوضع السيلفي الشهير قبل أن يقبل وجنتها بعمق لتهتف الصغيرة :
_واحدة فقط؟! "ماما" تأخذ اثنتين كل صباح !

تضحك جنة بمرح وهي تراه يغرق وجه ابنته بالقبلات هاتفاً بحرارة:
_كبرت "البنت" وصارت تعد عليّ القبل !

تضحك ملك بشقاوة طفولية وهي تحاول التفلت من بين ذراعيه وقد بدأ يدغدغها بمرح فتستغيث بجنة التي تهز كتفيها لتهتف باستياء مصطنع :
_لن أتدخل مادمتِ تحسدينني على قبلاتي .

_ماما ..بابا ..
تهتف بها ملك بالمزيد من الصرخات المرحة فيحملها فهد ليرفعها ويقذفها في الهواء ثم يعود ليضمها في حضنه بقوة وهو،يدفن وجهه في عنقها ليتنهد أخيراً هامساً برضا:
_لا حرمني الله صوت ضحكاتك هذا !
_نحن هنا!
تقولها جنة بغيرة مصطنعة وهي ترى الصغيرة تخرج لها لسانها بحركة مغيظة فيضحك فهد وهو يخبط ملك على كتفها هاتفاً :
_عيب!
_ضياء يفعلها ونور تقلده .
تهتف بها ملك مدافعة ليضحك فهد هاتفاً ببراءة مصطنعة :
_هما أبوهما رجل متجبر وهم ورثوا طبعه لكنني مسكين .
_أشهد!
تهتف بها جنة ساخرة وهي تقرص أنفه فتضحك ملك وهي تتفلت من بين ذراعيه هاتفة :
_موعد الكرتون .

تقولها وهي تعدو نحو غرفة المعيشة حيث التلفاز فترمقها جنة بنظرة راضية وهي تلاحظ تطورها في الكلام قبل أن تشهق بعنف وهي تراه يحملها فجأة ليرفعها أرضاً فتهمس له بخفوت:
_ماذا تفعل؟!
_أراضي الأستاذة !
يهمس بها بمكر وهو يقترب بوجهه منها مردفاً :
_كنتِ تغارين من ابنتك لأنني حملتها .
فتتعلق بذراعيها في عنقه هامسة بدلال:
_تداركت نفسك! كنت على وشك التفكير في أقصى عقوبة على المتهم .
يتحرك بها ولايزال يحملها نحو غرفتهما ثم يغلق بابها خلفهما بقدمه ليهمس أمام شفتيها :
_تذكرين كم تحبين أن أحملكِ هكذا فتقابل عيناكِ عينيّ ؟!
لكنها تهبط بقدميها أرضاً لتقبل صدره ثم تخفي وجهها بين ضلوعه هامسة :
_وأذكر كم تحب أن يكون هكذا دوماً مكاني على صدرك ..عيناي حبيبتاك تواجهان قلبك ..رموشهما تكاد تعانق دقاته !

همهمة حارة عاشقة تحلق خلف شفتيه وهو يعتصرها بين ذراعيه ثم يرفع وجهها نحوه لتداعب أنامله الحرة خصلات شعرها قائلاً بنبرة عابثة :
_أعرف هذه النظرة المختفية خلف وهج البندق ..نظرة تقول "اليوم إجازة فالأستاذة تحتاج الدلال" .
_لا ..
تهتف بها وهي تهز كتفيها بغنج لتبتعد خطوة وهي تلوح بسبابتها هاتفة :
_بل تقول"اليوم بالذات لن أستطيع لدي الكثير من العمل وأنت كذلك!"
_صدقيني أنا أفهم عينيك أكثر منكِ!
يهتف بها باعتراض وهو يعاود ضمها إليه بقوة لكنها تضحك وهي تقبل جبينه باعتذار قائلة :
_أعدك بتعويض مناسب ليلاً .

يخبط جبينها بجبينه برقة ثم يفلتها من بين ذراعيه ليغمزها قائلاً:
_أنت الخسرانة .
_أعرف!
تقولها وهي تعاود هز كتفيها بدلال لتتحرك نحو خزانتها كي تبدل ملابسها فيراقبها بافتتان لتشير له بكفها هاتفة :
_أدر ظهرك .
_وأفوت هذا العرض؟!
يغمزها بها بخفة فتضحك وهي تهز رأسها قائلة :
_يوماً ما ستفسد عشرتك وقاري!
_لا ..لا ..لا يصح! كلنا فداء وقار الأستاذة !
يهتف بها وهو يبسط راحته أمام وجهه بتهذيب مصطنع لتبتسم وهي تتوجه نحو المرآة كي ترتدي حجابها فيتنهد قائلاً باستسلام :
_أمري لله ..يبدو أنني سأضطر لتغيير الموضوع ..حسام يبلغك سلامه ..يقول إنه لولاكِ لما وصل أديم لدليل مادي يبرئ جهاد وزهرة .
يهتف بها بجدية امتزجت بفخره بها لتلتفت نحوه وهي ترفع قبضتها المضمومة هاتفة بحماسها المعهود :
_كانت "ضربة معلم"! وصولي لمعلومة أن الرجل الذي قتل موكلي هو نفسه الذي أرادوا توريط جهاد معه .
_أجل ..حسام يقول إن المعلومة هذه كانت طرف خيط مهم قادتهم للكثير من الحقائق ..لا أفهم عما يتحدث فهو متكتم كثيراً فيما يتعلق بهذا الشأن .
يقولها ببعض الضيق فتعاود الالتفات للمرآة قائلة :
_قل الصدق ..أنت ضائق لأنه أخبرني بهذا الشأن قبلك ..صحيح ..يقول إن هاتفك كان مغلقاً يومها وقد ظل هكذا طويلاً ..ما الحكاية ؟!

_معاكسات! تعرفين فتنة فهد الصاوي الطاغية ! اضطررت لإغلاق الهاتف كي أتخلص من ..آه !
يقطع عبارته ضاحكاً وهو يتفادى علبة كرتونية صغيرة قذفته بها ..
ليعاود الاستقامة بجسده وحاجباه يتراقصان بمشاكسة فتهتف به :
_لا تلعب في عداد عمرك !
_وما ذنبي إن كان سحري لا يقاوم ؟!
_فهد!
تهتف به محذرة لتردف :
_بتول الراعي كلمتك ثانية؟!
_ما الذي ذكرك بها ؟!
يسألها متفاجئاً فتمط شفتيها قائلة :
_لا أدري ..حدسي الأنثوي يخبرني أنها لن تتوقف عن مطاردتك لأجل برنامجها السخيف .
_لا ..لا ..أظنها سترتدع بإهانتك لها المرة السابقة .
يقولها بهدوء ليبتسم مردفاً :
_ولا داعي لقلقك المتطرف هذا ..مصر كلها تشتكي الآن من شبكات الهواتف المحمولة ..لم يعد الهاتف المغلق يساوي كارثة .
تبتسم له وقد أتمت ارتداء حجابها لتتحرك نحوه فتقبل وجنته بخفة قائلة :
_هيا لتوصلنا مادمت في إجازة اليوم .

يتحرك بها نحو الخارج فيصطحب ملك معهما ليوصل الأخيرة لمركز التخاطب الذي تمارس فيه نشاطها اليومي ويوصل جنة لمكتبها قبل أن يعود للبيت ..
يجلس قليلاً أمام حاسوبه يتصفح بعض الأخبار الهامة عن سوق البورصة والمال ويجري بعض اتصالاته الضرورية ..
ليفاجأ برنين جرس الباب ..

_مفاجأة ..أليس كذلك؟!

يعقد حاجبيه بدهشة مشوبة بالضيق وهو يراها أمامه ..
بتول !
هنا في بيته !!

_يالجرأتك!
يهتف بها ببعض الفظاظة فتبتسم وهي تتلاعب بخصلات شعرها المصبوغة قائلة :
_زوجتك وابنتك ليستا في البيت ..ولا تسألني كيف عرفت .

_تراقبينني؟! أنتِ مجنونة حقاً !
يقولها بحدة امتزجت بقلقه وهو يشعر أن الأمر يفوق مجرد حلقة تلفزيونية فتقترب منه هامسة :
_عندما تعلم لماذا أتيت ستعرف أن الجنون آخر ما يمكنك وصفي به .

_لا أريد أن أعلم ..انصرفي كي لا تجبريني على فعل تكرهينه كالمرة السابقة .
لكنها تمد يدها في حقيبتها لتستخرج منها ما رفعته أمام عينيه قائلة :
_هذه المرة ليست كالسابقة ..فقط شاهد هذا وأعدك أنك بعدها من ستبحث عني ..لا العكس .

يزداد انعقاد حاجبيه بالمزيد من القلق وهو يراها تلوح له بكفها مودعة بعدما وضعت ما بيدها في كفه ..
يغلق الباب خلفها بقوة وهو يتفحص "الفلاشة" التي منحته إياها والتي ظل يرقبها للحظات بخوف لا يدري مبعثه ..

لكنه ينفضه عنه أخيراً وهو يتحرك نحو حاسوبه ليدخل الفلاشة مكانها ..

تتسع عيناه لأول وهلة بصدمة وهو يميز المشهد في الإضاءة التي بدت له خافتة ..
رجل وامرأة في الفراش لا تبدو ملامحهما واضحة وهما يمارسان ال..!

مهلاً ..هو يعرف هذا الفراش ..
هذه الغرفة !!
يتصبب جبينه بعرق غزير مع تلاحق أنفاسه وهو يعرف بقية المشهد حتى قبل أن يراه ..
الباب يفتح ..
الرصاص ينطلق من مسدس حامله ..
المرأة تصرخ قبل أن تلقى حتفها والرجل يفر ..
حامل المسدس ينهار جالساً أمام جسد المرأة الميت ..
حامل المسدس الذي كان ..."هو "..!
والمرأة كانت أمه !

الدم يضرب في رأسه ودموع الغضب تتكدس في عينيه ..
من أين ظهر الفيديو؟!
من سجله ؟!
ولماذا؟!
وكيف؟!
ولماذا الآن يظهر بعد كل هذه السنوات ؟!
لماذا وقد كاد ينسى؟!
لماذا؟!
لماذا؟!

يصرخ بها أخيراً بصوت مسموع فلا يشعر بنفسه وهو يتناول مزهرية قريبة فيقذفها في الحائط ليدوي صوت تهشمها لكنه لا يسمعه وسط كل هذا الضجيج داخله ..
صوت الرصاص ..
صرخات أمه ..
صرخاته هو ..
يسد أذنيه بقوة وهو يخبط رأسه في مسند الأريكة جواره مغمضاً عينيه بغضب ..
لكنه يعاود فتحهما بعد لحظات ليعاود تشغيل الفيديو ..
يحاول الوصول لهوية الرجل لكنه لا يستطيع فقد كان ظهره مواجهاً للكاميرا كأن من دسها كان يتعمد إخفاء هويته ..
لكن ..مهلاً ..
تضيق عيناه بتفحص وحاجباه يزدادان انعقاداً ..
تفصيلة بسيطة لا يظنها تساوي شيئاً ..
أو ..لعلها تفعل!
فهناك أعلى ذراع الرجل قرب كتفه كان هناك وشم ما ..
وشم "كوبرا"!!!
========
انتهى الفصل


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 12:25 AM   #1489

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

يلا يانيمو نزلى الفصل بسرعه عوزين ناخد الجرعه🤣🤣🤣

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 12:28 AM   #1490

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,964
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

مسا الخير نيمو الغسل تسلم ايدك يارب

Ektimal yasine متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:03 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.