آخر 10 مشاركات
283 - الحب لا يكذب - كارولين اندرسون (الكاتـب : عنووود - )           »          أسيرتي في قفص من ذهب (2) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          خلاص اليوناني (154) للكاتبة: Kate Hewitt *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          رهين الشك _ شارلوت لامب _ روايات غادة(مكتوبة /كاملة) (الكاتـب : منة الله - )           »          زوج لا ينسى (45) للكاتبة: ميشيل ريد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          جدائلكِ في حلمي (3) .. *مميزة و مكتملة* سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          ألـمــــاســة الفــــؤاد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          كلوب العتمةأم قنديل الليل ؟! (الكاتـب : اسفة - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-01-21, 01:18 PM   #1981

نوارة البيت

? العضوٌ??? » 478893
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,845
?  نُقآطِيْ » نوارة البيت is on a distinguished road
افتراضي


تذكير📢📢📢📢📢📢
🌹سوره الملك 🌹

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)🌸الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)🌸 الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)🌸 ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)🌸 وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) 🌸وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)🌸 إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)🌸 تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)🌸 قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)🌸 وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)🌸 فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)🌸 إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)🌸 وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)🌸 أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)🌸 هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)🌸 أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)🌸 أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)🌸 وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)🌸 أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)🌸 أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20)🌸 أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)🌸 أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)🌸 قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23)🌸 قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)🌸 وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)🌸 قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)🌸 فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)🌸 قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)🌸 قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29)🌸 قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)🌸﴾”


🍃💕🍃 أذكار النوم 🍃💕🍃
((بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، فَإِن أَمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا، بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ))
((اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا، لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْياهَا، إِنْ أَحْيَيْتَهَا فَاحْفَظْهَا، وَإِنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَافِيَةَ))
((اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبَّ الأَرْضِ، وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ. اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ))

((اللَّهُمَّ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ، وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءاً، أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ))
((اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْت


نوارة البيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-01-21, 06:08 PM   #1982

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
افتراضي



هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-01-21, 06:09 PM   #1983

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
افتراضي



هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-01-21, 06:10 PM   #1984

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
افتراضي



هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-01-21, 06:10 PM   #1985

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
افتراضي



هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-01-21, 10:21 PM   #1986

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور فى انتظار ملكة الازرق تطل علينا بالقوس قزح وجماله

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-01-21, 12:31 AM   #1987

المشاغبة

? العضوٌ??? » 406852
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 446
?  نُقآطِيْ » المشاغبة is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور في انتظار دكتورتنا و أستاذتنا الغالية نيمو ❤️❤️

المشاغبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-01-21, 12:59 AM   #1988

اني عسوله
 
الصورة الرمزية اني عسوله

? العضوٌ??? » 390126
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » اني عسوله is on a distinguished road
افتراضي

ساكتين ليه ما تذكرو الله وتصلو على النبي
‏أكثروا من الصلاة على النبي محمد ﷺ 💛.
لا اله الا الله ولا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم
استغفر الله العظيم من كل ذنب واتوب إليه
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
الله اكبر ولله الحمد والشكر
اللهم
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين بالظالمبن
صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين بعدد خلقه ورضا نفسه وزنه عرشه ومداد كلماته 💗


اني عسوله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-01-21, 01:03 AM   #1989

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف الثالث والعشرون
=====
*أصفر*
=====
_راغب.
يتلقفه نداء هيام على سلم البيت وقد عاد من الورشة مبكراً على غير عادته فيقف مكانه لينظر إليها بتوجس فتتلفت حولها ثم تقترب منه قائلة :
_أنت تعرف كم أحترمك ..ويعز عليّ أن يحدث في بيتك ما لا تعلمه ؟!

يكز على أسنانه كاتماً غضبه دون رد لتنفث المزيد من سمها :
_زوجتك تحدث رجالاً من خلف ظهرك .
_اخرسي!
يهتف بها زاجراً وهو يلوح بسبابته في وجهها ليردف بانفعال:
_ولا كلمة ! رؤى بالذات لا أقبل في حقها أي كلمة فادخري قاذوراتك لنفسك ..ولي مع زوجك كلام آخر .

تتلعثم لترد بارتباك:
_ماذا فهمت؟! أنا لا أقصد شيئاً يمس سمعتها (لا سمح الله) ..أنا فقط أظن أنها تعمل في مكان ما ..رأيت بعض الصور والرسائل على حاسوبها وعندما فتشت ..
_ولماذا تفتشين في حاسوب زوجتي؟! من سمح لك؟! اسمعي إذن ..بيتي محرم عليك دخوله بعد اليوم ..وأنا سأبلغ فهمي بنفسي .

يقولها بعنف رادع لتشتعل عيناها بالمزيد من الحقد لكنه يتجاوزها بسرعة ليصعد الدرج بخطوات راكضة نحو شقته ..
ولم يكد يغلق بابها خلفه حتى استند على ظهره ليسمح لغضبه بالظهور ..
هل تفعلها رؤى حقاً دون علمه ؟!

يندفع نحو غرفة الصغيرة ليجدهما نائمتين فيرمقهما بنظرة طويلة ضائقة قبل أن يغادر الغرفة ليبحث عن حاسوب رؤى ..
تغلقه بكلمة سر ..لكنه يعرفها ..
هي أخبرته بها وقد جعلتها تاريخ زواجهما قائلة يومها أنه ليس بينهما أسرار ..
فهل توجد الآن ؟!

ينعقد حاجباه وهو يفتح الحاسوب ليتفقده ..
ملف للصور كتبته بعنوان (تصاميم) ..
بعض المراسلات بينها وبين شركة كبيرة علم منها أنها فعلاً تعمل لديهم ..
يحتقن وجهه بغضب وهو يعيد كل شيء لحاله قبل أن يغلق الحاسوب بعنف !!
كل هذا كان يجري من خلف ظهره !!
كيف جرؤت على فعلها ؟!
كيف؟!

ينتفض مكانه بالمزيد من الغضب وشيطان غيرته يدفعه لإيقاظها من نومها ومواجهتها بأنه يعلم كل شيء!!
لكن ..هل يعلم حقاً كل شيء؟!
ما يدريه ما الذي تخفيه عنه أيضاً؟!
شيطانه يوسوس إليه بالمزيد مشعلاً براكين الماضي الخامدة ..
فيدور في البيت كالمجنون وخيالاته تصور له جحيماً حقيقياً ..

ينتهي به المقام في غرفة نومهما الخالية منها فينهار جالساً على الفراش مستسلماً لشياطينه ..

وفي غرفة الصغيرة استيقظت رؤى على كابوس مخيف لتستعيذ بالله قبل أن تنهض من نومها ..
هل يعاقبها الله لأنها تخفي شيئاً عن زوجها؟!
تستغفر الله سراً ثم تنهض لتتوضأ فتصلي ركعتين قبل أن تقع عيناها على دفتر مذكراتها القديم ..
تتناوله بحنين لتفتحه ..

_أحبك ..كتبتها على كل صفحاته ..كي لا تكتبي شيئاً فيها إلا وهي أمامك .

تتذكرها بصوته فتدمع عيناها بالمزيد من شعورها بالذنب ..

_ماذا أفعل؟! ماذا أفعل؟! لا يمكنني إخباره الآن ! لا يمكنني ..

تتمتم بها بحيرة وهي تنهض من مكانها لتضع ما بيدها جانباً ثم تخلع عنها إسدال صلاتها ..
تحيد ببصرها نحو غرفتهما لتشهق بدهشة وهي تراه نائماً هناك ..

_راغب ..متى عدت ؟!
تقولها وهي تجلس جواره على طرف الفراش فيكظم غضبه ليرد بفتور :
_منذ قليل .
_لماذا عدت باكراً ؟! أنت مريض؟!
_لا ..صداع خفيف .
تربت على وجنته برفق حان ثم تمسد جبينه ليفتح عينيه بنظرة مظلمة دون كلام ..
فتدمع عيناها وهي تهمس له :
_أنت غاضب مني منذ ذلك اليوم الذي خرجت فيه ؟! هل يستحق الأمر كل هذا الخصام ؟!

يزم شفتيه بالمزيد من الغضب دون رد ..
فترتجف شفتاها وهي تفكر ..
كل هذا الغضب لأنها خرجت دون علمه ..ماذا سيفعل إذن لو صارحته الآن ..فلتسكت !
_أنا فعلت شيئاً دون علمك !
كان قلبها أجراها على لسانها مخالفاً لأفكارها!!
فتستجيب لدعوى الأول وهي تلقي رأسها على صدره تخفي فيه وجهها :
_كانت مسابقة ! قدمت فيها بياناتي وربحتها ..قلت لنفسي ما العيب ما دمت في بيتي ولن أغادره ..لن أرى أحداً ولن يراني أحد ..أنا أصمم لهم منشورات دعائية وأرسلها فقط ..صدقني ..لا أكثر ولا أقل ..

ترفع إليه عينيها بحذر بعد اعترافها لكن الغضب يبقى مشتعلاً بحدقتيه فيزداد انهمار دموعها وهي تهتف به :
_يحق لك الغضب مني ..لكنني لم أتمادَ ..لم أستطع ان أخفي عنك الأمر أكثر ..ظننت أنني سأفخر بنفسي وبنجاحي لكنني أدركت أنني لن أفرح إلا وأنت تشاركني ..سامحني أرجوك ..واعتبرني قد تركت العمل ..صدقني لا شيء يساوي هذه النظرة منك .

تلين نظراته مع دموعها التي عادت تذرفها على صدره ليطلق زفرة قصيرة وهو يستغفر الله سراً قاهراً ظنونه ..
رغم غضبه منها على فعلتها لكن اعترافها الآن يشفع لها عنده ..

_تعلمين أن هيام أخبرتني قبل صعودي إلى هنا؟!
تشهق بعنف وهي ترفع وجهها إليه ليردف بخشونة عاتبة :
_هي تفقدت حاسوبك سراً أيتها الذكية! تعلمين كيف كان سيصير رد فعلي لو لم تعترفي لي بنفسك؟ لماذا فعلتِ هذا ؟!

_آسفة !
تهتف بها بحرقة وسط نشيج بكائها وهي تحمد الله سراً أن ألهمها مصارحته بنفسها قبل أن تجتاحه ظنونه ..
ليتنهد بحرارة وهو يربت على ظهرها ليضمها لصدره بنفسه هذه المرة هامساً:
_لا تعكري البئر الذي تعبنا سوياً حتي حفرناه ..أنا أعرف أنني ربما أخنقك بغيرتي لكن عذري أنني أراك الدنيا وما فيها ..ولا أقبل فيك شراكة ولو بنظرة عين ..

تهز رأسها له ثم تقبل جبينه باعتذار هامسة :
_خطأ لن يتكرر ..سأرسل لهم غدا وأخبرهم أنني منسحبة ..والآن أعد لك الطعام .
تقولها لتنسحب من أمامه شاعرة بالمزيد من الذنب ..
تعد له الطعام بشرود لتحمل الصينية وتعود إليه لكنها تجده جالساً أمام حاسوبها المفتوح ..
تسبل جفنيها بخزي وهي تتصوره يفتش في رسائلها لكنه يدير الشاشة نحوها ليسألها بخشونته العاتبة:
_أنت صنعت هذا ؟!
تومئ برأسها إيجاباً وهي تراه يشير لأحد تصميماتها الدعائية فيمط شفتيه قائلاً:
_لا بأس به ..لكن هذا أفضل .

يقولها مشيراً لآخر فترتجف شفتاها بابتسامة واهنة وهي تضع ما بيدها جانباً لتسمعه يردف:
_وهذا أفضلهم على الإطلاق!كيف صنعته؟!

تتسع ابتسامتها وهي تشرح له باقتضاب لَم يلبث أن تحول لاسترسال مرتاح وهي ترى الاهتمام والفخر في نظراته رغم خشونة نبرته وهو يخاطبها بقوله:
_تبدين موهوبة بهذا الشأن وأنا آخر من يعلم !

تطرق برأسها في خزي لكنه يجذبها من ذراعها ليجلسها فوق ساقيه ..
يقرص أذنها بقوة نسبية للحظات فتتأوه بخفوت لكنه يعانق وجنتها براحته ليقرب وجهها منه هامساً بعتابه الحاني:
_هل يسعدك هذا العمل؟!
_لا يهم .
_أجيبي يا بنت !
يهتف بها بخشونة وهو يخبطها على مؤخرة رأسها لتبتسم وهي تهز رأسها بإيجاب ..
فيبتسم بدوره وهو يضم رأسها لكتفه يسألها :
_هل يمكنك أن تجعلي تعاملك مع النساء فحسب ؟!
_أنا فعلاً طلبت منهم ذلك على استحياء وقالوا ألا مشكلة .
تهتف بها بحماسة وقد تجدد الأمل في صدرها ..
لتلتمع عيناه بشقاوة عابثة وهو يخبط جبينها بجبينه هامساً:
_ولن يؤثر هذا على واجباتك الزوجية وتدليل زوجك المصون ؟!
_أبداً..أبداً..
تهتف بها وقد عادت إليها روحها المرحة ليمط شفتيه قائلاً بخشونته المحببة:
_إذن ..لا مانع لدي .
تطلق صيحة فرحة وهي تغرق وجهه بقبلاتها الشاكرة فيضحك بدوره وهو يضمها إليه بقوة ..
ليتنهد أخيراً وهو يداعب شق ذقنها الحبيب هامساً بحروف تقطر عشقاً:
_ما حيلتي فيكِ يا "ست الحسن"؟! وضحكة عينيكِ هاتين دوماً تهزمني ؟!
=======

*برتقالي*بنفسجي*
======
_ثانية واحدة! إما أن سمعي معطوب أو هذا العصير مغشوش ..أعيدي الحكاية ! ماذا قلت لعاصي الرفاعي؟!

تهتف بها طيف بسخريتها التي فضحت ذهولها وهي ترفع كوب العصير في يدها لتتأفف ديمة وهي تستعيد خوفها الأزرق لتسرد عليها من جديد ما كان مع عاصي وحسام ..فتلتمع عينا طيف وهي ترتشف رشفة أخرى من الكوب ثم تبسط يدها على صدرها قائلة بفخر :
_تربيتي! والله أفلح معك تعليمي يا بنت !

تطرق ديمة بوجهها في أسى لكنها تنتبه لما تشربه طيف فتقول بشرود :
_موز باللبن ..حسام يحبه !
_أعرف أن "سبع البرمبة " يحبه ! وبدون سكر !
تقولها طيف بغمزة لعوب متعمدة إثارتها كي تستعيد حمرتها من جديد ..وقد كان !
فقد احمر وجه ديمة بغيرة واضحة وأنفاسها تتلاحق مع حروفها:
_يبدو انك لا تزالين تذكرين تفاصيله .
_حق ربنا ! حسام القاضي لا ينسى!

تشتعل ملامح ديمة بشرود عاصف يجتاحه "الأحمر" للحظات ..جسدها يتحرك كأنها ستهم بالانقضاض عليها ..
قبل أن يعود "الأزرق" ليلقي سدله فوقها فترجع لجلستها الخانعة لتهمس مطرقة الرأس:
_أنا سأنساه ..
ترمقها طيف باستهجان متشكك وهي تعتدل في جلستها لتردف ديمة وهي تدور ببصرها في الحديقة حولها مردفة:
_أنا اقتربت منه لأنتقم ..والآن صرت عاجزة عن فعلها ..السيد عاصي لن يغير كلمته ..وأنا اخترت سند ..صرت أمام حائط سد .

فتطلق طيف صوتاً ساخراً ثم ترتشف رشفة أخرى من كوبها :
_تعنين أن قصتك مع حسام مجرد انتقام ؟! لماذا إذن دافعتِ عنه بهذه الشجاعة أمام عاصي الرفاعي بجلالة قدره؟!

تهز ديمة رأسها بتشتت ثم تدفن وجهها بين كفيها كأنها تحاول البحث عن جواب ..

لتصدر طيف همهمة خافتة وهي تمنحها الجواب بنفسها :
_لو كانت هذه قصة أكتبها فسأقول إنك فعلتها دون وعي لعدة أسباب ..الأول يخص عقابك لعاصي الرفاعي نفسه ..رغبتك في الصراخ بها في وجهه وتحميله ذنب هالة ..والثاني يخصك أنتِ..أنتِ لست بهذا الضعف الذي توحي به أفعالك ..ومضات القوة هذه التي تسطع نادراً وسط ظلماتك ستتحول يوما ما لشمس كبيرة تحتاجينها بشدة كي تمضي في طريقك ..أما السبب الثالث فهو يخص حسام القاضي ..

تقطع عبارتها متعمدة لترفع ديمة وجهها إليها بترقب فتمتزج ابتسامتها الواثقة بشفقة غامضة :
_أنتِ خشيت أن يفهم حسام حقيقة قربك للانتقام ..فأردتِ تشتيته بدفاعك عنه ..لكن الحقيقة يا غافلة أنك فعلاً لم تعودي تريننه شيطاناً كالسابق ..أنتِ ..أحببتِه!!

_لا ..لا ..لا ..لا تقوليها ..
تصرخ بها ديمة بانفعال غاضب ارتج له جسدها كله وهي تنتفض مكانها لتقف وهي تنظر لطيف من علو تلوح بذراعيها مردفة:
_أنا لا أحبه ..ولا يمكن أن أحبه ..أنا كفرت بالحب منذ زمن..لو كنت أريد الحب لقبلت عرض أديم ..لكنني لن أستسلم لهذا الوهم من جديد ..لا حب ..لا حب ..لا حب..وخاصة مع حسام هذا ..حتى ولو لم يمنعني عنه عاصي الرفاعي ..وحتى لو سامحته الدنيا كلها ..سأبقى أرى في ملامحه ذنب هالة ..لا أحبه ..ولن أحبه ..ولو جمعنا القدر من جديد فلن أراها إلا فرصتي لإيلامه ..لسداد ديون وجعي منه ..وفيه .

كلماتها تتقطع بلهاث خفيف ودموع حارقة على وجنتيها لتزفر طيف زفرة حارة وهي تضع ما بيدها جانباً لتقف قبالتها قائلة :
_ولماذا إذن شعرتِ بالغيرة منذ قليل عندما ذكرته أنا؟!

_ليست غيرة ..فقط ..
تهتف بها بارتباك غاضب لكن طيف تقاطعها بصرامتها الفظة :
_بنت! بنت!! أنا لست ابنة البارحة! صحيح أنني لا أؤمن بالحب هذا إلا في أضيق الحدود لكنني أستطيع تمييزه في العيون ..وأنت تحبين ذاك الرجل .
_لماذا تريدين إقناعي بهذا ؟! دعيني لشأني ..دعيني ..

تدفعها ديمة بقوة تكاد تسقطها أرضاً فترمقها طيف بنظرة غاضبة لم تخلُ من شفقة وهي تراقبها تركض عبر الحديقة نحو بيتها الذي صفقت بابه خلفها ..

تسبها طيف سبة عابرة ثم تستخرج من جيب منامتها علبة سجائرها ..
تتلفت حولها تتيقن من خلو المكان فقد طلب منها عاصي ألا تدخن أمام الصغيرين ..صحيح أنها نهرته يومها وتحدته بقولها أنها تفعل ما تشاء وقتما تشاء لكنها الآن تطيع ..ولا تجرؤ على الاعتراف بالسبب!!

تأخذ نفساً عميقاً من سيجارتها ثم تنفثه بعمق ..
كيف بها وصل الحال هكذا من جزيرة منعزلة وسط محيط لشجرة ذات جذور وأغصان تهدي الناس بالثمر ؟!
كيف وقد عاشت عمرها حبيسة سطور كتاباتها تستمد من ماضيها وخبايا نفسها الحكايات الخيالية
الآن تجد نفسها مجبورة أن تواجه العالم الحقيقي والناس ..

ديمة ..التي تريد لها الخلاص خقاً من متاهات ماضيها ..
حسام ..الذي ما عادت تكرهه كالسابق ..بل تشعر ببعض الذنب نحوه ..
زهرة ..التي وجدت نفسها تساعدها في مصابها بكل ما تملك كي تقدم لها العون فيما بقي من عمرها ..
وأخيراً ..عاصي الرفاعي و"حلم العائلة" الذي يقدمه لها على طبق من ذهب !!

تنقطع أفكارها وهي تراه يتقدم نحوها كأنه قفز من رأسها ..

_أعدي نفسك للسفر ..سنقيم حفل الزفاف في الصعيد .

تسقط السيجارة من يدها رغماً عنها وهي تغمض عينيها بقوة تحاول استيعاب المفاجأة فيما يعطيها هو ظهره ليغادر دون مزيد من الكلمات تاركاً إياها غارقة في فوضى مشاعرها لا تدري كيف تصف الغد ..
هل تولد من جديد أم ..تموت للمرة الثانية ؟!

وإلى غرفتها دخلت ديمة مكتفة ساعديها بخوف تعطي ظهرها لمرآتها تخشى مواجهة أشباحها من جديد ..
تندفع نحو خزانة ملابسها لتستخرج منها حقيبة البروكار كأنها تبحث لنفسها عما بقي لها من هوية ..

تفتحها لتقلب محتوياتها على الأرض وقد جلست أمامها متربعة ولا تزال تعطي ظهرها لمرآتها ..
مشط قديم علقت بها بعض شعيراتها مع رباط شعر ..
وشاح كان لأمها احتفظت به كذكرى ..
ساعة أبيها التي توقفت xxxxبها عن الدوران كأنها تحاكي عمرها "الحقيقي" بعده ..
مبخرة جدها ..مسبحة جدتها ..
آخر شهادة دراسية نالتها بتفوق ..
تذكارات متفرقة من صديقات طفولتها لا تعرف هل لا يزلن على قيد الحياة أم اختطفهن الموت مع من اختطفه ..

شلال الذكرى ينافس شلال الدموع فوق وجهها فلا تنتبه إلا وهي تحتضن الحقيبة الخالية بقوة تدفن فيها وجهها ..
لكن صورته تبدو لها في إغماضة عينيها ..
صورته ذلك اليوم وهو يأتيها بالحقيبة ..
وهو يطعمها بيديه ..
وهو يعتذر لها منذ قليل بحرارة ..
وهو يصحبها لبيته مع سند ..
طيف تزعم أنها هي تحبه ..
لكنها توقن أنها لا تفعل ..
هي لا تحبه ..هي تحب هذه "النظرة الآدمية" في عينيه والتي منحها لها دون مقابل ..

تمرغ وجهها في قماش الحقيبة لتنقطع أفكارها وهي تشعر بملمس الحقيبة الغريب ..
كأنما يخفي قماشها شيئاً معدنياً!!
ينعقد حاجباها وهي تقلبها لتفرغ محتوياتها من جديد لكنها تراها خالية ..
تتلمس الشيئ المعدني الذي بدا واضحاً في انبعاجته تحت القماش فتتردد قليلاً ثم تحسم أمرها لتمزق بطانة الحقيبة بحرص كي تستخرجه ..

مفتاح!!
تتسع عيناها بصدمة وهي تميز المفتاح غريب الشكل الذي استقر في راحتها ..
من أتى به لحقيبتها؟!
هي لا تعرف شيئاً عنه بل إنها أول مرة تراه!!

خوف غريب يسري القشعريرة في جسدها وهي تتوجه ببصرها نحو مرآتها كأنها تتهمها ..
قبل أن تعود لتهز رأسها بقوة ..

_أنت حقيقي؟! من أين أتيت؟!

تغمغم بها فيما يبدو كالهذيان وهي تقلبه بين أناملها عدة مرات ثم تعيد محتويات الحقيبة مكانها لتخفيها في خزانة ملابسها ..
تعدو نحو نافذة غرفتها فتفتحها لتتردد قليلاً قبل أن تحسم أمرها وهي تهم بإلقائه من النافذة فزعاً ..
لكن حدساً ما يجعلها تتوقف في اللحظة الأخيرة لتطلق آهة حائرة وهي تضمه بين كفيها ..
ما حكايته هذا الآخر؟!
هل تنقصها الألغاز؟!
======
على كرسيه الهزاز في شرفته يجلس حسام مراقباً ظلمة الليل الحالكة حوله ..
يشعل إحدى سجائره ليأخذ منها نفساً عميقاً يزفره بعدها بقوة ..
الدخان المتصاعد أمامه يبدو وكأنه يرسم أمامه "حبل مشنقة"!

_سند ابن زوجتي الراحلة ..أظنك ..تذكرها .
_هل تعلم أن سند فقد القدرة على النطق بعد وفاة أمه .
_كلاكما يحمل ذنب هالة وسند .

المزيد من الحطب فوق الحطب !!
صرخة خافتة يكتمها وهو يغرس السيجارة المشتعلة في معصمه مغمضاً عينيه على سعير نيرانه ..
الآن يراها كما كان يفعل في حلمه ..
خصلات شعرها الحمراء تنثر جحيمها حوله ..
تمد له ذراعي طفلة تكبر بين ذراعيه ..
الآن يفهم ..
الآن يوقن ..
الآن ..يحترق!

_لا أحد يراني..لا أحد يراني ..
يهمس بها لنفسه وهو يغمض عينيه على الظلمة الحالكة حوله ..
لكن ملامحها تسطع له كشمس واعدة ..
كأنها تهمس له ..
_أنا أراك ..أنا الآن أراك ..

الصورة أكبر من أن يتجاهلها ..
لكنها أجمل من أن يصدقها ..
وأنقى من أن يستحقها !
لهذا عاد يفتح عينيه بحدة كأنه يطردها كلها من ذاكرته بقوة تليق برجل مثله ..
ليحاول شغل ذهنه قسراً بأمر آخر :

_الحمد لله! خشيت ألا تدركني !
بصوت "أديم" يذكرها كما سمعها منه تلك الليلة بعدما طلب الأخير رؤيته ليفاجأ بحاله في المشفى وقد صدمته سيارة مسرعة ..
_من فعل بك هذا ؟! هو ؟!
سأله بغضب ليرد الأخير بحسم رغم وهن صوته:
_تذكر دينك لي؟! ليس هو فقط ..الاثنان الآن في أمانتك ..الكوبرا ..و..ديمة!
تجاهل وقع اسم الأخيرة على قلبه قبل أذنيه ليرد بغضب عاجز :
_وماذا بوسعي أن أصنع ؟! أنا تركت جهاز الشرطة و...
لكنه يقطع عبارته وهو يرى جفني أديم يتثاقلان مستسلماً لغيبوبته ليكون هذا آخر ما يسمعه منه ..


أجل ..بعد مواجهته لعاصي وديمة ذهب إليه في المشفى الذي كان فيه لعله يشغل عقله الذي يكاد يجن لكنه فوجئ باختفائه دون أي معلومات عنه سوى "دواعي أمنية مشددة"!
هل مات ؟!
تباً! إنه حتى لا يعلم من الذي أمسك القضية بعده ؟!
ماذا بوسعه أن يصنع الآن ؟!
الأمر لا يبدو عادياً يتعلق بمجرم ..بل بمنظمة كبيرة ..والقضية لا تبدو بسيطة بل تخص الأمن القومي ..
هذا الكوبرا يبدو كذلك وكأنه يملك العديد من الأذرع داخل جهاز الشرطة نفسه ..
لماذا أمره رفعت الصباحي ذاك اليوم بإغلاق القضية ؟!
تراه كان متورطاً مع الكوبرا نفسه؟!

يزداد انعقاد حاجبيه للخاطر الأخير وهو يفكر ..
من حسن حظه أنه لا يزال يذكر تفاصيل تلك القضية التي أمره رفعت الصباحي بإغلاقها جيداً ..
لا ينقصه سوى إلقاء نظرة عليها من جديد مع الاطلاع على بعض الأحراز التي صادرها وقتها ..
وظنه أنه يمكنه الاستعانة سراً بأحد زملائه في الجهاز ..لكن بأي صفة ..
لا بآس ..سيفعلها!!
إن لم يكن لأجل أديم فلأجل فهد الذي أطلعه على ما لم يكن يخطر له ببال طالباً مساعدته في الوصول لهوية ذاك الوغد الذي لطخ شرف أبيه والآن يبتزه هو!!

نباح سلطانة الهادئ يداعب سمعه منذراً بوصول ضيف مألوف ..
لا يحتاج كثيراً من الذكاء ليعرفه ..
بعد غياب دينا لم يعد يزوره سواه ..

_فهد ..في وقتك !
نبرته الواجمة مختنقة على غير عادته ليهتف فهد وهو يدخل معه :
_ماذا حدث؟! لا تبدو بخير .

يطلق حسام زفرة مشتعلة لم تخفف من احتقان ملامحه وهو يحكي له ما كان بينه وبين عاصي وديمة ..

_يالله! تلك الصهباء الفاتنة التي تسكن مع ماسة هي موكلتك التي حكيت لي عنها ؟! ما هذه المصادفة ؟!
يقولها فهد بذهول ليرد حسام بانفعال :
_ليست مصادفة ولا يمكن أن تكون ..هي تعمدت هذا القرب مني ..لماذا ؟! لماذا مادامت تعلم الحقيقة؟!

يرمقه فهد بنظرة حائرة طويلة فيكتنف حسام كتفيه بقبضتيه ليهزه بقوة انفعاله هاتفاً:
_يجب أن أفهم ..سأجن لو لم أفعل ..أنت ستساعدني كي اقابلها !

أمره الراجي يجد صداه في قلب صاحبه فيربت فهد على كتفيه ليقول مهدئاً:
_تعلم أني لن أدخر جهداً في مساعدتك ..لكن ..بماذا سيفيدك أن تعرف شيئاً كهذا ؟! أنت تعرف عاصي الرفاعي كما أعرفه ..والمرأة قالت كلمتها ووعدته أن تقطع علاقتها بك ..فلماذا ..
_لأني ...
يقطع بها عبارة فهد ..لكنه يقطعها هي الأخرى ليحبس الجواب داخله ..
الجواب الذي قرأه فهد بوضوح في عيني صاحبه ليشيح فهد بوجهه متمتماً بضيق:
_طوال هذه السنوات وأنا أنتظر امرأة تخرجك من كهف ظلماتك هذا ..فلا تختار أنت سوى امرأة بكل هذه التعقيدات ؟! امرأة تحتاج هي نفسها لمن ينتشلها من عقد ماضيها !! ماسة حكت لي عنها ..
_ماذا قالت؟!
_لا شيء أكثر مما أظنك تعلمه ..حقارة زوجها السابق ..انهيارها بعد موته ..وحالتها الغريبة غير المتزنة ..
_ساعدني يا فهد ..اجعلني أقابلها ولو مرة واحدة ..مرة واحدة أفهم منها لماذا اقتربت مني إلى هذا الحد ..لن تفهم شعوري عندما فتحت هاتفها لأجده متخماً بصوري ..صور لي في كل الأماكن التي أرتادها ..لي وحدي ..كأنها مهووسة بي ..لن تفهم كيف شعرت أنا عندما خرجت معها ..عندما اصطحبتها معي إلى هنا لترى بيتي ولو من بعيد ..أنا فتحت لها الباب الذي ظننته لن ينفتح أبداً ..كيف تريدني الآن أن أقتنع أنه عاد ليوصد للأبد ؟! كيف ؟!
هتافه يصل حد الصراخ في كلمته الأخيرة ليربت فهد على كتفيه مهدئاً لكنه يزيح كفيه عنه بحدة فجرها انفعاله ثم يحيط وجهه بكفيه ليعطيه ظهره مردفاً بمزيج حارق بين ألم وغضب :
_كيف أرى فيها في لحظة بوابة صفح القدر ثم أعود لأرتطم بحافة ذنبي؟! سأجن ..سأجن ..

_يبدو أن القدر يصر ألا تغلق أبواب الماضي مع كلينا يا صاحبي !
يقولها فهد بمرارة ساخرة وهو يرى التشابه بين قدره وقدر صديقه ليلتفت نحوه حسام بملامح تصارع ألمها مع غضبها للحظات ..
قبل أن يتحكم في كل هذا بإرادة من فولاذ ليغير الموضوع وهو يحكي له ما كان بينه وبين أديم ..

فينعقد حاجبا فهد بقوله:
_تدري ما معنى هذا ؟! شروع في قتل رجل بسلطته ووظيفته؟! أي عدو نواجه ؟!
_أخطر مما كنا نظن .
يقولها حسام باقتضاب حاسم ليسأله فهد :
_تفكر في التراجع ؟!
_لماذا ؟! أنا منحتك ومنحت أديم وعدي ..ثم ..ماذا بقي لديّ لأخسره ؟!
_وماذا ستفعل؟!
_سأرى .
يقولها حسام بغموض فيزفر فهد بقوة وهو يسمع هاتفه يرن برقم جنة ليخاطبه بقوله :
_جنة تتعجلني ..لا تقلق بشأن ديمة ..العائلة كلها ستسافر للصعيد لأجل زفاف أخت عاصي ..سأستغل الفرصة و ...

_أخت عاصي؟! طيف؟! هل ستتزوج؟!
يهتف بها حسام بتشتت وهو يشعر بذكرها مطرقة أخرى تهوي على رأسه ليرد فهد بما يشبه الاعتذار :
_لم أرد إخبارك من حينها ..قلت في نفسي لا داعي للتقليب في دفاتر قديمة .
_صدقت.
يتمتم بها حسام بخفوت وهو يتذكر مقولة ديمة ..
طيف أخبرتها الحقيقة ..
تراها نسيت حقدها بعد كل هذه السنوات ؟!
حتى لو نسيت هي حقدها فكيف ينسى هو ذنبه؟!

يحرر تنهيدة حارقة وهو يصطحب فهد نحو الخارج والصمت المشتعل بالقلق يظلل كليهما ..
لكنه ما كاد يتجاوز الحديقة ليصل لباب البيت الخارجي حتى رآها واقفة تستند على مقدمة سيارته بوقفة واثقة ..

_طيف!
يتمتم بها بنبرة مشتتة ..
كأنما تنقصه رؤيتها الآن وسط كل ما هو فيه !!

ينقل فهد بصرهما بضيق مشوب بالحرج وهو لا يفهم سبب حضورها هنا الآن ..
لكنه يسبق حسام إليها كأنه يفضل أن يكون خط دفاع صاحبه الأول ليخاطبها بنبرة لبقة لم تخلُ من تحفظ:
_أهلاً بك يا سيدتي ..تراكِ أخطأتِ العنوان؟! هل أخبر عاصي أنك تحتاجين مساعدة ؟!

يقولها بنبرة محذرة ذات مغزى وقد فهم بحدسه ما ترمي إليه من زيارتها خاصة وقد تحدد ميعاد زفافها ..
لكن طيف ترمقه بنظرة استهانة وهي تهز كتفيها قائلة بفظاظتها المعهودة :
_أنا لا أخطئ العنوان ..اذهب وأخبر من شئت بما شئت .

كلماتها تستفزه خاصة مع الضغط العصبي الذي يعيشه هذه الأيام فيهم بالانفجار فيها لكن حسام يتقدم ليقف بينهما مخاطباً فهد بقوله:
_اذهب أنت وسأحدثك لاحقاً .
يتردد فهد قليلاً فيبقى مكانه لكن حسام يلتفت نحوه ليهز له رأسه بحركة موحية فيطلق فهد زفرة ساخطة وهو يتحرك ليغادر متمتماً في نفسه:
_كيف تحتمل ماسة سماجة هذه المرأة ؟!

يعود حسام ليتفرس في ملامح طيف التي عادت تستند بأريحية على مقدمة سيارته مكتفة ساعديها ..
بعض البشر كُتب علينا أن ينحفر بعض عمرنا على ملامحهم ..يرحلون تاركين أماكنهم لغيرهم لكنهم يحتفظون ببقايا أيامنا على وجوهم ..فلا يمكننا الفهم هل انفصلنا حقاً أم أنهم صاروا قطعة منا شئنا أم أبينا ..
وطيف الصالح معه خير مثال !
لهذا يرفع وجهه للسماء المظلمة للحظات كأنه يرحب بالمزيد من حلقات عذابه ..
قبل أن يتقدم ليشاركها نفس الوقفة مستنداً على سيارته مكتفاً ساعديه ..
وهو يتذكر آخر لقاء لهما ومعايرتها له بفشله ..

الصمت الأسود يظللهما للحظات والهواء البارد للشارع يكاد ينخر عظمهما معاً بقسوة الجو ..والذكرى ..
ليكون هو أول من يقطعه :

_جئتِ لتعيريني بفشلي من جديد بينما أنتِ في طريقك للزواج ؟!

يغمغم بها دون أن ينظر إليها ببروده القاسي المعهود الذي شابه انكسار طفيف لم تكن لتلحظه سوى امرأة بخبرتها فيه ..
لتصدر صوتاً ساخراً وهي تنظر أمامها لتقول بشرود :
_لا أخفيك قولاً يا "ابن الناس" ..عشت سنوات طويلة أنتظر هذا اليوم ..بل إنني ادخرت لك رسالة مكتوبة على حاسوبي ..أفخر فيها برجل اختارني وقرر أن يواجه العالم كله بي دون حساب ل"أصلي وفصلي" ..رجل أكثر ثراء منك ..أكثر وجاهة ..غير أنه لن يتخلى عني كما فعلت ..لكن الآن وقد جاءت اللحظة ..أجدني زاهدة في معايرتك أو حتى إخبارك ..السعادة الحقيقية هي التي نعيشها ولا نجد الوقت للتفاخر بها ..

تلتوي شفتاه بابتسامة مريرة وهو بالذات يدرك حقيقة العبارة الأخيرة جيداً ..
بل إنه يعيشها كل يوم !!

لهذا يكتم آهة حارقة تهدد كبرياءه ليسألها بنفس البرود الظاهر :
_إذن لماذا جئت؟!

_جئت لأغلق الباب الموارب كي أفتح آخر ..طوال هذه السنوات بقي "ما كان حبنا" شوكة في حلقنا ..وأظنه قد حان الوقت لننتزعها للأبد ..

هنا يلتفت نحو جانب وجهها الذي بقي غارقاً في شروده لتردف :
_جئت أعترف بشجاعة لا تنقصني أنني تطرفت يوماً ما في انتقامي منك ..أنني تسببت دون قصد في إيذاء من لا ذنب لهم ..جئت أحررك من بقايا شعورك الأسود بخذلاني ..لأنني أنا الأخرى تحررت منه ..
يغمض عينيه بمزيج غريب من ألم وراحة ..
آه لو كان الأمر بهذه البساطة!!
لو كان بوسع أحدهم أن يزيح المزيد من الحطب من فوق نيرانه!!

_وأخيراً ..جئت لأوصيك بديمة!

يفتح عينيه بحدة لتلتفت نحوه فتردف ببساطتها القوية :
_تلك الحمقاء تحبك حتى لو لم تكن هي نفسها تعرف ..لو كانت هذه رواية أخطها لجعلت سند عوضاً لك كما أنت عوض له ..هذه النهاية التي كنت سأكتبها ..فانظر أنت أي نهاية تريد أن تكتب !

تتسع عيناه مع كلماتها كأنها حلقت به لفردوس بعيد ..
فردوس لا يليق بشيطان مثله ..
لهذا يعاود إغماض عينيه بقوة حيث جحيمه ينتظره ..
المزيد من الحطب فوق الحطب..

لكنها تتحرك لتقف قبالته فيعاود فتح عينيه من جديد ..
لتصله آخر كلماتها كمزيج من رسالة وداع ..وميثاق صفح ..ونبوءة أمل :
_يوما ما كان بيننا "عقد فل" قد ذبل ..لكن العمر لا يزال يتسع ل"زهر الياسمين" ..والياسمين يفوح عطره بعد الغروب خاصة في تلك الليالي التي يكتمل فيها القمر ..كأنه يمنحنا رسالته (إن خانت شمس النهار فلنا في نور البدر ملجأ ومتسع).
=======
_"عمتو"! حقاً ستتزوجين ؟! سنغادر لبيت جديد ؟!
تهتف بها نور بفرحة فضولية مخاطبة طيف التي وقفت تعد حقائبها استعداداً للمغادرة ..
ليهتف ضياء وهو يراقب بتحفز مجد التي جلست على كرسيها صامتة تراقبهم :
_أبي قال ذلك و كلمة عاصي الرفاعي لا ترد ..لكن ..هل ستبقى مجد معنا؟!
ترفع مجد عينيها ببعض الخوف نحو طيف التي انحنت لتقبل جبينها بعمق قائلة:
_مجد ستبقى معي أينما حللت ..واعلم يا شبيه أبيك أنت أن كلمة طيف الصالح كذلك لا ترد !

_طيف الصالح ؟! هذا اسمك ؟! أم طيف الرفاعي؟! ألستِ أختِ أبي؟!
يسألها ضياء بذكاء طفولي يسبق سنوات عمره لتشرد طيف ببصرها وهي ترى سؤال الصغير على بساطته يؤجج جرحها القديم ..
ماذا بعد ؟!
هاهو ذا عاصي الرفاعي لم يخذلها !!
أتى لها بسندبادها بل ..ويعتزم أن يزوجها إياه ..وفي الصعيد !!
ستدخل المدينة ذاتها التي لفظتها يوماً مرفوعة الرأس بنسبها ..
ستدخل قصر الرفاعي ظافرة ..سيدة ..عزيزة ..

تنقطع أفكارها بدخول عاصي الذي سمح لطفليه بالخروج مع مجد ليختلي بها ..
ترفع عينيها المثقلتين نحوه فيسألها :
_الرجل أرسل في طلب عمه !
ينعقد حاجباها بمزيج من دهشة وقلق وهي تخشى على يحيى مغبة مواجهة كهذه ليستطرد عاصي :
_أنا طلبت منه ذلك ..يجب أن تعودي لقصر الرفاعي مرفوعة الرأس .

ورغم ضيقها مما يمكن أن يحدث لكنها رفعت إليه عينيها بنظرة مزجت خشونتها الفطرية بامتنانها لكن عاصي يردف :
_شروط الزواج كما أردتِ..لكنكما ستقيمان معي هناك في القصر .

يزداد انعقاد حاجبيها وهي تشعر أنها تتورط أكثر ..
لم يكن في حسبانها أن تكون معه تحت عيني عاصي بهذا القرب ..
كذبتها ستنكشف لا محالة !!

لكن لا بأس!
لن تعدم حيلة تدبر بها الأمر !!

_لماذا تفعل هذا ؟!
تسأله بتردد لترتجف شفتاه بابتسامة واهنة :
_وعدتك يوماً لو عدتِ أن تجدي قلبي مفتوحا قبل ذراعيّ.

تدمع عيناها بتأثر لا تريد أن تبديه ..
فتتظاهر بالانهماك فيما تفعله ليعطيها هو ظهره وهو يخرج من الغرفة مردفاً بنبرة ذات مغزى :
_الرجل لم ينكر ما قلتِه ..بل قال أنه هو الملام .
_هو قال هذا؟!
_نعم ..قالها ومسدسي في جبهته !
تلتفت نحوه بحدة لكنه يخرج صافقاً الباب خلفه وقد منحها رسالته لتزفر بسخط وهي تجلس على طرف الفراش ..
ابتسامة شاحبة تداعب شفتيها وهي تفكر ..
هل فعلها لأجل مجد فحسب ..ام لأجلها هي الأخرى؟!
والجواب يأتيها في خفقة خاصة من قلبها ..
قلب السندباد صار ملكها ..وانتهى الأمر !
======

_ستبقى هنا حتى يصل عمك ..ونعقد القران !
يقولها عاصي بصرامة وهو يشير نحو هذه الغرفة الواسعة في ملحق قصر الرفاعي الجديد فتشتد ملامح يحيى وهو يواجهه بقوله:
_أريد رؤية مجد ونزار .

_صديقك لم نعد بحاجته ..تركناه ولم نعد نعرف عنه شيئاً .

يقولها عاصي ببرود لينعقد حاجبا يحيى بقوة مفكراً بينما عاصي يردف :
_والطفلة سأرسلها لك الآن .

يقولها عاصي ليغادر الغرفة مغلقاً بابها خلفه فيطلق يحيى زمجرة مكتومة وهو يحدق في المرآة أمامه ..
لا يكاد يعرف نفسه!!
كيف تحول هكذا في يوم وليلة لمجرد سجين لا يملك قراره ؟!
وبيد امرأة!!
امرأة اا يدري حقاً هل يريد أن يقبل رأسها فخراً بها كمعشوقة قلبه ..
أم يكسره ؟!!

_هذه الزيجة لن تتم ..لن تتم ..

يقولها من بين أسنانه لا يدري كحدس ..أم كرغبة ..
هو اختار مصيره كسندباد ولن يتغير هذا المصير !!
كيف يبقى هاهنا بهذه الصورة ؟!
بل وكيف يواجه عائلته بعد ما كان ؟!
لن يستطيع ..لن يستطيع ..
صحيح أنه أرسل في طلب عمه إلياس دون أن يخبره بتفاصيل مكتفياً بالتشديد عليه ألا يخبر أحداً من العائلة ..
لكنه فعلها مهادنة لعاصي الرفاعي حتى يرى ماذا بوسعه أن يصنع ..
عاصي الذي ارتكب غلطة عمره عندما أطلق سراح ذاك الداهية !!

نزار !!
نزار هو ورقته الأخيرة الآن ..فقط لو يجيد التصرف بسرعة ..
يكاد يقسم أنه سيفعل!

صوت طرقات على الباب يجعله يلتفت بلهفة لتنطلق منه صرخة فرحة ملهوفة رغماً عنه وهو يراها على كرسيها ..

_بابا .
_حبيبة بابا .

يهتف بها بعمق عاطفته وهو يركض نحوها لينحني فيطوقها بذراعيه ..يغرق وجهها وشعرها بقبلاته وهو يشعر أن روحه قد ردت إليه ..

_أنت ستتزوج طيف حقاً؟!
لهفتها الفرحة تصفعه فيرتد بوجهه عنها لتردف وهي تحتضن وجهه بكفيها الصغيرين :
_ستكون لي "ماما" ..تعرف كم تمنيت هذا ..شكراً لك ..هذه أعظم هدية قدمتها لي .

الانفجار العاطفي الهادر داخله يبدو في دمعة كبيرة تملأ عينيه ..
الحلم يبدو شديد القرب ..لكنه شديد البعد ..
بل مستحيل !!
تباً لك يا طيف !!
تباً لعنادك الذي أوردنا التهلكة !!
بل تباً لي أنا الذي سمحت لنفسي بالغرق فيك ومعك إلى هذا الحد !!
كيف يمكن هكذا أن تكوني الحلم ..والكابوس؟!
سوار ورد أصبح حول العنق مشنقة!!

_بابا!
تهمس بها مجد بقلق تنتزعه من فيض شعوره ليغتصب ابتسامة باهتة وهو يسألها :
_أنتِ بخير؟!
_جداً ..طيف أحضرت لي الثوب الذي سأحضر به العرس ..وستجعل شعري يبدو طويلاً كما أحب ..هل ستسمح لي ؟!

يصمت بقهر عاجزاً عن كسر فرحتها للحظات ثم يحتضن كفيها بقبضتيه هامساً أمام عينيها بقوة :
_مهما حدث ..اعلمي أنني أحبك أكثر من أي شيء في حياتي .

يقولها ثم يتلفت حوله ليتأكد من خلو المكان ليهمس جوار أذنها :
_أبلغي طيف هذه الرسالة ..أخبريها أنني أحببتها حقاً واطلبي منها أن تسامحني .

يهمس بها كرسالة وداع يشعر أنه سيحين وقتها ..
لكن الصغيرة تبتسم وهي تعانقه لتمنحه إيماءة موافقة ثم تغمزه هامسة ب"كلمة الأمان " لكليهما:
_قيمر .

فلا يملك نفسه وهو يعانقها من جديد بقوة مخفياً بين خصلات شعرها هدير موجه ..

يري الخادمة قد أتت لتأخذها فيستقيم واقفاً ليتركها لها ولا يزال يفكر في أي ثغرة يمكنه النفاذ من خلالها ..
لكنه يفاجأ بالخادمة تغمزه خلسة قبل أن تدس في كفه هاتفاً ما لتغادر مع مجد دون كلمة واحدة ..

يتمالك صدمته وهو يعاود النظر حوله بحذر قبل أن يغلق باب الغرفة خلفه بسرعة ..

يفتح الهاتف ليصله اتصال فيفتحه بسرعة :
_نزار! كنت أعلم أنك ستتصرف ..كيف فعلتها؟!
يقولها بتنهيدة ارتياح لتصله ضحكة صديقه على الجانب الآخر من الاتصال بصوته المرح رغم الأزمة :
_عيب عليك ! أخوك "تخصص خادمات "! لا تقلق ! ما عاش ولا كان الذي يزوجك قسراً ! أنا سأتصرف ..افعل ما سأقوله وسنهرب معاً بمجد قبل عقد القران ونترك كل هذه المهزلة خلفنا .

_من أين أتيت بالمال لكل هذا ؟!
يسأله يحيى بدهشة فيهيأ إليه أن نبرة صاحبه المرحة اكتست بشجن غريب :
_قصة طويلة ..سأحكيها لك فيما بعد ..المهم الآن أن تخفي الهاتف جيداً وأن تفعل ما أخبرك به بالتفصيل ..وسنهرب جميعاً قبل عقد القران .
======
_عمك ينتظرك في بهو القصر .
يقولها عاصي بنبرته القوية وهو يدخل عليه غرفته لينتفض يحيى مكانه وهو يرمقه بنظرة عاصفة ..
فيقترب عاصي منه مردفاً :
_هو لا يعرف شيئاً بالتأكيد ..ولن يعرف .

نبرة التهديد في صوته لا تخطئها أذن سامع ..فينعقد حاجبا يحيى وهو يكز على أسنانه بقوة ليستطرد عاصي بنفس النبرة الآمرة :
_سأتركك معه لبعض الوقت كي تتدبر أمرك ..وبعدها ستلتقي معه بكبار العائلة قبل أن نعقد القران .

يهز يحيى رأسه بحذر فيشير له عاصي نحو الخارج ليتقدم يحيى وهو يشعر بالحصار ..
ليس فقط حصار عاصي الرفاعي ورجاله ..
بل حصار الماضي الذي عاد يضيق الخناق حول عنقه !!

إلياس!!
هل هو في سبيله للقائه حقاً؟!
لقد ظن أنه لن يلقاه في حياته أبداً!!
كيف سيواجهه؟! كيف ؟!
تباً لك يا طيف!!
لعنة أنت وحلت فوق رأسي!!

خطواته تتباطأ وهو يلج مدخل القصر يصعد الدرج ببطء ليتقدم نحو الرجل الذي وقف مولياً إياه ظهره وقد بدا من وقفته المتشددة كمّ توتره !

يقترب ويقترب وكل خطوة تغرس النصل أكثر في صدره ..
لحظة من اللحظات التي يغبط فيها طيف على قوتها ..
كيف احتملت ما جبن هو عن احتماله ..كيف؟!

يشعر به إلياس ليلتفت نحوه فتتلاقى العيون ..
غضب الأول يوازي وجع الثاني ..
غضب سيطر عليه إلياس باقتدار وعيناه تلتمعان بعاطفة زلزلت يحيى مكانه والأول يعانقه بقوة ..
يكاد يطلق آهة حنين ليس لعمه فقط ..بل لكل ما تركه خلفه في بغداد ..
وما أقسى الحنين عندما يلطخه العار والخزي ..والغدر !

مهما تغيرت الأيام ..تبقى عاطفة إلياس ثابتة كالصخر لا تتغير ..دعمه اللا مشروط له ..وفخره -الذي كان -به !
إلياس لا يكبره سوى ببضع سنوات ..عمه الأصغر الذي تربى معه في بيت أبيه -كما كان يظن- لينشآ معاً أقرب لأخوين !
لهذا لم يفكر بسواه يثق فيه في موقف كهذا !!

_لو كنا وحدنا لأوسعتك ضرباً فما أبقيت فيك ضلعاً على حاله !

يهمس بها إلياس بغضب مكتوم جوار أذن يحيى الذي كان بالكاد يسمع وسط ضجيج باطنه ..

لكن عاصي يدرك ضرورة انسحابه فيصافح إلياس بترفع قائلاً بنبرته المهيمنة بين توقير وعِزة:
_نسبكم شرف لنا .
_الشرف لنا يا سيد عاصي ..ولو أني كنت أرغب أن تحضر العائلة كلها .
يقولها إلياس بتحفظ فتلتوي شفتا عاصي بشبه ابتسامة وهو يلتفت نحو يحيى قائلاً:
_هي رغبة السيد يحيى ..وأنا احترمتها على آي حال ..سأترككما معاً .

ينقل إلياس بصره بينهما بالمزيد من عدم الارتياح ولم يكد عاصي يختفي عن بصره حتى قال بحدة :

_ما الذي يحدث يا يحيى ؟! تختفي كل هذه السنوات دون خبر ..ثم تظهر هكذا فجأة في بلد غريب لتخبرني انك ستتزوج ودون أن أخبر العائلة ..أي جنون هذا ؟! كل هذا لأن عمك رفض زواجك من سراب ؟!هل يستوجب هذا القطيعة لعائلتك وبلدك كلها ؟ لم تفكر في أمك التي تكاد تقتل نفسها قلقا عليك ..لم تفكر في عمك الذي رباك كابنه ..

يطرق يحيي برأسه عاجزاً عن الرد ..والكلمات تغرس النصل في صدره اكثر واكثر ..
كم يود الآن أمام اتهام الياس ان يصرخ بالحقيقة ..
ان يهدر بها فيخرج النصل المسموم من صدره لعله يداوي جرحه
لكنه للأسف لا يستطيع
فلينغرس اكثر واكثر ..

_إلياس هل تثق بي؟!
يقولها أخيراً وهو يواجهه لينعقد حاجبز إلياس بالمزيد من الغضب فيقترب منه يحيى أكثر بوجهه مردفاً:
_أنا الآن لا أكلم عمي ..بل أكلم إلياس صديقي ورفيق طفولتي .

تشتد ملامح إلياس للحظات ليهتف بحدة لم يملكها :
_وهل حسبت حساباً لصداقة أو لقرابة طوال هذه السنوات ؟!..أنا ..أنا ..
تنتهي كلماته وهو يعاود عناقه بغلظة توازي شعوره ليردف بنبرة مرتجفة :
_أنا افتقدتك يا غبي ..ولو احتملت أنت فراقهم كلهم ..كيف احتملت فراقي؟! ..طوال هذه السنوات يا يحيى ..تدري بكم أنت مدين لي من حكايات؟!

_الكثير .
يهمس بها يحيى بنبرة ذبيحة وهو يخفي وجهه في كتف عمه ..
يالله!!
كيف يمكن أن يشعر بالخزي أكثر ؟!
بالعار أكثر ؟!
وبالعجز أكثر؟!

جزء طبيعي من فطرته يناشده الاستسلام لهذا الدفء ..لإلقاء الوزر الثقيل عن كاهله أو على الأقل مشاركته كي يستريح ..
لكنه لا يزال مكبلاً ..
كيف يفضح الحقيقة ؟!
كيف يلصق العار بالجميع ؟!
الحي والميت ؟!
فليبق هو ملعونا بجحيم يصطلي به وحده ..
فلتعش الغربة ..ولتكن هي الوطن !

كل هذه هدنة ..
هدنة من معركة وجب عليه أن يكملها للنهاية بعيداً عن الكل ..

لهذا عاود ارتداء قناع مراوغته وهو يخاطب عمه بقوله :
_بعد الزفاف سأخبرك بكل ما تود معرفته .
_هل سأنتظر لما بعد الزفاف ؟!
يهتف بها إلياس باستنكار لكن العناد يفيض في نظرات يحيى الذي اطبق بشفتيه في تصميم ..
ليطلق إلياس زفرة ساخطة وهو يشد بقبضتيه على كتفي يحيى مفكراً للحظات ..

لقد جلب المعلومات عن عاصي الرفاعي قبل وصوله لهنا ..
الرجل كبير هذه المنطقة وله من المال والنسب والنفوذ ما يشبه ما لعائلة الأمين في بغداد ..
نسب لا يشين ..لكن ..لماذا بهذه الطريقة ؟!

_لماذا لا تريد إخبار العائلة؟! استبرق على الأقل ! لماذا تحرمها من فرحة كهذه ؟! ألا يكفي ما فعلته بها طوال هذه السنوات ؟!

_ما فعلته أنا؟!
يكاد يهمس بها باستنكار ذبيح لكنها تبقى حبيسة صدره تغرس النصل داخله أكثر وأكثر ..

_سنخبرها معاً ..إنما بعد الزفاف ..لا داعي للعجب ..ستفهم كل شيء في موعده .

يقولها بالمزيد من المراوغة وهو يهرب بعينيه من عمه ليرمقه إلياس بنظرة مترددة لكنه يعاود الالتفات إليه قائلا برجاء حازم :
_لا تخبر أحداً ..أنت وعدتني .

يهز له إلياس رأسه كأنه يمنحه وعده فيلمح يحيى عاصي من بعيد وقد تأهب للعودة ليقول مخاطباً عمه :
_لن أطلب منك أن تسامحني ..فظني أن ما بيننا يحتمل المزيد ..فقط ثق بي ولو لم تفهم .

رسالة الوداع الثانية التي يرسلها مواراة فيتنهد إلياس وهو يربت على كتفه ليسأله باهتمام :
_أنت راض عن هذه الزيجة ؟!
_تمام الرضا .
يقولها يحيى بابتسامة شاحبة وعيناه شاردتان في الفراغ ليربت إلياس على كتفه بدعم قبل أن يصلهما صوت عاصي مرحباً بإلياس من جديد وداعياً إياه للاستراحة في غرفة قريبة ..

ولم يكد إلياس يستقر في غرفته حتى زفر بسخط وهو يرفع هاتفه أمام عينيه ..
استبرق !
كيف يخفي عنها خبراً كهذا ؟!
لن تسامحه أبداً !!
فليخبرها !!
لكنه يعود ليذكر وعده ليحيى ..يحيي الذي بدا له غريبا كأنه لم يره من قبل ..
هذه النظرة الذبيحة في عينيه كيف يتجاهلها ؟!
ماذا صنعت بك الأيام يا صاحبي ..ماذا صنعت بك؟!
يتمتم بها بحسرة قلقة وأنامله تتردد على هاتفه من جديد ..
ولا يزال حسم القرار صعباً !!

وفي غرفته التي عاد إليها يحيى في ملحق القصر وقف الأخير يراقب الحديقة عبر النافذة وقد بدأوا تعليق الزينة استعداداً لعقد القران وحفل الزفاف ..
المزيد من السخط ..
المزيد من العجز ..
والمزيد من الهرب ..
فلينته كل هذا العبث ..فلينته !!

_طيف عذراء ..لم أمسها ..يمكنك التأكد وطيّ هذه الصفحة من حياة الجميع .

يكتبها في ورقة ليطويها ..سيتأكد من أن تصل لعاصي الرفاعي في الموعد المناسب بعد هروبه كي لا يؤذيها ..
وبعدها ستطوى هذه الصفحة حقاً في حياة الجميع وأن كانت ستترك ندوبها ..!!
=======
_الست ديمة هنا في المدينة !
تهتف بها الخادمة الجديدة التي أتت بها زوجة غازي الأولى لتخدمها بعد وفاة الأخير ..فانتفضت من جلستها على الأريكة ليرتج جسدها السمين بمزيج من حقد وتوعد ..

"جت لقضاها!"
تهتف بها من بين أسنانها لكن شقيقها الذي يجلس قبالتها يصرف الخادمة بسرعة ليهتف مخاطباً إياها :
_اهدئي ولا تتحامقي ! لا نريد مشاكل مع تلك المرأة بعد الآن !
_لا تقل لي اهدئي !! لا تتكلم عما لا تفهمه!! تلك البغيضة لم تسرق مني زوجي في حياته فحسب بل شاركتني خيره بعد موته ..لا تعرف كم احترق قلبي وأنا أراها تتسلم إرثه ..المال الذي حرمني منه بخله وهو على قيد الحياة ..الآن تقتسمه معي فتاة "...." كتلك!!

سبابها البذيء يخدش اذنه فيزفر بقوة ثم يقوم من مكانه ليتوجه نحوها ..يعتصر كتفيها بقبضتيه هاتفاً بعصبية:
_لا تصغرينا أمام حسام القاضي ..نحن منحناه كلمتنا في المرة السابقة أننا لن نؤذيها ..

_ولماذا يدافع عنها حسام ذاك بهذه الضراوة؟! لم تسألوا أنفسكم ماذا دفعت تلك العاهرة من ثمن كي تبقى محمية في كنف رجل مثله؟!

يحمر وجه الرجل من دلالة تلميحها فتنفث المزيد من سمها :
_نفس الثمن الذي دفعته كي يقبل غازي بكل جاهه وماله أن يتزوجها ..بل ونفس الثمن الذي دفع عاصي الرفاعي لإيوائها في بيته دون صفة !
_شششششش!!! اخرسي يا امرأة !!
يهتف بها الرجل زاجراً بمزيج من غضب وخوف وهو يتلفت حوله قبل أن يكمم فم شقيقته مردفاً بحنق:
_إلا عاصي الرفاعي!! لا تخوضي في سيرته أبداً !! "الحيطان لها آذان كما يقولون والرجل عاد ليسترد مكانه القديم الذي كان زوجك قد أخذه بعده ..عاصي الرفاعي عاد كبيرنا ..ولا أظنك بحاجة لأذكرك بعهده القديم !!

تكز المرأة على أسنانها بغيظ ناقض هذا الخوف الحقيقي الذي تسرب من عينيها وهي تحرر فكها منه لتبتعد خطوة وهي تشد خصلة من شعرها بحنق بينما تدور حوله كثور هائج:
_ماذا تعني؟! تلك الفتاة ستبقى هنا ؟! تتنعم بمال زوجي وبحماية عاصي الرفاعي أمام عيني ؟!!

_ياللنساء!!
يغمغم بها الرجل بسخط ليشد مقدمة ثوبها مردفاً :
_فلتبقَ أو لا تبقى ..لا شأن لنا ..لا أحد يعلم ما الذي ينتويه عاصي الرفاعي ..لكننا كلنا نعلم من هو وماذا بوسعه أن يفعل! فاحفظي لسانك بدلاً من أن يقص هو ألسنتنا كلنا !!

تكاد تنفث النار من أنفها وهي تطالعه بنظرة ساخطة صامتة للحظات قبل ان تهز رأسها بطاعة ظاهرة وفكرة ماكرة تلتمع في رأسها تجعلها تغمغم باستسلام :
_حسناً..الأمر لله ..قادر أن يقصف عمرها ويريني فيها يوماً قريباً "بنت ال..." هذه!!

يرمقها أخوها بنظرة متشككة وهو يحرر ثوبها من قبضته قائلاً:
_لا تتعجلي الأمور ..لعلها جاءت لتحضر زفاف أخت عاصي الرفاعي وترحل من جديد ..ساعتها يكون الله قد حلها من عنده !

تكسي وجهها مسكنة مصطنعة وهي تشيح بوجهها لتدعو باللعنة على غازي و"مجايبه" كما قالتها فيزفر الرجل وهو يشير حوله قائلاً:
_احمدي ربنا أنها تخلت لك عن نصيبها في هذا البيت وتركته لكِ .
_كنت تريدها أن تأخذ بيت غازي أيضاً؟!
تهتف بها باستنكار جهول فيخبط الرجل كفيه وهو يتمتم بسخط:
_الصبر من عندك يا رب .
يقولها ثم يعاود التلويح بسبابته في وجهها هاتفاً :
_لن أكرر كلامي ..لا توقعينا في المشاكل ..غضبة عاصي الرفاعي هي الجحيم بعينه !

يغادر البيت بعدها بخطوات مشتعلة بينما تتجمد هي مكانها للحظات قبل أن تحيد ببصرها نحو الغرفة المجاورة والتي كانت غرفة نوم ديمة مع غازي قبل موت الأخير لتهمس بتوعد وهي تستحضر ملامح ديمة الفاتنة :
_سأقطع رجلك من هنا ! وربنا المعبود سأفعلها !!
ثم تتوهج عيناها ببريق شيطاني وهي تردف ساخرة بغموض ماكر:
_حكموا على الكبار ..لكن هل سيحكمون على العيال كذلك ؟!
=======
_هيا بنا !
يهتف بها نزار بحماس داخل السيارة التي يستقلها مخاطباً يحيى الذي هرع إليه متخفياً في زي بسيط وقد غادر عبر الباب الخلفي للقصر ..
يطمئن لوجود مجد المتلهفة ملامحها في المقعد الخلفي ثم يستقل السيارة بسرعة قائلاً:
_هيا بنا .

ينطلق نزار ضاحكاً بالسيارة فتهتف مجد بفرحة طفولية:
_أنكل نزار أخبرني أننا نعد مفاجأة لطيف ..صحيح ؟!

يطرق يحيى برأسه وهو يتجاهل سؤالها ليسأل نزار بمواربة :
_كيف تدبرت الأمر ؟!
_المال يا صاحبي ..المال يفتح كل الأبواب المغلقة ..ولا تنسى سحر أخيك الفتاك .."والله ورجعنا لأيام الشقاوة" !

_زعطوط!

يغمغم بها يحيى باستحسان شارد وهو يراقب الطريق الذي تنهبه السيارة بسرعة ..
لا يصدق أن الأمر قد تم بهذه البساطة ..
نزار الداهية دبر الأمر مع الخادمة وبعض الرجال ويبدو أن انشغال عاصي بتجهيزات الحفل ولقاء العائلة وكذلك انشغال طيف بالنساء وتجهيزات العرس قد منحاه المزيد من المساعدة .

_طيف سعيدة ..عانقتني عندما أبلغتها برسالتك ..دمعت عيناها بعدها وكادت تبكي لكنها عادت تضحك وهي تضمني ..

تقولها مجد ببراءتها الطفولية ليشعر يحيى بغصة في حلقه وهو يعتصر قبضتيه بقوة ..
الآن يترك لها جرحاً آخر ستلعنه عليه عمرها كله ..
ليست هي فحسب ..بل إلياس كذلك ..
لكن ربما كان هذا أفضل للجميع ..
لم يعد لديه ما يمنحه لأحدهم ..
طريقه صار بلا عودة !!

من جديد يراقب الطريق الذي مالت شمس سمائه للغروب فيتذكر سديم عينيها بنجومه ..النجوم لا تلمع إلا وسط ظلمة الليل ..حتى لو كان حبهما ليلا طويلا لا ينتهي ..فظنه أنها من القوة دوماً أن تخلق له نجمة ..
ولو كان هو خارج الصورة !!
=======
*بنفسجي*
=======
_نم يا صغيري ..نم ..

تربت ديمة على وجنة سند وهي ترقده في فراشه وقد هربت به للغرفة التي خصصها له عاصي في قصر الرفاعي بعدما رأت رهبته من الناس في تجمعهم للحفل بالخارج..

لازرع لك بستان ورود ..
وشجره صغيرة تفييك
وأغزلك من نور الشمس
إسوره واحطّها بإيديك

تهدهده بكلمات الغنوة التي كان جدها يلاطفها بها في صغرها ..الأغنية التراثية كانت لرجل يغازل محبوبته لكن جدها رفعها في أذنيها لمقام أعلى بنكهة أخرى..نكهة الحب..الحب الفائض دون مقابل ..
يستجيب الصغير لعذوبة شعورها قبل صوتها ورأسه يتثاقل فوق وسادته ..فتستمر ..

و رح جبلك من ابعد بحر
احلى درة بلاقيها
و اسرقلك من حول البدر
اجمل نجمة و اخبيها

تبتسم وسط غنائها وكلمات الغنوة تتضافر مع ذكرى هالة هذه المرة :

_ستفسدين ابني بتدليلك ..لم يعد ينام سوى على هذه الغنوة ..
_أعيش و أدلله هذا الغالي ..يليق به الدلال ..
_والله لا أكاد أميز من بكما أكثر طفولية ..أنتِ أم هو !
_لا يهم ..ما يعنيني أنك أمنا نحن الاثنين معاً .

ضحكات الذكرى تمتزج بشجن الحنين ولا تزال تردد ..

واعمّر لك بالعالي قصر
و عَ جناحاتي بوديك
وأغزل لك من نور الشمس
اسورة واحطها بايديك

كان الصغير قد استسلم للنوم تماماً مع كلماتها الأخيرة فتدمع عيناها وهي تتحسس معصمها ..يوماً ما كانت تنتهي غنوة كهذه ب"سوار ياسمين" يلفه الجد حول معصمها ..
عجباً للزمن ..كيف يمحو سيله كل شيء وتبقى الذكريات شامخة طازجة الرائحة تتحدى أن ينالها النسيان ؟!

تميل علي الصغير بقبلة حانية قبل أن تغادر غرفته ..
تشعر بالغربة في هذا القصر الكبير ..وما الجديد ؟! عمرها كله صار غربة !!

قدماها تحملانها نحو الحديقة الكبيرة من القصر حيث أقيم الزفاف ..
نظراتها تزيغ ومرأى الثوب الأبيض للعروس يصيبها بالغثيان وهي تتذكر ليلة زفافها هي ..
ربما كان الثوب بطرحته البيضاء آخر ما رأته بهذا اللون في حياتها مع غازي ..
صفعات الذكرى تتوالى ..لم تكن أبداً ليلتها الأولى ليلة زفاف ..بل كانت ليلة اغتصاب جسد وروح !

تنثني على نفسها كاتمة شعورها بالقهر الذي لم تمحه الأيام ..
تزم شفتيها بقوة وهي تشعر بالعرق يتصبب من جبينها رغم برودة الجو ..
تتحسس ثوبها رغم سواده شاعرة أنه يفضحها بالمزيد من بقع الدم ..
أحمر ..أحمر ..أحمر ..

لم تشعر بنفسها بعدها وهي تركض هاربة من القصر الكبير ..
تركض وتركض وخلفها وحوش الذكرى تركض خلفها ..
فلا تتوقف سوى ..أمام قبر هالة !!

وكم من قبر ميت أصم أحن علينا من أحياء !!

تجثو على ركبتيها أمامه دافنة وجهها بين كفيها ..
هاهنا لا يبدو شبح هالة الأبيض العاتب المُعرِض كما تراه في مدينة أشباحها بل تبدو لها هالة نفسها ..بملائكية ملامحها وروحها ووجهها الذي لم يكن يكف عن الابتسام ..
لتهمس ل"صديقتها" بين دموعها:
_اخترت سند يا هالة ..لا ..ابنك لم يعد اختياراً بل صار قدري الذي سأحميه ويحميني ..حسام ؟! لم أحبه ..لم أحبه ..لم أحبه ..لا تصدقيني حتى لو قلتها ..أنا كفرت بالحب بعد غازي ..الثوب المهلهل ما عاد يحتمل المزيد من الرُقع ! تسألين لماذا أبكي؟! ولماذا لا أبكي ؟! كلهم يدّعون أنني صرت حرة بعد موت غازي ..أنني صرت ثرية ..وحدي أشعر أنني لازلت سجينة فقيرة بل معدمة ..ليتكِ تركتني أموت يوم قابلتني ..ليتك لم تأخذيني معكِ إلى هنا ..بل ليت القارب غرق بي ذاك اليوم فلم أغادر وطني أبداً .

تنهمر المزيد من دموعها حتى تشعر أن عينيها قد جفتا أخيراً فتتوالى شهقاتها طالبة المزيد من الهواء ..
تنهض من جلستها فتتأوه وهي تشعر لتوها بألم ساقيها وركبتيها ..
تنتبه لنظرات حارس المقابر الغريبة بين شفقة واستهجان فتطرق برأسها وهي تغادر المكان بخطوات متثاقلة عائدة نحو قصر الرفاعي ..
غافلةً عن "هذا" الذي يراقبها مكانه بعينين صارختين بمزيج من عاطفة ووجع !
الطريق مظلم شبه خال وقد تجمع الناس كلهم على مايبدو في حفل الزفاف ..
هل تشعر بالخوف؟!
منذ متى كان أمانها في حضرة الناس ..؟!
هي وسطهم شبح !

يوماً ما اصطحبها أديم إلى هنا عندما كان يدعي كونه مجرد حارس ..
أين أديم؟! لماذا لم يعد يطاردها كالسابق ؟!
هل كان حبه مجرد ادعاء كما تظن ؟!
أم أنه التصرف الطبيعي بعد ما كان بينهما في آخر مرة عندما اتهمته زوراً أمام حسام ؟!
لا بأس !
عهدها بالبشر التخلي ..على الأقل هو معه عذره !!

_آآه!!

صرخة ألم تطلقها وهي تشعر بالحجر الذي قُذف نحو رأسها ..

_لا تعودي لبلدنا يا عاهرة ..اخرجي ..

صوت الصبي الذي ألقى الحجر يتردد صداه خلفها في الطريق الذي بدا لها موحشاً ..تتلوه أصوات رفاقه من الصبية وهم يقذفونها بالمزيد من الأحجار ..والإهانات ..

صرخاتها تتقطع وهي تدور حول نفسها بعجز والأحجار تتوالى بعنف فوق مواقع متفرقة من جسدها ورأسها ..
هل عاد غازي ؟!
عاد يؤذيها ؟!

_توقفوا !

لم تسمع الصرخة الهادرة التي انطلقت خلفها وأخافت الصبية ليهربوا راكضين فقد كانت غارقة لأذنيها في جحيمها الخاص ..


عيناها المغمضتان تحتجزان بركاناً من الألم والقهر ..
وعبرهما تتجسد مرآة لا مرئية تداهمها فيها أشباحها بضراوة ..فتكون الغلبة للشبح الأسود :

_أرأيتِ؟! أنا هنا ! دوماً هنا ! لن تفلتي مني أبداً !!

تقدم صرخاتها قرباناً لعله يعتقها ..
تشعر بالذراعين القويتين تضمانها فلا تميز واقعاً من خيال ..
فقط تصرخ ..وتصرخ ..

وأمامها وقف حسام عاجزاً عن السيطرة على انهيارها وهو يراها تكاد تسقط بين ذراعيه ..
تلوح بذراعيها يمنة ويسرة كأنما تجابه أشباحاً لا تراها ..
تغمض عينيها بشدة فيزداد يقينه أنها حقاً لا تراه ..
كان قد تبعها عندما أخبره فهد منذ قليل أنها غادرت القصر وحدها وأنه يمكنه لقاؤها مستغلاً انشغال الجميع هنا في العرس فلم يتباطأ للحظة ..
كان يعلم بالأمس وهو يقطع الطريق الطويل من العاصمة للصعيد أن فرصة لقائها تكاد تكون معدومة لكنه ..جازف ..!!
والآن يرى الأمر يستحق !!

وبين ذراعيه كانت هي تتخبط كطير ذبيح ..
الدنيا تضيق وتضيق ..بيت غازي ..غرفة نومهما ..ثيابها تتطاير ..لا يمزقها كي لا يكلف نفسه شراء المزيد ..لا يمزق الملابس إنما يمزقها هي ..صرخته الهادرة تبث الرعب في أوصالها بصوته المخيف :
_الآن تقولينها طلقني ؟! ألم أكن أباك وحبيبك وزوجك ؟! كنتِ تخدعينني ؟! قولي أنك تحبينني !!

_أحبك !

سهم!
سهم كلمتها يصيبه وهي تصرخ بها مغمضة العينين غير واعية لتتجمد قبضتاه فوق ذراعيها ..
قلبه يخفق بجنون بين ضلوعه كأنه يفر منه ..إليها!!
الآن فقط بعدما سمعها منها يعرف أنه سيبقى ظمآناً لها العمر كله !!

لكن صرخاتها تتوالى فاضحة له حقيقتها :

_أحبك يا غازي ..لكن لا تؤذني ..لا تؤذني ..لا تؤذني يا غازي ..لا تؤذني ..

غضب الدنيا كلها يزأر في عينيه وهو يفهم سبب حالتها هذه ليعاود هزها بعنف هاتفاً:
_ديمة ..أفيقي ..غازي مات ..ديمة ..أنا حسام ..افتحي عينيكِ ..تماسكي ..أنتِ تنزفين ويجب إسعافك .

لكنها لم تكن تسمعه ..ذراعاها يلوحان بهذه الطريقة الدفاعية كأنها تختنق..يشعر بها تكاد تسقط فيضمها إليه ولا يدري أيهما الآن أكثر ارتجافاً ..
لا يدري أي حدس يلهمه ليميل على أذنها هامساً بصوته القوي الذي تهدج رغماً عنه :
_أنا معك ..دوماً معك ..

وكأنما أصابتها كلماته كتعويذة ..
(العبارة السحرية) تهزم أشباحها للمرة الثانية !
تشهق بعنف وهي تفتح عينيها فجأة كأنما الغريق رفع رأسه أخيراً فوق سطح الماء ..

تراه ..الآن تراه ..
عيناها تدوران حولها بفزع لا تميز واقعاً من خيال قبل أن تعود ببصرها إليه ..
حلقة الزعفران في عينيها تتوهج بهذا البريق الذي اشتاقه ..
فينفلت اسمها من بين شفتيه برنين خاص ..
لكنها ترفع سبابتها المرتجفة نحوه ..وبالتحديد نحو جانب وجهه حيث كان حاجبه ينزف ليصله صوتها المرتعش بشحوب :
_تنزف .

تنفرج شفتاه عن آهة انفعال وهو يشعر -لتوه- بالنزف اللزج على جبينه لاريب أنه قد أصيب دون أن يشعر ..
يهم بالرد عليها لكنها تبدو وكأنها فقدت آخر ذرة من طاقتها لتسقط بين ذراعيه كدمية انقطعت خيوطها فجأة !
=======
*برتقالي*
=======
_يالله ! تبدين رائعة !
تهتف بها ماسة بحنان وهي تتأمل وجه طيف في المرآة ..لترتجف شفتا الأخيرة بابتسامة واهنة..
لا تحب زينة وجهها لكن لا بأس بها في هذا اليوم الاستثنائي ..
نظراتها شاردة بغموض وأناملها تقبض علي سلسلة مجد التي تركتها لها على وسادتها زاعمة أنها تعد لها مفاجأة..
سلسلة بصدفته !!

_أخيراً أطللتِ بالأبيض! أنت بالذات توقعتك لن تفعليها أبداً ..
تهتف بها جنة بمرح وهي تستعيد ذكرياتها مع طيف في أبو ظبي منذ أعوام ..
لترد حسناء بمرح مشابه :
_قلتها! والله قلتها عندما رأيت "الحليوة" يدخل المشفى حاملاً إياها بدَخلة شمس الزناتي المتفرعنة هذه ..كأنه يشهر مدية في وجوهنا هاتفاً بصوت أحمد عز "البنت دي تخصني يا منطقة!"

تقولها مقلدة لهجة الممثل في الفيلم الشهير ليضحكن جميعاً فيما تدمع عينا زهرة وهي تبسط راحتيها على كتفي طيف هامسة في أذنها :
_أدعو الله بقدر ما ساعدتني أن يمنحك فرحة هذه الليلة .

ترفع إليها طيف عينين دامعتين فائضتين بحنان ناقض خشونة نبرتها :
_لا دموع هذه الليلة ..لا دموع ..

تهز لها زهرة رأسها فتتعلق عينا طيف بدبلة جهاد الملونة التي علقتها زهرة في سلسلة عنقها لتخفيها عن العيون ..والآن بدت بحركتها العفوية تحت حجابها لتبتلع غصة حلقها وهي تفكر ..

أحياناً تسلبنا الأيام قدرتنا على الاختيار ..وتكذب زاعمة أنها منحته ..
ربما كانت زهرة خير مثال لهذا!!

_لمتنا هذه تذكرني بجمعتنا أيام أبو ظبي ..لا تنقصنا سوى دعاء .
تهتف بها جنة بحنين لتلك الأيام رغم صعوبتها لترد ماسة برقة :
_ترسل إليكِ مباركتها ورغبتها الصادقة في الحضور لولا ظروف السفر .

تقولها مخاطبة طيف التي كانت غائبة عنهم في وادٍ آخر وهي تشعر بالغرابة ..
من هذه ؟!
هذه التي توشك أن تزف كعروس من قصر عاصي الرفاعي الذي لم تكن تجرؤ يوماً على تخطي بوابته ؟!
هذه التي طالما زهدت الناس قانعة بوحدتها والآن يلتف حولها الصديقات يزيننها للعرس ؟!
بل هذه التي طالما أعلنت كراهيتها للرجال والآن تجبره على الزواج منها ؟!
كل ما فيها يتصدع ..
أو ..ربما يتفتح ..
كبرعم خجول طل العمر محتمياً بوريقاته المغلقة والآن يعانق بها ضوء الشمس بنهم جائع ..

أناملها تزداد تشبثاً بسلسلة مجد في قبضتها فتتكدس الدموع في عينيها ..
أي مصير ينتظرها هذه الليلة ؟!
أي مصير ؟!
_عاصي يريد الدخول ..يريد صحبة طيف لبهو القصر عند النسوة لتجلس هناك حتى يتم العقد .

ينقبض قلب طيف ببعض الخوف لكنها تنبذه عن روحها بقوة تليق بها ..
تترك سلسلة مجد على الطاولة لترفع عينيها فتبصر عاصي أمامها ..
هل تقرأ الغضب في ملامحه ؟
أم أنها فقط تتوهم وهي ترى فيه شبه أبيه ؟!

يتقدم منها بملامح جامدة وغابات الزيتون في عينيه تتوهج ببريق غامض ..
يتأبط ذراعها دون أن يكلمها فتخفض بصرها وهي تشعر بقلبها يكاد يعوي بين ضلوعها ..
تتحرك معه بخطوات متباطئة نحو البهو ..
تقف على قمة الدرج فتعلو الزغاريد حولها تكاد تصم أذنيها ..
هل هي البداية ؟!
أم هي النهاية ؟!

تزداد كثافة الدموع في عينيها لكنها تكتمها بالمزيد من القوة ..

_طيف ..طيف حماد الرفاعي ..أختي من أبي ..أعلنها أمام الجميع ..ولها جميع حقوقها!

صوت عاصي المهيب يخرس النسوة ليتردد في المكان بعنفوان يليق بهما ..
عيناها تدوران فوق أثاث القصر الفخم..حديقته التي تبدو عبر الباب المفتوح ..وأخيراً بوابته الخارجية ..

ترى بعين خيالها يوم طردت ذات يوم من هناك ..التراب يكاد يعفر ثوبها وثوب أمها..
الثوب ..والوجه ..والقلب!!

عاصي أعاد بناء القصر بعدما هدمه بيده ..ويبدو أنه على وشك أن يفعل المثل بقلبها كذلك!

يعانقها!!
فتشعر بعناقه هذه المرة مختلف!!
هذه المرة لا تقاوم ..لا تنفر ..لا تنكر ..
أناملها تتشبث بقميصه بكل قوتها وجبينها يستند على كتفه !!

يرفع ذقنها بكبرياء يليق بها وهو يلتقط نظرتها برضا ليعاود التحرك بها نحو الأسفل فتعود الزغاريد لتدوي حولها من جديد ..
تجلس في مجلسها وسط النسوة لترفع عينيها نحو عاصي الذي بدا عليه المزيد من التوتر الغامض فتسبل جفنيها باستسلام ..
قبل أن ترفع رأسها بشموخ ..
هي اختارت ..وستتحمل نتيجة اختيارها كيفما كانت !!

يتحرك عاصي نحو الغرفة الكبيرة المجاورة حيث يفترض أن يجتمع كبار العائلة مع العريس وعمه والمأذون كي يعقد القران ليغلق الباب خلفه فيزداد خفق قلبها بجنون وهي تستعيد رسالته التي أرسلها لها عبر مجد ..ثم سلسلة الأخيرة التي تركتها على وسادتها فتبتلع غصة حلقها وهي تحاول الانشغال بتهاني النسوة..

الدقائق تمر بها متثاقلة ..
لماذا تأخر عاصي بالداخل ؟!
لماذا لم يخرج بعد ؟!
وما سر هذه الحركة الغريبة لرجاله دخولاً وخروجاً ؟!
أحقاً لا تعلم ؟!

_لن تخذلني ثانية يا يحيى! لن تفعلها !

لا تدري بأي لسان نطقتها ولا هل غادرت شفتيها أم قلبها ..
لكنها كانت تشعر بها مع رجفة جسدها كزلزال يهز جبالها كلها ..

تشهق بعنف رغماً عنها وباب الغرفة المغلق يفتح فجأة ليخرج منه عاصي وحده ..
يتوقف قلبها عن النبض للحظة وهي تغمض عينيها كمن تلقت رصاصة غدر ..
لكنها عندما فتحتهما من جديد ..وجدته أمامها ..
هو ..يحيى!

_خرب بيتك ! وقفت قلبي! خرب بيتك!!

تهمس بها سراً وخفقات قلبها العاصفة تناقض هذا التعبير الواجم على ملامحها ..

فيما لم يكن يحيى أفضل حالاً وهو يتقدم نحوها ..
لم يستطع الهرب !!




_ارجع يا نزار ..سنعود !
هتف بها مخاطباً صاحبه ليهتف الأخير باستنكار :
_نعم ؟! بعد كل ما فعلناه ؟! نحن بالكاد أفلتنا منهم .
_ارجع ..
يقولها وهو يتحرك ليمسك مقود القيادة فيجبره على التحرك في الاتجاه العكسي ليصيح نزار بفزع:
_توقف يا مجنون ..سأعود ..لكن أخبرني ماذا يدور في رأسك!!

السؤال الأخير بقي معلقاً بينهما حتى وصل إلى هنا ليتسلل لغرفته خلسة كما خرج منها كي يبدل ثيابه استعداداً للعرس ..
لماذا عاد ؟!
لأجلها هي ؟!
كي لا يضعها في مواجهة موقف كهذا ؟!
أم لأجله هو ؟!
لأنه مل من النصل الذي ينغرس أكثر وأكثر فرأى أنه قد آن الأوان لينزعه تماماً من صدره ..
وجع ساعة ولا كل ساعة كما يقولون !!

يرى مجد تتقدم نحوهما بكرسيها فتلتمع عيناه بابتسامة حانية قبل أن يرفع عينيه لنزار الواقف خلفها ..
ملامحه ساخطة ..إنما -كعهده- متفهمة داعمة ..

يبتسم له يحيى ابتسامة شاحبة بما يشبه الاعتذار فيلوح نزار بكفه بحركة ساخطة ..

_على وعدنا يا يحيى!

يهمس بها إلياس جوار أذنه بعد مباركته لطيف وهذه النظرة المتفحصة التي رمق بها كل منهما الآخر ..
فيزدرد يحيى ريقه بتوتر وهو يمهد نفسه لحقل الألغام الذي يوشك أن تفجره قدماه ..


فيما يقف عاصي مكانه يراقب الموقف بنظرات خبيرة راضية ..
لقد نجح يحيى في الاختبار للمرة الثانية ..
هو ترك له الحبل على الغارب عامداً ومنحه فرصة الهروب لكنه عاد برغبته في آخر لحظة ..
هاهو ذا لم يخيب نظرته فيه !!
لكن اختبار العراقي الحقيقي لم يبدأ بعد ..
اختباره الأقسى هناك في بلده كي يستعيد هويته وشخصه ..
لكنه لن يكون وحده ..طيف -أخته- ستكون معه ..
يبتسم بارتياح للخاطر الأخير وعيناه تفيضان بعاطفته وهو يراها تجلس بفخر رافعة رأسها بين الحضور ..

يشعر بماسة تربت على كفه برفق فيلتفت نحوها لتتوهج شموسه الزيتونية بدفء ..صغيراه يتقافزان حوله بهناءة فترتجف ابتسامة ناقصة علي شفتيه وهو يحيد ببصره نحو غرفة سند ..
فقط لو يكمل سداد الدين!
=======
*بنفسجي*
=======
_استر يا رب! ما الذي حدث يا ابني؟!

تهتف بها أمه بجزع وهو يدخل البيت حاملاً ديمة المغشي عليها ليهتف بها بسرعة :
_سأخبرك ..أحضري فقط ما سأطلبه .

تحوقل المرأة وهي تندفع نحو الجوار حيث تحضر له ما يحتاجه لإسعاف جروحها ..بينما يضعها هي على الأريكة الجانبية برفق ليجلس جوارها متحسساً نبض عنقها قبل أن تتسلل أنامله لوجهها ..
كيف تبدو له الآن هذه الملامح الدامية الغارقة في هشاشتها وكأنما صارت تحتكر الكون كله ..
حتى حبيبات النمش على وجهها بدت له كأنها قمم جبال تنتظره كي يتسلقها كلها ..كل واحد منها حلم يدفعه لمطاردته العمر كله !
خصلات شعرها القصيرة شديدة النعومة تثير جنونه وهي تشبهها في تراقصها الخجول على حدود عنقها ..هذه التي أزاحتها أنامله برقة للخلف كي يتمكن من تفحص جروحها جيداً ..
ليس فقط هذه الحديثة ..بل تلك القديمة التي بدت ندوبها الباهتة على عنقها وكتفيها عبر فتحة ثوبها ..وظنه أن ما خفي أعظم !!

كيف تبدو له آسرة لهذا الحد وهي بكل هذه الوهن ؟!
رجلٌ غيره كان ليتّهم فتنتها فيما آل إليه حاله ..لكنه يعلم أنها لم تقتحمه اقتحام جسداً لجسد ..
بل اجتاحته اجتياح روحاً لروح!


_لماذا لم تذهب بها للمشفى ؟! ومن فعل بها هذا ؟!
تهتف بها أمه وقد عادت بما طلبه لتناوله إياه لكنه يتجاهل الجواب الذي لا يعرفه حقاً عن الجزء الثاني من السؤال ليجيب الأول باقتضاب:
_جروحها سطحية ..إغماؤها انفعالي ..أنا تفحصتها في السيارة .

يقولها مخفياً أسبابه الحقيقية في سرعة إحضارها خفيةًَ لهنا ..
قد يزعم أنه فعلها كي لا يتسرب الخبر لعاصي الرفاعي فينفذ تهديده ويحرمها من سند لو علم أنها كانت معه ..
أو يزعم خوفه المهووس من تسرب شائعات عن علاقته بامرأة مثلها ..
لكنه خير من يعلم أنه لم يفكر للحظة وهو يفعلها ..
متعة شعوره أنه يختطفها ليفر بها -ومعها- من العالم صارت توازي متعة الحياة نفسها بالنسبة إليه !
هو أراد لقاء وداع ..والقدر منحه أفضل فرصه ..فهل يعترض؟!

يحكي لأمه بكلمات مقتضبة ما كان وهو يساعدها في تطهير جروح ديمة ..
جرح في جبهتها ..وآخر على جانب شفتيها كاد يطير صوابه وهو يتلمسه بأنامله ..
لكن ما صعقه حقاً ..كان هذا الذي في أذنها والذي اضطره لخلع "فردة القرط عنها !!

_لماذا تنظر إليه هكذا ؟! حسام !! لماذا ترتعش أناملك؟! هل تسمعني ؟! أنت كذلك تنزف دعني أسعف جرحك أنت الآخر .

تغيب عنه كلمات أمه فيتركها تتعامل مع جرحه هو وعيناه معلقتان بفردة القرط في يده ..
الآن يفهم سرها !
هالة !
زوجة عاصي التي دفعت حياتها ثمنا لأفعال زوجها بينما وقف هو متفرجاً يمنع التدخل ..
أم سند الذي فقد النطق تأثراً بوفاتها !
وصديقتها هي ..التي تحتفظ بذكراها بكل هذا التشبث !!

_هي زوجة غازي سامحها الله!! سلطت الأولاد ليفعلوها كي تبقى هي خارج الصورة ..أنا أعرف تفكيرها !
تنتزعه بها أمه من شروده فيغمغم دون أن ينظر إليها وقد عاد محاولاً إفاقة ديمة بعطر نفاذ يخصه:
_أياً كان من حرض عليها سأعرفه وسينال جزاءه .
ترمقه بنظرة غريبة لتعاود سؤاله:
_وما الذي دفع ديمة للذهاب لتلك المنطقة المقفرة ؟!
_كانت تزور قبر صديقتها .
_وأنت ؟! كيف التقيت بها؟!
نظرتها تزداد غرابة وحدس بصدرها يزداد يقيناً خاصة عندما زفر بقوة دون رد منهمكاً فيما يفعله ..
لكنها تدير وجهه إليها لتنظر في عمق عينيه هامسة :
_لماذا عدت بالأمس من العاصمة دون سبب ؟! هل تلاحقها؟!

لم يستطع الكذب ..ولا حتى المداراة ..
ربما لو كان في كامل تركيزه لاستخدم قدراته في المراوغة لكنه الآن يشعر أنه في أضعف حالاته ..

_ياربي! حسام ..أنت ت..؟!

_أفاقت .
يقطع سؤالها عامداً وهو يخبط برفق وجنة ديمة التي بدت في سبيلها حقاً لاستعادة وعيها وهي تحرك وجهها يمنة ويسرة ..قبل أن تفتح عينيها لتلتقي بعينيه ..
أين هي ؟! هل تحلم ؟!

_حمداً لله علي سلامتك يا ابنتي .."الله يجازي أولاد الحرام "..

كلمات المرأة الحنون تدفعها من جديد للذكرى ..
قذف الحجارة يدوي من جديد في أذنها فيستعيد جسدها رجفته وهي تتلفت حولها لتنتبه أخيراً لحقيقة الوضع ..
تحاول الانتفاضة من مكانها لكن جسدها الواهن لا يسعفها ..
وكذلك قبضتاه!!

قبضتاه اللتان تملكتا كتفيها برفق مسيطر وهو ينظر لعمق عينيها قائلاً بحسم :
_لا تتحركي الآن .

_ماذا حدث لي ؟! من فعلها؟!
_لا تشغلي بالك الآن ..مهما كان من فعلها فلن يكررها .


يقولها بحمائية حاسمة لكنها تردد بانفعال أقصى ما يشغل بالها الآن :
_سند! السيد عاصي !لو عرف أني هنا فلن ..

_لن يعرف ! اطمئني ..فهد منحني كلمته ..سيتدبر الأمر مع أخته.

كلماته كعهدها مقتضبة ..حادة ..لكنها كافية !!

_كيف تشعرين ؟!
يسألها بنفس النبرة المختنقة التي تداري انفعالاً رهيباً يكاد يئن تحت ثقله ليصله صوتها المرتجف عبر عينيها المغمضتين وقد عادت دموعها تسيل رغماً عنها :
_لا أعرف ..لا أعرف ..ربما ..ربما أشعر بالبرد .

تتمتم أمه بكلمات مشفقة وهي تهرع نحو الغرفة القريبة كي تحضر لها غطاء يدفئها ..
هذا الذي وضعه هو فوقها وعيناه لا تزالان مسلطتين فوق عينيها المغمضتين ..

يسألها بعض الأسئلة التي اطمأن بها على وضعها الصحي من واقع خبرته المعقولة أثناء عمله القديم ..بينما تنسحب أمه لتعد لها ما تشربه وقد شعرت أن بينهما حديثاً يستحق أن يقال وحدهما ..

_أريد أن أفهم !

يقولها وهو يتحكم في نفسه بصعوبة محارباً كل طباعه القاسية ..
لو كانت أخرى مكانها لكانت قبضته على فكها الآن تجبرها على البوح بكل ما تخفيه ..
لكنه يلجم كل هذا الغضب المتشح بعاطفته بكل ما أوتي من قوة وهو يقبض كفيه جواره مكتفياً بحصار نظراته ..
فلا يظنها تحتمل ولو وخزة أذى إضافية !!

تفتح عينيها لتتوهج حلقة الزعفران فيهما بمزيج من خوف واستسلام ..
هل بقي لديها ما تخسره ؟!

_لماذا سعيتِ خلفي من البداية؟!
_ولماذا تسعى أنت الآن خلفي؟!

سؤالها لم يكن مراوغة بقدر ما كان هروباً ..
لهذا التوت شفتاه بشبه ابتسامة وهو يميل رأسه بقوله:
_امنحيني جواباً ..وسأمنحك مثله !

لكنها تهرب بعينيها منه لتغمغم بارتباك عبر صوتها الواهن :
_لا أعرف الكثير في هذا البلد فأنا غريبة كما تعلم ..الناس هنا في المدينة يتحدثون عن مهارتك ورواج مكتبك في العاصمة ..لم أعرف سواك كي يتولى قضيتي .

_ولماذا لم تطلبي مساعدة عاصي الرفاعي؟!
_علاقتي بالسيد عاصي لا تتجاوز سند ..ولا أريدها أن تكون !

ينعقد حاجباه وهو يتفحص ملامحها ليرفع القرط أمام عينيها فتشهق بحدة وهي تمد أناملها دون وعي لتختطفه منه لكنه يحتجزه في قبضته ليهمس لها بحسم :
_الآن أفهم سر نفورك نحوي في مرات لقائنا الأولى ..لكن سؤالي ..لماذا اقتربتِ إلى هذا الحد ؟!

ترتجف شفتاها بمزيد من برد وخوف وهي تسبل جفنيها فيرفع الغطاء عليها أكثر في حركة حانية تناقض البرودة القاسية لنبرته ..

_ربما كنت أريد أن أفهم ..لماذا فعلت هذا ..طيف أخبرتني بالحقيقة .

_تلك الحمقاء تحبك حتى ولو لم تكن هي نفسها تعلم ..

يذكرها بصوت طيف فيزداد انعقاد حاجبيه وهو يراقب ملامحها بتفحص ..
حلقة داخل حلقة ..
كل متاهة فيها تجذبه للمزيد ..
بينه وبينها ألف "لا" ..ووحده قلبه يصرخ ب"نعم"!!

_هاته ..أرجوك ..

تهمس بها بوهن لا تدعيه فيزدرد ريقه الجاف بصعوبة وهو يرد بنفس البرود الجاف:
_أذنك مصابة ..لن يمكنك ارتداؤه.
_أرتديه في الأخرى ..لكن ..لا أخلعه .

تصميمها الغريب على هشاشتها التي يعرفها يريق المزيد من "لا " في طريقهما ..
المزيد من الحطب فوق الحطب ..

لكنه يدهشها وهو يلبسها إياه في أذنها السليمة ..
تحاول الاعتراض لكنها تستسلم لوهنها ..وقوته ..
لعلها إشارته لها أن الحاجز بينهما سيبقى للأبد ..!!
ترفع عينيها نحوه فتتسعان بشدة وهي تميزها في عينيه ..
دمعة حسرة ..دمعة ندم ..وربما ..دمعة فقد !
دمعة لم تتصور أبداً أن تعرفها عينان كهاتين !!

قلبها يخفق بجنون وهي تشعر بأنامله الباردة ترتجف بشدة وهي تربت على وجنتها بحنان يناقض هذا البرود القارص الذي غرقت فيه كلماته وهو ينهض من جوارها :
_أمي ستعتني بك ..وفهد سيذهب بك للمشفى كي يتم فحصك ونطمئن ثم سيعود بك لقصر الرفاعي ..اطمئني سأجعله يتدبر الأمر كي لا يعلم أنك كنت هنا .

عيناها تلاحقانه وهو يتحرك نحو الباب ليغادر ..
يلتفت نحوها ليردف بنبرة ارتجفت رغماً عنه :
_قبّلي سند نيابة عني ..علميه أن بعض الأخطاء لا نقصدها لكننا مجبورون أن ندفع ثمنها عمرنا كله .

دموعها تنهمر رغماً عنها والكلمة الأخيرة تسبق الباب المغلق بينهما :
_وداعاً.
=======
*برتقالي*
=======
باب الغرفة يغلق خلفهما بعد انتهاء حفل الزفاف فتلتقي عيناهما ..
لم تعد نظراته متوارية خلف القضبان ..
هي حطمتها كلها لتبدو لها صحاري روحه بكل ما تحمله من سعة ..وخيبة ..ووجع ..
ولم يعد سديم عينيها فوضوياً ..
بل صارت نجومه واضحة ..لامعة ..تعده ..وتتوعده !!

زفرته المشتعلة تسبق إطراقة رأسه وهو يتحرك نحو النافذة القريبة فيفتحها شاعراً باختناق أنفاسه ..
أين عقلك الذي كنت تتباهى به يا يحيى؟!
ما كل هذا التشتت ؟!
هل ستعود ؟!
حقاً ستعود ؟!
إلياس ينتظر الحقيقة ..
استبرق لن تتركك وشأنك ..
عاصي الرفاعي يحتجزك هنا ..
وهذه ال...ال ...ال(عديمة الوصف) طيف ..ماذا عساها تنتوي فعله معك؟!
تظنها تزوجتك لتدللك؟!
تباً لكل هذا ؟!

زفرة أخرى ساخطة يطلقها وهو يشعر بها تتحرك خلفه لتدخل الحمام المجاور وتغلق بابه خلفها برفق ..
رفق!!
ألا يفترض أن تصفقه في وجهه ؟!
هذا الهدوء منها لا يريحه!!

يغمض عينيه بوجع حقيقي من هذا الصداع الذي يكاد يفتك برأسه ..
على الأقل هو منحها السلام هذه الليلة ..
أخوها اعترف بنسبها أمام الجميع وصارت لها عائلة ..
(توأم روحه) استردت بعض روحها ..فهل يطمع هو بخاتمة مشابهة؟!

تنقطع أفكاره وهو يسمع باب الحمام يفتح فيفتح عينيه لتتسعا عن آخرهما وهو يميز ما ترتديه ..

قميص نوم فضي قصير ناسب سمرة بشرتها وانحسر عن ساقيها ليبرز رشاقتهما عبر مئزره الطويل الذي تركته مفتوحاً ..
قدماها حافيتان بمشهد عفوي داعب قلبه ليشعره بحميمية أكثر ..
خصلات شعرها القصيرة تتمايل بإغاظة فوق كتفيها وهي تتحرك نحوه بخطوات بطيئة حتى تتوقف أمامه تماماً لا يكاد يفصلها عنه سوى أنفاسه ..

يرمقها بنظرة عميقة ..عميقة ..كأنه يود اختراق هذا القناع الغامض الذي ترتديه كي ينفذ منه لروحها ..
لكنه لا يزال عاجزاً عن الفهم ..

_لماذا لم تهرب؟!

سؤالها يصفعه فيعقد حاجبيه بشدة وهو يتفرس ملامحها بدهشة ليهمس:
_كنتِ تعلمين ؟!
نظراتها لم تحد عنه لثانية ..كأنما التصقت حدقتاها بحدقتيه وهي تهمس بصوت محايد :
_رأيت صاحبك "فرقع لوز" هذا في الحفل ..ومجد تركت لي سلسلتها زاعمة أنها تعد لي مفاجأة ..ثم ..هذه الرسالة التي أرسلتها لي معها كأنك تودعني ..لا ينقصني كثير من الذكاء لأربط الخيوط معاً فأدرك أنك كنت تعتزم الهرب ..لم أكن لألومك لو فعلتها ..لكنني أسألك ..لماذا لم تفعلها ؟!

_لا تعلمين حقاً؟!
يهمس بها بمزيج من عنفوان آسر ووهن محبب بعد تنهيدة حارقة وهو يقترب بوجهه منها ..ينتزع من جيب سترته منديلاً يمسح به ما بقي من زينة وجهها ليهمس أمام عينيها:
_هكذا أفضل ..أحب وجهك دون أصباغ ..

ملامحها تبقى على جمودها كأنها لا تسمعه ..لكن جسده هو ما يشتعل تأثراً بقربها فيلقي ما بيده جانباً ليقترب منها أكثر ..فلا تبتعد ..
بل يصله همسها الشارد بنفس النبرة المحايدة :
_قلت لي يوماً إن ضحكتي ثاني أجمل شيء فيّ..وعدتني ساعتها أن تخبرني بأول شيء لاحقاً..يمكنك إخباري الآن .
يبتسم ابتسامة حقيقية تبدو له كحلم وسط كل هذا الخراب الذي تتوه فيه روحه ..
أنامله الدافئة تمتد لتتلمس جيدها برفق لترسم مسارها الدائري حول موضع خافقها مع جوابه :
_هذا !

تغمض عينيها دون رد ليستمر فيما يفعله مردفاً بصدق حار :
_هذا العصيّ العنيد ..البريء ..هذا القوي المتحدي المزلزل ..الرقيق ..هذا المنتقم المتوعد الجبار ..الحنون ..هذا الذي رسم له الحزن قناع عجوز لكنه لا يزال يحيا بشغف طفل ..هذا ..قلبك!

لم يكد ينتهي من آخر حروفه حتى شعر بشفتيها تلامسان شفتيه ..
كفيها يعانقان وجهه كأنما تحتجز ما بقي من حروفه ..
كانت أول مرة يقبّل فيها امرأة ..
أجل ..جسده كان بكراً مثلها !!
لهذا كان يتخبط بشعور يجربه معها لأول مرة بكل هذا الصخب وهو يشعر أنه يتوه فيها بكل ما فيه ..
يذوب فيها بكل مافيه ..
لم يتصور أبداً أن تبادره هي بفعل كهذا ..لكنه لم يمتلك الوقت ليفكر بالمزيد ..
الآن فقط يشعر كم هو ظمآن لها ..كم هو جوعان لها ..كم هو عاشق ..كم هو هائم ..
بل الآن فقط يسأل ..كيف مضى العمر دونها ؟!
لا يعرف كيف يمكن أن تقبّل امرأة بهذه الطريقة ..كأنها تسكب روحها فيه كي تصهره وتنصهر معه !

ذراعاه يطوقانها بقوة يثق أنها مؤلمة ..مؤلمة بقدر احتياجه ..بقدر أسفه ..وبقدر حيرته ..
لكنها تحتملها صابرة وهي تغيب معه في أول موجة ترفعهما حد السماء ..

أنامله تمتد نحو مئزرها كي تزيحه لكن قبضتيها تهويان فوقها ليجدها تبتعد عنه فجأة ..!!

يرفع إليها عينيه بدهشة لترتسم ابتسامة شامتة على شفتيها وهي تهمس :
_هذا فقط كان لتدرك أي شيء ضيعته على نفسك في ليلة كهذه !

ينعقد حاجباه بغضب لتضم هي مئزرها فوقها رافعة أنفها باستطرادها :
_لم تكن لتعلم لو لم تذق ..صحيح؟!

يطلق زفرة ساخطة وهو يرمقها بنظرة حانقة طويلة شاعراً بهذه الحرائق التي أشعلتها فلم تطفئها ليهتف بغضب:
_ماذا تظنين فيّ؟! طفلاً تبعدينه وتدنينه متى شئت؟!

_وهل يحق لك وحدك فعل المثل؟!
عتابها الحارق يقذفه لذكراهما القاسية عندما تركها برسالته ذاك اليوم فيزداد انعقاد حاجبيه وهو يدرك نواياها السوداء للقادم ..
وكأن القادم ينقصه السواد !!

يشيح بوجهه عنها لكنه يجدها تتحرك لتغادر الغرفة فيلحق بها هاتفاً بضيق:
_أين تذهبين؟!
_لغرفة مجد ..سأنام معها .
تقولها ممعنة في إغاظته ليهتف بها بضجر :
_أنا الذي سأنام معها ..أنا افتقدتها طوال هذه الليالي .

_لا بأس! ننام كلانا معها ..السرير واسع .
تقولها ببرود وهي تتحرك نحو غرفة الصغيرة التي خصصت لها في الطابق العلوي الذي جعله عاصي لهما ..
يعود لغرفتهما كي يبدل ملابسه بحركات عصبية قبل أن يتوجه نحو غرفة مجد النائمة حيث استقرت طيف جوارها على طرف الفراش فيحتل هو الطرف الآخر ..

أنفاسهما الساخنة تكاد تشعل النيران في الغرفة وصمتهما الصاخب يداري مجزرة ..!!

لتكون هي أول من يقطع الصمت بسؤالها الهامس كي لا توقظ الصغيرة :
_لماذا سافرت من أبو ظبي يومها بهذه الطريقة لترسل لي بعدها تلك الرسالة السخيفة؟! ما الذي جد وقتها لتتصرف هكذا ؟!

زفرته المشتعلة تبدو وكأنه لن يريحها بجواب ..
لكن همسه الخافت يصلها بعد لحظات ..
_التقيت امرأة تعرفني ..خشيت أن ينكشف الأمر ..أفقت للحقيقة أن قدري لن يتغير .

تطلق صوتاً ساخراً يزيد حنقه لتعاود سؤاله :
_ماذا ستفعل مع إلياس؟!
_لا أدري .
تنهض من رقدتها لترفع رأسها إليه هامسة :
_افعل ما تشاء لكن اعلم أن وجودك هنا معي لأجل مجد ..زواجنا مجرد حبر على ورق لكن شأنك يعنيني فقط لأجل الصغيرة ..لهذا أنت مجبور أن تشاركني قرارك وإلا فاتركها لي واذهب للجحيم لو أردت .

يرمقها بنظرة ساخطة ثم يعطيها ظهره وهو بالكاد يمنع نفسه من الأمرين ..
أن يحطم رأسها غضباً..وأن يصرعها بين ذراعيه عشقاً..!

يمر عليه الوقت بتثاقل بين ذكرى اليوم الصاخب وما ينتظره في الغد حتى يرى عبر النافذة شعاع الشمس قد بدأ في الظهور ..
ليلة أرق أخرى كسابقات الليالي ..!

_كانت ليلة لن أنساها .

صوتها الخافت الناعس في حلمها يجعله يلتفت لينهض من رقدته فيميز ابتسامتها في نومها لتبدو له آسرة ..
ملامحها مرتاحة هانئة كما لم يرها من قبل ..
هذه الحمقاء الشرسة ..كم يحبها !!

يميل بحذر عبر جسد مجد النائمة بينهما ليقبل وجنة طيف برقة قبل أن يزيح خصلات شعرها القصير عن وجهها ..

_مخطئة! كنت سأعلم حتى ولو لم أذق ..والآن وقد ذقت فلن أنسى أبداً ..

يهمس بها بخفوت وأناملها تتحسس وجنتها ثم يتنهد بحرارة وهو يراقب كفها الذي احتضن كف مجد بتردد للحظات ..
قبل أن تلتمع عيناه بحسم ليضع كفه فوقهما هامساً بما يشبه الوعد :
_لأجلكما كسر السندباد سفينته ليقطع على نفسه سكة الهروب ..فأهلاً بالمعارك !
=======
_"ولا في الأفلام"! عدوة الرجل وعدو المرأة يصرعهما الحب !
_زفاف أسطوري ل"طيف الصالح" في الصعيد حيث بلدتها الحقيقية لثري عراقي مرموق .


تطالع الخبرين المنشورين على أحد المواقع بابتسامة واهنة صبيحة ليلة زفافها ..
تتلقى مباركات قرائها التي انهالت على صفحتها الرسمية مصحوبة بصورة زفافها التي شاركتها حسناء على نفس الصفحة فلا تشعر بلوم كبير لها ..
تتسع ابتسامتها وهي تستعيد أحداث ليلة البارحة بزهو امتزج ببعض الحسرة ..فقط لو كانت ليلة زفاف كاملة !!
لكن ..لا بأس ..
هو ثأرها الذي سيشفي غليلها منه وستمضي في طريقه لآخره !!

تتحرك نحو خزانة ملابسها في غرفتهما لتفتحها ..
"الدرج السري" الذي طالما ادخرت فيه أحلام أنوثتها ..الآن تسمح لنفسها بأن تستخرجها ..

تختار قميصاً بالغ الأناقة بماركة عالمية شهيرة ..أبيض اللون متناهي القصر لا يكاد يخفي شيئاً من ساقيها الرشيقتين وقد انتفشت فتحة صدره لتمنحه بروزاً محبباً ..
ترتديه بخجل لم تسمح بالاعتراف به لتتفحص شكلها في المرآة ..
ثم ترتدي مئزره مفتوحاً بتعمد لتضع عطراً آسراً ثم تبدأ في تمشيط شعرها ..

_أين مجد ؟! ألم تكن نائمة..

صوته عند الباب يفاجئها وقد بدا أنه قد استيقظ لتوه فتلتفت نحوه ليقطع عبارته وهو يشعر أنه فقد أنفاسه مبهوراً بهذه الفتنة التي ظللتها ..

بينما تكتم هي ابتسامة شماتتها بردة فعله لتعاود تمشيط شعرها بلا مبالاة قائلة :
_أرسلتها صباحاً مع الخادمة لصاحبك "فرقع لوز" ! لا يصح أن يعلم الجميع أن العروسين كانا نائمين مع الطفلة ليلة زفافهما ..هنا تكون مثل هذه الأمور "فضيحة بجلاجل"!

تتبع عبارتها بضحكة ساخرة شامتة ليقترب منها ببطء بملامح جامدة ..
فتردف وهي تنظر إليه عبر المرآة :
_عمك إلياس أرسل في طلبك ..
ثم تلتفت نحوه باستطرادها :
_تناول طعامك وانظر ماذا يريد ..ولا تنس أنك ستخبرني بكل ما ستقو..

تنقطع عبارتها بآهة خافتة فلا تدري كيف صارت فجأة على صدره ..
كيف تحرك بها بسرعة خاطفة ليلصقها بالجدار القريب وأحد ذراعيه يكبل معصميها فوق رأسها والآخر يضمها بقوة إليه ..
تحاول ركله بين ساقيه لكنه يضغط جسدها بينه وبين الحائط أكثر ..
همسه العنيف يصلها مشتعلاً ولهجته العراقية تزيده ثقلاً:
_هذا لتعلمي أنني أتركك بإرادتي الحرة ..من الذي يمنعك مني الآن ؟! ها ؟! من ؟!
لكن عينيها تشتعلان بعنف مماثل وهي تحاول التملص من قبضته دون جدوى لتهتف بين أنفاسها اللاهثة:
_قد تكون لصاً مزوراً مخادعاً ..لكنك لست مغتصباً ..الرجل الحر لا يمس سوى امرأته حلاله ..وأنت لست رجلي ..
يكز على أسنانه بقوة وقبضته تزداد إحكاماً فوق معصميها ..
لتردف بنفس العنفوان الجامح :
_كنت تزعم أنني توأم روحك؟! هراء!! أين أنت مني؟! رجلي لا يترك حقه ..لا يهرب من مشكلة ليغرس قدميه في وحل مشكلة أكبر !! رجلي لا يرفض العار الذي لا ذنب له فيه ليلحق بنفسه عاراً أشد من صنع يديه !! رجلي يواجه لا يهرب !! يؤتمن ولا يخون !! لهذا وضعت شرطي على عقد زواجنا أن أطلق نفسي متى شئت ..لو كنت أراك رجلي لما فعلتها ..لسلمتك أمري دون قيود ..تدري ماذا فعلت بصدفتك التي صنعتها لي؟!
عيناه تحيدان لجيدها مع سؤالها الذي أجابته بنفسها:
_كسرتها ودست عليها حتى أدمت قدمي لكنني لم أبالِ ..لم أسمح لنفسي بالبكاء حتى آخذ ثأري منك ..وهأنذا أفعل !هذه هي المرأة التي تدعي أنت أنك توأمها ..فهل تراك تصلح لأن تكون رجلها ؟!

غضب أسود يشعل عينيه للحظات وقبضته تكاد تدمي معصميها من فرط ضغطه غير الواعي عليها ..
كلماتها تضغط بقسوة على جرحه ..إنما هذه القسوة الرحيمة التي تقوّم ولا تكسر !!
لهذا ترتخي قبضته تدريجياً على معصميها فتنفضهما هي بقوة وهي تواجه عينيه بتحدّ شابه قبس من عاطفتها الجامحة وهي تميز في ملامحه المنهكة أثر أرقه الطويل ..

_ابتعد ..
تهتف بها بحدة ليرد بحدة مشابهة امتزجت بنبرة تهديد :
_حسناً ..لا تعودي لترتدي مثل هذه الأشياء المستفزة مثلك ..لو رأيتك من جديد بثياب كهذه فسأعتبرها دعوة مستترة منك سأكون أكثر من متحمس لتلبيتها !
فتطلق صوتاً ساخراً وهي تميل وجهها بحركة مستفزة :
_ترى بمن مِن نسائك قبلي تذكرك ثيابي هذه كي توقظ براكينك ؟!
فيصمت للحظات متعمداً إثارتها وعيناه تدوران حول ملامحها ببطء قبل أن يميل على أذنها هامساً بحرارة مشتعلة :
_ظننتك أذكى من ألا تدركي ..أنتِ أول امرأة أمسها .

تدمع عيناها لسبب لم تشأ الاعتراف به وهي تشيح بوجهها لكنه كان يكاد يسمع خفقات قلبها الهادرة على صدره ..
ورغم رغبته الحالية في كسر رأسها الصلب هذا لكنه مسح دمعتها الخائنة قبل أن تسقط من طرف عينها ليحتضن وجنتها بقوة رفيقة فيدير وجهها نحوه هامساً أمام عينيها بقوة ذكرتها بعهدهما القديم :
_ما يصبرني عليكِ أنني مدين لك باعتذار كبير ..اعتذار لن تقدمه كلمات..بل عمر ..عمر بأسره نذرت ما بقي منه لك ولمجد .

تزدرد ريقها الجاف بصعوبة وهي تسبل جفنيها مخفية عنه حديث عينيها ..
تصدقه ؟!
بكل روحها تصدقه لكنها لن تقولها أبداً ..
ليس قبل أن يجتاز اختباره ..ليس قبل أن تذيقه مرارة وعيدها ..
تشعر به يبتعد فتتنحنح بخشونة لتهتف به :
_إلى أين؟!
_سأغتسل وأبدل ثيابي كي ألتقي بعمي إلياس ..
يقولها ثم يلتفت نحوها بجانب رأسه ليردف بتهكم مشيراً لرأسه ومحاكياً قولها منذ دقائق:
_يجب أن يكون شعري مبتلاً وأنا أقابله وإلا كانت .."فضيحة بجلاجل"!

تكتم ابتسامتها فتبدو له ألذ من ابتسامتها الصريحة وهي تشيح بوجهها للحظات فيعاود السير للخروج من الغرفة ..

_يحيى..

نداؤها يستوقفه فيلتفت نحوها من جديد لتتقدم منه ببطء وهي تدرك خطورة المواجهة التي هو مقبل عليها ..
لا تريد سؤاله عما ينتويه ..
لكنها ..

_أنا معك ..

لم تبح بها شفتاها إنما هتفت بها عيناها دون رادع وهي تهديه قبساً من قوتها تلقفته روحه مرحبة ..
لترتجف شفتاه بابتسامة مزجت عاطفته بامتنانه قبل أن يطلق زفرة مشتعلة وهو يعاود التحرك ليغادر الغرفة كي يستعد للقاء المهيب ..!!
=======
تقف بتول خلفه على بعد أمتار تتأمله ظهره في وقفته أمام النافذة بانبهار حقيقي ..
حبها لهذا الرجل أسطورة ..
الوجه الآخر للشر عندما يكون جاذباً بل ..آسراً..
وهي اختارت الوقوع في حبائله راضية غير نادمة ..

تتقدم نحوه أكثر حتى تكاد تلاصقه ..
تعانق ظهره بذراعيها فتصلها همهمته الراضية كوسام شكر ..
تمسد ذراعيه ببطء مثير ..لا ترى وشم الكوبرا الذي يخفيه قميصه إنما تستشعر قوته تثير الرجفة في أوصالها ..

يلتفت نحوها برأسه ثم يلف ذراعه حولها ليضمها إليه في قبلة تبدأ حانية دافئة قبل أن تزداد قسوتها حتى تشعر بمذاق الدم في فمها ..
تكتم أنة وجعها وهي تحاول التملص من بين ذراعيه دون جدوى لكنه يحررها أخيراً لترمقه بنظرة غريبة مزجت خوفها بعتابها فتلتوي شفتاه بابتسامة قاسية:
_المتعة والألم توأمان لا ينفصلان ..احفظي هذا الدرس جيداً كي توفري على نفسك الكثير من مشاقّ تعلّمه ..الألم ثمن المتعة ..والمتعة جائزة الألم ..وكلما زاد الثمن زادت الجائزة !

ترمقه بنظرة إعجاب غامرة رغم الخوف الذي دب في أوصالها قبل أن تتناول منديلاً مسحت به بقايا الدم على شفتيها لتسأله باهتمام :
_ماذا كنت تشاهد بهذا الاهتمام؟!
تقولها مشيرة لهاتفه في يده فيعاود ضمها إليه برفق هذه المرة ليفتح هاتفه قائلاً :
_انظري لهذا الفيديو ..أرنبان ضعيفان هزيلان تم تجويعهما لأيام ثم وضعوا أمامهما القليل من الطعام الذي بالكاد يكفي أحدهما ..انظري ..ماذا يحدث ..

تتسع عيناها بانفعال يتحول لمزيج من رعب واشمئزاز وهي ترى الأرنبين يتصارعان بضراوة قاسية لينتهي الحال بأحدهما ممزقاً غارقاً بدمائه بينما لم يكن الآخر أفضل حالاً لكنه انقض على الطعام ليلتهمه بنهم ..

_هذا هو فن استخراج القوى الدفينة ..لكل واحد منا قوة داخلية عاصفة لا تصقلها إلا ظروف خارجية خاصة ..قوة لن تصدقي وجودها إلا عندما تستفزين منبعها ..والعبقرية هنا هي استنباط هذا المنبع ..وإجادة استفزازه ..وهذه لعبتي!

ترتجف ابتسامتها وهي تحاول مجاراته :
_بالتأكيد ..لكل منا منبع قوة ..ونقطة ضعف ..
ثم تعانق وجهه بكفيها مردفة:
_أم أنك لا تملك واحدة ؟!

يهيأ إليها أن عينيه تغيمان بنظرة إنسانية نادرة ليغيب في شرود قصير قبل أن يتمتم بخفوت:
_واحدة ..نقطة ضعف واحدة ..لكن عزائي ألا أحد يعرفها ..لا أحد ..والقانون عندي ثابت فيها :الموت يسبق الوصول إليها .

ورغم اعتيادها قسوته لكنها شعرت بها هذه المرة هادرة مخيفة تفوق حدود احتمالها لهذا تنحنحت بارتباك وهي تتراجع للخلف خطوة عندما رأت أحد رجاله يتقدم نحوه ليخبره أن أحدهم يطلب الإذن للدخول فاتخذتها ذريعة لتنسحب ..


_سيدي .
يهتف بها الرجل الذي دخل لتوه ممتقع الوجه ليلتفت نحوه "الكوبرا" بنظرة مترقبة وقد تعرف إليه قائلاً:

_هات ما عندك ..أظنه قد حان الأوان لنستعيد أمانتنا التي سرقها ذاك الوغد غازي قبل أن ينال جزاء خيانته؟! الدنيا هدأت بعد موته وخاصة بعدما أزحنا ذاك الضابط المدعو "أديم" من طريقنا .

يتلجلج الرجل وقد بدا على ملامحه الخوف للحظات قبل أن يعاود القول بتلعثم:
_غازي كان يخفي مفتاح باب قبو بيته المصفح حيث "أمانتنا" في مكان ما دلني عليه رجلنا الذي دسسناه لمراقبته خفية ..

يقولها ليعاود صمته المذعور فيصرخ فيه الكوبرا هادراً:
_هل ستنقطني بالكلمات ؟! انطق ..ماذا حدث؟!

_المفتاح كان في بطانة حقيبة قديمة مرمية في مخزن قديم ببيته تخص زوجته الثانية السورية ..تركناه هناك في مأمنه حتى تهدأ الأمور كما طلبت ..لكن المفاجأة أن الحقيبة اختفت ..رجلنا هناك بحث عنها فلم يجدها ..لكنه سأل ليكتشف أن المرأة استعادتها ..

_الحقيبة اختفت ..وهو اكتشف أن المرأة استعادتها ..؟!!
يقولها ببرود مستنكر قاس وهو يقترب من الرجل الذي صرخ وقبضتا الكوبرا تعتصران عنقه باستطراده:
_وماذا كان يفعل هو هناك إذن ؟! يشم الهواء؟!

يصرخ الرجل باستجداء ليهمس له الكوبرا وقبضتاه تبدوان كرسول موت قريب :
_لا مكان عندي لغبي أو متقاعس ..تعرف كم تساوي أمانتتا تلك عنده ؟! أنت المسئول أمامي .
_الرحمة ..هو خطئي الأول ..أرجوك سيدي ..
_خطؤك الأول عندي هو خطؤك الأخير .

يهمس بها الكوبرا بقسوة تليق بلقبه وهو يراقب وجه الرجل الذي احتقن حد الانفجار وهو يحاول المقاومة لكنه كان يشعر بأسلحة الحرس خلفه تحذره من عقم المحاولة ..
يسقط صريعاً أخيراً تحت قدميه فيشير الكوبرا لرجاله إشارة خاصة ليتقدموا فيحملوه بعيداً قبل أن يشير لأحدهم فيتقدم نحوه ليهتف به بصرامة قاسية:

_تولّ أنت أمر ذاك الغبي الآخر هناك ..واجمع لي كل المعلومات عن زوجته الثانية تلك ..يبدو أن لنا جولة أخرى معها ..
======
انتهى الفصل الثالث والعشرون


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-01-21, 02:04 AM   #1990

Mai aboelmaged

? العضوٌ??? » 454989
?  التسِجيلٌ » Sep 2019
? مشَارَ?اتْي » 119
?  نُقآطِيْ » Mai aboelmaged is on a distinguished road
افتراضي

ابدعتي يا نيمو بجد الفصل مبهر ❤❤💙💙

Mai aboelmaged غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:27 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.